بيادر
الأدب القديم والحديث
المرحلة الثانوية
الوحدة الثانية في الأدب
تأليف: دكتور محمد حمد
حسب منهاج الأدب الجديد (2014)
لوزارة التربية والتعليم
صفحات بخط عادي 10-324
الناسخ: محمد بياطرة
المكتبة المركزية للمكفوفين
وذوي عسر القرائي
تل أبيب إسرائيل 2019
رقم التسلسل: 54789
أعزائي الطلاب والطالبات، المعلمين والمعلمات في المدارس الثانوية العربية
أضع بين أيديكم الوحدة الثانية في الادب العربي والادب العالمي من كتاب بيادر الأدب القديم والحديث، حسب المنهاج الجديد (2012) الذي أقرته وزارة التربية والتعليم. جاء الكتاب تسهيلا لعمل المعلم / ة واستيعاب الطالب / ة، ويهدف إلى طرح منهجية جديدة ورؤية حداثية في تناول موضوع الادب، عمادها إقصاء عملية التلقين، واستبدالها بتفعيل الطالب / ة ذهنيا وعاطفيا ونفسيا، مما ينمي القدرة على التحليل وفق مهارات التفكير العليا، ويمرن الذائقة الادبية في استشعار جمالية النص وشعرية اللغة. ومن هذا المنطلق، فقد خلت النصوص من التحليل الجاهز الذي يحد من قابلية التفكير الإبداعي والناقد، وإنما أثبت شروحا للمفردات الصعبة، ومفاتيح تأويلية لكل نص، من شأنها أن تفتح طريقا للتحليل الثاقب عند الطالب / ة والمعلم / ة، ثم أثبت مجموعة من الاسئلة التي تتعامل مع المضمون والشكل كوحدة واحدة لا تقبل التجزئة، الأمر الذي يتيح المجال أمام المعلم / ة والطالب / ة في استقراء النصوص الأدبية من خلال فعل القراءة الإنتاجية الإبداعية.
بالإضافة إلى ذلك، يحتوي الكتاب على تقديمات، تتضافر قيمتها النقدية وإسهاماتها في تأويل النص، مثل: نبذة عن حياة الكاتب / ة، قائمة بالمصادر والمراجع التي يمكن الاستزادة منها، وقد استغني عن مسرد المصطلحات لوجوده في كتب الوحدة الأولى، حين يمكن اللجوء إليه.
امل لكم النجاح، والله ولي التوفيق. أرجو لكم سنة دراسية ممتعة وموفقة وكل عام وأنتم ولغتنا العربية بخير
مع فائق الاحترام والتقدير
المؤلف
الفهرس
الباب الأول / النثر القديم ومختارات من القران الكريم والحديث النبوي الشريف صفحة 9
الفصل 1. الأمثال التي مع قصص صفحة 10
قطعت جهيزة قول كل خطيب صفحة 10
على أهلها جنت براقش صفحة 11
الحديث ذو شجون صفحة 12
الأمثال التي بدون قصص صفحة 14
من غربل الناس نخلوه صفحة 14
لكل مقام مقال صفحة 14
أعط القوس باريها صفحة 14
مكره أخوك لا بطل صفحة 15
كلم اللسان أنكى من كلم السنان صفحة 15
مقتل الرجل بين فكيه صفحة 16
العتاب قبل العقاب صفحة 16
الفصل 2. القران الكريم صفحة 17
الفصل 3. الحديث النبوي الشريف صفحة 20
الفصل 4. النثر والسرد الراشدي والأموي صفحة 26
مختارات من عهد علي بن أبي طالب للاشتر النخعي لما ولاه على مصر صفحة 26
رسالة عبد الحميد إلى الكاتب صفحة 28
الفصل 5. النثر والسرد العباسي صفحة 32
كليلة ودمنة صفحة 32
مريم الصناع للجاحظ صفحة 34
ألف ليلة وليلة - السفرة الثانية صفحة 37
الباب الثاني / الشعر القديم - الجاهلي، الأموي، العباسي، الأندلسي صفحة 41
الفصل 1 - الشعر في العصر الجاهلي صفحة 42
امرؤ القيس - قفا نبك صفحة 42
طرفة بن العبد - لخولة أطلال صفحة 46
الشنفرى - لامية العرب صفحة 48
عروة بن الورد - لحا الله صعلوكا صفحة 51
الفصل 2. الشعر في العصر الأموي صفحة 55
الاخطل - في مدح بني أمية صفحة 55
قطري بن الفجاءة - أقول لها وقد طارت شعاعا صفحة 58
الصمة القشيري - حننت إلى ريا صفحة 60
قيس بن الملوح - من قصيدة المؤنسه صفحة 62
عمر بن أبي ربيعة - ليت هندا صفحة 64
مالك بن الريب يرثي نفسه صفحة 67
الفصل 3. الشعر في العصر العباسي صفحة 70
أبو نواس - مصابيح الدجى صفحة 70
ابن الرومي - وحيد المغنية صفحة 73
أبو العلاء المعري - من اللزوميات صفحة 76
ابن الفارض - قلبي يحدثني بأنك متلقي صفحة 79
الفصل 4. الشعر في الفترة الأندلسية صفحة 82
لسان الديب بن الخطيب - جادك الغيث صفحة 82
ابن سهل، الأندلسي - هل درى ظبي الحمى صفحة 86
الباب الثالث / الشعر في العصر الحديث صفحة 91
الفصل 1. الشعر في العالم العربي صفحة 92
أحمد شوقي - الرحلة إلى الاندلس صفحة 92
أحمد شوقي - زحلة صفحة 96
ميخائيل نعيمة - أخي صفحة 98
إيليا أبو ماضي - الطلاسم صفحة 102
بشارة الخوري - أرق الحسن صفحة 106
سعيد عقل - سائليني صفحة 108
نازك الملائكة - غسلا للعار صفحة 111
سعاد الصباح - كن صديقي صفحة 114
أدونيس - مرثية للحلاج صفحة 119
محمد الماغوط - أيها السائح صفحة 122
خليل حاوي - المجوس في أوروبا صفحة 125
يوسف الخال - البئر المهجورة صفحة 130
الفصل 2. الشعر الفلسطيني المحلي والشعر الإسرائيلي المكتوب بالعربية صفحة 134
حنا أبو حنا - تعاويذ التراب صفحة 134
سالم جبران - العالم الضائع صفحة 137
شكيب جهشان - من رباعيات لم يكتبها الخيام صفحة 141
فاروق مواسي - القدس: قصيدة أخرى صفحة 145
ماذا تغير؟ إبراهيم عوبديا صفحة 149
جورج نجيب خليل - الشاطئ يناديكم صفحة 152
الباب الرابع - النثر والسرد الحديث والعالمي صفحة 157
الفصل 1. القصة القصيرة العربية الحديثة صفحة 158
توفيق عواد - الصبي الأعرج صفحة 158
نجيب محفوظ - بيت سيء السمعة صفحة 172
سميرة عزام عام اخر صفحة 181
هيفاء بيطار - موت البجعة صفحة 188
الفصل 2. القصة العالمية الحديثة صفحة 195
موباسان - الحلية صفحة 195
تشيخوف - الألم صفحة 207
ماركيز - بائع المعجزات صفحة 215
عاموس عوز - عادة للريح صفحة 226
الفصل 3. الكتاب المقدس - العهد الجديد صفحة 250
الفصل 4. الرواية العربية والعالمية صفحة 252
باولو كويلو - الخيميائي صفحة 252
شمعون بلاص - إية صفحة 254
يوسف القعيد - بلد المحبوب صفحة 256
جبرا إبراهيم جبرا - البئر الأولى صفحة 258
الفصل 5. المسرحية العالمية صفحة 260
شكسبير - هاملت صفحة 260
شكسبير - عطيل صفحة 262
الفصل 6 المقالة صفحة 263
الثورة على العولمة - أحمد أبو زيد صفحة 263
الخطاب العلمي العربي - دكتور محمد الرميحي صفحة 273
اللغة العربية وعلوم العصر - مها خير بك ناصر التسامح صفحة 284
التسامح - الدولة المدنية - دكتور جابر عصفور صفحة 291
الفصل 7 المطالعة الحرة صفحة 299
بسمة النسور بيت، بيوت صفحة 299
سعيد حورانية - الصندوق النحاسي صفحة 303
عبد السلام العجيلي - معلم العشيرة صفحة 312
عزيز نسين - الشرطي الحقيقي صفحة 317
*9*
*9*
*10*
*10*
الأمثال التي مع قصص:
مصادر ومراجع
ضياء الدين ابن الأثير. المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر. ( تقديم وتعليق: أحمد الحوفي وبدوي طبانة)، الجزء الأول، (القاهرة: دار نهضة مصر للطبع والنشر، 1959) محمد توفيق أبو علي. الأمثال العربية والعصر الجاهلي، دراسة تحليلية. (بيروت: دار النفائس، 1988)؛ العسكري، أبو هلال الحسن بن سهل. جمهرة الأمثال (تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش). (القاهرة: المؤسسة العربية الحديثة، 1964)، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي. أدب الدنيا والدين. (بيروت: دار الكتب العلمية، 1987).
*10*
أصله أن قوما اجتمعوا يخطبون في صلح بين حيين، قتل أحدهما من الاخر قتيلا، ويسألون أن يرضوا بالديه، فبينما هم في ذلك إذ جاءت أمة يقال لها جهيزة فقالت: إن القاتل قد ظفر به بعض أولياء المقتول فقتله، فقالوا عند ذلك قطعت جهيزة قول كل خطيب أي قد استغني عن الخطب.
يضرب لمن يقطع على الناس ما هم فيه بحماقة أو بمفاجأة يأتي بها.
مهام:
1. لماذا كان الناس يخطبون حسب النص؟
2. ما الدور الرئيس الذي تلعبه جهيزة في قصة المثل؟
3. يعكس المثل عادة الثأر عند العرب. ما رأيك بهذه العادة؟
4. يشير النص إلى غياب القانون في العصر الجاهلي. ما موقفك من ذلك؟
5. متى يستخدم المثل "قطعت جهيزة قول كل خطيب" في أيامنا؟
6. ما معني "جهيزة"؟ ما رأيك بتسمية العرب لمثل هذه الأسماء؟
*11*
*11*
كانت براقش كلبة لقوم من العرب، فأغير عليهم، فهربوا ومعهم براقش، فاتبع القوم اثارهم بنباح براقش، فهجموا عليهم فاصطلموهلم (اصطلم: أباد).
قال حمزة بن بيض:
لم تكن عن جناية لحقتني لا يساري ولا يميني رمتني
بل جناها أخ علي كريم وعلى أهلها براقش تجني
وروى يونس بن حبيب عن أبي عمرو بن العلاء قال: إن براقش امرأة كانت لبعض الملوك، فسافر الملك واستخلفها، وكان لهم موضع إذا فزعوا دخنوا فيه، فاذا أبصره الجند اجتمعوا، وإن جواريها عبثن ليله فدخن، فجاء الجند، فلما اجتمعوا قال لها نصحاؤها: إنك إن رددتهم ولم تستعمليهم في شيء ودخنتهم مرة أخرى، لم يأتك منهم أحد، فأمرتهم فبنوا بناء دون دارها، فلما جاء الملك، سأل عن ابناء فأخبروه بالقصة، قال: على أهلها تجني براقش، فصارت مثلا. وقال الشرقي بن القطامي: براقش امرأة لقمان ابن عاد، وكان لقمان من بني ضد، وكانوا لا يأكلون لحوم الإبل، فأصاب عن براقش غلاما، فنزل مع لقمان في بني أبيها، فأولموا ونحروا الجزر، فراح ابن براقش إلى أبيه بعرق من جزور، فأكله لقمان، فقال: يا بنى ما هذا؟ فما تعرقت قط طبيبا مثله، فقال: جزور نحرها أخوالي فقال: وإن لحوم الابل في الطيب كما أرى؟ فقالت براقش: جملنا واجتمل، فأرسلتها مثلا، والجميل الشحم المذاب، ومعنى جملنا أي أطعمنا الجميل، والجميل: أي أطعم أنت نفسك منه، وكانت براقش أكثر قومها إبلا فأقبل لقمان على إبلها فأسرع فيها وفي إبل قومها، وقتل ذلك بنو أبيه لما أكلوا لحوم الجزور، فقيل: على أهلها تجنى براقش، يضرب لمن يعمل عملا يرجع ضرره إليه.
*12*
مهام:
1. استخرج من النص لفظة تدل على وحشية الغزاة.
2. في النص وصف لحياة الغزو في الجاهلية. وضح ذلك.
3. لماذا جنت براقش على أهلها؟
4. عرف العرب طريقاً أخرى لاقتفاء الاثر. ما هي؟
5. ما رأيك بالدخان كعلامة لاستنفار الجند وقت الخطر، كما ذكر في الرواية الثانية؟
6. هل يعتبر ما فعلته براقش، حسب الرواية الثالثة: جناية عليها؟
7. أي الروايات الثلاث أكثر إقناعا؟ وضح.
*12*
أي ذو طرق، الواحد شجن بسكون الجيم، والشواجن: أودية كثيرة الشجر، الواحدة شاجنة، وأصل هذه الكلمة الاتصال والالتفاف، ومنه الشجنة، والشجنة: الشجرة الملتفة الاغصان.
يضرب هذا المثل في الحديث يتذكر به غيره.
وقد نظم الشيخ أبو بكر علي بن الحسين القهستانى هذا المثل ومثلا اخر في بيت واحد، وأحسن ما شاء، فقال:
تذكر نجدا والحديث شجون فجن اشتياقا والجنون فنون
وأول من قال هذا المثل ضبة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، وكان له ابنان يقال لأحدهما سعد وللاخر سعيد، فنفرت إبل لضبة تحت الليل، فوجه ابنيه في طلبها، فتفرقا فوجدها سعد، فردها، ومضى سعيد في طلبها فلقية الحارث بن كعب، وكان على الغلام بردان فسألة الحارث إياهما، فأبى عليه، فقتله وأخذ برديه، فكان ضبة إذا أمسى فرأى تحت الليل سوادا قال: أسعد أم سعيد؟ فذهب قوله مثلا يضرب في النجاح والخيبة،
*13*
فمكث ضبة بذلك ما شاء الله أن يمكن، ثم إنه حج فوافى عكاظ فلقي بها الحارث بن كعب ورأى عليه بردي ابنه سعيد، فعرفهما، فقال له: هل أنت مخبري ما هذان البردان اللذان عليك؟ قال: بلى لقيت غلاما وهما عليه فسألته إياهما فأبى علي فقتلته وأخذت برديه هذين، فقال ضبة: بسيفك هذا؟ قال: نعم، فقال: فأعطينه أنظر إليه فإني أظنه صارما، فأعطاه الحارث سيفه، فلما أخذه مد يده هزه، وقال: الحديث ذو شجون، ثم ضربه به حتى قتله، فقيل له: يا ضبة أفي الشهر الحرام؟ فقال: سبق السيف العدل، فهو أول من سار عنه هذه الامثال الثلاثة. قال الفرزدق:
لا تأمنن الحرب إذ استعارها كضبة إذ قال: الحديث شجون.
مهام
1. في النص ثلاثة أمثال. ما هي؟
2. متى يستخدم المثل الحديث ذو شجون؟
3. ما موقفك من قتل الحارث بن كعب للغلام؟
4. ما موقفك من ثأر ضبة لابنه سعيد في الاشهر الحرم؟
5. ماهي الأشهر الحرم؟ ولماذا سميت بهذا الاسم؟
6. ماذا حرم العرب في الأشهر الحرم على أنفسهم؟
7. ما الهدف من الاستشهاد بقول الغرزدق؟
*14*
*14*
*14*
أي من فتش عن أمور الناس وأصولهم جعلوه نخالة.
مهام:
1. كيف ينسجم المثل مع المثل "كما تعامل تعامل"؟
2. في المثل استعارة للفظة الغربال. ماذا تستنتج عن علاقة الأمثال بالبيئة التي عاش فيها الناس؟
*14*
يراد أن لكل أمر أو فعل أو كلام موضعا لا يوضع في غيره.
مهام
1. ما العلاقة بين المناسبة ونوعية الكلام فيها؟
2. هات مثالا على التلاؤم بين المناسبة والقول.
*14*
أي استعن على عملك بأهل المعرفة والحذق فيه.
يا باري القوس بريا لست تحسنها لا تفسدنها وأعط القوس باريها
*15*
مهام:
1. يدعو المثل إلى أهمية التخصص في إتقان الصنعة. ما رأيك بهذه الدعوة؟
2. ما هي أهمية القوس في الحياة الجاهلية؟
3. هات مثلا مشابها يتعلق بالخباز.
*15*
يريد أنه محمول على ذلك، لا أن في طبعه شجاعة. يضرب لمن يحمل على ما ليس من شأنه.
مهام
1. في المثل دعوة إلى حرية الاختيار والاقتناع الداخلي. وضح ذلك.
2. ما العلاقه بين المثل المذكور والاية الكريمة "لا إكراه في الدين"؟
*15*
نكى ونكأ الجرح: قشره قبل أن يبرأ، ومعناه أن الجرح الذي يحدثه اللسان أشد إيلاما من جرح السيف.
مهام:
1. أيهما أشد تأثيرا، في رأيك، اللسان أم السنان؟ علل.
2. ما وجه الشبه بين المثل المذكور والمثل "رب قول أنفذ من صول"؟
3. ما الاختلاف بين المثل المذكور والمثل "طعن اللسان كوخز السان"؟
*16*
*16*
المقتل: القتل، وموضع القتل أيضا، ويجوز اعتبار اللسان قاتلا مبالغاً في وصفه بالافضاء إليه، ويجوز أن يجعل موضغ القتل، أي بسببه يحصل القتل، ويجوز أن يكون بمعنى القاتل، فالمصدر ينوب عن الفاعل، كأنه قال: قاتل الرجل بين فكيه.
قال المفضل: أول من قال ذلك أكثم بن صيفي في وصية لبنيه.
مهام:
1. ما المقصود بمقتل الرجل بين فكيه؟
2. هات مثلا اخر يتحدث عن أهمية اللسان.
3. من هو المفضل (الضبي)؟ وما هي مساهمته في مجال الأمثال؟
*16*
يروى بالنصب على إضمار استعمل العتاب وبالرفع على أنه مبتدأ، يقول: أصبح الفاسد ما أمكن بالعتاب، فإن تعذر وتعسر فبالعقاب.
مهام:
1. ما هي الاهمية التربوية لهذا المثل؟
2. هل توافق المثل المذكور بالنسبة لقضية العقاب؟ علل.
*17*
*17*
من سورة النور (مصادر ومراجع محمد سعيد رمضان البوطي. من روائع القران: تأملات علمية في كتاب الله عز وجل. (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1996) محمد راتب النابلسي. موسوعة الإعجاز العلمي في القران والسنة: ايات الله في الافاق. (دمشق: دار المكتبي، 2005)، خالد بن عثمان السبت. كتاب مناهل العرفان للزرقاني: دراسة وتقويم. (المملكة العربية السعودية: دار ابن عفان للنشر والتوزيع، 1997)، محمد راتب النابلسي. موسوعة الإعجاز العلمي في القران والسنة: ايات الله في الإنسان. (دمشق: دار المكتبي، 2005)، جلال الدين السيوطي الشافعي. الإتقان في علوم القران. (بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1996)، محمد الصباغ. لمحات في علوم القران واتجاهات التفسير. (بيروت: المكتب الإسلامي، 1974).
الايات: 33-46.
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ (مبينات: واضحات لا لبس فيها) وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ (مشكاة: الكوة في الحائط غير النافذة.) فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ (دري: يشابه الدر) يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (الغدو والاصال: أوائل النهار وأواخره) (36)رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ
*18*
فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ(38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ ( قيعة: جمع قاع، وهو الموضع المنخفض الذي يستقر فيه الماء حيث لا شجر فيه) يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ(39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ ( لجي: الذي لا يدرك عمقه) يَغْشَاهُ (يغشاه: يعلوه) مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ(42) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ (الودق: المطر) يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ(44) وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46)
مفاتيح النص:
نور الإيمان والقران، الأمثال في القران الكريم، عمل المؤمن وعمل الكافر، التشبيه التمثيلي، الفاصلة القرانية، قدرة الله تتجلى في خلقه، الايات المدنية، قدسية الزيتونة.
*19*
مهام:
1. في الايات مثل للإيمان في قلب المؤمن ولهدى الله ووحيه. بينه ووضحه بلغتك.
2. في السورة تشبيهات تمثيلية، عينها.
3. في المراد قوله تعالى: (لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا) في الاية رقم 38.
4. ما علاقة الاية 41 بما قبلها من الايات؟
5. ما العلاقة بين اسم السورة ومضمونها؟
6. هات دليلا من السورة يدل على قدسية الزيتونة.
7. في النص معلومات علمية خاصة بعالم البحار وعالم الأحياء. أكتب معلومة عن كل مجال.
8. سورة النور مدنية. ما مميزات السور المدنية؟
9. هات مثالين على تغير الفاصلة القرانية (الحرف الاخير في الاية).
*20*
*20*
الحديث النبوي الشريف مصادر ومراجع:
عز الدين علي السيد. الحديث النبوي الشريف من الوجهة البلاغية. ( بيروت: دار اقرأ، 1986)، صابر عبد الدايم. الحديث النبوي: رؤية فنية جمالية. (الإسكندرية: دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، 2000)، محيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي. المنهاج في شرح
صحيح مسلم. ( بيروت: دار الخير، 1994)، بدر الدين الزركشي. التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح: شرح صحيح البخاري. (الرياض: مكتبة الرشد ،2003).
المجموعة (1):
عن انس رضي الله عنه، عن النبى صل الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". رواة البخاري ومسلم.
مفاتيح النص:
مفهوم الإيمان، محبة الخير والعمل الصالح، الاخوة الإيمانية، أهمية العمل ومنزلته من الإيمان، سلامة الصدر، راوي الحديث، السند، المتن.
مهام:
1. ما هو شرط الإيمان حسب الحديث الشريف؟
2. يعالج الحديث الشريف عددا من الامراض القلبية، كالحسد والغل وغيرها، وضح ذلك.
3. كيف يؤثر تطبيق الحديث الشريف على الاخوة الإيمانية في المجتمع؟
4. ما هو تعريفك لكلمة أخ الواردة في الحديث الشريف؟
*21*
6. ما أثر وجود "حتى" على المعنى في الحديث الشريف؟
7. ما هو الفرق بين إعراب يبت الاولى والثانية؟
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطيبا، فكان فيما قال: ألا لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه. رواه ابن ماجة.
لا يمنعن أحدكم هيبة الناس أن يقول في حق إذا راه أو شهده أو سمعه. رواه ابن حنبل.
مفاتيح النص:
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، الخوف من الله، قول الحق، القول بعلم وليس بالهوى، الجرأة، التقديم والتأخير، الخطبة.
مهام:
1. ما دور قول كلمه الحق في إصلاح المجتمع؟ وهل للسكوت عنه أثر سلبي؟
2. اذكر موقعا لك قلت فيه بحق ولم تخش هيبة الناس.
3. ما هو نوع النون في كلمه: "يمنعن"؟
4. ماهو إعراب كلمه: "هيبة"؟
5. ما وظيفه الأداة "ألا"؟
6. ماذا يفيد تقديم المفعول به في العبارة "يمنعن رجلا هيبة الناس"؟
*22*
المجموعة (2):
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى. رواه مسلم
مفاتيح النص:
المودة والرحمة، الأخلاق الحسنة، التشبيه، أساليب التعليم، علاقة المؤمنين ببعضهم، تعظيم حقوق المؤمنين بعضهم على بعض، وحدة المؤمنين.
مهام:
1. اشرح المثل المذكور في الحديث الشريف بلغتك.
2. ما معنى: "تداعى له"؟
3. ابحث عن بيت من الشعر يدل على ترابط المؤمنين.
4. كيف تجعل المودة والرحمة المجتمع المؤمن جسدا واحدا؟ وضح.
5. في الحديث الشريف ضرب مثل الجسد الواحد، ما فائدة ضرب الأمثال؟
عن النعمان بن بشير قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل القائم على حدود الله والمدهن (المرائي والمضيع للحق) فيها كمثل قوم استهموا (اقتسم فحصل كل واحد على سهم أي نصيب) على سفينة في البحر، فأصاب بعضهم اًعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها يصعدون فيستقون الماء فيصبون على الذين في أعلاها، فقال الذين في أعلاها لا ندعكم تصعدون فئؤذوننا، فقال الذين في أسفلها، فإنا ننقبها من أسفلها فنستقي، فإن أخذوا على أيديهم فمنعوهم نجوا جميعا، وإن تركوهم غرقوا جميعا. رواه الترمذي.
*23*
مفاتيح النص:
أهل الاستقامة، أصحاب المعاصي والأهواء، الأمر بالمعروب والنهي عن المنكر، التشبيه التمثيلى، أساليب التعليم، المعاصي من أسباب الهلاك في الدنيا والاخرة، السكوت والرضا بالمعصية، الطباق، الكناية.
مهام:
1. في الحديث الشريف تشبيه وضرب مثل، ما فائدة ضرب الأمثال؟
2. هل يؤثر على المجتمع أفعال أفراده الصالحة والطالحة؟
3. ما فائدة إقامة الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في صلاح المجتمعات؟
4. الساكت عن الحق شيطان أخرس. لماذا هو شيطان؟
5. أذكر ثلاثة أمثلة على الطباق في الحديث.
6. اشرح الكناية في نهاية الحديث الشريف.
7. هل هنالك فرق حسب الحديث الشريف بين فعل المعصية عن عمد وبين فعلها عن غير عمد وحسن نية، في أثرها على المجتمع؟ وضح.
8. يدل الحديث الشريف على قاعدة فقهية تقول: (الضرر لا يزال بمثله). وضح كيفية ذلك؟
9. يدل الحديث الشريف على قاعدة فقهية تقول: (يحتمل الضرر الخاص لأجل دفع الضرر العام. وضح كيفية ذلك؟
10. ما نوع الهلاك المقصود بالحديث الشريف؟
11. بعد أن قرأت الحديث الشريف، هل يحق للرجل التصرف في ملكه تصرفا يضر بجاره؟ لماذا؟
*24*
المجموعة 3
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما اكرم شاب شيخا لسنه، إلا قيض (سبب وقدر) الله له من يكرمه عند سنه. رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب.
مفاتيح النص:
إجلال الكبير، الجزاء من جنس العمل، الإحسان إلى الخلق، اثار العمل الصالح في الدنيا.
مهام:
1. ما أهمية إكرام الرجل الكبير؟
2. لماذا يحض النبي الشباب على إكرام كبار السن وإجلالهم، بينما يحض الكبار على رحمة الصغار؟
3. جاء في حديث شريف اخر: "احفظ الله يحفظك...، هل ترى أن معناه قريب من الحديث السابق؟
4. كيف تنظر إلى شاب يكرم إنسانا كبير السن؟
5. ما معنى قول الترمذي: "حديث غريب"؟
6. هل تجوز رواية الحديث الضعيف؟
7. ما نوع "ما" في الحديث الشريف؟
8. ما معنى كلمة شيخ في الحديث؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير (الة من الجلد ينفخ بها الحداد في النار)، فحامل المسك إما أن يُحْذِيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثاً. رواه البخارى.
مفاتيح النص:
أساليب، التعليم، الصحبة، الجليس الصالح، جليس السوء، ضرب الأمثال، التشبيه.
مهام:
1. ما فائدة مجالسة الرجل الصالح؟ أعط أمثلة.
2. ما سيئة مجالسة الرجل السوء؟ أعط أمثلة.
3. في حديث اخر: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"، اشرح.
4. أعرب ما يلي: (أن يحذيك) و (أن تبتاع) و (أن تجد).
*26*
*26*
*26*
علي بن أبي طالب (600-661 م / 40 ه) (عبد الفتاح محمد الحلو. نهج البلاغة بين الإمام علي والشريف الرضي. مجلة كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية - جامعة الإمام محمد بن سعود - السعودية، ع 5، (1975)، ص 197-224، شروق محسن كاطع الطائي. أبعاد الصورة السمعية والإيقاعية في (نهج البلاغة). مجلة أبحاث البصرة (العلوم الإنسانية) - العراق، مج 37، ع 1، (2012)، ص 54-76 مزاحم مطر حسين. أدب الوصايا في نهج البلاغة: قراءة في خصائص الأسلوب. مجلة القادسية للعلوم الإنسانية - العراق، مج 14، ع 4، (2011)، ص 189-201)
إبن عم الرسول صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته فاطمة، ورابع الخلفاء الراشدين، والإمام الأول لدى الشيعة. ولد في مكة، وكان من أوائل الذين اعتنقوا الإسلام وأول من امن من الصبيان. أمه فاطمة بنت أسد الهاشمية. عرف عنه استقامته واتصافه بالشجاعة والبراعة في القتال، وقد كان طموحا في الحقل الأدبي والأخلاقي يريد أن يكون قدوة في الأخلاق والنزاهة. بويع بالخلافة سنة 35 ه، وقد حكم خمس سنوات وثلاثة أشهر وصفت بعدم الاستقرار السياسى، لكنها تميزت بالتقدم الحضاري.
مات مقتولا على يد عبد الرحمن بن ملجم، أحد الخوارج، وهو خارج من المسجد.
اثاره: ينسب إليه في النثر اثنا عشر مؤلفاً في الحكم والمواعظ وأهمها وأشهرها "نهج البلاغة".
مختارات من عهد علي بن أبي طالب للأشتر النخعي لما ولاه على مصر
هذا ما أمر به عبد ألله علي أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر، في عهده إليه، حين ولاه مصر جباية خراجها، وجهاد عدوها، واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها.
أمره بتقوى الله وإيثار طاعته، واتباع ما أمر به في كتابه، من فرائضه وسننه التي لا يسعد
*27*
احد إلا باتباعها، ولا يشقى إلا مع جحودها واضاعتها، وأن ينصر الله سبحانه بيده وقلبه ولسانه فإنه جل اسمه قد تكفل بنصر من نصره، وإعزاز من أعزه.
وأمره أن يكسر من نفسه عند الشهوات، وينزعها عند الجمحات (منازعة النفس إلى شهواتها)، فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله. ثم اعلم يا ملك أني قد وجهتك إلى بلاد جرت عليها دول قبلك، من عدل وجور، وأن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقوله فيهم، وإنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده، فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح، فأملك هواك، وشح بنفسك عم لا يحل لك، فإن الشح بالنفس الإنصاف منها فيما احبت أو كرهت.
وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطإ، فاعطهم من عفوك وطفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وطفحه، فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهلم، وابتلاك بهم.
نهج البلاغة،ج 3، ص 82
مفاتيح النص:
منظومة الحكم، علاقة الحاكم بالمحكوم، الحكم بشرع الله، عدالة الإسلام، مهمة الوالي وواجباته، حقوق الرعية، أخلاق الوالي، احتواء الرعية، الاستفادة من تجارب السابقين، متانة اللغه، جزالة الألفاظ، التعليلات المنطقية، صيغة الأمر، التشبيه، التفصيل.
*28*
مهام:
1. من هو الأشتر النخعي؟ اكتب فقرة عن حياته من مصادر المعلومات.
2. ماذا طلب علي بن أبي طالب من الأشتر أن يفعل في مصر من مهام؟
3. تظهر في النص مسؤولية الحاكم تجاة المحكوم. وضح ذلك.
4. كيف تنعكس عدالة الإسلام في النص؟
5. ما هي أخلاق الوالي كما تستشف من النص؟
6. كيف تنعكس تعاليم الإسلام ومبادئه من خلال النص؟
7. يمتاز النص بمتانة اللغة و جزالة الالفاظ. وضح ذلك من خلال مثال.
8. هات مثالين على أسلوب الأمر، مبينا مدى توافقه مع مضمون العهد.
9. هات مثالا على أسلوب التفصيل في النص.
10. ما الغرض من التشبيه بالأسد الضاري؟
11. لماذا يخلو النص من السجع ومن الإكثار من الأساليب البلاغية؟
*28*
عبد الحميد الكاتب (131؟ ه) (750؟ م) (مصادر ومراجع، احسان عباس. عبد الحميد بن يحيى الكاتب وما تبقى من رسائله ورسائل سالم بن العلاء. (عمان: دار الشروق للنشر والتوزيع، 1988)؛ شوقي ضيف. الفن ومذاهبه في النثر العربي. (القاهرة: دار المعارف، 1995)
فارسي الاصل عربى الولاء، ولد في الشام أو الأنبار على خلاف بين المؤرخين. علم الكثير من الصبية فى شبابه متنقلا بين بلد واخر. عظمت منزلته عند الخليفة مروان بن محمد حتى صار كاتبا وصديقا له، وكان من أشهر الكتاب فى اواخر عصر الدولة الأموية. يعد من أبرز الكتاب في تاريخ النثر العربى، فهناك شبة إجماع بين المؤرخين والنقاد على أنه كان صاحب مدرسه جديدة في كتابه الرسائل تمتاز بما يلي: الإطناب، الإطالة في
*29*
التحميدات، الازدواح، الإكثار من الوصف، قصر الفواصل على طريقة الخطابة وغيرها. قتل على يد العباسيين مع خليفته مروان بن محمد (اخر خلفاء بني أمية).
من اثاره: بضع رسائل سياسية وإخوانيه وأدبيه، منها: رسالة ولي العهد، رسالة الشطرنج، رسالة الكاتب، رسالة في وصف الإخاء، رسالة إلى أهله وهو منهزم مع مروان.
رسالة عبد الحميد إلى الكتاب
أما بعد، حفظكم الله يأهل صناعة الكتابه، وحاطكم ووفقكم وأرشدكم، فإن الله عز وجل جعل الناس بعد الانبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامة عليهم أجمعين، ومن بعد الملوك المكرمين، أصنافا، وإن كانوا في الحقيقة سواء، وصرفهم في صنوف الصناعات وضروب المحاولات، إلى أسباب معايشهم، وأبواب أرزاقهم، فجعلكم معشر الكتاب في أشرف الجهات، أهل الأدب والمروءة والعلم والرواية، بكلم تنتظر للخلافة محاسنها، وتستقيم أمورها، وبنصائحكم يصلح الله للخلق سلطانهم، وتعثر بلادهم، لا يستغني الماك عنكم، ولا يوجد كاف إلا منكم، فموقعكم من الملوك موقع أسماعهم التي بها يسمعون، وأبصارهم التي بها يبصرون، وألسنتهم التي بها ينطقون، وأيديهم التي بها يبطشون، فأمتعكم الله بما خصكم من فضل صناعتكم، ولا نزع عنكم ما أضفاه من النعمة عليكم.
وليس أحد من أهل الصناعات كلها، أحوج إلى اجتماع خلال الخير المحمودة، وخصال الفضل المذكورة المعدودة، منكم أيها الكتاب إذا كنتم على ما يأتي في هذا الكتاب من صفتكم، فإن الكتاب يحتاج من نفسه، ويحتاج منه صاحبه الذي يثق به في مهمات أموره. أن يكون حليما في موضع الحلم، فهيما في موضع الحكم، مقداما في موضع الإقدام، محجاما (متراجع ومتردد) في موضع الإحجام، مؤثرا للعفاف، والعدل والإنصاف، كتوما للأسرار، وفيا عند الشدائد، عالما بما يأتي من النوازل، يضع الأمور مواضعها، والطوارق أماكنها، قد نظر في كل فن من فنون العلم فأحكمه، فإن لم يحكمه أخذ منه بمقدار
*30*
ما يكتفي به، يعرف بغريزة عقله، وحسن أدبه، وفضل تجربته، ما يرد عليه قبل وروده، وعاقبة ما يصدر عنه قبل صدوره، فيعد لكل أمرعدته وعتاده، ويهيء لكل وجه هيأته وعادته فتنافسوا يا معشر الكتاب، في صنوف الأداب وتفقهوا فى الدين، وابدؤوا بعلم كتاب الله عز وجل والفرائض، ثم العربية، فإنها ثقاف (أداة لتقويم الرماح وتسويتها) ألسنتكم، ثم أجيدوا الخط فإنه حلية كتبكم، وارووا الأشعار، واعرفوا غريبها ومعانيها، وأيام العرب والعجم، وأحاديثها وسيرها، فإن ذلك معين لكم على ما تسمو إليه هممكم، ولا تضيعوا النظر في الحساب، فإنه قوام كتاب الخراج، وارغبوا بأنفسكم عن المطامع: سنيها (رفيع القدر) ودنيها، وسفساف الأمور ومحاقرها، فإنها مذلة للرقاب، مفسدة للكتاب، ونزهوا صناعتكم عن الدناءات، واربؤوا (ارتفع أو تعالى) بأنفسكم عبن السعاية والنميمة وما فيه أهل الجهالات، وإياكم والكبر والصلف والعظمة، فانها عداوة مجتلبة من غير إحنة (حقد أو ضغينة)، وتحابوا في الله عز وجل في صناعتكم، وتواصوا عليها بالذي هو أليق بأهل الفضل والعدل والنبل من سلفكم.
مفاتيح النص:
شرف صناعه الكتابة، أهميه الكاتب لدى الملك، صفات الكاتب، ثقافة الكاتب. التفصيل والإطناب، التنسيق والمنطق، قلة السجع وموسقة الجملة، الدقة وأناقة التعبير. سهولة اللفظ.
*31*
مهام:
1. ما هو موقف عبد الحميد الكاتب من صناعة الكتابة؟
2. ما هي المجالات التي يستقي منها عبد الحميد تعليلاته في تمجيد صنعة الكتابة؟
3. كيف ينظر الملوك إلى صنعة الكتابة؟
4. ما هي الصفات التي ينبغي أن تكون في الكاتب؟
5. هنالك أهمية لثقافة الكاتب. ما رأيك في ذلك؟
6. ما هي مجالات الثقافة التي ينبغي أن يلم بها الكاتب؟
7. يدعو عبد الحميد إلى صناعة التخصص. هات دليلا يؤكد ذلك.
8. في الرسالة تنسيق ومنطق. وضح ذلك.
9. تمتاز لغة النص بسهولة التعبير وقلة الغريب من الألفاظ. هات بعض الأمثلة التوضيحية.
10. يتبنى عبد الحميد أسلوب التفصيل والإطناب. وضح ذلك.
11. يقلل عبد الحميد من السجع، ويستخدم أساليب موسيقية أخرى مثل مبنى الجملة. هات مثالا توضيحيا على كليهما.
*32*
*32*
*32*
كليلة ودمنة (مصادر ومراجع: قحطان صالح الفلاح. الأدب والسياسة: قراءة في كتاب كليلة ودمنة لابن المقفع. جذور - النادي الادبي الثقافي بجدة - السعودية، مج 11، ح 28، (2009)، ص 59-84، حامد طاهر. المضمون الأخلاقي في كتاب كليلة ودمنة. سلسلة دراسات عربية وإسلامية - مركز اللغات الأجنيبة والترجمة بجامعة القاهرة - مصر، ج 20، (1999)، ص 25-71، محمد علي القارصي. من مطاهر الحجاج في كليلة ودمنة. حوليات الجامعة التونسية - تونس، 41، (1997)، ص 129-159).
السمكات الثلاث
والعاقل هو الذي يحتال للأمر قبل تمامه ووقوعه: فإنك لا تأمن أن يكون ولا تستدركه. فإنه يقال: الرجال ثلاثة: حازم وأحزم منه وعاجز، فأحد الحازمين من إذا نزل به الأمر لم يدهش له، ولم يذهب قلبه شعاعا، ولم تعي به حيلته ومكيدته التي يرجو بها المخرج منه، وأحزم من هذا المتقدم ذو العدة الذي يعرف الابتلاء قبل وقوعه، فيعظمه إعظاما، ويحتال له حتى كأنه قد لزمه: فيحسم الداء قبل أن يبتلى به، ويدفع الأمر قبل وقوعه. وأما العاجز فهو في تردد وتمن وتوان حتى يهلك. ومن أمثال ذلك مثل السمكات الثلاث. قال الأسد: وكيف كان ذلك؟ قال دمنة: زعموا أن غديرا كان فيه ثلاث سمكات: كيسة وأكيس منها وعاجزة، وكان ذلك الغدير بنجوة من الأرض لا يكاد يقربه أحد ويقربه نهر جار. فاتفق أنه اجتاز بذلك النهر صيادان، فأبصرا الغدير، فتواعدا أن يرجعا إليه بشباكهما فيصيدا ما فيه من السمك. فسمعت السمكات قولهما، فأما أكيسهن لما سمعت قولهما، وارتابت بهما، وتخوفت منهما، فلم تعرج على شيء حتى خرجت من المكان الذي يدخل فيه الماء من النهر إلى الغدير. وأما الكيسة فإنها مكثت مكانها حتى جاء الصيادان؛ فلما رأتهما، وعرفت ما يريدان، ذهبت لتخرج من حيث يدخل الماء، فإذا بهما قد سدا ذلك المكان فحينئذ
*33*
قالت: فرطت، وهذه عاقبة التفريط، فكيف الحيلة على هذه الحال. وقلما تنجح حيلة العجلة والإرهاق، غير أن العاقل لا يقنط من منافع الرأي، ولا ييأس على حال، ولا يدع الرأي والجهد. ثم إنها تماوتت فطفت على وجه الماء منقلبة على ظهرها تارة، وتارة على بطنها، فأخذها الصيادان فوضعاها على الأرض بين النهر والغدير، فوثبت إلى النهر فنجت. وأما العاجزة فما تزل في إقبال وإدبار حتى صيدت.
مفاتيح النص:
كليلة ودمنة، الامثولة، العاقل، الحازم، الحيطة، حسن التدبير، عاقبة التفريط، لغة النص، الطباق، التأنيس.
مهام:
1. من الراوي ومن المروي له في النص؟
2. ما العلاقة بين الرجال الثلاثة والسمكات الثلاث؟
3. ماذا تمثل كل سمكة في عملها ومصيرها؟
4. الأمثولة قصة رمزية. وضح ذلك من خلال النص.
5. ما المقصود بالفعل زعموا الذي جاء على لسان دمنة؟
6. ابحث في كتاب كليلة ودمنة عن القصة واكتب فقرة عن مبنى القصص في الكتاب.
7. هات مثالا على التأنيس في النص، مبينا الغرض من استخدامه.
8. هات مثالا على الطباق فى النص، مبينا الغرض من استخدامه.
9. هات دليلا من النص يدل على اللغة الكلاسيكية القديمة.
10. بماذا يفيدك النص في حياتك وما تواجهه من تحديات.
*34*
الجاحظ (775-868 م / 159-255 ه) (مصادر ومراجع: ميادة أسبر. وعي الكتابة عند الجاحظ (البيان والتبيين) و (الحيوان) و (البخلاء) نموذجا. المجلة الأردنية فى اللغة العربية وادابها - الأردن، مج 8، ع 2، (2012)، ص 317-345 فاطمة الزهراء عبد الغفار المواقي. الإسقاط النفسي والسياسي في كتاب "البخلاء" للجاحظ. فكر وإبداع - مصر، ج 47، (2008)، ص 71-98، علاء الدين رمضان السيد. صورة المجتمع العباسي في كتاب البخلاء. جذور - النادي الأدبي الثقافي بجدة - السعودية، مج 7، ج 14، (2003)، ص 353-474، نصر الدين البحرة. الفكاهة عند الجاحظ 163-255 ه 780-869 م. التراث العربي - سوريا، مج 16، ع 61، (1995)، ص 115-138).
ولد أبو عثمان عمرو بن بحر الملقب بالجاحظ في البصرة وقد لقب بالجاحظ لبروز عينيه. لقد شب الجاحظ وتفتح ذهنه للعلم منذ صغره وكان شديد التعطش للمعرفة. كان علامة عصره بجداره، وقد كان يطمح أن يكون من أكابر الأدباء فسعى ونال بسعيه فوق ما أراد. عرف عنه أنه كان دينا معتزليا، يميل إلى الحرية في الأدب واللغة. خلال حياته، اتصل الجاحظ بكبار الدولة في عصره كالمأمون، وابن الزيات، والفتح برع خاقان وقدم لبعضهم بعضا من كتبه.
للجاحظ الكثير من الاثار في الفلسفة والدين، والسياسة والاقتصاد والتاريخ والجغرافيا، والطبيعيات والعصبية والأدب مثل: كتاب "البخلاء"، كتاب "الحيوان"، "رسالة التربيع والتدوير"، كتاب "البيان والتبيين".
مريم الصناع (جاء في مخطوطة أخرى لكتاب البخلاء مريم الصباغة ولعلها تصحيف منها)
فأقبل عليهم (يقصد جماعة من المقتصدين والمدبرين كانوا في مسجد في البصرة يتداولون أخبار أهل الاقتصاد والتدبير) شيخ فقال: هل شعرتم بموت مريم الصناع؟ فإنها كانت من ذوات الاقتصاد، وصاحبة إصلاح. قالوا: فحدثنا عنها. قال: نوادرها كثيرة وحديثها طويل، ولكني أخبركم عن واحدة فيها كفاية. قالوا: وما هي قال:
زوجت ابنتها وهي بنت اثنتي عشرة سنة، فحلتها الذهب والفضة وكستها المروي (تقصد الثوب المروي أي المنسوج في مرو بفارس، وقد ذكر في موطأ الإمام مالك في باب السلف وبيع العروض بعضها ببعض وفي لسان العرب على القياس، رغم أنه يقال مروزي نسبة إلى مرو).
*35*
والوشي (الثوب المنقوش) والقز (الحرير) والخز (الثوب المنسوج من الصوف والإبريسيم) وعلقت المعصفر (الثوب المصبوغ بصبغ أحمر مستخرج من نبات العصفر)، ودقت الطيب، وعظمت أمرها في عين الختن (زوج البنت)، ورفعت من قدرها عند الأحماء. فقال لها زوجها: أنى لك هذا يا مريم؟ قالت: هو من عند الله (تناص مع جاء في سورة ال عمران: الَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (3). قال: دعي عنك الجمله وهاتي التفسير، والله ما كنت ذات مال قديما ولا ورثته حديثا، وما أنت بخائنة في نفسك ولا في مال بعلك، إلا أن تكوني قد وقعت على كنز. وكيف دار الأمر فقد أسقطت عني مؤنة وكفيتني هذه النائبة. قالت: اعلم أني مند يوم ولدتها إلى أن زوجتها كنت أرفع من دقيق كل عجنة حفنة، وكنا - كما قد علمت - نخبز في كل يوم مرة، فإذا اجتمع من ذلك مكوك (مكيال) بعته. قال زوجها: ثبت الله رأيك وأرشدك، ولقد أسعدك الله من كنت له سكنا، وبارك لمن جعلت له إلفا. ولهذا وشبهه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من الذود إلى الذود إبل (الذود: القطيع من الإبل، وفي المثل: الذود إلى الذود إبل بمعنى: القليل يضم إلى القليل فيصير كثيرا. وهو مثل وليس حديثا شريفا عن الرسول (صلى الله عليه وسلم). وإني لأرجو أن يخرج ولدك على عرقك الصالح، وعلى مذهبك المحمود. وما فرحي بهذا منك بأشد من فرحي بما يثبت الله بك في عقبي (من يعقبني من نسلي) من هذه الطريقة المرضية.
فنهض القوم بأجمعهم إلى جنازتها، وصلوا عليها. ثم انكفأوا (رجع) إلى زوجها فعزوه على مصيببته. وشاركوه في حزنه.
البخلاء للجاحظ
*36*
مفاتيح النص:
التدبير والاقتصاد، محاسن الموتى، القدوة الحسنة، الأم المربية، الزوجة الصالحة، التناص الديني، تضمين المثل، صبغ الثياب، صلاة الجنازة، العزاء، كتاب البخلاء، أدب النوادر والطرائف.
مهام:
1. ما هدف الشيخ من سرد قصة مريم الصناع؟
2. كيف تدبرت مريم الصناع أمر زواج ابنتها؟
3. كيف انعكس تدبير مريم على علاقتها الأسرية؟
4. استخرج من النص مثالا على تناص ديني واشرح جماليته.
5. ما الهدف من تضمين المثل "الذوذ إلى الذوذ إبل"؟
6. أذكر أمثالا شعبية تتحدث عن التدبير والاقتصاد.
7. ورد في إحدى مخطوطات كتاب البخلاء لفظة "صباغة" بدل صناع".
8. ما غاية الجاحظ من سرد قصة مريم الصناع في كتاب يحمل اسم البخلاء؟
9. ما الغاية من تأليف كتاب عن البخلاء؟
10. كيف تنعكس صورة المرأة في هذا النص؟
11. هل تنطبق عناصر القصة في هذا النص؟ وضح.
12. في النص تركيز على واجبات الإنسان تجاه الموتى. هات دليلين من النص.
*37*
*37*
الحكاية الثانية من حكايات السندباد البحري وهي السفرة الثانية (مصادر ومراجع: عواد علي. من السرد الحكائي إلى النص الدرامي: المسرح العربي وتكييف ألف ليلة وليلة. أقلام جديدة - الأردن،ع 37، (2010)، ص 83-87 السامرائي، محمد رجب. الأدب الجغرافي البحري في حكايات ألف ليلة وليلة. المجلة الثقافية - الأردن،ع 58، (2003)، ص 164-166 محمد سعيد العريان. نموذج من ألف ليلة وليلة: رحلات سندباد. القصة - مصر،ع 75، (1994)، ص 102-104 ناصر شاكر كاطع الأسدي. العجائبي والغرابي في تقاطع السحر والخرافة: بحث في الموروث السردي لحكايات ألف ليلة وليلة. مجلة القادسية في الاداب والعلوم التربوية - العراق، مج 9، ع 1، (2010)، ص 87-100.
تمهيد
روت شهرزاد للملك شهريار عن السندباد البحري الذي سافر في سفرته الثانية أسفارا بحرية من بحر إلى بحر، يبيع ويشتري ويقايض، وبينما كان في إحدى الجزر يأكل ويشرب أخذته سنة من النوم، في الوقت الذي تركه أصحابه في الجزيرة، دون أن يفطنوا له، وعندما يفيق ويعرف مصيره يحزن، ويندب حظه، ويقوم يتفقد الجزيرة، فيكتشف أنها بيضة الرخ، الطائر الخرافي...
النص:
وإذا الجو أظلم، وظهرت غيمة كبيرة فتأملتها، وإذا هي طير، فتذكرت ما أخبر البحريون عن طير الرخ الذي هو بقدر الغيمة، وتلك هي بيضته. وإذا بالطير قد نزل عليها وأنا في جانبها، فوقع أحد مخالبه قدامي كأنه سكة حديد كبيرة، فحللت عمامتي من رأسي، وشددت نفسي في طرب العمامة وفي المخلب شدا وثيقا وقلت: لعل هذا الطير يخرجني من هذه الجزيرة إلى مكان عامر. فلما أصبح الصباح ارتفع الرخ وطار في الفضاء، وأنا مربوط في مخلبه ربطا وثيقا والسفرة (حافظة الطعام) معي، ولم يزل مرتفعا وأنا متعلق بمخلبه، فطار وعلا في الجو حتى ظننت أنه احتك بالسماء، ثم نكس رأسه وطلب الأرض، فلم أحس بنفسي إلا وأنا على وجه الأرض، فحللت العمامة من مخالبه، وإذا به
*38*
ضرب على حية كأنها جمل وطار.
وبقيت أنا في واد عميق لا يبلغ النظر ارتفاعه، ولا سبيل للنزول إليه ولا الصعود منه، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، كل نائبة (مصيبة كبيرة) تأتيني أصعب من الأخرى، ثم إني تمشيت في ذلك الوادي، وإذا أرضها جميعها من حجر الألماس، وهو من أفخر الجواهر الغالية الثمينة. وفي ذلك الوادي حيات كل واحدة تبلغ الفيل، وهي كثيرة جدا وتظهر في الليل وتختفي بالنهار خوفا من هذا الطير الذي ذكرناه، فبقيت متحيرا اليوم إلى أن أمسى المساء.
ثم إني عمدت إلى مغارة في كهف صغير ودخلت إليه، وسددت بابه بحجر كبير، وأخرجت مما معي من الزاد في السفر، فأكلت كفايتي وأنا أرتعد من الخوف، وإذا بالحيات خرجت تسعى، بعضها كالافيال وبعضها كالجمال، وعانيت ما هالني منها حتى طلع الفجر وقد اختفت الحيات.
فخرجت أمشي في الوادي، وأنا في حيرة عظيمة. وبينما أنا واقف في الوادي، إذ وقع بجانبي شقة لحم طري، فالتفت وإذا بشقق كثيرة قد تساقطت من أعلى الجبل. فتذكرت ما أخبر به البحريون أنه وادي الألماس الدي يقصده التجار، ويشرحون اللحم ويرمونه فيه، فيلصق فيه بعض الألماس، فتنزل النسور وتصعده إلى الجبل حتى تعطيه فراخها، فيأتي التجار ويأخذون ما لصق من الأحجار، كل تاجر من شقته، وليس أحد يقدر أن يأخذ منه شيئا إلا بهذه الحيلة. فطار قلبي بذلك، وجمعت ما قدرت من أفخر الألماس، وملأت السفرة، وأتيت إلى شقة كبيرة وتجللت (ربط نفسه) بها، وربطتها بالعمامة ربطا وثيقا، والسفرة معي. وبعد قليلي أتت النسور، وكل منها حمل شقة وارتفع بها إلى أعلى الجبل، وشقتي حملها نسر كبير ووضعها فوق الجبل أيضا.
ثم قمنا في الغد وسرنا في جبال عالية حتى أتينا جزيرة عظيمة وفيها شجر الكافور، كل شجرة فيها تظلل مائة رجل وأكثر.. وفى هذه الجزيرة وحش يسمى الكركدن. وهو كرعايا البقر دون الفيل، واكبر من الجاموس، ومأكوله نبات الأرض، وله قرن واحد
*39*
في وسط رأسه، طوله ذراع، وعرضه قبضة، وفيه صورة من أوله إلى اخره، يشك الفيل بقرنه ويحمله على رأسه، فيميل دهنه على عيني الكركدن، فيعميه، ويبقى ملقى، على الأرض، فيأتي الطير الذي هو الرخ ويأخذ الاثنين ويمضي يطعمها فراخه.
ألف ليلة وليلة - بتصرف
مفاتيح النص:
ألف ليلة وليلة، شهريار وشهرزاد، قصة الإطار، العلاج بواسطة القصة، القصة المركبة، المونولوج، الراوي الخارجي والراوي الداخلي، الحكاية الشعبية، الحيال، النجاة واستخدام العقل، السعي فى طلب الرزق، النهاية السعيدة، الإيمان بالقدر، المبالغة، البطل.
*40*
مهام:
1. من هو شهريار ومن هي شهرزاد؟ وما هي قصة الإطار؟
2. في الحكاية عناصر خيالية، اكتب بعضا منها.
3. هنالك معلومات علمية دقيقة وردت في الحكاية، اذكر بعضا منها.
4. صف علاقة السندباد البحري بالله وقضائه.
5. في الحكاية أكثر من راو. من هم الرواة في الحكاية؟
6. هات مثالين على المبالغة في أحداث الحكاية.
7. هات مثالا على المونولوج، مبينا الهدف من استخدامه.
8. كيف تنعكس الأخلاق الحميدة للسندباد البحري في الحكاية؟
9. ما هي القيم التي عالجتها شهرزاد في الملك شهريار من خلال الحكاية؟
10. ما موقفك من النهاية السعيدة للقصة؟
11. اكتب بعض المعلومات عن أصل كتاب ألف ليلة وليلة، مستعينا بمصادر المعلومات.
12. من هو بطل الحكاية؟ وهل حقق هدفه في نهايتها؟
*41*
*41*
*42*
*42*
امرؤ القيس
(30-130 قبل هجري)، (496-544 م)
امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي. شاعر جاهلي، من أصحاب المعلقاب، أشهر شعراء العرب على الإطلاق، يماني الأصل، مولده بنجد، كان أبوه ملك أسد وغطفان وأمه أخت المهلهل الشاعر.
قال الشعر وهو غلام، وجعل يشبب ويلهو ويعاشر صعاليك العرب، يشرب ويطرب ويغزو ويلهو، إلى أن ثار بنو أسد على أبيه فقتلوه، فبلغه ذلك وهو جاد للشراب فقال: رحم الله أبي! ضيعني صغيرا وحملني دمه كبيرا، لا صحو اليوم ولا سكر غدا، اليوم خمر وغدا أمر. ونهض من غده فلم يزل حتى ثأر لأبيه من قاتليه من بني أسد، وقال في ذلك شعرا كثيرا. وضع دروعه وديعة عند السمؤال بعد أن حاربه المناذرة والفرس، فقصد الحارث بن أبي شمر الغساني والي بادية الشام لكي يستعين بالروم على الفرس، لكن الروم ماطلوه، ولما كان بأنقرة ظهرت في جسمه قروح، فأقام فيها إلى أن مات، فلقب ذا القروح.
*43*
امرؤ القيس - قفا نبك
(1) قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل، بسقط اللوى بين الدخول فحومل (سقط اللوى والدخول وحومل أسماء أماكن)
(2) وليل كموج البحر أرخى سدوله (ستائر)، علي بأنواع الهموم ليبتلي
(3) فقلت له لما تمطي (تمدد) بصلبه، وأردف (اتبع) أعجازا وناء (نأى، بعد) بكلكل (صدر. يشبه الليل بجسم الجمل، فهو يزداد طولا عندما يتمدد، وأردف أعجازا يدل على التأخير، وابتعاد الصدر أيضا لزيادة الطول)
(4) ألا أيها الليل الطويل ألا انجل، بصبح وما الإصباح منك بأمثل
(5) فيا لك من ليل كأن نجومه، بكل مغار الفتل (محكم الفتل) شدت بيذبل (جبل في نجد)
(6) وقد أغتدي والطير في وكناتها (أعشاش الطيور)، بمنجرد (قصير الشعر)، قيد الأوابد (الوحوش)، هيكل (طويل ضخم)
(7) مكر (كر فرسه على عدوه أي عطفه عليه) مفر (يفر فرارا) مقبل مدبر معا، كجلمود (الحجر العظيم الصلب) صخر حطه السيل من عل
(8) يزل (يجعله ينزلق) الغلام الخف (الخفيف الماهر) عن صهواته، ويلوي (يرمي) بأثواب العنيف (يقصد الفارس الخشن المعاملة) المثقل (ثقيل الوزن)
*44*
(9) درير (مديم العدو والسير) كخذروف الوليد (حصاة مثقوبة يجعل الصبيان فيها خيطا فيديرها الصبي على رأسه. والتشبيه به للسرعة في الدوران) أمره، تتابع كفيه بخيط موصل
(10) له أيطلا (الخاصرة) ظبي وساقا نعامة، وإرخاء (نوع من عدو الذئب يشبه خبب الدواب) سرحان (الذئب) وتقريب (وضع الرجلين موضع اليدين في العدو) تنفل (ولد الثعلب)
مفاتيح النص:
المقدمة الطللية، وصف الليل، الليل ونفسية الشاعر، وصف الحصان، جمال الحصان، الصورة الشعريه، عيوب القافية، الأساليب البلاغية، البيئة الصحراوية، القصيدة العمودية.
مهام:
1. ما أهمية ذكر الأماكن في مطلع القصيدة؟
2. اشرح التصريع في المطلع. ما الغاية من استخدام التصريع؟
3. اشرح تشبية الليل بحركة الجمل وراء وأماما، كما يظهر في البيت الثالث.
4. صف الحالة النفسية للشاعر وانعكاسها على رؤيه الليل.
5. حال مركبات الصورة الشعريه في البيت السادس مبينا جمالية التصوير واعتماده على الطباق.
6. كيف تتجلى صورة الحصان من الناحية الجمالية فى النص؟
7. في البيت العاشر أربعة تشبيهات. حللها إلى أركانها. وما الغاية من استخدامها؟
8. كيف يتعامل الحصان مع خفة الوزن والعنف لدى الفارس؟
*45*
9. هات مثالا على التضمين في النص. هل تعتبره عيبا من عيوب الشعر؟ ما الهدف من استخدامه؟
10. أين يظهر الحوار الذاتي (المونولوج) في النص؟ وما أهميته؟
11. كيف تتجلى ملامح البيئة الصحراوية وتفاصيلها في النص؟
12. هل هنالك وحدة عضوية في النص؟ وضح.
*46*
*46*
طرفة بن العبد (مصادر ومراجع: أحمد محمد المشرف الحراحشة. شعرية التأويل في معلقة الشاب القتيل. مجلة المنارة للبحوث والدراسات - الأردن، مج 18، ع 4، (2012)، ص 177-207، فضل بن عمار. العماري الموت والجفاف أو رثاء الذات في مطولة طرفة بن العبد. الدرعية - السعودية، مج 12،ع 47، 48، (2010) ص 599-644 الزوزني. شرح المعلقات السبع (بيروت: دار المعارف، 1972)، نبيل علي حسنين. ديوان طرفة بن العبد - دراسة أسلوبية تأصيلية (عمان: دار جليس الزمان للنشر والتوزيع، 2010)، عبد الحق حمادي الهواس. اللوحة الضائعة في معلقة طرفة بن العبد (عمان: دار الفتح للدراسات والنشر، 2003).
طرفة بن العبد شاعر جاهلى من شعراء المعلقات. ولد حوالي سنة 543 م في البحرين من أبوين شريفين وعائلة كثر فيها الشعراء، فجده وأبوه وعماه المرقشان وخالة المتلمس كلهم شعراء.
مات أبوه وهو صغير، فكفله أعمامه، فهضموا حقوق أمه وظلموه، فعاش طفولة مهملة لاهية طريدة، لكنه استمتع بملذاتها، ليعود أخيرا إلى قومه يرعى إبل معبد أخيه، ثم عاد إلى حياة اللهو. بلغ في تجواله بلاط الحيرة فقربه عمرو بن هند فهجا الملك فأوقع الملك به. مات مقتولا وهز دون الثلاثين من عمره سنة 569 م، وكان ذلك على يد عامله المعكبر في البحرين، وقصة صحيفته مع خاله المتلمس معروفة وصارت مثلا، بعد أن نجا خاله، ومات طرفة طمعا بجائزة عامل الملك عمرو بن هند.
طرقة بن العبد - لخولة أطلال
(1) لخولة (امرأة من بني كلب) أطلال ببرقة(مكان اختلاط الحجارة بالتراب) ثهمد (اسم مكان)، تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
(2) إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني، عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
(3) نداماي بيض كالنجوم وقينة (جارية مغنية)، تروح إلينا بين برد (ثوب مخطط) ومجسد (ثوب ملامس الجسد)
(4) ألا أيهذا الزاجري (لائم) أحضر الوغى (الحرب)، وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي؟
*47*
(5) فإن كنت لا تستطيع دفع منيتي فدعني أبادرها بما ملكت يدي
(6) كريم يروي نفسه في حياته ستعلم إن متنا غدا أينا الصدي (العطشان)
(7) أرى العيش كنزا ناقصا كل ليلة، وما تنقص الأيام والدهر
(8) لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى، لكالطول (الحبل) المرخى وثنياه (طرفاه) باليد
(9) ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا، ويأتيك بالأخبار من لم تزود
مفاتيح النص:
المقدمة الطللية، الخمرة ومبدأ اللذة، التمتع بالنساء، الكريم في الدنيا، الشجاعة، تلبية النفير، جدلية الحياة والموت، تناقص العمر، الحياة خير معلم، صورة المرأة، التشبيه.
مهام:
1. كيف يقيم طرفة نفسه فارسا؟
2. ما موقف طرفة من موضوع الخمرة؟
3. ما مبدأ اللذة الدنيوية عند طرفة حسب البيت الثالث؟
4. كيف تنعكس علاقة طرفة بالنساء حسب النص؟
5. من الكريم في تعريف طرفة؟
6. هل توافق طرفة على تعريفه للكريم؟ وضح.
7. كيف يبرر طرفة سعيه نحو اقتناص اللذات؟
8. كيف تنعكس صورة الحياة مقابل الموت في النص؟
9. اشرح التشبيه في البيت الثامن مبينا الغرض من استخدامه.
10. حلل شخصية طرفة من الداخل.
*48*
*48*
الشنفرى (؟ ق. ه – 70 ق. ه)، (؟-554 م)
ثابت بن أوس الازدي، شاعر جاهلي، يماني، من فحول الطبقة الثانية، وكان من فتاك العرب وعدائيهم، وهو أحد الخلعاء الصعاليك الذين تبرأت منهم عشائرهم. قتله بنو سلامان، وقيست قفزاته ليله مقتله، فكانت الواحدة منها قريبا من عشرين خطوة، وفي الامثال (أعدى من الشنفرى)، وهو صاحب لامية العرب. الشنفار هو الخفيف، ولعله لقب لخفته وسرعته، وقيل لغلظ في شفتيه.
الشنفرى - لامية العرب
(1) أقيموا بني أمي صدور مطيكم (أي الناقة، بقصد الحث على الوجه والحراك. وهو يعاتبهم ويهدد بتركهم)، فإني إلى قوم سواكم لأميل
(2) فقد حمت (أعدت وحضرت) الحاجات والليل مقمر، وشدت لطيات (حاجات) مطايا وأرحل
(3) وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى، وفيها لمن خاف القلى (البغض) متعزل
(4) لعمرك ما في الأرض ضيق على امرئ، سرى راغبا أو راهبا وهو يعقل
(5) وإني كفاني فقد من ليس جازيا، بحسنى (المجازي بالمعروف) ولا في قربة متعلل (يقصد أن الثلاثة أشياء في البيت الاتي تكفيه في حالة فقدان المحسن، وفقدان التلهي والتسلية بالقرب منه.
*49*
(6) ثلاثة (فاعل كفاني في البيت السابق) أصحاب: فؤاد مشيع (شجاع)، وأبيض إصليت (سيف صقيل مجرد من غمده) وصفراء (قوس) عيطل (طويل العنق)
(7) أديم مطال (مماطلة) الجوع حتى أميته، وأضرب عنه الذكر صفحا فأذهل (أنسى)
(8) وأستف (ألتهم) ترب الأرض كيلا يرى له، علي من الطول (المنة) امرؤ متطول (ممتن. أي يلتهب التراب حتى لا يمتن عليه أحد بإطعامه).
مفاتيح النص:
معاتبة القبيلة، مغادرة القبيلة، أرض الله الواسعة، التعويض عن الخسارة، الشجاعة، الفروسية، الصبر على الجوع، أكل التراب، رفض المنة، عزة النفس، الشاعر الصعلوك، موتيف الأرض.
مهام:
1. ماذا تعني الصعلكة لغة؟
2. ما الهدف من محاورة الشنفرى قومه؟
3. كيف يبرر الشنفرى العيش بعيدا عن قومه؟
4. ما هي الأشياء الثلاثه التي تعوض الشنفرى عن خسارته؟
5. صف معاناة الشنفرى الجسدية والنفسيه وهو يصارع الجوع.
6. حلل شخصية الشنفرى من الداخل.
7. لماذا يعتبر الشنفرى شاعرا صعلوكا حسب النص؟
8. هل توافق القبيلة على طردها لأبنائها؟ علل موقفك.
9. لماذا سميت القصيدة لامية العرب؟
10. أعط مثالا على التضمين أو الجريان في النص. ما الهدف من استخدامه؟
11. جاء في مجنون ليلى:
قيس: اتركيني فأرض الله واسعة، غدا أبدل أحبابا وأوطانا
أي أبيات الشنفرى يتقاطع مع بيت شوقي؟ ما المشترك والمختلف بينهما؟
12. كيف تنعكس الأرض كموضوع دال في النص؟
*51*
*51*
عروة بن الورد
عروة بن الورد بن زيد العبسي (توفي 30 ق. ه / 594 م)، شاعر من غطفان من شعراء الجاهلية، وفارس من فرسانها، وصعلوك من صعاليكها المعدودين المقدمين الأجواد. كان يسرق ليطعم الفقراء ويحسن إليهم. وكان يلقب عروة الصعاليات لجمعه إياهم وقيامه بأمرهم، إذا أخفقوا في غزواتهم ولم يكن لهم معاش ولا مغزى.
قال معاوية بن أبي سفيان لو كان لعروة بن الورد ولد لأحببت أن أتزوج إليهم. وقال الحطيئة في جوابه عن سؤال عمر بن الخطاب كيف كانت حروبكم؟ قال: كنا نأتم في الحرب بشعره. قال عبد الملك بن مروان من قال إنه حاتما أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد.
عروة بن الورد - لحا الله صعلوكا
(1) لحا (لعن) الله صعلوكا (فقيرا) إذا جن ليله، مصافي المشاش (كل عظم هش دسم) كل مجزر (مكان نحر الإبل)
(2) يعد الغنى من نفسه كل ليلة، أصاب قراها من صديق ميسر (يؤمل نفسه بالغنى من أصدقائه)
(3) ينام عشاء ثم يصبح ناعسا (وذلك لهزاله وضعف همته)، يحت (يحط) الحصا عن جنبه المتعفر
(4) يعين نساء الحي ما يستعنه، ويمسى طليحا كالبعير المحسر (المتعب، الذي أنهكه الإعياء).
(5) ولكن صعلوكا صفيحة وجهه، كضوء شهاب القابس (طالب النار) المتنور
(6) مطلا على أعدائه يزجزونه، بساحتهم زجر المنيح (سهم من سهام الميسر لا نصيب له ولا خسارة. ويعني أنهم) المشهر
(7) إذا بعدوا لا يأمنون اقترابه، تشوف (تطلع) أهل الغائب المتنظر (المتوقع، يقصد: يخاف الأعداء إذا بعدو عنه أن يقترب منهم، وكأنه غائب عن الأهل يتوقع رجوعه).
(8) فذلك أن يلق المنية يلقها، حميدا وإن يستغن يوما فأجدر (أجدر به، ما أجدره إذا استغنى عن القتال، إذ يكون بهذا قد استكفى بما حققه من نصر).
مفاتيح النص:
الصعاليك، الفقر، الجوع، أحلام الصعلوك، مساعدة النساء، الجسد المتعب، القتال والعزيمة، الموت بكرامة.
*53*
مهام:
1. لماذا يوصف الصعلوك بالملعون إذا جاء الليل؟
2. صف جوع الصعلوك وتأثيراته النفسية.
3. يظهر الصعلوك نبيلا في أخلاقه. وضح ذلك من خلال البيتين الرابع والثامن.
4. تحدث عن بسالة الصعلوك من خلال الأبيات الثلاثة الأخيرة.
5. اشرح تشبيه الصعلوك لنفسه في البيت الخامس، وما الغاية من استخدامه؟
6. نبذت القبيلة الصعاليك ولم تعترف بهم. ما رأيك بذلك بالاعتماد على النص؟
7. تكثر في النص المفردات التي تدل على الزمن. استخرج هذه المفردات ووضح سبب توظيفها.
8. يمتاز عروة بن الورد بموضوعية السرد تجاه الصعاليك. وضح ذلك.
9. ابحث في مصادر المعلومات عن أغربة العرب واكتب عما يربطهم بالصعاليك.
*54*
صفحة فارغة
*55*
*55*
*55*
الأخطل (19 ه - 92 ه)، (640 م – 710 م)
هو غياث بن غوث التغلبي ويكنى أبا مالك، وهو أحد الثلاثة المتفق على أنهم أشعر أهل عصرهم: جرير والفرزدق والأخطل.
نشأ في دمشق واتصل بالأمويين فكان شاعرهم، وتهاجى مع جرير والفرزدق، حين أقحم نفسه في المهاجاة بينهما مفضلا الفرزدق على جرير، وامتد الهجاء بينه وبين جرير طوال حياته، وقد جمع أبو تمام نقائض جرير والأخطل.
برع الأخطل في المدح والهجاء ووصف الخمرة، ويتهمه النقاد بالإغارة على معاني من سبقه من الشعراء، والخشونة والالتواء في الشعر والتكلف أحيانا، وهو في نظرهم شاعر غير مطبوع بخلاف جرير، ولكنه واسع الثقافة اللغويه، تمثل الثراث الأدبي وأحسن استغلاله.
توفي الأخطل في السبعين من عمره، في السنة الخامسة من خلافة الوليد بن عبد الملك.
