التراث التوحيدي
كتاب تعليمي للصف التاسع
مركز التكنولوجيا التربويّة
مطاح وفق المنهج التعليمي الجديد
في التراث الدرزيّ
صفحات بخط عادي 6-111
الناسخة: ميسون طه
المكتبة المركزية للمكفوفين
وذوي عسر القرائي
تل أبيب إسرائيل 2020م
رقم التسلسل: 59202
يمنع نسخ أو نقل النسخة الملائمة معارضة لأوامر قانون تنسيق الاعمال والآداء، والبث للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة لعام 2014 تشكل خرقًا لحقوق المنتجين.
استهلال
هذا الكتاب، الذي يشكّل جزءًا من سلسلة الكتب التعليميّة في موضوع التراث التوحيديّ، يُثري المعلومات عن تراث الطائفة من ثلاثة منظورات، إضافة إلى تلك التي قُدّمت في الكتب السابقة من هذه السلسلة.
يتناول الفصل الأوّل الأركان الثلاثة الأساسيّة للطائفة الدرزيّة: الدين، الأرض والعِرض، التي تُعتبر أساسًا لتقاليد الموحّدين وقِيَمهم، وهي دليل ومُرشد في تشكيل قوام الطائفة الدرزيّة. للحفاظ على هذه الأركان الأساسيّة مكانةٌ عظيمةٌ في التراث التوحيديّ، في القِيَم الأخلاقيّة الدرزيّة وفي سلوكيّات الموحّدين الدروز في حياتهم اليوميّة.
الفصل الثاني يستعرض الهجرات التي حدثت على مرّ التاريخ الدرزيّ، وحدّدت انتشار أبناء الطائفة الدرزيّة في العالَم، عامّة، والشرق الأوسط خاصّة. سيناقش هذا الفصل مَيْزات الهجرات الدرزيّة، أسبابَها وتأثيرَها في مجتمع الموحّدين. وسيضمّ، أيضًا، قصّة اثنَيْن من عُظماء أعلام الدروز، اللذَيْن تغيَّر مجرى حياتهما غيْر مرّةٍ بسبب حركات الهجرة: الشيخ إبراهيم الهجريّ، والشيخ نجيب العسراويّ، رحمهما الله تعالى.
يتطرّق الفصل الثالث إلى قصص شعبيّة وحكايات تُشكّل جزءًا من تراث الشعوب والثقافات، وكذا هي عند الدروز تحتفظ بمكانة رفيعة. برزت القِصص الشعبيّة والحكايات قديمًا في الفعّاليّات الترفيهيّة والثقافيّة، وكان لها الفضل في إثراء التراث الدرزيّ وحتّى في انتقاله من جيل إلى جيل. على مرّ السنين، قلّت أهمّيّة القِصص الشعبيّة والحكايات، وتضاءلت الفعّاليّات التي ترتكز على رواية القصّة. مع ذلك، اعتُرف بأهمّيّتها، في الآونة الأخيرة، كونها تُمثّل التراث والثقافة، ونشهد اليوم جهودًا حثيثة تُبذَل في جمْع القصص وتوثيقها. في هذا الفصل، سنقترح على التلاميذ المشاركة في هذا العمل الجادّ الذي يهدف إلى حفظ القِصص الشعبيّة والحكايات التوحيديّة وتوثيقها.
نتمنّى لكم دراسة مثرية، ممتعة ومفيدة!
طاقم التراث والحضارة الدرزيّة، مطاح
فهرس الكتاب
الفصل الأوّل: أركان الوجود الدرزيّ: الدين، الأرض والعِرْض صفحة 6
الدين صفحة 8
الأرض صفحة 10
العِرْض صفحة 14
أركان الوجود وحفظ الإخوان صفحة 16
للإجمال: أركان الوجود الدرزيّ صفحة 20
الأمير فخر الدين المعنيّ الثاني صفحة 21
سيرة حياة الأمير المعنيّ صفحة 22
زعامة الأمير فخر الدين المعنيّ الثاني صفحة 24
الشيخ بشير جنبلاط صفحة 29
سيرة حياة الشيخ بشير صفحة 30
الشيخ بشير جنبلاط شخصيّته وإنجازاته صفحة 32
مَهمّة بحث: زعماء الطائفة الدرزيّة صفحة 38
الفصل الثاني: الهجرة في تاريخ الموحّدين الدروز صفحة 40
أسباب الهجرة صفحة 42
ميزات الهجرة صفحة 50
هجرة الموحّدين الدروز إلى البلاد صفحة 52
الشيخ أبو حسين إبراهيم الهجريّ (ر) صفحة 55
محطّات الهجرة في حياة الشيخ إبراهيم الهجريّ (ر) صفحة 56
قِصص عن الشيخ إبراهيم (ر) صفحة 60
وفاة الشيخ إبراهيم الهجريّ (ر) صفحة 63
الشيخ نجيب العسراويّ (ر) صفحة 65
محطّات الهجرة في حياة الشيخ نجيب العسراويّ (ر) صفحة 67
أوسمة وشهادات تقدير صفحة 70
الأيّام الأخيرة في حياة الشيخ نجيب صفحة 70
مَهمّة بحث: الشيخ حمدان الحمدان صفحة 72
الفصل الثالث: حكايات من التراث التوحيديّ صفحة 74
الجزء الأوّل: معلومات عن القِصص الشعبيّة والحكايات صفحة 76
مقدّمة صفحة 76
ميزات القصّة الشعبيّة صفحة 78
المواضيع المطروحة في قِصص التراث التوحيديّ صفحة 80
توثيق القِصص الشعبيّة والحكايات صفحة 84
الرواة بين الماضي والحاضر صفحة 85
الجزء الثاني: ملفّ القِصص الشعبيّة والحكايات صفحة 87
القصّة الأولى: محبّة الأخَوَين الكبيرة (صيغة درزيّة) صفحة 88
القصّة الثانية: سيّدنا الشيخ حسين (ر): الشجاع، الحكيم والمؤمن صفحة 90
القصّة الثالثة: النهر صفحة 91
من قِصص أبي إبراهيم (ع) صفحة 92
القصّة الرابعة: حكاية الفارس الأحمر صفحة 93
القصّة الخامسة: عَيْنا بنت الشيخ الجميلتان صفحة 94
القصّة السادسة: الشاطِر حَسَن صفحة 96
القصّة السابعة: النسّاج الذكيّ واللصّ صفحة 98
القصّة الثامنة: ابنة الملِك الذكيّة صفحة 100
القصّة التاسعة: كلّ ما يأتي بسهولة يذهب بسهولة صفحة 102
القصّة العاشرة: مَنِ الكريم؟ صفحة 104
الجزء الثالث: إرشادات لتحضير ملفّ قِصص شعبيّة
وحكايات ولِتنظيم أُمسية لرُواتها صفحة 106
المرحلة الأولى: جَمْع القِصص الشعبيّة والحكايات وتوثيقها صفحة 106
المرحلة الثانية: تحضير ملفّ صفّيّ للقِصص الشعبيّة والحكايات صفحة 110
المرحلة الثالثة: إعداد أُمسيَة لرُواة القِصص والحكايات صفحة 111
*6*
*6*
الدين، الأرض والعِرْض هي أركان الوجود الثلاثة في الطائفة الدرزيّة. هذه الأركان تُشكِّل القاعدةَ الأساسيَّة للتقاليد، للقِيَم وللتراث لدى الموحّدين الدروز، وفي حال وقوع أيّ تقصير أو إهمال في الحفاظ عليها، فإنّ الطائفة الدرزيّة تُصبح مُعَرَّضةً للتّفكُّك والانحلال.
سوف نستعرِض، في الصفحات التالية، أركانَ الوجود هذه ومدى تأثيرها في الطائفة الدرزيّة، ثمّ نستعرِض سيرةَ حياة شخصيّتَيْن مشهورتَيْن في تاريخ الموحّدين الدروز: الأمير فخر الدين المعنيّ الثاني، والشيخ بشير جنبلاط، اللذَيْن كرّسا حياتهما في سبيل الحفاظ على الدين والأرض والعِرْض.
في نهاية الفصل، سنطلب منكم إعدادَ مَهمّة بحث، تتناول شخصيّةً مشهورةً أُخرى في تاريخ الطائفة.
(يوجد صورة شرح بواسطة المعلم)
*7*
الدين، الأرض والعِرْض
أركان الوجود في الطائفة الدرزيّة، وَفْق التقاليد التوحيديّة:
الدين:
مذهب التوحيد الدرزيّ، وهو العامل المشترك الرئيس للموحّدين الدروز جميعًا، في كلّ مكان وزمان.
الأرض:
الموقع الجغرافيّ، حيث يعيش الموحّدون الدروز ويمارسون تعاليم مذهبهم، وهم على استعداد دائم لأنْ يَفْدوا أرضَهم بأرواحهم.
العِرْض:
كرامة الطائفة وهَيْبتها، ويُحافَظ عليهما بالدفاع عن طهارة الطائفة ومَيْزاتها الخاصّة، وبانتهاج الموحّدين الدروز السلوكَ الحسَنَ والأخلاقَ الحميدةَ وحرصهم عليها.
يولي أبناء الطائفة الدرزيّة أهمّيّةً كبيرةً لهذه الأركان الثلاثة، منذ بدء الدعوة حتّى الآن، وللحفاظ عليها أهمّيّةٌ كبرى في تاريخ الطائفة وتراثها، وكذلك في الأخلاقيّات والقِيَم الدرزيّة، وفي سلوك الموحّدين في حياتهم. لا يزال الموحّدون، في أيّامنا، يحافظون على أركان الوجود الثلاثة ويعمَلون على نقلها إلى الأجيال القادمة.
سوف نتناول، في الصفحات التالية، كلَّ رُكْن من هذه الأركان على حِدَة.
*8*
الدين
عاش الموحّدون الدروز، منذ فجر التاريخ، في تجمّعات منفصلة وإلى جانب شعوب مختلفة. ظهر مذهب التوحيد الدرزيّ عام 1017 للميلاد (أي قبل ألف سنة) في مدينة القاهرة، في مصر. وتمّ فسح المجال، على مدار 26 سنة (حتّى عام 1043)، لكلّ إنسان لأنْ ينضمّ إلى مذهب التوحيد، وأُطلِقَ على هذه الفترة اسم "فترة الدعوة". ولمّا انتهت المدّة وأُغلِق الباب أمام أيّ انضمام آخر إلى مذهب، تكوّنت الطائفة التوحيديّة الدرزيّة التي تؤمن بمذهب التوحيد، الذي أصبح، منذ انتهاء الدعوة، عاملًا يوحِّد مُعْتَنِقيه كافّة ويُكتِّلهم، وما زال على ذلك حتّى يومنا هذا.
عاش الموحّدون الدروز، على مرّ تاريخ مذهب التوحيد، فتراتٍ هادئةً ومُظلّلةً بالسلام، قامت خلالها التجمُّعات التوحيديّة الدرزيّة بإدارة شؤونها بشكلٍ مُستقلّ، من دون أيّ تدخُّل من قِبَل الحُكْم المركزيّ، خاصّةً في الشؤون الدينيّة والثقافيّة والاجتماعيّة. في المقابل، كانت هناك فترات صعبة، عانى فيها الموحّدون من مطاردة فئات عدائيّة، لاحقتهم وطاردتهم بسبب معتقداتهم. مع كلّ ذلك، حافظ الموحّدون على كيانهم، لدرجة أنّهم، حتّى في أصعب الظروف، لم يخضعوا أو يستسلموا لأعدائهم، بل حاربوا بشجاعة وبسالة للحفاظ على مذهبهم، ونتيجة لذلك فَقَدَ عددٌ كبيرٌ منهم أرواحَهم في سبيل الدفاع عن معتقداتهم.
واجه مذهب التوحيد الدرزيّ تهديداتٍ ومخاطرَ أُخرى، في فترات مختلفة، من جانب أوساط في الطائفة الدرزيّة نفسِها وأُخرى قريبة منها. كان ذلك في فترات سادها الفساد والانحلال وسوء الخلق في المجتمع؛ حيث قام بعض أبناء الطائفة بأنفسهم بالاعتداء على مذهب التوحيد وأتباعِه. إلّا أنَّه، في هذه الفترات القاسية، ظهرت شخصيّات مثاليّة، من بين أبناء الطائفة، استنهضت الهِمَم، وشجّعت المؤمنين على اجْتِثاث الشرّ من الداخل. أدّت هذه الشخصيّات دورَها ببطولة وشجاعة، مع أنَّها واجهت مقاومةً وتهديدًا شديدَيْن لحياتها وحياة أبنائها، غير
أنّها لم تَرتَدِع ولم تخشَ المواجهة، وهكذا حافظَتْ على استمراريّة مذهب التوحيد وبقائه.
(يوجد صورة شرح بواسطة المعلم)
عَلَم التوحيد الدرزيّ مرفوعًا داخل قرية مجدل شمس الدرزيّة. في هضبة الجولان. العَلَم الدرزيّ هو أحد أشهر رموز مذهب التوحيد الدرزيّ، يُرفَع، عادةً، في الأماكن المقدّسة، على مشارف القرى الدرزيّة وفوق سطوح بيوت أبناء الطائفة. العَلَم الدرزيّ هو مصدر فخر واعتزاز لأبناء الطائفة؛ لأنّه يشكّل رابطًا قويًّا بالأَسْلاف والأجيال السابقة، وبتراثهم الدينيّ العريق.
*9*
نورد في ما يلي نموذجًا لهذه الشخصيات، وهو سيّدَنا بهاء الدين السموقيّ (ع) الذي عاصر فترة الدعوة في القرن ال 11 م، وأشرَفَ على نشر مذهب التوحيد في عدد من البُلْدان. تحمّل كبير دُعاة الموحّدين الدروز أعباء مهمّته كلّها، بالرغم من المقاومة والمخاطر التي واجهها.
(صورة لمشايخ دروز، زيارتهم لمقام شعيب (ع)).
يحافظ الموحّدون الدروز، في أيّامنا أيضًا، على خصائص التراث التوحيديّ؛ إذ إنّ أبناء الطائفة الدرزيّة جميعهم، المتديّنين منهم وغير المتديّنين، يرَوْن في مذهب التوحيد الدرزيّ عاملًا رئيسًا في تحديد هويّتهم الشخصيّة وتشكيل هويّتهم الجماعيّة كأبناء للطّائفة الدرزيّة.