*56*
الأخطل - في مدح بني أمية
(1) فى نبعة (هي من الشجر أجوده. كناية عن أصل عبد الملك بن مروان العريق، والذي لا تضاهيه أنساب سائر الناس) من قريش، يعصبون بها (يطيفون بها ويلازمونها)، ما إن يوازى بأعلى نبتها الشجر
(2) حشد على الحق، عيافو الخنى (لا يطيقون الفحشاء) أنف، إذا ألمت بهم مكروهة، صبروا
(3) وإن تدجت (أظلمت) على الافاق مظلمة، كان لهم مخرج منها ومعتصر
(4) أعطاهم الله جدا (الحظ)، ينصرون به، لا جد إلا صغير، بعد، محتقر
(5) لم يأشروا فيه (لم يبطروا)، إذا كانوا مواليه (أولياءه)، ولو يكون لقوم غيرهم، أشروا
(6) شمس (جمع شموس أي عسير) العداوة، حتى يستقاد لهم، وأعظم الناس أحلاما، إذا قدروا
(7) هم الذين يبارون الرياح، إذا قل الطعام على العافين (المعوزين المقلين) أو قتروا (أصابهم الفقر والقلة)
(8) بني أمية، نعماكم مجللة، تمت فلا منة فيها ولا كدر
(9) بني أمية، قد ناضلت دونكم، أبناء قوم، هم اووا وهم نصروا (يقصد الأنصار الذين نصروا النبي عليه السلام وكانوا ضد الأمويين).
(10) حتى استكانوا، وهم مني على مضض، والقول ينفذ ما لا تنفذ الإبر (السيوف).
(11) بني أمية، إني ناصح لكم، فلا يبيتن فيكم امنا زفر (زفر بن الحارث، كبير زعماء القيسيين، وقد كان الأمويون مؤيدون لليمانية ضد القيسية(.
(12) إن الضغينة تلقاها، وإن قدمت، كالعر (الجرب، داء يصيب جلود الحيوانات)، يكمن حينا، ثم ينتشر
*57*
مفاتيح النص:
نسب الأمويين، صفات بني أمية، الشعر السياسي، أعداء الأمويين، الأنصار، النضال بالشعر، القيسية واليمانية، البعد التاريخي.
مهام:
1. بماذا يشبه الأخطل نسب الأمويين حسب البيت الأول؟
2. ما هي الصفات التي يمدح بها الأخطل بني أمية؟
3. قارن بين بني أمية وباقي الناس حسب الأبيات (4، 5).
4. اشرح دور الكلمة الشعرية في النضال ضد أعداء الأمويين.
5. تشير القصيدة إلى بعض أعداء الأمويين. وضح ذلك.
6. ماذا يقصد الأخطل بقوله "والقول ينفذ ما لا تنفذ الإبر"؟
7. هل توافق الأخطل على هذا الرأي. علل إجابتك.
8. هجا الأخطل أخوال النبي صلى الله عليه وسلم من بني النجار في المدينة في الوقت الذي لم يتجرأ أحد على ذلك. أي الأبيات يشير إلى ذلك الهجاء؟
9. للأخطل موقف من الصراع التاريخي بين القيسية واليمانية. ما هو هذا الموقف؟
10. حلل أركان التشبيه في البيت الأخير، مبينا الهدف من استخدامه.
11. هات مثالا على الاستعارة في القصيدة، مبينا الهدف من استخدامها.
12. اشرح الالتفات بين البيتين السابع والثامن والغرض من استخدامه.
*58*
*58*
قطري بن الفجاءة (؟- 78 ه)،(؟- 697 م)
أبو النعامة قطري بن الفجاءة المازني التميمي، أحد زعماء الخوارج، من فرسان الأزارقة الشراة وشجعانهم، وحينما توفي زعيمهم سنة 68 للهجرة بايعه الازارقة أميرا عليهم، ولشجاعته وبسالته في المعارك سموه أمير الموت.
كان خطيبا بليغا فصيحا وفارسا شجاعا شاعرا. استفحل أمره في زمن مصعب بن الزبير، لما ولي العراق في خلافة أخيه عبد الله بن الزبير.
وبقي قطري ثلاث عشرة سنة يقاتل ويسلم عليه بالخلافة وإمارة المؤمنين، والحجاج بن يوسف يسير إليه جيشا بعد جيش، وهو يردهم ويظهر عليهم، ولم يزل الحال بينهم كذلك حتى توجه إليه سفيان بن الأبرد الكلبي، فظفر عليه وقتله في سنة 78 ه.
قطري بن الفجاءة - أقول لها وقد طارت شعاعا
(1) أقول لها (يخاطب النفس) وقد طارت شعاعا (متفرقة، فقدت هممها مبالغة في الفزع)، من الأبطال ويحك لن تراعي (لن تفزعني، لن تفقدي الروع)
(2) فإنك لو سألت بقاء يوم، على الأجل الذي لك لن تطاعي
(3) فصبرا في مجال الموت صبرا، فما نيل الخلود بمستطاع
(4) ولا ثوب البقاء بثوب عز، فيطوي عن أخي الخنع (كناية عن الذيل الخاضع) اليراع (القصة التي لا جوف لها، كناية عن الجبان الذي لا قلب له)
(5) سبيل الموت غاية كل حي، فداعية لأهل الأرض داعي
(6) ومن لا يعتبط (يمت من غير علة. أي من لم يمت شابا مات هرما) يسأم ويهرم، وتسلمه المنون إلى انقطاع
(7) وما للمرء خير في حياة، إذا ما عد من سقط المتاع
*59*
مفاتيح النص:
مخاطبة النفس، شحذ الهمم، الدعوة للقتال، مفهوم الموت، الخلود، غاية الحياة، الخضوع والجبن، العزة، قيمة الإنسان، حكمة الشاعر، الخوارج.
مهام:
1. صف الحالة النفسية للأنا الشعري من خلال البيت الأول.
2. هل تنسجم القصيدة مع موقف الخوارج المناهض للأمويين؟ وضح.
3. كيف ينعكس مفهوم الحياة والموت من خلال النص؟
4. ما هي الصفات التي يفخر بها الشاعر، وتلك التي يرفضها؟
5. ابن جدولا يحوي مفردات كل من مفهومي الحياة والموت الواردة في النص.
6. هات مثالا على الكناية والاستعارة في النص.
7. تكثر في القصيدة أدوات النفي. ما الهدف من توظيفها؟
8. هل القصيدة تشاؤمية؟ وضح رأيك.
9. تنعكس في القصيدة روح الفارس المحارب. هات دليلا يثبت ذلك.
10. أين تظهر حكمة الشاعر وتجاربه الحياتية في النص؟
*60*
*60*
الصمة القشيري
الصمة بن عبد الله بن الطفيل القشيري شاعر إسلامي بدوي من شعراء بني أمية. يروى أنه أحب ريا العامرية ابنة عمه، فخطبها فطلب عمه مائة ناقة حمراء، فنقص مهرها ناقة، فطلبها من والده، فلم يعطه، وأصر عمه على طلبه، فهجرهما، وترك البلاد، لكن نفسه اشتاقت إلى ريا التي زوجها والدها من غيره، فقال فيها قصيدته هذه التي يعتبرها الكثيرون من أجمل النسيب في الجاهلية والإسلام. مات في غزو في طبرستان.
الصمة القشيري - حننت إلى ريا
(1) حننت إلى ريا ونفسك باعدت، مزارك من ريا وشعباكما (الحي العظيم القبيلة) معا
(2) فما حسن أن تأتي الأمر طائعا، وتجزع أن داعي الصبابة أسمعا
(3) قفا ودعا نجدا ومن حل بالحمى، وقل لنجد عندنا أن يودعا
(4) بنفسي تلك الأرض ما أطيب الربا، وما أحسن المصطاف (موضع قضاء الصيف) والمتربعا (موضع قضاء الربيع)
(5) وليست عشيات الحمى برواجع، عليك ولكن خل عينيك تدمعا
(6) ولما رأيت البشر أعرض دوننا، وحالت بنات الشوق يحنن نزعا
(7) بكت عيني اليسرى فلما زجرتها، عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا
(8) تلفت نحو الحي حتى وجدتني، وجعت من الإصغاء ليتا (صفحة العنق) وأخدعا (عرقان في الرقبة)
(9) وأذكر أيام الحمى ثم أنثني، على كبدي من خشية أن تصدعا
*61*
مفاتيح النص:
زواج الأقارب، ظلم ذوي القربى، الحب العذري، الرحيل والوداع، الحنين إلى الأحبة، الحنين إلى الديار، جمال الوطن، البكاء، الأم، الذكريات، التجريد، دلالة الكبد، الالتفات، دلالة المكان.
مهام:
1. صف الحالة النفسية والعاطفية للشاعر من خلال الأبيات (1، 7).
2. يعكس البيت الثاني حالة من التناقض داخل نفس الشاعر. وضح ذلك.
3. يخاطب الشاعر نفسه على طريقه التجريد، فيجرد من نفسه شيئا اخر يخاطبه. ما جمالية هذا الأسلوب؟
4. كيف تنعكس دلالة المكان من خلال النص؟
5. هل تعتقد أن الشاعر كان على حق حينما ترك الديار بسبب نقص فى مهر حبيبته؟ علل.
6. هل حالة كل من عيني الشاعر، عنقه وكبده نتيجة لحالته النفسية والعاطفيه.
7. اشرح التصدير في البيت الثالث، مبينا الهدف من استخدامه.
8. هات مثالا على الاستعارة في النص واشرح غرض استخدامها.
9. ينتقل الشاعر من ضمير المخاطب إلى المتكلم. ما الهدف من هذا الالتفات؟
10. هنالك من ينسب العور إلى الشاعر. هل في النص ما يدعم هذه الفرضية؟ علل.
11. هل في البيت السابع اعتقاد بالتطير وزجر الطير الذي كان شائعا في الجاهلية؟ وضح موقفك.
12. كرر الشاعر لفظة الحمى. ما الهدف من تكرار هذه اللفظة؟
13. هات ثلاثة أمثلة على استخدام الشاعر لألف الإطلاق واشرح الغرض من استخدامها.
14. في أي الأبياب يظهر تشابه مع مطلع معلقة امرئ القيس؟ اشرح هذا التشابه.
*62*
*62*
قيس بن الملوح (645-688 م)
قيس بن الملوح بن مزاحم العامري من بطون هوازن والملقب بمجنون ليلى، شاعر غزل، من المتيمين، من أهل نجد. عاش في فترة خلافة مروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان، في القرن الأول من الهجرة في بادية العرب.
لم يكن مجنونا وإنما لقب بذلك لهيامه في حب ليلى العامرية، التي نشأ معها وعشقها، فرفض أهلها أن يزوجوها به، فهام على وجهه، ينشد الأشعار، ويأنس بالوحوش، ويتغنى بحبه العذري، فيرى حينا في الشام، وحينا في نجد، وحينا في الحجاز، إلى أن وجد ملقى بين أحجار وهو ميت فحمل إلى أهله.
قيس بن الملوح - من قصيدة المؤنسة
(1) تذكرت ليلي والسنين الخواليا، وأيام لا نخشى على اللهو ناهيا
(2) وقد يجمع الله الشتيتين بعدما، يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
(3) أعد الليالي ليلة بعد ليلة، وقد عشت دهرا لا أعد اللياليا
(4) وأخرج من بين البيوت لعلني، أحدث عنك النفس بالليل خاليا
(5) خليلي ليلى أكبر الحاج (الحاجات) والمنى، فمن لي بليلى أو فمن ذا لها بيا
(6) فلم أر مثلينا خليلي صبابة، أشد على رغم الأعادي تصافيا
*63*
(7) إذا اكتحلت عيني بعينيك لم تزل، بخير وجلت (كشفت، أزاحت)، غمرة (شدة) عن فؤاديا
(8) هى السحر إلا أن للسحر رقية، وإني لا ألفي لها الدهر راقيا
(9) لئن ظعن (ارتحل) الأحباب يا أم مالك فما ظعن الحب الذي في فؤاديا
(10) فيا رب صيرت ليلى هي المنى، فزني بعينيها كما زنتها ليا
مفاتيح النص:
الحب العذري، الذكريات، أمل اللقاء، الأرق والسهاد، الخلوة مع النفس، قيمة ليلى، عظمة الحب وتأثيره، الوفاء، التصريع، التصدير، المونولوج، الالتفات، الاستعارة.
مهام:
1. بأي الذكريات تقترن ذكرى ليلى؟
2. هات دليلا على أن قيسا متفائل في حبه لليلى.
3. يظهر قيس في حالة من التأمل الذاتي. وضح ذلك.
4. ما أهمية ليلى بالنسبة لقيس؟
5. تمثل القصيدة الحلم العذري. وضح.
6. اشرح الاستعارة في البيت السابع مبينا جماليتها والهدف منها.
7. اشرح الالتفات في البيت السابع.
8. ما الهدف من التصدير في البيت الثامن؟
9. لماذا يتوجه قيس إلى الله في البيت الأخير؟
10. ابحث في مصادر المعلومات عن درجات الحلم عند العرب واكتب خمسا منها.
*64*
*64*
عمر بن أبي ربيعة (23-93 ه)، (643-711 م)
عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي القرشي شاعر قريش وفتاها، وهو أحد شعراء الدولة الأمويه، ومن زعيم المذهب الحضري في التغزل. هو أرق شعراء عصره، من طبقة جرير والفرزدق والأخطل، ولد في الليلة التي توفي بها عمر بن الخطاب فسمي باسمه. شب عمر على دلال وترف، فانطلق مع الحياة التي تنفتح رحبة أمام أمثاله ممن رزقوا الشباب والثروة والفراغ، لها مع اللاهين، وعرفته مجالس الطرب والغناء فارسا مجليا ينشد الحسن في وجوه الملاح في مكة وقت الحجيج وغيره، ويطلبه في المدينة والطائف وغيرهما. برع في استعمال الأسلوب القصصي والحوار، وتتميز قصائده بالعذوبة والطابع الموسيقي، وقد تغنى كبار الموسيقيين في ذلك العصر بقصائده.
يقال إنه رفع إلى عمر بن عبد العزيز أنه يتعرض للنساء ويشبب بهن، فنفاه إلى دهلك. ثم غزا في البحر فاحترقت السفينة به وبمن معه، فمات فيها غرقا.
عمر بن أبي ربيعة - ليت هندا
(1) ليت هندا أنجزتنا ما تعد، وشفت أنفسنا مما تجد
(2) واستبدت مرة واحدة، إنما العاجز من لا يستبد
(3) زعموها سألت جاراتها، وتعرت، ذات يوم، تبترد:
(4) أكما ينعتني تبصرنني، عمركن الله (عمر: مفعول به ثان مقدم وهو مضاف، الله مفعول به أول مؤخر. والتقدير: أسأل الله عمركن)، أم لا يقتصد؟
*65*
(5) فتضاحكن، وقد قلن لها: حسن في كل عين من تود!
(6) حسد حملنة من أجلها، وقد يما كان في الناس الحسد
(7) غادة يفتر عن أشنبها (الثغر فيه ماء ورقة وبرد وعذوبة)، حين تجلوه، أقاح (أقحوان، نبات بري وأزهاره بيضاء) أو برد
(8) ولها عينان في طرفيهما حور منها، وفي الجيد (العنق) غيد (ميل العنق والنعومة)
(9) ولقد أذكر، إذ قلت لها، ودموعي فوق خدي تطرد
(10) قلت: من أنت؟ فقالت: أنا من شفه الوجد (الحب الشديد، الحزن، الغضب) وأبلاه الكمد (الحزن المكتوم)
(11) نحن أهل الخيف (غرة بيضاء في الجبل الأسود الذي خلف أبي قبيس بمكة) من أهل منى (موضع في مكة)، ما لمقتول، قتلناه، قود (القصاص وقتل القاتل بدل المقتول)
(12) قلت: أهلا! أنتم، بغيتنا، فتبسمين؟ فقالت: أنا هند
(13) إنما أهلك جيران لنا، إنما نحن وهم شيء أحد
(14) حدثوني أنها لي نفثت عقدا (عقدت عقدا وتفلت فيها شيئا قليلا لتسحره، والنفاثات في العقد هن ساحرات) يا حبذا تلك العقد
(15) كلما قلت: متى ميعادنا؟ ضحكت هند وقالت: بعد غد!
مفاتيح النص:
الغزل الحضري (الإباحي)، وصال العاشق، اللذة الحسية، غيرة النساء، جمال المحبوبة، المحبوبة القاتلة، المحبوبة الساحرة، جيرة الأحبة، الوعد الكاذب، دلالة المكان، الثأر، الأسلوب القصصي، الحوار، التناص الديني، الاستفهام.
*66*
مهام:
1. هات دليلا من النص على أن القصيدة نموذج للغزل الإباحي؟
2. كيف ينعكس مفهوم الحسد بين النساء في النص؟
3. صف جمال المحبوبة من خلال النص.
4. هات معلومات تشخيصية عن هند وردت في النص.
5. ما هي أهم النقاط التي دارت في الحوار بين العاشق وهند؟
6. كيف تتملص هند عند لقاء العاشق؟
7. في القصيدة ملامح قصصية. حلل أهم عناصرها في نظرك.
8. في البيت قبل الأخير تناص مع سورة الفلق. وضح ذلك.
9. حلل أركان التشبيه في البيت السابع، مبينا الغرض من استخدامه.
10. هات دليلا من النص على بقاء ترسبات الاعتقاد بالثأر في العصر الأموي.
11. ما هي أهمية الدلالة المكانية في النص؟
12. ما الغرض من استخدام أسلوب الاستفهام في النص؟
*67*
*67*
مالك بن الريب
مالك بن الريب التميمي شاعر إسلامي مجيد مقل، لم يشتهر من شعره إلا قصيدته في رثاء نفسه، ومقاطع شعرية في الوصف والحماسه وردت في كتاب الأغاني.
كان مالك قاطع طريق، لازم شظاظا الظبي الذي قالت عنه العرب ألص من شظاظ. وفي يوم مر عليه سعيد بن عثمان بن عفان - حفيد الصحابي عثمان بن عفان - وهو متوجه لإخماد فتنة في تمرد بأرض خراسان، فأغراه بالجهاد في سبيل الله بدلا من قطع الطريق، فاستجاب مالك لنصح سعيد، فذهب معه وأبلى بلاء حسنا في خراسان، وحسنت سيرته، وفي عودته قرب مدينة مرو، وهو في طريق العودة إلى وادي الغضا في نجد، مسكن أهله، مرض مرضا شديدا أو يقال لسعته أفعى وهو في القيلولة، فسرى السم في عروقه، وأحس بالموت، فقال قصيدته المشهورة التي يرثي بها نفسه، ويصف فيها مشاعره وتوقعاته وهو في طريق خراسان غازيا، ثم مرضه في مرو ومشاعره وقلقه ورثاءه لنفسه وهو عائد من خراسان، فالقصيدة تخلط بين الذهاب إلى خراسان والعودة منها.
*68*
ماللث بن الريب يرثي نفسه (مطلع القصيدة: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة، بجنب الغضى أزجي القلاص النواجيا)
(1) لعمري لئن غالت (أهلك) (خراسان) هامتي (رأس)، لقد كنت عن (بابي خراسان) نائيا
(2) تذكرت من يبكي على قلم أجد، سوى السيف والرمح والرديني (الرمح المنسوب إلى ردينة وهي إمرأة اشتهرت وزوجها سمهر بصنع الرماح) باكيا
(3) وأشقر (حصان أشقر) محبوك (قوي) يجر عنانه، إلى الماء لم يترك له الدهر ساقيا
(4) فيا صاحبي رحلي (الداية)، دنا الموت، فأنزلا برابية، إني مقيم لياليا
(5) وخطا بأطراف الأسنة مضجعي، وردا على عيني فضل ردائيا (فضل الرداء: ما زاد عن الثوب)
(6) يقولون: لا تبعد وهم يدفنونني، وأين مكان البعد إلا مكانيا؟
(7) فيا صاحبا إما عرضت فبلغن، بني مازن والريب أن لا تلاقيا
(8) وعر قلوصي (الناقة الفتية) في الركاب، فإنها ستغلق أكبادا وتبكي بواكيا
(9) وبالرمل منا نسوة لو شهدنني بكين، وفدين الطبيب (قلن له: جعلنا فداك) المداويا
(10) فمنهن أمي وابنتاي وخالتي باكية أخرى تهيج البواكيا
*69*
مفاتيح النص:
رثاء الذات، الذكريات، الاسترجاع الفني، الفروسية والمشاركة بالفتوحات، دلالة المكان، الممتلكات الخاصة، السيف والرمح والحصان والناقة، بكاء اليسوف، العائلة المفجوعة، الانا المتكلم، نظرة الشاعر للموت، العناصر القصصية، موتيف البكاء.
مهام:
1. كيف تنعكس ظنون الشاعر بملاقاة الموت من خلال مشاركته بالفتوحات في خراسان؟
2. يستشعر الشاعر الموت من خلال تأنيس أسلحته الخاصة. وضح ذلك.
3. كيف تنعكس صورة الفارس العربي في النص؟
4. ما مدى القرب النفسي بين الشاعر وكل من حصانه وناقته حسب البيتين الثالث والثامن؟
5. كيف تنعكس صورة المرأة في النص؟
6. ما مفهوم الشاعر للموت واستعداده له؟
7. اشرح موتيف البكاء ودلالته العاطفية والفلسفية.
8. عين العناصر القصصية في النص. وبماذا يسهم وجود هذه العناصر؟
9. ما دلالة الأمكنة وعلاقتها بالحدث المركزي في النص؟
10. أين ينعكس الاستشراف الفني تجاه المستقبل في النص؟
11. ما درجة التناغم بين السرد بضمير المتكلم وغرض الرثاء؟
*70*
*70*
أبو نواس - مصابيح الدجى
أبو نواس (145-198 ه) (762-813 م)
ولد أبو نواس الحسن هانئ في الأهواز في فارس. وقد أخذ العلم عن علماء البصرة ولا سيما أبو عبيدة، واكتسب ثقافة واسعة. اشتهر أبو نواس بشاعريته وعشقه الشديد للخمرة، فقد مال في طبيعته إلى حب المتعة والمجون، وقد تاب قبل وفاته ونظم قصائد جميلة في الزهد. من أغراضه الشعرية: الهجاء، الطرديات، الزهديات، الغزل والخمريات. امتاز أبو نواس بخاطر غني متدفق وخيال خصب يحسن صياغة المشاهد الرائعة، وقد عرف عنه ميله إلى التجديد والخروج عن التقاليد. توفي أبو نواس وله من العمر 54 سنة.
أبو نواس - مصابيح الدجى
(1) وفتية كمصابيح الدجى (مصابيح الدجى: كناية عن النجوم) غرر (بيض)، شم الأنوف، من الصيد (جمع أصيد وهو الرافع رأسه كبرا) المصاليت (الشجعان)
(2) صالوا على الدهر باللهو الذي وصلوا، فليس حبلهم منه بمبتوت (مقطوع)
(3) دار الزمان بأفلاك السعود لهم، وعاج يحنو عليهم عاطف الليت (العنق)
*71*
(4) نادمتهم قرقف (من أسماء الخمر) الإسفنط (الطيبة الرائحة، المعتقة من عصير العنب) صافية، مشمولة سبيت من خمر تكريت (بلد بين بغداد والموصل)
(5) من اللواتي خطبناها على عجل، لما عججنا (صحنا) بربات الحوانيت
(6) قالت: من القوم قلنا: من عرفتهم من كل سمح، بفرط الجود منعوت
(7) حلو بدارك مجتازين، فاغتنمي، بذل الكرام، وقولي كيفما شئت
(8) قالت: فعندي الذي تبغون، فانتظروا عند الصباح، فقلنا: بل بها إيتي
(9) هي الصباح تحيل الليل صفوتها، إذا رمت بشرار كاليواقيت
(10) فأقبلت كضياء الشمس، نازعة في الكأس من بين دامي الخضر منكوت (ملقى على رأسه)
(11) قلنا لها: كم لها في الدن مد حجبت؟ قالت: قد اتخذت من عهد طالوت (أحد ملوك بني إسرائيل، اختاره النبي صمؤيل للمُلك، وقد زوج إحدى بناته لداود في قصة طويلة. ذكر طالوت في سورة البقرة، الايات 247-249)
(12) كانت مخبأة في الدن (جمعها دنان، برميل توضع فيه الخمرة مدة طويلة لتختمر)، قد عنست (أصبحت عانسا، أي بلغت ولم تتزوج) في الأرض، مدفونة في بطن تابوت
(13) كأنها بزلال المزن إذ مزجت، شباك در على ديباج (حرير منقوش) ياقوت
(14) وعندنا ضارب يشدو فيطربنا، "يا دار هند بذات الجزع حييت"
(15) من أهل هيت (مدينة عراقية على الفرات) سخي الجرم (القطع) ذي أدب، له أقول مزاحا هات يا هيتي
مفاتيح النص:
الخمرة، أسماؤها، شاربوها، مجلس الشراب، الخمارات، الغناء، أثرالخمرة، صناعتها، أنواعها، العنصر القصصي، التناص، الحوار، التشبيه، الاستعارة، الخمريات.
*72*
مهام:
1. استخرج اسما من اسماء الخمر جاء في النص.
2. ما هو الغرض الشعري الذي تنتمي إليه القصيدة؟
3. ما هي صفات شاربي الخمر حسب النص؟
4. صف مجلس الشراب كما ورد وصفه في النص.
5. ما الغرض من ذكر تكريت في القصيدة؟
6. هات تشبيها ورد في النص، مبينا الغرض من استخدامه.
7. ما الهدف من التناهي الخاص بذكر الملك طالوت في القصيدة؟
8. في القصيدة عناصر قصصية، عينها. وما الغرض من استخدام هذا الاسلوب؟
9. ما غرض الحوار في القصيدة؟
10. ما الغرض من استعارة صفة العنوسة للخمرة؟
11. اكتب خمس مفردات من الحقل الدلالي الخاص بالخمرة.
*73*
*73*
ابن الرومي (221-283 ه) (835-896 م)
ولد ونشأ في بغداد. عرف أنه رومي من ناحية أبيه، فارسي من ناحية أمه. كان شعره صوراً لنفسيته التي كانت كثيرا ما تغلب عليها النزعة التشاؤمية. كانت حياته سلسله من الخيبات والألم حيث نكب في أسرته مما زاده جزعا وتعزيزا. عرف عنه إحساسه المرهف وشديد تنبهه. تميزت فلسفة ابن الرومي للحياة بالأبيقورية والإقبال على ملذات الحياة، ولكن شطط الحياة حمله على التطير والتشاؤم، كما امتاز بفلسفة أدبية ودينية خاصة. من اثاره: رسائل وديوان فيه مدح وهجاء ورثاء وغزل ووصف وفخر وعتاب وطرديات.
ابن الرومي - وحيد المغنية
(1) يا خليلي، تيمتني (استعبدتني بحبها) وحيد، ففؤادي بها معنى (معذب) عميد (مريض، مشغوف بالعشق)
(2) غادة (فتاة ناعمة لينة) زانها من الغصن قد، ومن الظبي مقلتان وجيد (عنق)
(3) وزهاها من فرعها (الشعر)، ومن الخدين ذاك السواد والتوريد
*74*
(4) وغرير (الشاب الذي لا تجربة له) بحسنها قال: صفها، قلت: أمران: هين وشديد
(5) يسهل القول إنها أحسن الاشياء طرا (جمالا وكلية)، ويعسر التحديد
(6) تتجلى للناظرين إليها، فشقي بحسنها وسعيد
(7) ظبية، تسكن القلوب، وترعاها، وقمرية (حمامة حسنة الصوت) لها تغريد
(8) تتغنى كأنها لا تغني من سكون الأوصال، وهي تجيد
(9) مد في شأو (شوط، مدى) صوتها نفس كاف كأنفاس عاشقيها مديد
(10) وأرق الدلال والغنج منه، وبراه الشجا (الهم والحزن)، فكاد يبيد
(11) فتراه يموت طورا، ويحيا، مستلذا بسيطة (الغناء السهل) والنشيد
(12) فيه وشي (نقش وزخرف)، وفيه حلي من النغم مصوغ، يختال فيه القصيد
(13) ما تعاطي القلوب إلا أصابت بهواها منهن حيث تريد
(14) حسنها في العيون حسن وحيد، فلها في القلوب حب وحيد
(15) أهي شيء، لا تسأم العين منه، أم لها كل ساعة تجديد؟
مفاتيح النص:
الغزل، الغناء والطرب، المغنية الحسناء، طبقات الصوت، حسن الاداء، الجمهور المتلقي، الإبداع، الجمال الخارجي، الوصف الموضوعي، الوصف الانفعالي، الاستعارة، الطباق، الجناس، الاستفهام البلاغى، التصريع.
*75*
مهام:
1. ما هو الغرض الشعري للنص؟
2. كيف ينعكس الطرب والغناء في العصر العباسي من خلال النص؟
3. هات مثالا على الوصف الانفعالي لإبن الرمي؟
4. هات مثالا على الوصف الموضوعي لابن الرومي.
5. ما هو تأثير المغنية وحيد على جمهور المتلقين؟
6. ما هو الأسلوب البلاغي الذي يستخدمه ابن الرومي في التلاعب باسم محبوبته؟
7. في النص كلمات من الحقل الدلالي الصوتي. هات خمس مفردات تدل على ذلك.
8. علام يركز ابن الرومي في أوصاف الجمال الظاهري لوحيد المغنية؟
9. هات مثالا على الطباق، مبينا الهدف من استخدامه؟
10. ما التشابه بين وحيد المغنية وبين الظبي والقمرية؟
11. ما الغاية من الاستفهام البلاغي في البيت الخامس عشر؟
*76*
*76*
أبو العلاء المعري (363-449 ه) (973-1075 م)
أحمد بن عبد الله بن سليمان، التنوخي المعري. شاعر وفيلسوف، ولد ومات في معرة النعمان، كان نحيف الجسم، أصيب بالجدري صغيرا فعمي في السنة الرابعه من عمره. قال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة، ورحل إلى بغداد سنة 398 ه فأقام بها سنة وسبعة أشهر، ولما مات وقف على قبره 84 شاعرا يرثونه. وكان يحرم إيلام الحيوان، ولم يأكل اللحم خمسا وأربعين سنة، وكان يحرم يلبس الثياب، أما شعره وهو ديوان حكمته وفلسفته، فثلاثة أقسام: (لزوم ما لا يلزم) ويعرف باللزوميات، و (سقط الزند)، و (ضوء السقط) وقد ترجم كثير من شعره إلى غير العربية. وأما كتبه فكثيرة، منها: (عبث الوليد) شرح به ونقد ديوان البحتري، (رسالة الملائكة)، و (رسالة الغفران)، و (الفصول والغايات)، و(رسالة الصاهل والشاحج).
*77*
أبو العلاء المعري - من اللزوميات
(1) غدوت مريض العقل والدين (المقصود متهما بعقلي وديني) فألقني، لتسمع أنباء الأمور الصحائح
(2) فلا تأكلن ما أخرج الماء ظالما (كناية عن السمك وما يعيش في البحر)، ولا تبغ قوتا من غريض الذبائح (الغريض: الطري. والمقصود حيوان البر)
(3) ولا بيض أمات (جمع أم للحيوانات، أما أم البشر فجمعها أمهات) لأطفالها، دون الغواني (الحسنوات) الصرائح
(4) ولا تفجعن الطير وهي غوافل بما وضعت، فالظلم شرح القبائح
(5) ودع ضرب النحل (عسله) الذي بكرت له، كواسب من أزهار نبت فوائح (تبعث الروائح الطبية، أي لا تؤذ الطير بذبح فراخه ولا النحل بسرقة عسله)
(6) فما أحرزته كي يكون لغيرها، ولا جمعته للندى (الجود) والمنائح (الهدايا)
(7) مسحت يدي (نفضت يدي. تبرأت) من كل هذا، فليتني أبهت لشأني (تنبهت له) قبل شيب المسائح (النواصي: شعر مقدم الرأس ما بين الصدغين)
(8) بني زمني، هل تعلمون سرائرا، علمت بها، لكنني غير بائح
(9) سريتم على غي (ضلال)، فهلا اهتديتم، بما حدثتكم صافيات القرائح (العقول النيرة)
*78*
مهام:
1. كان المعري نباتيا. هات أدلة من النص تثبت ذلك.
2. ماذا يحرم المعري على نفسه من أطعمة محللة حسب النص؟
3. ما موقفك من هذه التحريمات الفردية؟
4. كيف ينعكس مفهوم الرفق بالحيوان حسب النص؟
5. كيف ينعكس مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في النص؟
6. ما الغرض من التزام المعري بلزوم ما لا يلزم؟
7. هات مثالا على الكناية في البيت الثاني.
8. هات مثالا على كل من التصدير الطباق في النص.
9. ما الغرض من استخدام أسلوبي الأمر والنهي في النص؟
*79*
*79*
ابن الفارض (576-632 ه) (1181-1235 م)
عمر بن علي الحموي الأصل، ولد في مصر وأقام وتوفي فيها، شاعر صوفي، لقب بسلطان العاشقين، في شعره فلسفة تتصل بوحدة الوجود. اشتغل بفقه الشافعية وأخذ الحديث عن ابن عساكر، وأخذ عنه الحافظ المنذري وغيره، إلا أنه ما لبث أن زهد بكل ذلك وتجرد، وسلك طريق التصوف وجعل يأوي إلى المساجد المهجورة وأطراف جبل المقطم، وذهب إلى مكة في غير أشهر الحج، وأكثر العزلة في واد بعيد عن مكة. ثم عاد إلى مصر وقصده الناس بالزيارة حتى أن الملك الكامل كان ينزل لزيارته. وكان حسن الصحبة والعشرة رقيق الطبع فصيح العبارة، يعشق مطلق الجمال.
ابن الفارض - قلبي يحدثني بأنك متلفي
(1) قلبي يحدثني بأنك متلفي، روحي فداك عرفت أم لم تعرف
(2) ما لي سوى روحي وباذل نفسه، في حب من يهواه ليس بمسرف (التبذير)
(3) فلئن رضيت بها فقد أسعفتني، يا خيبة المسعى إذا لم تسعف
(4) إن لم يكن وصل لديك فعد به، أملي وماطل إن وعدت ولا تف
(5) فالمطل منك لدي إن عز الوفا، يحلو كوصل من حبيب مسعف
(6) يا أهل ودي أنتم أملي ومن، ناداكم يا أهل ودي قد كفي
(7) لو أن روحي في يدي ووهبتها، لمبشري بقدومكم لم أنصف
*80*
(8) قل للعذول (اللائم في الحب) اطلت لومي طامعا، أن الملام عن الهوى مستوقفي
(9) دع عنك تعنيفي (التوبيخ) وذق طعم الهوى، فإذا عشقت فبعد ذلك عنف
(10) برح الخفاء (وضح الأمر) بحب من لو في الدجى، سفر (كشف)، اللثام لقلت يا بدر اختف
(11) وقفا عليه محبتي ولمحنتي، بأقل من تلفي به لا أشتفي
(12) لو قال تيها قف على جمر الغضا (شجر صلب يبقى جمره مدة طويلة لا ينطفئ)، لوقفت ممتثلا ولم أتوقف
(13) لا تنكروا شغفي بما يرضى وإن هو بالوصال علي لم يتعطف
(14) ألف الصدود (الهجران) ولي فؤاد لم يزل، مذ كنت غير وداده لم يألف
(15) كملت محاسنه فلو اهدى السنا، للبدر عند تمامه لم يخسف
(16) وعلى تفنن واصفيه لحسنه، يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف
مفاتيح النص:
العشق الإلهي، التغزل بالذات الإلهية، التجريد، فناء العاشق، التضحية، محاججة العاذلين، طاعة العاشق للمعشوق، كمال المعشوق وجماله، رضا المعشوق عن العاشق، درجات العشق، أبدية الوصف، التصريع، التصدير.
*81*
مهام:
1. ماذا يحدث القلب الشاعر في البيت الأول؟ وما هي حدود تضحية هذا القلب؟
2. ما الذي يخشاه القلب من صاحبه الشاعر حسب البيت الثالث؟
3. لماذا يجرد الشاعر من نفسه طرفا اخر يخاطبه؟
4. ماذا يريد قلب الشاعر منه في البيتين الرابع والخامس؟
5. لماذا يخاطب الشاعر حبيبة الخالق بصيغة الجمع في البيتين السادس والسابع؟
6. كيف يعلل الشاعر عشقه لله أمام العاذلين، حسب البيت التاسع؟
7. ما هي الصفات الإلهية التي يتغزل بها ابن الفارض في معشوقه الخالق عز وجل، اعتمادا على الأبيات: العاشر، الخامس عشر والسادس عشر؟
8. ما المقصود بأدبية الوصف حسب البيت الأخير؟
9. ما هي درجات (مرادفات) الحب التي وردت في النص؟
10. تكاد القصيدة تخلو من المحسوسات وتعتمد على المجردات. وضح ذلك من خلال مثالين.
11. ما هو العشق الإلهي حسب ما تضمنته القصيدة؟
12. اشرح التصريع في مطلع القصيدة، مبينا الغرض من استخدامه.
13. اشرح التصدير في الأبيات: الثالث، التاسع والرابع عشر، مبينا الغرض من استخدامه.
*82*
*82*
لسان الدين بن الخطيب (713-776 ه) (1313-1374 م)
أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد الغرناطي الشهير بلسان الدين بن الخطيب. ولد بغرناطة في بيت اشتهر بالعلم والفقه والأدب والطب، ونبغ في الشعر والترسل بحيث لا يجارى فيهما، امتدح السلطان أبا الحجاج فرقاه إلى خدمته، وأثبته في ديوان الكتابة.
لقب "ذا الوزارتين": القلم والسيب، و "ذا العمرين" لاشتغاله بالتصنيف ليله، وبتدبير المملكة نهاره. وجهت إليه تهمة الزندقة (سلوك مذهب الفلاسفة) وأفتى بعض الفقهاء بقتله، فأعيد إلى السجن وتم هناك قتله بالسم.
لم ينجح في حياته السياسية ولكنه نجح نجاحا عظيما في حياته الأدبية، وهي حياة منوعة، إذ لم يقف بكتابته عند الرسائل الديوانية أو الشخصية، بل كتب كتبا كبيرة في التاريخ والتصوف والموسيقى والفقه والطب. تقع مؤلفاته: في ستين كتابا منها: الإحاطة في تاريخ غرناطة، روضة التعريف بالحب الشريف، عمل من طب لمن حب.
*83*
لسان الدين بن الخطيب - جاذك الغيث
(1) جادك الغيث إذا الغيث همى (هطل) يا زمان الوصل بالأندلس
(2) لم يكن وصلك إلا حلما، في الكرى (النوم) أو خلسة المختلس (اختلاس، الأخذ في الخفاء)
(3) إذ يقود الدهر أشتات المنى ينقل الخطو على ما يرسم
(4) زمرا (مفردها زمرة وهي الجماعة) بين فرادى وثنا مثل ما يدعو الوفود الموسم (موسم الجيج)
(5) والحيا (المطر) قد جلل الروض سنا (نورا) فثغور الزهر منه تبسم
(6) وروى (السقى) النعمان عن ماء السما (النعمان: شقائق النعمان، وماء السماء المطر وفيه تورية النعمان بن ماء السماء ملك الحيرة)، كيف يروي مالك عن أنس (مالك بن أنس فقيه صاحب المذهب المالكي، وأنس هو أنس بن مالك خادم الرسول صلى الله عليه وسلم، والعلاقة هي الصدق في نقل الأحاديث النبوية)
(7) فكساه الحسن ثوبا معلما يزدهي منه بأبهى ملبس
(8) في ليال كتمت سر الهوى، بالدجى لولا شموس الغرر
(9) مال نجم الكأس فيها وهوى مستقيم السير سعد الأثر
(10) وطر (هدف، غرض) ما فيه من عيب سوى أنه مر كلمح البصر
*84*
(11) حين لذ الأنس شيئا أو كما هجم الصبح هجوم الحرس
(12) غارت الشهب (النجوم) بنا أو ربما أثرت فيها عيون النرجس
(13) أي شيء لامرئ قد خلصا فيكون الروض قد مكن فيه
(14) تنهب الأزهار فيه الفرصا، أمنت من مكره ما تتقيه
(15) فإذا الماء تناجى والحصى وخلا كل خليل بأخيه
(16) تبصر الورد غيورا برما، يكتسي من غيظه ما يكتسي
(17) وترى الاس (شجر طري دائم الخضرة أزهاره وردية أو بيضاء) لبيبا فهما يسرق السمع بأذني فرس
(18) يا أهيل الحي من وادي الغضا، وبقلبي سكن أنتم به
(19) ضاق عن وجدي بكم رحب الفضا، لا أبالي شرقه من غربه
(20) فأعيدوا عهد أنس قد مضى تعتقوا عانيكم (المحتاج) من كربه
(21) واتقوا الله وأحيوا مغرما، يتلاشى نفسا في نفس
(22) حبس القلب عليكم كرما، أفترضون عفاء الحبس (مفردها حبيس وهو المال الموقوف)
*85*
مفاتيح النص:
زمان الوصل، الحب، المحبوبة، البيئة الاندلسية، التواصل مع الشرق، الثقافة الدينية، وصف الطبيعة، الجناس، التشبيه، الاستعارة، التناص، التضمين، التورية، الطباق، التجديد في الشعر، نظام التقفية، الموشحات، شعر الطبيعة.
مهام:
1. ما الموضوعة الرئيسية في موشح جادك الغيث؟
2. لماذا يدعو الشاعر لزمن الوصل بالسقيا؟
3. كيف تتجلى مشاعر الراوي وعلاقته بمحبوبته في النص؟
4. كيف تتجلى البيئة الأندلسية والطبيعة فيها من خلال النص؟
5. استخرج استعارة وتشبيها من النص وبين الغرض من استخدام كل منهما.
6. استخرج مثالا على كل من التورية، الطباق، الجناس، وبين الغرض من توظيف كل من هذه المحسنات البديعية.
7. كيف تنعكس الثقافة الدينية للشاعر في النص؟
8. ما شكل العلاقة بين الأندلس والمشرق كما تستشف من النص؟
9. ما هو دور الموشحات في تجديد الشكل في الشعر العربي؟
10. عين الأقفال والأبيات في موشح جادك الغيث.
11. هات مثالا على التناص مبينا الغرض من استخدامه.
12. التضمين نوع من التناص. هات مثالا على ذلك ورد في النص.
13. استمع إلى موسم جادك الغيث من اليوتيوب واكتب تعليقا حوله.
14. اشرح الفرق بين الطبيعة لدى الشعراء الرومانسيين وبين الطبيعة لدى شعراء الأندلس في شعر الطبيعة.
*86*
*86*
إبن سهل الأندلسي (649-605 ه) (1208-1251 م)
شاعر غزل، من الكتاب، كان يهوديا وأسلم، فتلقى الأدب وقال الشعر فأجاده، أصله من إشبيلية، وسكن سبتة بالمغرب الاقصى. وكان مع ابن خلاص والي سبتة في زورق فانقلب بهما فغرقا.
ابن سهل الأندلسي - هل درى ظبي الحمى
(1) هل درى ظبي الحمى (الديار، الوطن) أن قد حمى قلب صب حله عن مكنس (بيت الغزال)
(2) فهو في حر وخفق مثلما لعبت ريح الصبا بالقبس
(3) يا بدورا أطلعت يوم النوى، غررا تسلك بي نهج الغرر (الغُرر: النجوم. الغَرر: الخطر والهلاك)
(4) ما لنفسي وحدها ذئب سوى منكم الحسن ومن عيني النظر
(5) أجتني اللذات مكلوم الجوى (مكلوم: مجروح والجوى الحزن الناتج عن العشق)، والتذاذي من حبيبي بالفكر
*87*
(6) وإذا أشكو بوجدي بسما (ابتسام المحبوبة)، كالربى والعارض المنبجس (السحاب الممطر المنفجر)
(7) إذ يقيم القطر فيه مأتما، وهي من بهجتها في عرس
(8) من إذا أملي عليه حرقي، طارحتني مقلتاه الدنفا (المرض الثقيل)
(9) تركت أجفانه من رمقي، أثر النمل على صم الصفا
(10) وأنا أشكره فيما بقي لست ألحاه (ألومه) على ما أتلفا
(11) فهو عندي عادل إن ظلما وعذولي (كثير اللوم والعتاب) نطقه كالخرس
(12) ليس لي في الأمر حكم بعدما حل من نفسي محل النفس
(13) غالب لي غالب بالتؤدة (تمهل وتأن) بأبي أفديه من جاف رقيق
(14) ما علمنا قبل ثغر نضده، اقحوانا عصرت منه رحيق
(15) أخذت عيناه منها العربدة (سوء الخلق) وفؤادي سكره ما إن يفيق
*88*
(16) فاحم اللمة (شعر الرأس المجاوز لشحمة الأذن) معسول اللمى (سمرة الشفتين) ساحر الغنج شهي اللعس (سواد جميل في باطن الشفقة)
(17) حسنه يتلو "الضحى" مبتسما، وهو من إعراضه في عبس
(18) أيها السائل عن جرمي لديه لي جزاء الذنب وهو المذنب
(19) أخذت شمس الضحى من وجنتيه مشرقا للشمس فيه مغرب
(20) ذهبت دمعي اًشواقي إليه وله خد بلحظي مذهب
(21) ينبت الورد بغرسي كلما لحظته مقلتي في الخلس
(22) ليت شعري أي شيء حرما ذلك الورد على المغترس
مفاتيح النص:
زمان الوصل، الحب، المحبوبة، البيئة الأندلسية، الثقافة الدينية، وصف الطبيعة، الجناس، التشبيه، الاستعارة، التناص، التضمين، التورية، الطباق، الكناية، التجديد في الشعر، نظام التقفية، الموشحات، شعر الطبيعة.
*89*
مهام:
1. ما الموضوعة الرئيسية في الموشح؟
2. بماذا يختلف المطلع عن المقدمة الطللية؟
3. كيف تتجلى مشاعر الراوي وعلاقته بمحبوبته في النص؟
4. كيف تتجلى البيئة الأندلسية والطبيعة فيها من خلال النص؟
5. إستخرج استعارةً وتشبيها من النص وبين الغرض من استخدامهما.
6. إستخرج مثالا على كل من الطباق، الجناس، وبين الغرض من توظيف هذه الحسنات البديعية.
7. كيف تنعكس الثقافة الدينية للشاعر في النص؟
8. إشرح الكناية والغرض من استخدامها في البيت التاسع.
9. ما هو دور الموشحات في تجديد الشكل في الشعر العربي؟
10. عين الأقفال والأبيات في موشح هل درى ظبي الحمى.
11. التضمين نوع من التناص. هات مثالا على ذلك ورد في النص.
12. إستمع إلى موشح "هل درى ظبي الحمى" من اليوتيوب واكتب تعليقا عليه.
13. إشرح الفرق بين الطبيعة لدى الشعراء الرومانسيين وبين الطبيعة لدى شعراء الأندلس في شعر الطبيعة.
*90*
صفحة فارغة
*91*
*91*
الشعر في العالم العربي، الشعر الفلسطيني المحلي والشعر الإسرائيلي المكتوب بالعربية
*92*
*92*
أحمد شوقي (1868-1932)
ولد أحمد شوقي في القاهرة، لأب شركسي وأم من أصول يونانية، في أسرة ميسورة الحال تتصل بقصر الخديوي الذي أرسله إلى فرنسا ليستكمل دراسته، فأقام هناك ثلاثة أعوام، وقد حسمت تلك الرحلة الدراسية الأولى منطلقات شوقي الفكرية والإبداعلية، وخلالها اشترك مع زملاء البعثة في تكوين جمعية التقدم المصري، التي كانت إحدى أشكال العمل الوطني ضد الاحتلال الإنكليزي، وربطته حينئذ صداقة حميمة بالزعيم مصطفى كامل، وتفتح على مشروعات النهضة المصرية. عاد شوقي إلى مصر أوائل سنه 1894 م فضمه الخديوي توفيق إلى حاشيته. كان شوقي مناهضا للاحتلال البريطاني لمصر، لكن هذا أدى إلى نفي الإنكليز للشاعر إلى إسبانيا 1915، وفي هذا النفي اطلع أحمد شوقي على الأدب العربي والحضارة الأندلسية، وعاد إلى مصر سنة 1920. في عام 1927 بويع شوقي من شعراء العرب كافة على أنه أمير للشعر.
أصدر الجزء الأول من الشوقيات - الذي يحمل تاريخ سنه 1898 م، وفيه جزء خاص بشعر الأطفال. وأنتج فى أخريات سنوات حياته مسرحياته الشعرية وأهمها: مصرع
*93*
كليوباترا، ومجنون ليلى، قمبيز، وعلى بك الكبير، عنترة، الست هدى، وهو رائد المسرح الشعري العربي على الإطلاق، وعمود المدرسة الكلاسيكية الجديدة.
أحمد شوقي - الرحلة إلى الأندلس (وفيها يستحضر شوقي الشاعر البحتري وسينيته المشهورة في وصف إيوان كسرى، فيعارضها، أي يأتي بقصيدة على وزنها وقافيتها ورويها، ومطلع سينية البحتري: صنت نفسي عما يدنس نفسي، وترفعت عن ندى كل جبس)
(1) اختلاف النهار والليل ينسي، اذكرا لي الصبا، وأيام أنسي
(2) وسلا (اسألا) مصر: هل سلا (نسي) القلب عنها، أو أسا (داوى) جرحه الزمان المؤسي (المعزي)
(3) أحرام على بلابله الدوح (جمع دوحة وهي الشجرة العظيمة ويقصد مصر)، حلال للطير من كل جنس؟ (يقصد أنه منفي عن مصر وهو ابنها، بينما يستحلها كل البشر)
(4) وطني لو شغلت بالخلد (الخلد أي البال) عنه، نازعتني إليه في الخلد (البقاء، ويقصد أنه انشغل عن وطنه، فإنه نفسه ستشتاق له في الجنة)
(5) شهد الله، لم يغب عن جفوني، شخصه ساعة ولم يخل حسي
(6) وعظ (البحتري) إيوان (كسرى) (إيوان كسرى: قاعة مسقوفة بثلاثة جدران والرابعة مفتوحة للهواء الطلق، وفيه عرش كسرى، وقد وصفه البحيتري في سينيته المشهورة، وكانت رؤية الإيوان موعظة للبحتري في مصير الأمم وأحوال الملوك)
(7) لم يرعني (يعجبني) سوى ثرى قرطبي، لمست فيه عبرة الدهر خمسي
(8) قرية لا تعد في الأرض، كانت، تمسك الأرض أن تميد (تتحرك)، وترسي (تجعلها راسية أي ثابتة)
(9) سنة من كرى (نعاس من النوم)، وطيف أمان، وصحا القلب من ضلال وهجس (كل ما وقع في خلد النوم)
*94*
(10) وإذا الدار ما بها من أنيس، وإذا القوم ما لهم من محس
(11) مشت الحادثات (المصائب) في غرف (الحمراء) (قصر الحمراء في غرناطة) مشي النعي (الاتي بالنعي أي بخبر الموت) في دار عرس
(12) لا ترى غير وافدين على التاريخ (كناية عن السائحين) ساعين في خشوع ونكس (قلب الشيء على رأسه، طأطأة الرأس)
(13) يا ديارا نزلت (سكنتها) كالخلد ظلا وجنى دانيا (قريبا)، وسلسال (الماء العذب أو البارد) أنس
(14) كسيت أفرخي بظلك ريشا وربا (زاد ونما) في رباك واشتد غرسي
(15) هم بنو مصر، لا الجميل لديه بمضاع، ولا الصنيع بمنسي
(16) حسبهم هذه الطلول عظات من جديد على الدهور ودرس
(17) وإذا فاتك التفات إلى الماضي فقد غاب عنك وجه التأسي (التعزي)
مفاتيح النص:
المنفى، الحنين إلى الوطن، رثاء المدن البائدة، الحكم الأموي في الأندلس، التناص التاريخي، سينية البحتري، المعارضات الشعرية، الملك الفارسي والملك العربي، الاساليب البلاغية.
*95*
مهام:
1. كيف تنعكس مشاعر الانتماء والحنين إلى مصر من خلال الأبيات (2-5)؟
2. ما وجه الشبه بين تجربة شوقي وتجربة البحتري حسب البيت السادس؟
3. كيف يصور شوقي بلاد الأندلس ماضيا وحاضرا؟
4. ما رأيك بالمقولة الماضي عبرة الحاضر والمستقبل كما يظهر فى البيتين الأخيرين؟
5. استخرج من النص كلمات وتعابير تدل على تأثر شوقي بلغه القران الكريم.
6. ما المقصود بقصيدة المعارضة أو المحاكاة وما هي بعض شروطها؟
7. ما الغاية من السؤال البلاغى في البيت الثالث؟
8. يكثر شوقي من الطباق في القصيدة. هات ثلاثه أمثله على ذلك، مبينا الهدف من استخدامه.
9. حلل أركان التشبيهين في البيتين الحادي عشر والثالث عشر إلى عناصرهما الأربعة.
10. اشرح الكنايات في الأبيات (3، 8، 14).
11. اشرح جمالية الجناس في البيت الرابع.
*96*
*96*
(1) شيعت (خرجت مودعا) أحلامي بقلب باك، ولممت من طرق الملاح شباكي
(2) ويح ابن جنبي (كناية عن القلب)؟ كل غاية لذة، بعد الشباب، عزيزة (ممتنعة) الإدراك
(3) لم تبق منا، يا فؤاد، بقية، لفتوة، أو فضلة لعراك
(4) يا جارة الوادي، طربت وعادني، ما يشبه الأحلام من ذكراك
(5) مثلت في الذكرى هواك وفي الكرى، والذكريات صدى السنين الحاكي
(6) ولقد مررت على الرياض بربوة (مرتفع عن الأرض)، غناء (كثيفة العشب لدرجة أن له صوتا أو غنة لكثرته والتفافه) كنت حيالها (قبالتها) ألقاك
(7) ضحكت إلي وجوهها وعيونها، ووجدت في أنفاسها رياك
(8) لم أدر ما طيب العناق على الهوى، حتى ترفق ساعدي فطواك
(9) وتأودت (تثنت وإعوجت) أعطاف بانك (أعطاف: جمع عطف وهو جانب الجسم. أعطاف البان يقصد الخاصرتين الضامرتين كغصن البان وهو نوع من الشجر الرفيع الأغصان) في يدي، واحمر من خفريهما (شدة الحياء) خداك
(10) ودخلت في ليلين: فرعك والدجى، ولثمت (قبل من الفم) كالصبح المنور فاك
(11) وتعطلت لغة الكلام، وخاطبت عيني في لغة الهوى عيناك
(12) لا أمس من عمر الزمان ولا غد، جمع الزمان فكان يوم رضاك
(13) قسما لو انتمت (انتسبت) الجداول والربى، لتهلل الفردوس، ثم نماك (نسبك إليه)
(14) مراك مراة وعينيك عينه، لم، يا زحيلة، لا يكون أباك؟
*97*
مفاتيح النص:
تجسيد زحلة بالأنثى، شيخوخة الشاعر، الطبيعة الرومانسية، جنة الأرض، الحب والجمال، لزوم ما لا يلزم، القصيدة المفناة، الأساليب البلاغية، موتيف الهوى.
مهام:
1. كيف تتجلى زحلة بعد أن زارها الشاعر في شيخوخته؟
2. ما الهدف من تجسيد زحلة على صورة امرأة معشوقة؟
3. صف الطبيعة الرومانسية لزحلة من خلال الأبيات (6، 7، 13).
4. انثر البيت الحادي عشر بكلماتك واكتب تعليقا عليه.
5. يعتبر "الهوى" موضوعا دالا (موتيفا) يتكرر في القصيدة. اشرح بكلماتك سياقاته المختلفة.
6. استخرج مثالا على الكناية، الاستعارة، التشبيه، الطباق، الجناس.
7. اشرح "الترديد" في البيت الأخير.
8. ما هو الجو السائد في النص. استعن بكلمات مفتاحية.
9. يكثر الشاعر من توظيف الفعل الماضي في النص. ما الهدف من ذلك في رأيك؟
10. ما الهدف من تصغير زحلة في البيت الأخير؟
11. اشرح لزوم ما لا يلزم في قافية البيت الثاني والثالث والرابع، مبينا الهدف من استخدام هذا الأسلوب؟
12. هنالك شاعر عباسي كتب ديوانا من الشعر اسمه "اللزوميات". من هو هذا الشاعر وما المميز في هذا الديوان؟
13. استمع إلى القصيدة مغناة على اليوتيوب بصوت فيروز أو عبد الوهاب. ما تعليقك على الغناء والأداء؟
*98*
*98*
ميخائيل نعيمة (1889-1988)
ولد في بسكنتا في جبل صنين في لبنان، ولكن جذوره تعود إلى بلدة النعيمة في محافظه إربد في الأردن.
أنهى دراسته الابتدائية والثانوية في مدرسة الجمعية الفلسطينية، ودرس في الناصرة في المدرسة الروسية، ثم قصد موسكو القيصرية، والتحق بجامعة بولتافيا الاوكرانية بين عامي 1905 و 1911 م حيث تمكن من الاطلاع على مؤلفات الأدب الروسي هناك.
أكمل دراسة الحقوق في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1916 م، وشارك في الجندية في الجيش الأمريكي، في الجبهة الفرنسية الألمانية، خلال الحرب العالمية الأولى، ثم سرح عام 1919 م، وعاد إلى نيويورك وعمل في محل تجاري، وكانت له اتصالات مع الأدباء المهجريين، وأسس معهم الرابطة القلمية. عاد إلى لبنان وانقطع عن الناس زاهدا متنسكا في الشخروب، فلقب ناسك الشخروب، إلى أن مات عما يقارب مائة عام.
من مؤلفاته: الغربال، المراحل، جبران خليل جبران، زاد المعاد، همس الجفون (شعر)، سبعون (سيرة ذاتية)، وغيرها.
*99*
ميخائيل نعيمة – أخي
(1)
أخي، إن ضج بعد الحرب غربي بأعماله
وقدس ذكر من ماتوا وعظم بطش أبطاله
فلا تهزج (الغناء) لمن سادوا، ولا تشمت بمن دانا (ذل وخضع)
بل اركع صامتا مثلي بقلب خاشع دام
لنبكي حظ مؤتانا
(2)
أخي، إن عاد بعد الحرب جندي لأوطانه
وألقى جسمه المنهوك في أحضان خلانه،
فلا تطلب إذا ما عدت للأوطان خلانا
لأن الجوع لم يترك لنا صحبا نناجيهم
سوى أشباح موتانا
(3)
أخي، إن عاد يحرث أرضه الفلاح أو يزرع
ويبني بعد طول الهجر كوخا هذه المدفع
فقد جفت سواقينا وهد الذل مأوانا
ولم يترك لنا الأعداء غرسا في أراضينا
سوى أجياف موتانا
*100*
(4)
أخي، قد تم ما لو لم نشأه نحن ما تما
وقد عم البلاء، ولو اردنا نحن ما عما
فلا تندب، فأذن الغير لا تصغي لشكوانا
بل اتبعني لنحفر خندقا بالرفش والمعول
نواري فيه موتانا
(5)
أخي، من نحن؟ لا وطن ولا أهل ولا جار
إذا نمنا، إذا قمنا، ردانا (رداؤنا، ثوبنا) الخزي والعار
لقد خمت بنا الدنيا كما خمت بموتانا
فهات الرفش واتبعني لنحفر خندقا اخر
نواري فيه أحيانا
مفاتيح النص:
نهاية الحرب العالمية، مأساة الإنسان، اثار الحرب ونتائجها، النظرة التشاؤمية، التشكيك في إنسانية الإنسان، الضياع، فقدان القيم، رد الفعل النفسي والعاطفي، التوجه الرومانسي (المهجري)، المبنى المقطعي، التكرار الارتكازي، الجريان، الجملة الطلبية.
*101*
مهام:
1. تسيطر أجواء الحرب العالمية على النص. بين ذلك من خلال كلمات مفتاحية.
2. ما هو رد الفعل الذي يقترحه الشاعر تجاه الحرب، في نهاية المقطع الأول؟
3. ما رأيك بهذا الموقف الذي يتبناه الشاعر؟
4. اشرح أبعاد المأساة الإنسانية بعد الحرب من خلال المقطعين الثالث والخامس.
5. ما هي الفكرة المركزيه التي يعبر عنها المقطع الرابع؟
6. تسلط القصيدة الأضواء على البعدين النفسي والعاطفي. بين هذه الملامح الرومانسية.
7. كيف يخدم أسلوب الجريان الفكرة المركزية في المقطع الأول؟
8. بماذا تسهم الأحرف المفخمة (ض، ظ، ط) في المقطع الأول صوتيا؟
9. بماذا تنتهي المقاطع الخمسة؟ وما هو تعليقك على هذه النهايات؟
10. اطرح سؤالا يكون جوابه في هذه النهايات.
11. تبدأ المقاطع الخمسة بلفظة أخي. ما الغاية من هذا التكرار الارتكازي؟
12. كيف تتجلى الحداثة في شكل القصيدة؟ وضح.
13. ما الهدف من استخدام الجملة الطلبية وأفعال الأمر في النص؟
*102*
*102*
إيليا أبو ماضي (1889-1957)
إيليا أبو ماضي شاعر لبناني، ولد في قرية المحيدثة في لبنان. يعتبر من رواد الشعر المعاصر، وأحد أعلام النهضة الأدبية العربية المهجرية في بدايات القرن العشرين.
غادر لبنان إلى مصر ليعمل في تجارة التبغ، وكانت مصر مركزا للمفكرين اللبنانيين الهاربين من قمع الأتراك. نشر قصائد له في مجلات لبنانية صادرة في مصر، لكن شعره السياسي والوطني جعله عرضة لمضايقات السلطة الرسمية، فهاجر عام 1912 إلى أمريكا الشمالية، حيث استقر في مدينه نيويورك عام 1916 وهناك تعرف إلى عظماء القلم في المهجر، فأسس مع جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة الرابطة القلمية. وفي عام 1919، قام إيليا أبو ماضي باصدار أهم مجلة عربية في المهجر، وهي مجلة السمير التي تبنت الأقلام المغتربة، ولم تتوقف عن الصدور حتى وفاة أبي ماضي.
من دواوينه: تذكار الماضي، الجداول، الخمائل، تبر وتراب والغابة المفقودة.
*103*
إيليا أبو ماضي – الطلاسم (جمع طلسم وهو الكلام الغامض)
(1)
جئت، لا أعلم من أين، ولكني أتيت
ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت
وسأبقى سائرا إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟..
لست أدري
(2)
أجديد أم قديم أنا في هذا الوجود؟
هل أنا حر طليق أم أسير في قيود؟
هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود؟
أتمنى أنني أدري ولكن...
لست أدري
(3)
ليت شعري (ليتني أعلم) وأنا في عالم الغيب الأمين
أتراني كنت أدري أنني فيه دفين
وبأني سوف أبدو وبأني سأكون
ألم تراني كنت لا أدرك شيئا؟..
لست أدري
*104*
(4)
أتراني قبلما أصبحت إنسانا سويا
كنت محوا (أثرا زائلا) أو محالا أم تراني كنت شيا
ألهذا اللغز حل؟ أم سيبقى أبديا
ألهذا أدري.. ولماذا لست أدري؟
لست أدري
(5)
أنا لا أذكر شيئا من حياتي الماضية
أنا لا أعرف شيئا من حياتي الاتية
لي ذات غير أني لست أدري ماهيه
فمتى تعرف ذاتي كنه ذاتي؟
لست أدري!
(6)
إنني جئت وأمضي وأنا لا أعلم
أنا لغز.. وذهابي كمجيئي طلسم
والذي أوجد هذا اللغز لغز مبهم
لا تجادل! ذو الحجا من قال إني...
لست أدري!
*105*
- مفاتيح النص:
خلق الإنسان، حدود المعرفة، فلسفة تأملية، مفهوم الزمن، العالم الحقيقي، العالم الغيبي، حرية الإنسان، مخير أم مسير، الأنا الجمعي (الذي يمثل المجموعة)، القلق الوجودي، اللا أدرية، المبنى المقطعي، الاستفهام، القدرية والجبرية.
مهام:
1. ما هي العلاقة بين معنى العنوان وبين مضمون القصيدة؟
2. تعتبر عبارة لست أدري موضوعا دالا موتيفا في القصيدة. لماذا يكثر الشاعر من استخدامها؟
3. تحدث عن مسألتين محيرتين بالنسبة للشاعر وردتا في النص.
4. يبرز الضمير أنا في النص. هل القصيدة تعبر عن الهم الفردي أم الهم الجماعي؟ علل.
5. بماذا ينتهي كل مقطع في القصيدة؟ ما هي دلالة هذه النهايات؟
6. لماذا يكثر الشاعر من توظيف أسلوب الاستفهام في القصيدة؟
7. هات ثلاثة أمثلة على الطباق بنوعيه الإيجابي والسلبي. ما الهدف من توظيفه؟
8. اشرح مبنى القصيدة من حيث المقاطع، القافية وحرف الروي وعلاقتها بالحداثة.
9. هل هذا المبنى يقيد الشاعر أم يجعله أكثر حريةً في التعبير؟ وضح.
10. هل تعتقد أن الشاعر مؤمن بالله بالاعتماد على النص؟ وضح رأيك.
11. يظهر عند الشاعر ما يسمى القلق الوجودي. استشهد بمثالين يثبتان ذلك.
12. ما هي الفلسفة اللاأدرية وكيف تنعكس في النص؟
*106*
*106*
بشارة الخوري (1885-1968)
هو بشارة عبد الله الخوري المعروف ب (الأخطل الصغير) نسبة لاقتدائه ائه بالأخطل التغلبي. شاعر لبناني ولد في بيروت وتوفي فيها.
تلقى تعليمه الأولي في الكتاب ثم أكمل في مدرسة الحكمة والفرير وغيرهما من مدارس ذلك العهد.
أنشأ جريدة البرق عام 1908، واستمرت في الصدور حتى بداية عام 1933، عندما أغلقتها السلطات الفرنسية وألغت امتيازها نهائيا. كانت حياته سلسلة من المعارك الأدبية والسياسية نذر خلالها قلمة وشعره للدفاع عن أمته وإيقاظ هممها ضد الاستعمار. تأثر الأخطل الصغير بحركات التجديد في الشعر العربي المعاصر ويمتاز شعره بالغنائية الرقيقة والكلمة المختارة بعناية فائقة. صدر له ديوان الهوى والشباب 1953، وديوان شعر الأخطل الصغير 1961.
بشارة الخوري - أرق الحسن
(1) يبكي ويضحك لا حزنا ولا فرحا، كعاشق خط سطرا في الهوى ومحا
(2) من بسمة النجم همس في قصائده، ومن مخالسة (النظر خفية) الظبي الذي سنحا (ما يمر من الغزلان والطيور من اليسار إلى اليمين، والسانح ميمون عند العرب في تطيرهم)
(3) قلب تمرس باللذات وهو فتى، كبرعم لمسته الريح فانفتحا...
(4) ما للأقاحية (نسبة إلى الأقاحي وهو جمع أقحوان، نبات قلبه أصفر وأزهاره بيضاء تشبه بها الأسنان. يقصد بالفتاة أنها سمراء وأسنانها بيضاء) السمراء قد صرفت عنا هواها، أرق الحسن ما سمحا
*107*
(5) لو كنت تدرين ما ألقاه من شجن، لكنت أرفق من اسى (داوى) ومن صفحا
(6) غداة لوحت بالامال باسمة، لأن الذي ثار وانقاد الذي جمحا
(7) ما همني ولسان الحب يهتف بي، إذا تبسم وجه الدهر أو كلحا
(8) فالروض مهما زهت قفر إذا حرمت، من جانح رف أو من صادح صدحا
مفاتيح النص:
التغزل، الذاتية، الرومانسية، مشاركة الطبيعة، التطير بالحيوان، الوصال، الحب والمحبوبة، الحالة النفسية والشعورية، أناقة اللفظ، الطباق، التشبيه، الاستعارة.
مهام:
1. صف حالة التناقض والتخبط في المشاعر عند المروي عنه كما يظهر في البيت الأول.
2. ما هي مصادر الشعر التي يستمد منها الشاعر قصائده حسب البيت الثاني؟
3. صف المحبوبة بالاعتماد على البيت الرابع.
4. قارن بين الحالة النفسية للعاشق قبل الوصل وبعده.
5. من المقصود في "عنا" في البيت الرابع؟
6. ما رأيك بفكرة الشاعر عن أهمية الحب في مواجهة الحياة كما يظهر في البيت السابع؟
7. هات مثالا على الطباق والاستعارة في النص، مبينا الغرض من استخدامهما.
8. حلل التشبيهين في البيتين الأول والثالث إلى أركانهما.
9. هل أعجبتك لغة القصيدة؟ علل موقفك.
10. اختر عنوانا اخر للقصيدة مبررا اختيارك.
11. كيف تنعكس الرومانسية في النص؟
*108*
*108*
سعيد عقل (1912-)
شاعر لبناني حداثي ولد في زحلة، لم يكمل تحصيلة الأكاديمي، وهو من المتعصبين للفكر اللبناني وأصوله الفينيقية، بعد أن دعا في مرحلة سابقة إلى القومية السورية، وقصيدته "سائليني" نموذج يتغنى به في الشام ونهر بردى.
من أعماله: رندلي، أجمل منك..؟ لا، كأس الخمر، كتاب الورد، لبنان إن حكى، قدموس، أجراس الياسمين.
سعيد عقل – سائليني
(1) سائليني حين عطرت السلام: كيف غار الورد واعتل (مرض) الخزام (نبات طيب الرائحة)
(2) رد لي من صبوتي، يا بردى، ذكريات زرن في ليا (تخفيف لياء، ملتوية) قوام (استقامة. يقصد ذكريات جميلة تصحح ما التوى من أيامه)
(3) ليلة ارتاح لنا الحور فلا غصن إلا شج (دائم الهم والحزن) أو مستهام (ولهان، شديد الحب)
(4) فحسرت (كشفه) الشعر عن جبهتها، أسأل الحسن أفي الأرض أقام؟
(5) الحضارات هنا منبتها، شدت الدنيا إلى هذي الإكام (جمع أكمة، تل صغير)
(6) ظمئ الشرق، فيا شام اسكبي واملئي الكأس له حتى الجمام (ملئ الأناء، ما تجاوز رأس الإناء بعد امتلائه)!
(7) أهلك التاريخ من فضلتهم، ذكرهم في عروة الدهر وسام
*109*
(8) أمويون فإن ضفت بهم، ألحقوا الدنيا ببستان هشام (يقصد بستان هشام بن عبد الملك وتمر فيه أربعة فروع لبردى، كان الأمويون يحكمون الدولة من هناك. والمقصود بالمعنى القدرة على الحكم)
(9) تمتم المجد وناغى حلمه فوق كفيك إذ المجد غلام
(10) يا طريقا من دمشق لم يزل لفتة الدنيا وإجلال العظام
(11) أنا لست الغرد الفرد، إذا قال طاب الجرح في شجو الحمام
(12) أنا حسبي أنني من جبل (جبل الدروز، وقد ذكره في سياق سابق) هو بين الله والأرض كلام
(13) قمم كالشمس في قسمتها تلد النور وتعطيه الأنام
مفاتيح النص:
تمجيد القومية السورية، أمجاد الامويين، جمال بردى، جبل الدروز، الشام مهد الحضارات، الطبيعة الساحرة، الانتماء للمجد، عبق التاريخ، التناص، أناقة اللفظ.
مهام:
1. صف حالة الانسجام بين الشاعر والطبيعة من خلال الأبيات الثلاثة الأولى.
2. يتجسد نهر بردى صبية ذات قوام جميل. ما البيت الذي يعبر عن ذلك؟ اشرح.
3. كيف تنعكس أهمية بلاد الشام بالنسبة للحضارات الشرقية من خلال البيتين الخامس والسادس؟
4. ما هو موقف الشاعر من الأمويين اعتمادا على البيتين السابع والثامن؟
5. في البيت التاسع تشبيه بليغ. ما هو وجه الشبه في هذا التشبيه؟
6. اشرح علاقة البيت الحادي عشر بفكرة العصامية والاعتماد على الذات.
*110*
7. يعطي الشاعر جبل الدروز صفة القداسة. كيف تثبت ذلك من خلال البيت الثاني عشر؟
8. يمثل جبل الدروز دور الأنبياء في رسالته. اشرح ذلك مستعينا بالبيت الأخير.
9. هات استعارتين وردتا في النص، مبينا الهدف من استخدامهما.
10. يتقاطع التاريخ مع الجغرافيا في القصيدة. وضح كيفية ذلك.
11. أكتب تعقيبا على لغة سعيد عقل بن خلال هذه القصيدة.
12. اطرح سؤالا حول أناقة اللفظ عند سعيد عقل.
*111*
*111*
نازك الملائكة (1923-2007)
شاعرة عراقية ولدت في بغداد. درست الموسيقا والفنون، وحصلت على ماجستير في الأدب المقارن في الولايات المتحدة. اشتغلت محاضرة في عدد من الجامعات العربية. تعتبر من رواد شعر التفعيلة، وتعتبر الشاعرة قصيدتها "الكوليرا" أول قصيدة في الشعر الحر. هاجرت من العراق بعد حرب الخليج الأولى إلى مصر، حيث استقرت فيها إلى أن توفيت.
من مجموعاتها الشعرية: عاشقة الليل، شظايا الرماد، شجرة القمر، قرارة الموجة، الصلاة والثورة.
نازك الملائكة - غسلا للعار
(1)
"أماه!" وحشرجة ودموع وسواد،
وانبجس الدم واختلج الجسم المطعون
والشعر المتموج عشش فيه الطين
"أماه!" ولم يسمعها إلا الجلاد
وغدا سيجيء الفجر وتصحو الأوراد
والعشرون تنادى والأمل المفتون
فتجيب المرجة والأزهار
*112*
رحلت عنا... غسلا للعار
(2)
وسيأتي الفجر وتسأل عنها الفتيات،
"أين تراها؟" فيرد الوحش: "قتلناها
وصمة عار في جبهتنا وغسلناها"
وستحكي قصتها السوداء الجارات،
وسترويها في الحارة حتى النخلات،
حتى الأبواب الخشبية لن تنساها
وستهمسها حتى الأحجار
غسلا للعار...
غسلا للعار...
(3)
"يا جارات الحارة، يا فتيات القرية
الخبز سنعجنه بدموع ماقينا
سنقص جدائلنا وسنسلخ أيدينا
لتظل ثيابهم بيض اللون نقية
لا بسمة، لا فرحة، لا لفتة فالمدية
ترقبنا في قبضة والدنا وأخينا
وغدا من يدري أي قفار
ستوارينا غسلا للعار؟"
*113*
مفاتيح النص:
قتل النساء، شرف العائلة، العار، السلطة الذكورية، غياب القانون، موقف الدين، التناقض الأخلاقي، احتفالية القتل، صوت المرأة، حزن الطبيعة، الاستسلام والخنوع، تعدد الأصوات، العنصر القصصي، الوحدة العضوية، القصيدة المقطعية، قصيدة التفعيلة، التكرار.
مهام:
1. ما الذي ينقص في النص لاكتمال خبر الجريمة؟
2. لماذا غيبت الشاعرة هذا المعطى؟
3. تتعدد الأصوات في القصيدة. ما هي هذه الأصوات؟
4. كيف تنعكس صورة السلطة الذكورية في النص؟
5. هات مثالا على التكرار، مبينا الغرض من استخدامه.
6. ما هو عمر الفتاة المقتولة؟
7. كيف ينعكس أثر القتل في عالم الطبيعة؟
8. هنالك تناقض أخلاقي في شخصية الجلاد. وضح ذلك.
9. اشرح العناصر القصصية في النص.
10. تحدث عن المبنى والوحدة العضوية في القصيدة.
*114*
*114*
سعاد الصباح (1942-)
ولدت في الكويت، حاصلة على بكالوريوس في الاقتصاد من جامعة القاهرة، ودكتوراه في الاقتصاد من جامعة ساري جلفورد 1981. تشارك في العديد من الهيئات والمنظمات العربية والدولية وتهتم بقضايا حرية الرأي وحقوق الإنسان. أسست دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع. رصدت جملة من الجوائز باسمها واسم الشيخ عبد الله المبارك الصباح لتشجيع الإبداع الفكري والعلمي والأدبي. من دواوينها الشعرية: من عمري، أمنية، إليك يا ولدي، فتافيت امرأة، في البدء كانت الأنثى، حوار الورد والبنادق، برقيات عاجلة إلى وطني، اخر السيوف، قصائد حب، امرأة بلا سواحل.
سعاد الصباح - كن صديقي...
(1)
كن صديقي.
كن صديقي.
كم جميل لو بقينا أصدقاء
إن كل امرأة تحتاج أحيادا إلى كف صديق.
وكلام طيب تسمعه...
وإلى خيمة دفء صنعت من كلمات
لا إلى عاصفة من قبلات
فلماذا يا صديقي؟
*115*
لست تهتم بأشيائي الصغيرة
ولماذا... لست تهتم بما ويرضي النساء...
(2)
كن صديقي.
كن صديقي.
إنني أحتاج أحيانا لأن أمشي على العشب معك...
وأنا أحتاج أحيانا لأن أقرأ ديوانا من الشعر معك...
وأنا - كامرأة - يسعدني أن أسمعك...
فلماذا - أيها الشرقي - تهتم بشكلي؟
ولماذا تبصر الكحل بعيني
ولا تبصر عقلي؟
إنني أحتاج كالأرض إلى ماء الحوار.
فلماذا لا ترى في معصمي إلا السوار؟
ولماذا فيك شيء من بقايا شهريار؟
(3)
كن صديقي.
كن صديقي.
ليس في الأمر انتقاص للرجولة
غير أن الرجل الشرقي لا يرضى بدور
غير أدوار البطولة..
فلماذا تخلط الأشياء خلطا ساذجا؟
فلماذا تدعي العشق وما أنت العشيق...
*116*
إنَّ كلَّ امرأةٍ في الأرض تحتاج إلى صوت ذكيٍّ...
وعميقْ.
وإلى النومِ على صدرِ بيانو أو كتابْ...
فلماذا تُهملُ البُعدَ الثقافيَّ...
وتُعنى بتفاصيلِ الثيابْ؟
(4)
كُنْ صديقي.
كُنْ صديقي.
أنا لا أطلبُ أنْ تعشقني العشق الكبيرا...
لا ولا أطلبُ أنْ تبتاعَ يختًا...
وتهديني قصورا...
لا ولا أطلبُ أن تُمْطرني عِطرًا فرنسيّا
وتُعطيني مفاتيح القمرْ
هذهِ الأشياءُ لا تُسعدني...
فاهتماماتي صغيرةْ
وهِواياتي صغيرَةْ
وطموحي.. هو أن أمشيَ ساعاتٍ.. وساعاتٍ معَكْ.
تحتَ موسيقى المطرْ...
وطموحي.. هوَ أن أسمعَ في الهاتفِ صوتَكْ
عندما يسكنُني الحزنُ...
ويُبكيني الضَجَرْ...
*117*
(5)
كُنْ صديقي.
كُنْ صديقي.
فأنا محتاجةٌ جدًّا لميناءِ سلامْ
وأنا متعبةٌ من قصَصِ العِشْقِ، وأخبار الغرامْ
وأنا متعبةٌ من ذلك العصرِ الذي
يَعْتَبرُ المرأةَ تمثالَ رخامْ.
فتكلَّمْ حينَ تلقاني..
لماذا الرجلُ الشرقيُّ ينسى
حينَ يلْقى امرأةً، نِصفَ الكلامْ؟
ولماذا لا يرى فيها سوى قطعةِ حَلْوى...
وزغاليلِ حمامْ
ولماذا يقطِفُ التفاحَ مِنْ أشجارِها؟...
ثمَّ ينامْ...
مفاتيح النصَّ:
اِحتياجاتُ المرأةِ، علاقةُ الرجلِ بالمرأةِ، نظرةُ الرجلِ النمطيّةُ، الرجلُ الشرقيُّ، المرأةُ الجسدُ، الصداقةُ، المرأةُ كموضوعةٍ للجنسِ، التناصُّ، شهريار، ما بعدَ الحبِّ، ثنائية متكاملة، الاستفهامُ البلاغيُّ، التكرارُ، المحظوراتُ اللغويةُ، السردُ بضميرِ الأنا.
*118*
مهامُّ:
1. ما هيَ أهمّيةُ العنوانِ بالنسبةِ لمضمونِ القصيدةِ؟
2. ما العلاقةُ بينَ القصيدةِ واسمِ المجموعةِ "في البدءِ كانتِ الأنثى"؟
3. ما هيَ نظرةُ الرجلِ النمطيةُ للمرأةِ في الشرقِ؟
4. تطالبُ الشاعرةُ الرجل بتلبيةِ احتياجاتِها الصغيرةِ. هاتِ ثلاثةَ أمثلةٍ على ذلكَ.
5. ما الهدفُ منَ استحضارِ شخصيةِ شهريار في النصِّ؟
6. ترى الشاعرةُ في الرجل نصفًا مكمّلًا للمرأة. هاتِ مثالينِ على هذا التكاملِ الثنائيِّ.
7. هاتِ مثالا على التكرارِ مبينًا الغرضَ من استخدامهِ.
8. في النصِّ أسئلةٌ بلاغيةٌ كثيرةٌ. ما الغرضُ من استخدامِها؟
9. لماذا كنَتِ الشاعرةُ عن بعض المحظوراتِ اللغوية الحاصةِ بجسدِ المرأةِ ببعضِ الكناياتِ؟
10. ما أهميةُ السردِ بضميرِ المتكلمةِ في النصِّ؟
11. اِستمعْ إلى أغنيةِ "كن صديقي" بصوتِ ماجدة الروميِّ وقارن بين كلماتها وبينَ النصِّ.
*119*
أدونيس - مرثيّةٌ للحلّاجِ
أدونيس (1930-)
شاعرٌ سوريٌّ منْ أبرزِ رموزِ الحداثةِ العربية في الشعرِ. اسمُهُ علي أحمد سعيد إسبر، وأدونيس هو لقبٌ اتخذَهُ منذُ 1948 . وُلِدَ في قرية قصّابين منْ محافظةِ اللاذقيّةِ. لَمْ يعرفْ مدرسةً نظاميّةً قبل سنِّ الثالثةَ عشرةَ، لكنَّهُ حفظ القرآن على يد أَبيهِ، كما حفِظَ عددًا كبيرًا منْ قصائدِ القُدامى. غادر سوريا إلى لبنان عام 1956، ثمَّ التقى الشاعر يوسف الخال، وأصدرا معًا مجلّةَ (شِعر) في مطلع عام 1957. ثمّ أصدر أدونيس مجلة "مواقف" بين عامي 1969 و 1994. درَّسَ في الجامعة اللبنانية، ونالَ دكتوراةَ الدولة في الأدب عالم 1973، وأثارت أطروحتُهُ الثابتُ والمتحوّلُ سجالا طويلًا في مجالِ النقدِ.
بدءًا من عامِ 1981، تكررَتْ دعوتُهُ كأستاذٍ زائرٍ إلى جامعاتٍ ومراكزَ للبحثِ في فرنسا وسويسرا والولاياتِ المتحدةِ وألمانيا. تلقى عددًا من الجوائز اللبنانية والعالمية وألقاب التكريم. وتُرجمتْ أعمالهُ إلى ثلاثَ عشرةَ لغةً، ورُشحَ أكثرَ من مرةٍ لجائزةِ نوبل. منْ مؤلفاتهِ: قصائدُ أولى، أوراقٌ في الريحِ، أغاني مهيارِ الدمشقيِّ، كتابُ التحوّلات والهجرةِ في أقاليمِ النهارِ والليلِ، هذا هُوَ اسمي، الكتابُ: أمسِ المكانُ الآنَ.
*120*
أدونيس - مرثيّةٌ للحلّاجِ
ريشتُكَ المسمومةُ الخضراءْ
ريشتُكَ المنفوخةُ الأوداجِ باللهيبْ
بالكوكَبِ الطالع منْ بغداد
تاريخُنا وبعثُنا القريبْ
في أرضِنا - في موتِنا المُعادْ.
الزَّمنُ استلقى على يديكْ
والنارُ في عينيكْ
مجتاحةٌ تمتدُّ للسماء
يا كوكبًا يطلعُ منْ بغدادْ
محمَّلًا بالشعرِ و الميلادْ،
يا ريشةً مسمومةً خضراءْ.
لمْ يَبقَ للآتينَ منْ بعيدْ
مَعَ الصدى والموتِ والجليدْ
في هذه الأرضِ النُشوريّةْ
لم يبقَ إلّا أنتَ والحضورْ
يا لغةَ الرَّعدِ الجليليّةْ
في هذهِ الأرضِ القشوريّةْ
يا شاعرَ الأسرارِ والجذورْ
*121*
مفاتيحُ النصِّ:
ولادةُ الشِعر، الكلمةُ سلاحٌ، رمزيةُ الحلاجِ، انبعاثٌ منَ الموتِ، الرعدُ والخصوبةُ، الجذورُ والتراثُ العربيُّ، علاقةُ الحاضرِ بالماضي، قصيدةُ القناعِ، الميتاشعرُ.
مهام
1. ما المشتركُ بينَ الشاعرِ والحلّاجِ كما يُسْتَشَفُّ منِ النصِّ؟
2. لماذا يكتُبُ أدونيس مرثيةً للحلاجِ؟
3. يتّخذُ أدونيس منَ الحلاجِ قناعًا لأفكارِهِ. ما المقصودُ بقصيدةِ القناعِ؟
4. تنعكسُ في القصيدةِ ظاهرةُ الميتاشِعرِ (الشعرُ في مرآةِ نفسهِ). ما الغاية مِنَ استخدامِها؟
5. في العبارةِ "ريشتُكَ المسمومةُ الخضراءُ" إردافٌ خُلفيٌّ. وضِّحْ دلالةَ ذلك.
6. تعتبرُ الجليلُ وبلادُ الشامِ أرضَ المحشَرِ. ما الغايةُ من ذكرها؟
7. ما هيَ رمزيةُ الرعدِ كما تتجلّى في القصيدةِ؟
8. ما المقصود بالجذور؟ وهل لها علاقةٌ بالتراثِ العربيِّ القديمِ؟
9. يرمزُ الحلاجُ للمخلّصِ. لماذا يستحضرُهُ الشاعرُ ويطلبُ انبعاثَهُ منْ جديدٍ؟
10. ما هوَ دورُ الشاعر ( الريشةُ المسمومةُ الخضراءُ) في المجتمعِ؟
11. تفتقرُ الحياةُ المعاصرةُ إلى العمقِ واللبابِ. أينَ وردَ ذلكَ في النصِّ؟
12. يصوّرُ أدونيس الحلاجَ بأبعادٍ فوقِ طبيعيةٍ. وضحْ ذلكَ.
*122*
*122*
محمّد الماغوط (1934-2006)
وُلِدَ في مدينة سلميّةَ التابعةِ لمحافظةِ حماةَ السوريّةِ.
يُعتبرُ محمّد الماغوط أحَدَ أهمِّ رُوادِ قصيدةِ النثرِ في الوطنِ العربيِّ. عملَ في الصحافةِ حيثُ كان من المؤسسين لجريدةِ "تشرينُ"، كما عمل الماغوط رئيسًا لتحرير مجلّةِ "الشرطةُ"، احترفَ الفنَّ السياسيَّ وألفَ العديدَ من المسرحيّاتِ الناقدةِ التي لعبتْ دورًا كبيرًا في تطويرِ المسرح السياسيِّ في الوطن العربيِّ، كما كتبَ الروايةَ والشعرَ. توفّي في دمشقَ.
من مؤلفاتِهِ الشعريّةِ: حزنٌ في ضوءِ القمر، غرفةٌ بملايينِ الجدرانِ، سيّافُ الدهورِ، ومنْ مسرحياتهِ: ضيعةُ تشرينَ، غربةٌ، كاسك يا وطن.
محمّد الماغوط - أيُّها السائحُ
طفولَتي بعيدةٌ...وكهولتي بعيدة...
وطني بعيدٌ...ومنفايَ بعيد
أيُّها السائِح
أعطِني منظاركَ المقَرِّب
علَّني ألمحُ يدًا أو محرمةً في هذا الكونِ تومئُ إليّ
صَوِّرْني وأنا أَبكي
وأنا أُقعي بأسمالي أمام عتبةِ الفندق
*123*
واكتُبْ على قفا الصورةِ:
هذا شاعرٌ من الشرق.
ضَعْ منديلكَ الأبيضَ على الرصيف
واجلسْ إلى جانبي تحتَ هذا المطرِ الحنون
لابوحَ لكَ بسرٍّ خطيرٍ:
اِصْرِفْ أدلاءَكَ ومُرشديكَ
والقِ إلى الوحْلِ..إلى النارِ
بكلِّ ما كتبتَهُ منْ حواشٍ وانطباعات
إنَّ أيَّ فلّاحٍ عجوزٍ
يَرْوي لَكَ (بيتينِ منَ العتابا)
كلَّ تاريخ الشرقِ
وهوَ يدرجُ لفّافتَهُ أمامَ خيمَتِهِ.
مفاتيح النصِّ:
بساطةُ الشرقِ، حالُ الشاعرِ المُثَقَّفِ، رمزيّةُ المنديلِ الأبيضِ، ضياعُ الشرقيِّ، منظورُ
السائحِ للشرقِ، تاريخُ البسطاءِ، من يكتبُ التاريخَ، الأدبُ الشعبيُّ، العتابا، معاناة الشرقيِّ، الفقرُ والحرمانُ، الميتاشعرُ، قصيدةُ النثرِ، القهرُ والكبتُ، القمعُ، مصادرةُ الكلمةِ والشعرِ، الرقابةُ.
*124*
مهامُّ:
1. ما علاقةُ المنظارِ بمفاهيمِ البُعدِ التي يتحدثُ عنها الشاعرُ؟
2. كيفَ يتجسّدُ الشاعرُ الشرقيُّ في النصِّ؟
3. أشِرْ إلى موضعيْنِ يظهرُ فيهما الميتاشعرُ في النصِّ.
4. لماذا يذكرُ الشاعرُ العتابا كلونٍ منَ الشعرِ الشعبيِّ؟
5. يختلفُ المنظورُ الشرقيِّ عنِ الغربيِّ بالنسبةِ لرؤيةِ التاريخِ. وضِّحْ ذلكَ.
6. ماذا يعني الماغوط بالجملةِ "طفولتي بعيدةٌ... كهولتي بعيدة"؟
7. لماذا يطلبُ الشرقيُّ من السائحِ وضعَ المنديلِ الأبيضِ على الرصيفِ قبلَ الجلوسِ
معَهُ؟
8. يُعتبرُ هذا النصُّ نموذجًا لقصيدةِ النثرِ. كيفَ يُسهمُ الإيقاعُ الداخليُّ في التعويضِ عنِ الوزنِ في هذهِ القصيدةِ؟
*125*
*125*
خليل حاوي (1919-1982 م)
شاعرٌ لبنانيٌّ وُلدَ في (الشوير)،تعلَّمَ بقواهُ الذاتيّةِ اللغاتِ العربيّةَ والإنجليزيةَ والفرنسيةَ، حتّى تمكنَ، من دخولِ المدرسةِ، ثمَّ الجامعةِ الأمريكيةِ التي تخرَّجَ منْها بتفوّقٍ مكَّنَهُ من الحصولِ على منحةٍ للالتحاقِ بجامعةِ كامبردج البريطانيّةِ؛ فنالَ منْها شهادةَ الدكتوراةِ وعادَ إلى لبنان ليعمل أستاذًا في الجامعة التي تخرج منها، واستمرَّ في هذا العملِ حتّى وفاتِهِ منتحرًا عندَ اجتياحِ القوّاتِ الإسرائيلية لبيروتَ. ابتعدَ حاوي عن ارتياد الموضوعات الوصفيّةِ، والمعاني والصورِ المستهلكةِ، واستضاءَ دربهُ الشعريُّ بثقافتهِ الفلسفيّةِ والأدبيّةِ والنقديّةِ، وجعلَ النفسَ والكونَ والطبيعةَ والحياةَ موضوعاتٍ لشعرهِ. وكان الصراعُ بين المادّةِ والروحِ واضحًا في ذلكَ الشعرِ: صراعٌ منْ أجلِ التحرُّر من المادةِ ومن الكثافة، وكانتِ الرموز قوام شعرهِ: رموزٌ حسِّيَّةٌ، ونفسيةٌ وأسطوريّةٌ وثقافيّةٌ.
من دواوينه:
نهرُ الرمادِ، النايُ والريحُ، بيادرُ الجوعِ، ديوانُ خليل حاوي، الرعدُ الجريحُ، ومنْ جحيم الكوميديا. وبعدَ وفاةِ الشاعرِ نُشرتْ سيرتُهُ الذاتيّةُ بعنوانِ (رسائلُ الحبِّ والحياةِ).
*126*
خليل حاوي - المجوسُ في أُوروبا
وإذا مجوسٌ من المشرقِ يتقدَّمُهُمْ نجمٌ ولما رأوا الطفلَ خرّوا وسجدوا.
يا مجوسَ الشرقِ هلْ طوَّفْتُمُ
في غمرةِ البحرِ إلى أرضِ الحضارةْ
لتَرَوْا أيَّ إلهٍ
يتجلَّى منْ جديدٍ في المغارةْ؟
منْ هُنا الدَرْبُ؟ هُنا نَجْمٌ
هُنا زادُ المسافر!
ساقَنا النجمُ المغامرْ
عبرَ باريسَ...بَلَونا صومعاتِ الفكرِ،
عِفْنا الفِكرَ في عيدِ المساخرْ،
وبِروما غَطَّتِ النجمَ، مَحَتْهُ
شهوةُ الكُهّانِ في جمرِ المباخرْ،
ثمَّ ضَيَّعناهُ في لندنَ، ضِعْنا
في ضبابِ الفحمِ، في لُغْزِ التجارةْ!
ليلةَ الميلادِ، لا نجمَ
ولا إيمانَ أطفالٍ بطفلٍ ومغارةْ.
ليلةَ الميلادِ...نِصْفَ الليلِ...ضِيقٌ...
شارعٌ يفرغُ...ضحْكاتٌ حزينَةْ
وانحَدَرْنا في الدهاليزِ اللعينَةْ،
لمغاراتِ المدينةْ،
أعينٌ تَرتدُّ عنْ بابٍ لِبابٍ،
*127*
أعْينٌ نَسأَلُها: أينَ المغارَةْ؟
واهتدَيْنا بسراجٍ أحمرِ الضوءِ لِبابٍ
حُفِرَتْ فيهِ عِبارَةْ:
"جنَّةُ الأرضِ! هُنا لا حَيَّةً تُغْوي،
ولا ديّانَ يرمي بالحجارَةْ
ها هُنا الوَرْدُ بلا شوكٍ
هُنا العُريُ طَهارةْ...!"
اِخلَعوا هذي الوجوهَ المُستعارةْ
سُلِخَتْ منْ جلدِ حرْباءٍ كريهْ،
- نحنُ منْ نَخلعْ ولمْ نلبسْ وجوهْ
نَحنُ من بيروتَ، مأساةً، وُلِدْنا
بِوُجوهٍ وعقولٍ مُستعارةْ
تُولدُ الفِكرةُ في "السوقِ" بَغيًّا
ثمَّ نَقضي العمرَ في لفق البكارَةْ
"اِخلعوا هذي الوجوهَ المُستعارةْ"
ودَخَلنا مثل مَنْ يَدْخُلُ
في ليلِ المقابرْ،
أُوقِدَت نارٌ، وأجسامٌ تلوَّتْ،
رقصةُ النارِ على ألحانِ ساحِرْ،
فاستحالتْ عَتَماتُ السَقفِ
بلَّورًا، ثرياتٍ، وزُرقَةْ
واستَحالَ العَفَنُ الجاري
على الجدران خَمرًا...ذَهبًا وَحْلُ الأزِقَّةْ،
وجُسومٌ حَلَّ فيها الخَمْرُ، صَفَّاها،
*128*
جُسومٌ لَمْ تَعُدْ طينًا وماءْ،
واتَّحدْنا عَصَبًا، قلبًا، دماءْ.
"أَنْتُمُ في جَنَّةِ الأرْضِ..
صلاةً...إنَّ في الأرضِ السماءْ"
وركعنا خُشعًا للكيمياءْ
ولساحرْ
كَوَّرَ الجنَّةَ منْ ليلِ المقابِرْ
وعبدناهُ إلهًا يَتجلَّى في المغارةْ:
يا الهَ المتعَبينْ
يا إلهًا الضائِعينْ
يا إلهًا هاربًا من صرعةِ الشمسِ
ومنْ رُعبِ اليقينْ
يتخفَّى في المغارَةْ:
في كُهوفِ العالمِ السُّفليِّ
منْ أرضِ الحَضارةْ.
*129*
مفاتيحُ النصِّ:
المجوسُ والنجمُ، ولادةُ المسيحِ، المغارة، الشرق، الروحانيات، الحضارة المادية، الغربُ، المدينة، الضياعُ، الانحلالُ، الخواءُ الروحيُّ، مغارةُ العالمِ السفليِّ، دلالةُ الألوانِ، التناصُّ الدينيُّ، جنّةُ الأرضِ، مبدأُ اللذّةِ.
مهام:
1. ماذا يقصدُ الشاعرُ بأرضِ الحضارةِ؟
2. لماذا يؤكّدُ الشاعرُ على الشرقِ في قويه "مِنْ هنا الدَرْبُ، هنا النجمُ هنا زادُ المسافرْ!"؟
3 صف العلاقة بين الروحانياتِ مقابلَ المادياتِ من خلالِ النصِّ.
4. تحفلُ القصيدةُ بالرموزِ المسيحية. وضِّحْ ذلكَ.
5. ما الهدفُ من التناصِّ الدينيٍّ في النصِّ؟
6. ما الهدفُ من ذكرِ المدنِ الأوروبيّةِ؟ وكيفَ تنعكسُ صورةُ المدينةِ في النصِّ؟
7. ماذا يحدثُ للشرقيّينَ في أعتابِ الغربِ وكيفَ يعرّفونَ أنفسهُم؟
8. قارنْ بينَ مغارةِ المسيحِ ومغارةِ العالم السفليِّ حسبَ النصِّ.
9. ما هي دلالةُ الألوانِ في مغارة العالمِ السفليِّ؟
10. صف علاقة الشرقِ بالغربِ بالاعتمادِ على النصِّ.
11. في النصِّ ذكرٌ لطقوسٍ وثنيةٍ، وضحْ ذلك.
12. في الغربِ يعبدونَ إلهًا آخرَ. ما رأيك بهذهِ المقولةِ؟
*130*
*130*
يوسف الخال (1917-1987)
شاعرٌ وناقدٌ وصحافيٌّ لبنانيٌّ. وُلدَ في سوريا. درسَ الفلسفةَ وأنشأَ في بيروتَ دارَ الكتابِ، وبدأتْ هذهِ الدارُ نشاطها بإصدار مجلةِ "صوتُ امرأةٍ" التي تسلَّمَ الخالُ تحريرَها، بالإضافةِ إلى إدارةِ الدارِ حتى سنةِ 1948.
اِنتسبَ إلى الحزبِ السوريِّ القوميِّ الاجتماعيِّ، بيدَ أنَّهُ أعلنَ في سنةِ 1947 انسحابَهُ رسميًا منهُ.
عمل في الأمانةِ العامّةِ للأمَم المتّحدةِ في دائرةِ الصحافةِ والنشر وفي ليبيا، وعادَ إلى لبنانَ سنة 1955. أنشأَ مع أدونيس وأنسي الحاجّ مجلّة "شِعر الفصليّةَ التي صدرَتْ بينَ العامِ 1957 والعامِ 1964. ثمَّ استأنَفَتِ الظهورَ في أولِ 1967. والتي لعبتْ دورًا كبيرًا في الحداثة الشعريّةِ، وكانت منبرًا لنُخبةٍ من الشعراءِ الحداثيّينَ. منْ مؤلّفاتهِ: الحريّةُ، البئرُ المهجورةُ، قصائدُ في الأربعينَ ديوانُ الشعرِ الأميركيِّ (مختاراتٌ شعريّةٌ)، الولادةُ الثانيةُ، والحداثةُ في الشعرِ.
يوسف الخال - البئر المهجورة
عَرفتُ إبراهيمَ، جاريَ العزيزَ، مِنْ
زمانْ
عَرفْتُهُ بئْرًا يفيضُ ماؤُها
وسائِرُ البَشَرْ
تَمُرُّ لا تَشْرَبُ منْها، لا ولا
تَرْمي بِها، تَرْمي بها حَجَرْ.
*131*
"لَوْ كانَ لي أنْ أنشرَ الجبينَ
في ساريَهِ الضياءِ مِنْ جَديدْ"،
يَقولُ إبراهيمُ في وُرَيقةٍ
مخضوبةٍ بدمِهِ الطَّليلِ، "تُرى يُحَوِّلُ
الغديرُ سيرَهُ كأنْ تُبرعِمَ الغصونُ
في الخريفِ أوْ ينْعَقِدَ الثَمَرْ،
ويطلعُ النباتُ في الحَجَرْ؟
لوْ كانَ لي،
لوْ كانَ أنْ أموتَ أن أعيشَ
مِنْ جديدْ
أتبسطُ السماءُ وجْهَها،
فلا تمزِّقُ العقبانُ في الفلاةِ
قوافِلَ الضحايا؟ أتضحَكُ المعامِلُ
الدُخانُ؟ أتسكُتُ الضوضاءُ في الحقولْ
في الشارعِ الكبيرْ؟ أَيأكلُ الفقيرُ خبزَ
يَومِهِ، بعرقِ الجبينْ،
بعرقِ الجبينِ لا بدمعةِ الذليلْ؟
لوْ كانَ لي أنْ أنشرَ الجبينَ
في ساريَةِ الضياءْ،
لَوْ كان لي البقاءْ،
تُرى، يعودُ يولسيسُ؟
والولدُ العقوقُ، والخروفْ،
*132*
والخاطئ الأُصيبَ بالعمى
ليُبصرَ الطريقْ؟"
وحينَ صوَّب العدوُّ مدفعَ الردى
واندفعَ الجنودُ تحتَ وابلٍ
منَ الرصاص والردى،
صيحَ بهمْ: "تقهقروا. تقهقروا.
في الملجأِ الوراءَ مأمنٌ
منَ الرصاصِ والردى"
لكنَّ إبراهيمَ ظلَّ سائرًا،
إلى الأمام سائرًا،
وصدرُهُ الصغيرُ يملأُ المدى
"تقهقروا. تقهقروا.
في الملجأِ الوراءَ مأمنٌ منَ
الرصاصِ والردى!"
لكنَّ إبراهيمَ ظلَّ سائرًا
كأنَّهُ لمْ يسمعِ الصدى.
وقيلَ أنهُ الجنونْ.
لعلهُ الجنونْ.
لكنَّني عرفتُ جاريَ العزيزَ منْ زمانْ
منْ زَمنِ الصِّغرْ.
عرَفتُهُ بئرًا يفيضُ ماؤُها،
وسائرُ البَشَرْ
*133*
تمرُّ لا تَشربُ منْها، لا ولا
ترمي بِها، ترمي بها حَجرْ.
3.3.1957 (مجلّة شِعر)
مفاتيح النصِّ:
إبراهيمُ والقربانُ، التضحيةُ، دلالةُ البئرِ، سوداويّةُ الواقع، التمرّدُ والثورةُ، تغييرُ الواقعِ، التناصُّ، تعدد الاصوات، قصيدة التفعيلةِ، العناصر القصصيّةُ، الدائريةُ، التكرارُ.
مهامُّ:
1. ما هيَ رمزية الاسم إبراهيمَ وعلاقته بالتضحيةِ؟
2. ما هي صورةُ الواقع الموجودِ مقابل المنشودِ كما تنعكسُ في القصيدةِ؟
3. ما هيَ الأصواتُ الناطقةُ في النصِّ؟
4. ما هي رمزيةُ البئرِ ودلالاتُها المجازيةُ في النصِّ؟
5. صفْ ملامحَ شخصيةِ إبراهيمَ، واكتبْ تعقيبًا حولَها.
6. لماذا يستحضرُ الخالُ شخصيةَ بوليسس بطلِ الأوديسا؟
7. لماذا يستحضرُ الخالُ شخصيةَ الملكِ أوديب / أو شاؤول المعروف بالخاطئِ الأعمى؟
8. ما علاقةُ الخروفِ الضالِّ والولدِ العقوقِ في العهدِ الجديدِ بدلالةِ القصيدةِ؟
9. هاتِ مثالًا على التكرار مبينًا الهدف منَ استخدامهِ.
10. ما الهدفُ من استخدام الدائرية بين بدايةِ القصيدةِ ونهايتها؟
11. عينِ العناصرَ القصصيةَ في القصيدةِ.
12. تحدَّثْ عن قصيدةِ التفعيلة والوحدةِ العضويةِ فيها منْ خلالِ النصِّ.
13. اِستخرجْ مثالًا على أن الموصوليّةِ جاءَ في النصِّ.
*134*
*134*
*134*
حنّا أبو حنّا (1928-
أديبٌ وشاعرٌ فلسطينيٌّ. وُلدَ في الرينةِ، وتنقّلَ في طفولته كثيرَا بسبب عمل والدهِ في المساحة. يسكنُ في حيفا. عمل مديرًا للكلّية العربيةِ الأرثوذكسيّةِ في حيفا، ومحاضرًا في كلٍّ منْ جامعة حيفا والكلية العربية للتربيةِ.
حاز على عددٍ من الجوائزِ الوطنية. صدرَ له شعرًا: نداءُ الجراحِ، قصائدُ من حديقةِ الصبرِ، تجرعتُ سمَّكَ حتى المناعةِ، عرّافُ الكرملِ. وله سيرة ذاتية من ثلاثة أجزاءٍ.
حنّا أبو حنّا - تعاويذُ التراب
قالَ لي عندما زارني قبلَ أنْ يلبسَ الريحَ والنارَ:
أعددتُ لي عُنق ضبعٍ فلا أتلفتُ خَلْفي!
لماذا أعبئُ جمجمتي بسرابٍ يحنّطني وأحنِّطُهُ
وتظلُّ ينابيعُ هذي الشرايينِ مرصودةً للبحارِ البعيدةِ
والبحرُ مِلْحٌ ونبعي زُلالٌ
*135*
وهلْ يستحِقُّ السَرابُ احتراقًا؟
ونحن فريسةُ أرضٍ عشقْنا أذاها
وما هي إلا كأنثى الأيائلِ
تنتظرُ القاهرَ الفحْلَ يحرثُها. هلْ رأيت َالأيائلَ داميةً
تتنزّى إلى أن يفوزَ القويُّ؟
هيَ الأرضُ تحتَ القويِّ وأبناؤها كلُّ من ولدتْ، غير أنَّ أبي ماتَ.
هلْ لليتيمِ سِوى الذُلِّ واللوعةِ المتربةْ؟
بعدَ عامينِ يضطربُ التلفونُ يرنُّ أبحَّ وصوتُ صديقيَ
يطوي البحارَ يبللُهُ الحزنُ
قال: احترقتُ...احترقتُ
الخواءُ الذي يسكنُ الروحَ موتٌ.. تلاحقني لعنةٌ قاتلةْ
هذه الأرضُ لم ينقطعْ حبلُ سُرتنا عنْ حَشاها
وتسكنُنا في الفؤادِ تعاويذُ هذا الترابِ.
مفاتيح النصِّ:
الرقيُّ والتعاويذُ، حبُّ الوطنِ، الانتماءُ للأرضِ، جيلُ الآباءِ وجيلُ الأبناءِ، الخصوبة والنماء، الغرب، الغربة، الخواء الروحيُّ، الحنينُ، التشبيهُ، الكنايةُ، الاستفهام البلاغيُّ.
*136*
مهام:
1. في النص معتقدات شعبية حولَ الضباعِ. ما الهدفُ من الإشارةِ إليها؟
2. ما هيَ الموضوعةُ التي يعالجها النصُّ؟
3. شبّهَ الشاعرُ علاقةَ الإنسان بالأرضِ بحبلِ السُرةِ. ما رأيكَ بهذا التشبيهِ؟
4. ما العلاقةُ بين تزاوجِ الأيائل وبين مضمونِ القصيدةِ؟
5. كيفَ تنعكسُ علاقةُ جيلِ الآباءِ بالأبناءِ في النصِّ؟
6. في النصِّ إشارةٌ إلى الخواءِ الروحيِّ خارجَ حدود الوطن. وضِّحْ ذلكَ.
7. ما الغرضُ من الاستفهام البلاغيِّ "هلْ لليتيمِ سوى الذُلِّ واللوعةِ المتربةْ"؟
8. في النصِّ كنايةٌ لطيفةٌ عن ركوبِ الطائرةِ. استخرجْ هذه الكنايةَ.
*137*
*137*
سالم جبران (1941-2011)
سالم جبران شاعر فلسطينيٌّ وُلد في قريةِ البقيعةِ في الجليل الأعلى. درس اللّقب الأوّلَ في الأدب الإنجليزي وتاريخ الشرقِ الأوسط في جامعة حيفا. عمل في ميدانِ الصّحافةِ منذُ عام 1962 بعد انضمامهِ للحزب الشيوعيِّ، واستمرَّ في هذا الميدانِ حتّى عام 1992. عمل في صحيفة "الاتحادُ"، وترأسَ تحرير مجلة "الغد" الصادرتين عن الحزب الشيوعيِّ، إلا أنهُ استقالَ من الحزب الشيوعيِّ عام 1993.
اصطبغَ شعرُهُ بالرومانسية في بدايةِ مشوارهِ، ثم بالثوريةِ وبالواقعيةِ الاشتراكية، وكان من الشعراء الملتزمين بقضايا أُمّتهم السياسيةِ. اعتقل في مطلع حزيران عالم 1967، ثم أطلقَ سراحُهُ تحت قيود الإقامة الجبريّةِ وتحديدِ التنقلِ. كتبَ العديد من المقالات السياسية والأدبية، في مجلات وصحفٍ عديدةٍ مثلِ: صحيفةِ "الرأيُ" الأردنية، "النّهار" اللبنانيةِ، "الطريقُ" الفلسطينية. تُرجم الكثيرُ من قصائدهِ إلى لغاتٍ عديدةٍ كالعبرية والفرنسية والروسية والإنجليزيّةِ.
أصدرَ جبران ثلاثةَ دواوين شعريةٍ: كلماتٌ من القلبِ، قصائدٌ ليستْ محددة الإقامة، رفاقً الشمسِ.
*138*
سالم جبران - العالمُ الضائعُ
إلى رفاقِ الطفولةِ في بلدي
(1)
هل تذكرونَ.. نحن كنّا، يومَها، صِغارْ
نُباطحُ الريحَ على "المْيسِ" ولا
نحفظُ ما يطلبُهُ الأستاذُ من أشعارْ
أجملُ منْها "ميجنا" طويلةْ
عتيقةُ الجرسِ، بلا قَرارْ.
(2)
هلْ تذكرونَ.. نحنُ كنّا يومها صِغارْ
نسرقُ لوزاتِ أبي نصّارْ
وهوَ إذا يسألُنا:
"واللهِ، لم تنزل إلى الكرومِ، منْ شهرينْ
أمسِ؟ سرَحْنا، أمسِ، جنبَ العين"
- احلف، إذنْ يمينْ
يا قردُ، يا خنزيرُ، يا لعينْ!
هلْ تذكرونَ كمْ حَلفنا كذبًا
وصدَّقَ المسكينْ.
يا رحمة اللهِ عليهِ، ماتَ منْ زمان...
*139*
(3)
هلْ تذكُرونَ.. نحنُ كنّا يومَها صِغارْ
حينَ بدأتُ أكتبُ الأشعارْ
"الشعرُ لا يُطعم خبزًا - قالَ لي فهيم
سوفَ أصيرُ في غدٍ نجارْ"!
وهلْ يموتُ أحدٌ
في الأرضِ جوعًا؟!.. منطقٌ سقيمْ!
ثم سكتنا، بعدها
سكتةَ أُمِّ البنتِ، يا رفاقْ
للمرّةِ الأولى، بدأنا نعرف الهمومْ
هل تذكرونَ؟ وضحكنا بعدها
حينَ رَجا "جهادْ"
بيتين في حُلوتِهِ ودادْ
اليومَ صارت زوجةً
لهُ، وقد شيَّبها الأولادْ!
(4)
أيامُنا قصيرةٌ، وعمرُنا محدودْ
علامَ لا نعيشُ مرّتينِ،
لا يعودْ
عالُمنا الضائعُ.. من جديدْ؟!
1964
*140*
مفاتيحُ النصِّ:
ذكرياتُ الطفولةِ، حفظُ الأشعارِ، شقاوةُ الأطفالِ، امتهانُ الشعر، لقمةُ العيشِ، ولادةُ البنتِ في مجتمعنا، تعبُ الأمِّ، الحبُّ والغزَلُ، محدوديةُ العمرِ، الماضي عالمٌ ضائعٌ، بساطةُ اللغةِ، التكرارُ الارتكازيُّ، المبنى المقطعي، الاستفهام، الأسلوب القصصيُّ.
مهامُّ:
1. صِفْ ملامح الأستاذِ ونظرته للشِعرِ حسبَ المقطعِ الأول.
2. ما رأيُكَ بسرقة اللوزِ كملمحٍ من ملامح شقاوةِ الطفولةِ؟
3. ما وجهُ الشبهِ في التشبيهِ بسكتةِ أمّ البنتِ؟
4. يعتبرُ العنصرُ القصصي شكلا دراميا وديناميًّا في الشعرِ. وضحْ ذلكَ.
5. لماذا يعتبرُ الشاعرُ الطفولةِ عالما ضائعا؟
6. كيفَ ينعكس مفهومُ الزمنِ في النص؟
7. هل يمكنُ اعتبارُ هذا النص جزءًا من السيرة الذاتيةِ للشاعرِ؟ وضحْ.
8. ما هوَ موقفكَ من استخدام بعضِ الألفاظِ السوقيةِ كالقرد والخنزير في سياقِ اللغةِ الشعريةِ؟
9. ما وظيفةُ التكرارِ الارتكازيِّ في القصيدةِ؟
10. كيفَ تتجلّى الحداثةُ في مبنى القصيدةِ وشكلها؟
*141*
*141*
شكيب جهشان (1936-2003)
شكيب جهشان شاعر فلسطيني وُلد في قرية المغار. عمل مُدرسًا للغةِ العربية في وزارةِ المعارف، وفي مدرسه المطرانِ الإكليريكيّةِ وثانوية القديس يوسف في الناصرةِ مدّة ثلاثةٍ
وعشرين عامًا.
شارك مع مجموعةٍ من الكُتاب الفلسطينيينَ، أواخرَ الثمانينياتِ في تأسيسِ الاتّحاد العام للكُتابِ الفلسطينيينَ في إسرائيل، وانتُخِب نائبًا لرئيسه لدورتين متتاليتينَ. شاركَ عام 1996 في تأسيس "مؤسسة توفيق زيّاد للثقافةِ الوطنيةِ والإبداعِ" في الناصرةِ، وبقيَ عضوًا في هيئتها الإدارية حتى رحيله.
من إصداراته الشعرية: أحبُّكم لو تعرفون كمْ، رُباعيات لم يكتبها عمرُ الخيام، جادك الغيثُ، عامان من وجعٍ وتولدُ فاطمةُ، يطلونَ أوسمةً من شذًا.
*142*
شكيب جهشان - من رُباعياتٍ لم يكتُبْها الخيّام
(1)
أعطيتُهُ عمري
وثوبَ السفرْ
وقلتُ طِرْ كالنسر
صوبَ القمرْ
صفَّقَ وثَّابًا وما عاد لي
يا قسوةَ الأبناءِ
أنتِ الحجرْ
(2)
وكانَ عمقُ البحرِ
في نظرتك
وكان حولُ الله
في خُطوتِكْ
دارتْ بِنا الأيامُ يا والدي
فصرتُ عكّازًا
لدى مشيتكْ
(3)
أمي لم تفتَحْ كتابًا
ولمْ
تحترفِ الوعظَ
ونثرَ الحِكمْ
*143*
لكنها أوصت، بما أوصيت:
"كُنْ صادقًا يا ابني
ولو في الألمْ"
(4)
قالتْ، وصوتُ الله
في صوتها
وأمسكتْ، فالبوحُ في
صمتِها
يا صدُر يا معطاءُ، مَنْ قادر
أن يحبسَ الشعلةَ
عن زيِتها؟
(5)
منْ هُدبِ عينِ اللهِ
كانتْ تُطِل
تُلقي على خطوي
دُعاءً وفلّ
لو عشتُ طول العمر أدعو لَها
لظلَّ في دعوايَ
وردٌ أقَلّ
*144*
مفاتيح النصِّ:
الوصايا، علاقةُ الآباءِ بالأبناءِ، العائلةُ، التواصل مع الله، حكمةُ الحياةِ، مسيرةُ الأجيالِ، الوفاءُ للأمِّ، المبنى المقطعيُّ.
مهامُّ:
1. ما الشخصياتُ العائليةُ الحاضرةُ في كلِّ مقطعٍ؟
2. بماذا يوصي الشاعر ولدَهُ؟
3. لماذا يستحضر الشاعر شخصية الوالدينِ؟
4. كيفَ يتجسدُ الله في الرباعياتِ الثانية والرابعة والخامسة؟
7. هل هنالك تسلسلٌ منطقيٌّ بين الأفكار في هذه الرباعياتِ؟ وضحْ.
8. ما الهدفُ من ربطِ التسمية بالرباعيات التي كتبَها عمرُ الخيّامِ؟
9. كيفَ تنعكسُ الرومانسية من خلال اللغة والصور الشعريّةِ؟
10. ما الجوُّ السائد في هذهِ الرباعياتِ؟ وضحْ من خلال كلماتٍ مفتاحيةٍ.
*145*
*145*
فاروق مواسي (1941-)
فاروق مواسي شاعرٌ وناقدٌ فلسطينيٌّ وُلدَ في مدينةِ باقة الغربية، حيثُ أنهى تعليمَهُ الابتدائيَّ، ثم أكمل تحصيله الثانويَّ في الطيّبة. عملَ في مطلع شبابه مُراسلًا للصحفِ العربية، ثمّ مارَسَ مهنةَ التدريس في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدارس مختلفةٍ، حتى أُحيلَ إلى التقاعد بدءًا من أيلول 1996، ولكنَّهُ لا يزالُ يعمَلُ محاضرًا في أكاديمية "القاسمي" في باقة الغربية، وقد حصل مؤخرًا على درجة بروفيسور من مجلس التعليم العالي.
من أعماله الشعريّةِ: أحبُّ الناسِ، الاحزانُ التي لَمْ تُفهم، اعتناق الحياةِ والمماتِ، الخروج من النهر، في انتظار القطار، لما فقدت معناها الأسماء، ما قبل البعدِ.
ولهُ دراسات نقديةٌ واجتماعيةٌ عديدةٌ، ومجموعتان قصصيتان وسيرة ذاتيةٌ.
*146*
فاروق مواسي - القدسُ: قصيدةٌ أُخرى
في القدسِ
رائحةٌ تنفذُ من أعماقِ السّنواتْ
صوتٌ يترددُ من أعماق
يتصاعد مع بخورٍ خُلدَ في الآفاق
وأنا أمضي في كُلِّ سَبيلْ
مع أفواجِ الآياتِ
أُثيرُ الأشواقْ
فتطيرُ الأشواقْ
قصَصًا بلُغاتْ
فتفورُ حكايا وعظاتْ
وأَعيها بالحِكمَةْ
بيدي سُبحة
أحملُها في فرحةْ
ما أجملَها!
فيها دُررٌ
من زيتونِ الأعْلاقْ
- مِنْ أيِّ زمانٍ جئتَ أيا شاهدْ؟
فيجيبُ الشاهدُ في السبحة:
- اسأل تلك الزيتونة
أعرفُها منذُ ( يَبوسَ)
اسألْ دربَ أريحا
*147*
واستجوبْ مسلكَ رامَ الله!
طُرُقٌ للقدس عناقْ
تتلاقى في قُبهْ
تشبهُ قلبَ الإنسان الخفّاقِ
المونع والمُطلقِ حُبَّهْ
والظّامي
وبكلِّ هُيامٍ
لعناقٍ
وعناق
مفاتيح النصِّ:
القدسُ، عبقُ التاريخ، المعالمُ، الامكنة، القبّة، الشوق والعناق، ملتقى، دلالةُ الزيتون، السُّبحة والشاهد فيها، الحوارُ، قصيدةُ التفعيلةِ، العناصر الإيقاعيةُ، درجاتُ الحبِّ، دلالةُ الأفعالِ.
*148*
مهامُّ:
1. كيفَ يوظِّفُ الشاعرُ حاسة الشمِّ في التعبير عن قدم القدسِ؟
2. صفِ الملامح الإسلامية للأنا الشعريِّ وهو يدخل القدس.
3. ما الهدفُ من توظيف الشاعر للدلالات المكانية في النصٍّ؟
4. ماذا يمكنُ أن نستوحي من شعرية العنوان "القدس - قصيدة أخرى"؟
5. ما الهدف من توظيف الفعل المضارع في النص؟
6. ما الهدف من توظيف فعل الأمر في النص؟
7. كيف يُسهم الحوار في دينامية النص وإثارة القارئ؟
8. حلل أركان التشبيه الموجود في نهاية القصيدة، مبينا الهدف من استخدامه.
9. كُتبَ النصُّ على شكل قصيدة التفعيلة. هاتِ بعض خصائصها الشكلية.
10. اُكتب بعض العناصر الإيقاعية في القصيدة من خلال أمثلة مناسبة.
11. اكتب خمسًا من درجات الحبِّ القريبة من الهُيامِ مستعينًا بمصادر المعلوماتِ.
12. نشَرَ الشاعر قصيدةً عموديةً لهً عن القدس نشرَها في مجموعته إلى الآفاق، وهي مثبتةٌ في موقعه، هل لك أن توازن بين المضمونِ والشكلِ في كلٍّ من النصينِ؟
*149*
*149*
إبراهيم عوبديا (1924-2006)
شاعر وناقد إسرائيلي من أصل عراقي كتبَ بالعربية، ونشرَ قصائدهُ ومقالاته في عددٍ من الصحفِ والمجلّات العربيّةِ. قَدِم إلى البلاد عام 1951 واشتغلَ ضابطًا في سلطة الجمارك في ميناء حيفا وفي الضفة العربيّةِ.
في البلادِ نشرَ عوبديا قصائدهُ في عدد من الصحفِ العربيّة المحلية مثل: "اليومُ"، "الأنباءُ"، "حقيقة الأمر" "والمجتمع". وقد أصدر ما يقارب خمسَ عشرةَ مجموعه شعريةً نُشرت في الدول العربية وإسرائيل، منْها:
امرأة في شِعري، أخي ستشرق الشمسُ، ورودٌ شائكةٌ، الظمأُ الحائرُ، صيحةٌ من عراق العهد البائد.
ماذا تغير؟ - إبراهيم عوبديا
في مُعجم اللغةِ الكبيرِ
الحرْفُ لمْ يتغير
واللفظُ لم يضْخُمْ ولم يضؤُلْ
ولمْ يتطوَّرِ
هُوَ منذُ أحقابٍ
يعيشُ على صدورِ الأسطرِ
حينًا كحبّاتِ الرمالِ
وتارةً كالجوهرِ
قدْ واكبَ الأجيال
*150*
لمْ يُسرعْ ولمْ يتأخرِ
هُوَ نفسهُ في قولِ
كلِّ مُؤدبٍ ومُفكرِ
لكن تغيَّرَتِ المعاني
باختلافِ الأعْصُرِ
وتغيَّرَ التأثيرُ
في التعبيرِ عنْ رأيٍ جَري
وتغيَّرَ التقييمُ
في فنِّ الأديبِ العبقري
وتغيرَ الفنّانُ
في تفكيرهِ المتحرِّرِ
منْ بُرجهِ العاجِيِّ فَرَّ
كهاربٍ منْ مَحْجرِ
هُوَ خارجَ الأسوارِ
بينَ الناسِ فوقَ المنبرِ
يُعطي ويُعطي والعطاءُ
نتاجُهُ الجزْلُ السَّري
*151*
مفاتيح النصِّ:
المعجمُ، معاني الكلماتِ، تغير المعنى، تطور اللغة، ثقافة المفكر والمبدعِ، حريةُ الرأيِ، أدب الالتزام، دور الكاتب، الحياة بين الماضي والحاضر، القصيدةُ العموديّة، الميتاكتابةُ، جوازاتُ الشعرِ.
مهام:
1. ما هي موضوعه النصِّ الشعري؟
2. ما الثابتُ وما المتحول في المعاجم حسبَ النصِّ؟
3. ما المقصود بالتشبيه "كحباتِ الرمالِ" مقابلَ "كالجوهر"؟
4. ما هو موقف الشاعر من الكاتب المنعزل عن الناس؟
5. ما هي التغييرات التي طرأت على حياتِنا المعاصرةِ حسب النص؟
6. ما هو الجوازُ الشعري الذي استخدمهُ الشاعر في كلمتي "جري و السري"؟
7. هل القصيدةُ عموديةٌ؟ علل.
8. ما علاقة الميتاكتابةِ (الكتابة في مرآةِ نفسها) بمضمونِ القصيدةِ؟ وضِّحْ.
9. كيفَ تقيّمُ لغةَ الشاعر وتَمكُّنهُ من العربية وهي ليست لغتهُ الأمَّ؟
10. هل القصيدة تخاطبُ العقل أمِ العاطفةَ؟ علِّلْ.
*152*
*152*
جورج نحيب خليل (1931-2001)
شاعر فلسطينيٌّ وُلد في قريةِ عبلّينَ الجليليةِ وفيها توفّيَ. تلقى تعليمهُ الابتدائي في عبلينَ وشفا عمرو، وتعليمهُ الثانويَّ في مدينة صفد، ثمَّ أكمل دراستهُ في دار المعلمين بمدينةِ يافا (1951).
عملَ بالتدريس في مدرسةِ عبلين وبعدها في مدرسةٍ في شفاعمرو (1970-1984) تقاعد بعدها لأسبابٍ صحية.
ترأَّسَ مجلس عبلين المحليَّ (1969-1971)، وأسّسَ المدرسة الثانوية بها (1969). ترأّسَ نادي الشباب الارثوذكسي في عبلين (1953-1968)، وكان عضوًا في لجنة وقفِ الروم الارثوذكس، ومن مؤسسي رابطةِ الكتاب العرب وسكرتيرها (1974).
شارك في تحرير عدد من الدوريات، منها: "المجتمعُ"، حقيقةُ الأمر"، "اليوم"، "المرصادُ"، "الوسيط"، "الجديدُ"، وغيرُها، وترأَّسَ تحريرَ مجلّةِ "الشرقُ"(1991-1993).
من أعماله الشعريّةِ: وردٌ وقتادٌ، على الرصيف، بلادي، لهبُ الحنينِ، دموعٌ لا تجفُّ، فليخجلِ التاريخُ، الموءودةُ.
جورج نجيب خليل-الشاطئ يناديكُمْ
(كُتبتْ في مستشفى الكرمل بحيفا يومَ الأربعاءِ الموافق 28/9/1977)
(1) يا حاديَ العيسِ قِفْ؛ إنَّ المقامَ حَلا
فالشَهْمُ مَنْ ليس عن أوطانه رحلا
(2) لعلَّ أروعَ ما تزهو الربوعُ به
- فتنتشي النفسُ - بحرٌ عانَقَ الجبلا
*153*
(3) راهُ يشمخُ جبّارًا بغُرِّتهِ
والوردُ يبدو على أعرافهِ خُصَلا
(4) فأرسَلَ الموجَ فضّيًّا يغازلهُ
فراحَ يُمطرُهُ من وجْدِهِ قُبَلا
(5) وعادَ لليمِّ مِعطارًا يُضمّخُهُ
شذا القرنفلِ يسبي حُسنُهُ المقلا
(6) فهاجَ بي لاعجٌ للشوقِ يدفعُني
إلى محاكاةِ موجٍ مارسَ الغزلا
(7) حيفا. حنانَيْكِ! ما هذا الجمالُ؟ فقدْ
أذبتِ قلبي بسحرٍ راقَ واكتمَلا
(8) لاحتْ على الشاطئِ الخلابِ أشرعَةٌ
في حُسنِ طلعتِها ما يبعثُ الأمَلا
(9) والرملُ مهدٌ وثيرٌ لا نظير لهُ
أصدافُهُ برزَتْ إذْ لامسَتْ وشَلا
(10) والغيدُ يسبَحْنَ في زهوٍ وفي مرحٍ
فيعذبُ الماءُ إذْ قدْ مازجَ العسَلا
(11) بعضٌ تهادى كما الطاووسُ في خفرٍ
والبعضُ يدرُجُ حتى يكسِفَ الحجَلا
(12) أبدينَ بضًّا عن الأجساد مؤتلِقًا
أرنو إليه بطرفٍ طلَّقَ الخجلا
(13) للعاجِ قد زرعتْ في الرملِ أعيدةٌ
لكنَّها حيَّةٌ لا تعرفُ الشلَلا
*154*
(14) قامت عليها من التيجان أورقة
يا سعد طرف بما جادت به اكتحلا
(15) أما الخصور فأغصان مطربنة
تدنو من العين. لكن شابهت زحلا
(16) يا شاطئ الخير قل للناس إذ رحلوا:
يا من هجرتم حماكم بئس ما حصلا
(17) ماذا دهاكم فغادرتم مواطنكم
وهي التي ما شكت حتى من الدخلا
(18) أحضانها اتسعت للضيف مذ وجدت
فهل تضيق عن الأهلين يا جهلا!
(19) بلادنا زهرة الدنيا وقمتها
فلا تجوروا عليها وانبذوا الزعلا
(20) حتى ولو مزقت صونوا شرائحها
فكل شهم كريم هكذا فعلا
(21) حتى ولو قوضت ظلوا بداخلها
فإن أجدادكم قد قدسوا الطللا
(22) وضمدوا جرحها الدامي بوحدتكم
فإن أردتم كذا لن تعدموا الحيلا
(23) ورددوا ما قرأتم في مقدمتي
بل واجعلوه لأحفاد لكم مثلا
(24) يا حادي العيس قف؛ إن المقام حلا
فالشهم من ليس عن أوطانه رحلا
*155*
مفاتيح النص:
التغزل، جمال المكان، جسد المرأة، منتجع الشاطئ، الوطن الجميل، عتاب ولوم، البقاء في الوطن، التمسك بالوطن ورموزه، الوحدة العربية، الاقتداء بالأجداد، الوطن يتسع للجميع، الحالة النفسية للشاعر، مناسبة كتابة القصيدة، القصيدة العمودية، الدائرية.
مهام:
1. ما هيَ مناسبةُ كتابة القصيدةِ؟
2. هلْ لمناسبةِ القصيدة تأثيرٌ على الجوِّ السائد فيها؟ وضِّحْ.
3. هل الشاعر مقلِّدٌ أم مجدد في مطلع قصيدتهِ ومضمونها؟ وضِّحْ.
4. كيفَ تتجسدُ المرأةُ في النص؟
5. ما هيَ التعليلاتُ التي يسوقُها الشاعر في معاتبةِ النازحينَ عن الوطن؟
6. هل توافق الشاعر على هذه التعليلاتِ تحديدًا؟ علل.
7. هل غزلُ الشاعر عذري أم حضَريٌّ؟ علل من خلال أدلةٍ نصيةٍ.
8. ما الغايةُ من الاستشهادِ بأنواع من الطيور داخلَ القصيدةِ؟
9. ما هي المواقف السياسية للشاعر من خلال النصِّ؟
10. كيفَ يوظفُ الشاعر قيمةَ الجمال في قصيدتهِ؟
11. هلْ عنوانُ النص مناسب للمضمونِ؟ علل.
12. ما الهدفُ من استخدام الدائريةِ في القصيدةِ؟
*156*
*156*
النثر والسرد الحديث والعالميّ، القصّة القصيرة العربية الحديثة، القصة العالمية الحديثة، الكتاب المقدّس، الرواية العربية والعالمية، المسرحيّة العالميّة، المقالة، المطالعة الحرّة، قصص قصيرة
*157*
صفحة فارغة
*158*
*158*
توفيق عواد 1911-1989)
شاعر وكاتب وروائي لبنانيٌّ. عمل في الصحافة محررًا مسؤولا لعدد من الصحفِ، وانضم للسِلكِ الدبلوماسي عام 1946 وعُين قنصلا للبنان في الأرجنتين وزيرًا مفوّضًا في المكسيك ثمَّ سفيرا في اليابان، واعتُمد في الوقت نفسه سفيرًا غيرَ مُقيمٍ لدى الصين الوطنية. من مؤلفاته: الصبيُّ الأعرجُ، قميصُ الصوفِ، الرغيفُ، العذارى، السائح والترجمانُ، فرسان الكلام، غُبار الأيام، قوافل الزمان، مطارُ الصقيعِ، حصاد العمر. توفّيَ يوسف عوّاد من جراء القصف المدفعي الذي طال منزل صهره السفير الإسباني لدى لبنانَ.
توفيق عواد - الصبُّي الأعرجُ
"كلُّ ذي عاهةٍ جبّارٌ"
كان اسمهُ خليل. ولكنَّ الناس لا يعرفونهُ بهذا الاسم. هُمْ يُسمَّونَهُ الأعرجَ، حتّى كادَ ينسى هُوَ نفسُهُ اسمَهَ الحقيقيَّ.
ولا أحد يعرفُ من أبوه وأُمهُ وأينَ مسكنُهُ. نكرةٌ من النكراتِ، شحادٌ من ملاعين الدنيا، قذفتهُ الحياة قذفًا، كالمارِّ على رصيفٍ يبصق بصقةً ثم يدوسُها ويتابع الطريقَ.
*159*
في الثالثة عشرة من عُمرهِ، على وجهه بُقع من الغُبار المزمن، وأخاديدُ من الذُلِّ. يَجرُّ، طول النهار وقسمًا كبيرًا من الليل، رجلهُ العوجاءَ من مكانٍ إلى مكانٍ. الرجلُ اليمين مفتولة عند الرُكبة إلى الوراء يدوس بها الأرض على إبهابه، والإبهامُ ضخمةٌ شقَّقَها المشيُ على الحصى، وعشَّشَ بين شقوقها وحل الشتاءِ الماضي.
كلما خطا خطوةً اندفع رأسهُ إلى الأمام وراء العرجة اندفاعةً تكادُ تخلع رأسه من بين كتفيه. وهو مُضطر إلى الدوران في الشوارع، من شارع إلى شارع، ومن دُكانٍ إلى دكانٍ، من رَجُل إلى رَجُلٍ، ومن امرأة إلى امرأة، ويمدُّ كفَّهُ و يبتسم ابتسامتهُ الباكية
رفاقُهُ الشحّادون، صغارا وكبارا، لكل واحد منهم أغنية يرددها على المحسنين. يطلبون من الله أن يُطول لهم عُمرهم، أن يُخلِّيَ لهم عافيتهم، أن يعوض عليهم، أن يرزق المرأة ولدًا والفتاة عريسًا، وأن يكافِئهُم خيرًا في الآخرةِ. يثرثرون دائمًا، ويلصقون بالمحسنينَ لصْقًا، فلا ينزعُهُم إلا القِرشُ.
أمّا هو فلا يجيد الثرثرة بل يبقى صامتًا كالأخرسِ. لولا ابتسامتُهُ الحزينة، ولولا عيناهُ الناطقتانِ بألفِ لُغزٍ ولغزٍ من ألغاز الطفولة المقهورةِ، ولولا يدُهُ الممتدّةُ، الراجفةُ، الممصوصةُ كورقة الخريفِ، لولا ذلك لظنَّهُ الناسُ صَنَمًا.
والبشرُ يحبّون الثرثرة، يحبون الدعاءَ، لا يُعطونَ الصدقة إلا بثمنِها عدًّا ونقدًا. ولكنَّ الأعرج لا تتحرَّكُ لهُ شفتان بدعاءٍ ولا رجاءٍ، كأنَّما في قلبه إيمانٌ بأنَّ لهُ على هؤلاءِ البشر ضريبةً. يمدًّ كفَّهُ إلى واحدٍ، ثمَّ يجوزُ إلى غيره جارًّا رجلهَ العوجاءِ. وإذا ظفر بقرشٍ أو نِصفِ قرشٍ حدَّقَ إليه وقلَّبهُ ثمَّ وضعَهُ في جيبِ قمبازهِ القذر المرقَّع، ومشى.
في حيِّ فُرنِ الشبّاك، على مسافة ربع ساعة من مشية خليل العرجاءِ، كوخٌ حقيرٌ جدرانُهُ من أخشاب صناديق الكازِ، وماركات الشركات ما تزال محفورةً عليها بالأحمر والأزرقِ والأسود، بعضُها محفوظ سالمٌ، والبعضُ الآخر أَكلتْ ثلاثة أرباعه السنونُ. وللكوخِ سقفٌ من تنكِ الكازِ أيضًا، وللتنكاتِ قهقهة ساخرة عندما تهبُّ الرياح، وبينها ثقوبٌ ينزلُ فيها المطرُ فيُحوِّلُ الكوخَ في الشتاءِ إلى مستنقعٍ.
*160*
هذه القطرات من المطر هي كلُّ ما تذكر به السماءُ ساكني الكوخ!
لأَنَّ الأعرج ليسَ وحدهُ فيه، بل هو تحتَ حماية العمِّ إبراهيم، شحّاد متقاعد، بين الخمسين والخامسةِ والخمسينَ من عُمرهِ، كسيح، مقصوفِ الظَهر، مُلتوي الذقنِ إلى الشمالِ، بارزِ الأسنانِ - كتلةٍ من الخرقِ والعظام المحطمة ملقاةٍ في زاويةِ الكوخِ.
كان الليل قد أظلم، وأقفرَتْ طريق فُرن الشبّاك إلّا من بعض الترامواياتِ ينعسُ فيها ركابُها القليلونَ، وتمرُّ على الخطِّ مسرعةً، مُحدثة عليه شررًا متطايرا وأزيرا موجعًا. وكان الأعرجُ يمشي على حافةِ الطريقِ مسرورا ببساط الغبار لا يُؤذي رجلهُ العوجاء التي تتلقى وطأة جسمه دون الاُخرى. كلّما تقدَّمَ ضاعف قلبُهُ دقاته، لأنَّ العمَّ إبراهيم رجُل قاس لا يعرفُ الرحمةِ، يُحبُّ أن ترجع يده من يد الأعرج بخمسين قرشًا كلَّ مساءٍ. وكانَ الصبي يحسبُ القروشَ التي جمعها طول نهارهِ فلا تبلغُ إلا سبعة وعشرين قرشا، فيزيدُ خوفه وترتعدُ فرائصهُ.
وأبى الأعرجُ أن يُصدق حساب النهار الذي كان قد قام به أكثر من عشر مراتٍ. فلمّا وصل تحتَ المصباح الكهربائيِّ المعلّق على المحطة الأخيرةِ من محطات الترامواي أخرجَ القروش من جيبه وأخذ يعدُّها مرة أخرى، فاذا هي سبعةٌ وعشرون قرشًا، للم تزدْ شيئًا قطُّ! فأعادها إلى مكانِها وهو يرفُّ بعينيه وقد همتا بالبكاء، وواصل مشيتهُ ببُطءٍ كأنه يقدم رجلا ويؤخر الثانية.
كانَ عليه أن يصلَ. اِستقبلهُ العمُّ إبراهيمُ، حسب العادةِ. وراء قنديل الزيت الضئيل المتماوجة أظلاله على جدرانِ الكوخ، قائلا:
- تعال هنا، هاتِ الحساب!
كان العلم إبراهيم على طرّاحته في الزاويةِ، مُسمَّرًا عليها، لا يستطيعُ حركا إلّا بيديه فَهُما له رجلانِ أيضًا.
فحمل الأعرجُ القنديل وجاء به فركعَ أمام الطرّاحة، وأخذ يعدُّ القروش واحدًا وراء واحدٍ، ويفتشُ في قعر جيبه وينقضُها ليؤخِّرَ غضبَ العمِّ إبراهيم. ولكنَّ العمَّ إبراهيم كان واقفًا على كلِّ حركةٍ وسكنةٍ من الصبيِّ، فأرسل إليه نظرة من عينيه الحمراوينِ
*161*
الملتهبتين وصاح به:
- سبعة وعشرون قرشًا من أول النهار إلى آخره! أنتَ تلعبُ كلَّ الوقتِ يا أعرجُ الملعونُ. لك ثلاثٌ وعشرون عصا. حساب مضبوطٌ.
وكشَّرَ، ولوى ذقنهُ إلى الشمال فوق ما لواهُ الله، ولبثَ منتظرًا الأعرجَ. كان الأعرج يعرف ما يجب عمله في مثل هذه الحالِ: كلُّ قرشٍ ينقصُ عن الخمسين بعصًا. والعصا معلقة في الحائط. فنهض من ركعته ودنا من الحائط، وجاء بالعصا فسلَّمَها إلى العم إبراهيم ووقف أمامه مكتوف اليدين. فرفع الجلادُ عصاهُ السوداء السمينة، وطفق يضربُ بها الأعرج ضربا له نطام: ضربة على الكتف اليمنى، وثانية على اليسرى، وأخرى على القفا، ورابعة وخامسة على الرجلِ العوجاء. والأعرجُ يعدُّ العصي بصوتٍ عالٍ: واحد، اثنان، ثلاثةٌ. خمسة. تسعة، وهو يخنق الصراخ خنقا. فإذا صرخ ضوعف له العقاب. والدموع تسيل على خديه، وخدّاهُ يتجعدان، وعيناه تتواريان وراء صُور الألم المرتسمة على وجهه، وفمُهُ يندلق، ودمه يفورُ في أوداجه ويوشك أن يُفتِّقَها تفتيقًا. وهو ما يزالُ في الضربة العاشرةِ من الحساب! وعبثًا كان يحاول إقناع عمِّهِ بأن الناس لا يدفعون. عبثًا كان يقول له إنهم يعطونهُ كِسرَ الخبزِ. إنَّ العمَّ إبراهيم كان يجيبُهُ:
- اضرب بالرغيفِ من يعطيك إياهُ على وجهه!
ذات يومٍ رجع الأعرجُ إلى الكوخ مطرودًا من الشوارع بمفاجأةٍ عظيمة: كانتِ الحكومةُ قدْ سنَّتْ قانونًا يمنع التسوُّلَ! فلقيهُ شرطيٌّ وصفقه بالسوطِ على قفاهُ، فلم توجعهُ الضربةُ لأنَّهُ معتاد أشدَّ منها من عصا العمِّ إبراهيم، ولكنَّ الوجعَ كان في نفسه.
ممنوع! ممنوع مدُّ الأيدي من الآن وصاعدًا! ممنوع طرق الأبواب، وإيقافُ المارةِ، والدعاءُ بطولِ الأعمار.
لماذا؟
سؤال هائل ارتسمَ على وجه الأعرج الصغير، لا يعرفُ له جوابًا. كل ما كان يعرفُ من هذهِ الحياةِ أنَّ عليه الرجوع كلَّ مساءٍ بخمسين قرشًا يسلمُها إلى العم إبراهيم. أفاقَ
*162*
على نفسه على هذا الشكل من الحياةِ. وعلى الرغم من العذاب الذي يلاقيه فهو يتمنى أن تدوم الحالُ على ما هيَ. وها هيَ لا تريد أن تدوم. ها هو يرجعُ إلى الكوخ بقرشين اثنينِ. ها هوَ ذاهبٌ لثمانٍ وأربعين عصًا تسلخُ جلدهُ. وغدًا، وبعدَ غدٍ خمسون عصًا! كلُّ يوم خمسون عصًا! يا الله، هذا شيء كثير!
هذهِ المرّة قعد الأعرجُ على حافة الطريق يبكي ويشهق، والناس يمرون مشاة، وفي السيارات والترامواياتِ، لا أحدَ يلتفتُ إليه أو يسمعُ نحيبَهُ. جثةُ قطٍّ أو قشرةُ ليمونٍ!
على أنَّ العمَّ إبراهيم كان مُطلِعا على كل شيء. ولما عاد الصبيُّ إلى الكوخ سامحه بالثماني والأربعين عصًا. وشدَّ ما كانت دهشتُهُ عندما أدناه إليه وأمسك برأسه ومسح جبينه بشاربيه. ولم يكتف بذلك بل قدم إليه عشاءَهُ بيدهِ: علبة سردين - كلُّها له - ورغيفًا. ثمَّ ربَّتَ على كتفِهِ وقال لهُ:
- ستكون بعد اليوم تاجرًا، كما تريدُ الحكومةُ.
وقهقه عاليًا. أمّا هو فلم يفهم وظلَّ مشدهًا مسرورا لأنَّ العصا باقية في مكانها مُعلقة. وكان لا يجسُرُ على النظر إليْها، بل يُحول وجهه عنها لئلا يُذكر العمَّ إبراهيم أنها هنا!