اُكتبوا عن شخصيّتَيْن بارزَتيْن من الماضي: نبيّان (ع)، وليّان صالحان (ر) أو أيّ شخصيّتَيْن مثاليّتَيْن، اعتُبرتا قدوةً ونموذجًا لأبناء الطائفة. سجّلوا سيرة حياتهما باختصار، واشرحوا كيف أسهما في الحفاظ على الطائفة. بإمكانكم الاستعانة بالمراجع، وبمصادر المعلومات المختلفة لإنجاز هذه المَهمّة.
في الصَفِّ
أنعموا النظر في الادّعاء التالي: مذهب التوحيد هو عامل هامّ في تكتُّل ووَحْدة أبناء الطائفة الدرزيّة ووَحْدتهم، المتديّنين منهم وغير المتديّنين. هل توافقون على هذا الادّعاء؟ علِّلوا إجاباتكم.
*10*
الأرض
الأرض هي أساس وجود الإنسان والحيوان والنبات، وهي عنصر حيويّ وضروريّ في حياة بني البشر، عامّة، وفي حياة الموحّدين الدروز خاصّة. يعيش الناس على هذه الأرض منذ الأزل، يَبْنون فوقها بيوتَهم، ويستوطنونها مع أبناء عائلاتهم، يفلَحونها ويكسبون مِن محاصيلها قوتَهم وطعامَهم، ومِن باطنها يستخرجون مواردَ طبيعيّة، تُسهم في تحسين أحوالهم. وفي الوقت نفسه، تشكِّل الأرض بالنسبة لملايين الناس مصدرَ معيشة رئيسًا.
للموحّدين الدروز علاقةٌ خاصّةٌ بالأرض في كلّ مكان هم فيه، مع أنّهم لا يحلُمون بإقامة دولة توحيديّة - درزيّة مُستقلّة لهم. عائلات درزيّة كثيرة تعيش اليوم في أراضٍ ورثتها عن آبائها وأجدادها، وامتلاكها الأرض يمنحها شعورًا بالانتماء إلى الطائفة والاستقرار والأمان. تُشير الوثائق التاريخيّة إلى أنّ الاستيطان الدرزيّ في شمال البلاد وفي لبنان وسوريَة قديمُ العهد؛ ففي مُستهلّ القرن ال 11 الميلاديّ، إبّان نشر الدعوة إلى مذهب التوحيد، اعتنق كثيرون من سكّان هذه المناطق المذهبَ، وهم يحافظون على انتمائهم حتّى يومنا هذا.
مع أن الموحّدين الدروز لا يطمحون إلى إقامة دولة خاصّة بهم، إلّا أنّهم يَعتبرون كلّ موقع استوطنوا فيه وانتفعوا من خيراته مكانًا ذا قيمة كبيرة ومنزلة عُليا في نظرهم. عمل الموحّدون الدروز سابقًا في فلاحة الأرض، وكانت الأرض بالنسبة إليهم مصدر الرزق الرئيس؛ إذ اعتمدوا عليها في توفير احتياجاتهم الأساسيّة ومصادر معيشتهم. اضطرّ الموحّدون على مرّ التاريخ إلى الدفاع عن أرضهم وحرّيّتهم بأرواحهم، وبذلك توثّقت العلاقة الخاصّة بينهم وأرضهم أكثر فأكثر. بالإضافة إلى ذلك، وبموجب التقاليد الدرزيّة، فإنّ الحفاظ على الأرض يضمن استمراريّة بقاء الأجيال الشابّة إلى جانب جيل الكبار. هكذا لا يترك الشباب الدروز القريةَ التي وُلدوا فيها، وتقلّ أخطار انصهارهم في مجتمعات أُخرى.
لا شكّ في أنّ هناك جانبًا روحانيًّا لتعلُّق الموحّدين الدروز الوثيق بالأرض، فالموحّدون منسجمون ومتعلّقون بشدّة بمناظر وطنهم الطبيعيّة، ونتيجة لذلك فإنّ ذكرياتهم وانطباعاتهم التي تنتقل عبر الأجيال مرتبطة، هي الأخرى، بأراضيهم. وعلى هذا، يشجّع مذهب التوحيد زراعة الأرض، وعلى اعتبار هذا العمل خَلْقًا لحياة جديدة في عالمنا هذا؛ فمن شأنه أن يُحَسِّن الخليقة، ويُسهم في إنعاش صحّة الموحّد الروحانيّة والجسديّة على حدٍّ سواء.
الجمْعُ بين مختلف العوامل والعناصر، التي ذكرناها، يُفَسِّر أهمّيّة الأرض بالنسبة إلى لموحّدين الدروز.
(يوجد صورة في الكتاب شرح بواسطة المعلم)
بالرغم من أنّ معظم الموحّدين الدروز لا يعملون حاليًّا في الزراعة، إلّا إنّ الكثير من العائلات الدرزيّة تمتلك كرمًا صغيرًا من أشجار الزيتون، أو غيرها من الأشجار المثمرة، التي ترمز لعلاقة الدروز بأرضهم.
*11*
أمثال شعبيّة في أهمّيّة الأرض
"الأرض عِرْض"
"اِرحل عن الأرض وْلا تْبيعْها"
"الأرض لا بْتِنِحْرِقْ وَلا بْتِنِسْرِقْ"
الأرض، المقامات والمزارات المقدَّسة
يُعبِّر الموحّدون الدروز عن تعلّقهم بالأرض، من خلال بناء أماكنَ مقدّسة (مقامات ومزارات) داخل قُراهم وفي محيطها. هذه الأماكن هي مواقعُ عامّة، تُبنى لتخليد ذِكْر أنبياء (ع)، أولياء صالحين (ر) وشخصيّات درزيّة بارزة، أسهمت في تطبيق القِيَم التوحيديّة الدرزيّة ونشرها، وفي الحفاظ على فضائل مذهب التوحيد وتطبيق تعاليمه. يُشدَّد أبناء الطائفة على صيانة الأماكن المقدَّسة وترميمها والحفاظ عليها، إكرامًا لقُدسيّتها وأهمّيّتها العظيمة.
يزور الموحّدون الدروز، عادةً، الأماكن المقدَّسة على مدار السنة، والكثيرون منهم يَفِدون إليها في مواعيد الزيارة السنويّة التي حدّدها كبار مشايخ الطائفة. يُصاحب زيارات الأماكن المقدَّسة طقوسٌ دينيّة، صلواتٌ، إيفاءُ نذور وكذلك بعضُ الولائم العائليّة. من بين المقامات المقدَّسة للطائفة الدرزيّة في إسرائيل: مقام النبيّ شعيب (ع) في حطّين، مقام النبيّ سبلان (ع) في قرية حرفيش، ومقام النبيّ الخضر (ع) في قرية كفر ياسيف، وعشراتُ الأماكن المقدّسة الأُخرى في أنحاء البلاد.
(يوجد صورة لمقام سيّدنا السلطان إبراهيم (ر)، في هضبة الجولان).
مُقتبَسات من قصائد نُظِمَت خصّيصًا في موضوع الأماكن المقَدَّسة:
يا سيدي يا نَبي شْعيبْ يا حامي قَلْعِة حِطّينْ الله يْديمِكْ يا حُرْفيشْ يا الّي بْجيرِة سَبَلانْ
*12*
1. اِسألوا أهاليكم، وافحصوا من أين ومتى قدِمَتْ عائلتكم إلى القرية التي تسكنون فيها اليوم.
2. أيّ من العوامل التي ذُكِرَت في الصفحات السابقة يُشكّل، في نظركم، التفسير الأهمّ لكون الأرض رُكنًا من أركان الوجود في الطائفة الدرزيّة؟
3. أيٌّ من الأمثال المذكورة في الصفحة السابقة تُعبِّر عن رأيكم في ما يتعلّق بأهمّيَّة الأرض ومكانتها بشكلٍ أدقّ؟ اِشرحوا.
4. أ. هل، حسب رأيكم، المقامات والمزارات تُسهم في تعزيز العلاقة بين الموحّدين الدروز وأرضهم؟ علِّلوا.
ب. اِستعينوا بمصادر معلومات مختلفة، وحاولوا أن تجدوا نصًّا (قصيدة، حكاية، خطبة) خُصِّصَ لأحد الأماكن المقدَّسة. اِنسخوا النصّ في دفاتركم واشرحوه.
ج. اُكتبوا كيف يمكن أن نتعلّم، من النصّ الذي وجدتموه، عن أهمّيّة الأرض بالنسبة للموحّدين الدروز.
في الصَفِّ
1. هل، حسب رأيكم، المقصود بمُصطلح "الأرض" قطعة أرض بِعَيْنها، أراضي القرية كافّةً،
أو مُجْمَل أراضي الدولة أو المنطقة التي يعيش فيها الموحّدون الدروز؟ علِّلوا.
2. نرى اليوم أنَّ عددًا من الموحّدين الدروز يبيعون أراضيهم الخاصّة، لأسباب اقتصاديّة، وخاصّة كروم الزيتون التي تنتقل بالوراثة في عائلاتهم. بهذه الطريقة يتمكّنون من شراء سيّارة جديدة أو ترميم بيت قديم. ناقشوا هذه الظاهرة:
أ. هل هي ظاهرة سلبيّة أم إيجابيّة؟ اِشرحوا.
ب. لماذا، حسب رأيكم، هذه الظاهرة تحدث خاصّة في أيّامنا؟
3. ما هي أهمّيّة القرية التي نشأتم فيها بالنسبة إليكم؟ بالنسبة إلى أهاليكم؟ هل هناك فرق بين أهمّيَّتها بالنسبة إليكم وأهمّيّتها بالنسبة إلى أهاليكم؟ صِفوا الفروق وأبدوا رأيكم في كلّ ما يتعلّق بالأسباب.
*13*
إثراء
الإنسان والأرض: الماض، الحاضر والمستقبل
هل ستستمرّ العلاقة بين الموحّدين الدروز وأرضهم في المستقبل كما هي اليوم؟ سؤالٌ جوهريّ، باعتبار التغيّرات الكبيرة التي تطرأ اليوم على ظروف الحياة في العالَم وكذلك محلّيًّا، عندنا.
رغم أنّ الأرض ما زالت تشكّل أساس كيان الإنسان والنبات والحيوان، ومع أنّ السبب في وقوع العديد من الصراعات العالميّة، خاصّةً في منطقتنا، هو الخلاف على الأرض، إلّا إنّه عندما نتحدّث على مستوى الأفراد، فالعلاقة "إنسان - أرض" آخذة بالضعف والتلاشي، يومًا بعد يوم. كذلك هي الحال لدى أبناء الطائفة الدرزيّة.
الواقع اليوم، هو أنّ الأغلبيّة الساحقة من أبناء طائفتنا لا تعمل بالزراعة، وأنّ حياتها لا تستند بعدُ إلى العمل في الأرض. فالقرى الدرزيّة أصبحت بغالبيّتها بلدات مَدينِيَّة، وهي مبنيّة باكتظاظ، وتقطعها شوارع تعُجُّ بالحركة. نحن نرى أنَّه مع ازدياد عدد السكّان في القرى، بدأت الحدائق التي أحاطت البيوت في الماضي تتقلّص وتفقد من مساحتها تدريجيًّا.
على ضوء ذلك كلّه، يتبيّن لنا سببُ إصرار عائلات درزيّة كثيرة على الاستمرار بعناية كروم الزيتون الخاصّة بها، وكذلك سببُ اهتمام الموحّدين الدروز بأنْ يستمرّوا في العيش داخل قُراهم القديمة. ومع هذا يستحسن أن نفكّر بطرق جديدة، تُساعد في الحفاظ على العلاقة بين الموحّدين الدروز وأرضهم في المستقبل، وهذه المَهمّة مُلقاة على عاتق جيل الشباب والأجيال القادمة، وعلى عاتقكم أنتم أيضًا.
(يوجد صورتان في الكتاب استعن بالمعلم: جدّ وحفيده يعتنيان بكرم الزيتون التابع للعائلة، فلّاح درزيّ يدرس القمح في هضبة الجولان).
في الصفِّ
1. ما رأيكم، متى كانت الحياة أفضل: في السابق، لمّا كانت العلاقة بين الإنسان والأرض قويّة، أم في أيّامنا، حيث بدأت لهذه العلاقة تَضعُف؟ علِّلوا.
2. اِقترحوا طرقًا إضافيّة وجديدة للحفاظ على العلاقة بين الموحّدين الدروز وأرضهم.
*14*
العِرْض
العِرْض هو رُكن الوجود الثالث لدى الموحّدين الدروز، وبناءً على التوجّه التوحيديّ، أسهم الحفاظ عليه في استمرار وجود الطائفة منذ تأسيسها، قبل ألف سنة، وحتّى اليوم. تُحدِّد التقاليد الدرزيّة نهجًا خاصًّا لشرح الاصطلاح "عِرْض"، وها نحن نستِعرْض أصول هذا النهج.
تُقاس كرامة الطائفة الدرزيّة، الصغيرة بعدد أفرادها، بقُدرتها على الحفاظ على وجودها المُميَّز وطابعها الخاصّ. بحسب التقاليد الدرزيّة، يمكن تحقيق هذا الهدف، بالدرجة الأولى، من خلال التشديد الصارم على مبدأ طهارة الطائفة، الذي ينُصّ على أنّ الانتساب للطائفة الدرزيّة مبنيٌّ على كَوْن الفرد ابنًا لأب وأمّ درزيَّيْن فقط. وعليه، فكلّ من لم يولَد لأبوَيْن درزيَّيْن لا يمكن أن ينتسب لمذهب التوحيد الدرزيّ أو ينتمي إلى الطائفة. لذلك يتجنّب أبناء الطائفة الدرزيّة الزواجَ من غير أبناء الطائفة، ويحافظ الموحّدون الدروز على هذا المبدأ منذ بداية الدعوة التوحيديّة وحتّى أيّامنا. وفي هذا الصدد يقول المثل: "اِللّي بْيوخِذْ مِنْ غيرْ مِلْتُهْ بِموتْ بْعِلْتُهْ".
المسؤوليّة في الحفاظ على كرامة الطائفة وطهارتها تقع على الرجال والنساء، على حدّ سواء؛ فقبل مئات السنين قال الأمير السيّد (ق):
''المطلوب من المرأة، من جميل الأخلاق وحُسن الأفعال، كذلك مطلوب من الرجل، وإلّا فلا يُعدّ الرجل منصفًا بأن يطلب من الزوجة الأخلاق الصالحة والأفعال الجميلة، في ما يتعلّق به وبنفسها، ويشدّد في ذلك، ثمّ لا يكون في نفسه في ما يتعلّق بزوجته مثل ذلك". معنى ذلك أنّه لا أفضليّة للمرأة على الرجل، ولا أفضليّة للرّجل على المرأة. وبموجب أصول مذهب التوحيد، يُشَبَّه الرجل، رمزيًّا، بعقل الإنسان، وتُشَبَّه المرأة بنفس الإنسان، وكلاهما يشكّلان معًا وَحْدَة كاملة، فلا وجود للعقل من دون النفس ولا للنّفس من دون العقل - من دون أحدهما لا وجود للإنسان نفسه.