وأصبح الأعرجُ تاجرًا. لقَّنَهُ العم إبراهيم كل شيء. اشترى لهُ صندوقةً ودلَّهُ على دُكان حلوياتٍ في حيِّ الناصرة، وأوصاه أن يملأ من الدُكان كلِّ صباحٍ صندوقتَهُ هذهِ بقطع الكاتو، ويدور في المدينة تاجرا.
وكانت الصندوقة تستوعب أربع دزّيناتٍ: ثماني وأربعين قطعةً. يشتري الواحدة بقرشٍ ونصفٍ.
إرتاح الأعرجُ إلى شكل حياته الجديد بادئ ذي بدءٍ، وحمل الصندوقةَ على خصْرهِ مربوطةً إلى عنقه بحزامٍ من جلد لماعٍ، وأخذ يدورُ في الشوارع مُناديا بصوته الضعيفِ: كاتو! كاتو!
ولكنَّ العمَّ إبراهيم أوصاهُ بوجوب بيع الثماني والأربعين قطعة كلَّها. ولما انقضى نصفُ النهار ورأى الأعرجُ أنهُ لم يبع إلا سبعَ قطعٍ حطَّ صندوقتهُ على رصيفِ شارع المعرضِ
*163*
وأحس بحاجة شديدة إلى البكاء. ماذا يقول له العمُّ إبراهيم إذا بَقيَ شيء من الكاتو؟ أتكونُ كلُّ قطعه باقية بعصا؟ يا ليتَ! إنَّ القرش من زمان، إذا نقص، كان بعصا. وثمن كل قطعة قرش ونصف. هذا إذا حاسبه العم إبراهيم على سعر الشِراء، أما سعر البيع؟! على أن القدر كان يُخبئ للأعرج - لبصقة الحياة على الرصيف - أشدَّ مما كان يتوقع. فلما أظلم الليل، وهمَّ بالرجوع إلى الكوخ، دنا منهُ وراء المدرسة العازارية، في ذلك الطريق الموحش، ثلاثة صبيان، الكبير فيهم من سنه. وما كاد يراهم مُقبلين نحوه حتى ارتعد، كأنَّ إلهاما نزل عليه بأنهم يريدون به شرا. وكانوا يغنون ويلوحون بأيديهم في الفضاء، وزعيمهم ذو القمباز الطويلِ ينفخُ بأنفه كالحيوانِ.
وقف الأعرج على رجله الصحيحة، وأدار وجه صندوقته إلى حائط المدرسة، وانتظرَ. فتقدَّمَ الزعيم ونظر يمينا وشمالا، ولما تيقَّنَ من أنَّ أحدًا لا يراهُ صفع التاجر الصغير على وجهه
صفعة طاش لها دماغُهُ في رأسه، وهجم الثلاثة على الصندوقة، فنهبوا أكثر ما فيها، وأطلقوا سيقانهم للريح، يزدردون الحلويات ويُقهقهونَ.
وحينَما عاد الأعرجُ في المساء الى الكوخ نال نصيبهُ أربعا و ثلاثين عصًا: حسابا مضبوطا على سعر البيع. كما حدَّثهُ قلبهُ في الطريقِ.
اسودَّتِ الدنيا في عينيه. لأنَّ الرواية كانت تتكرر كل يوم، وصبيان الشوارع المشرَّدون في بيروت كثيرون ينازعون الكلبَ على عظمتِهِ، فكيف بقطع الكاتو اللذيذةِ!. ما يكاد يراهُم عن بُعد حتى يأخذ في الركض. ويا لها من ركضة على رجله العوجاء! رأسُهُ ينخلع على صدره، وصندوقته ترقص على خصره، والحلويات يختلطُ بعضُها ببعض وتتحطم وتسيلُ، وتصير أشبه ما يكونُ بالوحل.
ذات يوم أطبق الغلمانُ الأشرار عليه في حيِّ الكراويا وأخذوا يشدّون بشعرهِ، وأمسكه أحدهم برجله - إيّاها - يدقها بحجر ويسخرُ منه:
- يا أعرج! يا أعرج!
واذا بصائح يصيحُ بهم مهدّدا فيهربون كلُّ واحد إلى صوب. فرفعَ الأعرجُ وجهه عن التراب متفقدًّا صندوقته، فاذا به أمام كريم الحلواني صاحب الدكانِ الذي يتبضّعُ من
*164*
عنده كل صباح. أحسَّ بقلبه يكبرُ، ومسحَ دموعهُ، ونفض ثيابهُ من الغبار وقالَ:
- كلَّ يوم يلحقون بي ويضربونني ويأكلون الحلوياتِ.
وقام إلى الصندوقةِ يتناولُها، ويلتقط الحلويات عن الأرض وقد تبعثرت هنا وهناك، ولبست ثوبًا من الأقذار. قفال له كريم عاقدا أجفانهُ:
- اُتركها، سأعطيكَ غيرها.
فرفعَ إليه الأعرجُ عينينِ كأنَّهُما تسألانِ: ولكن ثمنُها؟ فقال له كريم:
- قُمْ. ما عليك. أعطيك أربع دزينات كامله ولا آخذُ منك قرشا. وسأعلمُكَ كيفَ تتغلب على هؤلاء الزعران.
كان كريم من القبضايات المشهورين في الحيِّ - يُقال إنَّ في عنقه ثلاثة قتلى - وأبناء الحي يتناقلون أخباره، ويهابون جانبه، ويشدون أنفسهم بظهره في الملمّاتِ.
وبالرغم من تقدُّمه في السن - خمسونَ سنة وأكثر - كان لا يزال محمرَّ الوجه بالعافيةِ، لامعَ العينينِ بالبطولة، معقوف الشاربين بأناقة وإباءٍ. إلّا أنه كان قد ترَك منذُ زمانٍ كارَ المراجل وانقطع إلى تجارتهِ.
سارَ الأعرجُ وراء كريم إلى محطه اليسوعيةِ، إلى الترامواي. كانت تلك المرة الأولى التي يركبُ فيها الأعرجُ الترامواي. لذلك كاد ينسى مصيبتَهُ في التفرّج على مقاعد الحافلة، وعلى قاطع التذاكر يدور بينها، وعلى التذكرةِ التي قطعها لهُ. وكان يحسُّ أن هذهِ الدرجة التي صعدها من الأرض إلى الترامواي قد نقلتْهُ منْ دنيا إلى دنيا.
ولما ترجّلَ كريم على محطه الناصرةِ قادَ الأعرج بيدهِ إلى الدكان، وأدخلهُ إلى القسم الخلفيِّ منهُ وقالَ لهُ:
- ألا تعرف البوكس؟
- لا!
- اجمعْ كفَّكَ اليمنى.
- ها!
- فتناولَ كريم كفَّهُ وسواها لهُ وقالَ:
*165*
- إذا جاء إليك الأولاد مرّةً أخرى فاجمعْ كفَّك هكذا واضربهم. وصوب الضربة إلى
الذقنِ أو الأنف أو الخصر.
اِضربني لأَرى!
فصعد الأعرجُ إلى كريم نظرةً حَيِّيَّةً كأنهُ يقولُ: كيف أضربُكَ؟
- اضربْ، اضربْ ولا تخفْ!
فجمع الأعرج كفَّه وهمَّ، ولكن كريما تلقى الضربة بيدهِ وقال لهُ:
- عليك أن تتمرَّن اذهب إلى هذا الكيس واعمل فيه البوكس!
وكان هناك كيس مملوء بالفحم، فاًخذ الأعرج يوسعه ضربا بيديهِ حتى اسودّتا وكلتا. حينئذ قام كريم إليه وربت على كتفه قائلا:
- تأتي كل يوم إلى هنا وتتمرن. وبعد أسبوع ستغلبُ أكبر أزعر في السوق.
شعر الأعرج بأنَّ أعجوبةً من السماء أرسلت إليه هذا المنقذ، فشرع يتردد عليه. وفي الصباح، حين يأتي ليملأ صندوقته، يمكث عنده ساعه ويذهب إلى كيس الفحم ويتمرن على البوكس بفرح يغمر قلبه، فتلمع عيناه، خلال غبار الفحم المتطاير، لمعانا بسّامًا.
وقد يحدث أن تتخدش كفاه ويسيل منهما الدم، فلا يحفل ويستمر في اللكم، وكريم أمامه يُدخن سيكارته مزهوا:
- لما كنتُ في عمرك كنتُ أكسِّرُ أكبر رأس في رفاقي، وكانت الناصرة من أوَّلها إلى آخرها تقول: فلان!
فينظرُ إليه الأعرج ويبلغ بريقه متسائلا: متى أصير هكذا؟
وتوثقت العلاقة بين الصديقين على تباعد السنِّ. ولكن الصبي لم يبخْ لكريم بالسر الذي يؤلف مأساة حياته. لمْ يقل لهُ أنَّ عمَّهُ يضربه كلَّ يوم بلا شفقة. بلْ كان يقول، تحتَ سحر العبودية، وحسبَ ما أوصاهُ عمُّه، إنَّه يحنو عليه حُنوَّ الوالد على ولدهِ.
ولما سألهُ كريم عن أبيه وأمِّهِ قال:
- لا أعرفُهما. يقول لي عمّي إنَّهما تركاني طفلا. أتعرفهما أنتَ؟
اِبتسم كريم وأجاب هازُّا رأسهُ:
*166*
- كلا، يا ابني، لا أعرفُهُما.
ذات مساء تأخر الأعرج في سوقِ المعرض. كان لا يزال في صندوقته ثلاث قطع فأخذ يطوفُ بها من رصيف إلى رصيف، بين أخلاط الناس المزدحمين في السوق، مناديا:
كاتو! كاتو!
واذا بثلاثة غلمان حفاة، مُبعثري الشُعور، بارزي الصدور من شقوق قمصانهم المهلهلةِ، يهجمون عليه وقد عرفوهُ. فتراجع إلى جدار وأسند ظهره إليه ووضعَ الصندوقة إلى جانبه، وشمَّرَ عن ساعديه، ونفخَ بمنخريْهِ وصاح بهم:
- تعالوا! اِقتربوا من هُنا!
فقهقهَ الصبيانُ هُزءًا. أما هو الأعرج نفسه؟ أما هو الذي يسلبونه كل يوم ويُشبعونه ضربًا بعد أن يشيعوا بن كاتوياته؟ ها! ها! ها ! ها !. ودنا زعيمهم ذو القمباز المشقوق بين الفخذين. دنا ببطء، برباطة جأش، وهم بإدخال يده في الصندوقة. فما كان من الأعرج إلا أن جمع كفَّهُ اليمنى وأمسك باليسرى ناصية خصمه ثم ضربه بوكسًا على يافوخه فانطرح تحته على الأرض. وقد سبق رأسه رجليه. فهجم الآخران، فأثبت الأعرج رجله الصحيحة على بلاط الرصيف وانهال عليهما، لهذا ضربة على أنفه، ولذاك ضربة على خصيتيه - كما علمه كريم - وأعاد الكرّةَ، فلم يلبثوا أن تفرَّقوا وهو ينظر إليهم ولا يُصدقُ!
حينئذٍ رفع أنفهُ في الفضاءِ، ولبث دقيقة طويلة سكران بالظفر، جامدًا، وإلا دمُهُ يفورُ في أعصابه ويتمشى في جسمه من أمِّ رأسه إلى أخمصِ قدميه. دم جديد قوي، كأنَّ الله خلق الأعرج خلقة ثانية.
ثمَّ انحنى على الصندوقة فتناول قطعة كاتو. ثمَّ تناول الثانية والثالثة، والتهمَها واحدة وراء واحدةٍ، يكافئ نفسه. ومشى يبحث عن الغلمانِ يمينًا وشمالا، وخلفًا وقُداما، ليريهُم كيفَ تؤخذُ الثاراتُ!
*167*
الله من شتاء بيروت! تنصَبُّ الأمطار ساعاتٍ دون انقطاعٍ، كأن الله يفتحُ أبواب السماءِ ثمَّ ينسى إقفالها!
وقدْ مضى موعد الرجوع إلى الكوخ، والأعرجُ ينتظر على ساحة البرج قابعا تحت رفرف دُكان، والسيارات تمر براكبيها ملفّعينَ بالثياب الصوفية الدافئة، وترسل إليه رشاش الوحول - شتائم الغنى إلى الفقر! - فتصبغُ وجهه وتنفذ إلى قطع الحلوى الباقية في صندوقته.
أخيرًا ملَّ الانتظار وحدثته نفسه، سرٍّا، بالصعود إلى الترامواي الذي جاء فوقف على المحطة بالقرب منه. وكان لم يركبه إلا مرة واحدة حينما أنقذه كريم من الصبيان المتآمرين عليه.
نهض، وحمل صندوقته، وقدَّم رجله العوجاء. ولكنه عاد ففكر بعمه إبراهيم. يجب أن يُعطيه الحساب مضبوطا. وإذا نقص ماذا يقول له ؟ أيقول له إنه ركب الترامواي؟ وأوشك الأعرج أن يضحك من نفسه. وسارَ التراموايُ مُسرعا، وهو يرافقه بعينيه حتى توارى عنه في المنعطف. ثم اقشعر بدنه من البرد، ووصلت القشعريرة إلى رجليه الحافيتين، فأخذ ينظر إليهما وقد غسل المطر منهما جانبا، وأحدث في الجانب الآخر سواقي صغيرة.
وجاء الترامواي الثاني، فتمتم الأعرج بشتيمة متحديا الكون! وصعد شادا صندوقتهُ تحت إبطهِ. ولكنَّ قاطع التذاكر ما كاد يراهُ في قذارته حتى دفعه دفعةً، فوقع في الشارع، وجاء رأسُهُ في بركة وسخة، ودخل الماء إلى فمِه وأذنيه، ومرَّتْ سيارة مستعجلة على صندوقته فحطمتها شرَّ تحطيم.
ومرَّ الترامواي بأزيزهِ، ومرَّت السيارة بهديرها، وقام الأعرج كتلة من الأسمال والأوحال. ولكنه لم يبك. لم يحس بالألم. مسح وجهه بطرف قُمبازه، ورفسَ أشلاء الصندوقةِ برجلهِ العوجاء، ومَشى.
هذهِ المرَّةَ، رأى العمُّ إبراهيم من الأعرج ما لم يكن لهُ به عهدٌ. فجُنَّ جنونُهُ وانكبَّ عليه بالعصا يضربهُ دون نظامٍ أينما جاءتِ الضربةُ، ودون حساب على قروش ولا قطع كاتو. ولمْ يعُدَّ الأعرج العصيَّ وقد تجاوزتِ العدَّ. وظلَّ تحتَ الضرب لا يتجعدُ لهُ وجهٌ،
*168*
ولا تنزلُ لهُ دمعة. مع أن العصا جاءت على عييه اليسرى وأورمَتْها فثقُلتْ كقطعةٍ من رصاص.
واعترفَ الصبيُّ بكل شيء: بأنَّهُ ركب، الترامواي، وحطمتِ السيارة صندوقتَهُ، وأكل ثلاث قطع كاتو. وسيأكل كلَّ يوم مثلها وأكثر! حتى مزّق العم إبراهيم ثيابهُ، وودَّ لو يستطيع نهش هذا الأعرج الملعون بأسنانه.
وكان العمُّ إبراهيم يسبُّ الخالق لأنه بلاهُ بالمرض، وهو يزحف في الكوخ على قفاهُ، غارزًا يديه في الأرض، لاحقًا بالأعرج من جانب إلى جانب، كالقطة وراءَ فأرةٍ صغيرةٍ. حتّى تعب أخيرا واستلقى في زاويته...
مرت ساعة، ساعتان، والأعرج لا يُغمض له جفن. وأبى تلك الليلة أن يطفئ القنديل. كان ينظر على ضوئه الشاحب إلى أقسام الكوخ كأنه يتعرف إليه لأول مرةٍ. ثم سمع غطيطًا فرفع رأسه. كان العم إبراهيم غارقا في النوم، والضوء يتماوج على حاجبيه الكثيفين، ولحيته الكثّةِ، وأنفه الطويل، وشاربيه المسترخيين، وذقنه الملتوي. ورأى فمهُ مفتوحا، منفرج الشفتين.
وكأنَّ انفراجهُما حفَّزَ الأعرج، فأزاح الغطاء وركعَ على فراشه يريد الوقوف... يريد الهربَ... بل يريد الانقضاض على هذا العمِّ الوحش بالبوكس - كما علمه كريم - وبالعصا المعلقة هُنا. العصا التي مضى عليها سنون وهي تأكل من جلده ولا تشبع! هذه العصا نفسُها يجبُ أن ترتدَّ على الذي تعوَّد حملها عليه: على قفاهُ، وذراعي، وكتفي، ويافوخه.
وإنَّ الأعرج ليَهُمَّ، إذا بالعمِّ إبراهيم يوقف غطيطهُ فجأةً وينقلبُ على جنبه. فصُعق الصبي في مكانه، وخُيِّل إليه أنَّ عمَّهُ مُطلع على ما يجول في دماغه، وأنه يفتح عينيه، وأنَّ العصا تتركُ الحائط من تلقاء نفسها وتمشي إليه في فراشِهِ...
- يا أعرج الملعونُ!
يا أعرج الملعونُ ! سمع الأعرجُ الصرخةَ تطنُّ في أذنيه فانحلَّتْ عزيمته - عاد إلى ثيابهِ
*169*
العبدُ - وأرخى نفسهُ.
حينئذ دخل من شقوق الكوخ برقٌ هائل ملأهُ، ثم قصفَ الرعدُ قصفات متتابعة، مزمجرةً، بعثَتْ في جسمه رعشة مثلجة، فوطَّنَ نفسه على النوم. ولكن عينيه وقعتا فجأة على صورة رأس الهندي - ماركة إحدى شركات الكار - فوق رأس العمِّ إبراهيم. صورة ما تزال على إحدى خشباب الكوخ جديدة، بارزة، كأنَها محفورة منذُ يومينِ، والريشُ النافر يحيط بذلك الرأس هالةً مخيفةً. فلبث الأعرج محدقا إليها على ضوءِ القنديل المتمايل فوق أمتعة الكوخ العتيقة وعلى حيطانه، ثمَّ قال في نفسهِ: "كمْ هوَ قوي هذا الهندي"!
وقام على الأثر من فراشه كالآلة، لا يخاف ولا يفكر بشيءٍ. ذهب توا إلى العصا المعلقة فوق رأس عمِّهِ وتناولها بيده، وقبضها جيدا، ثم أخذ ينظر إلى شاربي العمِّ إبراهيم يصعدان ويهبطان، ويصغي إلى غطيطه يشتد ويخفت. ثم كشر عن أسنانه كابْنِ النمِرِ، ورفع العصا إلى فوق، بكلتا يديه، وانهال على وجه العم إبراهيم: على شاربيه ضربة، وأتبعها بالثانية والثالثة على الجبين والذقن، قبل أن يستطيع عمُّهُ صياحا. ولما أفاق العم إبراهيم عاجله الأعرج بضربة رابعة وخامسة وسادسة... دون حساب أيضا. وكان العم إبراهيم يعوي تحت العصي المتراكمة عليه عواء الكلب أصابه الصياد خطأ، ويتملمَلُ، و يجدف، ويحاول النهوض، ولكن عبثا. إنه كسيح. وكان يلحق زاحفا بالأعرج من زاوية إلى زاوية لعله ينتزع العصا منه، فيناوله حاملُها الضربة على يدهِ، وعلى رأسهِ، وعلى بطنهِ، فيشتدُّ عواؤُهُ، ويختلط بقصفاتِ الرعدِ في الخارج وقهقهات تنكات الكاز على سطح الكوخ في تلك الليلة الليلاءِ.
وحدث أن العصا لطمت القنديل بينما كان الأعرجُ يرفعُها على العمِّ إبراهيم متراجعا من أمامهِ، فتحطمت بقايا زجاجته، وانقلبَ القنديل على الفِراشِ فاندلق زيتُهُ، فهبتِ النار دفعة واحدة، ونشرت في الكوخ المظلم ضوءًا كبيرا. فكان الأعرجُ أسرع من بروق تلك الليلة. ركضَ إلى الباب وفتحهُ وخرج، ثمَّ حاول إغلاقه، فإذا بالعمِّ إبراهيمَ يهرب من الحريقِ ويهجمُ على الباب فيمسكهُ من حافتهِ، وهو يصرخُ مستغيثًا، لأنَّ الكوخَ
*170*
كان قد تحول إلى أتونٍ. وأخذ الصبيُّ يشد من جهة، وعمُّهُ يشدُّ من جهة، ثم انحنى الأعرجُ على اليدين الضخمتين الممسكتينِ بحافه الباب، وعضهُما عضة ذاق بها طعم الدم، فارتختا، فأقفل الباب بالمفتاح جيدا، وابتعد عن النار وكان لهيبها قد وصل إليه، ودخانُها في أنفه.
وكان بالقرب من الكوخ شجرة من الأزدرخت قديمة العهد، فوقف تحتها يتّقي المطر المتساقط، وينظر إلى الكوخ تتداعى جدرانه، وتندلع منه ألسِنة النيران، وتنقضُّ تنكات الكاز بعضها فوق بعض بقرقعة شديدة.
وأرهف الأعرج أذنيه ليسمع صوت العمِّ إبراهيم. فإذا صوت مثل خوار البقر بدأ قويًّا. قويًّا. ثم أخذ يضعف شيئا فشيئا، ثم عاد إلى الخوار أقوى منه قبلا، ثم هوى الكوخ هويا واحدا، مُحدثا ضجة ارتعدت لها فرائص الأعرج بالرغم من شجاعته وهول ما كان يحسُّ به من نشوةِ الانتقام.
حينئذ مشى إلى الشارع، وهو يُرسل بين الخطوة والخطوة نظرة إلى الوراء ونظرة إلى الأمام، أما الكوخ فقد صار رمادًا بمن فيه. إلا بعض جمرات تطفئها الأمطار على مهل.
وأما الشارع فمقفر، ليس فيه إلا ظل الأعرج يلقيه المصباح الكهربائي المعلّق على محطة الترامواي.
ظلٌّ طويل، مستقيم، كلما تقدم الأعرج في المشي زاد في طوله واستقامته، واختفت منه العرجة. حتى خُيل إليه أن أوله عند رجله العوجاء، وآخرهُ مُعلق بتلك النجمة المرتجفة التي انقشعت عنها الغيوم في أفق السماء!
*171*
مفاتيح النص:
العاهاتُ، الفقرُ، التسوُّلُ، الاستغلال والظلم، الطبقية، غياب السلطة، الطفولة الضائعة، عملُ الاطفال، الدفاع عن النفس، الثقة بالنفس، جبروت ذي العاهة، الانتقام، الوصف التصويري، الوصف الانفعالي، التشرد، غياب الأُطر الملائمة لرعاية المشردين، البعدُ السياسي.
مهامُّ:
1. ما العلاقة بين العنوان الفرعي "كلُّ ذي عاهة جبار" وبين أحداث القصّة؟
2. في القصة شخصية مركزية وشخصيتان ثانويتان. عين هذه الشخصيات.
3. هنالك أكثر من ذروة في القصة. هات مثالا على ذروتين.
4. ماذا يمثل دور العم إبراهيم في القصة؟
5. ماذا يمثل دور صاحب دُكان الحلويات في القصّة؟
6. تصور القطة حاله شريحة اجتماعية مهمّشة. وضح ذلك مستعينا بأمثلة من النصِّ.
7. في القصة حضور جزئي للسلطة. ما هو هذا الحضور؟ وما هي مواضع الغياب؟
8. ما نوع الراوي في القصة؟
9. ما موقفُك من انتقام الأعرج في نهاية القصة؟
10. هاب مثالا على الوصف الانفعالي في القصة.
11. يبرعُ الكاتب في تقديم وصف تصويري سينمائي يصلحُ ليكون مشهدًا سينمائيًّا. هات مثالا على ذلك.
12. ما رأيكَ بلغة القصة والقدرة التعبيرية فيها؟
*172*
*172*
نجيب محفوظ (1911-2006)
روائي مصريٌّ، من أعلام الرواية العربيّة. حائز على جائزة نوبل للآداب عامَ 1988. كتبَ القصة القصيرة والرواية، وقدْ مرَّتْ رواياته بمراحل مختلقة منها الواقعية والرمزية ورواية التجريب الفنيِّ.
تعرض لعدة محاولات اغتيال بسبب روايته أولاد حارتنا التي أثارت حفيظة رجال الدين.
أشهرُ رواياته: الثلاثية، خان الخليلي، زقاق المدقِّ، ميرامار، اللص والكلاب.
ومن مجموعاته القصصية: همس الجنون، دنيا الله، بيت سيء السمعة، حكاية بلا بداية وبلا نهاية.
نجيب محفوظ - بيتٌ سيء السُمعة
كانَ مُنهمكا في عمله عندما استأذنت سيدة في مقابلته. وجلست وهيَ تقولُ:
- صباحُ الخير يا أستاذ أحمد.
سيدة واضحة الكهولة، مقعرة الخدين من ذبول، بارزة الفم، تعكس عيناها نظرة مُتعبة، وتُضفي عليها ملابس الحداد تجهّمًا وكآبة. وسرعان ما أدرك من مطلع حديثها أنها قصدته بأمل أن يُسهل لها الإجراءات الخاصة بمعاشها. وهم بتحويلها إلى مدير المعاشات مشفوعة بتوصيةٍ غير أن لمحة في نظرة عينيها المتعبتين استرعت انتباهه. خُيل إليه أنها ترمقُهُ بنظرة خاصة تراوحُ بين الارتباك والخجل. ما سر ذلك يا ترى؟ هل تعرفهُ؟
*173*
وفي الحال ومضت ذاكرته ومضةً أضاءت غياهب الماضي فهتف في ذهول:
- حضْرَتُكِ...؟
قالت وهي تغضُّ بصرها في حياء وتأثر:
- نعم، ومن حُسن الحظ أني عرفت أن حضرتك مراقب عام للمُستَخدمين!
ولم يكن تذكَّر اسمها، ولكن وثب إلى ذهنه اسم التدليل الذي عُرفتْ به. "ميمي". إن منظرها أكبر من عُمرها. وعمرها لا يمكن اًن يُجاوز الخمسين. ولعلَّهُ من الذوق أن يختلق سببا لعدم معرفتها بالسرعة التي - لا شكَّ - توقَّعَتها. قال:
- كنت مشغولا جدًّا، فنظرت إليه بعينين غائبتين، فلم أعرفكِ...
فابتسمت عن طقم نضيدٍ وقالتْ:
- أنا تغيرتُ أيضا، الضغط ربنا يكفيك شرهُ، والحياة أنهكت أعصابي، لي بنتان متزوِّجتان، وثالثة في بعثة، وعندما وصلنا إلى بر الأمان توفي المرحوم زوجي...
وتبادلا السؤال عن الأسرتين فتردد ذكر من تزوج ومن مات ومن يقيم في القاهرة ومن انتقل إلى الأقاليم، وكان في أثناء ذلك يحاول أن يستحضر صورة ميمي القديمة بصعوبة لا تكاد تُقهر فاحتجَّ مرات على قسوة العبث. وأخيرا كتبَ لها توصية إلى مدير المعاشات وانتهتِ المقابلةُ.
عادَ إلى مجلسه - بعد أن أوصلها إلى الباب - وهو يعيش في حلم. وبحث في ضباب الحلم عن عام. أي عام يا تُرى؟. 1925. عام مليء بالأحداث التاريخية ولكن ميمي كانت أهم من تلك الأحداث جميعا، ميمي وبيتُها العجيب، ومنشية البكري القديمة الراقدة في صحراء البنديرةِ. شارع الملواني، والبيوت الصغيرة ذات الدور أو الاثنين تصطف على جانبيه، ومن أعالي الأبواب الخارجية تتدلى مصابيحُ للإضاءة ليلا. كل بيت ينطوي على نفسه كالسرٍّ. النساء عورة والحب حرام. والزواج إجراء من اختصاص الرجال والعروس آخر من يعلم. غير أن بيت آل حلاوة خرَقَ العقل والمعقول وقام وحدهُ ككلمة متحدية. عُرف بالبيت السيء السمعة وأحيطَ بسياج من الرهبة. ومجرّدُ جريانه على لسانِ صبي أو بنتٍ كان جريرة يستحق من أجلها الزجر. وضُربت حولهُ المقاطعةُ
*174*
كأنه وباء. وحتى اليوم لا يذكرُ إلا مصحوبا بسوء الظنِّ، وبذلك تحدَّد في التاريخ. آهِ.. كيفَ كانَ ذلك؟!
كانت ربّةُ البيت - وهي زوج لموظف كبير - امرأة متبرجةً. تتبدى في الطريق في كامل زينتها
زينبها عارضة حُسنا رائقا رغم بلوغها الخمسين، وهي السن التي انتهت عندها ميمي. وكانت أول امرأة في الحي تُرى سافرة فلا بُرقع أبيض ولا أسود، وقد تصطحب معها بناتها الأربع فتمضي بهنَّ سافرات كذلك، آخذات زينتهُنَّ وهو ما لم يُسمح به لبنتٍ قبل خطبتها. وكُنَّ يذهن مرة في الأسبوع - مع الزوج أو دونَهُ - إلى سينما كوزموجراف، وقد يسهرن في مسرح من المسارح فلا يرجعنَ قبل الواحدة صباحًا. أي امرأة وأي رجل وأي بناتٍ!. والأدهى من ذلك كلِّه أنه كان للأسرة يومُ زيارة تستقبل فيه بعض الأُسر بكامل هيأتها فيختلطُ الجنسان بلا حرج. وكان شُبان الحيِّ يسيرون في جماعات تحت حُجرة الاستقبال المتلألئةِ بالأنوار، يصغون إلى الضحكات المتصاعدة، وعزف البيان، والغناء، وكلما ظهر في النافذة طربوشٌ تبادلوا الغمزات والنُكات وذهبوا في التأويل كلَّ مذهب وتخيلوا أعجبَ المواقف. لذلك كلِّه لم يكن غريبا أن يُذكر بيتُ حلاوةَ مقرونًا بلفظة "دعارةٍ" دونَ مناقشةٍ. وكانت الأسرة على علم بآراء الجيران ومشاعرهم ولكنَّها لم تكترث لذلك أدنى اكتراثٍ، وترفَّعتِ الهانُم عن الجميع وسارت في طريقها شامخه الأنف كأنها من سُلاله غير سلالةِ الحيِّ جميعه.
وكانت ميمي تُرى كثيرا في الطريق أوْ في دُكان الحلوى. تُرى وحيدة وكات صُغرى البناتِ وفي الخامسة عشرة. وكانت جميلة كأخواتها وأُمها وإن لم يَعُد يُذكر من آيِ ملاحتها إلا شعرُها الأسودُ المتجمع في ضفيرتين ريّانتين وعينين خضراوين وغمّازة في الذقن. وكان يسترق إليها نظرات دهشة متسائلة مليئة بحُب الاستطلاع، ولم تَخْلُ أوّل الأمر من ازدراء وسخرية ثم حلَّ محلَّهُما إعجاب وافتتان، فكان يقول لنفسه محزونا: "يا للخسارة!". وشُغف بها وكان يكبرها بعام أو اثنين، واحتفظ بسرِّهِ لنفسه وقطعا للألسنة، وكانَ البعض يغازلُها طمعًا فيها باعتبارها صيدا سهلا، ولكنَّهُ لم يكن عرف الاستغلال قلبُهُ. وذات مساءٍ وهبتْه نظرة على غير انتظار. كانا واقفينِ بدُكان الحلوى
*175*
فوهبته نطرة غير قصيرة أثملتْهُ فترنَّحَ بعيدًا عن تيّار الزمانِ وأفعمَتْ قلبهُ بهجة ظافرة.
فاضَ قلبهُ بسعادة مشرقة اقتلعت منهُ الوساوسَ فلمْ يعُدْ يشتركُ في الأحاديث البهيميّة عن البيت السيءِ السمعة. وآمنَ بأنَّ شعور قلبه الأصيل أخطرُ من جميع ما يُقال. وفي ليالي رمضانَ راحَ يلاعبُها من بعيد بكبريت الهوا فيشعلهُ في الطريق فتشعلهُ بدورها في النافذة. وتواعدا على اللقاءِ عندَ صحراءِ البنديرةِ. ووجد نفسه عند اللقاءِ مرتبكا حقًّا ولكنَّها بادلتهُ التحيّة دون تلعثم وبشجاعة ردَّتْ إليه روحهُ الضائعة. وقالتْ:
- أنت في البدلة أرشق مما تظهرُ في الجلباب وأنا أحبُّ الرشاقة!
وكلُّ كلمه جادَت بها كانت كشفًا جديدًا وجرأة مذهلةً. وكانا صغيرين جدًّا بالقياسِ إلى خلفية الصحراء المترامية وراءَهما ورغمَ ذلك قال في حذرٍ:
- قد يرانا أحدٌ!
- فتساءلتْ:
- مثلُ مَنْ؟
- مِنَ الأهل أو الجيرانِ.
فهزَّتْ منكبيها استهانة وهواء الصيفِ المنعشُ يهفو بضفيرتيْها ثمَّ سألتْهُ:
- ما رأيكَ في حديقة الحيوانِ؟
وامتنع عن تقبيلها تأدُّبًا رغمَ سنوح الفرصِ. وأعطتْهُ رقمَ التليفون ليتّفقا في الوقتِ المناسب ولعلَّهُ ما يزالُ مسجّلا في دفتر المذكراتِ القديم. وسألتهُ:
- هل نذهب إلى الحديقة معا؟
فقالَ برجاءٍ:
- نلتقي هناك ونفترقُ هناكَ!
وتلاقيا عند بابِ الحديقة وكان يومًا سعيدًا. سارا من ممشى إلى ممشى بيدين متشبّكتين.
واستمدَّ من مسِّها تيّارا من الحرارةِ والبهجة والرضا. وسألها كأنما ليطمئِنَّ عليها:
- ماذا قلتِ لماما؟
فأجابت ببساطةٍ:
*176*
- قلتُ إني ذاهبة إلى حديقة الحيوانِ!
فتساءل أحمدُ ذاهلا:
- وحدَكِ؟
فهزَّتْ رأسها نفيًا وقالت بالبساطة نفسها:
- معكَ..
فضحك مُعلنًا عدم تصديقِهِ ولما وجدها جادّة حقًا سألها:
- وهل وافقتْ؟
- نعم!، ولكن دون حماس...
لم يدْرِ كيفَ يُصدق هذا كلهُ أمّا هيَ فاستطردتْ:
- قالتْ لي ابتعدي عن هذا الولد، إنَّهُ كالآخرين، وأهلُهُ كبقية الجيرانِ...
وشعرَ بأنه مُطارد. ووقف طرفه الحائر عند رأس نعامة سارحة في الفضاء من فوق الحاجز الحديديِّ.
ثمَّ قال بقلق:
- إذنْ هي تعلمُ أننا هنا معًا...!
- وراهنَتني على أنَّك ستخيبُ رجائي...
- كيفَ؟
- مَنْ أدراني؟
بل هي تدري ولكنَّها تظاهرت بالاهتمام بالقرود، ثمَّ وقفت فوق قنطرةٍ تتأمّلُ الماءَ المسقوف بأوراق الشجر، واقترحت أن يعدوا حتى الجبلاية ولكنَّهُ شدَّ على يدها قائلا:
- خبريني!
فنطرت في عينيه بجرأةٍ وقالتْ:
- أنتَ لا تُصدقُ أنها تعرفُ أنَّنا هُنا معا، ولكنَّكَ تثلم بزواج أخيكَ الأكبر من ثلاث في وقتٍ واحدٍ!
فاحمرَّ وجههُ وقال:
*177*
- هوَ حرٌّ...
- لا تغضبْ من فضلك، فغضبكَ يُؤكدُ ظنَّها، هل عرفت الآن ما سألتَ عنهُ؟
وداخلهُ حُزن. الواقعُ فاقَ ما تخيَّلهُ. إنَّهُما من عالمينِ بعيدينِ. ورغمَ ذلك ازدادَ بِها هُيامًا.
ثمَّ تساءل بصوتٍ منخفضٍ:
- وكيفَ وافقت على هذا اللقاءِ؟
- لمَ لا؟،هوَ عيبٌ؟!
ولمَ ينبسْ فسألتهُ بسخرية خفيفةٍ:
- ولم وافقت عليه أنتَ؟
فلمْ ينبسْ أيضًا فسألتهُ:
- أيجب أن نفترق؟!
فاستعطفَها بحرارة لتعود إلى الرضا وقال معتذرا:
- لا تغضبي، أنا أخطئ كثيرا وعذري أني أقابل بنتًا لأوّل مرةٍ!
فرمقته بتوجًّسٍ وتساءلت:
- وماذا تظنُّ بي أنا؟
فبادرها تجنبًا للمضاعفاتِ:
- كلَّ خير، أنا..، أنا أحبكِ يا ميمي...
وابتسمتْ. ومضت به إلى أريكة تمتد أمامها هضبة معشوشبة تناثرت في جنباتِها مجموعاتٌ من البشر فجلسا جنبًا الى جنب صامتينِ، حتى قطعتِ الصمتَ قائلةً:
- حدِّثني عن مستقبلك...
وتحدَّث عن مُستقبل مُشرق من خلال كليةِ الحقوق وإن يكُنْ أوشكَ أن يختمَ حياتهُ مُراقبًا للمستخدمين لا مُستشارا في النقضِ كما حلمَ، فقالتْ:
- هذا جميل حقًا، ولكن ماذا عني أنا؟
ووجد نفسهُ في القفص كالحيوانات التي تحيطُ به من كل جانب فقال في اقتضابٍ شديدٍ حدَّدتهُ الرهبةُ:
*178*
- الزواجُ...!
فابتسمتْ وهي تحوِّل وجهها عنه مادةً بصرها إلى قمّةِ الهضبة الخضراءِ وقد غابتْ عنْ مسمعه ضجة الأصوات الآدمية والحيوانية، ثمَّ قالت وهي ما تزال تنظرُ إلى بعيد:
- ولكنْ أمامَنا أعوامٌ طويلةٌ!.. كيفَ...؟
فقال وهو يتلمَّس متنفسا.
- لابُد من الانتظار حتى أنتهي من الدراسة...
- سأنتظرُ بكلِّ سرور، ولكني في حاجة إلى شيءٍ يبرزُ انتظاري أمامَ الآخرين، أي شيءٍ، ارتباط من أي نوع؟!
تخيّلَ طلبهُ الارتباط ببنت من البيت السيءِ السمعة بتعاسةٍ ورعبٍ، وانعقد لسانُهُ فلمْ ينطقْ...
ماذا قلتَ؟
- من العسير حقا أن أطلب ذلك الآن...
- ألا تقدم على هذ ه الخطوة من أجلي؟
فتنهد بصوتٍ مسموع وهو يشعر بأنهُ جرى مرحلة طويلة من التاريخ دون توقفٍ، فقالت بحدةٍ:
- أنتَ لا تريد، ليس عندك الشجاعة الكافية، أبيتُنا مخيف إلى هذه الدرجة؟
- لا.. الأمرُ وما فيه...
- لا تكذب، أنا أعرف كل شيء، وماما لم تُخطئ، وشارعنا كلُّهُ سخافة في سخافة، ونحن أشرف من الجميع، يجب أن تعرف ذلك...
فهتف متألما:
- إنك تسيئين بي الظن، أنا في حاجة..، أرجو أن تقدّري موقفي، أعطني...
- لا داعي لهذا الارتباك كلِّهِ، لنَنْسَ كلَّ ما قيل، كلُّه مخيفٌ من أوّلهِ إلى آخرهِ...
- لكنني أحبك، ليكُن الأمرُ سرًّا بيننا حتّى...
- نحنُ لا نحبُّ السِرَّ!
*179*
- حتّى أقفَ على قدميَّ!؟
- لن تقف على قدميك أبدًا...
ثمّ وهي تكادُ تمزِّقُ منديلها الصغير من الانفعالِ:
- أعوذُ بالله!، أنا لا أحترم أحدا في شارعنا!.. بلا استثناء... بلا استثناء...
هكذا انفصلا إلى الأبد.
وكان يستقبل سيلَ الذكريات وهو ينظر إلى الكرسيِّ الذي طالعتهُ منهُ بوجه لا يحفظُ من ماضيه إلا أضعف الأثر. أرملة أضناها التعب والحداد ولكنَّها معتزة بانتصارات حقيقية. وحوَّمَت حوله الذكريات كأسراب من البنفسج. تذكر كيف تزوجتْ بناتُ البيت السيء السمعة واحدة بعد الأخرى رغم ما سُمع مرارًا وتكرارًا بأنَّهنَّ بنات لم يُخلقن للزواج ولن يسعى إلى الزواج منهن أحدٌ. وكلّما جاءه نبأٌ عن توفيقهنَّ في زواجهنَ ذُهل واختلّتْ موازينهُ...!
ومضى إلى بيته بعد ميعاد انتهاء العمل الرسمي فتغذى ونام ليستعدَّ لسهرةٍ في الأوبرا دُعي إليها هو وزوجته وبناته الثلاث. وكان الداعي زميلا لكبرى بنايه الموظفة في إدارة الترجمة بالوزارة وقد قبل الدعوة رغم أن الداعي لم يرتبط بكريمته بأي ارتباط بعد!...
وعند المساء خلا إلى نفسه في حجرة مكتبه على حين نشطت الزوجة والبنات للاستعداد لسهرة الباليه المنتظرة. عما قليل يتبدينَ في صورة كاملة من الزينة والأناقة ثم يتقدمنهُ تحت الأضواء والأنظار ترمقهنًّ بإعجاب!. ولم يكن غريبا أن يستخرج دفتر مذكراته القديم من الدرج الخاص بالأوراق الثمينة كعقد ملكية الأرض وبوليصة التأمين. وكان اعتاد على عهد المراهقة - وهو عهد كان يحلم فيه بعرش الزجل! - أن يسجِّل أحداثه العاطفية والاجتماعية يوما بعد يوم. وفَّر صفحاتِه ليرجع إلى عام 1925 وما حواليه. حتى رقم التليفون وجدَهُ. وبدافع لم يعرف كُنههُ امتدَّتْ يده إلى قرص التليفون فأدارتِ الرقم القديم. وجاءَهُ صوتٌ:
- آلو؟
فسألهُ وهل يبتسم في عبثٍ:
*180*
- بيتُ حلاوةَ؟
فأجاب الصوت بخشونة:
- لا يا سيدي.. هنا محل الطمبليِّ لبيعِ الخيشِ...
مفاتيح النصِّ:
الإشاعاتُ، الأفكار المسبقة، تقييم الظاهر، التشهيرُ، الانفتاحُ الاجتماعي، المحافظة
والتقاليد، الاختلاطُ، استقلالية القرار، التأثيرُ الجماعيُّ، نظرة المجتمع، بناءُ الأسرة،
التفاهم، تخطيط المستقبل، الاسترجاع الفنيُّ، المذكراتُ، الماضي الحاضرُ من جديدٍ.
مهامُّ:
1. هل كان هنالك بيت سيء السمعةِ في رأيك؟ علل.
2. ما هي أهمية اللقاء بين أحمد وميمي في الحاضر والماضي؟
3. أي الشخصيتين تتفق معها في وجهه نظرها تجاه الشخصية الأخرى؟ وضح.
4. قارن بين ما حدث مع عائله أحمد في نهاية القصه وما حدث بين أحمد وميمي في الماضي؟
5. ما هي أهمية الاسترجاع الفني في تبئير القصه؟
6. تحدث القصة في سنه 1925. هل تتشابه أحداثها مع ما يحدث في أيّامنا؟ وضِّحْ.
7. قاد ميمي لأحمدَ: "نحنُ أشرفُ من الجميع". هل توافقُها على ذلك؟ علل.
8. تنتهي القصةُ بروح من الدعابة الساخرة. ما المقصود بذلك؟
9. ضع عنوانا آخر للقصة مبرّرًا اختياركَ.
10. تحدث عن ظاهرة اجتماعيه سلبيةٍ ذُكرت في النصِّ.
11. هل تنتمي القصّة إلى التيار الواقعي في كتابات محفوظ؟ علّلْ.
*181*
*181*
سميرة عزّام (1927-1967)
كاتبة وصحافية فلسطينية ولدت في عكا. لقبت برائدة القصة القصيرة في فلسطين. مارست مهنة التدريس ثم درست اللغة الإنجليزية وأجادتها إجادة تامه. هاجرت إلى لبنان مع قوافل اللاجئين بعد النكبة الفلسطينية عام 1948 تزوجت عام 1957 من الاديب يوسف الحسن في بيروت. تعاقدت مع إذاعتي بغداد والكويت حيث شغلت منصب مراقبة ومعدة البرامج الأدبية بين عامي 1957 – 1959 أنتجت سميرة عزام خمس مجموعات قصصية، وأكثر من اثني عشر كتابًا مترجمًا من الإنجليزية إلى العربية، بالإضافة إلى دراسات أدبية ونقدية نشرتها في مجلة الاسبوع العربي البيروتية توفيت إثر نوبة قلبية مفاجئة وهي في سيارتها، وقد دفنت في مقبرة الشهداء في بيروت. أشهر أعمالها: الظل الكبير، أشياء صغيرة، الساعة والإنسان.
سميرة عزام - عالم اخر
في إحدى السيارات الواقفة صفًا في جمرك (درعا) تنتظر تفتيش رجال الجمرك السوري تكومت العجوز تحت بطانية رمادية وقد أخذها بعض قلق فراحت تدير رأسها وتحملق من خلال الزجاج الخلفي للسيارة ترقب المفتش السوري الاشقر وهو يدير عينيه بين الحقائب، ويمد إصبعه إلى واحدة ما كانت تنغلق لولا الحبل الذي شدت به، يفحص محتوياتها... وتنقر العجوز بإصبعها على الزجاج فيوافيها السائق فتسأله:
- يا ابني ماذا يريد هؤلاء منا؟
- لا شيء، يؤدون وظيفة ثم يتركوننا...
*182*
- هل عبثوا بالسّل؟
- سألوني عما فيه فقلت بيضًا مسلوقًا وكعكًا محشوا بالتمر وصنوبرًا ألم تعددي عشر مرات محتوياته أمامي؟
- نسيت يا ابني البنُّ البن فهو هناك شيء نفيس، أعز من الذهب أخذت منه لماري قدر (كيلوين) فماري تحب القهوة، كانت لا تفتح عينيها في الصباح الا وفي يدها عود الكبريت تشعل به البريموس وتصنع القهوة وتقدم لي ولإخوتها ثم تشرب وحدها بقية (الغلاية).
اه..
وتنهدت العجوز ومسحت بطرف شالها الاسود دمعاً تشربتها حفائر وجهها العتيق وانتهى التفتيش وعاد السائق إلى مقعده فشد اللبدة الصوفية التي غطى بها رأسه وأدار محرك السيارة فانطلقت تطوي الطريق الصحراوي الذي تبدأ معه نقطة الحدود الاردنية...
وسألت العجوز وهي ترفع أصابع معروقة يابساً فترسم على وجهها الصليب ثلاثا.
- بعد كم من الساعات نصل؟
وتسمع السائق يجيبها دون أن يحول عينيه عن الزجاج:
- نحن في الواحدة ظهرا قد نصل عمان في السادسة مساءاً إذا سهلت، الا مور وإذا لم يؤخرنا تفتيش الشرطة الأردنية في (الرمثة).
- هل يفتشون هم أيضًا؟
- واجبهم.
- إذن حاول يا ابني ألا تدعهم يفتحون السل قل لهم أني أحمل فيه لماري بي...
- بيضًا مسلوقًا وكعكا بالتمر وصنوبرا وقهوة.
- وتفاحا وبعض ملابس ملابس أولاد، بذلة لكريم ومثلها لإلياس وجاكيت حمراء لعبد النور، لا أدري لماذا أجد عبد النور أحب الثلاثة إلى نفسي، ألأنَّ
اسمه كاسم جده والد عبود. لقد ولد قبل عام في موسم الميلاد فعرفنا من الإذاعة أن ماري ولدت، أنا ما سمعت
*183*
الرسالة، سمعتها صديقة فأخبرتني، فبست الأرض مرتين حمدا على سلامتها، ثلاث ولادات وما من أحد قربها، حماتها ماتت وأمها واحسرتي بعيدة. سيع سنوات مرت على فرقتنا، تركتها عروسا فصار لديها كريم وإلياس وعبد النور.
سبع سنوات عمر يا ابني عمر، وما استطاعت أن تترك الناصرة إلى القدس لترانا فهي إما حامل أو نفساء، جاء زوجها مرة فسافر ابني عبود ولاقاه في القدس فأخبزه زوج ماري أن أخته غدت نحيفة، وأن شعرات بيض قد تسللت إلى رأسها، مسكينة ما آن أوان شيبها فما عمرها حتى تشيب؟ إن من هي في سنها من البنات ما زلن بلا زواج، هي في السادسة والعشرين أو دونها بقليل أصغر من عبود ابني بعامين وعبود لم يتزوج بعد وماري صار لها ثلاثة أولاد كريم و..
- وإلياس وعبد النور واسم الاخير كاسم جده..
- عافاك يا ابني فذاكرتك طيبة إنه الشباب، الشباب كنت قبل أن أشيخ وتنحني قامتي، أحفظ تواريخ أبناء الطائفة، متى ولدوا ومتى تزوجوا ومتى ماتوا، كان الناس يسمونني الدفتر فأين أنا اليوم من زمان اللهم يا ابني يبلد الذهن ويمسح العافية، كنا في يافا أتعرف يافا؟
كان بيتنا في (درج القلعة) وكان لنا بيارة برتقال ثمرها لامع كالذهب موصوف بالحلاة كنا من الاوادم، بيتنا (مضافة) وزوجي مختارا، هذه العادة يا ابني، المختار يستضيف الاغراب وكنا نطبخ وننفخ وما تنقطع عن بيوتنا رجل يوم تزوجت ماري نام في بيتنا عشرون نفرنا أو يزيد فراش كثير والخير من خيرك وأواني النحاسية كان جد عبود قد أحضرها من الشام فطارت الدار والبيارة والفراش والنحاس. لدي الآن فرشتان وقدران وطاولة صنعها عبود قبل أن يسافر إلى الصحراء وأعيش في غرفة واحدة إيه، حال الدنيا..
رويدك يا ابني لقد أوجعت عظامي ترانا وصلنا ما تكون هذه الدور...؟
- هذه ليست عمان إنها... (الرمثة).
- آه هنا يفتشون...؟
*184*
ووقفت السيارة وقفز السائق حاملا الجوازات ليفتحها موظفو النقطة وعالجت العجوز النافذة حتى انفتحت فمدت رأسها تستنشق الهواء وتنادي على الشرطي النحاسي الوجه ذي الكوفية الحمراء وتحاكيه بما يشبه الهمس..
- يا ابني السل الذي في مؤخرة السيارة لي سأوفر عليك عناء التفتيش فأقول إن فيه بيضا ملونًا و..
- بيضًا ملونًا؟
- أجل إنني مسافرة لملاقاة ماري التي ستحضر من الناصرة إلى القدس، لقد ظننت أن البيض المسلوق..
- قد تشتهي ماري أكله مقليا فكيف سلقته...؟
وابتسمت العجوز ابتسامة أثرية وقالت:
- لقد ذهب فكري بعيدا، قلت لنفسي إن الهز لا يدع البيضات سالمات فتتكسر ويتلوث بها الكعك والصنوبر والملابس يقولون الملابس عزيزة هناك، فهل سمعت شيئا من هذا؟ والبيض يا ابني مقطوع، هكذا فهمت من أناس ذهبوا إلى القدس في العام الماضي واللحلم أيضا نادر...وكنت أحب لو أحمل لها لحما غير أنني أخشى أن ينتن. قلة الأكل لا تهم. والسلامة أصل الصحة يا بني. وما دامت ماري وزوجها وأولادها بخير، فألف شكر لله، نحن أحسن من غيرنا وغيرنا أحسن منا... المال يعوض والدور تعود ما دام الرجال موجودين وللظالمين يوم، إن طلة عبود على البيت تنسيني الدموع والشقاء والهم الطويل، وما حسرة في نفسي إلا فرقة ماري. سبع سنوات يا ابني تركتها عروسا فصار لديها كريم وإلياس وعبد النور وبلعت العجوز بقية كلامها حين لمحت السائق عائدا فأدخلت رأسها وسوت من وضع البطانية وراحت تقضم كعكة أخرجتها من حقيبتها..(يا كريم) وتسير السيارة...
- يا ابني أتعرف بيت جبران الصايغ في عمان...؟
- لا أعرفه.
- إذن كيف تقول إنك تذهب إلى عمان بين يوم ويوم؟ لابد أنك تعرفه.. جبران له محل
*185*
قماش في شارع... آه نسيت انتظر يا ابني حتى أفتش على العنوان الذي كتبه عبود على ورقة آه هي ذي خذ واقرأ خذني إليه فسأبيت ليلتي هناك، فالرجل، نسيبنا وزوجته صديقة ماري، منذ كانتا تذهبان إلى مدرسه الراهبات معا. جيل واحد. أتظنه يضل فاتحا دكانه حتى نصل...؟ مالك لا ترد...؟ يلوح لي أنك تعب.. معك حق.. لقد تكسرت عظامي من سفرة واحدة فكيف بي لو كنت أسافر مثلك ثلاث سفرات في الاسبوع؟ هذه السفرة لم تكن بخاطري، لولا الضرورة آتي ماشية على قدمي ولا تفوتني...لو كنت والدا لعرفت لهفة الامهات.. ما أعز من الولد يا بني إلا ولد الولد. إن قلبي يطير وما أريد شيئا أكثر من أن تنقضي الليلة بسرعة. وأجد سيارة تحملني إلى القدس وسائقا ابن حلال مثلك. سأقبل ماري فلا أشبع وأشمها فلا أكتفي وأسألها حتى يجف ريقي. سأسأل عن يافا فقد تكون زارتها. ترى كيف صار بيتنا؟ أما يزال قائما...؟ من من قومنا هناك ومن نزح منهم وبيارتنا هل ذاقت من برتقالها؟ والكنيسة؟ أما زال راعيها الخوري إبراهيم. وصواحبي سارة وأم جميل ومريانا.. أما زلن من بنات الحياة؟
وتبدأ أم عبود تؤرخ سارة و أم جميل وماريانا وما تكاد تنتهي من قصة الثالثة حتى تأخذها سنة من النوم فتلوي رأسها على كتفها وما تستفيق إلا حين هزها السائق ساعة بلغت السيارة دكان جبران ففتحت عينيها مذهولة ثم انتفضت وتلفتت إلى وراء لتتأكد من سلامه السل.
في القدس وأمام بوابه (مندلباوم) جلست أم عبود على حجر تكاد تضيع بين زحمة الوجوه ونداءات الباعة وصياح المتجمهرين ومناداة حاملي المسابح وبين أكداس الصور والسلاسل. تمر بها الوجوه المشتاقة فكأنها جميعًا وجه واحد. عيون تفتش ورؤوس تتعالى وراء الأكتاف.. في هذه اللحظة يطل القادمون من الارض السليبة ويدوسون بأقدامهم أرضًا أردنية فتتلقفهم لهفة المنتظرين وتختلط الشهقات، فكل رأسين عناق،
*186*
وماري متى يأتي دورها؟ من يجيء أولا؟ أهل يافا أم أهل الناصرة أم أبناء حيفا؟ يجب ألا تتأخر ماري فقد نفذت طاقة العجوز.. تعبت رجلاها وجف حلقها وبدأت تجوع.
- يا رجل (وتمسك بطرب رداء قروى واقف أمامها ) تنَّح فاًنا أود أن أرى ماري. ماري ابنتي التي ستحضر من الناصرة إذا سمعت اذا سمعت أحدا يسأل عن أم عبود فقده إلي، لولا السل لاخترقت الصفوف، من يطيق الانتظار وماري وروحها وأبناؤها الثلاثة خلف الحاجز؟ ويعلو الصياح فيسمع صوت أم عبود وتتشابك النداءات وتمضي العيون تبحث في حملقة عن أحبابها. دموع وقبلات وقبل ودموع. وشهقات تشتد وماري، ماري لم تظهر لم تأخرت ماري؟ أما أطلقوا أبناء الناصرة؟ متى يأتي دورهم يا عم؟ تقول خرجوا؟ لا ما خرجوا بعد ولا فأين ماري؟ من رأى منكم ماري فليقل لها إن أمها تنتظر. أرأيتموها؟ لا هي بالطويلة ولا بالقصيرة شعرها عسلي ووجهها أبيض ومعها رجل وثلاثة أولاد، ماري، ماري، ماري.
وأفاقت من غشيتها لتجد رجلا ناصريًا كلفته ماري بأن يحمل سلاما لأمها وأن يهون عليها عدم مجيء ماري، فقد مرض زوجها ويعدها بأن تأتي ماري فتلاقيها بعد عام.. وكانت العجوز تلوك كلامها وهي تمسح دموعها بطرف الشال الأسود.. خذ السل يا عمي خذه، الفساتين لها والفانيلات الصوفية لزوجها.. والباقي للأولاد... الجاكيت الحمراء لعبد النور.. خذه وقبّل رأسها عني وقل لها على لساني بعد السلام إنني إذا عشت عاما آخر فآتي إليها زاحفة على قدمي.. وإذا عاجلتني رحمة الله. فلن أموت إلا بحسرتين: حسرة بلدي، وحسرة ماري وقبلة على خدها!
*187*
مفاتيح النص:
النكبة اللاجئون في الشتات، موتيف السفر، معاناة المعابر، الشوق والحنين للوطن، هموم ومأساة إنسانية، التواصل بين الخارج والداخل، التواصل بين الاجيال، رمزية القدس، الجوع والفقر، الذكريات واسترجاع الماضي، يافا والقرى المنكوبة، فلسطينيو الداخلي، النهاية المفتوحة، اللا بطولة.
مهام:
1. أين تسكن أم عبود؟ وإلى أين سافرت؟
2. ما الغرض من سفر أم عبود؟
3. السفر موتيف بارز في القصة الفلسطينية. كيف ينعكس هذا الموتيف في النص؟
4. تؤكد القصة على أهمية التواصل بين عدة أجيال من الفلسطينيين. وضح ذلك.
5. كيف أثرت أحداث النكبة على حبكة القصة؟
6. لم تحضر ماري لكن الكاتبة أبقت النهاية مفتوحة. ما الغرض من ذلك؟
7. هل يمكن اعتبار البطولة سلبية في القصة؟ وضح من خلال التركيز على هدف الشخصية المركزية.
8. ما الغرض من استخدام الاسترجاع الفني في القصة؟
9. ركزت الكاتبة على سلة البيض في اًكثر من موضع - ما هي رمزية البيض في نظرك؟
10. ما هي رمزية القدس كفضاء للالتقاء؟
11. هاتِ مثالا على المونولوج في القصة، مبينا الغرض من استخدامه؟
12. ما هو نوع الراوي في القصة؟
*188*
*188*
هيفاء بيطار (1960)
قاصةٌ وروائية سورية ولدت في اللاذقية، وتعمل طبيبة اختصاصية في أمراض العيون. عضو اتحاد الكتاب العرب منذ عام 1994 وحاصلة على جائزة أبي القاسم الشابي عن المجموعة القصصية الساقطة عام 2002 تمتاز بغزارة الأعمال القصصية والروائية وبطرحها الجريء والاستثنائي للواقع بصورته الحقيقية وخاصاً حين تتحدث عن قضايا المرأة وهمومها في الشرق تطرح هيفاء بيطار قضية المرأة ضمن منظور مجتمعي وتسعى دائما إلى طرح إشكالات اجتماعية تتعلق بالمنظومة الأبوية والمنطومة الفكرية لهذا المجتمع. من أعمال هيفاء بيطار: ورود لن تموت (1992)، قصص مهاجرة (1993)، أفراح صغيرة أفراح أخيرة (1996)، الساقطة (2000)، امرأة من هذا العصر (2006)، هوى (2007).
هيفاء بيطار - موت البجعة
لقد وهبها الله جسدًا له طراوة ورشاقة مميزتان، وكان يخيل لناظرين أن هذا الجسد البديع خالٍ من أية مادة قاسية، ليس في هيكله عظام، كانت تملك ليونة ناعمةً محببًة هكذا كانت فاتن منذ طفولتها، ابنة عائلة مميزة، من تلك العائلات الأرستقراطية التي تقدس الطقوس، وتحترم مواعيد الطعام، ويعطي أهميةً بالغةً لربطات العنق وللقبعات الفاخرة، ولرحلات الاستجمام وشراء الثياب والعطور الفخمة من اوروبا... وفي المدرسة الإنكليزية في الرياض تلقت فاتن دروسها، وفتحت موهبتها كراقصة باليه
*189*
متميزة، حتى أن مدرستها الإنكليزية أبلغت الإدارة أن هذه الفتاة معجزة في رقص الباليه، وهي لم تكمل، الثامنة من عمرها، وسر الاهل لتفوق فاتن، فالباليه من المواهب الراقية التي تليق بالعائلات الأرستقراطية وفي الفيلا الفخمة المسورة كانت فاتن تلبس ثياب الباليه، وتصير فراشة، تطير من غرفة إلى غرفة، أو زهرة تتلوى على أنغام الموسيقى، كانت تذهل أهلها وزوارهم الكثر بليونه جسدها وطراوته، وتعبير وجهها المسافر بعيدا إلى فضاءات لا يحلمون ببلوغها، كانت تبكي أحيانا وهي تؤدي رقصتها بكل أحاسيسها، ذلك أن جسدها كان كتله من الاحاسيس، لكأن طبيعته العادية في طريقها للعبور إلى طبيعة سديميه (السديم: الضباب الخفيف) روحية، كانت قادرة أن تتوحد (تتوحد: تتّحد وتصبح جزءاً منه) مع اللحن، فيصير جسدها رمزا أسطوريا.. وحين بلغت فاتن الثانية عشرة، رشحتها مدرستها الإنكليزية - المتخصصة في تدريب الفتيات الموهوبات في رقص البالية - للاشتراك في مسابقة عالمية لرقص الباليه في باريس ولم تصدق فاتن أن جسدها يملك كل تلك الطاقات المخزونة، وأنها مبدعة وقد تصير لها شهرة عالمية، وكادت تطير في شوارع المدينة، ودت لو ترقص لكل الناس ساعات وأياما، بل عمرها كله، وأحست أنها كالعصفور الذي يغرد ويطرب الناس جميعًا. لكنها أطرقت بأسى وهى تعرف أنها لا تستطيع أن تخرج خارج الفيلا الفخمة.. لكن، حدث ما لم تتوقعه أبدا في حياتها، ذلك أن للآسر الراقية طقوسها وقوانينها، فقد استدعاها والدها إلى مكتبه، وكان منشرحا ومرحا، وأخذ يدردش معها في مواضيع شتى، وتلوى حديثه حتى وصل إلى موهبها الفذة في رقص الباليه، وذكرها كم شجعها، ثم حكى لها عن أيام دراستها في واشنطن، كيف كان يستهويه شيئان لا ثالت لهما! الاوبرا والباليه. كانت تنصت سعيدة وهي تتأمل هذا الرجل الارستقراطي الناجح واللبق بفخر وحب، وصمت قليلا وقد أتخذ وجهه تعبير من يفكر بعمق وقال لها: ولكن يا فاتن يجب أن نفكر بعقل.
واتسعت عيناها بدهشة وسألت بآلية: في ماذا؟
قال بلباقة أمير من القرون الوسطى: أنت فتاة ناضجة الآن، ورقص الباليه قد يكون له
*190*
تأثيرات سلبية عليك..
ما كان بخار الالم قد بدأ يتكاثف غيوما في عينيها بعد، ذلك أنها لم تفهم تماما ما يريده الرجل الذي يفكر بعقل!
سألته: ماذا تعني يا أبي؟
ورد مرتبكا رغم مداريته لمشاعرها وتظاهره بالمرح: أظن أن والدتك توضح كل الموضوع بأسلوب أفضل مني، ترك كلامه غباشه أمام نظرها وتشويشا لذهنها، ولازمها طنين أو دوخة في أذنها كصوت مذياع غير واضح، ورقصت في ذلك اليوم رقصة البجعة التي نازعت طويلا ثم ماتت، وحين استلقت على الارض في نهاية الرقصة كانت تبكي دموعا مرة للمرة الاولى، ذلك أن وجهها الطفولي الخام(جعلها تدرك أنها ستكون قريبا تلك البجعة التي ماتت.. وحضرت السيدة الراقية تحتضن ابنتها، وأحكمت إغلاق الباب وراءها بحذر، كأن هناك من يتنصت عليها، وابتدرتها أمها بابتسامة مرسومة بدقة على وجهها ذي البشرة الحريرية من تأثير مساحيق العناية بالبشرة الطبية والغالية، قالت لها: فاتن أظن أنك ستفهمين كلامي، وأظن البابا مهد لك بحديثه عن سلبيات رقص البالية. سكتت قليلا وهي تتأمل وقع كلامها على الوجه الطفولي المجهول، ثم أخذت نفًسا عميقا وتابعت بدقة: لقد صرت صبية يا فاتن، والباليه بحركاته الواسعة والعريضة، قد يعرضا الفتيات لمشكلة في غاية الخطورة وارتجفت فاتن من الذعر وردت بآلية: الخطورة؟..
تابعت الام: أجل يا عزيزتي، أنت تعرفين أن شرف الفتاة هو أهم شيء على الإطلاق، وأن الرياضة العنيفة، وكذلك رقص الباليه، قد يجعلانها تفقد هذا الشرف الثمل... ضحكت فاتن ببراءة وقالت: أوه يا أمي أتخيل الذهن والالماس بكلمة ثمين.. ابتسمت الأم وداعبت رأس فاتن وقالت: بل أثمن بكثير من الذهب والالماس، إنه لا يقدر بثمن. قالت فاتن قلقه: ماذا تعنين بكلامك يا أمي، إنك تشوشينني، ماذا تقصدين؟! ردت الأم بحزم. فاتن أنت صبية، بعد سنوات ستصيرين زوجة، ولن تترك هواية الباليه تفقدك شرفك أوه ألم تفهمي بعد...؟
*191*
وهوت راقصة الباليه التي لم تكمل الثالثة عشرة، وتحولت لهلام (مادة بروتينية شفافة) ملتصق على البلاط الرخامي وانسكبت دموعا غزيرة على الوسادة الصماء وشهدت رسوم ورق الجدران الفخم اختناق موهبة رائعة واستنجد الجسد الطري المعجون بالموسيقى، يستجدي أصحاب العقول الراجحة كي يسمحوا له أن يعيش إحساسه وإبداعه، وأن ينمو ويحلق في سماء الفن، ولكن العائلات الارستقراطية تتبع أسلوب العقل والإقناع، والاحتلال، بهدوء وسلاسة، ولين مبطن بصرامة كالحديد. خنقت فاتن بحديث العقل، بمنطقه المحكم، كسلسلة حديد مقفلة، وصارت تتوه بأفكارها، وعقلها يتوقف عند ذلك الشيء الذي لا يقدر بثمن، والذي هو أغلى من كل مجوهرات الارض، والذي يمكن أن تخسره برقص الباليه!! ولم يعد جسدها فراشه ولا عصفورا ولا عطرا ولا موجه ولا غيمة، واستمرت حياتها تتتابع بكآبة لطيفة محايدة وقد استسلمت لحكمة العقل، ورغم الاوقات التي كانت تبكي فيها بحرقة (ألم حارق) لاذعة، إلا أنها كانت تخشى ان تخالف حكمة العقل الذي يقدر الامور أفضل منها، وهى المراهقة القاصر.. واعتبرت المدرسة الإنكليزية انسحاب فاتن من فرقة الباليه جريمة وليس مجرد خسارة وفشلت جهودها في إقناع فاتن بالعودة إلى الرقص كان جواب فاتن الوحيد نطرة شاردة حزينة وأحيانا كانت تجتر بلسانها فقط كلام أهلها الرزين الذكي والخانق. ولأن الإنسان يخلق الأمل دوما، أو هو الحيوان الوحيد الذي ابتدع شعورا اسمه الامل، فقد انتظرت فاتن أن تتزوج زوجا يقدر موهبتها، ويسمح لها أن تمارس رقص البالية، وكان لها ما أرادته وتحققت المعجزة، وتقدم لخطبتها شاب عربي عاش كل حياته في أوروبا، وله ولع غريب برقص الباليه والرقص التعبيري، وحين رقصت أمامه لم يصفق أن حبيبته تملك تلك المرونة الهائلة، ووعدها أنه سيقبل بشرطها الوحيد، ويتركها تمارس الرقص بعد الزواج، وسيكون فخورا أن تشارك زوجته في المسابقات العالمية لرقص الباليه، بعد أن تقدم له ذلك الشيء الذي لا يقدر بثمن! وعادت فاتن تنتعش وتزهر وتورق من جديد، وتألق وجهها بسعادة الإبداع
*192*
والانطلاق وتم الزفاف بأفخم أشكاله وكما يليق بأبناء العائلات التي تحترم الاصول والتقاليد، وتتباهى في البذخ وتقدس الشكليات وسافر الزوجان إلى لندن لقضاء شهر العسل، وكانت المفاجأة التي حضرها لها زوجها رائعة فعلا، فقد قدمها لأشهر مدرسي رقص الباليه في لندن، ورقصت فاتن أمامه، وأكدت لها المدربة أنها يمكن أن تكون من أشهر راقصات العالم على الإطلاق فيما لو تدربت بانتظام، ولكن الزوج أجاب بابتسامة حضارية أنهما سيرجعان إلى الوطن بعد شهر بعد خمسة أشهر حملت فاتن، وأسعدها الحمل بقدر ما سبب لها غربة عن ذاتها، لأنها ستبتعد عن الرقص، لكن زوجها أكد لها أنه لا يمانع أن تتدرب على الرقص بعد الولادة وأنجبت بنتًا حلوة، انصرفت لتربيتها، وبعد أشهر استعاد جسدها وضعه الاول المثالي للرقص، وحين همت بالانتساب لمعهد رقص الباليه، دعاها زوجها إلى عشاء رومانسي في مطعم لا تقصده إلا الآسر العريقة والتي تجيد التحدث بلغة العقل وبعد أن شرب نخب أحلى! زوجة وأجمل أم، وأروع راقصة باليه، وبعد أن تغزل طويلا بزوجته الفنانة المبدعة، ابتسم طويلا وانتهز ابتسامته بكلمة ولكن وارتعشت فاتن وهى تتذكر (لكن) أمها، و(لكن) أبيها ترى كيف ستكون (لكن) زوجها؟! وعادت الغباشة تشوش نظرها، والطنين يصم أذنيها، وأتاها صوته رصينا مع الموسيقى الهادئة التي يبثها المطعم:
- حبيبتي، أنت الآن أم لطفلة رائعة، ولا يليق بأم أن ترقص شبه عارية أمام الناس، صدقيني يا حبيبتي أنا مؤمن بموهبتك، فأنت حقًا ظاهرة قلما تتكرر، ولكن هل فكرت بطفلتك ماذا سيكون موقفها وأنها ترقص بثياب الباليه على المسرح ومئات العيون تتفرج على جسدها..؟
قاطعته مذعورة من اللاكن الجديدة وقالت:
- ولكن الباليه فن راقٍ جدا، وجسد راقصة الباليه هو لغتها في التعبير.. وقاطعها بحزم:
- أعرف يا حبيبتي وأنا الذي أدمنت حضور حفلات الباليه، ولكن مجتمعنا،
*193*
وكونك اماً والأم تعني التضحية، يجب أن تضحي يا فاتن في سبيل ابنتك فكري بعقلك يا فاتن، أن يكون عقلك كميزان الذهب دقيقا للغاية. وعاشت فاتن في مثلث على رأس كل زاوية منه كلمة (لكن) لكن، الأم، ولكن الاب، ولكن الزوج وهي في الداخل شعلة موهبة مختنقة لا تستطيع أن ترقص وكلما تحركت اصطدمت بضلع قاس، فتأوهت وطنين لغة عقولهم يلاحقها ولا يرضى أن يسكت وأخذت تتساءل، أية لغة هذه لغة عقولهم، والطفلة الصغيرة ألا يسعدها أن تكون أمها راقصة مبدعة؟ وماذا لو تفرجت العيون على جسدها، ولماذا يصرون أن تكون لحمًا رخيصًا يثير الغرائز بينما هي قادرة أن تكون سمفونية، وغزالا رشيقًا ؟ لماذا يصرون أن يكون جسدها عورة وهي تحسه قصيدة؟ وحوصرت فاتن في كلمة (لكن) في مئات الجمل التي تبدأ كلها بكلمة لكن، ومن وقت لآخر كانت رجفة مبهمة تجتاح جسدها، وأدركت وحدها أن جسدها يرتجف متألما يشتاق أن يكون ذاته، ليحطم حلقات سلاسل الحديد التي طبعت على كل حلقة كلمة لكن كانت تغمض عينيها وتحاول أن تفكر بعقولهم ولم تدرك أن حزنها اشتد؛ إلى درجة مخيفة وأنه احتل الجسد الطيع اللين، وأن عقلها صار يئن تحت ثقل عقولهم يجرونه مجبرا ليفكر مثلهم، وبلغ بها الإرهاق حدا يصعب تحمله. وذات مساء لبست ثياب راقصة الباليه، وأزاحت الستائر وفتحت النوافذ، وأخذت ترقص وترقص وتحولت النافذة إلى مثلث لكن الابدي، ووجدت نفسها تهرب منه، وذعر الناس وثم يرون راقصة باليه تطير من النافذة وتسمرت عيونهم عليها كالمسامير تنغرس في لحمها، وانفتحت أفواههم في وقت واحد وانطلقت كلمة واحدة من حناجرهم تردد صداها طويلا...
لكن، لكن، لكن.
*194*
مفاتيح النص رقص الباليه، لغة الجسد، مواهب الاطفال، الطبقة الارستقراطية، العادات والتقاليد، تحقيق الذات، كبت الذات، تعليلات العقل السلطة الذكورية، الادب النسوي، حرية المرأة التناص، الاستباق، النهاية التراجيدية.
مهام:
1. ما العلاقة بين عنوان القصة وأحداثها؟
2. هل يمكن اعتبار فاتن البجعة المقصودة في العنوان؟ علل.
3. اسرد بلغتك حبكة القصة باختصار.
4. تعتبر هيفاء بيطار من أنصار الأدب النسوي. كيف ينعكس ذلك في القصة؟
5. كيف تصور الطبقة الأرستقراطية في القصة؟
6. في القصة تناص مع رقصة موت البجعة لميخائيل فوكين التي أدتها ببراعة الروسية آنا بافلوفا. ما الهدف من هذا التناص؟
7. ما هي دلالات لكن وتأثيرها على أحداث القصة؟
8. هل توافق على تعليلات العقل التي وردت في القصة؟ وضح موقفك منها.
9. كيف تنعكس السلطة الذكورية في القصة؟
10. في القصة أكثر من استباق ينبئ بما سيحدث لاحقا. هات مثالا على ذلك من النص.
11. ما رأيك بالنهاية التراجيدية للقصة؟
*195*
*195*
غي دي موباسان (1891-1850 م)
كاتب وروائي فرنسي وأحد آباء القصة القصيرة الحديثة درس القانون والتحق بالجيش الفرنسي ثم عمل كاتبًا في البحرية. اشتهر موباسان بعبوسه وكان كثيرا ما يصاب بالصداع حتى أدى به الامر إلى فقدانه عقله وتوفي في أحد المصحات. من أشهر مؤلفاته الحلية ،وقد أطرى عليها العديد من النقاد وأشادوا بها، ذلك أنهم رأؤا فيها النموذج الاكمل للقصة القصيرة ذات النهاية المأساوية المفاجئة، حيث تخللت جميع العناصر الاساسية للقصة القصيرة: الشخصيات، المكان والزمان، المسوغات المنطقية للأحداث والنهاية كما توافرت فيها عناصر أخرى مهمة مثل: التشويق، المصادفة المعقولة، التصوير الدرامي، التدرج لبلوغ النهاية. من مؤلفاته: حياة امرأة، بيتر وجون، الغوريلا، الصديقة الجميلة، إيفيت.
موباسان - الحلية
كانت من أولئك الفتيات الأنيقات الرشيقات اللاتي يحسبن ولادتهن في أسرة من أسر
*196*
الموظفين خطأ من أخطاء القدر. لم يكن لديها صداق يحقق الزواج السعيد ولا رجاء يضمن العيش الرغيد، ولا وسيلة تكشفها للناس فتعرف وتفهم وتبحث وتتزوج من رجل غني سري أمثل، فتركت قيادها للحظ فزوجها بموظف صغير من موظفي وزارة التربية والتعليم.
كانت بسيطة الهندام لأنها لم تجد زينتها وكانت معذبة المغمس لأنها لم تعد تعايش طبقتها. والنساء ليس لهن طبقة ولا جنس، وانما يقوم لهن الجمال والظرف والفتنة مقام الاصل والاسرة، فلا ترى فيهن من تفاوت ولا تمايز إلا بالرقة الفطرية، والأناقة الغريزية، والذهن المتصرف المرن، فهي التي تجعل من عامة بنات الشعب سيدات وعقائل.
وكان الألم يلح عليها عنيفا كلما شعرت بأنها خلقت للنعيم. والترف وهي إنما تعيس في هذا المسكن الحقير بين هذه الجدران العاطلة، والمقاعد الحائلة، والقماش الزري.
كانت هذه الاشياء التي لا تفطن إليها امرأة أخرى من طبقتها ترمد (تحرق) نفسها بالألم وتوقد صدرها بالغضب. وكان منظر الخادمة الصغيرة البيريتونية (من جنس البيرتوني) التي تقوم على تدبير بيتها المتواضع، يوقظ في قلبها الحسرات اللاذعة والأحلام الحائرة كانت تحلم بالأواوين الصامتة تدبجها الطنافس الشرقية، وتضيئها المصابيح البرونزية وبالخادمين الفارهين في السراويل القصيرة، يرقد كلاهما في المقعد الوسيع. وكانت تحلم بالبهو الفخم يغشيه الديباج القديم وبالأثاث الدقيق يجمله الريّاش الكريم، وبالصالون الانيق العطر يجعل لأحاديث العصر مع أخص الأصدقاء وأنبه الكبراء والأدباء ممن تشتهي النساء استقبالهم.
ولما جلست للعشاء إلى المائدة المستديرة والخوان المردد (الفقير في أنواع الطعام) أمام زوجها، وقد رفع غطاء الحساء وقال في وجه منبسط ولهجة راضيه: ألله! ما أطيب هذا اللحم! إني لم أر أشهى منه ولا ألذ كانت هي تفكر في الأعشية الناعمة الجامعة وفي الأدوات الفضية اللامعة، وفي نسائج الوشي تزين الجُدُر بصورة الاعلام البارزة في التاريخ، والأطيار
*197*
الغريبة في غابة من غاب عبقر! كانت تفكر في الألوان الشهية! تقدم في الصحاف العجيبة، وفي الملاطفات الغزلة الهامسة تسمع في بسمة كبسمة أبي الهول وهي تأكل لحم السمك المورد أو الدراج المسمن (نوع من أنواع الطيور).
لم تكن تملك زينة ولا حلية ولا شيئا مما تتبرج به المرأة وهي لا تحب إلا ذلك، ولا تظن نفسها خلقت لغير ذلك. وطالما ودت أن تكون موضع الإعجاب والغبطة، ومنتجع العيون والأفئدة. وقد كانت لها صديقة غنية من رفيقات الدراسة فكانت تكره أن تزورها، لأن الألم الممض كان يرافقها وهي عائدة وربما ظلت الأيام الطوال تسفح الدموع الغزار إجاب لدواعي الاسف واليأس والحزن.
ففي ذات مساء عاد زوجها، وعلى وجهه بسمة الجلال، وفي يده غلاف عريض، فقال :
- خذي! هاك شيئا لك.
ثم فض الغلاف بقوة وأخرج منه بطاقة مطبوعة كتب فيها:
وزير التربية والتعليم وعقيلته يرجوان السيد (لوازيل) وعقيلته أن يشرفاهما بحضور الحفلة الساهرة التي ستقام في ديوان الوزارة يوم الإثنين 18 يناير. ولكنها بدل أن تنبسط وتغتبط كما كان يرجو جوزها رمت الدعوة على المائدة في غضب وسخط وهي تقول:
- ماذا تريد أن تصنع بهذه؟
- ولكني ظننت يا عزيزتي أنك تسرين بهذا إنك لا تخرجين أبداً، وهذه فرصة جميلة، حقا جميلة! ولقد احتملت في سبيل الحصول على هذه البطاقة ما لا تتصورين من الجهد والمشقة. كل الناس يرغبون فيها كل الرغبة، ويسعون لها كل السعي. وهم لا يعطون الموظفين منها إلا بقدر سترين هناك العالم الرسمي كله! فنظرت إليه نظرة الغضب، ثم انفجرت قائلة:
- ماذا تريد أن أضع على جسمي في هذه الحفلة؟
لم يكن الزوج قد فكر في هذا، ولكنه أجاب في خفوت وغمغمةٍ:
*198*
- عندك الثوب الذي تذهبين به إلى المسرح. إنه على ما أرى ملائم كل الملاءمة ثم أخذه الدهش والتف عليه الكلام حين رأى زوجته تبكي، وأبصر دمعتين غليظتين تنحدران زاويتي عينيها إلى زاويتي فمها، وقال في تمتمة:
- ماذا بك؟ ماذا بك؟
فتحاملت على نفسها بالجهل العنيف وأجابته بصوت هادئ وهي تمسح الدمع على خديّها:
- لا شيء، غير أني لا أملك ما أتزيَّن به، ولذلك لا أستطيع الذهاب إلى هذه الحفلة. فأعط هذه البطاقة زميلا من زملائك تكون امرأته أحسن مني جهازًا وأتم أهبة.
فابتسم الزوج وقال:
- لننظر في الامر يا متيلدا! كم تكلفنا الزينة البسيطة الملائمة التي تغنيك في مثل هذه المناسبة؟
ففكرت بضع ثوان تحرر الحساب وتتحرى المبلغ الذي إذا طلبته لا يثير دهش الموظف الصغير، ولا يوجب رفض الزوج المقتصد، ثم أجابت جواب المتردد:
- لا أعرف ذلك على وجه الدقة أظن أربعمائة فرنك تبلغ بي إلى هذه الغاية.
اصفر وجهه قليلا، لأنه كان قد ادخر هذا المبلغ بتمامه ليشتري به بندقية يصطاد بها في هذا الصيد مع بعض الاصدقاء في سهل ننتبر. ومع ذلك قال لامرأته:
- ليكن! سأعطيك أربعمائة فرنك فاجتهدي أن يكون لك منها ثوب جميل.
دنا يوم الحفل وزينة السيد لوازيل قد هيئت، ولكنها لا تزال كما يظهر حزينة مهمومة قلقة. فقال لها زوجها ذات ليلة:
- ماذا تجدين؟ إنك منذ أيام في حال غريبة..
فأجابته:
- إني ليحزنني ألا تكون لي حلية.. فلا أملك مما يتحلى به النساء شيئا من معدن
*199*
أو حجر. وسأكون أحقر من في الحفل زيّا وهيئة، وأرى من الخير ألا أذهب إلى هذه الأمسية.
فعقب على قولها بقوله:
- تتحلين بالزهور الطبيعية.. ذلك أجمل شيء وأطرفه في هذا الفصل. وبعشرة فرنكات تبتاعين وردتين أو ثلاثا من أندر أنوع الورد. فلم يند هذا الكلام على كبدها القريحة، وقالت:
- كلا فإن أحد الاشياء هوانًا وضراعة أن تظهر في محضر الاغنياء، بمظهر الفقراء ولكن زوجها صاح بها قائلا:
- ما أشد غبائك! اذهبي إلى صديقتك السيدة فورستييه فاستعيري منها بعض الحليّ فإن بينكما من قديم الصداقة ووثيق العلاقة ما يتسع لمثل ذلك.
فصاحت صيحة الفرح وقالت:
هذا صحيح! وعجيب أن ذلك لم يجر على بالي.
وفي صبيحة الغد ذهبت إلى صديقتها فقصت عليها ما همها وغمها فلم تعد تكد تسمع شكواها حتى أسرعت إلى خزانتها فأخرجت منها صندوقا عريضًا وفتحته، ثم قدمته إلى السيدة لوازيل وهي تقول:
إختاري يا صديقتي.
فوقع بصرها أول مرة على الأساور، ثم على عقد من اللؤلؤ، ثم على صليب بندقي من الذهب قد رصعته بالحجارة على يد صنّاع. فجربت على نفسها هذه المرة في المرآه، ثم اخذتها حيرة فلم تقطع العزم على ما تأخذ وما تدع، فقالت لصديقتها:
- ألم يعد لديك شيء آخر؟
فأجابتها:
- بلى! ابحثي.. فإني لا أعرف ماذا يعجبك.
وعلى حين بغتة وجدت في علبة من الديباج الأسود قلادة فاخرة من الماس، فخفق قلبها
*200*
خفوق الرغبة الملحّة، ثم تناولتها بيد مضطربة وتقلدتها على ثوبها المجهّز فاذا هي على ما صورت في الخيال، وما قدرت في الأمل فسألت صديقتها في تردد وقالت:
- أتستطيعي أن تعيريني هذه القلادة؟ لا شيء إلا هذه القلادة!
فأجابتها صديقتها:
- نعم ولا شك.
فأهوت على نحرها تقبّله في حمميه وطرب، وولتَّ مسرعة بهذا الكنز.
أقيمت الحفلة الساهرة ونجحت السيدة لوازيل، فكانت أبدع من حضرها من النساء رشاقة ولباقة وبهجة تدفقت في السرور متأنقة، فاسترعت الأنظار وتصبت القلوب، فتسابق الرجال وبخاصة موظفو مجلس الوزراء إلى السؤال عنها والتعرف إليها والرقص منها حتى الوزير نفسه فقد ألقى إليها باله.
كانت ترقص في نشوة من الغبطة وفورة من اللذة وقد محي من ذهنها كل شيء فلم تعد تفكر إلا في انتصار جمالها، وفي مجد انتصارها، وفي ظل رقيق من ظلال السعادة بسطته عليها التحيات التي قاست إليها، والاعجاب الذي انثال عليها، والرغبات التي تيقظت فيها، والفوز الكامل الذي يبهج بسحره فؤاد المرأة.
تركت الحفل زهاء الساعة الرابعة من الصباح، وكان زوجها منذ منتصف الليل قد غالبه النوم، فأخذ مرقده في بهو صغير خلا من الناس هو وثلاثة من المدعوين كان نساؤهم لا يزلن يقصفن في نشاط حلم ومرح. فلما همت هي وهو بالانصراف ألقى على كتفها الثياب التي أحضرها للخروج، وهي ثياب متواضعة مبتذلة تتنافر بحقارتها مع أناقة ما تلبس من زينة المرقص. وقد شعرت هي بذلك، فأرادت أن تتسلَّل حثت لا يلمحها النساء الأخر وهن يرتدين معاطف الفراء الفاخر. غير أن زوجها اعتاقها (حرَّر وجد لها مخرجاً) قائلاً:
- انتظري، فقد يصيبك البرد... وسأطلب عربة ولكنها تصامت عن كلامه وانحدرت مسرعة على السلم. فلما سارا في الشارع لم يجدا مركبة فمشيا، وكلما أبصرا على
*201*
البعد حوذيًّا صاحا به فلا يقف.
أخذا سبيلهما إلى (السين) هابطين قانطين يقرقفان من البرد، فوجدا بعد لأي على رصيفه مركبة عتيقه من تلك المراكب التي تسير وهي نائمة، ثم لا ترى في باريس إلا تحت الليل كأنما تخزى أن تظهر مهانتها في وضع النهار ركباها إلى دارهما في شارع الشهداء ودخلاها حزينين أما هي فلأنها تتحسر على انقضاء ما كانت فيه، وأما هو فلأنه يتذكر أن من واجبه أن يكون في الوزارة الساعة العاشرة.
نضت عن كتفيها، أمام المرآة، الثياب التي تدثرت بها حتى تنظر إلى نفسها وهى في مجدها مرة أخيرة ولم تعد تجيل اللحظ في جيدها حتى صاحت صيحة منكرة! إنها لم تجد على نحرها تلك القلادة! فأقبل عليها زوجها في نصف ثيابه يسألها ماذا أصابها، فالتفت إليه هالعة تقول:
- أنا أنا لا أجد قلادة السيدة فورستييه!
- ماذا؟ كيف؟ لا يمكن أن يكون هذا!
وطفقا يبحثان في ثنايا الثوب، وفي طوايا المعطف، وفي جيوب هذا وذاك، وفي كل مكان هنا وهناك، فلم يجداها. فقال الزوج للزوجة:
- أنت على يقين من أن القلادة كانت في عنقك ساعة تركت المرقص؟
فأجابته
نعم، وقد لمستها بيدي وأنا في دهليز الوزارة
فقال لها:
- ولكنك لو كنت فقدتها ونحن في الشارع لكنا سمعنا وقعتها حين سقطت، فلا بد أن تكون في المركبة.
فقالت له:
- نعم.. هذا جائزٌ... فهل تذكر رقم المركبة؟
فأجابها:
*202*
- كلا، وأنت؟ ألم تلحظيها؟
فقالت:
- كلا.
فرنا إليها ورنت إليه، وكلاهما لا يملك فؤاده من الجزع. وأخيرا مضى لوازيل فلبس ثيابه، وقال:
- سأرجع في الطريق التي قطعناها على الأقدام فلعلي أجدها.
ثم خرج وترك امرأته في ثياب السهرة، وقد تطرحت من الخور على أحد المقاعد، لا تشتهي النوم، ولا تطلب الدفء، ولا تملك الفكر. ثم عاد في الساعة السابعة من غير أن تجد شيئا. وما لبث أن ارتد إلى دائرة الشرطة يسجل المفقود، ثم إلى إدارات الصحف يعلن المكافأة، ثم إلى شركة العربات الصغيرة ينشد المركبة، ثم إلى كل مكان يهديه إليه بصيص من الأمل.
وكانت هي تنتظر طول النهار على حالها الأليمة من الذهول والوله. وفي المساء عاد لوازيل ساهم الوجه كاسف البال لأنه لم يكتشف شيئا. ولما أعياه الأمر قال لزوجته:
لا بد أن تكتبي إلى صديقتك تخبرينها أن مشبك القلادة انكسر وأنك بسبيل أن تصلحيه.. ذلك تعطينا المهلة لنتخذ تدبيرا آخر. فكتبت ما أملاه عليها.
وفي آخر الأسبوع وقفت امالهما على شفا اليأس، فأعلن لوازيل أنه لا بد من وسيلة لنشتري قلادة بدل القلادة وفي صباح الغد أخذا علبة الحلية وذهبا بها إلى الجوهري الذي كتب اسمه عليها فسـألاه عنها. فقال بعد أن رجع إلى سجلاته:
لست أنا يا سيدتي الذي صنع القلادة، وإنما صنعت هذه العلبة فقط. فذهبا يضطربان في سوق الجواهر ينتقلان من صائغ إلى صائغ، فيسألان ويبحثان حتى وجدا آخر الأمر دكان من دكاكين(الباليه رويال) قلادة من الماس تشبه في نظرهما القلادة المفقودة كل الشبه.. كان ثمنها أربعين ألفي فرنك ولكن الجوهري رضي أن ينزل عنها بستة وثلاثين ألفا. فرجوا منه ألا يبيعها لأحد قبل ثلاثة أيام واشترطا عليه
*203*
أن يعود هو فيشتريها منها بأربعة وثلاثين ألف فرنك، إذا هما وجدا القلادة الاولى قبل آخر فبراير.
كان لوازيل يملك ثمانية عشر ألف فرنك تركها له أبوه، فلا مناص من أن يقترض الباقي. اقترض ألفا من هذا وخمسمائة من ذاك، وخمس ليرات من هنا وثلاثا من هناك، وكتب على نفسه الصكوك المحرجة، وأخذ على ذمته العهود المخربة، وتردد على كل مراب، واختلس إلى كل مقرض. عرض آخر عمره للخطر وغامر بإمضائه وهو لا يضمن الوفاء بما تعهد. وفي حال يرجف لها القلب فرقا مما يتجرعه من هموم المستقبل، وما يتوقعه من بؤس العيش، وما يخشاه من حرمان الجسم ذهب يشتري القلادة الجديدة ويضع على منضدة الجوهري ستة وثلاثين ألف فرنك!
ولما أخذ السيدة فورستييه الحلية من السيدة لوازيل قالت لها في هيئة غاضبة ولهجة عاتبه:
- لقد كان ينبغي أن ترديها قبل ذلك، فقد كنت في حاجة إليها.
ثم رفعت العلبة دون أن تفتحها، فكفت بذلك صديقتها ما كانت تخشاه. فلقد كانت تقول لنفسها: ماذا عسى السيدة فورستييه أن تظن إذا لحظت أن القلادة غير القلادة ألا تحسبني لصةً؟
ذاقت السيدة لوازيل عيش المعوزين المرير الخشن، وحملت نصيبها من ذلك دفعه واحدة في بسالة وقوة كان لا بد من قضاء هذا الذنب الفادح وستقضيه استغنت عن الخادم وانتقلت من المنزل، واستأجرت غرفة على أحد السطوح، وزاولت الأعمال الغليظة في البيت وباشرت الأمور البغيضة في المطبخ فغسلت الأطباق، وأتلفت أظفارها الوردية في صدأ القدور ودسم الأواني، وصبنت القذر من الأبيضة والأقمصة والخرق ونشرتها على الحبل، ثم هبطت الشارع في كل صباح لتصعد بالماء، وتقف عند كل طبقة تتنفس الصعداء من التعب، ولبست لباس السوقة واختلفت إلى الفاكهايني والبدّال والقصاب، وعلى ذراعها السلة فتساوم فتساوم وتدفع
*204*
نقودها القليلة. فاذا انقضى الشهر وجب عليها أن توفي صكا، وتجدد صكا، وتطلب مهلة. وكان الزوج في المساء يشتغل بتبيض الحساب لتاجر، وفي الليل ينسخ صورا من بعض الاصول، كل صفحة بربع فرنك ودأب الزوجان على هذه الحال عشر سنين. وفي نهاية هذه المدة كانا قد أنهيا الدين كله بسعره الفاحش وربحه المركب. وكانت السيدة لوازيل قد أخلقت جذرها وبدت في رأسها رواعي المشيب وكان من طول قيامها بشؤون المنزل الفقير أن أصبحت قوية غليظة جافية، تكاد لا تراها إلا شعثاء الشعر، حمراء اليد، مقلوبة الثوب، ترفع صوتها في الكلام، وتغسل أرض الغرفة بالماء الغمر، ولكنك تراها في بعض أوقاتها تجلس إلى النافذة حين يجلس زوجها إلى الكتب، فتفكر في تلك الامسية الذاهبة، وفي تلك الحفلة السافرة التي كانت هي فيها مهوى القلوب ومراد الأعين. ما الذي كان يحدث لو أن هذه الحلية لم تفقد؟ من يدري؟ من يدري؟ إن الحياة غريبة الأطوار سريعة التقلّب وإن موتك أو حياتك قد يكونان رهنا بأحقر الاشياء.
وفي ذات أحد من الآحاد، بينما كانت ماتيلدا ترفه عن نفسها تعب الاسبوع في رياض الشانزليزيه وقع بصرها فجأة على السيدة فورستييه ومعها طفل تنزهه وتروضه. وكانت لا تزال رفافة البشرة رائقة الحسن فتانة الملامح، فاعتراها لدى مرآها اضطراب وقلق. أتذهب إليها فتكلمها؟ نعم! ولم لا؟ لقد أدت الآن كل ما عليها، فلم لا تفضي بكل شيء إليها؟
دبت السيدة لوازيل من صديقتها القديمة، وقالت لها:
- عمي صباحا يا جان!
ولكن صديقتها أنكرتها، وأدهشها أن تسمع امرأة من عرض الطريق تحييها بهذه الألفة، وتناديها من غير كلفه، فقالت مغمغمة:
- ولكن سيدتي. لا بد أن يكون الأمر قد اشتبه عليك.
فقالت لها:
*205*
- كلا! أنا ماتيلدا لوازيل.
فصاحت السيدة صيحة الدهش وقالت.
- أوه! صديقتي المسكينة ماتيلدا! لشد ما تغيرت، بعدي.ً
فقالت:
- نعم! لقد كابدت برحاء الهموم، وعانيت بأساء العيش منذ غبت عنك، وذلك كله بسببك.
بسببي؟ وكيف ذلك؟
- انك تذكرين ولا شك تلك القلادة الماسية التي أعرتني إياها يوم حفلة الوزارة.
- نعم.. وبعد؟
- إنني اضعتها
- وكيف اضعتها وقد رددتها الي؟
- لقد رددت إليك قلادة أخرى تشبهها كل الشبه. وها هي ذي عشرة أعوام قضيناها في أداء ثمنها. وليس ذلك باليسير علينا كما تعملين، فاليد خالية والمورد ناضب والجهد قليل. وقد انتهى الامر والحمد لله، وأصبحت على هذه الشدة راضية مطمئنةً .
فقالت السيدة فورستييه في تؤدة وبطء:
- أتقولين إنك اشتريت قلادة من الماس بدل قلادتي؟
- نعم، ألم تلاحظي ذلك؟ هه؟ إنها لا تختلف عنها في شيء.
وكانت شفتاها قد افترتا عن ابتسامة تنم على الكبر والسذاجة ولكن السيدة فورستييه أخذت يديها في يديها وقالت في لهجة الإشفاق والعجب:
- مسكينة يا صديقتي ماتيلدا! إن قلادتي كانت من الماس الكاذب وما كان ثمنها يزيد على خمسمائة فرنك!
*206*
مفاتيح النصَّ:
الطبقية، المظاهر، الجوهر، التقليد والمشابهة، سخرية الحياة المفارقة، النهاية غير المتوقعة، التضليل، صورة المرأة الحبكة الدائرية، القناعة، الرضا بالقضاء والقدر، العلاقة الزوجية، الادب الواقعي.
مهام:
1. كيف يتجسد مفهوم الادب الواقعي في القصة؟
2. صف العلاقات الاسرية داخل عائلة لوازيل.
3. ما تأثير الطبقية على أحداث القصة؟
4. كيف ينعكس الإيمان بالقضاء والقدر من خلال النص؟
5. ما الهدف من تضليل كل من القارئ والشخصيات في نهاية القصة بالنسبة للحلية المزيفة؟
6. ما رأيك بالثمن الذي دفعته عائلة لوازيل؟
7. في القصة سخرية ومفارقة في المواقف وضح كيفية ذلك.
8. ما رأيك بقول السيدة لوازيل إن موتك أو حياتك قد يكونان رهنًا بأحقر الأشياء؟
9. يعتبر اللقاء بصاحبة الحلية جزءاً من الحبكة الدائرية. ما هي أهمية هذا اللقاء؟
10. كيف يصور موباسان النساء مقابل الرجال في القصة؟
11. عين ذروة القصة من خلال الإشارة إلى حدث محدد.
12. ما هي رسالة الكاتب للقراء في هذه القصة؟
*207*
*207*
أنطون تشيخوف (1860-1904)
طبيب وكاتب مسرحي روسي، ويعدَّ من أشهر مؤلفي القصص القصيرة من مسرحياته: النورس، العم فانيا، الأخوات الثلاث، بستان الكرز. ومن مجموعاته القصصية: دراما في الصيد، مبارزة، ثلاث سنوات، حياتي. توفيَّ بمرض السَّل ودفن في موسكو.
أنطون تشيخوف - الألم
ترجمة : رافع الصفار
عرف غريغوري بتروف ولسنوات طويلة ببراعته الفائقة في حرفة الخراطة، لكنه في نفس الوقب كان الاكثر حمقًا وسذاجة في إقليم (غالتشينيسكوي)، فلكي ينقل زوجته المريضة إلى المستشفى، كان عليه أن يقود الزلاجة لمسافة عشرين ميلا في جو شتائي عاصف، عبر طريق شديد الوعورة. ولم تكن تلك بالمهمة اليسيرة حتى بالنسبة لسائق البريد الحكومي. كانت الرياح القارسة تضرب في وجهه مباشرة، وسحب الثلج تلتف في دوامات حوله في كل اتجاه، حتى أن المرء لا يدري إن كان هذا الثلج يتساقط من السماء أم يتصاعد من الأرض، بينما الرؤية معدومة تماتا لكثافة الضباب الثلجي، فلم يكن يرى شيئا من الحقول والغابات وأعمدة التلغراف. وعندما كانت تضربه ريح قوية مفاجئة، كان يصاب بالعمى التام، فلا يعود يبصر حتى لجام الحصان ذلك الحيواني البائس الذي كان يزحف ببطء وهو يجر قدميه في الثلج بوهن شديد.
*208*
وكان الخراط قلقًا متوترًا ومتعجلا لا يكاد يستقر في مقعده وهو يسوط ظهر الحصان. كان غريغوري يغمغم طول الوقت متجهًا إلى زوجته.
- لا تبكى يا ماتريونا. قليلا من الصبر يا عزيزتي! سنصل المستشفى وعندها كل شيء سوف يكون على ما يرام.. سيعطيك بافل إيفانيتش بضع قطرات، أو سأطلب منه أن يعمل لك الحجامة، أو ربما يتكرم ويرضى أن يدلك جسدك بالكحول. سيبذل كل ما في وسعه دون شك. نعم سيصرخ وينفعل لكنه في النهاية يبذل جهده. إنه رجل مهذب ولطيف. فليعطه الله الصحة. حالما نصل هناك ويرانا سيندفع من غرفته كالسهم ويبدأ بإطلاق السباب والشتائم وسوف يصرخ. كيف؟ لماذا هكذا؟ لماذا لم تأتوا في الوقت المناسب؟ أنا لست كلبا كي أبقى عالقا هنا في انتظار حضراتكم طوال اليوم. لماذا لم تأتوا في الصباح؟ هيا اخرجوا، لا لن أستقبلكم. تعالوا غدا. فأرد عليه قائلا: يا حضرة الطبيب المثلي بافل إيفانيتش، نعم يمكنك أن تسب وتلعن وتشتم وليأخذك الطاعون أيها الشيطان ساط الخراط ظهر الحصان، ومن دون أن ينظر إلى المرأة العجوز الراقدة في العربة خلقه واصل حديثه مع نفسه:
- يا حضرة الطبيب المبجل، أقسم بالله، ولن أقول إلا الصدق، وها هو الصليب أرسمه على صدري أمامك بأنني انطقت قبل طلوع الفجر، ولكن كيف يمكنني أن أكون عندك في الوقت المناسب وقد أرسل الرب هذه العاصفة الثلجية؟ تلطف وانظر بنفسك إن أفضل الجياد لن تتمكن من السير في جو كهذا، وحصاني هذا الكائن البائس التعيس كما ترى بنفسك ليكن حصانا على الإطلاق عندها سيقطب بافل إيفانيتش حاجبيه ويصرخ: نحن نعرفكم، أنتم دائما بارعون في اختلاق الاعذار، وعلى الاخص أنت يا غريشكا فأنا أعرفك حق المعرفة، وأقسم بأنك توقفت في نصف دزينة من الحانات قبل أن تأتي عندي. لكني سأقول له: أيها المحترم، هل أنا كافر أم مجرم حتى أتنقل بين الحانات، بينما زوجتي المسكينة تلفظ أنفاسها الاخيرة؟ لعنة الله على الحانات وأصحابها وليأخذهم الطاعون جميعًا. سيأمر بافل إيفانيتش عندها بنقلك إلى داخل المستشفى،
*209*
فأركع عند قدميه: بافل إيفانيتش، أيها المحترم، نشكرك من صميم قلوبنا، وأرجو أن تسامحنا على حماقاتنا وسلوكنا الارعن، وألا تكون فاسيًا معنا نحن الفلاحين. نعلم نحن لا نستحق منك لا الشتيمة فحسب بل حتى الرفس، وقد كنا سببًا في خروجك، وتلويث قدميك في الثلج. سينظر بافل إيفانيتش نحوي كانه يريد أن يضرني وسيقول: ألا يجدر بك أيها الاحمق ان تشفق على هذه المسكينة وترعاها بدلا من أن تسكر وتأتي لتركع عند قدمي؟ والله أنت تستحق الجلد. نعم، نعم.. أنت على حق في ذلك. أنا أستحق الجلد يا بافل إيفانيتش، ولتسلم السماء لعنانها على رأسي، ثم ما الضرر لو ركعت عند قدميك، فأنت أبونا وولي نعمتنا، ويحق لك يا سيدي أن تبصق في وجهي لو بدر مني ما يضايقك، وأقسم بالله على ذلك سأفعل كل ما تريده وتأمرني به إذا استرجعت زوجتي العزيزة ماتريونا صحتها. وإذا أردت أصنع لك علبة سجاير فاخرة من أفضل أنواع الخشب، كرات للعبة الكروكيت، أو أروع قنان خشبية للعلم البولنج... ولن آخذ منك قرشًا واحدًا في موسكو تكلف علبة السجاير أربع روبلات، لكني سأصنعها لك دون مقابل. عندها سيضحك الطبيب ويقول: حسنا، حسناً.. يبدو أنك سكران حتى الثمالة. كما ترين يا عزيزتي فأنا أعرف كيف أتعامل مع أبناء الطبقة العليا. ليس هناك من سيد يستعصي علي. فقط أدعو من الله ألا أفقد الطريق. انطري كم عنيفة هي الريح. لا أكاد أفتح عيني من شدة اندفاع الثلج. ولم يتوقف الخراط عن حديثه المتواصل مع نفسه، في محاولة منه على ما يبدو للتخفيف من ضغط المشاعر الحادة عليه. كانت الكلمات كثيراً على لسانه، وكذلك الافكار والاسئلة في رأسه. جاءه الحزن مفاجئا، دون توقع أو انتظار، وعليه الآن أن يتخلص منه. لقد عاش حياته في سكينة وسلام دون أن يعرف للحزن أو للبهجة معنى، وفجأة، دون سابق إنذار، جاءه الألم ليعشش بين تلافيف قلبه، فوجد التفكير المتسكع نفسه في موقع المسؤول، مثقلا بالهموم، ويصارع الطبيعة. وراح غريغوري يتذكر كيف ابتدأت المشكلة ليلة أمس عندما كان إلى البيت سكران بعض الشيء، وكالعادة انطلق يشتم ويهدد بقبضته، فنظرت إليه زوجته كما لم تنظر
*210*
إليه من قبل. عادة ما تشف نظرات عينيها عن الذل والاستكانة الشبيهة بنظرات كلب أشب نضرا. لكنها هذه المرة نظرت إليه بتجهم وثبات كما ينظر القديسون في الصور المقدسة أو كما ينظر الموتى من نظرة الشر الغريبة تلك بدأت المشكلة. وفي حالة من الذهول والاستغراب استعار حصانا من أحد الجيران كي ينقل زوجته العجوز إلى المستشفى لعله باستخدام المساح و المراهم، يستطيع بافل إيفانيتش أن يعيد التعبير الطبيعي لنظرة عينيها.
ويستمر الخراط في حديثه مع نفسه فيقول:
- حسنًا، اسمعيني يا ماتريونا، لو سألك بافل إيفانيتذش فيما إذا كنت قد ضربتك، يجب أن تنفي ذلك وسوف لن أضربك بعد اليوم، أقسم على ذلك. وهل ضربتك يوما لأني أكرهك؟ لا، إطلاقًا، إنما دوما أضربك وأنا فاقد لوعيي إنني حقا أشعر بالأسف من أجلك لا أظن أن الآخرين سيبالون مثلي، فها أنت ترين، أنني أفعل المستحيل في هذا الجو الثلج العاصف كي أصل بك إلى المستشفى. فلتتحقق مشيئتك أيها الرب، وإن شاء الله لن نخرج عن الطريق. هل يؤلمك جنبك عزيزتي؟ ألهذا أنت لا تتكلمين؟ إني أسألك، هل يؤلمك جنبك؟ لاحظ خلال نظرة خاطفة إلى العجوز بأن الثلج المتجمع على وجبها لا يذوب. والغريب أن الوجه نفسه بدا مسحوبًا، شديد الشحوب، شمعيا، جهما ورصينا. صرخ قائًلا: أنت حمقاء، حمقاء أقول لك ما في ضميري أمام الرب، لكنك مع ذلك تصرين على.. حسنا، أنت حمقاء، وأنا قد أركب رأسي.. ولا آخذك إلى بافل إيفانيتش أرخى اللجام بين يديه وبدأ يفكر. لم يكن في مقدوره أن يستدير تماما لينظر إلى زوجته كان خائفًا. وكان يخشى أيضًا أن يكرر أسئلته عليها دون أن يحصل على جواب. أخيرا، وليحسم الأمر، ومن دون أن يلتفت إليها رفع يده وتحسسها. كانت باردة، وعندما تركها سقطت كأنها قطعة خشب. ندت منه صرخة.
- إذن فهي ميتة، يا للمصيبة.
لم يكن آسفاً قدر انزعاجه. وفكر كيف أن الاشياء تمر سريعة في هذا العالم لم تكن المشكلة قد ابتدأت وإذا بها تنتهي بكارثة لم تسنح له الوقت كي يعيش معها
*211*
ويكشف لها عن أسفه قبل موتها عاش معها أربعين عامًا لكنها مرت في ضباب وعتمة مطبقةٍ. لم يكن هنالك من مجال للأحاسيس الجميلة وسط السكر والعربدة والشجار المتواصل والفقر المدقع ولكي تغيظه فقد ماتت في اللحظة التي بدأ يشعر فيها بالأسف عليها، وبأنه لا يستطيع العيش من دونها وأنه كان قاسيا معها وقد أساء لها كثيرا قال لنفسه متذكرًا:
- كنت أبعثها كي تدور في القرية تستجدي الخبز. كان يمكن أن يطول العمر بها لعشر سنواتٍ أخرى المصيبة أنها ماتت وهي تعتقد بأني ذلك الإنسان.. يا أمنا المقدسة. ولكن بحق الشيطان أين أنا ذاهب الآن؟ ما عاد بي حاجة إلى الطبيب، ما أحتاجه الآن قبر كي أدفنها. استدار بالزلاجة وهو يلهب ظهر الحصان بسوطه، وثم ازداد الجو سوءا حتى انعدمت الرؤية تمامًا. ومين حين لآخر كانت تضرب وجهه ويديه أغصان الاشجار وتخطف من أمام عينيه أجسام سوداء.
- لو أعيش منها مرة أخرى.
وتذكر بان ماتريونا قبل أربعين عاما كانت مليحة الوجه مرحة الروح، وهي من عائلة ميسورة الحال، وقد رضي أهلها أن يزوجوها له بعدما شاهدوا وعرفوا مدى براعته في مهنه الخراطة. كانت كل الاسباب لحياة سعيدة متوفرة لهما، لكن المشكلة أنه في ليلة عرسه شرب حتى الثمالة، ومن يومها وهو سكران طول الوقت ولم يستيقظ أبداً. نعم فهو بتذكر عرسه، ولكنه لا يتذكر شيئا مما حدث بعد ذلك وطوال حياته، باستثناء أنه كان يسكر ويضطجع عند الموقد ويتشاجر. هكذا ضاعت منه أربعون سنة بدأت الغيوم الثلجية البيضاء تتحول تدريجيا إلى اللون الرمادي مما ينبئ عن قربة الغسق. عاد يسأل نفسه:
- إلى أين أنا ذاهب؟ مطلوب مني أن أفكر بدفن الجثة بينما أنا الآن في طريقي إلى المستشفى كأنني فقدت عقلي..
واستدار بزلاجته ثانية. كان الحصان يشخر وراح يتعثر في خببه، فعاد
*212*
الخراط يجلده من جديد. وكان سمع صوت ارتطام خلفه، ومن دون أن يلتفت كان يعرف أنه صادر عن رأس العجوز وهو يضرب بحافة المقعد. ازداد الثلج عتمة واشتدت برودة الريح.
- لو أعيش منها مرةً أخرى، سأشتري مخرطة جديدة وأشتغل.. وأجلب لها الكثير من النقود.
أفلتت يداه العنان. بحث عنه. حاول أن يلتقطه، فلم يستطع. قال لنفسه:
- لا يهم يستطيع الحصان أن يتولى الامر بنفسه، فهو يعرف الطريق. يمكنني أثناء ذلك أن أنام قليلا قبل أن أتهيأ للجنازة وصلاة الميت. أغلق الخراط عينيه وغاص في إغفاءةٍ. بعدها بفترة قصيرة شعر بأن الحصان قد توقف عن السير. فتح عينيه فرأى أمامه شيئا معتمًا يشبه كوخًا أو كومه من القش أراد أن ينهض ليكتشف ذلك الشيء، لكنه أحمق بأنه عاجز تماما عن الحركة، ووجد نفسه دون ضجة أو مقاومة يستسلم لنوم هادئ عميق. عندما استيقظ، وجد نفسه في غرفة فسيحة، مطلية الجدران، وضوء الشمس يتوهج عند الشبابيك ورأى ناسا حوله، فكان شعوره الأول أن يعطي الانطباع بأنه سيد محترم ويعرف كيف يلتزم بالسلوك السليم الذي يفرضه الموقف. قال مخاطبًا إياهم: الصلاة على روح زوجتي أيها الاخوة. لا بد من اعلام القس بذلك. قاطعه أحدهم بصوتٍ حازم:
- حسنا، حسنا، ولكن لا تتحرك.
صرخ الخراط مندهشًا وهو يرى الطبيب أمامه:
- بافل إيفانيتش! ولي نعمتنا المبجل.
أراد أن يقفز ليركع على ركبتيه أمام الطبيب، لكنه شعر بأن ساقيه وذراعيه لا تستجيبا؟ له. صاح مزعورًا:
"أين ساقاي؟ وأين ذراعاي يا سيدي؟
- قل لهما وداعا. كانت متجمدةً تماما فاضطررنا إلى بترها هيا.. هيا.. علام تبكي؟
لقد عشت حياتك، واشكر ربك على ذلك.
أنت الآن في الستيّن على ما أعتقد، وأظن أن هذا يكفي بالنسبة لك.
- أنا حزين، حزين جدًا.. وأرجو أن تسامحني يا سيدي. كم أتمنى لو أعيش خمس أو ست سنوات أخرى.
- لماذا؟
- الحصان ليس لي، ويحب أن أعيده لأصحابه.. ويجب أن أدفن زوجتي.. أوه يا إلهي... كم تنتهي الأشياء بسرعة مذهلة في هذا العالم. سيدي.. بافل إيفانيتش، سأصنع لك علبة سجاير من أجود أنواع الخشب، وكذلك كرات للكروكيت.. غادر الطبيب الجناح وهو يلوح بيده؟ كان كل شيء قد انتهى بالنسبة للخراط.
مفاتيح النص:
المرض، الألم، البيئة الثلجية، العلاقات الأسرية، آدمية الإنسان، العزلة، صورة الطبيب الاسترجاع، الندم، الموت، تضليل القارئ والشخصية، السخرية، المفارقة، النهاية غير المتوقعة، صوت الزوجة.
*214*
مهام:
1. أين تحدث القصة؟ وما تأثير المكان على حبكتها القصصية؟
2. ما هي شخصيات القصة الفاعلة في النص؟
3. لماذا آثر تشيخوف أن لا نسمع صوت الزوجة في القصة؟
4. هات مثالا على الديالوج، مبينًا الهدف من استخدامه.
5. كيف تنعكس صورة الطبيب في القصة من خلال وجهة نظر غريغوري؟
6. تغلب على القصة مشاعر العزلة والموت وضَّح ذلك.
7. ما الهدف من استخدام الاسترجاع الفني في القصة؟
8. ماذا حدث عندما ماتت الآدمية أو نامت وعملت الحيوانية ممثلةً بالحصان؟
9. قاد تشيخوف القارئ والخراط إلى تضليل محكم. ما الهدف من هذا التضليل؟
10. كيف تنعكس السخرية في نهاية القصة؟
11. ما هي المفارقة في القصة؟ وإلام ترمز؟
12. علام تدل عبارة الخراط للطبيب في نهاية القصة سأصنع لك علبة سجائر من أجود أنواع الخشب؟
*215*
ماركيز - بائع المعجزات غابرئيل غارسيا ماركيز (1927-2014)
كاتب وروائي وصحافي وناشط سياسي كولومبي. تنقل بين أوربا والمكسيك وبلده، واشتهر بصداقته للرئيس الكوبي فيدل كاسترو.. يمتاز بأسلوبه الروائي الواقعي العجائبي، وقد حصل على جائزة نوبل للآداب عالم 1982 عاش آخر أيامه في المكسيك. من رواياته: مائة عام من العزلة، الحب في زمن الكوليرا.
ومن مجموعاته القصصية: أوراق ذابلة، اثنتا عشرة قصة قصيرة مهاجرة، لم آت لإلقاء خطاب.
ماركيز - بائع المعجزات
لقد ذكرني صاحبنا منذ أول يوم أحد رأيته فيه ببغل حلبة مصارعة الثيران، بحمالاته البيضاء المزركشة بالخيوط المذهبة، وبالخواتم ذات الأحجار الملونة على كل إصبع، وبضفائر الاجراس المصلصلة، وهو واقف فوق طاولة قرب أرصفة ميناء سانتا ماريا دل دارين في وسط قناني عقاقيره التي كان يعدها بنفسه ويعرضها للتسويق في أرجاء البلدان القائمة حول شواطئ الكاريبي بصوته المبحوح في ما عدا أنه هذه المرة لم يكن يبيع شيئا من تلك الأخلاط الهندية، وإنما كان يطلب من الجماهير أن تحضر له أفعى حقيقية لكي يجرب أمامهم في نفسه ترياقُا للسموم قد اخترعه، وهو الترياق الوحيد الذي لا يخيب مفعوله، من لدغ الثعابين والزواحف السامة، وكل ما يماثلها ويتفرع عليها!...
وفعلا قام واحد ممن تأثروا بتأكيداته الحازمة وجاء بعد فترة بأفعى من أخطر الأنواع تصرع الانسان بتسميع تنفسه وقدمها إليه في زجاجة.. وإذا هو يرفع السدادة بإقبال ولهف شديدين حتى حسبنا جميعًا أنه سيأكل الأفعى، ولكن ما أن شعرت الأفعى
*216*
أنها تحررت حتى وثبت من الزجاجة ولطمته فوق رقبته فألجمت لسانه على الفور، ولم تكد تدع له فرصه لتناوله الترياق، وإذا صاحبنا يهوي على الارض بين الجمهور ويتمرغ بجسده الضخم الذي بدا وكانه خوى من كل شيء فيه، ولكنه كان يضحك طول الوقت بكل أسنانه المذهبة..
ولقد ارتفع الصراخ مدويا إلى حد أن طرادا حربيًا من الشمال كان راسيًا في الميناء منذ عشرين سنه في زيارة ودية، أعلن الحجز الصحي لئلا يتسرب سم الأفعى إلى ظهر الطراد، والى حد أن الذين كانوا في الكنيسة يشهدون أحد السعف خرجوا يحملون السعف حتى لا تفوتهم الفرجة على عرض رجل السموم والذي بدأ الآن يحشرج حشرجة الموت، وينفث من فمه زبدًا أصفر، ويلهث من خلال مسامه. وإن كان مع ذلك لا يزال يضحك بحيوية شديدة جعلت الاجراس المدلاة حول جسده ترن جميعًا رنينًا متواصلا..
وزاد الرجل تورمًا حتى قطع أربطة التزلك حول ساقيه وفتق ملابسه، واحتقنت أصابعه من ضغط الخواتم عليها، وتقلصت سحنته من شدة حمرتها، وبانت عليه علائم موت أكيد، حتى أن كل من شاهد إنسانًا لدغته أفعى أيقن أنه في النزع الأخير، وأنه سيتحول عاجلا إلى كوم لحم منكمش، ولا يبقى إلا أن يجيئوا له بمجرفة لوضعه في كيس، وإن قدروا أنه حتى وهو في تحلله وفنائه سوف يظل يواصل ضحكاته المروعة!... والواقع أنها كانت ظاهرة لا تصدق إلى حد أن مشاة البحرية في الطراد الحربي صعدوا إلى ظهره لأخذ صور فوتوغرافية ملونة لصاحبنا مستعينين بعدسات المسافات الطويلة، غير أن النساء الخارجات من الكنيسة أفسدن عليهم نواياهم عندما غطين الرجل المحتضر بلحاف وطرحن السعف فوقه بعضهن لأنهن لم يردن أن يدنسن حرمة الموت بهذه المحاولات المنافية للدين، وبعضهن لخوفهن من النطر إلى هذا المخلوق الذي سعى إلى الموت وهو يضحك، وبعض ثالث رأى أن هذا الغطاء قد يمكن على الاقل أن يرسل روحه إلى الآخر دون أن تتسمم!...
هكذا سألت الجميع بأنه هلك حتمًا... ثم إذا هو يزيح السعف جانبًا بذراع واحدة
*217*
وهو لا يزال في شبه الغيبوبة وفي غمار الغاشية التي انتابته، ثم ما لبث، أن عدل الطاولة دون مساعدة من أحد، ثم تسلق إلى سطحها مرة أخرى مثل سرطان بحري، ثم ها هو ذا يصيح بأعلى صوته أن الترياق لم يكن سوى يد العناية الإلهية وضعت في قنينته، كما شاهدتم جميعًا بأم أعينكم أيها السيدات والسادة، ولكن ثمنها لا يزيد على ثلاثة كوارتيللو، لأنني لم أخترع هذا الترياق كسلعة للبيع، ولكن خدمة للإنسانية كلها!.. وفي النهاية ناشد الجميع ألا يتزاحموا حوله، فالموجود من الترياق يكفي كل واحد!.
ولكنهم تزاحموا طبعًا وحسنا فعلوا، لأنه تبين في النهاية أن ما كان موجودا من قناني الترياق لم يكفهم جميعاً..
وحتى قائد الطراد البحري اشترى قنينة، بعد أن أقنعه صاحبنا بأن الترياق ذو أثر ناجع ضد رصاص الفوضويين المسمم... كما لم يكتف مشاة البحرية بأخذ صور فوتوغرافيه ملونه له واقفًا فوق المنضدة وهي الصور التي لم يمكنهم أخذها له ميتا، ولكنهم طلبوا منه توقيع أوتوجرافارت له بيده، فاستجاب لهم، إلى أن شعر بالتواء وخدر في ذراعه ويده...
وفي خلال ذلك بدا الليل يرخي سدوله ولم يبق على الارصفة إلا الذ ين كانوا من أشد الناس حيرة، عندما راح يسرح نطره بحثا عن شخص تبدو عليه ملامح البلاهة لكي يساعده في جمع زجاجاته وقنانيه وكان طبيعيا أن يقع اختياره على شخصي المتواضع ولعل ذلك كان قدرا مقدور الا بالنسبة له فقط، بل لي أيضًا، لأن هذا، وإن حدث في الماضي البعيد، إلا أننا ما زلنا نتذكره وكأنه كان يوم الأحد الماضي.... وتفصيل ذلك أننا ونحن نعبئ عقاقيره السيركية في الصندوق الكبير في السيور الحمراء إذ بدا له في شخصي شيء لعلة لم يفطن إليه بالنظرة الا ولى، فقال لي فجأة متبرئا:
- ما أنت، وما تكون؟...
فأجبته بقولي: شخص يتيم الألم، طلعة أبوه...
فأطلق ضحكة كانت أكثر دويًّا من ضحكاته تحث تأثير السم.... ثم عاد يسألني:
*218*
- وماذا تفعل لأكل العيش؟...
فقلت له: لا أفعل شيئا سوى البقاء على قيد الحياة، لأنه لا شيء غير هذا يستحق العناء...
فزاد قهقهة حتى فاضت دموعه... ثم واصل أسئلته قائلا:
- وأي علم من علوم هذه الدنيا تريد أن تتعلمه؟...
فكانت هذه المرة الوحيدة التي قلت فيها الصدق دون مداجاة ولا مخادعة، إذ أجبته قائلا:
- كنت أريد دائما أن أكون قارئ بختٍ...
ولكنه لم يعد إلى الضحك، وإنما قال لي وكأنما يفكر بصوتٍ مسموع:
- لن يكلفك هذا الكثير، لأن عندك أندر ما يلزم لهذه المهنة وهو ملامح البلاهة!... وفي نفس هذه الليلة أرشدته إلى مكان أبي، وبثمن لا يزيد على بيزو وبضع سنتات اشتراني إلى الأبد!...
كان هذا هو بلا كمان، بلا كمان الطالح، لائني أنا بلا كمان الصالح... ولقد بلغ من اقتداره أنه كان يستطيع إقناع فلكي بأن شهر فبراير ليس إلا قطيعًا من أفيال غير مرئية، ولكن بعد أن أدار له الحظ ظهره، استحال إلى حيوان وحشى حتى أعماقه... كان فى أيام مجده الغابر محنطًا للملوك والقياصرة ويقال عنه انه كان يشعر وجوههم تشكيلا ملكيا على نحو بالغ يهيء لهم أن يمضوا في الحكم والسلطان عديد السنين بأفضل مما حكموا وهم على قيد الحياة ولكن شهرته ما لبثت أن تهاوت باختراع لعبه شطرنج لا نهائية أفقدت لاعبًا قديرا عقله، وأفضت بشخصيتين شهرتين إلى الانتحار، وهكذا توالى أفول نجمه، فاستحال من مفسر أحلام إلى منوم مغناطيسي ومن طلاع للثنايا بالإيحاء إلى جلاب للشفاء في الاسواق، وعندما تلاقينا كان الناس ينظرون إليه شررا بعد أن قلبوا له ظهر المجن حتى الحفاة وشذاذ الآفاق وهكذا تركنا أمواج الحياة تتقاذفنا وكنا نهيم على وجوهنا نبيع احيانًا أقماعًا للتخفي إذا استخدمها المهربون اختفوا عن الانظار، وعقاقير سائلة سرية إذا نقطت منها الزوجات في حساء أزواجهن
*219*
الهولنديين كفلت لهن دوام المحبة ووقتهن شر الغدر والهجران.. بل كنا نبيع أي شيء يشتريه الانسان بمحض رغبته واختياره لأننا سيداتي وسادتي لا نأمر أحدكم بالشراء، بل نتقدم إليكم بالنصيحة الحسنة ولأن السعادة رغم كل شيء ليست التزامًا ولا فرضاً... ولكن على الرغم من كل هذا، ورغم طول ما ضحكنا من أفانين فكاهاته، كانت الحقيقة الصلبة هي أنه شق علينا القول على لقمة العيش، وبقي أمله الوحيد معلقًا بقدرتي كقارئ للبخت... وهكذا وضعني في صندوق أمتعته كالتابوت متخفيًا في شكل ياباني وقيَّدني بسلاسل ثقيلة لكي أتنبأ بطوالع الناس، من خلال ما كان يسُّره إليَّ عن أشكالهم وأحوالهم زاعمًا لهم أنني الطفل المعجزة المكشوف الحجاب، وأن من لا يصدق منكم أيها السيدات والسادة، فإنني أتحداه إن كان يعجز على سؤاله عن التاريخ الذي سيموت فيه، ذلك وإن كنت في الحقيقة أعجز عن معرفة حتى تاريخ يومي الراهن!. ثم لم يمضي وقت طويل حتى نفض يديه مني كقارئ بخت بعد أن أشبعني ضربا، وقرر أن يعيدني إلى أبي ويسترد منه ثمن الشراء!.. ولكن حدث في هذا الوقت أنه وجد تطبيقًا عمليُّا لما سماه كهرباء الالم، وانبرى من فوره لإعداد آلة خياطة تدور مزودة بكؤوس هواء على ذلك الجزء من الجسم الذي يعاني الألم... ولما كنت ما زلت أتألم من الضرب الذي نالني منه، فقد بدأ لي لتجربة جهازه الشافي، وقد أسفر الجهاز عن نجاح كبير إلي حد أنه كان يطرز الطيور والأشكال الأخرى المنوعة على الأجسام حسب موضع طبيعة الالم...
كان ذلك شائعا، حتى اقتنعنا بأننا تخلصنا أخيرا من النحس الذي لازمنا طويلا. إلى أن تواردت إلينا الأنباء من مدينة فيلادلفيا بأن قائد الطراد الحربي حاول أن يكرر تجربة الترياق الشافي من السم، فما لبث أن تحول إلى كرة هلامية أمام أعين ضباطه ومشاة بحريته.
إن صاحبنا لم يعرف الضحك مرة أخرى مدة طويلة... ولقد سارعنا بالهرب من خلال الممرات والمسالك الهندية، وكنا كلما أوغلنا في الابتعاد، كلما لاحقتنا الأخبار بأن مشاة البحرية قد اجتاحوا البلاد كلها بدعوى استئصال الحمى الصفراء، وأنهم يطوفون
*220*
في كافة الأنحاء يقطعون رؤوس من يصادفونهم في طريقهن لا من الأهلين فقط من قبيل الوقاية، بل من الصينين أيضًا، من قبيل التسلية، والزنوج، من قبيل العادة، والهندوس، لأنهم سحرة ثعابين، ثم انتهى بهم الأمر إلى استئصال ما استطاعوا من النبات والحيوان والثروة المعدنية، لأن خبراءهم في شؤون بلادنا علموهم أن الناس على امتداد سواحلي الكاريبي لهم مقدرة على تغيير طبائعهم لإرباك الوافدين الاجانب ولم أستطع أن أفهم من أين جاء ذلك الغضب الجائح ولا لماذا تملكنا كل ذلك الفزع، إلى أن ألفينا نفسينا سالمين في أحضان جبال لاجواجيرا، وعندئذ فقط وجد صاحبنا في نفسه الشجاعة للاعتراف بأن ترياق السم ذاك لم يكن أكثر من راوند وتربنتين، وأنه قد نقد أحد الافاقين دراهم معدودة فأحضر له تلك الأفعى بعد انتزاع السم منها ولقد أقمنا فترة في خراب إحدى الإرساليات الاستعمارية، يخادعنا الأمل بأن بعض المهربين قد يمرون بنا، لأنهم رجال يمكن الاطمئنان إليهم ولأنهم الوحيدون القادرون على المجازفة بالنفس تحت وقدة الشمس المتقلبة في تلك المناطق القاحلة وكنا أول الأمر نأكل لحم الضب المدخن والنباتات النامية بين الخراب، وما زالت لنا وقتها القدرة على الضحك عندما حاولنا أن نأكل تزلك بلا كمان مسلوقا، ولكننا في النهاية أكلنا بيوت العناكب المائية الموجودة في الصهاريج وعند هذا الحد فقط تجلى لنا إلى أي حد أوحشتنا الدنيا المعمورة.
ولما كنت لا أعرف أية وسيله أتقي بها الموت في ذلك الحين، فكل ما فعلته هو الاستلقاء لانتظاره في وضع يغدو أيسر منالا وأدنى أذى. في حين أن بلا كمان انتابته حمى لذكرى امرأة كانت من الرقة بحيث تستطيع النفوذ من الجدران بمجرد التنهد، وإن لم تكن هذه الذكرى سوى مجرد خدعة من بنات عبقريته لنسيان الموت عن طريق التعلق بذكريات الحب.
وعلى الرغم من ذلك، ففي اللحظة التي كان يجب أن نلقى فيها الموت، جاءني وهو اكثر حياءً من أي وقت، وأمضى الليل وهو يراقب احتضاري والافكار تدور في رأسي مائجة، إلى حد أنني لم أستطع أن أتبين إن كان الصغير الذي خالط سمعي مترددا بين الخراب
*221*
هو مرَّ الهواء أو تجارب أفكار، حتى كان الفجر عندما أخبزني بالصوت نفسه وبالعزم نفسه اللذين عهدتهما منه في الماضي أنه قد عرف الحقيقة الآن، وأنني أنا المسؤول عما أصاب حظه من التواء، وأنه قد جاء الاوان لكي أعدل حظّه من جديد وهكذا انتزع من جسدي كل خرقة كانت تسترني، ولفني في سلك شائب، ودلك جروحي بلمح صخرتين، وعلقني من عقبي في الشمس، وجعل يصيح بأن كل هذا التعذيب لا يكفي لاسترضاء أبراج نحوسه وفي النهاية طوح بي في قبو كان المبترون الاستعماريون يستخدمونه في تطهير الملاحدة، وبقدرته العجيبة على التقليد أخذ يحاكي أصوات الحيوانات الداجنة، وهفهفة الاغصان المثمرة وخرير الغدران الجارية، لكي يعذبني بإيهامي أنني أموت من الجوع وأنا في الفردوس! وعندما جاء المهربون أخيرا وزوده بالقوت عاد إليَّ في القبو لكي يعطيني ما آكله لئلا أموت من الجوع، ولكن جعلني أدفع ثمن هذا الإحسان بنزع أظفاري بزردية، وتثلم أسناني بمسن والواقع أنني أنا نفسي دهشت لقدرتي على مقاومة هذا التحلل الذي أصابني والذي بلغ حد العفن، خصوصًا بعد أن جعل يقذفني بفضلات طعامه ويلقي السحالي والصقور العفنة في زوايا القبو حتى يفسد هواءه وينتهي بي الأمر الى الاختناق والتسمم ولست أدري كم من الزمن مضى بي على هذه الحال عندما جاء بجثة أرنب لكي يريني أنه أن يرميه على أن تعطيه لي لكي آكله ولكن صبري كان قد بلغ مداه، فأمسكت جثة الأرنب من أذنيه وقذفت به إلى الحائط إيهامًا له بأنه هو المقصود بأن يتفجر إربًا وليس الأرنب، وعندها حدثت المعجزة كما لو كنت في حلم فإن الأرنب لم يعدد فقط إلى الحياة بصرخة فزع، بل ارتد الى يدي وهو يتواثب في الهواء!.
على هذه الصورة بدأ صعود نجمي وتألق حظي في الحياة ومنذ ذلك الحين أخذت أشق طريقي يحالفني التوفيق والسعد فكنت أخرج حمى الملاريا بين ضحاياها نظير ثلاثة بيزتات، وأبرئ العمي نظير أربعة ونصف، وأستصفي الماء من ضحايا الاستقاء نظير ثمانية عشر، وأرد المقعدين أسوياء نظير عشرين إذا لم تصابوا بالكساح منذ مولدهم، ونظير اثنين وعشرين إذا كان عجزهم نتيجة حادث أو شجار، ونظير خمسةٍ
*222*
وعشرين إذا كان العجر بسبب الحروب أو الزلازلة أو نزول جنود المشاة إلى البر أو أي نوع آخر من النكبات القومية، مع اعطاء عناية خاصة للمرضى العاديين بسعر الجملة وللأطفال بنصف الأجر، وللمعتوهين مجاناً، وللمجانين حسب نوع الجنون ومن يجسر بعد هذا، أيها السيدات والسادة، أن يزعم أنني لست محسنا ومن أهل، الخير؟ وأنت يا سيدي قائد الاسطول العشرين، مر رجالك بإزالة الاستحكامات والحواجز ودع الإنسانية المعذبة تتقدم لتنال الشفاء المجذومين إلى اليسار، والمصروعين إلى اليمين والمقعدين في جانب لا يسدون فيه الطريق، ومن خلفهم جميعا أولئك الذين ليست حالاتهم عاجله، ولكن ما أرجوه هو ألا تتزاحموا جميعا من حولي، وإلا فلن أكون مسؤولا إذا اختلطت الامر حتى كلها ببعضهما البعض فيشفى الناس من أدواء ليست يهم، ولتطلبوا إلى الموسيقى أن تصدح حتى تغلي آلاتها النحاسية، ولتطلق الالعاب النارية حتى يحترق من في الفضاء، ولتسكب الراح حتى تطيش الأفكار ولتجمعوا الحسان والبهلوانات والمصورين وأربارك الذبائح كانت على حسابي - سيداتي وسادتي - لأنه ها هنا سوف تنتهى تلك السمعة السيئة التي ألصقوها بنا معشر بلاكمان وأضاربه، ظلمًا وعدوانًا.
إن الشيء الوحيد الذي لا أفعله هو محاولة إحياء الموتى، لأنهم حالما يفتحون أعينهم سوف يتملكهم غضب قاتل على ذلك الذي أقلق راحتهم، والذي لا يلجأون منهم إلى الانتحار سوف يموتون مرة ثانية بخيبة الأمل وفي أول الامر جد في أثري فريق من الباحثين يحققون في مشروعية صناعتي، وبعد اقتناعهم توعدوني بأشد العقاب وأوصوا بأن أقضي بقية عمري في التطهر والتوبة لكي أرقى في النهاية إلى مرتبة قديس، بيد أنني اعتذرت إليهم عن ذلك مع بالغ احترامي لأقدرهم، إذ يكفيني ما نلت في حياتي من عذاب بلغ حد الاستشهاد فأنا في حقيقتي فنان، والشيء الوحيد الذي أريده هو أن أبقى على قيد الحياة، حتى أمضي على سجيتي على مستوى حمار في هذه السيارة ذات الست سلندرات التي اشتريتها من قنصل مشاة البحرية، والتي يقودها سائق من جزيرة ترينيداد كان أصلا مغني باريتون في أوبرا قراصنة نيو أورليانز، مرتديا قمصاني
*223*
الحريرية الجديدة، ومضخمًا بعطوري الشرقية، وأنا بأسناني المتلألئة، وقبعتي المخملية، وأزراري الملونة، حيث أنام بلا منبه، وأراقص ملكات الجمال، ثم أهجرهن محسورات، وكل ما أنا بحاجه إليه لكي أمضي في الاستمتاع بحياتي هذه التي هي أشبه بحياة أمير هو ذلك الوجه البادي البلاهة الذي هو وجهي، وعندي في الحياة فوق ما يكفيني بتلك السلسلة من المحال التي امتلكها من هنا إلى ما وراء الأفق، والكل يتهافتون للحصول على صوري المذيلة بإهدائي وتوقيعي، وعلى التقاويم المصدرة بقصائدي الغرامية، وعلى الانواع المحفورة عليها صوري، وعلى قطع تذكارية من ملابسي دون حاجة إلى إقامة تماثيل لي تقضي الليل والنهار في العراء وهي محط الطيور تنثر فوقها فضلاتها، كما هو حادث لتماثيل أكابر بلادنا!...
وإنه لمن بواعث الحسرة أن بلا كمان الطالح لا يمكنه أن يعيد ذكر هذه القصة لكي يرى الناس أنه ليس فيها اختراع ولا تلفيق فإن آخر مرة شاهده فيها أحد في هذه الدنيا بدا وقد فقد كل شيء حتى شموخه السالف، وذوت روحه المتوثبة، وتفككت عظامه من قسوة الصحراء، ومع ذلك كانت حوله بقية من أجراسه المدلاة من حوله ظهر بها في يوم الاحد ذاك على أرصفة ميناء سانتا ماريا دل دارين مع صندوقه التابوتي الخالد، في ما عدا أنه هذه المرة لم يكن يحاول أن يبيع أي ترياق ضد السموم، ولكن راح يتوسل إلى مشاة البحرية بصوت مضعضع من فرط الانفعال والتأثر أن يطلقوا النار عليه أمام كل الناس لكي يثبت للجميع في شخصه أنه مخلوق خارق معجز ذو خواص بدنية تتجدد فيها الحياة ذاتيا، فإن كنتم لا تصدقونني سيداتي وسادتي، من لكم كل الحق في هذا بعد كل ما بدا لكم من خدعي الشيطانية، فأقسم لكم بعظام أمي أن تجربة اليوم ليست من العالم الآخر، وانما هي الحقيقة المتواضعة، وإن بقي لديكم أي شك فما عليكم إلا أن تلاحظوا أنني لا أضحك اليوم مثلما رأيتموني أضحك في كل مرة، وانما أغالب في نفسي رغبة عارمة في البكاء...
ألا شد ما كان مقنعاً آنذاك، خصوصا وهو يفك أزرار قميصه وعيناه تفيضان بالدموع وهو يدق بيديه على قلبه لكي يشير إلى الوضع المضبوط للموت وعلى الرغم من هذا
*224*
فإن مشاة البحرية لم يجسروا على إطلاق الرصاص، خوفًا من أن تهتز مكانتهم أمام الجمهور المحتشد، إن صحت هذه المزاعم!..
ولكن ما لبث واحد ممن لعلهم لم ينسوا ألاعيبه الماضية أن جاءه من حيث لا يدري أحد بعلبة بها أعشاب سامة من أخطر أعشاب الكاريبي، ومع ذلك لم يتردد في التهام محتوياتها وهو يهيب بالجميع ألا يبلغ بهم التأثر إلى حد الصلاة على روحه سلفًا، لأن ميتته لن تكون سوى فترة انتقالية وفي هذه المرة كان صادقًا إلى حد أنه لم يصطنع حشرجة الموت الزائغة، وإنما نزل من فوق المنضدة مثل سرطان بحري ونظر إلى الأرض بحثا عن الموضع المناسب للتمدد، ومن رقدته تلك تطلَّع إلي بنطرة من يتطلع إلى أمه في ساعة محنته، ثم شهق شهقته الأخيرة وأقول لكم هذه كانت المرة الوحيدة التي خانتني فيها بالطبع فنون الشعوذة وكانت المحصلة أنني حملته إلى الصندوق الكبير الذي خصص فيه موضع له... وقد أقمت له جنازةً مهيبة كلفتني خمسون جنيهًا ذهبيًا ثم شيدت له ضريحًا يليق بإمبراطور فوق ربوة تهب عليها نسائم البحر
وعلقت على باب الضريح لافتة معدنيه بهذه العبارة هنا يرقد بلا كمان الملقب ظلما باسم بلا كمان الطايح، خادع مشاة البحرية، وضحية العلم وبعد أن غدا هذا التكريم كافيًا في نظري لكي أوفي مناقبه حقها العادل بالقسط، فقد تحولت إلى الاقتصاد منه عن مساوئه، وفي هذا رددته إلى عالم الحياة في جوف قبره المدرع، وتركته في هذا المثوى يتقلب فزعا هلوعا وكان ذلك قبل عهد طويل من التهام النمل للمرفأ سانتا ماريا دل دارين ولكن الضريح لا يزال قائمًا فوق الربوة لم يمسسه سوء في ظلال التنانين التي تتلق إليه لكي تنام في رياح الاطلنطي، وفي كل مرة أعرج فيها على هذا المكان أجيء إليه بحمولة سيارة كل الازهار ويدمي قلبي رثاء لعبقريته الذاهبة وسجاياه المبددة وعندما أضع أذني على اللافتة أسمع بكائه بين بقايا الصندوق الكبير المفتت ومرة أخرى أرده إلى عالم الاحياء من جديد، لأن حلاوة العقاب هي أن يظل هكذا بين الحياة والموت في قبره طالما أنا على قيد الحياة أعني إلى الأبد
*225*
مفاتيح النص:
الواقع العجائبي (السحري)، العزلة، العنف، الشعوذة والكهانة، غياب السلطة، الاستعمار، نهب ثروات البلاد، المادية، الجوع، الانتقام، الموت، الخداع، صراع الخير والشر، الاستغلال.
مهام:
1.بماذا اشتغل بلا كمان الطالح؟
2. هات ثلاثة امثلة على معجزات بلا كمان الطالح.
3. كيف تنعكس صورة مشاة البحرية في النص والام يرمزون؟
4. كيف يسخر ماركيز من أكابر البلاد وزعمائها؟
5. كيف يستغل بائع المعجزات بلا كمان الصالح.
6. تظهر في القصة مشاهد من الواقع العجائبي أو السحري هات مثالين على ذلك. وما الهدف من استخدام هذا الاسلوب؟
7. لماذا يدمج ماركيز في قصته بين الواقع والفانتازيا؟
8. هل نهاية القصة تفاؤلية علل ذلك؟
9. ماذا نعني بالسادية؟ وكيف تنعكس في النص.
10. من هو الراوي في القصة ولماذا يرفض إحياء الموتى.
11. تظهر في النص نصوص بين مزدوجين من يقول هذه النصوص وما الهدف من استخدامها.
12. كيف تنعكس صورة رجال الدين في القصة.
*226*
*226*
عاموس عوز(1939)
ولد في القدس. وانتقل إلى كيبوتس حولدة في عام 1954 درس الفلسفة والادب العبري في الجامعة العبرية في القدس نشر روايات وقصصًا قصيرة ومقالات عديدة، وقد ترجم إنتاجه إلى 19 لغة في 25 دولة. منذ عام 1986 يعيش في مدينة عراد ويدرس الادب العبري في جامعة بئر السبع. قصة عادة للريح نشرت عالم 1976 عام عوفيد.
آخر مجموعاته القصصية بين أصدقاء 2012.
عاموس عوز - عادة للريح
إشراقة رائعة للشمس آذنت ببدء اليوم الاخير لجدعون شنهاف.
نديُّا وشبه خريفي، كان الفجر. خيوط ضوء خافتة انبجست من خلف الاغصان الكثيفة التي شكلت سورا أغلق الافق الشرقي فكأن اليوم الجديد كان يخفي بنوع من الخداع نواياه الحقيقية، ولم يعط أية إشارة للقيظ الذي ينوي عليه.