هناك عامل مُميّز آخر في كرامة الطائفة، وهو الأهمّيّة التي يوليها الموحّدون الدروز لموضوع نقاء وصفاء أخلاق الإنسان وأعماله.
(يوجد صورة في الكتاب شرح بواسطة المعلم)
كجزء من الحفاظ على عِرْض الطائفة، يشجّع الدروز أبناءهم على تحقيق الإنجازات في التعلُّم. وبالفعل، ففي امتحانات البجروت للعام الدراسيّ 2016، حقّق التلاميذ الدروز أعلى المعدّلات في إسرائيل. في الصورة: مكتبة في إحدى المدارس، قرية المغار.
*15*
بناءً على التقاليد، لكي يحافظ الموحّدون على كرامة الطائفة، عليهم الاهتمام بنقاء عقلهم وطهارة روحهم، وهذا يكسبهم خصائصَ سامية، ويوجّههم إلى فعل الخير والعمل الصحيح، وكرامة الطائفة متعلّقة بذلك. هذا العامل في الكرامة متساوٍ للرّجال والنساء، على حدّ سواء، وهم الشركاء في طريق الحياة، في بناء الأسرة، وفي تربية الأجيال القادمة وتهذيبها.
عدا ذلك، العِرْض هو عنصر هامّ في سلوك وتصرّفات الطائفة، ككُلّ، وفي سلوك وتصرّف كلّ فرد من أفرادها على حِدَة. غالبيّة الموحّدين الدروز يشعرون بأنّ من واحبهم رفع شأن الطائفة بين الشعوب التي يعيشون معها، وتمثيل طائفتهم بفخر واعتزاز.
وفي الوقت نفسه، عندما تحافظ الطائفة على كرامتها، داخليًّا، ويلتزم أبناؤها وبناتها باتّباع الطرق المستقيمة والأعمال الحميدة، فهي تكتسب احترام وتقدير وثقة المجتمع الذي تعيش فيه. علينا أن نتذكّر أنّه كلّما اندمج أبناء الطائفة التوحيديّة وبناتها أكثر وأكثر في المجتمع التكنولوجيّ المعاصر، وكلّما حقّقوا إنجازات عالية في مجالات الحياة المتعدّدة، شعروا باعتزاز أكثر، واكتسبوا ثقة المحيطين بهم واحترامهم بقدر أكبر.
1. أيّ عامل من العوامل المُشَكِّلة لكرامة الطائفة يبدو لكم الأهمّ للحفاظ على بقائها؟ اِشرحوا.
2. الأرض - عِرْض": ما هي العلاقة بين هذَيْن الركنَيْن اللّذَيْن يُشير إليهما المثل؟
3. جِدوا مثلًا، قصيدة أو حكاية شعبيّة تُجسّد الدور المركزيّ لقيمة العِرْض / الكرامة في التراث التوحيديّ الدرزيّ.
4. اِشرحوا العلاقة بين كلّ زوج من الاصطلاحات التالية:
- كرامة الطائفة وطهارة الطائفة؛
- كرامة الفرد وكرامة الطائفة؛
- كرامة الطائفة وحفظ الإخوان (بإمكانكم الإجابة عن هذا السؤال بعد أن تقرأوا الصفحات التالية عن فضيلة حفظ الإخوان).
*16*
أركان الوجود وحفظ الإخوان
تُعتبر فضيلة "حفظ الإخوان" من أهمّ فضائل مذهب التوحيد الدرزيّ، وهي مرتبطة بشكل وثيق مع ثلاثة أركان الوجود. هناك مَعْنَيان لفضيلة حفظ الإخوان:
- الأوّل، عندما يُظلَم أخوك، عليك أن تؤازره وتقف إلى جانبه؛
- الثاني، عندما يَظلِم أخوك، عليك أن تردعه وتعيده إلى الصواب.
كيف ترتبط هذه الفضيلة بأركان الوجود الثلاثة التي يتناولها هذا الفصل؟
"حفظ الإخوان" هي واحدة من فضائل مذهب التوحيد السبع، وهي تُعبّر عن أهمّيّة الحفاظ على عِرْض الطائفة وكرامتها؛ فعندما يكون كلّ فرد من أفراد الطائفة حريصًا ليس على كرامته فحسب، بل على كرامة الطائفة أيضًا، كذلك يكون حريصًا على إخوانه، أبناء الطائفة كلّها. وفي نهاية الأمر، تتجسّد فضيلة حفظ الإخوان في الدفاع عن الأرض والقُرى التي يسكنها أبناء الطائفة.
إثراءٌ
الفضائل السبع في مذهب التوحيد الدرزيّ
هي الفضائل السبع التي حدَّدَها دعاةُ مذهب التوحيد مع بداية الدعوة، في القرن ال 11 الميلاديّ، في القاهرة. التي تُحدِّد، بدَوْرها، إطارًا عامًّا للمؤمنين، بالنسبة إلى واجبات السلوك القويم في كلّ نواحي الحياة. هذه الفضائل هي: صدق اللسان؛ حفظ الإخوان؛ ترك عبادة العدَم والبهتان؛ البراءة من الأبالسة والطغيان؛ التوحيد للمولى في كلّ عصر وزمان؛ الرضا بفعله كيفما كان؛ التسليم لأمره في السرّ والحدثان.
بلوَرَت العلاقة بين أركان الوجود وفضيلة حفظ الإخوان القِيَم التوحيديّة الهامّة، ورسمَت طريق الموحّدين الدروز في نضالهم على مرّ الأجيال. فضيلة حفظ الإخوان تشمَل عدّة قِيَم جوهريّة، مثل: التضحية، قوّة القلب، الشجاعة والتصميم، التي ظهرت بشكل بارز في المعارك التي شارك فيها الموحّدون الدروز. الحفاظ على هذه الفضائل ساعد الموحّدين الدروز في الحفاظ على كيان الطائفة؛ ففي كلّ معركة عسكريّة شارك فيها أبناء الطائفة أبدى المحاربون
إبراهيم باشا (1789-1848):
هو الابن الأكبر لمحمّد عليّ باشا، حاكم مصر من قِبَل السلطان العثمانيّ. تمرّد محمّد عليّ في ثلاثينيّات القرن ال 19 م ضدّ العثمانيّين، وقاد ابنه، إبراهيم باشا حملة عسكريّة لاحتلال سورية، ثُمّ عُيِّن حاكمًا عليها.
*17*
مسؤوليّة والتزامًا، ودافعوا، ببسالة، أحدهم عن الآخر، ووقفوا صفًّا واحدًا، وكانوا على استعداد لأن يضحّوا بحياتهم من أجل إخوانهم. وليس عبثًا ما قاله الموحّدون الدروز لِعَدوِّهم الشرس، الفاتح المصريّ المعروف إبراهيم باشا، في أثناء إحدى المعارك ضدّه: "جيشك لمم، وجيشنا أولاد عمّ".
إثراءٌ
في الأصول التوحيديّة
قيلَ في فضيلةِ "حِفظ الإخوان":
"إذا أخطأَ ابنُ الطائفةِ، وإذا افتقرَ، فساعِدْهُ وبَرَّهُ؛
قريبًا كانَ أم بعيدًا، فأَصْلِحْهُ؛ وإذا مَرِضَ، فَعُدْهُ في مرضِهِ؛
وإذا ظُلِمَ، فدافِعْ عنْهُ؛ وإذا تُوُفّيَ قريبُهُ، فَعَزِّهِ؛
وإذا ظَلَمَ، فارْدَعْهُ؛ وإذا حَزِنَ وكَئِبَ؛ فشَجِّعْهُ وسَلِّهِ".
حفظ الإخوان
الدين
الأرض
العِرْض
*18*
إثراءٌ
حفظ الإخوان في أثناء الثورة السوريّة الكبرى
من التعابير الجميلة لتطبيق فضيلة "حفظ الإخوان" عند الموحّدين الدروز غيرةُ أبناء الطائفة ومسارعتهم إلى دعم إخوانهم في أثناء الثورة السوريّة الكبرى، ضدّ الانتداب الفرنسيّ، في جبل الموحّدين الدروز في سوريَة.
مع انتهاء الحرب العالميّة الأولى، في نهاية العقد الثاني من القرن ال 20 م، قُسِّمت أراضي الإمبراطوريّة العثمانيّة المهزومة بين كلّ من فرنسا وبريطانيا، وقد وُضعَت سوريَة ولبنان تحت الانتداب الفرنسيّ. كانت العلاقات، في البداية، بين الانتداب الفرنسيّ والأقلّيّة الدرزيّة في جبل الدروز هادئة، لكنّ الفرنسيّين فرضوا، بعد سنوات من بداية الانتداب، إجراءاتٍ تعسفيّةً مَسَّت باستقلاليّة الطائفة، وأثقلت الأعباء على كاهل أبنائها.
ومع مرور الوقت، زاد التذمّر والسخط في أوساط الطائفة. وفي عام 1925 م، أعلن الموحّدون الدروز الثورة ضدّ السُّلطات الفرنسيّة، التي قادها زعيم الموحّدين الدروز المعروف، المرحوم سُلطان باشا الأطرش. ولمّا سمع الموحّدون الدروز في لبنان بالثورة، سارعوا إلى تقديم المساعدة والوقوف إلى جانب إخوانهم. نجح الثوّار في أوْج الثورة في طرد الجنود الفرنسيّين من مواقع كثيرة في جبل الدروز. شارك مع الثوّار في سوريَة كذلك إخوانهم في بلادنا؛ حيث قام هؤلاء بتقديم مساعدات عينيّة ومادّيّة لهم، وفتحوا بيوتهم لاستقبال لاجئي الحرب. لكنّ الثورة لم تنجح، وتمّ إخمادها بعد مرور حوالي سنة، ومع هذا، ظلّ هذا الحدث نموذجًا لوَحْدة وأخوّة أبناء الطائفة الدرزيّة، وتكاتفهم من أجل قِيَم الطائفة وصمودها.
(يوجد صورتان في الكتاب استعن بالمعلم: مدفَن سُلطان باشا الأطرش (ر). صورة من الخارج، مدفَن سُلطان باشا الأطرش (ر). صورة من الداخل).
*19*
نُظِمَت قصائد وأناشيد تتغنّى ببطولة الموحّدين الدروز في سوريَة، بقيادة المرحوم سلطان باشا الأطرش. في ما يلي بعض المقطوعات المختارة من تلك الأناشيد الحماسيّة:
غير سُلْطانِ العَرَبْ ما في زَعيم عالي يا جَبَل حوران يا بُرْج مُعَمَّر بأركان فوقَك ما بِمُرّ الريحْ إلّا بْأَمِر من السُّلْطان
1. اِختاروا إحدى القِيَم الواردة في الصفحات 16-19، واشرحوا كيف ترتبط بكلّ واحد من أركان الوجود الثلاثة في الطائفة: الدين، الأرض والعِرْض.
2. أ. اِشرحوا العامل المشترك للقولَيْن التاليَيْن:
- "الموحّدون الدروز مثل طبق النحاس، أينما تدقّ عليه يرنّ"؛
- "جيشنا أولاد عمّ".
ب. كيف يُعبِّر كلّ قول عن القِيَم الكامنة في فضيلة "حِفظ الإخوان"؟
3. اُذكروا نموذجَيْن، من قريتكم، لتطبيق الموحّدين الدروز قِيَمًا هامّةً في حياتهم.
*20*
للإجمال
أركان الوجود الدرزيّ
1. اُذكروا كيف تُعبِّر الثورة السوريّة الكبرى (عام 1925) عن كلّ واحد من الاصطلاحات التوحيديّة الهامّة التالية:
- حِفظ الإخوان؛
- قوّة القلب والشجاعة؛
- الكرامة؛
- التمسُّك بالأرض.
2. اِقرأوا الادّعاء التالي، ثم أجيبوا عن الأسئلة التي تليه: "تضمّ أركان الوجود، الدين، الأرض والعِرْض، كلّ الفضائل التي يؤمن بها الموحّدون الدروز".
أ. هل توافقون على هذا الادعاء؟ علِّلوا.
ب. اِختاروا اثنتَيْن من القِيَم التالية:
تكافُل ومساعدة متبادَلة، القيام بأعمال الخير، قول الصدق والعمل من أجل الصدق، كرامة المرأة، التواضع، التسامح بين المتديّنين وغير المتديّنين.
اِشرحوا القِيَم التي اخترتموها. هل هي مرتبطة بالدين والأرض والعِرْض؟ كيف؟
3. تُعتَبَر فضيلة "حِفظ الإخوان" قيمة اجتماعيّة ورمزًا أخلاقيًّا في المجتمع الدرزيّ، لكن هناك من يدّعي أنّ تطبيق هذه الفضيلة في أيّامنا آخذٌ بالتلاشي؛ فالناس يقلّلون من التطوّع ولا يسارعون إلى العمل من أجل المصلحة العامّة.
قسِّموا أنفسكم إلى مجموعات واقترحوا تنفيذَ مشروع تطوّعيّ اجتماعيّ للشّبيبة، يمكن أن يُسهم في دعم المجتمع الدرزيّ: للصّفّ، للمدرسة، للقرية. اُذكروا في اقتراحاتكم أهدافَ المشروع، بالتفصيل، وطرقَ تنفيذه.
*21*
الأمير فخر الدين المعنيّ الثاني
كان الأمير فخر الدين المعنيّ الثاني، المُسمّى الكبير، (1572-1635 م.)، أحد كبار زعماء الطائفة الدرزيّة، وهو الذي تولّى الإمارة المعنيّة في عهد الإمبراطوريّة العثمانيّة، وعُيّن حاكمًا على جبل لبنان، ثمّ استولى على المُقاطَعات المجاورة ومناطق أخرى، واستمرّ حكمه 45 سنة.
(أربعة صور في الكتاب استعن بالمعلم)
علَم الإمارة المعنيّة
فخر الدين المعنيّ الثاني
قلعة الأمير فخر الدين الثاني في تدمر، سوريَة
قصر الأمير فخر الدين الثاني في دير القمر، لبنان
*22*
سيرة حياة الأمير المعنيّ
وُلد الأمير فخر الدين المعنيّ الثاني عام 1572م.، في بلدة بعَقْلين الواقعة على بعد 25 كلم جنوبَ بيروت، في جبال لبنان. هو الابن البكر للأمير قرقماز، والحفيد لمؤسّس الإمارة المعنيّة في جبال الشوف، الأمير فخر الدين المعنيّ الأوّل. والدته هي الستّ نسب، شقيقة الأمير سيف الدين التنوخيّ، ابن أسرة تنوخ المعروفة. كان للأمير فخر الدين أخ اسمه يونُس.