وفي الجبال الشرقية ألق بنفسجي مشتعل. اججته ريح الصباح بعدما شقت أشعة الشمس سور الغيوم. وطلع النهار. كرة معتمة انشقت أمام أصابع النور وبالتالي صعدت الكرة المتوهجة، اصطدمت بسلاسل الغيوم واخترقتها. وصار الافق الشرقي يخطف الابصار. واستسلم البنفسجي اللذيذ الأرجواني الساطع والمريع. هز صخب الاستيقاظ المعسكر بضع دقائق قبل الشروق نهض جدعون شاقًا طريقا
*227*
بقدمين حافيتين وهو لا يزال يغالب النوم خارج السقيفة وتطلع نحو مصدر الضوء.
وبيدٍ نحيفة، سوداء ظالم جدعون عينيه اللتين لم تتخلصا من أثر النوم في تلك اللحظة وانطلقت يده الاخرى تزرر بعفوية أزرار ملابسه العسكرية تعالت الأصوات ورنين المعدن، وكان بعض النشيطين منكبين على تنظيف سلاحهم بانتظار طابور الصباح لكن، جدعون كان بطيئا. أثار مشهد الشروق في نفسه انفعالات متعبه، تلاها أشواق غير واضحة كان الشروق قد اكتمل والفتى لا يزال يغالب النعاس واقفًا إلى أن دفعوه من الخلف حاثينه على التحرك. دخل السقيفة ورتب سريره الميداني، نظف رشاشه وتناول أدوات الحلاقة وفي طريقه بين أشجار الكينا المطلية جذوعها بالأبيض. ولافتات التحذير والنظافة والطاعة تذكر أن اليوم هو يوم الاستقلال يوم الخامس عشر من أيار. وفي هذا اليوم ستنظم سريته هبوطًا احتفاليا بالمظلات في مرج ابن عام (عيمق يزراعيل) دخل سقيفة الحلاقة وانتظر إلى أن يخلي أحدهم مكانا أمام المرآه. في غضون ذلك نظف أسنانه وفكر بالفتيات الجميلات بعد ساعه ونصف ستنتهي الاستعدادات ويستقل أفراد السرية الطائرات ويقلعون إلى موقع الهبوط جموع غفيرة من، المواطنين المتحمسين وبينهم الفتيات أيضًا سينتظرون المظلين الذين سيهبطون قرب كيبوتس نوف حريش مسقط رأس جدعون، حيث ولد وترعرع وسكن حتى التحاقه بالجيش وعندما ستلامس قدماه تراب الحقل سيحيط به أولاد الكيبوتس ويهجمون عليه صائحين باسمه جدعون، ها هو جدعون ابننا وزميلنا.
اندس بين جندين أضخم منه بكثير، وبدأ يدهن وجهه بالصابون ويحلق ذقنه مضغوطا قال:
يوم حار
أجاب أحد الجنود:
ليس بعد ولكنه سيكون كذلك.
وأضاف جندي آخر من الخلف:
لعلك تنتهي من الحلاقة. بدلا من الثرثرة منذ الصباح
*228*
لم يتأثر جدعون لذلك. بالعكس: ولأمر ما تسببت له هذه الكلمات بفرح شديد. مسح وجهه واتجه نحو ساحة الانطلاق في تلك الاثناء أصبح الضوء الازرق رماديًا يميل إلى البياض. ضوء ساخنًا غير نقي.
بالأمس فقط افترض شمشون شاينبويم بثقة أن القيظ لن يتأخر عن المجيء لذلك أسرع فور استيقاظه في الصباح إلى النافذة وتيقن برضى صامت أنه أصاب هذه المرة أيضًا. أنزل الستائر الجزارة لحماية الغرفة من القيظ ثم غسل وجهه وكتفيه وصدره المغطى بشعر أبيض وكثيب، حلق ذقنه وأعد لنفسه قهوة وقطعة خبز أحضرها بالأمس من غرفة الطعام لشد ما كاد شمشوم شاينبويم يكره إضاعة الوقت، وبخاصة في ساعات الصباح الخصيبة: الخروج، الذهاب إلى غرفة الاكل، التحدث، قراءة جريدة، تبادل الآراء، ليضيع نصف الوقت في الصباح. لذلك اعتاد الاكتفاء بالقهوة وقطعة الخبز، وفي الساعة السادسة وعشر دقائق، بعد موجز الأخبار الاول، يكون والد جدعون قد جلس إلى مكتبه. صيفا وشتاء بلا كلل.
جلس إلى طاولته وبحلق للحظات معدودة بخريطة بلادنا المعلقة على الحائط المقابل بدا أنه يحاول تذكر حلم مزعج أمسك به قبل الفجر، تمامًا قبل أن يفيق من نومه لكن الحلم تملص من الذاكرة قرر شمشون بدء العمل على الفور وعدم إضاعة أية لحظة بعد الآن. عيد كبير اليوم، وليل العين لا يحتفلون به بتبذير الوقت بل بالعمل. وإلى أن يحين أوان الخروج ومراقبة المظلين وجدعون الذي قد يكون بينهم بالفعل ولا يمرض في اللحظة الاخيرة لا تزال أمام شمشون بضع ساعات من العمل لا يجب على إنسان في الخامسة والاربعين من العمر تبذير أوقاته، وبخاصة إذا كانت الاشياء التي عليه تدوينها على الورق كثيراً، كثيراً لدرجة الألم. فالمهام كثيرة.
شمشون شاينبويم ليس بحاجة لأن يلصقوا باسمه الألقاب. فحركة العمل العبري تعرف كيف تكرم آباءها. منذ عشرات السنين يحمل اسم شمشون مجدا لا يذوي. ومنذ عشرات السنين وهو يحارب بكل ما أوتي من طاقة من أجل إعلاء نبوءة شبابه. ولم
*229*
يتزعزع إيمانه أو يتأثر جراء خيبات الأمل والهزائم، بل أغنت نفسه بوتر من الحزن الحكيم: وكلما تعلم أن يفهم ضعف الآخرين وانحرافاتهم الفكرية، كلما اشتدت لديه القسوة تجاه ضعفه الشخصي ولم وبيد حديد كان يقضي عامه ويتواصل حسب مبادئه، بخط مستقيم كالمسطرة، وبنظام داخلي لا يعرف الرحمة وكذلك ما يشبه الفرحة الخفية ولكن الحماسية.
الآن بين السادسة والاربعين من صباح يوم الاستقلال لا يزال شمشون شاينبويم أبا غير ثاكل. لكن ملامح وجهه ليس أنسب منها لحمل هذه الهالة ملامح ثقيلة، حكيماً، ترى كل شيء لكنها تتجاوز ما رأت، تكسو وجهه المحفور بالأخاديد. ومن عينيه الزرقاوين يشع الأسى الساخر.
يجلس إلى طاولته منتصب الظهر منكبا على الاوراق يداه مستكينتان كانت الطاولة مصنوعةمن خشب بسيط مثل بقية الاثاث الضروري في الغرفة، بدون زينه: حجيرة راهب متنسك وليل مسكنا في كيبوتس قديم.
هذا الصباح لن يكون خصبًا على وجه الخصوص. وها هي الافكار تتبعثر منه أخرى كأنها تتتبع أثر الحلم الذي رفض وانطفأ في آخر الليل. يجب تذكر الحلم، وبعد ذلك يمكن أن ننسى وبالتالي التركز بالعمل أيضاً أتذكر أنبوبة وسمكة ذهبية ما، أو شيئا آخر جدالاً مع أحدهم. لا صلة له والآن إلى العمل ظاهرا، كانت حركة عمال صهيون - بوعلي تسيون قائماً منذ البداية على تناقض أيديولوجي لا يمكن جسره وفقط بواسطة حماس كلامي نجحت، في إخفاء هذا التناقض وليس التناقض سوى وهمي ومن يأمل باستغلاله لحماية الشخص ليخالف أو يصادم، فانه لا يعرف ماذا يقول. وها هو أيضًا البرهان البسيط.
شمشون شاينبويم رجل خبير بتجارب الحياة علمته حياته كم من العسف والحماقة يخيمان فوق اليد التي تحسم تقلبات مصيرنا، مصير الفرد، كما هو الحال مع مصير المجموعة ولم تبعد الفطنة عن شمشون شاينبويم طيبة القلب التي استقرت فيه منذ صباه ومن مزايا روحة العجيبة. والمثير للإعجاب السذاجة القائمة على العناد: مثل
*230*
آبائه وأجداده المكتملين الذين عرفوا الرهبة أيضًا، والذين لم تقم بداهتهم على حساب معتقداتهم. وفي حياته ما سمح شاينبويم لافعاله بالانفصال عن أقواله. حتى عندما تحول بعض قادة حركته إلى العمل الحزبي وكما لو بالصدفة تخلوا نهائيا عن العمل الجسماني، لم يترك شاينبويم الكيبوتس رفض كافة الوظائف والمناصب خارج الكيبوتس، وبعد تردد كبير وافق على أن ينتخب للمؤتمر العام للعمال ولسنين قليلة خلت ظلت أوقاته موزعه بالتساوي بين العمل الجسماني والفكري: ثلاثة أيام في حديقة الزينة وثلاثة أيام في كتابه المقالات. وحديقة الزينة الجميلة في كيبوتس نوف حريش معظمها من صنع يدي شمشون شاينبويم ما زلنا نذكر كيف كان يزرع ويقلم ويقص، يروي وينكش، ويسمد، ويغرر، يعشب ويقلع ايضا، وهو لم يدع مكانته كمفكر مركزي للحركة أن تعفيه من الواجبات الملقاة على عاتق كل عضو عادي، الحراسة المناوبة وجمع الغلة. ولا يعيب سير حياة شمشون شاينبويم أي ظل مزيف منذ البداية وحتى هذه اللحظة، فكله قالب صلب من النبوءة والتطبيب، لم يعرف الكل، ولم يفشل في ضعف الفكر هكذا كتب عنه سكرتير الحركة في الجريدة قبل سنوات معدودة بمناسبة مرور سبعين عاما على ميلاد شمشون شاينبويم رغم ذلك كانت هناك لحظات من اليأس الحاد كانت هناك لحظات من الغثيان القوي لكن، شمشون شاينبويم حول هذه اللحظات إلى مصادر سحرية لطاقة صاخبة وكما جاء في القصيدة الحماسية المفعلة لديه والتي تثير نشوة العمل في انتباذ، سطع نورنا، سنهاجر إلى الجبل، وراءنا يظل الماضي لكن ما أطول الطريق إلى الغد! لو أن هذا الحلم الاحمق يطفو من خلال عتمة الذاكرة لتكتشف الآن كاملا، لأصبح بالإمكان إلقاؤه إلى الهاوية والتحرر أخيرا بالعمل الزمن يمضي. أنبوبة مطاطية، حيلة في الشطرنج، أسماك ذهبية، مشادة كبرى، ولكن ما هي العلاقة؟ سنوات كثيرة عامرة، شمشون شاينبويم وحيدا استثمر طاقته كلها في الإبداع الفكري كلفه إنجازه الحياتي التخلي المصحوب بالألم عن إقامة عش عائلي. وبدلا من ذلك حظي شمشمون شاينبويم بالاحتفاظ حتى مرحلة الشيخوخة بصفاء الشباب ودف القلب وفقط عندما بلغ السادسة والخمسين تزوج فجأة من راعية جرينشفين وأنجب جدعون
*231*
وبعدها انفصل عنها ليتركز بالعمل الفكري. ولكنه لا يملك المبالغة، فقبل زواجه شدت شخصيته النساء إليه مثلما شدت الطلاب أيضاً ومنذ أيام الشبابة أبيض شعره الغزير وتشقق وجهه الملوح بأشعة الشمس على هيئة مربعات آسرة من الخطوط والقنوات ظهره المربع، كتفاه القويان والحكيمان، نغمة صوته الذي كان دافئا، شكاكا، كأنه غارق أزلي، بالتفكير، وكذلك عزلته، كل ذلك شد إليه النساء كالعصافير التي أصابها الدوار. وتنسب إليه الشائعات واحدا على الاقل من أطفال الكيبوتس كذلك تتردد الشائعات في أماكن أخرى. أما نحن فسنلتزم الصمت حيال ذلك.
في السادسة والخمسين من عمره قرر شمشون شاينبويم أنه من المستحسن أن ينجب ابنا وريثا يحمل طابعه واسمه إلى الجيل القادم لذلك احتل وبشكل صاخب جسد راعية جرينشفين، الفتاة الصغيرة الجسم والثقيلة النطق التي كانت أصغر منه بثلاثة وثلاثين عاما وبعد الزواح الذي انعقد وسط مجموعة مصغره ولد جدعون وقبل أن يفيق الكيبوتس من ذهوله أرسل شمشون شاينبويم راعية إلى غرفتها السابقة وعاد ليتركز بالفكر. تركت هذه المسألة أصداء مختلفة، كذلك سبقتها حيرة وتردد في نفس شمشون شاينبويم نفسه.
الآن سنتبنى الفكرة ونفرض على الذاكرة طريقة منتظمة ها هو الحلم يقع بالمصيدة رويدا. جاءت إلى غرفتي وطلبت مني القدوم على جناح السرعة إلى المكان ووضع حد للفضيحة الدائرة هناك. لم أستفسر عن هوية أهد بل أسرعت في أعقابها أحد الاشخاص سمح لنفسه ببناء بركة في الحديقة أمام غرفة الاكل فثارت ثائرتي غضبا لان أحدا لم يقرر بهذا الشكل المفاجئ استحداث تجديد كهذا بركة للزينة أمام غرفة الاكل على غرار قصور النبلاء البولونبين! صرخت عاليًا، ولكن على من، فإن الصورة ليست واضحو هنا كانت الاسماك ذهبية في داخل البركة وولد يملؤها بالماء بأنبوب بلاستيكي أسود عندها قررت وضع حد لهذا الشيء في الحال، لكن الولد رفض الاستماع لأوامري قررت تتبع الأنبوب للوصول إلى الحنفية ووقف تيار المياه قبل أن ينجح أحدهم في تحويل هذه البركة إلى حقيقة منتهية وظللت أتتبع وأسير إلى أن اكتشفت فجأة أنني أسير
*232*
بشكل دائري وأن الانبوب غير موصل بأية حنفية بل يعود إلى البركة ويستمد منها المياه انه أمر تافه وشرير. لقد انتهى وبهذه الطريقة يمكن فهم البرنامج الاصلي لحركة عتابة صهيون دون أية جدلية، هكذا وبكل بساطة، كلمة تلو الاخرى.
بعد انفصاله عن راعية جرينشفتبن لم ينس شمهشون شاينبويم واجبابه كأب روحي ولم ينفعل من المسؤولية ومنذ أن أكمل ابنه سنته السادسة أو السابعة عمره بأشعة شخصيته رغم أن الولد خيب الامل قليلا وطفل مثل جدعون لا يؤسسون سلاله ففي طفولته كان أنفه يسيل باستمرار نوع من الرشح المتواصل، أو ربما ميل إلى البكاء بطيء وحائر، يتلقى الضرب والإهانة ولا يكيل الصاع صاعين، ولد غريب، يحمل على الدوام أوراق الحلوى الذهبية، أوراق شجر مجففة، وديدان القز وابتدأت بسنته الثانية عشرة كانت كافة الفتيات من كافة الاجناس يحطمن قلبه الواحدة تلو الاخرى.. كان يحمل على الدوام قصة حب فاشل وقد نشر القصائد الحزينة، والمعارضات القاسية في جريدة الطلاب. غلام أسود البشر، لين وجميل بصوة شبه نسائية، يحرث مسالك الكيبونس بتواصل وبصمت عنيد وهو غير بارز في العمل ولا في حياة المجتمع يتحدث ببط ونن المؤكد أنه يفكر ببطء
أما قصائده التي نظمها فبدت لشمشون عاطفية بلا معنى، والمعارضات الساخرة سامه لا حياة فيها ثم إن كنية المدلل تلائمه تماما، لا يمكن إنكار ذلك. والابتسامات المتواصلة التي لا تطاق والتي يلصقها على شفتيه بدت لشمشون نسخاً طبق الأصلي ومثيرة للإحباط عن ابتسامات راعية جرينشفين.
وها هو جدعون، قبل سنة ونصف تقريبا يتسبب لوالده بمفاجأة هائلة: ظهر فجأة وطلب من شمشون الموافقة كتابًيا على التحاقه بجيش المظليين يحق للابناء الوحيدين لدى أهلهم بالالتحاق بهذا الجيش بموافقة كتابية من والديهم وبعد أن اوضح لشمشون شاينبويم أن ابنه لا يمارس هذه المرة تهريجاته الغريبة وافق على الطلب. وبسرور بالغ، فهذا تحول يبعث على التشجيع في تطور الفتى الذي سيجعلون منه رجلا بمعنى الكلمة
*233*
لكن المعارضة الصلبة من راعية جرينشفين وضعت عقبة غير متوقعة أمام خطط جدعون كلا، إنها لن توقع هذه الورقة. ولا بأي حال مرن الاحوال هكذا ذات ليلة حمل شمشون نفسه إلى ضربها محاولا إقناعها مقدما التبريرات والبراهين ولكن كل شيء ذهب سدى فهي لن توقع وليس لديها أسباب. هكذا. اضطر شمشون شاينبويم إلى اللجوء لاساليب ملتويه كي يستطيع الفتى الانضمام إلى المطلين كتب رسالة شخصية إلى يوليك نفسه. طلب خدمة شخصية. السماح لابنه بالتطوع . فالام ليست مستقرة عاطفيا ولا بد أن يكون الفتى مطليا ممتازا. كل ذلك بالطبع على عاتق شمشون وبالمناسبة، في حياته ما توجه بطلب شخصي إلى أحد ولن يكرر ذلك أبدا فهذه هي المرة الوحيدة طيلة حياته. رجاء أن يبذل يوليك كل ما بوسعه. في أواخر شهر سبتمبر، عندما ظهرت علامات الخريف الاولى في البساتين، التحق الفتى جدعون شنهاف بوحدة المطبين.
منذ تجنيد جدعون انكب شمشون شاينبويم بكل ما أوتي من قوة على العمل الفكري الذي يشكل وحدة بصمات الإنسان على هذه الدنيا هذه البصمات لن تختفي أبدا من سيرة حركة العمل العبري. وهو لا يزال بعيدا عن الشيخوخة. ورغم كونه في الخامسة والسبعين فان شعر جبهته الكثيف لم يتناقص بعد، وما زال جسمه يتحرك بواسطة عضلات صغيرة وقوية. والعيون لا تزال مفتوحة والقلب مرهف، صوته القوي والجاف والمثلوم قليلا يصنع الاعاجيب بالنساء في كل جيل مشيته واثقة، ومظهره يشي بالتواضع. وممكن القول إن حبل سرته لا يزال متصلا بأرض كيبوتس نوف حريش كره الطقوس والاجتماعات الخطابية والتعيينات والوظائف. وبريشته فقط يسجل شمشون شاينبويم اسمه على حائط بنايتنا القومية والحركية.
إشراقة رائعة للشمس اذنت ببدء اليوم الاخير لجدعون شنهاف حتى أن عينيه تخيلتا حبات الندى المتبخرة في الحر. ومن بعيد اشتعلت العلامات على رؤوس القمم في
*234*
الشرق اليوم عيد، عيد استقلال الدولة وكذلك عيد الهبوط في سماء البيت قضى ليله كله يلملم خيوط حلم ليس بالحلم، مشاهد عاطفيه في غابات شمالية معتمة، رياح عاصفة وأشجار كبيرة لم يعرف اسمها. وطوال الليل تساقطت أوراق شاحبة فوق سقائف المعسكر. وبعد ألم استيقظ في الصباح ظلت تتردد في أذنه أصوات الغابة الشمالية وكافة الاشجار الكبيرة التي لم يعرف اسمها.
لقد أحب جدعون حتى النخاع ذلك الهبوط العذب بين القفز من فتحة الطائرة وفتح المظلة تصعد الهاوية إليك بسرعه البرق وتيارات هواية صاخبة تلف جسدك فتنتشي من اللذ السرعة نشوانة وهي مشاع تصفر وتزأر فيهتز جسدك كله امتثالا لها وتستعمل الإبر عند أطراف الأعصاب والدم يضرب ويضرب فجأة، عندما تكون كالبرق في الريح، تنفتح المظلة وتمنع الاحزمة سقوطك، كأن ذراعا قوياً هادئاً وحازماً تأتي لتضع حدا لمواصلتك خيلاءك في الأعالي كأن الاذرع تمسك يدك من جذعك مباشرة وبدلا من اللذة اللا محدودة جاء الآن دور اللذة المنضبطة المحمية. ووئيدا يضعف جسمك في الاعالي، يطفو، يتردد، وينجرف قليلا مع الريح الخفيفة ولن تستطيع أبدا التكهن بالموقع الذي ستلامس عنده قدماك الارض هل فوق قمة تلك التلة أم أمام البيارات - وأنت عصفور مسافر ومتعب، تهبط على مهلك ترى أسطح البيوت والشوارع والبقر في إصطبلاتها بطيئا كأنك تملك الخيار وكأن القرار كله بيدك عندما تلامس قدماك الارض فتبدأ دحرجتك التي تدربت عليها بغية التخفيف من صدمة الوقوع ولا بد لك من استرداد روعك خلال ثوان معدودة وتعود دورتك الدموية المتسارعة إلى طبيعتها وتسترد الابعاد نظامها الاعتيادي ولن يظل بقلمك سوى الاعتزاز المتعب حتى لحظة التقائك الضابط والزملاء، لتخضع لنظام الاستعداد السريع من جديد.
سيتم كل ذلك هذه المرة في سماء كيبوتس نوف حريش.
سيرفع الكبار رؤوسا تتصبب عرقًا ويعلون قبعاتهم محاولين التعرف الى جدعون وسط النقاط الرمادية المتراقصة في الهواء وسيتعالى صياح الصغار في الحقل وهم أيضًا
*235*
سينتظرون بحماس بطلهم الذي سيهبط في السماء وستخرج الأم من غرفة الطعام لتقف في الخارج تتلمظ وتتحدث إلى نفسها أما شمشون فسيغادر مكتبه مدة قصيرة ولعله ينقل كرسيا إلى شرفته الصغيرة ليرقب المشهد كله بنظرات متأمله وفخورة بعد نذلك سيستضيف الكيبوتس السرية ببشاشة، وفي غرفة الطعام سيقومون باعداد أباريق الليموناده التي سترشح لبرودها وتتواجد صناديق ملآى بالتفاح أو ربما بالكعك الذي خبزته العضوات القديمات وقد نقشت عليها كلمات التهنئة بحروف من الكريما في السادسة والنصف صباحا تغلبت الشمس على هفواتها الملونة، وارتفعت بدون شفقة فوق أعالي الجبال الشرقية. قيظ لزج هبط ليسيطر على البلاد كلها وسخنت الاسطح القصديرية لسقائف المعسكر واستردت لظى الانبهار. إشعاع مكثف ومدهش بدأ يتسرب من الجدران إلى الداخل وعلى الشارع الحادي لسياج المعسكر لوحظت حركة سير نشطة للباصات والشاحنات لقد بدأ مواطنو القرى والبلدات المتجاورة بالتوجه إلى الابنية الكبيرة لمراقبة العرض العسكري ومن خلال حاجز الغبار أمكن تمييز لمعان القمصان البيضاء لهؤلاء المواطنين المحتفلين، وحتى سماع صخب غبائهم من بعيد أنهى المظليون عرضهم الصباحي. كذلك تمت قراءة الامر اليومي لقائد الاركان وعلقه بالدبابيس على لوحة الإعلانات في المعسكر. كان طعام الإفطار احتفاليا اشتمل على بيضة مسلوقة مزينة بورقة خس وتحاطه بالزيتون من كل جانب.
بدأ جدعون بالغناء بصوت هادى وقد سقطت غرته السوداء على جبينه وانظم إليه الآخرون. وبين حين، وآخر كان أحدهم يستبدل أحد أبيات القصيد ببيب ساخر أو بذيء من عنده وسرعان ما تبدلت الاغاني العبرية بالحان عربية تخرج من حلوى بائسة ووقف قائد الفرقة، وهو ضابط أشقر الشعر جميل المنظم أحاطته الاساطير التي تروى حول المواقد الليلية، ليقول: كفى، وتوقف المظليون عن الغناء، وارتشفوا بسرعة بقايا القهوة الدسمة من فناجين القهوة واتجهوا نحو مسالك الإقلاع هناك جرى عرض إضافي تحدث فيه الضابط إلى الاشخاص الموجودين بعض كلمات الحب حتى انه وصفهم بأنهم ملح البلاد، ثم أمرهم جميعا بالصعود إلى الطائرات التي كانت تنتظرهم وقف سادة
الاقسام عند مداخل الطائرات يفحصون الاحزمة للتأكد من متانتها. أما القائد فقد تجول بنفسه وسط الفتية مربتاً على أكتافهم مازحا منتشيًا وباثا الحماس كأنها أمسية قتال كانت تلك الامسية وكأن الخطر أمر حتمي رد جدعون من جهته على التربيب على كتفه بابتسامة سريعة مرت على شفتيه الدقيقتين كان نحيفا كالمتقشف وبشرته محروقة تماما كانت تلك عين الضابط الاسطوري الاشقر الثاقبة التي استطاعت تمييز شريان أزرق انتفخ في عنق الفتى ونبض إيقاع سريع.
آنذاك اقتحم القيظ المخازن المعتمة أيضًا، مبيدا بلا رحمة المعاقل الاخيرة للبرودة، مشعلا كل شيء باللهب الداكن. وصدرت عن المحركات ضجة خفيفة. وهربت العصافير عن المسلك اهتزت الطائرات وبدأت تتحرك بتثاقل ثم أخذت تستجمع قوة للانطلاق لن يتم الإقلاع بدونها.
يجب الخروج إلى الحفل واستقباله بالمصافحة.
هذا ما قرره شاينبويم بنفسه مغلقا الدفتر أمامه يبدو أن شهور الخدمة في الجيش قد صقلت الفتى إنه أمر لا يصدق، ولكن يبدو أن عوده يصلب وهو ما زال بحاجه لأن يتعلم كيف يتدبر أموره مع النساء يجب أن يتحرر مرة واحدة وإلى الابد من حيرته وميوعته: فليترك هذه الصفات للنساء أما هو فعليه أن يكون قويا وإلى أي مدى تحسنت قدرته على لعب الشطرنج قريبا سيصيح بإمكانه أن يعرض والده للخطر، ولعله يلحق به الهزيمة أيضا في يوم من الايام تلك بنود أخرى المهم ألا يتزوج من أول فتاة تستسلم له عليه أن يحطم اثنتين أو ثلاث فتيات منهن قبل أن تبسط مظلة الزواج وخلال سنوات قليلة سيكون عليه أن ينجب له الأحفاد. أحفادا كثيرين وسيكون لأبناء جدعون أبوان سيقوم ابني بتربيتهم أما أنا فسأفتح عيونهم على الدنيا. لكن نما الجيل الثاني وترعرع في ظل مشروعنا، لذلك وجد نفسه في ورطة جدلية لكن الجيل الثالث هو الذي سيشكل دمجا عجيبا ويعطي محصولا مباركا، سيعلمهم آباؤهم العفوية وشيوخهم الفكر. وسيكون ذلك تراثاً عظيما سيصفى بن الشوائب الوراثية
*237*
العوجاء يجب تسجيل هذه الجملة في المفكرة، سيحين أوانها لتحتل مكانها في الحي مقالاته القادمة. إنني أرى أمام عيني جدعون وأصدقاءه والاسى يعتصر قلبي يأس سطحي يفوح منهم، وقفر، وهزء ساخر. إنهم لا يعرفون الحب بكل ما أوتوا من قوه وهم ليسوا قادرين على الكره بنفس القدر. ليس حماسا أو قرفا اليأس بحد ذاته، لن أنتقص منه شيئا والشقيق الازلي للعقيدة هو اليأس. ولكن ما هو نوع اليأس المعني. يأس رجولي وغاضب، ليس حرا شاعريًا وسوداويا اجلس بهدوء يا جدعون وكف عن الحكاك، كف عن قضم أظفارك سأقرأ لك صفحة جميلة من برينر تمط فمك ساخرا؟ حسنا لن أقرأ اخرج واكبر كالبدوي إذا كان ذلك ما تبحث عنه ولكن إذا لم تتعرف على برينر فلن تملك أية فكرة عن اليأس والعقيدة فهنا لن تجد تلك الاشعار الباكية.
عن ضبع علق في مصيدة أو زهور في عاصفة كل شيء تشتعل فيه النيران لدى برينر الحي والكراهية أيضًا قد لا تكونون أنتم بل أبناؤكم من سيعرف النور والظلام والعين بالعين تراث عريق سيصفى بين الشوائب الوراثية العوجاء ولن نسمح بإفساد الجيل الثالث بتدليله أو إدعائه الفروسية والقبل والانطفاء. ها هي الطائرات قادمة. الآن سنعيد برينر إلى مكانه على الرد ونخرج للمفاخرة بك قليلا يا جدعون شاينبويم.
قطع شارنبويم الحقل المعشب بخطوات عريضة، صعد على المسلك الإسمنتي وغذ الخطى نحو القطعة الجنوبية الغربية، حيث الحفل المحروث الذي اختير لهبوط المظليين. تلكأً في طريقه أكثر من مرة قرب أحواض الزهور وانتزع الاعشاب الضالة التي راوغت فاختفت في ظل الشجيرات الصغيرة المزدهرة. لكن عيني شاينبويم الصغيرتين الزرقاوين اعتادتا على الدوام صنع الاعاجيب في اصطياد الاعشاب الضالة ولم يكن سوى جيله الذي جعله يعتزل منذ سنوات قليلة عمله في فرع الزينة، ولكن ما دامت في جسده روح فلن يتوقف عن تفتيش أحواض الزهور بلا رحمة وليسقر منها كل عشبة ضالة. في لحظات كهذه يفكر بوريثه الاصغر منه سنا بأربعين عاما، ذلك الشاب الذي سلمه فرع الزينة، ذلك الرسَّام المحلي الذي استلم حديقة زاهرة أخذت تتدهور من شهر لشهر وها
*238*
هي تفسد أمام ناظريه تماما.
مرت ثلة من الاولاد المنفعلون بسرعة أيام شمشون شاينبويم . كان الاولاد غارقين في جدل عنيف وتفصيلي حول نوع الطائرات المحلقة في سماء المرج. وبسبب ركضهم فقد دار الجدال على شكل صراخ عالي يتخل اللهاث أسلف شمشون أمسك بطرف قميص وأوقفه بالقوة أدنى وجهة من وجه الولد وقال:
أنت زاكي؟
قال الولد:
دعني
وقال شاينبويم:
لماذا كل هذا الصراخ؟ ليس لديكم سوى الطائرات في رؤوسكم؟ والركض هكذا بين الزهور حيث كل ممنوع الدخول هل هذا مسموح لكم؟ كل شيء مسموح؟ مشاع؟ انتبه إيلي عندما أتحدث معك! وأجب مثلما يفعل البشر، وإلا
لكن زاكي استغل فيض الكلمات التي وصلت على رأسه ، وبشكل مفاجئ وقفزة مخادعة ومجنونة، سلخ نفسه عن اليد الممسكة به، اندس بين الشجيرات وتظاهر كالقرد الشرير ووضع حدا للكلام.
أطبق شاينبوبم شفتيه وبلمح البصر أخذ يفكر بالشيخوخة وبمثله أيضا استبد هذا التفكير من نفسه وقال لها سيكون خيرا سنعالج ذلك أيضاً أي - عزاريا وبحسابات سريعة، مؤكد أنه في الحادية عشرة على الاقل وقد يكون في الثانية عشرة أيضًا إنسان متوحش جحش.
في تلك الاثناء احتل الفتية المتدربون مواقع مراقبة في أعلى برج المياه، ويطوقون بأنظارهم المروج المنبسطة . أعاد هذا المنظر إلى ذاكرة شاينبويم صوراً من الطبيعة الروسية . وللحظة استهوته فكرة التسلق إلى قمة البرج ومشاهدة الهبوب عن بعد بعيدا عن أية ضغوط لكن التفكير بالمصافحة الرجولية المرتقبة دفعه لان يوسع أكثر فأكثر خطواته الحثيثة إلى أن وصل طرف الحقل في هذا المكان توقف منفرج الساقيين ويداه مكتوفتان فوق
*239*
صدره وقد سقطت غرته البيضاء الرائعة فوق جبينه. إشرأب بعنقه متتبعا طائرتي النقل بنظرات رمادية وثابتة التجاعيد في وجه شمشون شاينبويم أغنت الملامح التعبيرية فيه قطعة الفسيفساء المتشعثة تلك قدمت مزيجا نادرا من المكابرة والتأمل راسمة رمزا معينا لسخرية أحسن التحكم بها حاجباه الابيضان الكثيفان جعلا كل من يتأملهما يتخيل شيئا من صور القديسين في الكنائس وبخصوص الطائرات فقد استكملتا في هذه الاثناء دورة واحدة واقتربت الاولى من سماء الموقع. انفرجت شفتا شمشون شاينبويم قليلا تحييه السبيل لصوب تنهيدة مكتومه وعميقه: لحن روسي قديم بدأ ينبض في صدره كتلة متلاصقة أولى من المظليين قذفت من الفتحة الفاغرة (فاها) في جانب الطائرة أجسام صغيرة وسوداء انتشرت في الفضاء كالحبوب التي يلقي بها المزارع في مشهد صهيوني قديم.
في تلك الساعة أخرجت راعية جريشغين رأسها من شباك غرفة المطبخ. وهزت بقوة مغرفة كانت بيدها كأنا تحذر قمم الاشجار كان وجهها محمرا وغارقا بالعرى بسبب القيظ الثقيل. وقد تسبب العرق بالتصاق ثوبها الخشن بساقيها الصلبتين والمشعرتين. كانت تتنفس بشدة وبأظفار يدها الخالية أخذت تنبش في جدائلها المهملة وفجأة استدارت بوجهها إلى الداخلي وأخذت تصرخ ببقية العاملات:
بسرعة! إلى الشباك أيتها الزميلات ! جيدي فناك جيدي في السماء! وسكتت مذهولة.
بينما كانت مجموعة المظليين تحلق وئيدا مثل حفنة ريش بين الأرض والسماء، انخفضت الطائرة الثانية قاذفة مجموعة جدعون شنهاف وقف المظليون متلاصقين قرب الفتحة الفاغرة البطون تدفع الظهور لتصبح أجسادهم كتلة واحدة متسمرة مليئة بالعرق عندما جاء دور جدعون شد الفتى على أسنانه وضم ركبتيه، كالمولود في داخل الضوء القائظ ألقى بنفسه وبدأ يسقط صرخة فرح وحشية ومتواصلة انطلقت من حلقه في ذات اللحظة سقط ورأى أقاليم طفولته ترتفع إليه وسقط ورأى السطوح والقمم وابتسم
*240*
لها كمن يسلم عليها، سلاما لكم جميعا، وسقط نحو الكروم وممرات الباطون والعروش والانابيب اللامعة وسقط بقلب فرح. في حياته ما ذاق طعم الحب القوي الذي يسمر الظهر، مثلما يحدث له الآن. تحفزّت شرايينه كلها، وكأنه ينبوعا من اللذات تدفق بداخله وفي أعلى ظهره حتى مؤخرة عنقه وجذور شعره وكالمجنون تواصل صراخ جدعون لشدة الحب وانغرزت أظفاره بكفيه المتكورتين حتى كاد الدم ينزل منهما ثم انفتحت أحزمة المظلة وضربته تحت إبطه. وبقوة أحاطت وسطة وبلمح البصر أحس كأن يدا خفية تشده للوراء إلى أعلى، نحو الطائرة، حيث قلب السماء وتبدل السقوط العذب بتأرجح لين، بطيء كأنه في مهد، او كمن يطفو ببركة ماء دافئ فجأة أصابه ذعر شديد: كيف سيميزونه في الاسفل؟ كيف سيتعرفون على وحيدهم وسط غابة المظلات البيضاء؟ كيف سيعانقونني، ولا أحد سواي، بنظراتهم القلقة المحبة، من بين الجميع؟ أمي وأبي والفتيات الجميلات والأطفال الصغار والجميع؟ يجب ألا أضيع هكذا وسط جميع المظلين. ألست أنا، وأنا فقط، من يحبون؟ ليكن!
في تلك اللحظة أومضت فكرة برأس جدعون، مد يده إلى كتفه وسحب خيط المظلة الاحتياطية المخصصة لحالة الطوارئ فقط. عندما انتشرت المظلة الثانية فوقه أبطئت حركته وبدا كمن توقف تأثير الجاذبية الارضية عليه. كان الفتى يحذف وحيدا إلى قلب الكون كما النورس، كما الغيمة الوحيدة كان آخر زملائه قد ثبتوا أقدامهم على الارض وبدأوا يطوون مظلاتهم وجدعون شنهاف وحده فلم يحلق كالمسعور يحلق ويحلق مظليان ضخمتان مفتوحتان فوق رأسه. ثملا وسعيدا كان محط مئات النظرات المنغرزة اليه لوحده بوحدانيته الساطعة لتعظيم هذا الموقف ورفع مكانته هبت من الغرب ريح قوية، باردة قليلا، قسمت القيظ إلى نصفين، تسربت بين شعور المشاهدين وحملت إلى الشرق قليلا جسد آخر المظلين.
بعيدا عن هنا، في المدينة الكبيرة، استظل جمهور المواطنين الذين انتظروا العرض العسكري بتنهيدة نسمة ريح البحر المفاجئة: لكن القيظ قد انكسر ريح باردة ومالحة
*241*
أشفقت على الشوارع الساخنة تقوت الريح وانقضت معولة على قمم الاشجار وثنت أسراب السرور وباعدت بين أغصان الصنوبر، حملت، خليطا من الغبار مكدره المشهد فى عيون مشاهدي تظاهرة الهبوط وبهيبة ملوكية، مثل طائر ضخم ووحيد، انجرف جدعون شنهاف نحو الشارع الرئيسي شرقا لم يكن بمقدور الفتى أن يسمع صرخة الخوف التي انطلقت من مائة حنجرة مرة واحدة منتشيا، حالما يتغنى ويواصل التأرجح على مهله نحو سلك الكهرباء المركزي المشدود بين أعمدة ضخمة أحاطت عيون الجمهور الغاضبة المظلي واستقرت على أسلاك الكهرباء التي تقطع المرج من الغرب إلى الشرق بثقة مستقيمة خمسة أسلاك متوازية ومقعرة بين الاعمدة لثقلها ذاتها، وزمزمة عنيدة صامتة في هذه الريح المتدافعة.
علقت مظلتا جدعون بالسلك العلوي لحطة واحدة لتستقر قدماه على السلك السفلي ها هو جسده يرتطم مائلا، لتمسك أحزمة المظلات بخاصرته وكتفه وتمنعه من السقوط إلى الارض المحروثة. لولا حذاؤه الذي كاد يحتوي على طبقة عازلة وصلبة، لتلقى الفتى ضربة برق لحظة هبوطه لكن السلك في تلك الاثناء ثار ضد الشحنة الغريبة بادئا بإحراق الحذاء وبكلتا يديه أمسك بأحزمة المظلة. عيناه جاحظتان وفمه فاعر. وفي الحال هب أحد الضباط، قصير القامة والعرق يغمره وانطلق من بين الجمهور المتجمد وصرخ
لا تمسك الاسلاك يا جيدي، اسحب جسدك للوراء وابتعد بقدر المستطاع! بدأت كتلة الجماهير المتراصة والمذعورة. تتحرك على مهلها شرقا انطلق صراخ وتعالى عويل. وبصوته المعدني أمر شاينبويم الجموع الصارخة بالتزام الصمت والحفاظ على رباطة الجأش واندفع يركز بثبات، ساحقا بحذائه أجداث الارض، شاقا خطا مستقيمًا وصارما، ووصل تحت السلك مباشرة، أبعد الضباط وجموع الفضولين الذين سبقوه إلى المكان، وأمر ابنه: فك نفسك من الاحزمة يا جدعون، فكها واهبط في الحال. هذه أثلام محروثة ولن يحدث لك أي شيء فك نفسك واقفز!
لا أستطيع!.
*242*
لا تجادل الآن. تحرك واقفر اسمع ما يقال!
لا أستطيع يا أبي. يا أبي، لا أستطيع! لا أستطيع!
لا يمكنك ذلك! حرر نفسك واقفز إلى الاسفل قبل أن تحرقك الكهرباء هناك
لا يمكن تشابكت الاحزمة، لا أستطيع، ليوقفوا هذا التيار بسرعة، أبي، لقد بدأ حذائي بالاحتراق.
في غضون ذلك كان عدد من المظلين بدأوا يعيدون النظام ويصدون الجماهير المتدافعة، يبعدون مقدمي النصائح ويحلون مكانا في الاسلاك وكمن يردد قسمًا أو همسا سحرا كان المظليون يرددون بلا انقطاع الكلمات لا حاجة للذعر، بدون فوضى، من فضلكم.
وبالجوار تدافع صغار الكيبوتس وأقاموا الجلبة لم ينفع التوبيخ ولا الصراخ. وبجهد كبير نجح مظليان غاضبان بالإماك بزاكي الذي أخذ يتسلق بغباء تام عمود الكهرباء المجاور مطلقا صراخا وصفيرا مؤديا حركات بهلوانية لجذب أنظار الجمهور إليه.
صرخ الضابط قصير القامه فجأة:
حربتك! لديك حربة داخل الحزام، أخرجها واقطع الاحزمة!
لكن، جدعون لم يسمع ولم يرد أن يسمع. وبدأ ينتحب بصوت عال:
أنزلوني! ستصعقني الكهرباء في الحذاء أبي، أنزلوني من هنا، لا يمكنني النزول لوحدي!
كفَّ عن النحيب صرخ شمشون قالوا لك استخدم الحربة واقطع الاحزمة، افعل ما يقولونه لك! بدون بكاء!
وامتثل الفتى، بينما نحيبه يتواصل وبصوت عال، تحقق مكان الحربة وبدأ بقطع أحزمة المظلة الواحد تلو الآخر، ومن حوله سكوت تام لا يقطعه سوى صوت بكاء جدعون، الغريب والمؤثر، من حين لآخر بقي حزام واحد فقط، كان جدعون متعلقا به، ولم يجرؤ على قطعه هو الآخر.
اقطع! صرخ الاولاد اقطع واقفز لنراك!
*243*
وأضاف شمشون بصوت معتدل.
ما الذي تنتظره بعد؟
لا أستطيع رد جدعون متوسلا
تستطيع أكثر من ذلك! قال أبوه.
التيار كهربائي قال الفتى باكيا بدأت أحس بالتيار، أنزلوني بسرعة
قفز الدم إلى عيني الاب الذي زأر جبان، اخجل قليلا إنك جبان!
لكنني لا أستطيع، ستتحطم عظامي كلها، المسافة عالية
تستطيع، وأنت ملزم بذلك لكنك مجنون، هكذا أنت. مجنون وجبان سرب من الطائرات النفاثة كان في طريقه إلى العرض الجوي في سماء المدينة مرفوق رؤوسهم كانت تلك الطائرات النفاثة منتشرة على هيأة مضبوطة ملأ هدير محركاتها بها الجو وهي منطلقة غربا مثل سرب من الكلاب المتوحشة عاد الهدوء ليتعلق مخيما على الجو الذي ابتعدت عنه الطائرات. كذلك الفتى، توقف عن البكاء وسقطت الحربة من يده إلى الارض وانغرز اللهب عند قدمي شمشون شاينبويم.
ماذا فعلت؟ صرخ الضابط القصير.
ليس عمدا رد جدعون متوسلا أفلتت من يدي.
انحنى شمشون شاينبويم إلى الارض ورفع حجرا صغيرا، استقام وأطلقه غاضبا في مؤخرة ابنه المعلق
أيها المدلل، خرقة بالية، جبان بائس مثلك!
حينئذ توقفت أيضا ريح البحر.
وعاد القيظ بكل ثقله ليجثم فوق الناس والاشياء الصامتة وتمتم مظلي أحمر بوجهه قليل من البرص بصوت خفيض إنه يخاف القفز، هاذا الغبي، سيقتل نفسه بهذه الطريقة سمعت فتاة نحيفة قبيحة الوجه هذه الجملة فاندفعت نحو مركز الجمهور وفتحت ذراعيها:
*244*
اقفز إلي، يا جيدي، لن يحدث لك سوء.
يا للنباهة! قال أحد الطلائعيين القدامى الذي كان يرتدي ملابس العمل هل فكر أحد له عقل برأسه بالاتصال بشركة الكهرباء والاهتمام بقطع التيار وتحول منصرفا من المكان نحو مباني الكيبوتس في أعالي التلة المنبسطة خطا بسرعة وبغضب، ليعتريه الرعب فجأة لسماع صلية رصاص قريبة ومتواصلة. وللحظة خيل لهذا الطلائعي القديم أنهم يرمونه بالرصاص من الخلف ولكنه شاهد في الحال ما يحدث: ضابط المجموعة، بطل الاساطير الجميل والاشقر، حاول قطع أسلاك الكهرباء بالرصاص ولكن عبثًا.
في غضون ذلك وصلت، مباشرة من ساحة الكيبوتس سيارة تندر مهلهلة أنزلوا منها بضعة سلالم وكذلك الطبيب العجوز وبعد أن نزل الطبيب قاموا بإنزال حماله عن التندر. بدا في تلك اللحظة أن قرارا مفاجئ اتخذه جدعون وبضربة قوية دفع نفسه بعيدا عن السلك الذي تطاير منه شرر أزرق، وانفلت في الهواء بقي معلقا بالحزام الوحيد إلى الاسفل من السلك بنصف متر. رأسه إلى الاسفل وحذاؤه المحترق يلوح في الفضاء، قريبا جدا من السلك السفلي.
كان من الصعب على المشاهدين التحديد بدقة، ولكن خيل أنه لم يصب حتى الآن إصابة خطيرة. تأرجح في الهواء، واهنا ومقلبا على رأسه أشبه بجدي مذبوح علق بكلاب.
أثار هذا المشهد نوعا من الفرح الهستيري في نفوس الصغار وعند ما ضحكوا، كانوا كالنابحين. وأخذ زاكي يضرب على ساقيه، منفعلا تماما، ويشعر بالاختناق. يتقافز في مكانه صارخا كقرد صغير وشرير.
ما الذي شاهده جدعون شنهاف ليمد عنقه وينضم إلى جوقة الضاحكين الصغار؟ لعل هيأته الغريبة شوشت فكره: امتلأ رأسه بالدم وخرج لسانه من فمه وكذلك غرته تدلت نحو الارض، وبقيت رجلاه ترفسان وحدهما السماء.
*245*
سرب ثان من الطائرات النفاثة شق جانب السماء اثنا عشر طائرا فولاذيًا مجسمة على الجمال والقبح تصد أشعة الشمس بتراقص يخلب الانظار. كانت منتشرةً على هيأة تصل الحربة. هز غضبها الأرض. وإلى الغرب، تمضي، ليملا السكون المكان كان الطبيب العجوز قد استقر في تلك الاثناء فوق الحمالة، أشعل سيجاراً وبحلق نحو الناس، نحو الجنود والاولاد المتدافعين وقال لنفسه: ليكن ما يكون! سيحدث ما يجب أن يحدث بطبيعة الحال وما أشد الحر اليوم!
بين الفينة والاخرى كان جدعون يطلق ضحكات خرقاء صارعت رجلاه راسه في الفضاء المغبر أشكالا مختلفاً لدوائر واهية. هرب الدم من أطرافه المعكوسة واستقر في رأسه وأخذت عيناه بالجحوظ وأظلمت الدنيا. واختفى الألق الارجواني لتحل مكانه بقع بنفسجية تراقصت أمام ناظريه أخرج لسانه ففسر الاطفال ذلك مداعبة ساخراً منه المدلل مقلوب صهيل زاكي المدلل مقلوب، هيه، لماذا لا تكف عن النظر إلينا بعيونه مقلوبة؟ لعلك تبدأ بالمشي على يديك من أجلنا! رفع شاينبويم يده لضرب الوقح، لكنه صفع الهواء فقد كان الولد سريع التملص أشار العجوز للقائد الاشقر فانزويا جانبا بضع لحظات. حاليا، لا يتهدد الفتى خطر فوري، فهو لا يزال بعيدًا عن ملامسته التيار. ولكن يجب إنقاذه ، يستحيل أن تتواصل هذه الكوميديا بهذا الشكل إلى ما لا نهاية. السلم لم يفيد كثيرا: فهو أعلى بكثير لعلهم يحاولون تزويده بحربة مرة أخرى وإقناعه بقطع الحزام الاخير والقفز فوق شادر خيمة ذلك تمرين اعتيادي للغاية في تدريبات المظليين. المهم العمل بسرعة، لأن الوضع مهين. والاولاد مع الضابط القصير قميصه وأخفى بداخله حربه فتح جدعون يديه إلى الاسفل محاولا الإمساك بالإرسالية. لبس القميص والحربة بداخله عبرا بين ذراعيه المقوسين وسقطا على الارض. وضحك الاولاد. وبعد محاولتين فاشلتين أخريين نجح جدعون بالإمساك بالقميص وإخراج الحربة من داخله أمسك به بأصابع داكنة وثقيلة لكثرة الدم المنجذب إلى أسفل، إلى التراب. فجأة أدنى الفتى الحربة من خده الملتهب.
*246*
منحه الفولاذ بعض البرودة مرت به لحظة عذبة فتح عينيه وشاهد عالما مقلوبا كان كل شيء مهزلة بنظره سيارة التندر، الحقل، الناس، الاب والجيش والاطفال الصغار وكذلك الحربة التي بيده لوى بوزه نحو كتله الاولاد وضحك من أعماقه قلبه ولوح باتجاهي بالحربة أيضا. حاول أن يقول لهم شيئا ما لو أنهم يستطيعون رؤية أنفسهم من مكانه، بالمقلوب، وهم يتدافعون كالنمل المذعور، كلهم، لكانوا قد انضموا إلى ضحكه بالتأكيد. لكن الضحك تحول إلى قحه سيئة، لكأن جدعون قد اختنق وجحظت عيناه.
أيقظ تهريج جدعون المقلوب مشاعر شيطانيه في زاكي.
يبكي هتف الولد الشرير جدعون يبكي، ها هي دموعه بادية من هنا يبكي.. المظلي المدلل يبكي كالطفل، انطروا ها هي دموعه وهذه المرة أيضا ضاعت قبضه ضربة شمشون شاينبويم في الفضاء زاكي نجح جدعون بأن يصرخ بصوت خفيض ومشوه زاكي، سوف أقتلك، سأخنقك، واحد بندوق!.
وضحك فجأة وهمد.
إذن، لا فائدة إنه لو يقطع بنفسه الحزام الاخير، والطبيب بدأت المخاوف تتسرب إلى نفسه من أنه لو بقى هكذا فترة إضافية فسيفقد وعيه يجب البحث عن نصيحة أخرى فلا يمكن السماح لكل ذلك بالاستمرار طيلة اليوم قطعت شاحنه شاينبويم ببطء الارض المحروثة وتوقفت في المكان الذي أشار إليه شمشون شاينبويم وعلى ظهر الشاحنة وضع سلمان ربطا ببعضهما بسرعة للوصول إلى الارتفاع المطلوب وأمسكته عشرة أذرع قويه بالسلم من كل جانب. وبدا ضابط المظلات الأسطوري الأشقر بالتسلق لكن عندما وصل إلى نقطة وصل السلم مع صرير مخيف فانحنى الخشب جراء الثقل والعلو مرت لحظة تردد على الضابط الذي كان إنسانا ممتلئا شبه مكتنز. بعد ذلك قرر النزول وتقوية رباط السلميين هبط إلى أرضية الشاحنة، مسح عرق جبينه وقال: لحظة،
*247*
لنفكر وبلمح البصر، وقبل أن يصبح بالإمكان ردعه، بل قبل أن أمكنت رؤيته، كان الولد زاكي في أعالي السلم، وقد تجاوز نقطه وصل السلميين، مسرعا كالقرد اليائس نحو درجات السلم العلوي، وبيده حربة لا أحد يعرف كيف وصلته. وبدأ يصارع الحزام المشدود أمام المشاهدون أنفاسهم فقد بدا أن الولد لا يأبه بقوانين الوزن نفسها، لا يستند إلى شيء، لا يحاذر، يتقافز في أعالي السلم العلوي، سريعا، مرنا، وناجعا إلى درجة الفساد.
وبكل ثقته أثقل القيظ على الفتى المعلق. وبدأت عيناه تنطفئان. وكادت أنفاسه تتوقف وببصيص صفاء ذهنه الاخير شاهد أمامه أخاه القبيح حاسًا بأنفاسه على خديه. شاما رائحته شاهد الاسنان القواطع التي انبثقت من فم زاكي. رعب فظيع أطبق عليه كمن ينطر في المرآة ليشاهد وحشًا أيقظ الكابوس لدى جدعون ما تبقى من قوة رفس الفضاء تلوى، ونجح في قلب نفسه، أمسك بالحزام وشد نفسه إلى أعلى وبأذرع مبسوطة انقض على السلك وشاهد الضوء وواصل القيظ إحكام سيطرته على المرج وسرب ثالث من الطائرات النفاثة أذهل الجميع بزئيره.
مكانة الاب الثاكل تحيط الإنسان بهالة من العذابات المقدسة لكن شاينبويم لا يفكر الآن بهذه الهالة. حاشية مذهولة وصامتة ترافقه نحو غرفه الطعام وهو يعرف حق المعرفة أن عليه الآن أن يكون إلى جانب راعية.
في الطريق مر به الولد زاكي، متحمسا، لاهثا وبطلا. وأطفال كثيرون حوله كاد أن ينقذه وضع شمشون يدا مرتجفة على رأس ولده محاولا القول. ولكن قوله غادره وارتجفت شفتاه الصامتتان وبتثاقل داعب الغرة المبعثرة والمليئة بالخبار وهو في حياته ما داعب هذا الولد من قبل. بعد ذلك خطواته أظلمت الدنيا فانهار العجوز فوق أحواض الزهور.
في ختام عيد الاستقلال خف القيظ رائحة بحرية أشفقت على الجدران الساخنة وطيلة
*248*
الليل تساقط الندى الثقيل على الاعشاب الخضراء. أية بشرى تحمل تلك الاستدارة الشاحبة حول القمر؟ على الغالب، فهي تبشر بالقيظ. سيتجدد القيظ غدا بالتأكيد شهر أيّار، وسيليه شهر حزيران ريح تمر بين أشجار السرو في الليل محاوله مصالحتها بين قيظ وآخر. عادة الريح القدوم، التوقف ثم القدوم من جديد لا جديد.
مفاتيح النص:
الكيبوتس في سنوات الخمسين، جيل الآباء، جيل الأبناء، المحافظة على التراب، الابن نسخة عن أبيه،
صراع الاجيال، التربية الحديثة، الانتحار، السخرية، الدلال، القربان، موتيف القيظ، دلالة الرب (الروح) ترميز الاسماء، التناص(مع شمشون الجبار).
مهام:
1. ما هي توقعات شمشون من ابيه جدعون؟
2. كيف تقيم توقعات شمشون من ابيه على ضوء نهاية القصة؟
3. اتصف شمشون بالفكر والتربية لكنه فشل مع ابيه؟ ما السبب في رأيك؟
4. هاجم شمشون ابنه وهو معلق وسخر من ضعفه ما تعليقك على ذلك من منظور تربوي؟
5. كيف ينعكس المفهوم الابن نسخة عن أبيه في القصة وأبعادها؟
6. ما هو سبب انتحار جدعون الاكثر إقناعا؟
7. ما هو الحلم الذي رآه شمشون؟ وما هي علاقة دورة المياه بدورة الحياة في القصة؟
8. ما دلالة موتيف القيظ في القصة وتأثيره على الجو النفسي فيها؟
9. تعني كلمة الريح في العبرية الريح وروح كيف أثرت دلالة هاتين الكلمتين على مصير جدعون؟
*249*
10. تنتهي القصة بملاطفة شمشون لزاكي الابن غير الشرعي له. ما هي دلالة ذلك؟
11. ما دلالة ما جاء في النهاية عادة الريح القدوم، التوقف ثم القدوم من جديد، لا جديد.
12. ذكر اسم جدعون منتسبا لعائلة شنهاف وليس لعائلة والده شاينبويم ما أهمية ذلك على ضوء أحداث القصة؟
13. الاسماء شمشون وجدعون أسماء تراثية منذ فترة القضاة ماذا قصد الكاتب من إطلاقها على الأب و الابن تحديدًا؟
14. ورد في النص وصف لشعر شمشون ومنذ أيام الشباب أبيض شعره الغزير اقرأ قصة شمشون ودليله في العهد القدم (سفر القضاة) وقارن مع شمشون وراعية في القصة من حيث أدوار الشخصيات ومركزيتها ونهايتها.
15. حسمت نهاية جدعون منذ السطر الاول في القصة ما فائدة هذا الاستباق؟ وهل أثر في رأيك على جودة القصة من الناحية الفنية؟
*250*
*250*
من إنجيل متى - الإصحاح الخامس
1 فلمَّا رأَى الجُموع، صَعِدَ الجَبَلَ وَجَلَسَ، فدَنا إِلَيه تَلاميذُه 2 فشَرَعَ يُعَلِّمُهم قال: 3 طوبى لِفُقراءِ الرُّوح فإِنَّ لَهم مَلكوتَ السَّمَوات 4 طوبى لِلوُدَعاء فإِنَّهم يرِثونَ الأَرض. 5 طوبى لِلْمَحزُونين، فإِنَّهم يُعَزَّون. 6 طوبى لِلْجياعِ والعِطاشِ إِلى البِرّ فإِنَّهم يُشبَعون. 7 طوبى لِلرُّحَماء، فإِنَّهم يُرْحَمون. 8 طوبى لأَطهارِ القُلوب فإِنَّهم يُشاهِدونَ الله. 9 طوبى لِلسَّاعينَ إِلى السَّلام فإِنَّهم أَبناءَ اللهِ يُدعَون. 10 طوبى لِلمُضطَهَدينَ على البِرّ فإِنَّ لَهم مَلكوتَ السَّمَوات. 11 طوبى لكم، إِذا شَتَموكم واضْطَهدوكم وافْتَرَوْا علَيكم كُلَّ كَذِبٍ مِن أَجلي، 12 اِفَرحوا وابْتَهِجوا: إِنَّ أَجرَكم في السَّمَواتِ عظيم، فهكذا اضْطَهدوا الأَنبِياءَ مِن قَبْلِكم.
13 أَنتُم مِلحُ الأَرض، فإِذا فَسَدَ المِلْح، فأيُّ شَيءٍ يُمَلِّحُه؟ إِنَّه لا يَصلُحُ بَعدَ ذلك إِلاَّ لأَنْ يُطرَحَ في خارِجِ الدَّار فَيَدوسَه النَّاس. 14 أَنتُم نورُ العالَم. لا تَخْفى مَدينَةٌ قائِمَةٌ عَلى جَبَل، 15 ولا يُوقَدُ سِراجٌ وَيُوضَعُ تَحْتَ المِكيال، بل عَلى المَنارَة، فَيُضِيءُ لِجَميعِ الَّذينَ في البَيْت. 16 هكذا فَلْيُضِئْ نُورُكُم لِلنَّاس، لِيَرَوْا أَعمالَكُمُ الصَّالحة، فيُمَجِّدوا أَباكُمُ الَّذي في السَّمَوات.
*251*
العهد القديم والعهد الجديد، المسيحية، المسيح عليه السلام، جبل التطويبات التعاليم الدينية، التطويبات، التعليلات، أجر المعاناة مجاهدة النفس، نقاء السريرة الاحتمال والمسامحة، ملح الارض، نور العالم، الإصحاح، الآيات، الحقل الدلالي الدينى، مبنى النص الديني.
مهام:
1. ما المقصود بالتطويباب وأين كانت؟
2. ما هدف السيد المسيح عليه السلام من هذه التطويباب؟
3. ماهي التعاليم الدينة المسيحية التي تضمنتها الآيات المذكورة؟
4. ما المقصود بملح الارض؟ وما الغرض من هذا التشبيه؟
5. اكتب عشر كلمات من الحقل الدلالي الديني جاءت في النص.
6. قارن بين الآيات التي وردت على نور العالم وما يقابلها في سورة النور.
7. قارن بين الكتاب المقدس والقرآن الكريم بين حيث المبنى والمضمون.
*252*
*252*
باولوكويلوا (1947)
روائي وقاص برازيلي تتميز رواياته بدلالات روحيه، وتعتمد على أحداث تاريخية واقعية لتمثيل أحداث قصصه. كان يمارس الإخراج المسرحي والتمثيل، وعمل مؤلفا غنائيا، وصحافيا. وقد كتب كلمات الاغاني للعديد من المغنيين البرازيليين ولعه بالعوالم الروحانية بدأ منذ شبابه كمتجول، حينما جال العالم بحثا عن المجتمعات السرية، وديانات الشرق. نشر أول كتبه عام 1982 بعنوان أرشيف الجحيم والذي لم يلاق أي نجاح. لكل روايته الخيميائي سرعان ما أصبحت من أهم الروايات البرازيلية وأكثرها مبيعا في العالم. حاز على المرتبة الأولى بين تسع وعشرين دولة ونال العديد من الأوسمة والجوائز.
باولو كويلو – الخيميائي
مفاتيح النص:
كنز، رحلة بحث، أدب الرحلة، تحقيق حلم، الحظ، حب فاطمة، روح العالم، أسرار الطبيعة، الخيميائي، تحويل المعدن إلى ذهب، حجر الفلاسفة، الأسطورة الشخصية، حروب القبائل، لغة العلامات، الترحال، التضليل، الأندلس، علاقة الشرق بالغرب روحانيات الشرق، الجذور العربية في الاندلس، العودة إلى الأصل، الوطن.
*253*
مهام:
1. ما الذي بحث عنه سانتياغو على امتداد الرواية؟
2. من هي حبيبة سانتياغو؟ وماذا يعني لك اسمها العربي؟
3. من هو الخيميائي؟ وما هي أهمية هذه الشخصية في حبكة الرواية؟
4. ما رأيك بالمقولة إذا رغبت في شيء فإن العالم كله يطاوعك في تحقيق رغبتك؟ وما علاقتها بتحقيق الاسطورة الشخصية لسانتياغو؟
5. ما المقصود بلغة العلامات؟ وكيف استفاد منها سانتياغو في تحقيق هدفه؟
6. ما هو أدب الرحلة؟ وكيف يتجسد في الرواية؟
7. كيف استفاد سانتياغو من حبه في تكوين دافع للوصول إلى أهدافه؟
8. اكتب أهم المخاطر في رحلة سانتياغو وكيف تغلب عليها؟
9. ما المقصود بروح الكون (العالم)؟ وكيف تتصل بأسرار الطبيعة؟
10. رحلة سانتياغو جسدية روحانية وضح ذلك.
11. كيف تنعكس علاقة الشرق بالغرب في الرواية؟
12. قام كويليو بتضليل القارئ وسانتياغو عندما جعله يبحث عن الكنز في الشرق ويكتشف أن الكنز في الغرب. ما الهدف من هذا التضليل؟ وإلام ترمز العودة إلى مكان الخروج؟
13. كيف تنعكس الروحانيات الشرقية في الرواية؟
14. ما هي الأبعاد الخيالية في الرواية ؟ وما هو تأثيرها على سير الأحداث؟
15. كيف يتجسد الحظ في رحلة بحث سانتياغو عن الكنز؟
*254*
*254*
شمعون بلاص
شمعون بلاص كاتب إسرائيلي من أصل عراقي، تميز بكتابة الرواية بالعبرية ليعالج إشكالية اليهودي الشرقي المتراوح بين الانتماء المفاجئ إلى ثقافة نامية واجتثاثه من سياق ثقافي بمثل مسقط رأسه عمل محاضرا في جامعة حيفا لسنوات عديدة في قسم اللغة العربية وآدابها.
صدر له: نذر الخريف رواد ومبدعون.
شمعون بلاص - إية
مفاتيح النص:
يهود العراق، الهجرة إلى فلسطين، وطن جديد، إشكالية الانتماء، تمييز، واقع مرير، تعايش، وحدة المصير، تيارات فكرية، الصهيونية، الشيوعية، تقييد الحريات، النوفيلا (الرواية القصيرة).
مهام:
1. من هي زكية ولماذا لقبها الاطفال اليهود بإية؟
2. عاشت إيّة المسلمة مع عائلة يهودية. ما هي استنتاجاتك حول التعايش القومي والديني في العراق حسب النص.
3. لماذا يسلط الكاتب الضوء على إية ويجعلها عنواناً لروايته؟
*255*
4. ماذا حدث في ليلة الفرهود؟ وما تأثير ذلك على أحداث الرواية؟
5. مثل إفرايم الشاب اليهودي الشيوعي المتمرد. وضح أبعاد هذا الدور.
6. صف المشاعر المزدوجة لدى يهود العراق، بين الانتماء لمسقط رأسهم وبين حلم الهجرة إلى فلسطين.
7. عاشت سارة وعائلتها واقعًا اجتماعياً وسياسًيا مريرا. صف لنا ضراوة ذاك الواقع.
8. كيف تنعكس حرية العبادة لدى يهود العراق حسب النص؟
9. في الرواية اثهام لليهود بالتفجيرات ضمن اليهود، والترويج للفكر الصهيوني والشيوعي. ما هو موقعك من هذه الاتهامات بالاعتماد على أحداث الرواية؟
10. كيف ارتسمت صورة العربي مقابل صورة اليهودي في الرواية؟
11. ما هي التغييرات التي يفترض أن تطرأ على الاقتصاد العراقي بعد هجرة اليهود منها، حسب الرواية؟
12. الرواية عبارة عن توفيلا (رواية قصيرة) بماذا تختلف النوفيلا عن الرواية العادية؟
*256*
*256*
يوسف القعيد (1944)
أديب وروائي مصري معاصر ولد بالبحيرة إهتم بالتعبير عن المحيط القروي المصري وما يتصل به من قضايا، وعرف بنبرته السياسية الناقدة تعرضت بعض أعماله للمصادرة يعتبر يوسف القعيد من رواد الرواية في مرحلة ما بعد نجيب محفوظ الذي ربطته به علاقة متينة. حازت روايته الحرب في بر مصر على المرتبة الرابعة ضمن أفضلي مائة رواية عربية.
من رواياته: يحدث في مصر الآن، شكاوى المصري الفصيح. ومن مجموعاته القصصية: الفلاحون يصعدون إلى السماء، قصص من بلاد الفقراء.
يوسف القعيد - بلد المحبوب
مفاتيح النص:
هجرة المصريين، المغتربون العائدون، التغيرات في مصر، الصراع بين الشرق والغرب، أزمة السكن، الاقتصاد المصري، الاستيراد، عدم الإنتاج، الكادحون، التدين ومظاهره، حب الوطن، المحبوبة، النيل، عروس النيل تلويث النهر، فساد السلطة، الواقع العجائبي، الواقع والوهم، أسطرة الشخصية، الجريمة المتخيلة، الراوي بضمير المتكلم، سجن المجانين.
*257*
مهام:
1. ما هو تأثير هجرة المصرين على مصر كما يتنعكس من خلال الرواية؟
2. ما هي التغييرات التي لمسها الراوي في مصر بعد عودته من السفر؟
3. من هي محبوبة الراوي؟ وما علاقتها بمصر والنيل؟
4. صف حاله الاقتصاد المصري وتأثره بالحضارة المادية الغربية.
5. تعكس الرواية ظواهر اجتماعية مصرية كأزمة السكن والنهب ومستوى المعيشة. وضح ذلك.
6. يوظف القعيد الاسطورة في الرواية ويقوم بأسطرة شخصية المحبوبة وضح ذلك، وما الهدف من هذا التوظيف؟
7. لم يكن للمحبوبة وللراوي أسماء. ماذا قصد الكاتب بذلك؟
8. قالت المحبوبة للراوي انها سمت ابنها على اسمه وابنتها على اسمها. ما هي رمزية ذلك؟
9. كيف يخلط القعيد الواقع بالوهم والفانتازيا في نهاية الرواية؟
10. هل المحبوبة رمز لمصر الضائعة بعد ان رحل عنها الأحبة ؟ علل إجابتك.
11. في الرواية اصطدام بين الرومانسية والواقعية. وضح كيفية ذلك.
12. ما رأيك بسجن المجانين كمثال ينتهي إليه الراوي؟
13. تعتبر نزهة الراوي مع محبوبته في النهر ذات طابع رومانسي أسطوري. وضح ذلك.
14. يسود في بعض مقاطع الرواية منطق الحلم. ما الفرض من سيادة هذا المنطق؟
15. هل المحبوبة عروس النيل الجديدة؟ علل.
*258*
*258*
جبرا إبراهيم جبرا (1920-1994)
كاتب ورسام، وناقد تشكيلي، فلسطيني من السريان الارثوذكس الاصل، ثم اعتنق الإسلام للزواج من لميعة العسكري، ولد في بيت لحم في عهد الانتداب البريطاني، استقر في العراق بعد حرب 1948 أنتج نحو سبعين عملا أدبيا روائيا ومترجما، وقد ترجمت اًعماله إلى أكثر من اثنتي عشرة لغة.
يعتبرني أكثر الادباء العرب إنتاجا وتنوعا إذ عالج الرواية والشعر والنقد وخاصة الترجمة. من مؤلفاته: البئر الأولى، شارع الأميرات وهما سيرة ذاتية. ومن رواياته: صراخ في ليل طويل، البحث من وليد مسعود، السفينة، وله عالم بلا خرائط بالاشتراك مع عبد الرحمن منيف.
جبرا إبراهيم جبرا - البئر الأولى
مفاتيح النص:
دلالة البئر، شقاوة الطفولة، براءة الأطفال، الأب الكادح، الجدة الحنون، التربية المتسامحة، المدرسة والمعلمون، قسوة الواقع، الفقر، الكنيسة والدين، بيت لحلم، مهد المسيح، المواهب الفتية، المعتقدات الشعبية، الطب الشعبي، الشعوذة، القراءة والكتاب، القدس، السيرة الذاتية، البعد التسجيلي، الخلفية الاجتماعية والسياسية.
*259*
مهام:
1. ما هي دلالة البئر ولماذا أطلق جبرا هذه التسمية على سيرته الذاتية؟
2. هات مشهدا من مشاهد شقاوة الطفولة ورد في السيرة.
3. كيف كانت علاقة جبرا بأفراد عائلته: الوالدين الجدة أخيه يوسف؟
4. في السيرة صورة قاتمة لواقع الناس وضح ذلك؟
5. اكتب مقلباً من مقالب جبرا في مدرسته الأولى؟
6. كيف انعكست علاقة جبرا بمعلميه؟ وما هي صورة المدرسة في السيرة.
7. لعبت الكنيسة دورا مهماً في تنمية المواهب الفنية لدى جبرا كيف كان ذلك.
8. في السيرة معتقدات شعبية وخرافات اذكر بعضاً منها.
9. كيف يرسم جبرا صورة المتعالمين بالطب الشعبي والشعوذة في سيرته.
10. تظهر في السيرة ملامح جيل نهم للقراءة وعشق الكتاب. وضح ذلك؟
11. من هو الراوي في السيرة وما هي علاقته بالكتاب؟
12. تمتاز السيرة الذاتية بالبعد التسجيلي وضح ذلك؟
13. ترسم السيرة ملامح الخلفية الاجتماعية السياسية للمجتمع الفلسطيني قبل قرن. وضح ذلك.
*260*
*260*
شكسبير ل (1564-1625 م)
كاتب وشاعر مسرحي إنكليزي ومن أهم الكتاب المسرحين العالمين. كتب المسرحية الكوميدية والتراجيدية والتاريخية، ومثلت أعماله بمختلف بقاع العالم ولغاته. أثارت شخصيته جدلا كبيرا في مختلف العصور حول صحه نسبة ما كتب إليه، وحول شكله الخارجي وجنسه ومعتقداته الدينية.
من مسرحياته: حلم ليلة صيف، تاجر البندقية روميو وجولييت، هاملت، عطيل مكبث، والملك لير.
شكسبير – هاملت
مفاتيح النص:
مقتل هاملت الوالد، طيف الميت، جريمة، خيانة زوجية، أمر بالانتقام، الميتامسرح، حلم هاملت، مقتل بولونيوس، نُفي هاملت، مؤامرة، مبارزة مع لرتيس، السلم، الانتحار، العقاب والعدالة، الصراع الداخلي، العقل والعاطفة، اليقن والشق، صوت الضمير، فساد السلطة، التراجيديا.