تسلَّم الأمير فخر الدين الثاني منصبَ حاكِم جبل لبنان، وزعيمِ الطائفة الدرزيّة والإمارة المعنيّة عام 1591 م. وكانت جبال الشوف في تلك الفترة خاضعةً لحُكْم الإمبراطوريّة العثمانيّة، التي عيَّنَت الأمير فخر الدين الثاني أميرًا عليها في المنطقة. امتاز الأمير بخصال قياديّة، وقام بكلّ واجباته بتَفانٍ وإخلاص، ومع كلّ هذا ساءت العلاقة بينه ومندوبي الإمبراطوريّة العثمانيّة، فتمّ تنفيذ حكم الإعدام فيه عام 1635 م.، حينما كان أسيرًا لدى العثمانيّين. يُعتبَر موت الأمير فخر الدين الثاني نهايةَ العهد الذهبيّ للإمارة المعنيّة في لبنان؛ حيث عُرفت تلك الفترة بأنّها إحدى أجمل وأكثر الفترات فخرًا في تاريخ لبنان والطائفة على حدّ سواء.
الإمبراطوريّة العثمانيّة:
كانت الإمبراطوريّة العثمانيّة قائمة منذ نهاية القرن ال 13 حتّى بداية القرن ال 20 م. امتدّت مناطق نفوذها من جنوب شرق أوروبّا إلى شمال إفريقيا، في الغرب وشبه الجزيرة العربيّة في الشرق، وكان مركزها تركيا. قُسّمت الإمبراطوريّة، التي أدارها حاكِم لَقَبُه "سُلْطان"، إلى ولايات إداريّة، نُصِّب على كلّ ولاية والٍ، كان مسؤولًا عن إدارتها وعن جباية الضرائب.
(صورة لشعار الإمبراطوريّة العثمانيّة).
إثراء
الأميرة الستّ نسب
تُعتبَرُ الستّ نسب (1546-1633 م.)، إحدى الأميرات التنوخيّات، زوجة الأمير قرقماز، وأمّ الأمير فخر الدين المعنيّ الثاني، وهي من النساء البارزات في تاريخ الطائفة الدرزيّة. اهتمّت الستّ نسب، بعد مقتل زوجها عام 1584 م.، بالحفاظ على حياة وَلَدَيْها فخبّئتْهُما عن عيون السُّلطات العثمانيّة، وهكذا أنقذَتْهُما. وعلى مدار سنوات طويلة، أدارت الستّ نسب شؤون الإمارة المعنيّة في لبنان، إلى جانب أخيها، سيف الدين التنوخيّ. بعد أنْ هدأت الأوضاع، تولّى ابنها، الأمير فخر الدين الثاني، الحُكْم، واستمرّت الستّ نسب بالاشتراك في الحُكْم وإدارة الإمارة بشكل فعّال.
*23*
الأحداث المركزيّة في حياة الأمير فخر الدين المعنيّ الثاني:
1516
الإمبراطوريّة العثمانيّة تحتلّ الشرق الأوسط وتقضي على الحكم المملوكيّ.
1517
الأمير فخر الدين المعنيّ الأوّل (جدّ الأمير فخر الدين الثاني) يُعيَّنُ أميرًا على جبل لبنان من قِبَل العثمانيّين، ويرسِّخ جذور سلالة مَعَن ومكانتها، كقيادة للطائفة الدرزيّة.
1572
ولادة الأمير فخر الدين المعنيّ الثاني في بلد بعقلين، في جبل لبنان.
1584
والد فخر الدين المعنيّ الثاني، الأمير قرقماز، يُقتَل في معركة مع حاكم مصر، إبراهيم باشا. الستّ نسب، والدة فخر الدين المعنيّ الثاني، تخبّئ ابنَيْها في بيت أحد المسيحيّين في لبنان.
1591
فخر الدين المعنيّ الثاني يُعيَّنُ أميرًا على جبل لبنان، ويتسلّم قيادة الطائفة الدرزيّة والإمارة المعنيّة.
1591-1613
الأمير فخر الدين المعنيّ الثاني يُرَسّخ حُكمه، يحظى بدعم السلطان العثمانيّ وسكّان المنطقة، ويوسِّع رقعة الإمارة المعنيَّة. الولاة المجاورون يناصبونه العداء ويحسدونه على نجاحه.
1608-1613
الأمير فخر الدين يُعزّز العلاقات التجاريّة، الثقافيّة والعسكريّة مع أمراء توسكانيا، في إيطاليا، أبناء عائلة مديتشي المعروفة، ويعقد معهم اتّفاقيّات، ويوسِّع مناطق نفوذه وحكمه، حتّى جبال صفد والجليل الأسفل ومنطقة بيسان ونابلس.
1613
السلطان العثمانيّ يخشى من تعاظُم قوّة الأمير فخر الدين ويوجِّه جيشًا كبيرًا من عشرات آلاف المقاتلين لمحاربته. الأمير فخر الدين المهزوم يخرج إلى المنفى عند أصدقائه في إيطاليا.
1613-1618
الأمير فخر الدين يصل إلى إيطاليا ويمكث في ضيافة أصدقائه الإيطاليّين، أبناء عائلة مديتشي.
1618
الأمير فخر الدين يعود إلى لبنان بعد تغيُّر الحكم في الإمبراطوريّة العثمانيّة. وقد ناب عنه في الحكم خلال غيابه أخوه وابنه، لكنّ مناطق نفوذ الإمارة تقلّصت في هذه الفترة.
1618-1632
الأمير فخر الدين يسترجع المناطق التي فُقدت، يقوّي الإمارة ويبني أكثر من أربعين قلعة في أماكن مختلفة، وتعود الإمارة إلى عظَمتها السابقة.
1632
السلطان العثمانيّ يخشى من المكانة القويّة التي وصل إليها الأمير فخر الدين، ويقرّر إعلان حرب شاملة للقضاء عليه. العثمانيّون ينتصرون ويقبضون على الأمير فخر الدين وأخيه، يونس، في دمشق، ويعدمون الأخير في السجن.
1635
إعلان تمرّد جديد ضدّ العثمانيّين قاده ابن يونس، ابن أخ فخر الدين المعنيّ الثاني. أخبار التمرُّد تغيظ السلطان الذي يقرّر إعدام الأمير فخر الدين وأولاده في إسطنبول.
*24*
زعامة الأمير فخر الدين المعنيّ الثاني
كان الأمير فخر الدين المعنيّ الثاني قويًّا وصلبًا، استطاع أن يحقِّق أهدافه بعزم وإصرار وصمود وعناد أمام أعدائه ومعارضيه. تمكّن الأمير، بفضل هذه الخصال، من تحقيق إنجازات كبيرة في منصبه كوالٍ، لكنّ كثيرين من المواطنين عانوا، أحيانًا، وطأة حُكمه القاسي.
يُعتبَر الأمير فخر الدين "رجل المتناقضات"؛ فمِن جهة، دَعَم الفقراء، دعاهم إلى قصره، وقضى معهم بعض الوقت؛ ومن جهة أخرى، عاش حياة بَذْخ وثَراء في قصور فخمة، بُنيَت خصّيصًا من أجله. من ناحية، ساد الإمارة في أيّامه شعور بالأمن والطمأنينة؛ حيث قلّ الإجرام وكان التنقُّل في الطرقات آمنًا وحُرًّا، ومن ناحية ثانية، كان حُكْم الأمير تَعَسُّفيًّا وشديدًا على مواطنيه. بالإضافة إلى ذلك، امتاز الأمير في ساحة المعركة فكان قائدًا عسكريًّا واثقًا بنفسه ومُتّزنًا، ونجح، من خلال معاملاته، في أنْ يبني علاقات شخصيّة جيّدة، وعُرف بصداقاته القويّة. في الوقت نفسه أظهر تُجاه معارضيه، في الداخل، معاملة قاسية وأحيانًا وحشيّة، وقد قام بتصفية عدد منهم بلا رحمة.
أمّا بالنسبة إلى صِلَته بمذهب التوحيد، فلم يكُن الأمير فخر الدين الثاني رجل دين (شيخ)، ولم يتعمّق في دراسة تعاليم المذهب، ثمّ إنّ الكثيرين من مواطنيه ادّعوا أنّه لم يؤدِّ الفرائض الدينيّة. مع كلّ هذا، اهتمّ الأمير المعنيّ بإخوانه، أبناء الطائفة الدرزيّة، وعاش مُعتزًّا بهويّته، فمثلًا: لمّا حَلَّ ضيفًا لدى أبناء مديتشي، في إيطاليا، كان يُكثر من الحديث بفخر مع مضيفيه عن التراث الدرزيّ العريق. بالإضافة إلى كل ذلك، كان الأمير فخر الدين معروفًا بعلاقته الطيّبة مع خاله، الشيخ بدر الدين العنداريّ التنوخيّ، وهو أحد كبار المشايخ في عصره.
(يوجد صورة لقصر الأمير فخر الدين المعنيّ الثاني في بلدة دير القمر، جبال الشوف. نقل الأمير فخر الدين المعنيّ الثاني مقرَّ عاصمته من مسقط رأسه، بعقلين، بسبب نقص المياه، إلى بلدة دير القمر في قلب جبل لبنان، وهناك حَكَم على مدار 45 سنة، بنى فيها قصره، قصر فخر الدين المعنيّ الثاني، الذي أصبحَ اليوم متحفًا. يَقَع بجانب قصر فخر الدين قصرُ أخيه، يونُس.
*25*
حقَّق الأمير فخر الدين الكثير ض الإنجازات. نذكر منها:
1. التطوير في البناء، التجارة والعلاقات الخارجيّة
في عصر الأمير فخر الدين حدَث تطوُّر كبير وتقدُّم هائل في مجال البناء، الصناعات الخفيفة، التجارة، التطوير والعلاقات الخارجيّة. هدَفَت مخطّطاته إلى تحويل الإمارة المعنيّة نَحْو قوّة رائدة ومؤثِّرة في اقتصاد الشرق الأوسط. لهذا الغرض بادر، منذ بداية حكمه، إلى ترميم الحصون والقلاع وبناء أُخرى جديدة، وبنى القصور والحدائق الغنّاء، والمدارس والمؤسّسات التعليميّة، كما أقام الجسور، ونفّذ مشاريعَ استخراج المياه وَنَقْلِها. بالإضافة إلى كلّ ذلك، عمل الأمير كلّ ما في وسعه من أجل إنعاش معيشة مواطنيه وتحسين أحوالهم، وزيادة أمنهم الشخصيّ، فقام بتخفيف أعباء الضرائب، وقدّم منحًا ماليّة ودعمًا مادّيًّا للمزارعين والتجّار المحلّيّين، عبّد الطرقات، رمّم موانئ عكّا وصيدا وبيروت ووسّعها، وفّر إرشادات للمزارعين المحلّيّين حول كيفيّة زيادة إنتاجهم باستعمال طرق حديثة، اكتسبها في أثناء إقامته في إيطاليا. وفوق ذلك كلّه، وثّق الأمير المعنيّ علاقات الإمارة الخارجيّة، خاصّة مع زملائه الأوروبّيّين.
لم تتأخّر النتائج في الظهور، فقد ازداد، بقدر كبير، تصدير الإمارة التنوخيّة للمنتَج الزراعيّ إلى أوروبّا، وتحوّلت موانئ بيروت وصيدا في لبنان، وميناء عكّا في بلادنا، إلى مراكز تجاريّة نشطة، وأصبحت الإمارة عاملًا هامًّا في الصعيد الدوليّ، وحلقة وَصْل بين الحُكم العثمانيّ والعالم الأوروبّيّ المتجدِّد. وبفضل الأمير فخر الدين، تعرّفت الشعوب الأوروبّيّة إلى الطائفة الدرزيّة وزعمائها وتقاليدها.
إثراءٌ
قصر الأمير فخر الدين المعنيّ الثاني في بيروت
خلال فترة منفاه في إيطاليا، تأثّر الأمير فخر الدين المعنيّ الثاني بأساليب البناء والهندسة فيها، فبنى، بعد عودته إلى لبنان، بجانب أسوار بيروت قصرًا على الطراز المعماريّ في توسكانا. ضمّت منطقة القصر عدّة مبانٍ وساحات وإسطبلات للخيول، وتوّج كل ذلك الحدائق الغنّاء والبرج العالي الذي أشرف على بيروت. وقد قيل إنَّ الأمير اعتاد أن يصعد إلى قمّة البرج، ويطيل النظر إلى أرجاء المدينة ويتأثّر بجمالها. وقيل إنّ الحجارة التي استعملها الأمير فخر الدين في بناء هذا القصر أخذها من قصر غريمه، حاكِم شمال لبنان، ابن سيفا، بعد أن انتصر عليه في معركة وقعت بالقرب من طرابلس، عام 1620 م.
بسبب الحروب الكثيرة التي مرّت على لبنان، منذ ذلك الوقت ومع مرور السنين، لم يبقَ أيّ أثر، تقريبًا، للقصر وحدائقه. تقع هناك اليوم ساحة تُسمّى "ساحة الشهداء"، استخدمها العثمانيّون لتنفيذ عمليّات إعدام علنيّة بحقّ مواطنين سوريّين ولبنانيّين معارضين لهم، في القرن ال 20 م.
*26*
2. تحقيق العدالة الاجتماعيّة والتسامح الدينيّ
انتهج الأمير فخر الدين سياسة المساواة الكاملة بين سكّان الإمارة جميعهم، في المكانة والحقوق والواجبات، ولم يفضِّل أيّ فئة لِدينها أو أصلها (حتّى الدروز لم تكن لهم أيّ أفضليّة على الآخرين). كانت هذه السياسة عاملًا في استتباب الهدوء والاستقرار في أرجاء الإمارة، وفتحت المجال للتطوّر الاقتصاديّ الكبير فيها.
حظي المواطنون المسلمون واليهود والمسيحيّون المارونيّون في أيّام الأمير، وتحت الإدارة التوحيديّة الدرزيّة، بحُرّيّة دينيّة كاملة، في كلّ ما يتعلّق بالطقوس الدينيّة وإقامة دور العبادة. شجّع الأمير سكّان شمال لبنان من المارونيّين على أن ينتقلوا إلى الجنوب ويندمجوا مع السكّان الدروز، كما وقدّم تبرّعًا ماليًّا لترميم كنيسة البشارة، في مدينة الناصرة، وتوسيعها. وقد ذاع صيت الأمير في أوروبّا، وعُرِف عنه تسامحه ودعمه للمسيحيّين، فأُطلِق عليه في أوروبّا لقب "حامي المسيحيّين في الشرق".
حافظ الأمير على حرّيّة الطقوس الدينيّة لدى المواطنين المسلمين، وشجّع بناء المساجد في إمارته. واهتمّ كذلك، وبصورة خاصّة، بحقوق المواطنين اليهود وحافظ على أمنهم وسلامتهم، كما عَيّن بعض البارزين منهم في وظائف هامّة في إمارته.
تخليدًا وتقديرًا للأمير فخر الدين المعنيّ الذي أعطى للآباء الفرنسيسيّين بيت مريم وللأب دانوفارا حارس الأراضي المقدّسة الذي استلم منه هذا المكان ملكًا شرعيًّا أقام الآباء الفرنسيسيّون في هذا الدير هذا التمثال في المكان عينه لذكرى مرور ثلاثمائة وخمسين سنة على هذا الحدث التاريخي 1970
المسيحيّون المارونيّون:
طائفة مسيحيّة، تعود تسميتها إلى الراهب القدّيس مارون، الذي عاش في القرن ال 5 م. بدأت المارونيّة طريقها فرعًا من الكنيسة الأورثوذكسيّة، واندمجت، في القرن ال 12 م.، مع الكنيسة الكاثوليكيّة وأصبحت تحت رعاية البابا ولفاتيكان. المارونيّون، اليوم، هم طائفة دينيّة، يبلغ عدد أبنائها حوالي ثلاثة ملايين، ومركزها الرئيس في لبنان، حيث يعيش حوالي مليون مارونيّ، يشكّلون حوالي 20 بالمئة من سكّان الدولة.
(يوجد صورة لكنيسة البشارة، في الناصرة، 2015).
كانت كنيسة البشارة، قبل عهد الأمير فخر الدين المعنيّ الثاني مهجورة، وفي عام 1620 أسهم الأمير في بنائها وترميمها من جديد، وبنى إلى جانبها مسكنًا للرّهبان. تقديرًا لإسهامه في ترميم الكنيسة، نُقشت كلمات شكر له على مدخلها. وما زال هذا النقش موجودًا حتّى اليوم.
*27*
3. تشجيع العلوم ودعمها
دعَم الأمير فخر الدين المفكّرين ورجال الدين والمثقّفين في مجالات العلم كافّةً، وحثّهم على توسيع ثقافتهم والاهتمام بالبحث العلميّ. كما شجّع إقامة مؤسّسات التعليم والثقافة في إمارته، وتأسست في عهده أوّل مطبعة في لبنان. نتيجة لأعماله ونشاطاته الكثيرة، ازدهرت الثقافة في المنطقة، وظهر عدد من المفكّرين الدروز ذوي الأهمّيّة الكبرى، من بينهم: الشيخ محمّد أبو هلال، المعروف بالشيخ الفاضل (ر)، والشيخ محمّد عبد المالك الأشرفانيّ (ر).
الشيخ محمّد أبو هلال المعروف بالشيخ الفاضل (ر)، 1577-1640م:
شخصيّة مثاليّة ومشهورة في تاريخ الطائفة التوحيديّة الدرزيّة. اختير رئيسًا روحيًّا أعلى للموحّدين الدروز في لبنان. وثّق الشيخ الفاضل تعاليم وآدابًا هامًّة، ونَظَم الأشعار الدينيّة وخصّص جزءًا كبيرًا من وقته لتربية النشْء الجديد.
الشيخ محمّد عبد المالك الأشرفانيّ (ر):
شيخ ومؤرّخ هامّ من أبناء الطائفة الدرزيّة، عاش في القرن ال 7م، أهمّ مؤلّفاته كتاب عُمدة العارفين الذي يضمّ قصصًا ونصوصًا كثيرة عن الأنبياء (ع) وعن مذهب التوحيد.
(يوجد صورة لمزار الشيخ الفاضل (ر)، كفر سميع).
4. الإمارة كوحدة سياسيّة كبرى موحّدة
اعتمد حكم الأمير فخر الدين المعنيّ، بشكل أساسيّ، على قوّاته العسكريّة الكبيرة والقويّة، إذ ضمّ جيشه حوالي 40 ألف جنديّ، وكذلك عشرات آلاف الشباب اللبنانيّين المتطوّعين من المذاهب كافّة، الذين جُنّدوا لدعم الجيش في أوقات الحروب والأزمات. تمكّن الأمير، بفضل جيشه، من تعزيز سيطرته على جبل لبنان، الذي كان يُعرَف باسم "جبل الدروز"، واستطاع أن يوسّع مناطق نفوذه إلى سوريَة وأرض إسرائيل. برَز لبنان، في أيّام الأمير فخر الدين المعنيّ، وكان إطارًا سياسيًّا مستقلًّا وموحَّدًا، ذلك كلّه بالرغم من تعدُّد طوائف هذا البلد ودياناته. ولهذا السبب ما زال عدد كبير من مواطني لبنان، اليوم، يحترمون شَخْص الأمير المعنيّ الثاني، يبجّلونه ويعتبرونه أحد أكبر الزعماء في تاريخ الطائفة الدرزيّة، وفي تاريخ لبنان والشرق الأوسط كلّه. وليس عبثًا أنّه يُلقّبُ بمؤسِّس لبنان الحديث.
*28*
اِقرأوا المحور الزمنيّ، صفحة 23، واختاروا حدثًا منه، تعتقدون أنّه كان الأكثر أهمّيّة، أو أنَّكم ترغبون في دراسته.
1. اِشرحوا لماذا اخترتم هذا الحدث بالذات.
2. ماذا كان، حسب رأيكم، دَوْر الحدث الذي اخترتموه في استقرار حياة الأمير فخر الدين الثاني، وفي حياة الموحّدين الدروز وبقيّة السكّان في لبنان؟
3. إلى أيّ مدًى أسهم الأمير فخر الدين المعنيّ الثاني في الحفاظ على أركان الوجود كلّها في الطائفة الدرزيّة؟ اِشرحوا بناءً على ما وَرَد أعلاه.
4. هناك من يدّعي أنّ الأمير فخر الدين لم يواظب، بشكل كافٍ، على تطبيق مبادئ مذهب التوحيد الدرزيّ.
أ. ما رأيكم في هذا الادّعاء؟
ب. ما هي الفضائل التوحيديّة الدينيّة التي قام الأمير فخر الدين بتطبيقها في أثناء حُكْمة؟
5. عمل الأمير فخر الدين المعنيّ، بشكل نشط، في شؤون الإمارة الداخليّة والخارجيّة.
أ. اُذكروا نموذجَيْن لأعماله في الشؤون الداخليّة، ونموذجَيْن لأعماله في الشؤون الخارجيّة.
ب. أيُّ من أعماله، أسهمت أكثر من غيرها، في رَفْع اسم الموحّدين الدروز في العالم واحترامهم؛ الأعمال الداخليّة أم الخارجيّة؟ علِّلوا.
6. أ. ما هو أكبر إنجاز للأمير فخر الدين المعنيّ الثاني، حسب رأيكم؟ علِّلوا.
ب. اِعْرضوا انتقادَيْن، على الأقلّ، وُجِّها ضدّ الأمير، وأعْرِبوا عن رأيكم: هل هما بحقّ؟ لماذا؟
*29*
الشيخ بشير جنبلاط
الشيخ بشير جنبلاط (1775-1825 م.) كان أحد كبار الزعماء الموحّدين الدروز في لبنان، وذا مكانة هامّة في الشرق الأوسط كلّه. حارب الشيخ بشير بإخلاص وبطولة من أجل الموحّدين الدروز، في فترة برَزَت فيها اضطرابات طائفيّة ونزاعات سياسيّة في جميع أرجاء لبنان، وقد دفَع حياته ثمنًا في صراعه مع غريمه الطاغية، الأمير بشير الشهابيّ الثاني. يُذكر الشيخ بشير جنبلاط في التاريخ كمن ناضل من أجل الحفاظ على أركان الوجود الدرزيّ، وعلى استمرار وجود الطائفة مستقبلًا.
(يوجد صورتان في الكتاب استعن بالمعلم: رسم توضيحيّ لقرية المُختارة، قرية المُختارة اليوم. المصدر: DiscoverLebanon.com)
*30*
سيرة حياة الشيخ بشير
وُلد الشيخ بشير جنبلاط في قرية بَعْذَران، في جبال الشوف، في لبنان. هو ابنٌ لعائلة جنبلاط، والابن الأوسط من بين أبناء الشيخ قاسم جنبلاط الثلاثة، وحفيدٌ للشّيخ رَباح جنبلاط. بَرَز في شبابه فكان قائدًا للطائفة الدرزيّة في جبل لبنان، في فترة الحُكم الفعليّ للأمير بشير الشهابيّ الثاني (1767-1850 م.). في بداية تلك الفترة، سادت المنطقة علاقات ودّيّة وتفاهم بين البَشيرَيْن، حيث تعاونا، عدّة مرّات، واتّحدا في العمل ضدّ والي قضاء صيدا العثمانيّ، أحمد باشا الجزّار، الذي اشتهر بكونه سفّاحًا وطاغية. لكنّ العلاقة بينهما تضعضعت بعد موت الجزّار، عام 1804 م.، ووقعت بين البَشيرَيْن خلافات شديدة.
وصَلت الخلافات بين الأميرَيْن ذروتها في حادثة "المختارة"، عام 1825 م.، إذ قام الأمير بشير الشهابيّ بإرسال جيش كبير، مُكوّن من جنوده ومن آلاف المقاتلين العثمانيّين، واحتلّ المناطق التي تحت سيطرة الشيخ بشير جنبلاط، وقام بنهب القرى الدرزيّة وبمصادرة أملاك سكّانها. في عام 1825 م.، أُعدمَ الشيخ بشير جنبلاط شنقًا في عكّا، وكان ابن خمسين سنة فقط. نقَل وجهاء من الموحّدين الدروز من قرية يركا، وفي مقدّمتهم الشيخ مرزوق سعيد معدّي، جثمانَ الشيخ بشير جنبلاط إلى قريتهم وأعدّوا له جنازة كبيرة، ثمّ دفنوه في مقبرة القرية الشماليّة، بجانب ضريح الشيخ أبي السرايا غنايم (ر)، الذي كان أحد كبار الدعاة في المنطقة.
جبال لبنان:
هي سلسلة الجبال المركزيّة والعليا في لبنان، حيث تمتدّ على طول 160 كلم من وسط لبنان. يصِل ارتفاع أعلى قمّة فيها إلى ثلاثة آلاف متر فوق سطح البحر. كان الجبل وسفوحه، خاصّة جبال الشوف في جنوب شرق بيروت، هدفًا لاستيطان الدروز، ابتداءً من القرن ال 11 الميلاديّ.
(يوجد صورة لساحة مقبرة القرية الشماليّة التي دفن فيها الشيخ بشير جنبلاط، في يركا).
*31*
أمامكم محور زمنيّ، يلخِّص الأحداث المركزيّة في حياة الشيخ بشير جنبلاط:
1775
ميلاد الشيخ بشير جنبلاط، الذي أصبح في شبابه زعيمًا للطائفة الدرزيّة في لبنان، في قرية بعذران.
1788
الأمير بشير الشهابيّ الثاني يتسلّم قيادة منطقة جبل لبنان، ويصبح حليفًا للشّيخ بشير جنبلاط.
1791-1793
الشيخ بشير يقود الموحّدين الدروز في تمرّد ضدّ العثمانيّين، رافضًا دفع الضرائب الباهظة التي فرضها والي قضاء صيدا العثمانيّ، أحمد باشا الجزّار.
1794-1796
والي قضاء صيدا، الجزّار، يقبض على الشيخ بشير جنبلاط وإخوته: حسن، فارس وناصيف، ويسجنهم في عكّا.
1799
الجيوش الفرنسيّة، بقيادة نابليون بونابرت، تحاصر مدينة عكّا وتحاول احتلالها، لكنّ الحصار يفشل.
أواخر القرن ال 18 للميلاد
الموحّدون الدروز يصبحون أقلّيّة في جبل لبنان، مقابل الأغلبيّة المسيحيّة المارونيّة التي تكاثرت وازدادت.
1804
موت أحمد باشا الجزّار وظهور خلاف شديد بين الشيخ بشير جنبلاط والأمير بشير الشهابيّ الثاني.
1807
تعيين الأمير بشير الشهابيّ الثاني، رسميًّا، واليًا للعثمانيّين في جبل لبنان وفرض ضرائب جديدة أثقلت كاهل الموحّدين الدروز.
1811
الشيخ بشير جنبلاط يحتضن 400 عائلة درزيّة ويرعاها، حيث اضطرّت إلى النزوح من الجبل الأعلى في سوريَة، بعد أن طاردتها السُّلطات العثمانيّة المحلّيّة.
1822
الأمير بشير الشهابيّ الثاني يدعم والي صيدا في محاولة للتّمرّد على العثمانيّين والسيطرة على مدينة دمشق. السُّلطان العثمانيّ ينتصر في هذه المعركة، وينفي الأمير بشير الشهابيّ إلى مصر، ويبقى الشيخ بشير جنبلاط، في هذه الفترة، الزعيم الأقوى في جبل لبنان.
1825
يوم "المختارة": بشير الشهابيّ والعثمانيّون يهاجمون معاقل الشيخ بشير جنبلاط، يسلبون القرى الدرزيّة وينهبون أملاكها، ويعدمون الشيخ بشير وكان ابن 50 سنة.
1. قسِّموا المحور الزمنيّ إلى ثلاث فترات أو أربع، واختاروا اِسمًا لكلّ فترة.
2. بناءً على ما وَرَد في هذا الفصل، في أيّ سنة حدث تحوُّل في تعامُل الأمير بشير الشهابيّ
مع الشيخ بشير جنبلاط؟ كيف قرّرتم ذلك؟
*32*
الشيخ بشير جنبلاط - شخصيّته وإنجازاته
كرّس الشيخ بشير جُلّ حياته للنضال في سبيل الطائفة الدرزيّة في لبنان، ومن أجل سكّان لبنان كافّة. يُوصَف في تاريخ الطائفة بأنّه كان زعيمًا قويًّا، تمتَّع بمؤهّلات ومواهب قياديّة، وتوفّرت لديه شروط الزعامة كلّها. وكان قائدًا عسكريًّا شديد المراس، قاد الطائفة الدرزيّة في لبنان في فترة محفوفة بالمخاطر، وتحت حُكّام أجانب وشديدي العداء. وُجّهت انتقادات إلى الشيخ بشير من عدد من المعارضين والخصوم، حيث ادّعوا بأنّه عامل قسمًا من أبناء الطائفة الدرزيّة بقسوة وضراوة، فأدّى ذلك إلى خلق صراع داخليّ بين العائلات الدرزيّة.