*261*
مهام:
1. قام عم هامات بجريمة وخطط لجريمة أخرى. ما هما هاتان الجريمتان؟
2. من هو صاحب الطيف الذي ظهر لهاملت وما سبب ظهوره؟
3. ماذا يمثل الطيف على مستوى دلالة المسرحية؟
4. ما هو دور بولونيوس والد أوفيليا في الصراع بين هاملت وعمه؟
5. في المسرحية ميتامسرح، أي مسرحية داخل المسرحية. ما الغاية من استخدام هذا الاسلوب الفني؟
6. كيف تيقن هاملت من مقتل والده وما رواه الطيف؟
7. تأنى هاملت في تنفيذ الانتقام. ما هو الصراع الداخلي الذي جعلة يتأخر في ذلك؟
8. حمل هاملت رساله إلى ملك إنكلترا فيها أمر بقتله. كيف نجا هاملت من هذه المؤامرة؟ وكيف يتقاطع أمر الرسالة مع المثل العربي صحيفة المتلمس؟
9. ما هي الدوافع التي كانت وراء انتحار أوفيليا؟ ما موقفك من هذه الخطوة؟
10. ما العلاقة بين قصة هابيل وقابيل وبين قول الملك: آه ما أنتن إثمي! بلغت ريحه السماء، وعليه حطت أولى اللعنات وأقدمها قتل أخ لأخيه؟
11. في المسرحية توثيق لعادة المبارزة التي سادت في القرون الوسطى. تحدث عن دور المبارزة في أحداث المسرحية.
12. كين انعكست صورة والدة هاملت في المسرحية؟ ما رأيك بهذه الشخصية؟
13. يكثر في التاريخ الإسلامي قتل الخلفاء والسلاطين لأفراد عائلاتهم ليستأثروا بالحكم لا نفسهم. كيف ينعكس هذا النهج في المسرحية؟
14. تسير حبكة المسرحية حسي مزاجية التآمر. وضح دور المؤامرة في الانقلاب المفصلية لحبكة المسرحية.
15. هل نهاية المسرحية تراجيدية في نظرك؟ علل.
*262*
مفاتيح النص:
المغربي الأسود، الزواج من بيضاء، الرفض، المؤامرة، مهمة عسكرية في قبرص، خيانة الصديق، الدسائس والمكائد، اتهام بالخيانة الزوجية، انخداع عطيل، براءة دزديمونة، قتل الزوجة، انكشاف ياغو، انتحار عطيل، البعد التاريخي، التراجيديا.
مهام:
1. كيف نال عطيل الخطوة والشرف في مجتمع البندقية؟
2. كيف تنعكس الجرأة في زواج دزديمونة من عطيل؟
3. ما هي دوافع ياغو للنيل من عطيل؟
4. ما هو تقييمك لذكاء ياغو في تنفيذ مؤامراته؟
5. من هو كاسيو؟ وكيف كان دوره في المؤامرة التي حاكها ياغو بين عطيل وزوجته؟
6. ماذا كان دور المنديل في تأزم حبكة المسرحية؟
7. لم يتخلص عطيل من أصوله الشرقية حينما بالغ في غيرته وشكوكه بزوجيه. ما تعقيبك على هذه المقولة؟
8. كانت دزديمونة مثالية في حياتها وموتها. وضح معالم شخصييها من الداخل.
9. من المواقف المفارقة في المسرحية أن الذي فضخ ياغو هي زوجته. كيف تم ذلك؟
10. هل كان عطيل ضحية أم جلادا في المسرحية؟ علل.
11. في المسرحية أبعاد تاريخية تتعلق بعلاقة قبرص مع الأتراك والبندقية. وضح هذه الأبعاد.
12. هل الحد التراجيدي الذي يقدمه شكسبير في النهاية عادل؟ علل.
*263*
*263*
تواجه العولمة ترحيبا بها... وثورة عليها في الوقت نفسه... ولكن من المؤكد أنه لا أحد يستطيع الوقوف أمام تيارها الجارف.
كانت المجتمعات الإنسانية خلال كل مراحل التاريخ تحرص بقدر الإمكان على إقامة علاقات قويه مع المجتمعات المجاورة، وتوسيع شبكة هذه العلاقات كلما أتيحت الفرصة، وفي حدود القدرة المادية ووسائل الاتصال المتاحة لها. وكان من الطبيعي أن يزداد هذا الميل قوة وعمقا عبر الزمن، وأن تتشعب شبكة العلاقات الإنسانية بتقدم تكنولوجيات الاتصال وتنوع الوسائل ودقه الأجهزة إلى أن بلغت هذه التكنولوجيات قمة التعقد والتقدم والكفاءة في العقود الأخيرة من القرن الماضي، فأصبح من الميسور إقامة علاقات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية مع كل أنحاء العالم، دون أن يكون للبعد المكاني أو الفواصل والحواجز الفيزيقية دور مؤثر في تحديد تلك العلاقات أو وضع قيود على تبادل الأفكار والمعلومات، بل وعقد الصفقات الاقتصادية والدخول في التحالفات السياسية على مستوى كوكب الأرض، كما ازداد إحساس الفرد بالإنتماء إلى منظومة واحدة كبيرة تضم سائر البشر رغم ما بينهم من فوارق العرق واللون واللغة والدين ومستويات الحياة وتباين الثقافات، أي أن الفرد أصبح يشعر بكيانه كعضو في مجتمع (كوكبي) واسع وشامل، وليس فقط في مجتمع وطني أو قومي محدد ومحدود. وخلال العقدين الأخيرين بالذات من القرن العشرين تبلور الوعي بعملية العولمة كجزء من الحياة اليومية، كما يكشف عن ذلك كثير من التصرفات اليومية (العادية) للإنسان (العادي) ابتداء من متابعته لأخبار العالم على الشبكات الفضائية
*264*
العالمية، إلى المفاضلة بين الإنتاج المحلي والإنتاج الأجنبي، إلى الاختيار بين الإقامة والعمل في الوطن أو الهجرة للعمل في الخارح، إلى الاهتمام بتقلبات سعر صرف العملات الأجنبية وتغيراتها، وغير ذلك كثير جدا من الاهتمامات (الشخصية) التي تصدر عنه بشكل تلقائي، ودون إدراك منه لدلالتها ومعناها. وقد وجدت العولمة أصدق تعبير لها وعن أهدافها ومراميها في قيام الشركات الكبرى متعددة الجنسيات التي تستطيع أن تمارس أنشطتها الاقتصادية المتنوعة بكفاءة عالية في أماكن ومواقع مختلفة ومتباعدة، وتبسط مع هذا التوسع النفوذ السياسي للدول الكبرى التي تسهم بالنصيب الأوفى في هذه الشركات (العابرة للقوميات). واستتبع ذلك ظهور قوانين وتشريعات جديدة بل وتغير حركات اجتماعية متضاربة ومتناقضة تعكس اختلاف المواقف ووجهات النطر إزاء العولمة.
فعملية العولمة تقابل من ناحية بكثير من الترحيب من عدد كبير من رجال السياسة والاقتصاد بل والمفكرين والاكاديميين في العالم الغربي باعتبارها - من وجهة نظرهم - عاملا مهما في توطيد روح التفاهم والتقارب وترسيخها، وإزالة أسباب سوء الفهم والصراع بين الشعوب، مما يؤدي في اخر الأمر إلى إقرار السلام القائم على الاحترام المتبادل. ولكن العولمة تواجه في الوقت ذاته كثيرا من الهجوم بل والرفض الناشئين في الاغلب من التخوف من أن تؤدي إلى هيمنة القوى الكبرى وسيطرتها على أقدار الشعوب والدول الضعيفة والصغيرة ومصائرها، والتي تعجز بحكم تخلفها الاقتصادي والتكنولوجي عن الصمود أمام تيار العولمة الجارف، وبذلك تتعرض هويتها ومقوماتها التاريخية والثقافية لخطر التراجع والاندثار، ولذا تحرص على الاحتماء بقيمها التقليدية ومبادئها المتوارثة الأصيلة، وتجد فيها الملاذ والمأوى وخط الدفاع ضد زحف الهيمنة الأجنبية. وبطبيعة الحال لا تسلم هذه الدول والشعوب المعارضة للعولمة من هجوم الدول الكبرى المسيطرة، وبخاصة أمريكا التي لا تتردد ولا تتوانى عن توجيه أبشع الاتهامات إلى تلك الدول، بما في ذلك اتهامها بالميول الشيوعية - بالرغم مما أصاب الشيوعية من تدهور - وتدبير المؤامرات لقلب نظم الحكم فيها، وفرض العقوبات السياسية والاقتصادية عليها
*265*
تهديد العولمة
وقد جاء في مقال بعنوان (تهديد العولمة) ظهر في أحد إصدارات منتدى السياسات الكوكبية (أبريل 1999) أن العولمة عملية نشطة تهدف إلى توسيع مصالح الشركات الكبرى متعددة الجنسيات وتكريس العلاقات الاقتصادية التي تتعدى حدود الدولة، وأن لها قدرة فائقة على الزحف والانتشار والنمو والتغير بحسب الأوضاع والظروف، وأن هذه القدرات تزيد من قوتها على التأثير والسيطرة، لدرجة أن بعض المفكرين يعتبرونها شكلا من أشكال الأيديولوجيا التي تؤمن بضرورة القضاء على كل ما يصادفها من عقبات ومناورات وتحديات، وذلك عن طريق الإلحاح والمثابرة والدأب على إبراز فوائدها والمكاسب التي يمكن للمجتمع الإنساني أن يجنيها من ورائها، حتى وإذ كان الثمن هو القضاة على الأوضاع السياسية والاقتصادية القائمة الان بالفعل. فقوة السوق الكوكبية سوف تحل محل القوى السياسية التي تتحكم الان في مصائر الشعوب، أي أن الذي سوف يحدد مسار الأحداث العالمية الكبرى في المستقبل هو الاقتصاد وليس السياسة أو القوة العسكرية، وأن قوة السوق التجارية الحرة هي التي سوف تتولى عملية إقرار التوازنات العالمية، كما سوف تؤدي إزالة الحواجز أمام التجارة الكوكبية إلى انتشار الديمقراطية في مختلف بقاع العالم، وبالتالي اختفاء النظم الديكتاتورية والاستبدادية التي تجثم على أنفاس الشعوب في معظم مجتمعات العالم الثالث. والأهم من هذا كله هو أن مفهوم الوطنية والقومية سوف يسقط من الاستخدام، على اعتبار أنه مجرد شعار عبثي سلبي يمنع من تقارب المجتمعات والثقافات وتعاونها معا. والمحصلة الأخيرة من هذا كله هي أن أنصار العولمة يرون أن انتشارها سوف يساعد على رفض العنف الصادر عن التعصب العرقي والسياسي والديني بحيث تسود العالم قيم السلام والأمن والاستقرار.
ولم تمنع كل هذه الدعاوى حول النتائج الإيجابية التي يمكن أن تحققها العولمة من ظهور بعض حركات الرفض والتمرد والاحتجاج والتحدي لهذه الدعاوى ذاتها، وانتشرت هذه الحركات الرافضة في عدد كبير من دول العالم، بما في ذلك بعض الدول الغربية التي
*266*
تعتبر من أكبر المستفيدين من العولمة. وليس ثمة شك في أن العولمة حققت كثيرا من النجاح في بعض المجالات المهمة مثل قبول مبدأ التحول إلى الديمقراطية ومؤازرة قضايا المجتمع المدني ومبادئه، وتخفيض الديون المتراكمة على دول العالم الثالث، وإتاحة الفرصة لكثير من الدول الصغيرة لفتح أسواق جديدة أمام صادراتها، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية في تلك الدول وهكذا. ولكن الملاحظ في الوقت نفسه أن بعض دول العالم الثالث أمكنها أن تحقق لنفسها قدرا كبيرا جدا من النجاح والتقدم، بالرغم من تجاهلها تعاليم العولمة وتوجيهاتها ومبادئها وأجهزتها الدولية، كما حدث في ماليزيا على سبيل المثال، بينما تعرضت دول أخرى لكثير من الخسائر بعد قبولها مبادئ العولمة ونظرياتها، إذ تفشت فيها البطالة نتيجة للاستغناء عن كثير من الموظفين والعاملين بعد اندماج الشركات المحلية الصغيرة في الشركات الكوكبية الكبرى، وذلك فعلا عما تعرضت له ثقافاتها من تهميش وتراجع أمام زحف ثقافات الدول المهيمنة. ولذا يسود الان في كثير من أوساط المثقفين أن العولمة، التي تزعم أنها تهدف إلى تحقيق التقدم والنمو والارتفاع بمستوى المعيشة لجميع البشر على مستوى كوكب الأرض - أدت في الواقع إلى مزيد من الفقر والبطالة وعدم الاستقرار وانتشار السخط والتمرد في كثير من أنحاء العالم، وهذه حقائق تثير القلق لدى كثير من المفكرين. وقد انتبه لهذه الحقيقة جوزيف ستيجلتز Joseph Stiglitz الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد في كتابه ليGlobalization and its Discontents الصادر عام 2002 وكذلك في المحاضرة التي ألقاها بجامعة أكسفورد في مايو 2004، حيث يعترف صراحه بأن مجتمعات العالم الثالث لم تحصل على المكاسب المرجوة أو المتوقعة من العولمة، وأن اقتصاديات العولمة بالنسبة لتلك المجتمعات تفتقر إلى الأخلاقيات، خاصة أن الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات لم تكن تهتم بأن تشجع حكومات تلك الدول على الاستجابة لمطالب شعوبها، التي أوصلتها إلى الحكم. وفي ذلك أيضا يذهب المفكر الهندي رومينا سيتي Romina Sethi إلى أن ما يسميه (الثالوث المقدس) المتمثل في منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي مسؤول عن التدهور الذي تعاني منه كثير
*267*
من مظاهر الحياة في تلك الدول، ابتداء من تدهور البيئة إلى انتشار أمراض نقص المناعة والإيدز، إلى ضعف موارد الإنفاق على التعليم والصحة، إلى تلوث المياه وغير ذلك من المشكلات الاجتماعية والتشوهات التي تقاسي منها شعوب العالم الفقيرة. فالدول الإفريقية - أو بعضها على الأقل - اضطرت إلى تعطيل بعض مشروعاتها الزراعية الحيوية نزولا على نصيحة البنك الدولي بالاتجاه نحو التصنيع لتشغيل الأيدي العاملة، وأنشأت نتيجة لهذه النصيحة مصانع للكوكاكولا والبيبسي كولا استنزفت الجانب الأكبر من مصادر المياه المحدودة، وحرمت الناس بذلك من مياه الشرب والري. ومثل هذه الأوضاع تدفع الكثيرين إلى التشكك في أهداف العولمة ومراميها، وأنها لا تأخذ في الاعتبار بصورة جدية اهتمامات الشعوب والطبقات الفقيرة ومصالحها وتوجهاتها، أو تبذل الجهد اللازم للارتقاء بالديمقراطية وتطبيق المبادئ العادلة في حرية التجارة، مما يدعو إلى التساؤل عن مستقبل العولمة. وعلى أية حال فإن انتشار العولمة لم يكن اختيارا ديمقراطيا من شعوب العالم، وإن كان على العكس من ذلك عمليةً مفروضةً من المؤسسات الكبرى تبعا لمخطط مدروس لتحقيق أهداف اقتصادية معينة، وساعدت الحكومات على نجاح العملية وانتشارها، واتخذت في الخفاء القرارات التي تحقق ذلك النجاح والانتشار دون علم من الشعوب أو بعد حملات دعائية وإعلانية مكثفة ومغرضة.
ضد السيطرة والاحتكار
لذا كان من الطبيعي والمنطقي أن تنمو مشاعر التشكك في فاعلية العولمة وقدرتها على حل مشكلات المجتمع المعاصر، وأن تقوى حركات التمرد والاحتجاج ضد سيطرة المصالح الاقتصادية للشركات الكوكبية الكبرى والحكومات التي تساندها، وأن ترتفع الأصوات بضرورة التصدي للعولمة، وكشف أساليب الزيف والخداع التي تلجأ إليها للترويج ونشر مبادئها، كما كان لا بد لهذه الحركات المناوئة للعولمة أن تدعو الشعوب المستضعفة إلى الدفاع عن مقومات ثقافاتها الوطنية والقومية التي يراد طمسها والقضاء عليها. ويذهب بعض الكتاب المعارضين للعولمة إلى أنه ليس هناك ما يسند أو يؤيد ادعاءات العولمة حول النتائج الإيجابية التي حققتها أو التي يتوقع تحقيقها في المستقبل.
*268*
فحقائق الواقع تشير إلى تراجع معدلات الإنتاج بشكل محسوس وانكماش الاستثمارات الأجنبية في معظم دول العالم اللاغربي واتساع الفجوة في الدخل العام بين دول الغرب الكبرى المسيطرة وبقية دول العالم، وانخفاض دخل الفرد في أكثر من سبعين دولة خلال السنوات العشرين الأخيرة، التي شهدت نمو العولمة وتضخمها وتوحشها، بحيث يعيش الان حوالي ثلاثة بلايين نسمة - أي حوالي نصف سكان العالم - على أقل من دولارين يوميا، بينما يعاني حوالي 800 مليون نسمه سوء التغذية، مع تضخم مشكلة البطالة واستفحال حدة الفقر، مما يضطر معه حوالي 75 مليون نسمة - أو أكثر - إلى الهجرة من المجتمعات الفقيرة إلى دول الشمال، بحثا عن العمل أو طلبا للجوء السياسي. وهذا كله يحدث في الوقت الذي تسمح فيه حكومات العالم الثالث الضالعة مع الشركات الكوكبية بهروب رؤوس الأموال إلى الخارج، مما يزيد من تفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية. وهذه كلها في رأي هؤلاء الكتاب مؤشرات على مستقبل لا يدعو إلى الاطمئنان أو التفاؤل.
ومن أشد مظاهر العولمة استفزازا للمشاعر الوطنية تدخل الشركات الكوكبية الكبرى في الشؤون الداخلية للدول الصغيرة والنامية، وتوجيه سياساتها بما يضمن المحافظة على مصالح تلك الشركات، دون مراعاة لحقوق شعوب تلك الدول ومتطلباتها واحتياجاتها، مما يعني تراجع دور الدولة أمام زحف مطالب الشركات الكبرى التي نشأت في ظل العولمة. وتذهب بعض الاراء إلى أن هذه الشركات يمكن أن تقوم بدور الدولة، وإن كان الكثيرون يرفضون هذه المزاعم، بل ويذهبون إلى حد التشكيك في جدوى العولمة وقدرتها على الصمود والتصدي للأوضاع الدولية المتغيرة والصعوبات التي تواجهها الدول الكبرى ذاتها، من جراء مقاومة الدول النامية والفئات الفقيرة في المجتمعات المتقدمة ذاتها، ومظاهر الاحتجاج وأساليب العنف التي تلجأ إليها هذه الجماعات للتعبير على رفض مبدأ العولمة من أساسه، بل واتهام العولمة بانها أحد الأسباب القوية والمباشرة لظهور الحركات الإرهابية التي أصبحت تؤلف واحدة من أخطر الظواهر المميزة للقرن الحادي والعشرين. فازدياد هيمنة الدول الكبرى سياسيا واقتصاديا وتدخل المصالح الاقتصادية
*269*
للشركات الكبرى العابرة للقوميات في توجيه سياسات دول العالم الثالث، وما ترتب على ذلك من إضعاف سلطة الدولة وضياع هيبتها تعتبر من دواعي العنف الذي تلجأ إليه جماعات تخضع لتنظيمات دينية أو سياسية لمحاربة الدول الغربية التي تقف وراء العولمة، وإلحاق أكبر قدر من الأذى بها، وإن كان هذا لا يعني بالضرورة أن كل الهجمات الإرهابية الموجهة ضد المصالح الغربية ظهرت كرد فعل ضد العولمة، مع أن العولمة تعتبر في الوقت ذاته وفي نظر الكثيرين صورةً أخرى جديداً ومموهة للاستعمار القديم، ولذا يجب محاربتها والقضاء عليها مثلما تم القضاء على الاستعمار القديم، وأن هذا سوف يتحقق في المستقبل غير البعيد بفضل يقظة الشعوب في العالم الثالث والجماعات غير الحكومية المدافعة عن حقوق الإنسان في الدول المتقدمة ذاتها. وقد أصبحت التنظيمات الإرهابية مصدر إزعاج وتهديد حقيقي لمصالح الدوية الغنية المهيمنة، وتمثل ما يعرف باسم التهديد غير المتكافئ Asymmetric Threat حيث يمكن لأضعف قوة وأصغرها أن تلحق الأذى بل والهزيمة بأكبر القوى العالمية وأضخمها وتشل حركتها تماما، كما حدث بالفعل بعد هجمات 11 سبتمبر، التي تعتبر مثالا فريدا لتفوق الضعيف على القوى ولو مؤقتا.
هل انتهت العولمة؟
وتثير هذه الأوضاع كثيرا من التساؤلات حول مستقبل العولمة لدرجة أن بعض الكتاب يذهبون إلى أن عصر العولمة قد انتهى بالفعل. ففي مقال بعنوان (العاب سنة 2025) نشر فيThe Globalist بتاريخ 24 أكتوبر 2001 يقول الكاتب جيروم جلين Jerome Glenn إن العالم بعد أحداث 11 سبتمبر سوف يواجه تزايد العولمة بفضل تأثير الإنترنت الذي يعتبر الان الوسيلة والواسطة الأساسية الفعالة لممارسة كثير من أوجه النشاط البشري على مستوى العالم، والذي يقوم بالنسبة لانتشار العولمة بنفس الدور الذي قامت به المدن في الانتقال والتحول إلى الصناعة، وأن انتشار العولمة على هذا النظام الواسع العريض سوف يؤدي إلى أحد أمرين: الأمر الأول هو أنه بدلا من انقسام العالم الان إلى الشمال والجنوب، فإنه سوف ينقسم إلى المجتمعات التي وصلت
*270*
إلى ما يسميه بالمستوى الكوكبي في تعاملاتها واتصالاتها بفضل التكنولوجيا المتقدمة والمجتمعات التي لا تعرف هذا النوع من النشاط، وذلك على اعتبار أن عالم الغد سوف يعتمد اعتمادا كليا على الكمبيوترات الصغيرة ذات الكفاءة العالية، بحيث يرتبط الناس بعضهم بعضا في كل أنحاء العالم بسهوله، وسوف يساعد ذلك على انتشار الديمقراطية وتحرر الفرد من سلطة المجتمع والدولة مع انتشار التعليم عن طريق الشبكات الدولية، ولكنه سوف يؤدي في الوقت ذاته إلى ازدياد الفردية وضعف الدولة وانهيار التماسك الاجتماعي داخل المجتمع الواحد، وهذه تعتبر إحدى مثالب العولمة.
والأمر الثاني هو غلبة الشيخوخة على المجتمع الالماني بشكل عام، وليس المقصود بالشيخوخة هنا الارتفاع في نسبة كبار السن إزاء بقية الشرائح العمرية، وإنما المقصود هو زيادة استنزاف الموارد الطبيعية، وبخاصة في العالم الثالث نتيجة لسيطرة الشركات الكبرى وتحكيها في النشاط الاقتصادي والتجاري على مستوى كوكب الأرض. وسوف يترتب على ذلك ازدياد الفقر في العالم وتركيز الثروات في أيدي عدد قليل نسبيا من الأفراد في الدول المتقدمة، وتفشي البطالة والهجرات للبحث عن العمل، والارتفاع في معدلات الجريمة، واستفحال ظاهرة العنف، وانتشار الجماعات الإرهابية على نطاق أوسع مما هو معروف حتى الان، وعجز الحكومات والمنظمات الدولية عن فرض القانون واستتباب الأمن، وهذه كلها تعتبر أيضا من مثالب العولمة ومن المؤشرات التي تنذر بقرب (موت العولمة) أو على الأقل قرب انتهائها كظاهرة ونشاط وأيديولوجيا وممارسة سياسية واقتصادية.
وقد نشر جون رالستون صول John Ralston Saul، وهو كاتب وروائي أمريكي، مقالا بعنوان (نهاية العولمة) في عدد 2004/2/20 من جريدة الفاينانشيال ريفيو يقول فيه: إن العولمة بكل ما يتعلق بها من حتمية تكنولوجية وتكنوقراطية وإعلاء من شأن السوق، والتي استمر الحديث عنها طيلة السنوات الثلاثين الماضية لتمجيد فاعليتها والتبشير بالنتائج الباهرة التي سوف تحققها (قد ماتت بالفعل)، وإن لم تختف وتزل اثارها تماما من الوجود، لأن الاختفاء والزوال التام يحتاجان في العادة إلى بعض الوقت،
*271*
ولا يحدثان بين ليلة وأخرى تماما كما هو الشأن بالنسبة لكل (الموضات) سواء أكانت هي موضات الزي أو الطعام أو الاقتصاد. وإذا كانت العولمة ستخلف وراءها أية اثار، فإن ذلك سيكون فقط من قبيل الاحتفاظ بالذكرى للعولمة كقضية. فالمؤشرات والعلامات الدالة على تراجع العولمة كثيرة ومتنوعة - كما هو واضح في حركات الاحتجاج وفي الدعوة إلى التمسك بمقومات الثقافة الوطنية وغيرها - وقد بدأت هذ المؤشرات تفرض نفسها بقوة منذ عام 1995 على الرغم من كل محاولات أنصار العولمة إقناع الشعوب المختلفة بأنه لا رجعة عنها، وأنها وجدت لتبقى، وأن هذا الوجود أمر محتوم. ولكن الزعم بحتمية الوجود هو في حد ذاته دليل على الشعور الداخلي بالضعف.
والأغلب في رأي الكثيرين من الكتاب والمفكرين في أمريكا نفسها أن تجد المؤسسات العابرة للقوميات أنه ليس ثمة مخرج من هذا الوضع الذي تواجهه العولمة إلا بأن تقبل تلك المؤسسات والدول الراعية للعولمة القيام بدور أكثر تواضعا، وتتخلى عن طموحاتها بأن تفرض على العالم نظاما اقتصاديا أو سياسيا واحدا معينا يحقق لها أطماعها الخاصة ويغفل رغبات الاخرين ومطالبهم. ودون ذلك سوف تعم الفوضى والصراع ويسود عدم الأمان كوكب الأرض برمته. فلقد أصبحت العولمه تمثل في نظر الكثيرين شكلا جديدا من الاستعمار والاستبداد ينبغي محاربته والتصدي له حتى تتمتع الدول المختلفة بحقها في حرية التصرف في شؤونها الخاصة.
مجلة العربي، عدد 554، يناير 2005
مفاتيح النص:
العولمة، النظام العالمي الجديد، الشركات الكوكبية، السوق، المصالح الاقتصادية، التدخل في شؤون الدول، دول العالم الثالث، ثورة الاتصالات، استنزاف الموارد الطبيعية، تهميش القومية والوطنية، الاحتجاج والتمرد، الإرهاب، سلبيات العولمة، الاستعمار الجديد، موت العولمة، الفرضية، التعليلات الموافقة والمضادة، موقف الكاتب، مصداقية المعلومات، الروابط المنطقية.
*272*
مهام:
1. ما المقصود بالعولمة حسب المقال؟
2. ما هي وجهة نظر الكاتب تجاه الموضوع؟
3. ما هي التعليلات الموافقة لفكرة العولمة؟
4. ما هي التعليلات المضادة لفكرة العولمة؟
5. هات مثالين يؤكدان مصداقية المعلومات التي يوردها الكاتب؟
6. ما هي الأسباب الداعية لظهور الإرهاب حسب المقال؟
7. لماذا تعتبر العولمة شكلا من أشكال الاستعمار؟
8. ما المقصود بتهميش القومية والوطنية؟
9. كيف يحرك اقتصاد الشركات الكوكبية منظومة العولمة؟
10. ما هي أهمية التكنولوجيا في نشر العولمة؟
11. قارن بين موقف جون رالستون صول وموقف جيروم جلين من مستقبل العولمة؟
12. استخرج جملة من المقال تشير إلى الموقف الشخصي للكاتب من التصدي للعولمة.
13. استخرج من المقال ثلاثة روابط منطقية.
14. ما هي وظيفة العناوين الفرعية في المقال؟
13. يستخدم الكاتب الأسلوب التقريري في عرض المعلومات. هات مثالا على ذلك.
16. اكتب ثلاث حقائق وثلاثة اراء جاءت في المقال.
17. ما هي التفاصيل التوثيقية التي تنقص مقال تهديد العولمة؟
18. لم يعتمد الكاتب على وجهات نظر عربية في المقال. ما تعقيبك على ذلك؟
*273*
*273*
أين مكامن القوة والضعف في حياتنا العلمية العربية؟
الصحوة العلمية العربية ما شروطها وما بشائرها؟
الوطن العربي هل يخرج من موقعه في العالم الثالث؟
في ندوة عقدت بالكويت في ربيع 1981 عن الإبداع العلمي العربي الإسلامي - شارك فيها مجموعة كبيرة من العلماء العرب والمسلمين الأجانب - وقف العالم الباكستاني المسلم الأستاذ محمد عبد السلام الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء لسنة 1979. وقف ليقول: "لقد كان علي أن أختار في الخمسينيات بين أن أبقى في باكستان أو أبقى في دراسة الفيزياء، واخترت الأخيرة.
وكانت الإشارة واضحة، فهذه الكلمات القليلة تمثل أزمة العلماء والمشتغلين بالعلم في العالم الثالث اليوم، لأن هناك أسبابا كثيراً، وكثيراً جدا، تدفع العلماء في العالم الثالث طائعين أو مجيرين أن يتركوا بلادهم حتى يستطيعوا أن يشبعوا رغباتهم في الإنجاز. لقد أردف وقتها، ذاك العالم الشهير بالقول: "لقد جئت هنا أتوسل إليكم أن تعطوا الأولوية القصوى للإبداع العلمي، وهي الخطوة الأولى والأساسية إذ اردتم اللحاق بركب التقدم العلمي".
قبل ذلك بعشر سنوات سمعنا نداء مشابها في قالب تعبيري مختلف في مؤتمر عقد بالقاهرة لتدريب العلميين، ويومذاك قال نائب مدير اليونسكو "مالكو أديشيا"، وهو هندي: "إن أمريكا أنزلت رجلا على القمر على حساب إفقار دول نامية كثيرة من العلميين".
ولقد تكاثرت الكتابات والنداءات للاهتمام بالعلم والبحث العلمي، وبالعلميين في الوطن العربي وفي دول كثيرة من العالم الثالث، ذهب جلها أدراج الرياح مع الأسف،
*274*
دول محدودة فقط في العالم الثالث التفتت إلى هذه القضية وأولتها اهتماما خاصا في إطار خططها التنموية.
والوطن العربي اليوم يقف أمام تغيرات هائلة تستوجب إعادة طرح السؤال من جديد: وماذا عن العلم والبيئة العلمية والبحث العلمي بالمعنى الواسع الشامل؟
العرب المسلمون والعلم!
لعل من نافلة القول ترديد ما كان للعرب والمسلمين في تراثهم من باع طويل في رعاية العلم والبحث العلمي شهد بها المنصفون من علماء الغرب قبل الشرق، ولعلنا نذكر على وجه التخصيص موسوعة جورج سارتون في تاريخ العلوم، والذي اختار أن يقسم فيها تاريخ العلم إلى فترات تبلغ الخمسين سنة لكل فترة ويربطها باحدى الشخصيات العلمية البارزة في ميقاتها، فعلى سبيل المثال ربط مارتون فترة 450-400 قبل الميلاد - وما بعدها بأرسطو والعلماء الإغريق من بعده، ثم أورد الفترة الصينية. أما الفترة من سنة 750 م إلى 1100 ميلادية - 350 سنه متواصله فكانت للعلماء المسلمين دون منازع، وتبرز فيها أسماء مثل: جابر بن حيان، الخوارزمي، الرازي، المسعودي، البيروني، ابن سينا، ابن الهيثم... إلخ، من مستوى هؤلاء العلماء. وبعد 1100 سنة ميلادية فقط يظهر أول الأسماء الغربية في موسوعة جورج سارتون - ولكن لقرنين ونصف يظل الشرف العلمي في الغرب شراكة مع علماء مسلمين مثل ابن رشد والطوسي وابن النفيس.
لقد كان الاهتمام بالعلم والمعرفة جزءا من فطرة المجتمع العربي الإسلامي وسمة لتقاليده، حتى أنه روي عن المعلم أبي الريحان البيروني (973-1048 م) على لسان أحد تلاميذه أنه قال: "لقد بلغني أن البيروني كان في حضرة الموت، فأسرعت إلى منزله أملا في أن أراه للمرة الأخيرة، وسرعان ما تحققت أنه لن يعيش طويلا، وعندما بلغه قدومي فتح عينيه وقال: ألست فلانا؟ فأجبت بالإيجاب وعندها قال: بلغني أنك قد توصلت إلى حل مشكلة معقدة في قوانين الإرث في الإسلام، ثم أشار إلى مسألة معروفة استعصى حلها لزمن طويل، فلم أتمالك نفسي وقلت: ولكن في هذه الظروف يا أبا الريحان! وكان جوابه: ألا ترى أنه خير لي أن أموت عالما بالأمر من أن أموت جاهلا به؟. وبقلب مملوء
*275*
بالأسى، أخبرته بكل ما عندي ثم استأذنته وانصرفت، ولم أكد أبرح باب داره حتى سمعت صائحا من داخل الدار يقول: إلى رحمة الله يا أبا الريحان!".
لعل هذه القصة - ومن أمثالها الكثير في تراثنا العربي الإسلامي تؤكد حقيقه أثبتتها الدراسات الكثيرة، وهي حرص هؤلاء الأجلاء على متابعة البحث العلمي دون كلل أو ملل.
ولعل القضية الأخرى اللصيقة باحتضان العلم والبحث العلمي في تراثنا، أن علماءنا الأوائل لم يكونوا فقط ناقلين، بل أضافوا وجددوا ونقدوا ما جاء إليهم من علم حضارات سبقتهم - وتلك حقيقة لا تقبل الجدل - فقد أصبح اقتران العلم العربي الإسلامي بتاريخ العلوم شرطا لضمان موضوعية هذا التاريخ، وكذلك لفهم أفضل للفترات التي أعقبت النهضة العلمية العربية.
الانقطاع والتواصل:
ما غاب عما حتى الان، وما زالت كتاباتنا تمر عليه مرور الكرام - هو الإجابة المنطقية العلمية عن هذا السؤال: لماذا انقطع التراث العلمي العربي الإسلامي وضعفت جذوته ثم اختفت خلال فترة القرون الطويلة التي لحقت القرن الحادي عشر الميلادي؟
هناك بعض الاجتهادات، ولكن لم يتقدم أحد - حسب علمي حتى الان (1986) بتفسير منطقي واضح للأسباب الداخلية التي شلت النشاط العربي الإسلامي العلمي.
لقد تنبه العالم الإسلامي والأمة العربية في القرن التاسع عشر وما بعده على حقيقة مفادها أن الهوة العلمية والتقنية تزداد في الاتساع بيننا وبين الغرب إلى درجه أن تلك الهوة أوقعت كثيرا من بلادنا في قبضة السيطرة الغربية، ولكن الجهود العديدة في تخطي تلك الهوة ومجاوزتها كانت تبوء بالفشل مرة تلو الأخرى، فالسلاطين العثمانيون ومحمد علي وحكام اخرون اكتشفوا بشكل أو باخر أن المعادلة في طرفي الهوة هي في ضعفنا العسكري والاقتصادي، كما تكون ايضا في حقيقة التخلف العلمي والتقني. وعرفوا أيضا أن القوة التي يواجهونها هي قوة العلم في شكل سلاح وتنظيم وتدريب. كذلك اكتشفوا أن العلم والتقنية ليسا في توفير الوسائل العسكرية للدفاع فقط، ولكن كذلك
*276*
في الغذاء والزراعة والإسكان والصحة والصناعة والتربية، أي في كل مناشط الحياة.
صيحة العلم
منذ ذلك الوقت، ولقرن وحتى اليوم، أصبحت صيحة العلم والبحث العلمي تطرح بشدة أحيانا أو بضعف في أحيان أخرى على الساحة العربية الإسلامية، وكذلك في العالم الثالث. ولكن - كما يبدو - دون تقدم كبير في هذا المجال.
ومنذ الحرب العالمية الثانية، حتى يومنا هذا، وقضية العلم والمعرفة العلمية تطرح في وطننا العربي، لقد اقتنعت أقطار عربية عديدة بأهمية البحث العلمي وما يحققه من فوائد جمة عندما يتضح أثرها في الواقع الملموس، وأن العلم يمكن تسخيره في التنمية والإعمار، وقد شغلت معظم هذه الأقطار العربية بإنشاء مراكز العلوم ومجالسها... ولكن ما نتيجة كل تلك الجهود؟
في بداية الثمانينيات نجد تعليقا لأحد المختصين والمتابعين لهذا المجال هو الدكتور أسامة الخولي (1923-2002)، يجيب فيه إجابة واضحة عن التساؤل الأخير فيقول: "لم ينجح قطر عربي واحد في إرساء دعائم وطيدة لنموذج بناء القدرة الذاتية وتسخير العلم لخدمة التنمية مثلما فعلت دول في العالم الثالث مثل: كوريا أو تايوان أو المكسيك أو بلغاريا على سبيل المثال.
فالجهود المبذولة كلها أو جلها قد اعتورها القصور، فباتت إما معطلة أو مبتور؛ بحيث لا تصل إلى نتائجها الحاسمة. تلك الخلاصة طبعت تساؤلا مهما: لماذا لا ننهض من جديب بمسيرة علمية حقيقية وشاملة؟
وما زالت هناك أسئلة تطرح حتى الان:
ما هي أولوياتنا في العلم والتقنية؟
كيف نهيئ الإنسان العربي للعطاء العلمي؟
من المسؤول عن تمويل البحث العلمي وإعداد الكوادر المؤهلة لذلك؟
وبعض الأسئلة القديمة ما زالت تطرح أيضا:
*277*
هل العلم ضروري إلى هذه الدرجة؟
وإذا كان باستطاعتنا الحصول على نتائج التقنية من العالم المتقدم فلماذا نبحث من جديد في اكتشافات علمية؟
بل ما زال بعضنا يشكك في أن التفكير العلمي مناقض لبعض القوانين في تراثنا. يريدون بهذا الطرح أن يثبطوا همتنا مرة تلو أخرى، وكأن الحقائق العلمية المتغيرة والمتطورة تهدد ما ورثناه من ثوابت. وتلك لعمري مقولة مسيطرة عليهم، ولا تمت إلى العلم بصلة، بل تتناقض تماما مع روح دعوتنا الحضارية.
ولكن تبقى الحقيقة المرة بارزة مهما حاولنا طمسها: هي أن افتقادنا للامن الوطني والقومي نابع من إغفالنا للعلم، وأنه بغير الالتزام بمخطط واضح وصريح، وطويل الأمد، وقومي يحتضن قضية العلم، فليس هناك اطمئنان قريب يضفي على مشاعرنا السكينة ويكفل لنا الأمن العسكري والغذائي والثقافي... إلخ.
طبيعة التفكير العلمي:
لعل من الأخطاء الشاسعة بشأن الفكر العلمي أن نسمه بأنه "مطلق"، فالفكر العلمي نسبي، وما هو حقيقة اليوم قد لا يكون كذلك بعد فترة من الزمن، فهو نظام فكري يقر النظرة النقدية والتجربة والملاحظة. وتاريخ العلوم ليس مجرد تاريخ الاكتشافات العلمية وتطور مفاهيمها، بل إنه تاريخ حرية التفكير والسعي الدائم للتخلص من المطلقات الفكرية عندما تصبح تلك المطلقات عوائق أمام التقدم!
والعلم هو جهد إنساني منظم يحاول فهم ما يجري حول الانسان في بيئته الطبيعية والإنسانية، وكان تطور العلم في الاتجاهين الطبيعي والإنساني متداخلا يرفد بعضه بعضا. هذا الجهد الانساني متواصل تسلمه حضارة لحضارة، وجيل لجيل، وأيضا ليس هناك من شك بأن القرنين الماضيين شهدا مسيرة منتظمة وصاعدة في تخليص العلم بمعناه الدقيق من العبث والخرافة حتى تطورت مناهجه. ولقد شهد العلم الطبيعي أيضا - بمعنى العلوم الأساسية والتطبيقية - تطورا بشكل أسرع مما شهده الشق الثاني من العلم، وهو العلوم الاجتماعية (دراسة الإنسان في نفسه أو في علاقاته وتنظيماته).
*278*
إلا أننا اليوم يمكن لنا أن نقرر بارتياح أن العلوم الاجتماعية والانسانية، قد اكتسبت احتراما وتقبلا نسبيا بعد أن تقاربت في مناهجها ومباحثها مع العلوم الطبيعية. ولكن، لعل كثيرا منا عندما يتحدث عن العلم دون تحديد ينصرف الذهن مع هذا الحديث إلى العلم الطبيعي (الفيزياء، والكيمياء، والجيولوجيا.. إلخ) وتطبيقاته (التكنولوجيا) فقط.
ومع المفارقات الطريفة بين العلم الطبيعي والعلم الاجتماعي، أن أهم العوائق والعقبات في مجتمعنا العربي اليوم أمام تقدم العلم الطبيعي وتطبيقاته هي عقبات مجتمعية! فما زالت بيننا فئات اجتماعية لم تسلم بعد بالأركان الأساسية لمتطلبات التفكير العلمي، حيث تتبنى مواقف شديدة الضرر للتقدم العلمي مثل التطير والتشاؤم والاعتقاد بالخرافات، وأقلها ضررا الاستخفاف بما يمكن أن يقدمه العلم من حلول إيجابية لمشكلاتنا. تلك قضية مجتمعية في وطننا العربي على اختلاف درجاتها في أقطاره. ولعل مؤرخي العلوم ينكرون لنا مثلا اخر في التاريخ حيث توقف النمو العلمي في الصين، وكانت في فترة من فترات التاريخ، قمة التقدم العلمي والتقني، لأن الطلب الاجتماعي على العلم قد تضاءل ثم انكمش لعوامل داخلية وخارجية، حينما تفشت الخرافات، واستشرى داء الجهالة، وخبت جذوة العلم والفكر.
ومسؤوليتنا اليوم جميعا، هي حفز الجماهير واستثارة إقبالها على خوض مجالات العلم، لا من أجل مكانة أفضل في المجتمع أو دخل أعلى، وإنما من أجل النهوض العام بهيكل البناء على جميع مستوياته.
البعد الاجتماعي والثقافي:
ما هي تفاصيل البعد الاجتماعي والثقافي التي تنشط الإقبال الاجتماعي على العلم والتقنية أو تضعفه؟
إن الخوض في التفاصيل لا شك سوف يؤدي بنا إلى تفريعات كثيرة، إلا أن الحلقات الرئيسية يمكن إجمالها في القول بأن التاريخ قد برهن لنا أكثر من مرة أن العلم يمكن أن يقدم إلى مجتمعات تأخذ باجتهادات اقتصادية وسياسية مختلفة... وفي بعض
*279*
الأوقات متناقضة، فقد ازدهر العلم في مجتمعات شمولية، كما ازدهر في مجتمعات ليبرالية، كما ازدهر في مجتمعات تأخذ خطا وسطا بين هذه وتلك.
كذلك في المقابل نجد أن كثيرا من الاكتشافات العلمية ظلت مهملة لسنوات طويلة قبل أن تتحول إلى التطبيق في تقنيات محددة، لأن الحاجة إليها لم تنشط.
كما أن العلم والتطبيقات العلمية، لم يكن ينظر إليها حتى في عصر النهضة الأوروبية نظرة اجتماعية إيجابية، إلى درجة أن الجامعات المحترمة - في بعض دول أوروبا - لم تكن تقبل تخريج (مهندسين) على أساس أنهم مجرد وسطاء لتطبيق نتائج العلم وتحويله إلى تقنية!
ما أريد أن أقول إن تنشيط الطب الاجتماعي على العلم والتقنية، لا بد أن يسبقهما خلق وعي عام بأهميتهما في تقدم الحياة وازدهارها، وتحقيق الاستقلال الوطني والقومي.
ما مجالات تنشيط هذا الوعي؟
في تقديري المبدئي أن خلق هذا الوعي يجب أن يتكرس لدى القيادات الفكرية والسياسية، وأن يترسخ في أذهانها إيمان كامل بأهمية بناء القدرات الوطنية والعلمية والتقنية، وأن هذا البناء يحتاج إلى مال ووقت وجهد أيضا.
طبيعة العزلة
هناك عزلة حقيقية بين القيادات الفكرية من مثقفين من غير رجال العلم وبين ما يجري في دنيا العلم على أيدي المقتصرين عليه، وبعضهم لا يقدرون أثره في حياتهم وحياة مجتمعهم وعالمهم. فهناك من الناس من هم منصرفون عنه، والبعض مبهور به بغير دراية، والبعض الاخر خليط بين هذا وذاك، وهذا ينسحب على معظم مراتب القيادات السياسية.
هذه العزلة تتمثل في ظواهر عديدة منها، على سبيل المثال، الاوضاع الشاذة لتدريس العلوم في أنظمتنا التعليمية، وأذكر - ولعل غيري يذكر معي - كيف كان مدرس الطبيعة في المدرسة الثانوية التي تعلمنا فيها يقدم لنا التجارب العلمية على أنها نوع من السحر أكثر منها قوانين طبيعية.
*280*
وفي جامعاتنا ما زال التعليم العلمي غريبا عن لغتنا ويلبس أثوابا غريبة عن مجتمعنا، ويعالج مشكلات ليس لنا بها علاقة!
ويضاف إلى ذلك ما يثور بين العشيرة العلمية العربية من وجوه النزاع والخلاف بعضهم مع البعض الاخر، حتى دخلت العلاقات بينهم في نطاق "ما صنع الحداد"، كما يقول المثل.
والحلقة الأخرى في البعد الاجتماعي الثقافي وعلاقته بالنمو العلمي ما اصطلح على تسميته بالتنشئة الاجتماعية، فما زال هناك علامات استفهام كثيرة. إن ما يغرس في نفس الطفل من المحيطين به الوالدان أو أحدهما أو أحد الأقارب المحتكين بالطفل أو أحد المدرسين في هذه المرحلة المبكرة من طفولته هو ما يبقى ويظهر بعد ذلك في علاقاته مع الناس والمجتمع.
والتناقض الذي يواجه الصغير في معظم مجتمعاتنا العربية من تسامح مطلق في السنوات الأولى من الحياة، وأوامر بالانضباط ترقى إلى التسلط في الطفولة المتأخرة، يشكل في الغالب شخصياً ليس لديها الاطمئنان الوجداني، فيشب الولد أو البنت مترددا خجولا يخاف ولوج غير المألوف الذي هو أساس الإبداع مع التنمية العلمية.
وقد عبر عن هذا المعنى أستاذ الاجتماع العربي "دكتور سعد الدين إبراهيم"، حيث قال: فالمبدع الذي يجهر بإبداعه في مجتمع سلطوي محافظ - مثل المجتمع العربي - هو في الواقع شهيد أو لا بد أن يهيئ نفسه للاستشهاد!.
الصحوة العلمية العربية:
المسيرة العلمية العربية خلال الاربعين سنة الماضية، فيها من النجاحات بقدر الإخفاقات، وفيها من الإيجابيات بمثل المثبطات.
فعادل ثابت في الكتاب الرائع الذي أصدره مركز دراسات الوحدة العربية حول تهيئة الإنسان العربي للعطاء العلمي يلخص لنا التجربة المصرية فيقول: "لقد وضعت الخطط تلو الخطط - في مصر خلال الأربعين سنة الماضية - وتواصلت الجهود دون تحقيق الكثير من النتائج التي تهم في حل المشكلات الملحة للمجتمع.
*281*
إن التجربة المصرية توصلت لضرورة النظر إلى التقنية بشكل جاد وموضوعي وفقا للدراسة المتأنية الشاملة التي تشترك فيها كل جهات الاختصاص والمسؤولين عن سوق العرض والطلب من علميين وتقنيين اقتصادين وتشريعيين.
إذا كان هذا ملخص تجربة أكبر قطر عربي وأقدمها في تاريخ التعليم، فالصورة في بقية أقطار الوطن العربي على اختلاف قدراتها أكثر تواضعا.
إلا أن للصورة وجها اخر، فهذا دكتور أنطوان زحلان الرجل الذي اهتم لفترة طويلة بتتبع العلم والسياسة العلمية في الوطن العربي حتى أصبح أحد الثقات في الموضوع يقول: "إنه إذا استمرت الجهود في الإنتاج العلمي التي سادت في الوطن العربي في العقود الثلاثة الماضيان كما هي حتى نهاية القرن، فإن ذلك قد يخرج الأقطار العربية من موضعها في العالم الثالث".
ويعتمد زحلان على مجموعة من المؤشرات من بينها الإنتاج العلمي المحكم المنشور في مجلات دورية، وكذلك على أعداد الخريجين والخريجات من الجامعات العربية والتي يقدر أنها ستبلغ اثني عشر مليون خريج في نهاية القرن الحالي.
وبعيدا عن الإحصائيات تقول لنا دراسات متفائلة أخرى بكلمات قاطعة إن الإنسان العربي قادر وصالح تماما للعطاء العلمي.
تلك الدراسات تعيد الثقة إلى النفس، إلا أن النجاحات التي نصادفها في الوطن العربي - كما يقول بعض النقاد - هي في حقيقتها جزر منعزلة، وما زالت بعيدة عن التأصيل في المجتمع.
وإذا ان لنا أن نختم هذا الحديث فلنختمه بملحوظات الدكتور محمد كامل رئيس المركز القومي للبحوث بمصر، إذ يقول عن التقنية: "إن الدراسات التي أجريت في البلدان الصناعية المتقدمة أثبتت أن من 60 بالمئة إلى 80 بالمئة من التحسن في مستوى المعيشة يعود إلى التقدم التقني، وأن 20 بالمئة فقط يعزى إلى تراكم رأس المال.
لقد تعودنا في العقدين الاخيرين على الأقل أن نستهين برأس المال على أساس أنه متوافر بشكل أو باخر في الوطن العربي، ولقد بدأت السنوات القليلة الأخيرة تثبت لنا
*282*
أنه حتى هذا - توافر رأس المال - لم يعد على الأقل كما كان.
لقد كان هناك استثمار لا بأس به على مستوى الوطن العربي في الإنسان، وقد ان لنا أن ننظم هذا الاستثمار وننميه بالاعتماد على العلم بشقيه الطبيعي والاجتماعي، لإيجاد حلول لمشكلاتنا العربية المتزاحمة التي أصبح تزاحمها مشكلة جديدة أيضا!!
مجلة العربي، عدد 330، مايو 1986.
مفاتيح النص:
العلم، العالم العربي والإسلامي، العالم العربي، مواكبة العلم، علماء المسلمين، العلم في الغرب، التقنيات المعاصرة، أولويات العلم، تمويل البحث العلمي، منهجية التهيئة العلمية، الانقطاع عن العلم، جسر الهوة بين العرب والغرب، التجربة المصرية، المعلومات، الحقائق والاراء، وجهة النظر، التعليلات، الروابط المنطقية، الاستنتاجات، التقريرية، الموضوعية، العناوين الفرعية، الدراسات والتوثيق.
مهام:
1. ما هي القضية الرئيسية التي يعالجها المقال؟
2. لماذا استشهد الرميحي بأبي الريحان البيروني في المقال؟
3. ما هي استنتاجاتك من مقولة العالم الباكستاني محمد عبد السلام "لقد كان علي أن أختار في الخمسينيات بين أن أبقى في باكستان أو أبقى في دراسة الفيزياء، واخترت الأخيرة"؟
4. ما غرض الكاتب من ذكر موسوعة جورج سارتون في تاريخ العلوم في المعاني؟
5. يستشهد الكاتب بمراجع مختلفة لتدعيم مقالته. ما هي درجه التنويع في هذه المراجع؟
6. ما الذي قد يخرج الأقطار العربية من موضعها في العالم الثالث، حسب أنطوان
*283*
زحلان؟
7. أيهما أكثر تأثيرا على مستوى المعيشة: التطور التقني أم رأس المال؟ علل إجابتك بالاعتماد على النص.
8. هل قول سعد الدين إبراهيم: المبدع الذي يجهر بابداعه في مجتمع سلطوي محافظ مثل المجتمع العربي - هو في الواقع شهيد أو لا بد أن يهيئ نفسه للاستشهاد!؛ حقيقة أم رأي؟ علل إجابتك.
9. ماذا يستفيد القارئ من العناوين الفرعية للنص؟
10. هل موقف الكاتب صريح في المقال؟ علل.
11. ما المقصود بالمثل بينهما ما صنع الحداد؟ وما الغرض من استخدامه؟
12. ما الغرض من ذكر الأرقام والنسب المئوية في المقال؟
13. يعتبر نشر هذا المقال في مجلة "العربي" اختيارا موفقا. لماذا؟
14. مضت على كتابة المقال فترة زمنية طويلة طرأت خلالها تجديدات وتغيرات. ماذا كنت تقترح على كاتب المقال أن يضيف إلى مقاله لو أراد تعديله؟
15. اكتب ثلاثة تعليلات منطقية ذكرها الكاتب مشيرا إلى الروابط المنطقية فيها.
*284*
*284*
هل اللغة العربية عاجزة عن مواكبة الحضارة العلمية الحديثة؟ وهل تفتقر إلى خصوبة التجدد واحتضان مصطلحات الحضارة المعاصرة؟ ذلك ما يحاول هذا المقال الإجابة عنه. تشكل اللغة أداة للتعبير والتواصل بين أفراد المجتمع، وترجمانا ينقل الأفكار إلى الاخرين، ليتم التفاهم والإقناع، أو التأثير، فهي رمز التعايش المشترك، وبها يتم توثيق روابط الوحدة الجماعية، وتدوين سجل الأمة، وحماية تاريخها، وحفظ ذاكرتها مما يضمن التفاعل الحضاري بين الخلف والسلف.
تتبنى اللغة تجسيد أنماط الفكر الإنساني، وما ينتجه من تطلعات وأفكار ورؤى وعلوم ومعارف أصلت وتوصل لفعل حركة يختزل كمون الإبداع المتجدد مع سيرورة الزمان، لأنها تمنح عملية التطوير شكلانية التراكيب، وتضمر روحية المعرفة وجوهرها الأصيل القابل للتفاعل والتوليد.
لما كان العقل يتمظهر باللغة، واللغة تتلبس وتعكس قيمة العقل، فإن العلاقة بينهما تدخل في جدلية الفعل وردة الفعل. فهل اللغة هي أحد مظاهر الحركة العقلية التي تصطدم بجوهر معرفي فتتشكل ردة الفعل لغة تردد صدى الاصطدام وجوهره؟ أم أن اللغة تحرض العقل فينتج الأفكار والاراء؟
إن الخوض في هذه الإشكالية يحتاج إلى دراسة علمية بيولوجية ونفعية وألسنية، ولكن هذا النوع من الدراسة له أصحابه من أهل العلوم البيولوجية التي ستبقى تنظر، في رأيي، إلى هذه الظاهرة الإنسانية بالنطرة عينها إلى تشكل البيضة. ولذلك يعنيني من الطرح قضيتان: الأولى، تؤكد أن العقل السليم يرسل أفكاره بتسلسل ترتيبي منطقي غير قابل للتناقض، والثانية تؤكد وجود علاقة حتمية بين العقل واللغة، سواء كان ذلك بين العقل وإنتاج اللغة، أو بين اللغة وفاعلية العقل، وفي الحالين معا، فاللغة تخضع في أدائها إلى منطق الترتيب الرياضي، فليس من المعقول أن تنتج اللغة تراكيب تحتمل التناقض، وهنا ما عبر عنه سيبويه في تحديد الكلمة المفردة باعتبارها أول شكل من أشكال البناء
*285*
النسقي (الكلمة هي لفظ بالقوة، وبالفعل شكل دال بجملته على معنى بالوضع).
إن كلام سيبويه وغيره من علماء اللغة العربية يشير إلى عظمة التراكيب اللغوية العربية، ويحدد ماهية العلاقات اللغوية المنطقية التي تخضع في عملية تشكلها إلى قوانين المنطق الرياضي، مما أكسبها خاصة التوليد والاكتساب والتطويع، فاختزلت بقدراتها ثقافات الحضارات العالمية التي تفاعلت في مختبراتها، وأعطت فكرا جديدا مغايرا، ومن ثم احتضنت الإنتاج العلمي والأدبي والديني والفلسفي الذي تمخضت عنه حركة الفكر الإبداعي الحر المتفاعل مع ثقافات الأمم الأخرى، فكان نتاجا علميا ما زال فاعلا بالحضارة العالمية المعاصرة.
واقع اللغة العربية
تعيش اللغة العربية، اليوم، حالة تغريب عن أبنائها، فهي في نظر البعض لغة عاجزة عن مواكبة الحضارة العلمية المعاصرة، لأنها، في رأيهم، تفتقر إلى الخصوبة العلمية، وغير قادرة على اكتساب المصطلحات، والمفاهيم العلمية والحضارية الجديدة، فشهدت مؤسساتنا التربوية سباقات مفرغة من الهدف، وسارعت إلى تبني برامج تعليمية غريبة عن موروثنا الثقافي، وغير قابلة للتفاعل معه، لسبب رئيسي يكمن في عجز القيمين على البرامج عن إيجاد المناخ العلمي القادر على خلق مختبرات الانصهار والإنتاج، وفرضت على أبنائنا أشكالا علميه مسبقة الصنع، يتعرفون إليها جاهزة، مع الاكتفاء بالشكل الخارجي الذي يجهلون تكوين مادته، فربطوا جهلهم بمعرفة الجوهر بعجز اللغة عن تبليغ الرسالة العلمية بعمق ووضوح، ورميت لغتنا بالنعوت السلبية.
لقد ترسخ الشعور عند معظم أبنائنا، بعجز اللغة العربية عن مواكبة حركة العلم والتكنولوجيا، وتأكدت أمامهم عظمة اللغات الأجنبية التي تحتضن الفكر العلمي المعاصر وتنقله، فينتج عن ذلك الشعور بالدونية أمام اللغات الأخرى، وصار النطق باللغات الأجنبية دليل تفوق فكري وحضاري، ولو كان النطق لا يتجاوز حدود الشكل الصوتي.
إن إتقان اللغات الأجنبية أمر ضروري إذا كان ذلك ناتجا عن رغبة في الحصول على المعرفة
*286*
من أصولها اللغوية، وتفعيل الناتج مع الفكر العربي، في حقول معرفية عربية. ولكن قلما يكون الهدف ثقافيا إنتاجيا، غايته تفعيل الموروث الثقافي بأدوات من التراث وبمواد مستوردة لا تتعارض وطبيعة مختبراتنا الاجتماعية والثقافية والمعرفية، ولذلك لا تتحقق خصوصية تسجيل الفعل وردة الفعل بلغة عربية سليمة، وبانعدام الرغبة في تحفيز قدرات اللغة فقدت لغتنا الكثير من خصائصها، وأصيبت بالوهن والضعف.
لماذا لا يطرح المثقف العربي سؤالا محددا على ذاته وعلى الاخر الذي يجهله: هل تغيرت اللغة العربية من حيث الفاعلية التواصلية؟ ولماذا استطاعت هذه اللغة أن تحتضن ثقافات متنوعة ومتعددة، وتختزنها وتخمرها، ومن ثم تبعثها بلسان عربي مبين ناطق بمعرفة لا تعرف الفناء؟
إن المشكلة ليست في قدرة اللغة العربية، بل في إنساننا العربي الذي يعيش مرحلة انسحاق وانبهار وشعور بالدونية والضغة من انتمائه، فيمارس دونيته هروبا من أصالته وهويته، والهوية القومية ترتبط باللغة القومية، لذلك كان الاعتزاز باللغة اعتزازا بالانتماء القومي، ومن يتخل عن انتمائه القومي، فلا وجود له، إنه أشبه بالشجرة التي تقتلع من دون جذورها، فتكتب نهايتها.
عاشت بلاد الاتحاد السوفييتي السابق حصارا لغويا، وصارت اللغة الروسية لغة العلم والفكر والحضارة، ولكن شعوب هذه البلاد ظلت مرتبطة ارتباطا وجدانيا ومصيريا بلغتها، فرسخت، بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، هويتها القومية باعتماد اللغة الأم لغة رسمية في المؤسسات التربوية، لأنها لغة التفكير والتوثيق الحضاري والثقافي. والشعب اليهودي، على الرغم من توزعه في العالم، فهو يحرص على إتقان اللغة العبرية وإحيائها كلغة علم وأدب وفكر وفلسفة، ويعمل المثقفون منهم على إغنائها بالمفردات، بينما إنساننا العربي يحاول تحنيط اللغة في قوالب جاهزة تمنعها من التخصيب والتوليد، ويخجل من إتقانها، حتى صار البعض يسمع الخطأ ويسكت كي يحمي نفسه من وصمة التخلف التي يقرنها بعضهم بالأصولية، أو يكون انعكاسا عن جهله بلغته أو لعدم ثقته بنفسه وانتمائه، حتى صار الخطأ واللحن سمة عامة يبررها البعض بالأخطاء
*287*
الشائعة، ويرسخها أساتذة الجامعات جوازات مقبولة، ويلقنها المتخرجون حقائق لغوية ثابتة تتناقلها الأجيال، وتفقد اللغة قوانينها وخصائصها.
يتسلح البعض بضرورة تطور اللغة، وهذا أمر طبيعي أثبتته الدراسات اللغوية والألسنية، واللغة الحية لا تتوقف عند الشيء الجاهز، بل تتجاوزه إلى أشكال تتلاءم ومعطيات العصر، ولكن التغيير في عرف الطبيعة يرتبط بالظاهر الشكلي، ولا يؤثر في قوانين الطبيعة، فالتغيير في اللغة يجب أن يظهر في أنماطها وفي ألفاظها، ولكن يجب ألا يوثر في قوانين تشكيلها الداخلية، لأن أي مس في الترتيب الجيني يؤدي إلى التشويه، وهنا ما يرتكبه أساتذة اللغة العربية، ويشاركهم في هذه الجريمة بعض القيمين على مجامع اللغة العربية بإقرار الأخطاء الشائعة.
تتمتع اللغة العربية ببنية تميزها عن غيرها من اللغات، وتشكل بنيتها النحوية والصرفية الثوابت التي تضمن سلامة بقية البنيات وتطورها. غير أن الشائع المقبول في معظم مؤسساتنا التربوية ومنتدياتنا الثقافية، السكوت على الأخطاء اللغوية والنحوية، وترسيخها عرفا امن به البعض، واعتبر ميزة أوجدتها الحضارة العلمية المعاصرة، في وقت يبحث فيه عن ترجمة المصطلحات الغربية ولا يقبل استخدامها معربة. فأي تناقض هذا؟ وأي تعارض مع سنة التطور اللغوي الحقيقية؟ والواقع اللغوي يثبت أن لغتنا اكتسبت، يوم كنا أقوياء وواثقين بأنفسنا، مفردات ومصطلحات طوعتها وأخضعتها لقوانينها، وساهمت في تدوين علومنا وثقافتنا وحضارتنا، فأغنت علومنا، وكانت لنا لا علينا. فما أحوجنا، اليوم، إلى جيل عربي يؤمن بقدرة لغتنا على الاكتساب والتطويع، مع المحافظة على خصائصها وقوانينها!
إن الواقع العربي المشحون بالصراعات النفسية، والقلب والضياع يعاني التشرذم والتفكك والضياع وفقدان المركزية، ويعيش إنسانه مرحلة صعبة ومعقدة، وهو يستقبل حضارة عالمية تتميز بالدقة العلمية والاختصاص المفعل بالشمولية، وينقلها الإعلام العالمي الاستهلاكي بكل إغراءاته، فيكتفي الفرد العربي بالجاهز المعد له مسبقا، وتتحول مجتمعاتنا بسرعة غريبة إلى مجتمعات استهلاكية، ويتناسى الفرد أصالته، ويهمل
*288*
قدراته، فيتمثل عجزه ببعده عن لغته، وعدم الوثوق بها، وبفاعليتها وطاقاتها الأدائية.
حلول ليست جاهزة
من خلال مراقبتنا للعمليات الرياضية، نلاحظ أن علم إدراك العلاقات من أهم خصائص الرياضيات، وتتجسد العلاقة برسم بياني بين مجموعة الأساس وهي المنطلق، ومجموعة الهدف وهي المستقر، وما نعثر عليه من علاقات في الرياضيات نجدها في اللغة فتكون الفكرة كامنة في العقل، وصورتها في المستقر وهو التعبير، ولكي تؤدي التعابير غايتها، يجب أن تكون مرتبة ومنظمة بطريقة يقبلها المنطق، والمنطق في تعريف ابن سينا (هو المعقولات الثابتة المستندة إلى المعقولات الأولى بحيث يتوصل بها من معلوم إلى مجهول) وعلاقتنا بالمنطق والرياضيات، اليوم، تفتقر إلى وجود أهم الخصائص المنطقية والرياضية، فتأتي الدراسات العربية سطحية في أدائها وأهدافها وأغراضها، وينعكس التسطح في استخدام اللغة. أثبتت الدراسات الرياضية أنه لا قيمة للعنصر الرياضي إلا ضمن العلاقات التي يدخل في نطاق تركيبها، وكذلك الحال بالنسبة إلى العنصر اللغوي الذي يستمد قيمته من خلال وظيفته الأدائية ضمن التراكيب اللغوية، ومن خلال علاقته بغيره من العناصر، والعلاقات خاضعة لمجموعة من القوانين الصرفية والنحوية التي تومن سلامة البنية اللغوية للجسد النصي. فإذا أصيبت القوانين بالتزوير والتحريف اختل الأداء وفقد مع الأيام فاعلية التوليد. نحن بحاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى تحصين اللغة العربية وحمايته قوانينها، لأن الاستعمار الأكثر خطورة على المستقبل العربي، هو الاستعمار الفكري الثقافي، ولكي نؤسس لثقافة عربية، لها قيمتها في التفاعل الحضاري، والقادرة على مواجهة الغزو الفكري، ينبغي إحياء اللغة العربية وحماية قوانينها، وإغناؤها بمفردات جديدة، ومن ثم تخصيب الفكر العربي بفكر الاخر المغاير والمتخلف، وذلك بالاطلاع على جوهر ثقافته. والسعي إلى مواكبة التطور العلمي وتطويع منجزاته وإعادة إنتاجها بلغة عربية سليمة، قدوتنا في ذلك علماؤنا الأوائل، وما تسلحوا به من قيم وعلوم ومعارف وأساليب ارتبطت بأساليب المنطق الرياضي التي كانت الخطوات الأساس في عملية الإبداع العربي.
*289*
إن ما نحتاج إليه هو تعزيز الهوية القومية، والاعتزاز بالانتماء إلى تراث حضاري غني، شريطة ألا يتوقف الاخر بغية التوليد والخلق، متجاوزين الشعور بالنقص أو التفوق، وهذا يفرض وجود مؤسسات - علمية عربية - تعنى بترجمة الكتب العلمية إلى اللغة العربية ليستقبلها الإنسان بلغة تفكير؟ وإبداعه، ويعيد خلقها من جديد بلغة عربية، فتبعث جدتها، في نفس الاخر، رغبة في نقلها إلى لغته، وتستمر عمليتا الاخذ والعطاء إلى ما لا نهاية، ونؤسس لأنفسنا وجودا على مسار حركتي العلم والعولمة، ونتحرر من عقدة التحدي، لأن التحدي لا يكون بالشعارات المفرغة من العمل، بل بحركة تعكس فعل العقل، وتجسد إبداعاته.
إن تشجيع حركتي الترجمة والتأليف مرتبط باحترام اللغة العربية وحماية قوانينها وطرح قضاياها بمنطق العلم الرياضي، فنحررها من جمودية التعقيد والتلقين والتحنيط في قوالب جاهزة، ومن ثم نكشف عن دقة خصائصها، وقدرة قوانينها على استيعاب علوم العصر وتطويع مصطلحاته، وإعادة صياغتها بلغة عربية تواكب علوم العصر، وتتقمص روحها.
مجلة العربي، عدد 554، يناير 2005.
مفاتيح النص:
اللغة العربية، تطور اللغة، مواكبة الحضارة العالمية، غربة اللغة، التفاعل بين اللغاب، الإنسان الناطق باللغة، مواجهة الغزو الفكري، تخصيب اللغة وتوليدها، تعزيز الهوية القومية، فعل العقل، التفكير والإبداع، تحصين اللغة، وظيفة مجامع اللغة، موقف الكاتبة، الحقيقة والرأي.
بيادر الا دب القديم والحديث - الوحدة الثانية 289
*190*
مهام:
1. ما موضوعة المقال كما تظهر من خلال السؤال الذي يلي العنوان؟
2. قارن بين مكانة اللغة العربية في الماضي واليوم.
3. ما الغرض من الاستشهاد باللغة الروسية؟
4. تقول الكاتبة إن المشكلة ليست في قدرة اللغة العربية، بل في إنساننا العربي. وضح ذلك.
5. ما العلاقة بين تعزيز الهوية القومية واللغة العربية؟
6. ما وجه التشابه بين العنصر الرياضي والعنصر اللغوي؟
7. ماذا تقترح الكاتبة للتصدي للغزو الفكري؟
8. هل تقترح الكاتبة في نهاية المقال إستراتيجية حل لأزمة اللغة العربية؟ وضح.
9. ما موقف الكاتبة من اللغة العربية؟
10. أكتب حقيقتين ورأيا من النص.
11. تميل لغة المقال إلى الطابع الفلسفي. هات مثالا على ذلك.
12. ما الغرض من ذكر ابن سينا في المقال؟
13. ماذا تستنتج من العنوان الفرعي "حلول ليست جاهزة"؟
14. ما أهمية العناوين الفرعية في النص؟
15. هل كانت الكاتبة موضوعية أم انطباعية ذاتية في مقالها؟ وضح.
*291*
*290*
النقيض الجذري لمبدأ التعصب الذي تقوم عليه الدولة الدينية هو مبدأ "التسامح" الذي يرتبط بإحدى القيم الأساسية في الدولة المدنية الحديثة. وكلمة "التسامح" ليست جديدة تماما في هذا السياق، فهي قديمة نسبيا، وترتبط بترجمة كلمة Toleration أو Tolerance اللتين تدلان على السياسة التي يتجمل بها المرء في التعامل مع كل ما لا يوافق عليه، ويصبر عليه، ويجادل فيه بالتي هي أحسن، ويتقبل حضوره بوصفه حقا من - حقوق المخالفة، ولازم من لوازم الحرية التي يقوم بها معنى "المواطنة" في الدولة المدنية الحديثة. ولحسن الحظ فإن الجذر اللغوي للترجمة العربية سمح يؤكد الدلالة الاصلية، ويرتبط بمعاني العطاء والرحابة والقبول والصفح ولين الجانب والتساهل، ومن ثم يؤكد حق المغايرة، وتدور دلالته حول تقبل وجود الاخر المخالف، ومن ثم مجادلته بالتي هي أحسن والانطلاق من أنه ليس أدنى أو أقل لأنه "اخر" أو "مختلف".
والواقع أن تقبل هذه الدلالة للتسامح واعمالها بوصفها قاعدة من قواعد السلوك، انما هو مبدأ يستند إلى أصلين أساسين لا بد من الاشارة إليهما في فهم دلالة التسامح.
الأول: معرفي، يرتبط بالتسليم بنسبية المعرفة، والتسليم بأنه ما من أحد يحتكرها أو يمتلكها كاملة، أو يستطيع القول الفصل فيها. وانطلاقا من هذا التسليم يصبح حق الاختلاف بين الناس مقبولا، بوصفه لازمة منطقية ترتكز على تعدد المداخل إلى المعرفة، واختلاف أدواتها ووسائلها التي تتباين بتباين أوجه الحقيقة التي لا يحتكرها أحد، ولا يعرفها طرف إلا في حدودها النسبية القابلة للتغير والنماء والتطور.
واذ تعني نسبية المعرفة الصفات البشرية الملازمة للبشر الذين ينتجونها حتى في دائرة المعرفة بالنصوص الدينية التي لا توجد مستقلة عن عقول البشر الذين يتلقونها فهما وتفسيرا وتأويلا، فإن هذه النسبية تقرن المعرفة باحترام العقل الذي لا يعرف لنفسه حدا أو حقيقة نهائية في اكتشاف العالم، واحترام العلم الذي لا يكف عن التقدم واكتشاف سبل السيطرة على الطبيعة، ومن ثم تأكيد نسبية المعرفة العقلية في الوقت نفسه.
*292*
هذا الأساس المعرفي لا ينفصل عن الأساس السياسي الاجتماعي الذي يتقوم به معنى الحرية في الدولة المدنية الحديثة، حيث يؤكد هذا المعنى أن المواطنة تعاقد يقوم على احترام حرية الفرد في ممارسة حقوقه الطبيعية والمدنية، في كل مستوياتها الاعتقادية والفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. ولا شك أن هذا الاحترام يبدأ بحق المخالفة، ومن ثم تأكيد مبدأ "التسامح" في علاقة الفرد بفكر غيره، أو علاقة الدولة بفكر الفرد، وقبل ذلك كله علاقة المؤسسات الدينية بالفرد. وإذا لم يكن للمخالفة معنى في غيبة "التسامح" فلا معنى لهذا المبدأ أو ذاك في غيبة معنى المواطنة الذي تكفله حقوق الفرد في الدولة.
لقد اكتسبت هذه الحقوق دلالاتها المتميزة في عصر التنوير، واقترنت بالدعوة إلى الممارسة الديمقراطية لحرية الفكر، على النحو الذي لا يسمح لطرف بالحجر على طرف اخر في فكره ويحرر الأفراد أنفسهم من سلطة "المؤسسة الدينية" أو "المجموعة الدينية" التي تحتكر تفسير الحقيقة الدينية وتتناولها بما يخدم مصالحها أو تحالفاتها البشرية، وتمارس سياسة توزيع صكوك الغفران أو لعنات الحرمان على من تراه قريبا من تفسيراتها المؤولة أو بعيدا عنها.
والحقيقة أن مبدأ "التسامح" حتى في هذه الدائرة لا يناقض الدين في ذاته، على الأقل في تأويلاته العقلانية، وإنما يناقض قمع المؤسسة البشرية التي تستغله في فرض سطوتها. يضاف إلى ذلك أن التسامح الذي ينطلق من التسليم بنسبية المعرفة لا بد أن ينطلق، في الوقت نفسه، من التسليم بالنسبية البشرية نفسها، فلو كان البشر كاملين هذا الكمال المطلق لما أصبح التسامح ضروريا أو ممكنا، فيما يقول فلاسفة التنوير ونقله عنهم تلامذتهم العرب المحدثون.
لقد انبثق مبدأ "التسامح"، أساسا، من عصر التنوير في القرن الثامن عشر، وتكاملت صياغته الفلسفية على أيدي فلاسفة التنوير الكبار، أمثال جون لوك (1704-1632) وفولتير (1778-1694) وبيركلي (1753-1685) وكوندياك (1780-1715) وغيرهم، أي أنه مبدأ يرتبط بعصر الثورة الفرنسية، وبداية الانتفاضات الكبرى، والتمرد
*293*
على السلطة التقليدية في مسائل الدين والسياسة، وتسليط الإنارة على ظلمات الجهالة، وإضاءة معنى الحرية، وانفتاح مدى النظر إلى العالم واستبدال العقل بالسحر والخرافة، وتنوير الحقيقة بالملاحظة المتكررة والعقل، وصياغة مفهوم التقدم الذي غدا معيارا يستنير به الحكم على الفعل الإنساني.
وكما امن العديد من فلاسفة الاستنارة بالمدى الذي يمكن أن يصل إليه تحقيق هذا المبدأ، وممارسته، كتبوا عنه وأصلوه ودافعوا عنه. وأشهر هؤلاء جون لوك الذي كتب أكثر من "رسالة في التسامح" A Letter Concerning Toleration أحكم فيها صياغة الأفكار التي أصبحت شائعة فيما بعد.
ولقد كتب جون لوك الرسالة الأولى وطبعها باللاتينية لأول مرة، خلال السنوات التي قضاها في هولندا هاربا من الحكم الاستبدادي في إنجلترا، ثم ظهرت الرسالة بالانجليزية في السنة التي عاد فيها لوك إلى وطنه عام 1689.
وأدخلت الرسالة بدورها، في سلسلة من الرسائل المتبادلة والمناظرات التي استمرت سنوات طويلة مع الأسقف ستيلينجفليت Stillingfleet أسقف وورشستر. وتوفي جون لوك وهو يكتب الرسالة الرابعة في 28 أكتوبر1704، وطبع الجزء الذي أنجزه منها بعد موته عام 1706 بينما طبعت الرسالة الثانية والثالثة في حياته عام 1690، بعد عام واحد من ظهور الطبعة الانجليزية للرسالة الأولى. ومن المؤكد أن الإلحاح على مبدأ التسامح لا ينفصل عن الصراع الذي خاضه جون لوك ضد تسلطية الحكم المطلق (الأوتوقراطي) من ناحية، وتسلطية التعصب التي مارستها الكنيسة من ناحية ثانية، وذلك بالمعنى الذي يجعل من رسائل "التسامح" التي كتبها جون لوك جانبا لا ينفصل من دراسته المهمة بعنوان "مقالتان في الحكم المدني" التي ترجمها ماجد فخري إلى اللغة العربية ونشرتها اللجنة الدولية لترجمة الروائع الانسانية (المنبثقة عن "اليونسكو") في بيروت عام 1959.
لقد كان اهتمام جون لوك بالتسامح الديني في المحل الأول، ومواجهة القيود التي تفرصها الكنيسة على التفكير، أو التبرير الديني للحكم بدعوى الحق الإلهي، ولكن هذا الاهتمام
*294*
كان جانبا لا ينفصل من تفكير الاستنارة العام عند لوك، وقسما من إيمانه بأن المجتمع المدني لا يتقدم إلا على أسس الحرية والعقلانية. وكان هذا الاهتمام مرتبطا - في الوقت نفسه بمحاربة هذا الفيلسوف "نظرية الحق المقدس" وتبريره وجود الحكومة المقيدة وما يرتبط بها من مبادئ الليبرالية الحديثة بوجه عام.
ولذلك انطوت رسائله عن "التسامح" على دفاع قوي عن المبادئ الليبرالية التي تؤصل التسامح تؤسسه وتحميه في ان. وكانت البداية هي تأكيد أن ليس من حق أي حاكم أن "يحكم" استنادا إلى حقيقة دينية، فليس في قدرة الدولة أن تتبين حقيقة المعتقدات، وليس من وظيفتها إنقاذ أرواح الناس بل حماية مصالحها. إن الدولة لا توجه إلا لحماية مواطنيها وصيانة حقوقهم، فهذا هو أساس التعاقد الذي تقوم عليه، وهو الأساس نفسه الذي لا يسمح لها باستخدام القوة إلا لصيانة هذه الحقوق وحمايتها من كل محاولات الاعتداء عليها، ومنها ممارسة الحق الطبيعي للحرية الذي يلزم عنه مبدأ التسامح. وإذا كان التعاقد مع الدولة يتضمن صيانة حرية أفرادها على مستوى التعامل معها، في إطار مفهوم الدولة المدنية التي تقوم على الفصل بين القوى وإطار المجتمع المدني الذي يقوم على التسامح، فإن هذا التعاقد، مرة أخرى يؤكد الحرية نفسها على مستوى التعامل مع الكنيسة أو السلطة الدينية أو حتى التعامل بين الأفراد، حين يتعلق الأمر باختلاف العقيدة.
وقد انتشرت أفكار لوك بعده، ووجدت ما يؤكدها عند فلاسفة التنوير الفرنسيين، ولكنها انتقلت من المجال الديني إلى المجال الأخلاقي الاجتماعي مع كتابات الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت ميل (1806-1873) john Stuart Mill في سياق من سياقاتها، خصوصا ما طرحته هذه الكتابات عن قضية العلاقة بين القانون والأخلاق، وما ينبغي أن تقترن به هذه العلاقة عن أبعاد متميزة لممارسة مبدأ التسامح على المستوى الاجتماعي.
ومهما يكن من أمر، فإنه إذا كان مبدأ التسامح قد انبثق من هذا الأصل التنويري، واكتملت صياغته الفلسفية على أيدي التنويريين الكبار، منذ أواخر القرن السابع
*295*
عشر، فإن هذا المبدأ يظل يخابل كل من يتحدثون عن الدولة المدنية أو المجتمع المدني الذي يصون الحقوق الطبيعية لأفراده وعلى رأسها الحرية، والذي يؤمن قيم العقلانية والمعرفة العلمية، ويؤسس لتقدمه الابداعي في كل المجالات على أساس من حق أفراده في الاختلاف. ولذلك أصبحت الاجتهادات الحديثة، بوجه عام، تميل إلى توسيع افاق التسامح لا لتشمل كل ما هو مخالف روحيا أو أخلاقيا فحسب، بل كل ما هو مخالف سياسيا واجتماعيا في ان.
ولعل فرح أنطون أول من أفاض في تراثنا الفكري الحديث في بسط هذا المبدأ بوصفه أساس المدنية الحديثة من ناحية، وبوصفه القاعدة التي ينطلق منها الفصل بين السلطتين الدينية والمدنية، ذلك الفصل الذي ينظر إليه فرح أنطون بوصفه الة مبدأ التسامح ووسيلته معا.
وكان ذلك حين دخل فرح أنطون في مناظرة مع محمد عبده مفتي الديار المصرية حول ما كتبه الأول عن ابن رشد في مجلة "الجامعة" في مطلع هذا القرن، وهي مناظرة أفضت إلى ضرورة تحديد معنى الدولة المدنية وعلاقتها بمبدأ التسامح. وبقدر ما كان فرح أنطون يؤمن مبدأ التسامح، في هذه المناظرة التي تعددت أطرافها، كان محمد رشيد رضا يؤكد مبدأ التعصب الذي تصور أنه خير وقاية من شرور الدولة المدنية.
وفي مجال الرد على ذلك، يتوقف فرح أنطون طويلا عند مبدأ التسامح الذي كان يطلق عليه "التساهل". ويبدأ فرح أنطون بمحاولة تعريفه. ويقول إن هذه الكلمة دخيلة في اللغة العصرية الجديدة وإننا نعرف معناها باصطلاح الفلاسفة الذين يشير التساهل عندهم إلى أن الإنسان لا يجب أن يدين أخاه الإنسان على أساس من المعتقد الديني لأن الدين علاقة خصوصية بين الخالق والمخلوق. وإذا كان الله يشرق بشمسه على الأشرار والأخيار فيجب على الإنسان أن يتشبه به ولا يضيق على غيره لكون اعتقاده مخالفا لمعتقده. فليس على الإنسان أن يهتم بدين أخيه الإنسان أيا كان، لأن هذا لا يعنيه. والإنسان من حيث هو إنسان فحسب، بقطع النظر عن دينه ومذهبه، صاحب حق في كل خيرات الأمة ومصالحها ووظائفها الكبرى والصغرى حتى رئاسة الأمة نفسها. وهذا
*296*
الحق لا يكون من يوم أن يدين الإنسان بهذا الدين أو بذاك بل من يوم أن يولد، ذلك لأن هذا الحق من الحقوق الطبيعية. والإنسانية هي الإخاء العام الذي يجب أن يشمل جميع البشر ويقصر دونه كل إخاء.
ولا يمكن للتساهل أو للتسامح، بهذا المعنى، أن يوجد إلا في دولة مدنية، ولا يمكن أن يكتمل هذا المعنى أو يتحقق إلا بالفصل بين السلطتين المدنية والدينية. ويتصل بهذا التحديد لمعنى (التساهل) التسامح على وجه الخصوص ثلاثة أفكار ملازمة يؤكدها فرح أنطون. أولها أن السلطة الدينية (البشرية) بحكم طبيعتها لا تقدر على هذا (التساهل) التسامح، ذلك لأن غرضها مناقض لغرضه على خط مستقيم، فتنبني على التعصب. ومن ثم تعتقد اعتقادا جازما أن الحقيقة في يدها وحدها، وأن قواعدها وتعاليمها هي الحق الأبدي الذي لا يداخله أقل شك وما عداه كفر وضلال. وذلك وضع يترتب عليه أن القائم على أمر هذه السلطة الدينية لا يكون أمامه إلا أن يضغط على غير قومه ليدخلهم في معتقده ترغيبا أو ترهيبا، أو أن ينظر إلى من هو خارج دائرة معتقده نظرة أقل من نظراته إلى من في داخل هذه الدائرة. وعلى ذلك تتالف في بناء الأمة فئات يفصل بينها التمييز، منها عزيزة ومنها ذليلة، فيسقط الحق الإنساني الذي تقوم عليه الدولة المدنية والمجتمع المدني على السواء.
ويؤكد فرح أنطون الفكرة الثانية الملازمة للفكرة السابقة بقوله إن الحرية بوصفها حقا طبيعيا للإنسان في أن يعتقد ما يشاء، يترتب عليها حق اخر هو حق الإنسان في أن يعتقد ما يشاء، والسلطة الدينية التي تنبني على التعصب لا يمكن أن تقبل ذلك إلا إذا قدمت الشرع المدني.
أما الفكرة الثالثة والأخيرة التي يضيفها فرح أنطون فترتبط بتقدم الفكر وأثره في تكييف المعرفة والتقدم إلى افاق باهرة. وهي افاق لا يمكن أن تتحقق إلا بالتسامح (التساهل) ابتداء، وذلك بالمعنى الذي يجعل التسامح سبيلا إلى إنسانية المجتمع المدني وتقدمه الذي لا ينقطع على السواء. ولذلك لا تزدهر العلوم ولا تتقدم إبداعات المجتمعات إلا إذا كانت منطوية على معنى التسامح ودلالته.
*297*
هذه الأفكار الأساسية التي بسطها فرح أنطون كانت بذره سرعان ما تفرعت عنها أفكار أخرى في الثقافة العربية الحديثة، فكانت أساسا لتأصيل مفهوم المجتمع المدني في هذه الثقافة، وتأكيدا للترابط الوثيق بين مستقبل الثقافة العربية وممارسة أبنائها التسامح أو التساهل الذي استهل الحديث عنه فرح أنطون.
مفاتيح النص:
مبدأ التسامح، مبدأ التعصب، الدولة المدنية، السلطة الدينية، نسبية المعرفة، احتكار المعرفة العقلية، الحرية، مبادئ عصر التنوير، رسائل جون لوك، فصل الدين عن الدولة، القانون والاخلاق، ازدهار العلوم، الاراء، التعليلات، التوثيق، الجدل والمناظرة، التعددية الفكرية.
مهام:
1. ما العلاقة بين العنوان ومضمون المقال؟
2. عرف التسامح مقابل التعقب حسب ما جاء في المقال؟
3. ما علاقة الجذر (سمح) بتفسير مفهوم التسامح؟
4. ما المقصود بنسبية المعرفة. هات مثالا من عندك لتفسير ذلك.
5. هل توافق على احتكار سلطة ما للمعرفة؟ علل.
6. ما هي مساهمة جون لوك في نشر مبادئ عصر التنوير؟
7. ما الغرض من ذكر المفكر الإسلامي محمد عبده في المقال؟
8. ما هو موقف فرح أنطون من قضية الفصل بين الدين والدولة؟
9. هات تعليلا أورده أنطون في تعليل أفضلية الدولة المدنية.
10. هل توافق فرح أنطون في تعليلاته ضد السلطة الدينية؟ علل.
11. ما هي وظيفة الفقرة الاخيرة في المقال؟
*298*
12. ضع عناوين مناسبة لفقرات المقال.
13. اكتب تعليلات موافقة وأخرى مضادة للتعددية الفكرية في المجتمع.
14. استخرج من النص روابط تعبر عن الاختلاف والتناقض.
15. ما هو تعليقك على لغة المقال؟ وهل نجح الكاتب في تبسيط أفكاره؟
*299*
*299*
بسمة النسور - بيت، بيوت
لم أتمكن من ثني إيمان عن كشف السر. توسلت لها أن لا تفعل. ذكرتها مرارا بأنني صديقتها الوحيدة. تعهدت بأن أتنازل لها عن مصروفي اليومي طوال الحياة. كررت اعتذاري لأنني رفضت في اليوم السابق أن ألعب معها بيت بيوت. أقسمت لها بأنني كنت مريضة. أوضحت لها أكثر من مرة أن سمر حضرت بصحبة أمها إلى بيتنا على نحو مفاجئ، وأنني لم أدعها للعب معي، بل إن أمي قادتها إلى حجرتي مما أثار حنقي. وأن الدمى كانت ملقاة بالصدفة على الأرض فاضطررت للعب معها، وأكدت لها بأنني لم أنتق اللعبة، إلا أن سمر دقت قدمها بالأرض قائلة: إنها لن تلعب إلا لعبة بيت بيوت. خشيت من توبيخ أمي التي كانت تحتسي القهوة بصحبة أم سمر في الشرفة وتحثنا على اللعب بهدوء فرضخت لها مرغمة.
ردت إيمان بغضب: أنت كاذبة. لست صديقتي. لن ألعب معك بعد اليوم وسوف أخبر أهلك هذا المساء بكل شيء. ثم أشهرت بنصرها في وجهي بتصميم. ولأن هذه إشارتنا المعتمدة لإعلان الخصومة أدركت أن صداقتنا انتهت إلى الأبد.
أحسست، بالندم لأنني بحت لها بالسر. تمنيت لو أنها تموت في تلك اللحظة بالذات، ثم تراجعت عن أمنيتي تلك حين تذكرت أنني سوف أشعر بالوحدة إذا ماتت، ولن أجد من يرافقني إلى المدرسة، ولن أتمكن من الجلوس بالقرب من أحد سواها. في البداية اعتقدت مربية الصف أننا شقيقتان، كثيرا ما أثنت علينا معا. غير أنها خصت إيمان باعتناء أكبر. ربما لأن ضفائرها كانت أطول قليلا من ضفائري ولأنها كانت الأسرع في حفظ النشيد. نهشت الغيرة قلبي حين اختارتها لتؤدي دور الأميرة الجميلة في المسرحية التي تدربنا عليها من أجل حفلة عيد الأم. اختارتني لدور الوصيفة الأولى. خاطت أمها
*300*
ثوبين أبيضين غير أنني لم أصدق قول أمي بأن الثوبين متشابهان، وبقيت على يقين بأن ثوبها أجمل من ثوبي بكثير. ومما زاد حنقي أن المعلمة وضعت على رأسها يوم الحفلة تاجا كرتونيا، فبدت مثل أميرة حقيقية. طلبت منها أن تضع لي تاجا مثلها، لكنها زجرتني قائلة: الوصيفات لا يضعن التيجان.
بعد انتهاء المسرحية اندفعت المعلمات نحوها. أخذن يقبلنها ويقرصن خديها مرددات أنها أجمل طالبة في الصف. وجدت نفسي أتودد إليها مثل بقية البنات اللواتي تسابقن في التقرب منها.
أفصحت لها بالسر بعد أن انتزعت منها وعدا بالكتمان. وفيما كانت ما تزال مزهوة بنفسها أكدت لي أن الأميرات الجميلات لا يفشين أسرار صديقاتهن مهما حدث.
بقيت ساهمة طوال النهار. رفضت تناول الطعام رغم أن أمي أعدت طبقي المفضل. لم أتحمس لمرافقة أبي إلى السوق. كما أنني لم أتسلل إلى حجرة أمي للعبث بأدوات زينتها وارتداء حذائها ذي الكعب العالي ولم أتشاجر مع أي من إخوتي رغم استفزازاتهم المتكررة، بل تنازلت لهم طواعية عن دوري في اللعب بالكرة. لذت بحجرتي. سمعت أمي تقول لأبي يبدو أنها متوعكة!
ظللت أنتحب وقد أخفيت رأسي تحت الوسادة حتى غلبني النعاس، أيقظني صوت أمها معاتبا أمي لأنها لم تقم بزيارتها كما وعدت. نهضت مذعورة. اندفعت إلى حجرة الجلوس. كان أبي يتصفح مجلة قديمة. لمحتها تجلس متلاصقة لأمها التي لم تكف عن الثرثرة فيما ردت أمي بعبارات مقتضبة. رمقتها بنظرة مستجدية، تقدمت نحوها وأنا أرتجف ذعرا.
قلت بلهجة ذليلة: دعينا نلعب (بيت بيوت)!
حدقت في بنظرات مؤنبة وأدارت وجهها بامتعاض. تسمرت بالقرب منها وقد تملكني الجزع.
توجهت نحو أبي، شدت كم قميصه لجذب انتباهه، وضع المجلة جانبا، حملها بين ذراعيه قائلا بمودة: كيف حال صديقتي الصغيرة؟!
*301*
تململت بضيق قائلة بلهجة حادة: لست صغيراً، أنا في الصف الثاني الابتدائي (ب). انفجر ضاحكا. أجلسها بالقرب منه قائلا: لماذا لا ترغبين في اللعب مع صديقتك؟! رمقتني بنظرة متحديةً. صمتت لبرهة ثم قالت بلهجة تشي بالخطر. عمو! ابنتك ليست مؤدبةً وأضافت بتصميم: وهي لم تعد صديقتي!
سألها أبي باستنكار: لماذا تقولين ذلك يا صغيرتي؟!
تطلعت حولها بارتباك. أخذت نفسا عميقا. أطلقت زفرةً كبيرةً فيما أجهشت أنا بالبكاء. صرخت في وجهها قائلة: اصمتي، إياك أن تقولي شيئا سأقتلك إن فعلت! حدق الجميع فينا باستغراب. أخفضت بصرها، طرطقت أصابع يديها. بدت مرتبكةً وعاجزةً عن التصرف، غير أنها استجمعت شجاعتها قائلة: إنها تحب الرجل الذي يعيش في التلفزيون!
كتمت ضحكتها وهي تسأل: أي رجل يا حبيبتي؟!
أجابت باندفاع: الرجل الذي يغني (نار يا حبيبي) هي أخبرتني أن قلبها يدق بقوة عندما تراه وأنها سوف تتزوجه عندما تكبر!
ضج الجميع بالضحك. أحسست بالخزي. اندفعت نحوها. قبضت على شعرها وظللت أشده بغيظ. ارتفع صراخها من شدة الألم غرزت أسنانها في ذراعي. عدت إلى الصراخ وأنا أردد: أكرهك أيتها النمامة. سوف ألعب مع سمر كل يوم.
تراخت قبضتي عن شعرها فيما ظلت أنيابها مغروزةً في ذراعي مثل كلبة مهتاجة. هرع أبي محاولا تفريقنا. لم تتمالك أمهاتنا أنفسهن من شدة الضحك. هربت إلى أمها باكيةً وقد بدا شعرها المنفوش مضحكا احتضنتها أمها ولم تتوقف عن الضحك. تناولت فرشاةً من حقيبة يدها وأخذت تسرح شعرها الذي تبقى الكثير منه في يدي. تحسست ذراعي حيث خلفت أسنانها الحادة دائرة حمراء مسننة سببت لي ألما كبيرا.. وانخرطنا معا في بكاء مرير.
احتضني أبي محاولا استرضائي. همس قائلا: عندما تكبرين سوف أدعوه إلى بيتنا كي يتزوجك.
*302*
صرخت بحنق: لا أريد، أن أتزوج أحدا، دعني وشأني!
اندفعت نحو حجرتي. أطبقت الباب خلفي. ألقيت بجسدي على السرير وواصلت انتحابي. أطلت بعد قليل وقد اكتسح الندم ملامحها المضطربة. جلست عند طرف السرير دون أن تنبس.
قلت بلهجة حازمة: عليك أن تعيدي الدمية التي أهديتك إياها في عيد ميلادك.
أطرقت مفكرة. تأففت بضيق ثم ردت إن أمك من ابتاعها ولست أنت.
قلت: أنا من قدمتها لك وأريد استعادتها لأنك لم تعودي صديقتي.
أجابت باستسلام: حسنا. سأعيدها لك في الغد.
ساد صمت عميق. ثبت ذراعي خلف رأسي، وظللت أحدق في السقف محاولة تجاهل وجودها. اقتربت بخطوات متثاقلة قالت بحذر: لنلعب (بيت بيوت) للمرة الأخيرة.
ترددت قليلا ثم تناولت منديلين ومسحنا دموعنا.
أجبت بلهجة متواطئة: حسنا ولكنها سوف تكون الأخيرة.
قفزنا عن السرير مبتهجتين. صفعنا الدمى باعتناء.
انهمكنا في اللعب ثانية. وظلت ضحكات الكبار تقتحم علينا الحجرة دون أن ندرك تماما ما المضحك في الأمر.
*303*
*303*
"لقد ماتت وأنا في الثانية من عمري ولكني أتذكرها تماما.. لقد كان شعرها أزرق وعيناها حمراوين"
(جيمس الابن)
(نالت هذه القصة الجائزة الأولى الممتازة في مسابقة مجلة النقاد التي أجريت في عام 1951).
ها أنذا أعود بعد أن نفضت يدى من تراب أمي.
كنت أسير وثيدا وأتلفت حوالي بحذر، ثم رفعت طرف سروالي لأمسح حذائي بجوربي لأخلص من تراب المقبرة.. كيف هربت هكذا بعد الجنازة؟ ماذا يقول الناس؟ إلى الجحيم بأقاويلهم. أخذت أنظر إلى بريق الحذاء بارتياح، وتذكرت أنه يجب أن أضع له ميالتين (قطعة من الجلد أو الحديد توضع تحت كعب الحذاء لمنع اهترائه) من الحديد حتى لا يبلى سريعا، بينما حاولت أن أشعل سيجارة التاطلي سرت غليظة من الولاعة التي كان ينقصها الحجر، ولما ذهبت محاولاتي أدراج الرياح، أشعلتها من أحد المارة ونسيت أن أشكره، ثم بصقت بشدة.
لا أدري ماهية الأحاسيس التي تكتنفني في هذه اللحظة، وحاولت جاهدا بحكم طبعي كطبيب أن أنفذ إلى شعوري فأحلله. كل ما شعرت به كان إحساسات متناقضة، كنت خفيف الحركة تملأ نفسي كابة غامضة فيها ارتياح لا أدري سببه، ولكن الشيء الوحيد الذي تأكدت منه هو أنني لا أشعر بشيء من الحزن.
"ماتت أمك" هذه هي الجملة التي طالعتني بها الخادمة مساء البارحة، وهى تنظر إلي من خلال أهدابها، وأعترف أنني لم أفكر في معنى قولها تفكيري في منظر عينيها تملأهما الدموع.
والان، مات الشخص الوحيد الذي يربطني بذكرياتي وحياتي الماضية، ذكرى تلك الأيام.
*304*
التاعسة، البطيئة القاتلة. أيام كنت صغيرا ذليلا أقف أمام البيوت أطرقها بيد شققها البرد لأسأل عن أمي.
لقد كانت أمي بكل بساطة، غسالة! غسالة! حقيرة في بؤرة من بؤر حي الميدان.
ولقد كنت أتمثلها وهي عائدة من عملها منقوشة الشعر، لاهثة الأنفاس، تبدو يداها بشعتين من تأثير الماء والصابون، فتضع في يدي القرش الذي أتلففه في لهفة مقرونة بالخجل. وحينما أحس بيديها تحتضناني وتضماني إلى صدرها، وأرى في عينيها دموعا لم أستطع في يوم ما أن أجد لها تفسيرا، كنت أتمنى أن أبقى في حضنها إلى الأبد.
ونشأت بين رائحة الصابون ودخان المطابخ وقذر الثياب، أرى كل يوم بخار الماء الغالي والثياب المكدسة الوسخة، وأرى أمي منحنية انحناءتها الخالدة فوق الطبق، ولقد لهثت ككلب، ونبطت عروق رقبتها، وجبينها تندى بالعرق، بينما أخذت يداها تعملان جاهدتين في فرك الثياب.
وعندما كنت أعود من المدرسة إلى بيتنا الفقير الخاوي من كل ما يملأ البطن، كنت أدور عليها في بيوت الحارة حتى يستوقفني صوت:
- ابن الغسالة.. ابن الغسالة.. أمك عندنا.
وأدخل بيتا غريبا فيه أحياء يتحركون بدون عيون، لأنني لم أشعر ذات يوم أنهم نظروا إلي أو أحسوا بي.. وأحمل فضلات الطعام التي يعطونها لا مي وأخرج وأنا مختنق، متعب، مشمئز كأنما أحمل على ظهري أكداسا من القاذورات.
ومن هذا العمل الدؤوب.. كنت أحمل محفظتي صباحا وأذهب إلى المدرسة.. مفكرا بالمستقبل.. بانيا الخطط وأنا أرى نفسي معزولا وحيدا أمام قوى العالم.. وكانت أمي تقول لي:
- ما دام في هذا الجسم ذرة من روح فستتعلم.. أريد أن تصبح دكتورا. لقد ماتت أختك لأن الدكتور رفض أن يطببها بدون أجرة.. أريدك دكتورا يرفع الرأس.
سالتها مرةً عن والدي، فاتسعت حدقتاها بذعر وأطرقت واجمة، وقالت بعد تردد
*305*
إنه مات منذ ولادتي، فدفنت رأسي بحضنها ولا زلت أن أذكر نبضات قلبها السريعة، ونشيجها الواهن. وشعرت بدفء حنانها الملتهب وهي تضمني ضمة كادت تحطم أضلاعي الطرية.
كنت دوما متعبا مرهقا أكره العالم والأطفال واللعب.. وكانت معاملتي لأمي شاذة، فلقد كنت قاسيا عليها أنتظر أقل حافز لأنفجر، ولا أعلم بعد ذلك سبب ثورتي، وأذكر ذلك اليوم الذي انفجرت في وجهها ونعتها بالغسالة خادمة البيوت.. التي لا تطبخ إلا إذا مرضت.. ثم.. ولا أدري كيف حصل ذلك.. ضربتها بحذائي!!
وكانت تقابل ثوراتي المتكررة بصمت ثقيل، كنت أحس به حجابا صفيقا يقوم بين قلبينا إلى الأبد.
لقد كنت غريبا بين العمالقة من أبناء الأسر الأخرى، وكان قصر قامتي يولد في احتقارا مريرا لنفسي، فكنت أطأطئ رأسي أمام كل مناقشة أعرف تماما أنني بها مصيب.. ألست قصيرا؟ ألست سخيفا فقيرا ابن غسالة؟ ففيم التبحح بالمنطق والمرافعة والسفسطة؟ يكفي أن يقف محدثي أمامي قليلا، فأقيس قامتي بقامته، حتى أشعر أن قنفذا التف حول رقبتي.. أنني حقير حقير.. ولكني كنت واثقا من ذكائي.. لقد كانت كل الأشياء تقنعني به يوما بعد يوم.. أمي.. وأساتذتي.. ودرجاتي المدرسية.. وكانت أمي تقول لي دائما:
- أتمنى أن يكون قلبك كبيرا.. كعقلك.
ولقد كان بصري يولد في نفسي غضبا على أمي!! أليست هي أصل البلاء، أليست سبب حياتي الذليلة؟ ماذا لو ولدتني غنيا أحمل تلك المحفظة التي يحملها عصام مثلا وأركب مثل سيارته؟ ألست أذكى منه؟. ألم نتعلم أن المال ليس كل شيء في الحياة؟. أنه لا يمتاز عني بشيء.. ولكنه... إنه أطول مني، دائما الطول.. الطول اللعين. لقد كنت إذا ما مررت بجدار أحاول أن أقيس طولي على تموجات الدهان فيه، وكنت أنظر إلى ظلي في شمس الغروب، وتنطلق مني تنهدة، ما أشد لهفتي إلى أن يصير طولي كظلي!! وكنت أسمع عن ليلة القدر، وأسهر ليلتها وأنا أهيئ الدعاء.. ليس ثمة شيء
*306*
كثير سوى جبل من ذهب، وعشر نساء بيضاوات كالثلج، وفتر من طول.
وكنت أرتاح لشيء واحد، وأشعر فيه بسيطرتي، وهو أنني كنت أحس بالزهو والعظمة حينما أقف أمام أمي.. لقد كانت قامتي أطول من قامتها قليلا.. يا للفرحة العارمة.. هل كنت أبغضها؟ لا أعلم تماما.. ولكنها كانت تخافني.. وكنت أردد أمامها دائما أنها ولدتني للعذاب والشقاء.. وهي السبب في كل مساوئي.
ومشيت في طريق الحياة، مسلحا بالغرور واحتقار الناس.. ألست ذكيا؟ ألست عبقريا؟. إن درجاتي تنبئ بذلك.. ماذا يضر إذا كانت لي أم جاهلة غبية كهذه الأم.. ألم أسمع عن الزهرات التي تنبت في الوحل وتمتص منه غذاءها؟.
ووصلت الهوة التي تفصلنا إلى قعرها.. عندما أخذت أخيرا، وبعد كل سنوات، إجازة الطب.. لقد صرت دكتورا.. من يصدق أن أما كهذه لها ابن دكتور.. إني أحس بالهوان في أعماقي.. أذكر تماما نظراتها الفرحة إذ ذاك.. وبكاءها وصياحها اللاهث.. مبروك يا ابني.. مبروك يا حبيبي.. وتنهدت كأنها أدت مهمتها.. ونظرت إلى يديها بفخر، ثم أخفتهما عني بعد أن شعرت بالامتعاض لبشاعتهما، ومرضت ثلاثة أيام من الفرح.. لقد كانت سعيدة جدا لأنها كانت أول زبائني.
كنت أحتاج إلى المال لأجل أن أجهز عيادة، وإلى الدعاية والشهرة والعمل بدون أجر، والرضاء بالقليل لأبدأ الطريق.. فإلى العمل أيتها الغسالة.. إلى العمل أيتها العجوز الفانية.. عليك أن تؤدي ضريبة أن ابنك قد أصبح دكتورا رغم عاميتك وحقارتك.
ودارت الالة الصدئة بجهد وصعوبة، ما أعجب البشر.. من يصدق أن هذه الكتلة المتعبة من اللحم والدم تستطيع أن تعمل خمس عشرة ساعة ليلا ونهارا.. تدور على البيوت وتحمل رزم الغسيل مرددة في كل مكان:
- أعندكم مريض.. ابني دكتور.. دكتور عظيم ويفهم.
وتأسست العيادة، وأمرتها أن تتوارى حتى لا تلوث سمعتي.. ماذا يقول الناس عن دكتور لا تزال أمه تعمل غسالة؟! يتوجب علي أن أعولها بعد الان.. لا بأس سأعيلها، ماذا يقول الناس؟
*307*
قد أنسى أشياء أستطيع أن أتناساها بالإرادة، يكفي أن أفكر بشيء اخر، عندما تقفز إلى ذهني ذكرى أليمة، أفكر بسهرة هانئة مثلا، أو بواجب ملقى علي، أو أتذكر مشاكل عيادتي ومرضاي، أو أحاول أن أحصي عدد ألوان السقف المدهون، أو أبادر إلى اصطناع مشاجرة حامية مع الخادمة. ولكن تلك الذكرى لم أستطع أن أمحوها.. كانت دائما تحز في رأسي كمقراض ضخم، يذكرني بها الجو.. والصباح.. والشارع.. ليست هي ذكرى غريبة، ولكن بعض الذكريات البسيطة أو التي تبدو بسيطة، تبقى دائما إحدى خلايا ذاكرتك، فلا تفكر إلا وتتحرك الخلية لتندمج مع الخلايا الأخريات.
عندما جئت أعلمها بخطوبتي كان الحر خانقا، والنوافذ المطلة على الشارع مفتحة، وبدأت كلامي وأنا أسمع جلبة العربات وصوت الحوذي وهو ينهر جواده، الترام الذي يرسل رنينه الواهن المنتظم، بينما ملات الجو هتافات باعة الصحف، وهم ينادون عن جريمة مشهورة، ودق ناقوس الكنيسة يعلن الثانية عشرة، وكانت تنبعث إلى أنفي رائحة المازوت الكريهة من شركة الكهرباء، وبدا أمام عيني في الرصيف المقابل عنوان ضخم عن راقصة مشهورة برخصها وعهرها.. وشكلت، هذه الأشياء جميعها جوا زاد في حدة أعصابي.
بدأت أقول بغير اكتراث، أنه قد ان لي أن أتزوج، وأخذت أعد الحوائج التي سأشتريها، فقاطعتني بهدوء تسألني عن زوجتي المستقبلية.. يا الله، كيف سهوت عنها يا أمي؟ إنها رمزية..
ورأيت وجهها الهرم يتجعد ويمتقع، ولا أدري لماذا تذكرت دهان مطعم سقراط في ذلك الوقت!! كان وجهها مسرحا لإحساسات متناقضة، فأنا أعرف مقتها الشديد لرمزية، جارتنا التي كانت تتجاهل أمي كلما زارتنا تجاهلا تاما.. ولكنها مدت يدها المرتجفة وهي تقول: مبروك يا ابني.. مبروك، فوجهت إليها الطعنة القاضية: أمي إني أرى أن صحتك لا تساعدك على الضجة، وإني قد استأجرت لك مسكنا في سوق ساروجة، وبذلك تتخلصين من عناء البيت والأولاد..
وخيل إلي أن وجهها قد ابيض وشحب، وبذلت جهودا جبارة كي تبتسم من خلال
*308*
دموعها التي حبستها، وكان منظرها مضحكا وهي تغالب عينيها الكابيتين ثم نجيب بصوتها الهادئ: مثل ما تريد.. مثل ما تريد.. وفي اللحظة التالية هوت على الكرسي وهي تسعل سعالا متصلا هز جسدها الشيخ هزا عنيفا، وقبض على قلبي خيط واه من الحنان، ولعنت رمزية التي اشترطت علي إبعادها، ولكنني، مع ذلك، لم أتراجع، فانفصلت عنها حتى جاءها السل، فأتيت بها أمرضها في بيتي.
ومرة أخرى استعنت بأحد المارة على إشعال سيجارة هي اخر ما تبقى في العلبة، ومرة أخرى نسيت أن أشكره.
وقفز إلى ذهني خاطر رهيب. ألست أنا القاتل؟ نعم أنا الذي قتلتها، لقد أصابها الإجهاد بالسل في بيتها العفن، وهي صابرة لا تتكلم، وكنت حينما أزورها تجاهد نفسها حتى لا تشعرني بمرضها، وكنت لا أطيل زيارتي، مرة كل شهر، والزيارة خمس دقائق، كأنها أحد المرضى الفقراء الذين خصص لهم يوم مجاني على سبيل الدعاية لأعطيهم وصفات لا تنفع شيئا. ولكني كنت ألاحظ امتقاعها، والبقعتين الحمراوين على وجهها من أعراض السل الرئوي، هل كنت أتعامى عنها لأتخلص منها ومن كل الماضي المخجل الذي تمثله؟ أخيرا نقلتها إلى بيتي وأخذت أمرضها بفتور. كانت تلح علي ألا أتفرغ لها هي العجوز التي شارفت نهاية حياتها، وأن أترك أوقاتي للعيادة، وكنت أطيعها وأحس بشيء من الارتياح الخبيث وأنا أغادرها، حتى كان مساء البارحة.
اتصلت بي الخادمة تقول إن نوبة حادة أصابت أمي، وكنت أعالج رجلا ذا مكانة فعز علي تركه، ولكنه عندما علم أن أمي ثم المعنية، ألح علي بالذهاب فغادرت عيادتي غاضبا.
لست أنسى النطرة الوجلة المستكينة التي قابلتني بها.. وأحسست بعينيها تنهبني وتجردني من ثيابي، فأدرت وجهها بعنف فتأوهت وصبرت على قسوتي وأنا أضعها في الفراش دونما لطف.. كانت عيناها تلاحقانني.. اه لو تنطفئ هذه النظرة الفظيعة ثم العينين.. أنا لم أرها في حياتي تنظر إلي على هذا الشكل.. أكرهتها إكراها على شرب المسكن فهمدت ولكن عينيها ظلتا مفتوحتين مسمرتين علي.. ضربت الباب خلفي
*309*
بعنف وقوة وهربت إلى الفضاء.
وحينما عدت في المساء كانت أمي قد ماتت.. ودفنت اليوم كأنها متشردة لم يسمع بها سوى قلة. ذلك لأنني لم أقل لأحد عن موتها.
كان أناس أعرفهم يدخلون ويخرجون من البيت حينما عدت إليه، ولمحت زوجتي تصف الكراسي بهمة أصحاب الرسميات، قطبت وجهها وبادرتني بسرعة:
- لماذا تأخرت.. نسيت الصبحية؟
- أية صبحية؟
- أف.. بعد دقائق يأتي الناس للعزاء، هل أوصيت على القهوجي؟
- ومن أين اتي به؟
- من أي قهوة.. أسرع يا رجل.. ماذا يقول عنا الناس إذا أهملنا
- لا يهمني أحد.. يا ليتنا لا نجلس في الصبحية!!
- لا.. لا تقل مثل هذا القول الأحمق، وإلا استاءت الحارة كلها غدا، وقل عدد مرضاك، إن الناس ينتظرون سيرة يعلكون بها، إن هي إلا ثلاثة أيام وننتهي من هذه المصيبة.
ولأول مرة لاحظت أن حبة وسخة صفراء تحتل خد زوجتي، وأنها مملة، فاستدرت بهدوء أنفذت الأوامر، وشعرت طوال العشية أنني غريب، وأن المقرئ المزعج الذي أتى به مختار الحارة، لا يصل صوته إلى أذني، وكنت أقوم وأقعد وأرد التحيات، بحركات أوتوماتيكية.. أوه ما أتفه الحياة!
وتقدمت زوجتي مني تدعوني للنوم بحجة أني منهك بعد أن خلت الدار مرة المعزين، ولكني قابلتها بصمت ووجوم، فهزت كتفيها وذهبت وتركتني وحيدا جالسا على الكرسي أحدق في الأضواء المنيرة الكثيرة دون أن يطرف لي جفن.
وعندما أطفأت الأنوار، كانت تنتابني كابة حائرة، وخيل إلي أني أشعر بالبرد رغم دفء الجو، وبأن شيئا ما ينقصني كأن أحد أعضائي قد انفصل عني، فأدرت وجهي وأخذت أتمشى وأنا أدخن.. خيل لي أنني ضائع، وأن زوجتي قبيحة، وأن البيت الذي أعيش
*310*
فيه قبو معتم، وصرت أدخل غرف البيت وأخرج منها كأنما أفتش عن شيء يخلصني من حيرتي.. شد ما أنا حائر شد ما أشعر أنني فارغ.
وهززت رأسي وأنا أحدق في سرير أمي، وأقلب الحوائج الموجودة على المخدة بملل.. عدة خياطة.. ومجموعة متباينة من الإبر.. وعدة أوراق منها وصفة طبيب عرفت فيها خطي، وورقة عليها حجاب يبدأ هكذا "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا حجاب يمنع جميع الأمراض ويداوي كل العلل بقدرة الواحد الأحد الفرد.." وهذه ورقة أخرى.. ما هذا؟ كانت ورقه كأنها لطالبة صغيرة تتعلم حروف الهجاء وتبدو فيها محاولات لكتابة جملة صغيرة. وابتسمت، هل كانت أمي تتعلم الكتابة قبل أن تموت؟ يا للأمر المضحك!! الان فهمت سر تلك الأوراق التي كانت تخبئها هي والخادمة التي تعرف القراءة والكتابة حينما اتي، والتي كنت لا ألقي إليها بالا ككل شيء يصدر عن أمي.. لعلها أرادت أن تفاجئني!! أوه كم كانت طيبةً ونقية هذه العجوز الفانية. وخيل إلي أنني أتمنى أن أراها وأن أضمها إلى صدري فرحا بتعلمها الكتابة، وأن أقبلها على خدها الأجعد وألمح السرور في عينيها.. وغمغمت:
- مسكينة لقد ماتت ولن ترجع إلى الأبد.
وشعرت بمغص حاد فجلست على حافة السرير، وخيل إلي أن رأسي أكبر من الغرفة وعرتني رعشة حزينة.. كم كانت تحبني.. أليس رائعا أن يجد الإنسان في هذا العالم البارد من يدفئه بحبه؟
وقلبت الورقة، فرأيت عليها جملا مفككة رديئة الخط لدرجة تجعل من الصعب قراءتها. وطويتها ببطء، وأحسست بثقل يبهطني كأنني ألبس رداء من الرصاص. وحاولت أن أفعل أي شيء، أن أبكي.. أن اضحك، فلم أستطع. وحدقت في الضوء طويلا دون أن أشعر بأي ألم.. يا لها من حياة عاشتها هذه العجوز.. وشعرت بخدر كالشلل يتسرب إلى أعصابي فأخذت أقضم أظفاري. وكانت يدي ترتجف إذ لم استطع أن أكبت شعوري، كما كنت أفعل من قبل فأسرعت ودسست رأسي في الماء.
شعرت أن دموعي المختلطة بالماء طاهرة، وأن وجودي قد أصبح مليئا أكثر من ذي قبل.
*311*
عدت إلى الغرفة ودموعي تتساقط في صمت، وجلست على السرير مطرقا، ولمع شيء تحت مقعد في اخر الغرفة فاسترعى انتباهي، ولما أخرجته وجدته صندوقا صغيرا تذكرت أن أمي كانت تضع فيه حوائجها الخاصة، وكان ضوء الغرفة يقع على معدنه الرخيص الصدئ فيبدو كامدا عتيقا كأنه قبر نحاسي، واعتراني شيء من الوجل وأنا أفتحه.
ووقفت أحدق في دهشة وذهول في محتويات الصندوق، بينما حاولت الابتسام من خلال دموعي ووجدتني أشهق من أعماقي.
لم يكن في الصندوق سوى صور لشاب يشبهني، وأظن أنه أبي.. وشيء اخر، وغصصت بريقي.. حذاء صغير وسخ، هو نفس الحذاء القديم الذي كنت ضربتها به يوما في إحدى ثورات غضبي.
1949
*312*
أصبحَ رأيي في النفس البشرية ثابتا في أنها كالمادة جزء من الطبيعة التي حولها تخضع لقوانينها وتجري في مجاريها. هل تذكر في الفيزياء قانون ثباتِ الطاقة؟ إن النفوس الانسانية تخضع لهذا القانون خضوعها لكلِّ قوانين المادة. تأمل في التاريخ: كلُّ شعب تنتابهُ نوبةُ جنون يريد أن يُحطم فيها كل ما أمامه، نوبة تحطيم. إنَّ هذه النوبات قد أثارت في كل عصر ومكان النفوس الرفيعة، نفوس الرُسل والأنبياء والمصلحين. فهبوا لمكافحتها. ولكن ماذا تراهم استطاعوا أن يفعلوا؟ هل قدروا على استئصال هذه النوبات؟ قطعا لا، حتى ولا على تهدئتها. وإنما كل ما استطاعوه أنهم حاولوا أن ينظموها ويسيروها في مجرى خاص يستهدفون بها أهدافا معينه . تماما كالمهندسين الذين لا يستطيعون منع نهر عن الفيضان ولكنهم يُصرفون مياهه إلى أحواض وراء سدود ويُسخرونها لمآربهم. ولكن مالي وللتاريخ، أني أستطيع أن أحدثك عن تجاربي في هذا الموضوع كتلميذ ساقط في الباكالوريا أو كمعلم عشيرة. هل تسألني كيف أصبحت معلم عشيرة؟ توجَّهتُ بكل بساطة إلى وزارة المعارف فحدثت أحد موظفيها الكبار بأني أريد أن أكون معلم عشيرةٍ عند ناير بن الأقطع. ناير ذلك التلميذ الضاوي، رفيقنا في المدرسة الابتدائية. لقد أصبحت له كرش ضخمة ولحية دقيقة وأصبح اسمه الشيخ ناير. وفي بادئ الأمر حاول ذلك الموظف الكبير أن يدخل في ذهني أنَّ معلِّمَ العشيرة منصب ممتاز لا يناله كل من شاء، وحدثني عن جمال البادية في الربيع وعن الزبدة الطازجة ولحوم الخراف السمينة. ولكني أفهمته بأن الزبدة التي تحدث عنها قد تكون أحيانا طازجة غير أنها دوما، فيما أعلمُ، مملوءة بالشعر الوسخ، وأن لحوم الخراف تلك هي غالبا لحوم شياهٍ خنقها الذئب أو أصابها المرض... وأنَّ الذي يدفعني إلى طلب الالتحاق بوظيفةِ معلم العشيرةِ هو ما يدفعه، أقصد حضرة الموظف الكبير، إلى خدمة الأُمّة وتحمل العناء والشقاء خلف منضدته المصقولة وعلى مقعده الوثير! أعنى المثل العليا ولا شيء غير المثل العليا!
وهكذا أصبحتُ معلمًا من المرتبة التاسعة والدرجة الثانية في عشيرة الشيخ ناير. والحقُّ
*313*
أنَّ نايرًا هوَ الذي أغراني بأن أطلب الوظيفة في المدرسة التي أنشأتها الحكومة لعشيرته، وذلك حين التقينا في المدينة وتذاكرنا أيامنا الماضية. وانتهى الأمرُ بأن أصبحت لي إلى جانب مضربه ذي الأعمدة السبعة خيمة ذات عمود واحد، قميئة ولكنها بلونها الأبيض بين المضارب السود ذات شخصية، وبأن أصبحتُ "مُلّا" وهوَ اللقب الذي يُطلقه أفراد العشيرة على الأستاذ وبأن أصبحت أوقات فراغي مشغولة بتعليم أولاد الشيخ ناير، من زوجته المتوفاة، وأولاد عبيده القراءة والكتابة وحدود سورية الطبيعية، بينما كانت أوقات عملي للشيخ ناير أحسبُ له فيها غلَّتهُ وأكتب رسائله وأشرف على أعماله. وشاركتُ الشيخ نايرًا حياته مطلعا على خوافيها غائصا فيها إلى أذني، حتى أني تعرضت إلى العقدة الكبرى في حياته كشيخ عشيرة ولم أتورَّعْ عن أن أحاول حل هذه العقدة على طريقتي، مجربا فيها سلطاني كإنسان متفوق على ناير وأبناء قبيلته، وإن كنت مجرَّد مُلّا ساكنا خيمة ذات عمود واحد، وكان لهم الحول والطول والمضارب ذات العُمد الكثيرة. كانت هذه العقدة التي أعنيها ملتفة على عداء قديم وحقد متأجج متبادلين بين ناير وابن عمِّه سعيد. كان أبواهُما أخوين يتنازعان حب العشيرة ورهبتها. أما أبو سعيد فكان فتىً دمثَ الأخلاق حاد الذكاء في روحه وداعة وفي جسمه لجمال. أما أبو ناير فكان ربعة وثيق البنيان حاد الطباع بطاشا إذا قدر. فلما مات أبوهما، جد ناير، ثارت بين الأخوين النار بسبب فتاة أحبَّها الاثنان وتنافسا عليها. وحدّثني المسنون من رجال العشيرة بأنَّ كرش أبي ناير الضخمة، وقد أورثها ابنه بعده، ما كانت لتسمح له بالتفوق في ميدان الحب على أبي سعيد. ففاز الفتى الدمث الأخلاق على أخيه البطاش. ولكن المنافسة لم تنته قبل أن يُسيَّل الدم، إذا التقى الأخوان بسيفيهما في معركة خرج منها أبو ناير فاقدا حبيبته مقطوع الذراع، ولهذا سُمي الأقطع. فكيف .ينسى ناير هذا الثأر؟ لقد فازَ أبوهُ برئاسة العشيرة ولكنه، وقد مات عمُّهُ، لا يزال يتربص بابن عمه الفُرص، ولا يزال كذلك حذرا من ابن عمه الذي أصبح يستمد من فقره الجرأة والإقدام ويرى أن لهُ في رئاسة العشيرة حقا لا يصلُ إليه ما دامت كرش ناير بارزة في وسط ترتفعُ بزفيرهِ وتنخفض بشهيقه. هذه هي العقدة التي أقدمتُ عليها محالا حلَّها ولم أجبُن. لقد
*314*
أوضحت لناير أنَّه ما دام يُشعل سيكارته بقداحة أوتوماتيكية وضاءة اللهب فإن من العار عليه أن يفكر في مشاكله على طريقة أيام الزناد والصوانِ، وعذق الشيح اليابس. قلتُ له إني لا أدعوك إلى التخلي عن ثأرك ولكن إلى أخذه بالطريقة التي تتناسب والسيارة الفارهة التي تمتطيها كل يوم. نحن يا طويل العمر - كذلك قلت له - في حاجة إلى الاستقرار حتى يطمئن فلاحونا إلى أن لا خطر يتهددهم من غزوات ابن عمِّك سعيد فلا يهملون تزكية شجيرات القطن أو العناية بالغرسات التي ركزتُها بيدي حول العين، في يوم الشجرة، حسب تعليمات مفتش المعارف الواردة في كتابه ذي الرقم كذا وتاريخ كذا.. وإذا كان عمك قد أسال الدم من ذراع أبيك فقد أسال المرحوم أبوك دم قب عمك برياسته للعشيرة وتركه أبا سعيد صُعلوكا يتسكع بين أحياء العرب. بقيت مسألة المرأة التي أوقدت النار في العشيرة: فما دمت أرملا يا شيخ ناير فان بإمكانك أن تنتقم لأبيك وتتزوج بنت عمك أخت سعيد!
وضحك ناير حين قت له هذا، إذ استطعت إقناعه برأيي. ولم يكن ما عرضته على ناير حلا عبقريا ولكن لا تنسَ يا صاحبي أني، أيام كنا جميعا تلاميذ في المدرسة الابتدائية، كنت رئيسكم في الغزوات التي كنا نغزوها على بستان الشيخ توفيق المجاور حائطهُ حائط المدرسة، فلا يزال ناير يحتفظ لي في نفسه ببذور الطاعة منذ تلك الأيام. ولم يكن في تقاليد العشائر ما يسمح لسعيد أن يأبى على ناير ابنة عمه ولو كانت نار البغضاء بينهما مشبوبة. وكانت مرحلة كل مشقتها في الخطوة الأولى، فلما مشيناها هان العسير وتقارب البُعداء: لان ناير، وتطامن سعيد، وأصبحت خيمة المدرسة ذات العمود الواحد مكانا مرموقا في نُزل العشيرة ففيها تُحل المشاكل وتُذلل الصعاب فلا بد إذن أن في هذه الأسفار المكدسة في زواياها سِحرا جاء به الملا من البلاد التي تسير فيها العربات بلا خيول تجرُّها، وتتكلم فيها علب من الخشب ليس فيها أناسي، وتجول فيها الخيل وتصول على شاشات بيض ليست غير قماش مثبت على الجدران...
ومرت شهور أربعة والصفاء مخيم على العشيرة. وكان سعيد في أثنائها قد بنى بيتَهُ ذا الأعمدة الخمسة على مرتفع لا يبعدُ كثيرا عن مضرب الشيخ ناير المسوبع فكنتُ أختلفُ
*315*
إليه في كلِّ أمسية وقد تعلَّقت بهذا الفتى الذكي الكريم المحبّب إلى النفس. لقد رأيت أنه لم يكن من الجفاء بالقدْر الذي كان يصفه ناير قبل أن يتصافيا، فلئن كان أبوه هكذا فإن لتلك الفتاة كل العذر إن آثرته على أبي ناير ولو أن في يمناه هذا الجاه وفى يسراه الثراء. ولم أكن وحدي في التعلق بسعيد فقد أصبح بيته مستراد العشيرة وموئل وجوهها. وبدا مضرب ناير، منذ حلَّ سعيد خاويا رغم سعته، بل أن هذه السعة كانت تُظهره أكثر خواء. وبدأت ألحظ أن نايرا، وهو ذو المكر والغرض الدفين، قد أخذ يتململ. فكان همي أن أُبدد ما أخذ يتراكم في خلده وأوحي إليه أن ابن عمه أضعف من أن يمس منزلته بشيء. عدت إلى مطالبته بأن لا يُفكر بعقلية من مضى. قلت لهُ: "لا تتعلق بالأوهام ولا تندفع وراء تقديرات الظنون. ليس بينك وبين ابن عمك ما كان بين أبويكما من نزاع على امرأة، بل أصبحت المرأة تؤلف بينكما. أما الرئاسة في العشيرة فدون أن يبلغها سعيد، وأنا واثق بأن لا مطمع له فيها، أن يكون له ثراؤُك ومقامك الموطد. فلا تُظهر لابن عمك الجفاء هكذا. ابتسم وكُن في التصرف والتفكير ابن عصرك!.."
وكان ناير كما طلبت منه، ابن عصره. وأحسبُني كنتُ "ملّا" غبيا مثل من ذكر الجاحظ، في كتابه عن معلمي الصبيان. لقد فكر ناير وقدر ثم تصرف. فغي ليله بحثتُ فيها وإياه علاقته بابن عمه وكنتُ فيها واضح الوقوف في صفِّ سعيد حتى أني فضلته على ناير بالشجاعة وقلت له مازحا: لو لقيتهُ بالسيف لما كان نصيبُكَ منه أقل من نصيب أبيك من أبيه. في تلك الليلة استنفقت فجأة بعد أن أويتُ إلى خيمتي على طلقات نار كثيرة بين المضارب وهرعت أسأل عما جرى فرأيت الحي قد فزع كله إلى مضرب سعيد ذي الأعمدة الخمسة. فلما سكنت الأصوات وتعارف الناس في ظلام الليل علمت بأن لصوصا قد دهموا سعيدا في بيته، وأن نايرا قد فزع إليهم فيمن فزع، وفي نار المعركة الحامية قُتل سعيد وأصابت نايرًا رصاصة في ذراعه تركته، فيما بعد، كأبيه أقطعَ!...
قوّضتْ الخيمة بعد مقتل سعيد وارتحلت مفارقا العشيرة، مطلقا الوظيفة. هل صدقت رواية ناير التي نقلها عن مقتل ابن عمه سعيد؟ لقد كان ناير ابن عصره فلم يلق ابن عمِّهِ وجها لوجه. ومع ذلك فإن سعيدا لم يمت قبل أن يقطعَ من ناير ذراعا، كما قُطعتْ
*316*
ذراع لأبيه من قبل. وإذا قلتُ لك أن مقتل هذا الفتى الألمعي لم يمزق فؤادي فإني أكون قد كذبت عليك. وأكاد أحيانا أتهم نفسي بأنَّ غباوتي قد حفرت لسعيد قبرا ألقاهُ فيه ناير. ولكني لا ألبث أن أتعزى بآرائي، فأنت ترى أن لي آراء عبقرية فأنا أقول لنفسي أني لا أعدو أن أكون قد سرتُ على غرار أصحاب النفوس الرفيعة من الرُسل والمصلحين، كما ذكرت لك في أول حديثي. أي نبي استطاع أن يمحو القتل عن سطح الأرض؟ لقد بقيَ بالفعل كما هو ولكن تغير الهدف. تقاتل الآباء على امرأة أمّا الأبناء فقد تذابحوا على الجاه في العشيرة. الأوّلون سال دمهم في سبيل شهوة والآخرون في سبيل المجد، وغيرهم في سبيل المبدإ. وكلهم يا صاحبي، في النهاية، سال دمهم! أفلا تسلكُني يا صاحبي في سلك من ذكرت لك من الخالدين؟ لا تنسَ يا صاح أني بعد كلِّ ما جرى معلم، معلم عشيرةٍ، وأنَّ شوقي في ذاتِ مرةٍ قالَ:
كاد المعلمُ أن يكونَ رسولاً.
*317*
*317*
تحضرني تلك الحادثة في عيد الأضحى من كل عام، التي جرت في عام ألف وتسع مئة.. وكم؟ أظن ألفا وتسعمائة وأربعه وثلاثين، حينها كان عمي حيا.
أما أنا فقد كنت طالبا في المرحلة الثانوية، لدى عمي دار جميلة في قرية إيرين كوي كثيرا ما كان يدعونا لزيارته، ما أروع ذلك، عم غني ودار جميلة، لكن، ما يزعجني بالأمر هو حديثه الدائم عن ذكرياته العسكرية لدرجة الصداع، عمي هذا ذو الثمانين عاما.
ليس عنده شغل ولا مشغلة، فهو لا يتوقف عن الحديث إلا عند النوم فقط، لقد أعاد على مسامعنا هذا الحديث أكثر من مئة مرة وفي كل مرة يبدأ حديثه بعبارة حفظي حقي باشا...
كان عمي قائد مدفع في فوج المدفعية الثانية لكن في أية فرقة، لا أدري. يتحدث بحماس منقطع النظير وكأنه في الجبهة، أحيانا ومن فرط الإنفعال يمتشق سيفه من غمده المعلق على الجدار ويصرخ باعلى صوته:
- المسافة ألفا متر، ثلاث حقات بارود يا حقي.. نار!..
ذات يوم حاصر الأعداء مدفعية عمي وكما يقول:
- لم نكن المذنبين، أربعة أيام بلياليها لم تذق أعيننا طعم النوم.
- ولم لم تناموا يا عمي؟ - سألته مستفسرا، وماذا فعلت يا عمي الباشا؟
كان عمي برتبة نقيب، إلا أنه كان يعتبر نفسه باشا "جنرالا" لأن أصدقاءه كما يقول كانوا برتبة باشا، لذلك راح يفرض على الجميع أن يدعوه بلقب الباشا حتى بات الجميع يظنونه جنرالا حقا
- أربعة أيام لم ننم، وماذا حصل؟، نفذت ذخيرتنا، انتظرنا الإمدادات، تأخرت، لم تأت، وبعدها تهاوينا ولم نستيقظ إلا على صوت جلبة قوية. ظننا بداية أنها الإمدادات، إلا أنها قوات العدو تحاصرنا.
*318*
وهنا سألته باهتمام:
- إيه وماذا بعد يا عمي الباشا؟
- بعد ذلك اخترقنا صفوف العدو، بعد ما غلبهلم النعاس، وبذلك حاصرناهم وقمنا بأسرهم. وهكذا ترقت رتبتي إلى الجنرال الباشا وبدوري قمت بترقية عناصري.
إيه يا بني، العسكرية كانت صعبة في أيامنا وليست "ألعوبة كما هي في هذه الأيام.
وكما قلت فكثيرا ما كان الحماس يأخذ عمي أثناء حديثه ويمتشق سيفه ويزأر مثل لبؤة فقدت صغيرها:
- المسافة ألفا متر... ثلاث حقات بارود يا حقي. المدفعية الثانية نار...
لقد مللنا من سماع هذه الأحاديث لدرجه أن زيارتنا له اقتصرت على الأعياد فقط. كنا نزوره وننام عنده ليلة واحدة فقط.
ذات عيد، طلب ابن عمي الصغير مرافقتنا في الزيارة بحجة أنه لم يلتق بعمه منذ عشر سنوات. قلت له حسنا لكن احرص أن تدعوه بلقب الباشا كي لا يغضب منك، لأنه ترفع بعد عشرين سنة من رتبة نقيب إلى باشا. ذهبنا إليه مع جميع أفراد عائلتنا الثمانية. ويعلم الله كم مرة سمعنا حديثه عن العسكرية حتى حان موعد النوم في المساء. وبما أن البيت كبير فقد نام كل واحد منا في غرفة بمفرده...
في تلك الأيام، كانت الهواتف نادرة، لكن عمي كان يملك واحدا، على الرغم من قلتها في استانبول.
استيقظت في منتصف الليل على صوت ظننته صوت لص، خرجت إلى الرواق وإذا بزوجة عمي بيدها سماعة الهاتف.
- ما الحكاية يا امرأة عمي؟
- هس، منذ ساعات وأنا أسمع صوت لص في الأعلى، لذلك اتصلت بالشرطة، وأخبرتهم بذلك، أثناء ذلك نزل أحدهم من الطابق العلوي بشكل غير طبيعي، وإذا به ابن عمي الصغير.
- ما بك؟
*319*
أجابني:
- لا تسأل، قل لي أين المرحاض، بحثت كثيرا في كل الغرف، فتحت كل الأبواب، لكنني لا أعرف مواضع أزرار مصابيح الكهرباء. منذ ساعتين لم أترك بابا إلا باب المرحاض. بالله عليك، قل لي أين هو؟
إذا ذلك اللص كان ابن عمي.. سألتني امرأة عمي:
- وماذا سنقول للشرطة هاه؟
- لنتصل بهم ونخبرهم، أنه عندما اتصلت بهم في المرة الثانية علمت من المأمور أن شرطيا في طريقه إلينا.
- إذا ستخبرونه عندما يحضر؟
أثناء ذلك تعالى نباح الكلاب، وسمعنا صوت تلقيم المسدس وبعده رن جرس الباب وتتالت طرقات الباب بشكل مزعج، واستيقظ الجميع على إثر هذه الجلبة إلا عمي... وقد حمدت الله على ذلك، لأنه لو استيقظ لامتشق سيفه من شدة خوفه ووجهه صوبنا ليسأل: ماذا حصل؟ ماذا يوجد؟
نزلنا جميعا على رؤوس أصابعنا، فكانت خالتي أول من وصل إلى الباب. سألت:
- من الطارق؟ من هذا؟
أجابها الطارق:
- هيا افتحوا الباب، أنا رجل القانون، هيا.
وعندما لم يسمع منا أي رد أو جواب أعاد طلبه ثانية:
- هيا افتحوا الباب لرجل القانون وإلا حطمته.
سألته:
- ومن أنت؟
- عندما يفتح الباب ستعرفون من أنا، لا تفوتوا الوقت الان، أقول لكم افتحوا، هيا. وعندما فتحنا الباب، عرفنا أن الطارق رجل شرطة، راح يصرخ بأعلى صوته:
- لا تتحركوا، أحذركم.
*320*
وراح ينظر إلينا نطرات غريبة في حين كان كل واحد منا متجمدا في مكانه.
- لقد اتصلتم بمخفر الشرطة، ما القصة؟
أجبته قائلا:
- نعم، حصل خطأ، ظننا أن أحد اللصوص دخل البيت إلا أنه لم يكن لصا. لا تؤاخذنا أتعبناك.
ضحك الشرطي بتهكم وسخرية:
- هيئ هيئ.. خطأ هاه.. إذا حصل خطأ هاه؟ لم يكن لصا أليس كذلك؟
قلت له ضاحكا:
- نعم.. حصل خطأ ولا تؤاخذنا.
أثناء ذاك سمعنا وقع أقدام.
- اصمت..؟ أعرف تماما أنكم أخفيتم اللص عني. هيا اصعدوا معي، وهكذا صعدنا أمامه وكأنه يكش دجاجا أمامه.
كان رجلا قاسيا وجلفا للغاية.
بعد ذلك جمعنا في غرفة واحدة وقال:
- هيا أخبروني أين اللص أعرف تماما أنكم أخرجتموه من البيت عندما استرحم وبكى.
أليس كذلك؟
قلت له
- يوه...! كل ما تفوهت به لم يحصل أبدا.
- ماذا؟.. إذا ساعدتم اللص على الاختفاء أو الفرار.
- ولم نساعده؟
- حسنا إذا كنتم لم تساعدوه، إذا أخرجوه هيا... وأكثر من ذلك لا داعي للثرثرة.
راحت زوجة عمي تتوسل إلى الشرطي قائلة:
- والله وبالله لم يكن لصا يا بني.
- يا خالة، الجميع يتصرف مثلما تصرفتم، وأنا أعرف هذا الشيء حق المعرفة، تخفون
*321*
اللص عن أعين رجال الشرطة لتتفقوا معه فيما بعد أليس كذلك؟
- هيا، صرخ بأعلى صوته مشهرا مسدسه.
دنت أمي مني لتهمس في أذني قائلة:
- لن نستطيع الإفلات من هذه الورطة، لم لا تدعي أنك اللص، وفي المخفر نتفاهم.
وقبل أن أتفوه بأي كلمة صرخ عاليا:
- ما بكم تتهامسون؟ وعلى ماذا تتامرون، تدبرون خطة كي تهربوا اللص أليس كذلك؟
- لا والله يا شرطي أفندي، لا بالله.. لا يوجد لدينا لص ولا مص، حصل خطأ واتصلنا بكم، حتى أننا أخبرنا المأمور بذلك، إلا أنه أعلمنا أنكم في الطريق إلينا.
- حضرت مضرت لا أعرف، كل ما أعرفه أنني لن أخرج من هذا البيت قبل إلقاء القبض على اللص.
غضبت كثيرا من الموقف الذي تورطنا فيه، وأنا على يطين بعدم وجود لص في البيت، لذا قلت بيني وبين نفسي لم لا أخرجه عنوة. إلا أنه كان أسرع مني عندما أمسك ياقة قميصي وقال:
- طالما أنه لا يوجد لص إذا هو واحد منكم!.. هيا أعطوني بطاقاتكم الشخصية ثم أغلق الباب علينا جميعا ليسمح لكل واحد على انفراد بالخروج لجلب بطاقته الشخصية، وعندما أثبتنا أن لا لص في البيت قال:
- حسنا، سأقوم وحدي بالبحث عن اللص، سأجده حتما..
خرج الشرطي أولا وفيما بعد تبعناه لنبحث عن اللص، لدرجة أننا ظننا مضطرين أن لصا حقيقيا في البيت.
فتح الشرطي جميع أبواب الغرف، بحث في جميع الرفوف والخزن، حتى الصناديق فتحها، بحثنا تحت الأسرة وفي المراحيض وداخل الفرش. وخلال ساعتين تحولت الدار الكبيرة إلى كومة من الفوضى، اختلط الطعام مع الأحذية والكتب، حتى تحت السجاد راح يبحث وهو يقول:
- على الإنسان أن يعمل بذمة وضمير ولا خير في الإنسان الذي يعمل من أجل المال،
*322*
لو أتى إلى هذا البيت شرطي اخر لوثق بكلامكم وانصرف من فوره، أليس كذلك؟... كنتم ستخدعونني، لا، لا أنخدع بسهوله. لماذا؟. لأن الواحد منا يجب أن تكون علاقته بالعمل علاقة صدق ومحبة، لأن من لا يحب عمله لا خير فيه. هل تظنون أنني أقوم بعملي بشرف وإخلاص من أجل المال؟ لا والله؟. كل إنسان في أي مجال كان يجب أن يمتلك روح الإخلاص لعمله فالإنسان الذي لا يمتلك مثل هذه السمات، لا يساوي عشره قروش..
إن هذه النزعة ضرورية، لا شك أن المال ضروري لحياة الإنسان، إلا أن عشق العمل والإخلاص له ضروري أكثر. اخ لو أستطيع القبض على ذلك اللص، حتما سأقبض عليه حتى لو كان في جحر فأر، لماذا؟
والان هل هناك مكان اخر لم نبحث فيه؟ أما نحن فكنا نستعر بنار الغضب:
- أيعقل أن اللص سيدخل إلى هذه الأمكنة؟
- هيهه.. وراح يضحك بخبث.. لو كان شرطي اخر لوثق بكلامكم وانصرف، لا، سأجده أولا وأخيرا، أنتم تخفون اللص وأنا بدوري أتعب وأشقى لا... ليل هكذا...
- يا أخي... يا سيدي... أرجوك اسمعنا، عبثا تبحث عن لص غير موجود، وتتعب نفسك وتوترنا، لا لشيء بل لأننا أخطأنا وقلنا إن لصا في بيتنا... اه لو لم نقل ذلك ولم نتصل.
- ولكن حسنا ما فعلتم، قد تظنون أنه غير موجود في بيتكم وتتفاجأون بوجوده، يا جماعة لص هذه الأيام غدار، يظهر أمام المرء دون أن يدري لذا لا بد من القبض عليه، أيعقل أن يكون بيت بلا لص! لمن، اثار هذه الأقدام؟.. هيا قولوا، تعالوا معي لأرى اثار أقدامكم... لا يمكن أن يوجد مكان بلا لصوص. في قاموس السلك الذي أعمل به لا مكان لكلمة لا شيء، هيا لنبحث في الطابق العلوي لأننا لم نبحث بعد، وهكذا رحنا ثانية نبحث في كل زاوية وثقب.
قلبنا المكان قلبا لدرجة أنه أصبح بحاجة لإعادة ترتيب. المصيبة أن المكان الوحيد الذي لم نبحث فيه هو غرفة عمي حيث ينام على السطح، تقدم الشرطي ونحن في إثره وقبل
*323*
أن نصعد الدرجة الأولى سمعنا صراخ عمي ولعله استيقظ بسبب أصواتنا بعدما كان مستمتعا بأحلامه عن أيام الجيش الخالية.
وقف عمي الجنرال أعلى الدرج لابسا سروالا قطنيا ومن فوقه روب منامته دافئا بسيفه نحونا:
- المدفعية الثانية!... الهدف... الرقم... ثلاثة بارود يا حقي!.... نار..
أما ذاك الشرطي فقد طار كالعصفور من فوقنا ثماني درجات ليسقط أرضا منقذا نفسه من سيف عمي، أما نحن فقد خرجنا خلفه من البيت، تاركين عمي ظانا أننا من جماعة الأعداء، وأخيرا استطعنا إقناع الشرطي بعدم وجود لص في البيت.
لكن عمي لم يصدق منذ ذاك أمنا من أهله ولسنا من الأعداء، إلا أن روحه الهاوية أقسى من الشرطي المذكور.
نهاية الكتاب