نركّز، في الصفحات التالية، على المَيْزات الأساسيّة لشخصيّة الأمير بشير وإنجازاته:
1. المؤهّلات القياديّة للشّيخ بشير
عُرف الشيخ بشير جنبلاط بشجاعته طيلة حياته، إذ كان زعيمًا قويًّا وذا أهمّيّة، يوفِّق بين التطرُّف والاعتدال، وبين الكفاح والوفاق. بفضل هذه الخصال، استطاع أن يجمع حوله عددًا كبيرًا من أبناء طائفته ويوحّدهم، وبذلك عزَّز قوّته في وجه أعدائه، وبهذه الطريقة، أيضًا، أسهم إسهامًا كبيرًا في تعزيز فضيلة "حفظ الإخوان". وضَع الشيخ بشير نُصب عينيه مَهمّة الحِفاظ على مركز الطائفة الدرزيّة القويّ، لكنّه لم يستطع أن يُحافظ، دائمًا، على وَحْدة الصفّ داخل الطائفة، وتشهد على ذلك الخصومات والنزاعات التي نشبت، عدّة مرّات، بين الكثير من العائلات الدرزيّة في جبل لبنان.
يمكن أن نتعلّم عن قدرات الشيخ بشير القياديّة وطابعِها من الحدث التالي:
لمّا فرض والي قضاء صيدا، أحمد باشا الجزّار، الضرائبَ الباهظة على سكّان لبنان، اجتمع مشايخ الطائفة الدرزيّة في جبل لبنان لإيجاد مخرج من هذا المأزق، فبَرَز من بين هؤلاء الشيخ بشير جنبلاط، وكان جريئًا وشجاعًا، ولا يزال شابًّا، فصاح قائلًا: "لن نقبل بهذه الإجراءات!". حظي الشيخ بشير بدعم مشايخ الطائفة الدرزيّة كافّة، الذين قاموا بتجنيد الشباب وأعلنوا عن تمرّدهم على الوالي. استطاعت القوّات الدرزيّة أن تتحصّن في جبل لبنان، وأن تضرب قوّات الجزّار. ومع الوقت، عقد الجزّار هدنة مع الشيخ بشير والثوّار الذين كانوا إلى جانبه. أدّى هذا الحدث إلى رفع مكانة الشيخ بشير وقيمته بين سكّان جبل لبنان، وأُطلق عليه لقب "عمود السماء" لقوّته وبأسه، ولكونه صاحب عقيدة وإيمان، فلم يَخَفْ من الموت. بعد موت الوالي العثمانيّ، الجزّار، سنة 1804 م.، تعزّزت مكانة الشيخ بشير أكثر، وأضحى أحد أكبر الزعماء القياديّين في جبل لبنان ورئيسًا للطائفة الدرزيّة فيه.
*33*
كان الشيخ بشير ذا قدرة وحدس سياسيّ قويّ، وكلّما بادر إلى وضْع أيّ خطّة عمل كان يأخذ بالحسبان الاعتبارات والامكانيّات كافّة، وكان يعرف متى يعقد الهدنة، ومتى يتمسّك برأيه، ومتى يتّخذ موقفًا صارمًا، ومتى يُفضّل الوقوف على الحياد. من بين الأمثلة على هذه القدرات الحادثة التي وقَعَت حين حاول القائد الفرنسيّ، نابليون بونابرت، أنْ يحتلّ منطقة لبنان الواقعة تحت حُكْم الإمبراطوريّة العثمانيّة آنذاك، والتي عانت من الضعف والتضعضُع عام 1799 م. فلمًا وصَلَت جيوش نابليون إلى منطقة الجليل، فَرَض الأخير حصارًا على مدينة عكّا وطلب أن يجنّد إلى صفوفه سكّان لبنان، ومن بينهم أبناء الطائفة الدرزيّة، لكنّ الشيخ بشير حافظ على موقفه الحياديّ، بأسلوبه المعتدل، وحال دون انجراف الموحّدين الدروز إلى داخل النزاع، واستطاع أنْ يحافظ على توازن القوى الحسّاس في جبل لبنان، حتّى بعد انسحاب نابليون من المنطقة.
نابليون بونابرت (1769-1821 م.)
قيصر فرنسا وحاكمها، قائد عسكريّ مِغوار، اعتُبر أحد الشخصيّات البارزة في القرن ال 19 الميلاديّ. رسّخ وجود فرنسا فكانت دولة كبرى وإمبراطوريّة عظمى. طمح نابليون إلى الاستيلاء على أرض إسرائيل ولبنان وسوريَة، التي كانت تحت حُكْم الإمبراطوريّة العثمانيّة الآخذة بالتضعضع. وفي أواخر القرن ال 18 الميلاديّ، غزا القيصر الفرنسيّ بلادنا وحاصر مدينة عكّا، لكنّه لم ينجح في دخولها فتنازل عن مخطّطاته وانسحب.
(يوجد صورة لمقاتلون دروز خلال فترة حكم الشيخ بشير جنبلاط)
*34*
إثراء
عائلة "جنبلاط"
انحدر الشيخ بشير من عائلة جنبلاط، وهي عائلة درزيّة لبنانيّة، معروفة. وقد أنجبت، على مدار قرون، عددًا من الشخصيّات الرائدة والزعماء الدروز الذين تصدّروا قيادات لبنان، وما زالت، حتّى اليوم، شخصيّات جنبلاطيّة رائدة تشغل مناصب مركزيّة وهامّة في دولة لبنان.
وصَلَت عائلة جنبلاط إلى جبال لبنان في القرن ال 15 الميلاديّ. وهناك اعتقاد بأنّها كانت تحمل اسم "جان بولاد"؛ ومعناه: المِقْدام؛ صاحب الروح الحديديَّة. وفي هذا إشارة إلى الشجاعة التي امتاز بها أبناء هذه العائلة، والاحترام الكبير الذي اكتسبوه. نذكر، في ما يلي، بعضًا من الشخصيّات الجنبلاطيّة المعروفة:
- فؤاد جنبلاط (1885/6-1921 م.): زعيم منطقة جبال الشوف في لبنان، في أواخر العهد العثمانيّ وبداية عهد الانتداب الفرنسيّ.
- الستّ نظيرة جنبلاط (1890-1951 م.): زوجة فؤاد جنبلاط، أدّت دورًا قياديًّا هامًّا في الإدارة اللبنانيّة، ونالت مرتبة مرموقة واحترامًا كبيرًا في الفترة التي وَصَل فيها الرجال، فقط، إلى مراكز قياديّة، وتمكّنت من الحِفاظ على الطائفة بعد موت زوجها المُبكِّر.
- كمال جنبلاط (1917-1977 م.): ابن نظيرة وفؤاد جنبلاط. شخصيّة سياسيّة بارزة ومُعتَبَرة في لبنان والعالم أجْمَع. كان واسع الثقافة والآفاق، وقد أسّس الحزب التقدّميّ - الاشتراكيّ في لبنان، وأشغل مناصبَ راقية في البرلمان والحكومة اللبنانيَّيْن.
- وليد جنبلاط (وُلد عام 1949 م.): ابن كمال جنبلاط. سياسيّ لبنانيّ، رفيع المستوى. تسلّم مكان والده قيادة الحزب التقدّميّ - الاشتراكيّ وزعامة الطائفة الدرزيّة في لبنان.
اِعتمِدوا على مصادر معلومات مختلفة واكتبوا تفاصيل عن شخصيّتَيْن بارزتَيْن من عائلة جنبلاط.
*35*
2. الشيخ بشير جنبلاط؛ شخصية توحيديّة درزيّة
آمن الشيخ بشير بوجوب الحفاظ على مذهب التوحيد الدرزيّ وعلى معتقدات الموحّدين الدروز وتقاليدهم وعاداتهم. ولكي يضمن مركزًا راقيًا لهؤلاء باعتبارهم طائفة دينيّة في لبنان، كان عليه أن يواجه القوى الأجنبيّة والزعماء المعادين، خلال سنين قيادته، هذا كلّه بالإضافة إلى الفِتَن الداخليّة في الطائفة.
مع ذلك كلّه، وبالإضافة إلى انشغاله بمركزه القياديّ الرفيع واهتمامه بالأمور السياسيّة والإداريّة والمدنيّة، قرّر الشيخ بشير أن يتبحّر في مذهب التوحيد وينضمّ إلى صفوف رجال الدين، رسميًّا، فأصبح شيخًا عام 1814.
سعى الشيخ بشير نحو تحقيق حرّيّة الموحّدين الدروز في العبادة والصلاة، في ظلّ السُّلطات العثمانيّة، فناضل من أجل تثبيتهم في أراضيهم في حبل لبنان والمناطق المجاورة له. وقد أطلِق عليه، لمكانته، لقب "عمود السماء". ويشير هذا اللقب إلى أنَّ الشيخ بشير كان رمز فخر واعتزاز للموحّدين الدروز، وأنَّه كان على استعداد دائم لأن يكافح من أجل مبادئ الطائفة وقِيَمِها.
يدلّنا الحدث التالي على تمسُّك الشيخ بشير بفضيلة "حفظ الاخوان" وتطبيقه لها؛ فقد استقبل، عام 1811، بقلب واسع وصدر رحب، أكثر من 400 عائلة درزيّة اضطرّت إلى الفرار من الجبل الأعلى في حلب في سوريَة واللجوء إلى جبل لبنان. تلك العائلات عانت من مطاردة الوالي العثمانيّ وظلمه حتّى أصبحت حياتها لا تُطاق، فقام الشيخ بشير، بدعم من الأمير بشير الشهابيّ، باستيعابها في جبل لبنان وتأمين الملجأ والحماية لأبنائها، ثمّ توطينهم في المنطقة وتلبية جميع طلباتهم.
(يوجد صورة في الكتاب شرح بواسطة المعلم)
أسكن الشيخ بشير جنبلاط 400 عائلة درزيّة فرّت من منطقة حلب، في سوريَة، جبالَ الشوف.
*36*
3. مساعدة المحتاجين
منذ شبابه، عُرف الشيخ بشير بأخلاقه وقِيَمه، فقد آمن بالجوار الحسن وبمساعدة الفقير والضعيف، تبعًا لتعاليم مذهب التوحيد الدرزيّ. أصرّ الشيخ بشير، خلال سنوات زعامته للطائفة الدرزيّة، على أنْ يهتمّ بالبُسطاء وعامّة الشعب؛ لم يُفرّق بين أصحاب الأراضي والعائلات الثريّة والفلّاحين من الموحّدين الدروز الذين اشتغلوا في الأراضي، وقَدَّم، مرّات عديدة، معونات لفقيري الحال والمحتاجين الذين ترنّحوا تحت عبء الضرائب الباهظة. فمثلًا: في أيّام الوالي العثمانيّ، الجزّار، قدّم الشيخ بشير، الذي كان ميسور الحال، منحًا وتبرعات لإخوته من أبناء الدروز، وكثيرًا ما دفع الضرائب عنهم بنفسه. دعَم الشيخ بشير، بأمواله، الأمير بشير الشهابيّ، قبل أن يُصبحا خصمَيْن وقدّم لعائلته، عند الحاجة، مساعدات مادّيّة لدفع الضرائب المفروضة عليها.
4. التسامح الدينيّ
واظب الشيخ بشير جنبلاط على التعامل مع أبناء الديانات الذين يعيشون بين الموحّدين الدروز بتسامح دينيّ، خاصّة مع المسيحيّين والمسلمين، واهتمّ بأنْ يحافظ على الطقوس الدينيّة لكلّ الطوائف فقابله الجميع بالاحترام، فمثلا: حصل على شهادة تقدير من البابا، الرئيس الروحيّ للمسيحيّين المارونيّين وكذلك الكاثوليك، في روما، على دعمه أبناءَ الطائفة المارونيّة في بناء أديرة لهم، في لبنان. كما أبدى الشيخ بشير المعاملة نفسها مع المواطنين المسلمين الذين يعيشون إلى جانب الموحّدين الدروز في لبنان. ففي عام 1814، مثلًا، ساعد في بناء مسجد في قرية المختارة، مسقط رأسه؛ وأكثر من ذلك، فقد اهتمّ بأنْ يتمكّن المواطنون المسلمون، الذين يعيشون بجواره، من تأدية فريضة الصوم في شهر رمضان بحُرّيّة. تعبِّر هذه الأعمال عن الاحترام الذي أبداه الموحّدون الدروز للمواطنين المسلمين وعن العلاقة بين الطائفتَيْن.
(يوجد صورة لقرية المختارة، في جبال الشوف. من هناك قاد الشيخ بشير جنبلاط الموحّدين الدروز).
*37*
1. أ. اِشرحوا لماذا فضّل الشيخ بشير الحفاظ على موقف حياديّ في عمليّة غَزْو جيوش نابليون لبنانَ؟
ب. حسب رأيكم: كيف يمكن أن يكون الحِياد والاعتدال موقفَيْن استراتيجيّين مُجدِيَيْن سياسيًّا؟
2. أيٌّ من الخصال القياديّة للشيخ بشير جنبلاط هي من أهمّ خصال الزعيم الناجح، حسب رأيكم؟ علِّلوا.
3. ذَكَرنا في مقدّمة هذا الفصل أركان الوجود الثلاثة للطائفة الدرزيّة: الدين، الأرض والعِرْض.
صِفوا كيف استطاع الشيخ بشير أنْ يُسهم في الحفاظ على هذه الأركان، اِشرحوا إجابتكم وقدِّموا أمثلة من النصّ.
4. أ. جِدوا في القاموس معنى الاصطلاح "كاريزما" وكتبوه.
ب. كيف تنعكس زعامة الشيخ بشير، صاحب الكاريزما، في الأحداث التي وُصفت في
النصّ؟
5. عودوا إلى المحور الزمنيّ لحياة الشيخ بشير جنبلاط، في الصفحة 33، واختاروا تاريخَيْن، على الأقلّ، لهما أهمّيّة في حياة الشيخ بشير وفي تاريخ الطائفة الدرزيّة في لبنان. اِشرحوا لماذا اخترتم هذَيْن التاريخَيْن بالذات.
6. اُسردوا قصّة شخصيّة من محيطكم القريب (العائلة، المدرسة وما شابه)، لها مؤهِّلات قياديّة. اُذكروا كيف تُترجَم هذه المؤهِّلات في تصرّفات الشخصيّة المذكورة.
7. التسامح هو فضيلة مُحبّذة عند الجميع. مع هذا نحن نسمع بيننا تصريحات عُنصريّة، ونشهد أعمالًا عُنصريّة شائعة في غالبيّة المجتمعات البشريّة في العالم.
أ. عرِّفوا، بالاستعانة بالقاموس، الاصطلاحَيْن: تسامُح وَعُنصريّة.
ب. اُذكروا، ثلاث مجموعات أو أقلّيّات ضعيفة، على الأقلّ، داخل المجتمع الإسرائيليّ.
ج. ما هو الدافع الرئيس، حسب رأيكم، لظواهر العُنصريّة في المجتمع؟
د. هل يُعامَل الموحّدون الدروز في إسرائيل بالتسامح من قِبَل المجتمع والسُّلطة، حسب
رأيكم؟ علِّلوا.
*38*
مَهمّة بحث
زعماء الطائفة الدرزيّة
أنجَبَت الطائفة الدرزيّة، خلال تاريخ وجودها، عددًا من الزعماء الذين قادوا المجتمَعات الدرزيّة حيث نشأت. وقد حَباهُم الله بقدرات وبصفات أهّلَتْهم لقيادة أبناء الطائفة والحفاظ على أركان وجودها، من بينها: القِياديّة، الكاريزما، الاعتزاز بالانتماء الطائفيّ وبالهويّة الدرزيّة، الشجاعة والبأس، الشخصيّة الجذّابة، والشعور القويّ بأنّهم أصحاب حقّ.
اِستعرَضْنا، في هذا الفصل، سيرة شخصيّتَيْن من زعمائنا. والآن، عليكم أن تُجروا مَهمّة بحث عن زعيم تختارونه بأنفسكم، وأن تتطرّقوا إلى:
الخلفيّة التاريخيّة للفترة التي عاش فيها؛ دراسة سيرة حياته والتعرّف إلى شخصيّته؛ ذِكر إنجازاته، وفي الوقت نفسه الإشارة إلى لحظات الانتكاس والأزمة في حياته. لا شكّ في أنّ بحثًا علميًّا كهذا يُشكّل إسهامًا كبيرًا في تخليد ذِكْر شخصيّات قياديّة من أبناء الطائفة، وفي الوقت نفسه هو يُكسبُكم مهارةَ البحث. الشخصيّات التي نقترح إجراء البحث عنها هي: سلطان باشا الأطرش (ر)، الستّ نظيرة جنبلاط (ر)، والشيخ محمّد بن مالك الأشرفانيّ (ر). المطلوب منكم إعداد مَهمّة بحث حول إحدى هذه الشخصيّات، أو حول شخصيّة أخرى تختارونها بالتنسيق مع معلّم / ة الموضوع.
لقد اختيرت الشخصيّات المذكورة هنا لمركزها الرفيع في تاريخ الطائفة الدرزيّة، وعلى ضوء عدّة بحوث علميّة أُجرِيَت حولها، ويمكن أنْ تُساعدكم في إنجاز بحثكم. نقدِّم، في ما يلي، معلومات أوّليّة عن الشخصيّات الثلاث:
- سلطان باشا الأطرش (ر): هو أحد أشهر الزعماء في تاريخ الموحّدين الدروز في القرن ال 20 م.، وهو الذي أسهم في تحديد مصيرهم في سوريَة، وكان له تأثير كبير في تاريخ الدولة بكامله. يُذكَر الأطرش بفضل أعماله وإنجازاته، كثيرًا، في الأغاني الشعبيّة وفي الآداب المحلّيّة، حيث كُتبت له وفي ذِكْره قصائدُ عدّة، ونُصبت له التماثيل في الساحات المركزيّة في جبل الدروز وخارجه، وعُلِّقت صُوَرُه في بيوت الموحّدين الدروز في كلّ مكان. سوف تكتشفون في نطاق مَهمّة البحث لماذا يُبجِّل الموحّدون الدروز شخصيّته.
(يوجد صورة لسلطان باشا الأطرش (ر)).
*39*
- نظيرة جنبلاط (ر): المعروفة بالستّ نظيرة، زوجة فؤاد جنبلاط ووالدة كمال جنبلاط. وُلدت عام 1889 م.، وكانت شخصيّة مميّزة، وتُعدّ من أهمّ النساء في تاريخ الطائفة الدرزيّة. عليكم أن تتذكّروا أنّه في الفترة التي عاشت فيها الستّ نظيرة في بداية القرن ال 20، كانت النظرة إلى النساء تختلف عمّا هي عليه اليوم، ولهذا السبب، كانت الأغلبيّة الساحقة من زعماء الطائفة (وكذلك الطوائف الأخرى) من الرجال، أمّا النساء اللواتي وصلنَ إلى مراكز قياديّة رفيعة فكان عددهنَّ قليلًا. عندما تتعمّقون في البحث سوف تتفاجَؤون بزَخَم إنجازات الستّ نظيرة، وبإسهامها الكبير من أجل الطائفة؛ قصّتُها هي قصّة سيّدة شجاعة، كانت مصدرَ إلهام لعدد كبير من النساء وحتّى الرجال، وكذلك لمؤلِّفين وكُتّاب كثيرين (وقد أُنتِجَ في الآونة الأخيرة فيلم وثائقيّ يتمحور حول شخصيّتها).
- الشيخ محمّد مالِك الأشرفانيّ (ر): أحدُ العلماء والمؤرِّخين، ومن كبار رجال الدين في تاريخ الطائفة. نسبتُه، الأشرفانيّ، للأشرفيّة، قرية من قرى الغوطة في دمشق. عاش في القرن ال 17 م.، أيّام الأمير فخر الدين المعنيّ الثاني، وعاصر الشيخ الفاضل (ر). وضَع كتابه الكبير بعنوان عُمدة العارفين في قصص النبيّين والأمم السالفين في ثلاثة أجزاء، وأمضى في إعداده سبع سنوات. يضمّ الكتاب معلومات جمّة عن الأنبياء (ع) وعن شخصيّات قياديّة مميَّزة وهامّة في تاريخ الطائفة. عُرف الشيخ الأشرفانيّ (ر) بتواضعه وحكمته وثقافته، وحظي بمكانة رفيعة بين أبناء عصره.
تعليمات لإعداد مَهمّة البحث
اِختاروا إحدى الشخصيّات الثلاث المذكورة أعلاهُ، اِستعينوا بالمصادر المختلفة، بأفراد العائلة والأقارب، وبآخرين، وكتبوا عن الشخصيّة بحثًا من 4-6 صفحات. اُذكروا الطريقة التي تنعكس فيها أركان الوجود الدرزيّ الثلاثة: الدين، الأرض والعِرْض، في تاريخ وحياة الشخصيّة التي اخترتموها.
اِنتبهوا إلى النواحي التالية في تحضيركم البحث:
1. الخلفيّة التاريخيّة للفترة المذكورة؛
2. سيرة الحياة؛
3. النسَب العائليّ والأصل؛
4. التعليم؛
5. قصص حُكيت عن الشخصيّة؛
6. الإنجازات والإسهامات للطائفة؛
7. دَوْر الشخصيّة وإسهامها في تطبيق أركان الوجود؛
8. مَيْزات الشخصيّة وطباعها؛
9. التحدّيات التي واجهت الشخصيّة.
نتمنّى لكم النجاح!
*40*
*40*
هجرةُ الموحدين الدروز ونزوحُهم عن بيوتهم وانتقالُهم مع عائلاتِهم وممتلكاتِهم، في مجموعات، للعيش في أماكنَ جديدة وغيرِ مألوفة؛ أمرٌ كان قد حدثَ، غير مرّة، على مرّ التاريخ. لقد حدثت هِجْرات الموحّدين معَ كلّ ما عُرِف عن تعلُّقِهم بأرضهم وارتباطِهم الوثيق بها.
أُولى هجرات الموحّدين الدروز كانت مع بداية دعوة التوحيد الدرزيّة، في القرن ال 11 الميلاديّ، ولا تزال حركة الهجرة مستمرّةً حتّى اليوم. في تلك الفترة، انتقلتْ مجموعاتٌ من الموحّدين من مختلِف مناطق الشرق الأوسط إلى مناطقَ أخرى مأهولةٍ بجَماعات الموحّدين إخوانِهم، خاصّةً في سورية، لبنان، الأردنّ وإسرائيل (فلسطين)، واستوطنوا فيها. تلك الهجرات أدّت، على مرّ الزمان، إلى انتهاء الوجود التوحيديّ - الدرزيّ في بعض الأماكن، بعد أن انتقل غالبيّة السكان إلى بَلْدات درزيّة أخرى في الشرق الأوسط، وانتقل بعضُهم الآخر إلى دُول بعيدة، في ما وراء البحار، مثل: الولايات المتّحدة الأمريكيّة والبرازيل.
(يوجد صورة لبلدة راشَيّا الدرزيّة، في قضاء راشَيّا، لبنان، خلال الفترة العثمانيّة).
*41*
في هذا الفصل، سنتعلّم عن ميزات الهجرات الدرزيّة، عن أسبابِها وتأثيرِها في الطائفة، ثمّ سنتعرّف إلى شخصيَتَيْن هامّتَيْن، تأثّر مجرى حياة كلٍّ منهما بالهجرة، هُما: الشيخ إبراهيم الهجريّ (ر) والشيخ نجيب العسروايّ (ر).
(يوجد صورتان في الكتاب استعن بالمعلم: قرية المغار الدرزيّة، إسرائيل، مدينةُ السويداء الدرزيّة، محافظةُ السويداء، سورية).
*42*
أسباب الهجرة
تعتبر الهجرة ظاهرةً عالميّة شائعةً، منذ فجر التاريخ، وغالبًا ما تُرافقها صعوباتٌ مختلفة، تُواجِه المهاجرين أنفسَهم وسكّانَ المناطق التي يصلون إليها، على حدٍّ سواء. عند دراستنا ظاهرةَ الهجرة عند الموحّدين الدروز، تُطرح أمامنا عدّةُ تساؤلات، منها:
أوّلًا: الحقيقة المدهشة أنّه على الرغم من كثرة الهجرات في الطائفة، ومع أنّ المهاجرين تفرّقوا في أماكنَ مختلفة من الشرق الأوسط، ومنهم من هاجر بعيدًا، عَبْر المحيطات؛ ظلّت الطائفة الدرزيّة موحَّدة.
ثانيًا: إنّ فضيلة الارتباط بالأرض والإخلاص لها هي أحدُ أركان الوجود الثلاثة الرئيسة للطّائفة الدرزيّة. فكيف يُعقل، إذًا، أنّ عددًا كبيرًا من الموحّدين الدروز استغنوا عن أراضيهم وبيوتهم وقُراهم وانتقلوا للعيش في أماكنَ جديدة وغيرِ مألوفة، مع تمسُّكِهم المعروف بالأرض؟ وما هي الأسباب والدوافع القويّة التي أدّت بهم إلى ذلك؟
نورد، في ما يلي، وبالتفصيل، الأسبابَ الأساسيّة للهجرات الدرزيّة على مرّ التاريخ:
اً. الملاحقة على الخلفيّة الدينيّة
ب. استبداد الحُكّام
ج. الضائقة الاقتصاديّة
د. أسباب خاصّة
*43*
أ. الملاحقة على الخلفيّة الدينيّة
كانت المعاملة العدائيّة التي عانى منها الموحّدون الدروز، عَبْر الحِقَب التاريخيّة، أحدَ أسباب هجرة أبناء الطائفة. فمنذ تأسيس مذهب التوحيد، شكّل الموحّدون أقلّيّةً راضخةً لحُكّام من أصول مختلفة، من بين هؤلاء: الصليبيّون، المماليك، العثمانيّون، الفرنسيّون، الإنجليز؛ كما خضعوا لحكّام عرب أيضًا. تلقّى الموحّدون، أحيانًا، معاملةً سيّئةً بسبب مذهبهم، واتُّهموا بالتمرُّد على السُّلطة، فتعرّضوا للمطاردة والملاحقة وأعمال العنف والقتل والتنكيل. وكان الخطر شديدًا لدرجة أنّ أعدادًا كبيرة منهم اضطُرّوا إلى ترك بيوتهم وقُراهم، وأخذوا يفتّشون عن مكان جديد يُمكنهم العيش فيه بهدوء وأمان. حتّى في تلك الأوقات العصيبة، شعَر الموحّدون بأنّهم مُلزَمون بالحفاظ على طائفتهم وصَوْن كرامتها واستمراريّتها وبقائها على مذهب التوحيد.
أشدُّ الملاحقات وقعتْ في فترة الدعوة إلى المذهب، بعد غياب الخليفة الفاطميّ السادس، الحاكم بأمرِ الله، الذي في عهده نودِيَ بمذهب التوحيد عَلانِيَة، وغياب الإمام حمزة بنُ عليّ (ع) وكبار دعاة المذهب (عام 1021 م.). بُعَيْد غيابهما، تولّى زمام الحُكم في مصرَ الخليفة الفاطميّ السابع، عليّ الظاهر، الذي كفَر بمذهب التوحيد وعارض أُسسَه ومبادئه بشدّة، وفَتَك، على مدار سَبْع سنوات، بأتباع المذهب في المناطق الواقعة بين أنطاكية في تركيّا، شمالًا، والإسكندريّة في مصر، جنوبًا. تلك الفترة يُسمّيها الموحّدون الدروز "مِحنة عليّ الظاهر"، أو "محنة أنطاكية"، وقد قُتل خلالها مئات الألافُ منهم، وآخرون هاجروا إلى أماكنَ وَجَدوا فيها مأوًى وحماية من المطاردات. في الوقت نفسِه، اضطُّر عدد كبير من الموحّدين الذين ظلّوا في مصر إلى التبرُّؤ من مذهب التوحيد، في حين استمرّ قسم آخرُ منهم بالحفاظ على انتمائهم إليه سرًّا.
عانى الموحّدون الدروز من المطاردة والقتل في الفترات التي تَلَت زمن الدعوة، أيضًا، بسبب إيمانهم الخاصّ والسرّيّ، ولم تزل، حتّى الآن، تجمُّعات توحيديّة – درزيّة مُعرَّضة للخطر بسبب معتقداتها الدينيّة.
(يوجد صورتان في الكتاب استعن بالمعلم: لوحةٌ تصِف حربًا بين المماليك والصليبيّين، في طرابلُس، لبنان عام 1289 م.، عاش الدروز في ظلّ حُكّام غرباء، وعانوا، غير مرّة، من النزاعات التي وقعت بين الحكّام أنفسهم. قلعة نمرود: شكّلت هذه القلعة مسكنًا لحُكّام البلاد، على مرّ الزمان.)
*44*
إثراء
الوجود التوحيديّ -الدرزيّ القصير المدى في أنطاكية
قدِم دُعاة مذهب التوحيد الدرزيّ، في بداية الدعوة التوحيديّة، إلى أنطاكية (جنوب تركيّا اليوم)، واستطاعوا أن يحقّقوا قبولًا مُنقطع النظير لدى سكّان المنطقة هناك. يُسمّي الموحّدون الدروز تلك المنطقة "معدنُ الدُّرِّ والجوهر"، ونِسبة هذه التسمية تعود إلى المكانة الرفيعة التي تبوّأها المؤمنون في تلك البلاد، وإلى عُمق استيعابهم وتقبُّلهم لتعاليم المذهب التوحيديّة. فلمّا تبدّل الخليفة، بدأت محنة الظاهر؛ حيث قام الوُلاة المحلّيّون في أنطاكية، الذين لم يَرُق لهم انتشار مذهب التوحيد، بملاحقة الموحّدين الدروز، وقتلوا معظمهم.
(يوجد صورة لمدينة أنطاكية اليوم).
ب. استبداد الحُكّام
هاجر عدد كبير من الموحّدين الدروز بسبب ظُلم الحُكّام وتعسُّفهم، في البلاد التي عاشوا فيها، وبسبب عِداء السُّلطة للطّائفة الدرزيّة حيثُما كانت.
على مرّ التاريخ، تبدّلت الدُّول الحاكمة في الشرق الأوسط، فكانت الفاطميّة، الأيّوبيّة، الصليبيّة، المملوكيّة، العثمانيّة، الإنجليزيّة، الفرنسيّة وغيرها. في بعض الأحيان، رافق تبدُّل تلك الحُكومات معاركُ وقلاقِل طالت الدروزَ وممتلكاتهم، وحدَث أنْ نكّل مندوبو السُّلطة بالموحّدين فصادَروا بيوتهم وأملاكهم، وقتلوهم بلا سبب.
(يوجد صورة في الكتاب شرح بواسطة المعلم).
المحاربون الدروز في الثورة السوريّة الكبرى، بقيادة سلطان باشا الأطرش (ر)، عام 1925 م.
*45*
أحدُ الأمثلة على تنكيل السُّلطة الحاكمة بالموحّدين الدروز هو ما حدث في نهاية الحكم العثمانيّ، في منطقتنا. آنذاك، فرض على الموحّدين التجنيد الإجباريّ لصفوف الجيش العثمانيّ، بعد أن ذاع صيتهم؛ إذ كانوا محاربين أشاوِس، شجعانَ وبارعين. لكن، وبخلاف النهج الذي ساروا عليه، رفَض الموحّدون التجنيد العثمانيّ؛ لأن الخدمة العسكريّة كانت تستمرّ لسنوات طويلة، وغالبيّة المجنَّدين كانوا يُقتلون في المعارك فلا يعودون إلى بيوتهم؛ بالإضافة إلى أنّ العثمانيّين اعتُبروا غرباءَ؛ ذلك أنّ قيادة الإمبراطوريّة العثمانيّة تمركزت في مناطقَ تركيّة، بعيدةٍ عن مواطن الموحّدين الدروز. شعَر الموحّدون، في تلك الحالة، بأنّهم مُعْفون من الولاء والإخلاص للحاكم، وهو الواجب الذي حرصوا عليه طَوال تاريخ وجودهم. لذلك، عائلات كثيرة ممّن كان أبناؤها عُرضةً للتجنيد خشيَت البقاء من دون مُعيل، فرّرت أن تترك مناطق سُكناها، وتغادر إلى مناطق أكثر هدوءً من الناحيتَيْن - العسكريّة والسياسيّة، وأن تعيش باستقرار في ظلّ حُكم عادل ومريح أكثر. على سبيل المثال: هاجر عدد كبير من الشباب الموحّدين من الكرمل والجليل (منطقتان تحت الحُكم العثماني في تلك الفترة)، وانتقلوا إلى جبل الدروز (حوران) في سورية، الذي على الرغم من كونه خاضعًا للحكم العثمانيّ، هو الآخر، شكّل ملجأً لجميع أبناء الطائفة الدرزيّة، لأجيال من الزّمان؛ حيث توفّرت لهؤلاء إمكانيّة العيش بحرّيّة واستقلاليّة كما كانوا يطمحون دومًا.
(يوجد صورة في الكتاب شرح بواسطة المعلم)
حارب أبناء الطائفة الدرزيّة بقيادة سلطان باشا الأطرش (ر) قوّات الانتداب الفرنسي في الثورة السوريّة الكبرى، عام 1925 م. في الصورة: "تمثالُ المسيرة"؛ النصب التذكاريّ للقائد والمحارب سلطان الأطرش في مجدل شمس، هضبة الجولان.
*46*
ج. الضائقة الاقتصاديّة
على مرّ التاريخ، حدثتْ موجات هجرة متعدّدة في أماكنَ مختلفة من العالم، لأسباب اقتصاديّة؛ حيث نزح سكّان المناطق التي عانت من أوضاع اقتصاديّة سيّئة إلى مناطقَ أُخرى، كانت تنعم برَخاء اقتصاديّ واستقرار مادّيّ. كذلك أبناءُ الطائفة الدرزيّة في الشرق الأوسط عانوا من الفقر ونقص الموارد، في مختلِف مناطق سُكناهم. تلك الأوضاع الاقتصاديّة كانت، في الغالب، نتيجة أزمة حادّة في أحد الفروع الاقتصاديّة، كأنْ يحدث ارتفاعٌ في أسعار الموادّ الغذائيّة الأساسيّة بسبب مصادرة السلطات لمحاصيل الأرض، أو بسبب الطريقة التي يتقاسَم بها أبناءُ العائلات الأملاكَ والغَلّات؛ إذ كان كلّ واحد منهم يحصل، مع مرور الوقت، على حصّة أقلّ. ولمّا ازداد عدد السكّان في الأماكن التي كانت تحت سيطرة هذه العائلات، تناقصت الموارد وقلّت المحاصيل تدريجيًّا. بالإضافة إلى ذلك، حدَث أنْ عانى الموحّدون الدروز، في بعض الأحيان، من هبوط اقتصاديّ بسبب عِداء السُّلطة لهم، أو بسبب معتقداتهم الدينيّة. وبالتالي، هجرَت مجموعات من الموحّدين المناطق التي عانوا فيها على أمل الوصول إلى مناطق أخرى، يجدون فيها لقمة العيش بعِزّة وكرامة.
(يوجد صورة في الكتاب شرح بواسطة المعلم)
في الماضي، هاجر بعض الموحّدون الدروز إلى منطقة الكرمل، التي كانت خاليةً من السكّان تقريبًا. في الصورة: منطقة جبل الكرمل، عام 1909 م.
في القرن ال 17 م.، حلّت ضائقة اقتصاديّة في منطقتيِ جبال الشوف ووادي التيم، في لبنان، وأدّت إلى هجرة الكثير من الموحّدين إلى جبل الدروز في سورية، وإلى أرض إسرائيل. بعض الرحّالة، الذين وصلوا إلى تجمّعات الموحّدين التي كانت تعاني من ضائقة اقتصاديّة، أخبروا السكّان بوجود أماكن سكن ومصادر معيشة جديدة في جبال الكرمل، التي خَلَت، تقريبًا، من السكّان آنذاك. إضافةً إلى ذلك، وصلتْ أخبار عن مساحات واسعة وقابلة للزّراعة في جبل الدروز، فهاجرت بعض العائلات، التي أبدت إرادة ومبادرة، من أماكن سكناها إلى تلك المناطق لتحسين أحوالها المَعيشيّة.
*47*
د. أسباب خاصّة
في مراحل مختلفة من التاريخ، حدثت هجرات فرديّة ومتفرّقة لبعض العائلات الدرزيّة، كانت تعود لأسباب خاصّة. من بين عوامل الهجرة كان الخلافاتُ الواقعة بين الحمائل (العشائر)، أو الجيران، لأسباب مختلفة، منها: النزاع على حقّ ملكيّة الأرض. في مثل تلك الحالات، فضّلت بعض العائلات ترْكَ مكان سُكناها والابتعاد عن موطن النزاع. تلك العائلات وكذلك أفرادٌ من الموحّدين الدروز اختاروا الهجرة أملًا في إيجاد مصادر رزق أوفر. غالبيّة هؤلاء تركوا الشرق الأوسط وهاجروا إلى دوَل مختلفة من العالَم، آملين تحسينَ أحوالهم المعيشة، ومتمنّين أن يجدوا فُرَصًا اقتصاديّة مضمونة، بقدر أكبر، في أماكن السّكنى الجديدة. نتيجة لتلك الهجرات كلّها، تشكّلت، مع الوقت، جالياتٌ درزيّة كبيرة في نيويورك ولوس أنجلس، في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وأُخرى في دوَل أمريكا الجنوبيّة، مثل: البرازيل والأرجنتين وفنزويلّا.
من أهمّ وأكبر التحدّيات التي تواجه الطائفة الدرزيّة، في القرن ال 21، موضوعُ توثيق العلاقات بين جاليات الموحّدين في أرجاء المعمورة، والعمل على أن يحافظ أبناء الجيل الجديد الذين يعيشون في مختلِف المناطق، خاصّة في دول ما وراء البحار، على قيَم الطائفة الأصيلة وتقاليدها العريقة.
(يوجد صورتان في الكتاب استعن بالمعلم: مؤتمر الطائفة الدرزيّة في بريطانيا، عام 2016، الجمعية الدرزيّة الكندية).
*48*
إثراءٌ
تأثير الهجرة في أسماء العائلات الدرزيّة
في الغالب، تشير أسماء العائلات في الطائفة الدرزيّة إلى نَسَب العائلة أو أصلها، أو إلى تاريخها. فمثلًا: تعيش في جبل الدروز، في سورية، عائلاتٌ كثيرةٌ تحمل اسم "الصفدي"، وفي هذا إشارة إلى أنّ أجداد العائلة الأوائل هاجروا إلى الجبل من منطقة صفد ومحيطها في الجليل. ومن الممكن أن تكون تلك العائلات قد هاجرت من صفد وضواحيها، في القرن ال 18، بسبب ضغوط اقتصاديّة وسياسيّة، مارسها الحُكم العثمانيّ.
(يوجد صورتان في الكتاب استعن بالمعلم: مدينة حلب، سورية، 1920 م.، العرب في صفد، مطلع القرن ال 20 م.)
من بين الأمثلة الأخرى على تلك الحالات، عائلة "الحلبيّ"، التي تعيش في جبل الكرمل. وهي عائلة كبيرة، يُشير اسمها إلى أنّ أصل العائلة من جوار مدينة حلب، في سورية، وأنّ أجدادها قدِموا من هناك. عائلة أُخرى، تحمل اسم "الشاميّ"، أصلها من منطقة دمشق (الشآم). وهناك عائلات تحمل اسم "الغوطانيّ" وأصلها من الغوطة، قُرب دمشق.
*49*
1. أ. ما هي الصعوبات التي واجهتها إحدى العائلات حين اضطُرّت إلى الهجرة من بيتها إلى مكان بعيد وغير مألوف، حسب رأيكم؟ تحدَّثوا عن الصعوبات التي نبَعَت من جرّاء تَرْك العائلة مَوْطنَها، والصعوبات التي واجهتْها بُعَيْد حلولها في المكان الجديد.
ب. قارنوا بين موحّدين دروز هاجروا إلى مراكز تجمُّع لأبناء الطائفة في الشرق الأوسط، وآخرين هاجروا إلى بلاد ما وراء البحار: أيٌّ من المجموعتَيْن، حسب رأيكم، واجهت صعوبات أكثر وأشدّ من الأخرى؟ اُكتبوا بالتفصيل عن الفروق وعن أوجه الشبه واشرحوها.
2. تُنسب الهجرة من موطن إلى آخر كذلك إلى المسلمين والمسيحيّين واليهود في البلاد. فتِّشوا، في المصادر المختلِفة، عن إحدى القِصص المتعلّقة بهجرة أحد أتباع هذه الأديان. يمكنكم أن تكتبوا قصّة هجرة فرْديّة، أو جماعيّة. يمكن أن تكون هجرة من السنوات الأخيرة، أو من الماضي البعيد.
أ. اُسردوا قصّة الهجرة التي اخترتموها، واذكروا متى وقعت.
ب. اذكروا الأسباب التي دفعت المهاجرين إلى ترْكِ أماكن سُكناهم.
ج. اُذكروا الأسباب التي شجّعت المهاجرين وجذبتهم إلى البلاد الجديدة.
في الصفِّ
1. على مرّ التاريخ، لوحِقت مجموعات سكّانيّة كبيرة لكونها أقلّيّة دينيّة.
اُكتبوا رأيكم: ما هي الوسائل والأساليب التي كان بإمكانهم أن يستخدمونها كي يدافعوا عن أنفسهم ويندمجوا مع جيرانهم الجدد، بما في ذلك أبناء الطائفة الدرزيّة؟
2. اِقترحوا طرقًا للمحافظة على العلاقة بين أبناء الطائفة الذين يعيشون في البلاد والمنطقة، والموحّدين الدروز الذين يعيشون في دوَل ما وراء المحيط.
*50*
ميزات الهجرة
هناك عدّة ميزات مشتركة لهجرات الموحّدين الدروز عبر التاريخ. من أهمّ هذه المَيْزات:
(يوجد صورة في الكتاب شرح بواسطة المعلم)
وفّرت الجبال أمنًا وأمانًا للموحّدين الدروز، وكانت لهم خطّ دفاع طبيعيًّا. في الصورة: جبل حوران، سورية.
الانتقال للسكن في الحبال
فضّل عدد كبير من الموحّدين الدروز الهجرة إلى مناطق جبليّة بعيدة ونائية، يصعب الوصول إليها؛ فقد وفّرت هذه المواقع الحماية والأمان لهم، وشكّلت خطّ دفاع طبيعيًّا وملجأً يحميهم من الأعداء. نلاحظ أنّ غالبيّة القرى الدرزيّة في الشرق الأوسط أُقيمت في رؤوس الجبال الممتدّة من الكرمل إلى الجليل، الجولان، جبال الشوف في لبنان، حبل حوران حتّى جبال شمال سورية.
الهجرة إلى مراكز تجمّعات درزيّة
توجّه غالبيّة المهاجرين الموحّدين إلى تجمّعات مأهولة بإخوانهم الدروز، ثقةً منهم بأنّ هؤلاء سيمنحونهم الحماية والملجأ، وسيساعدونهم في المحافظة على دينهم ونمط حياتهم الخاصّ. يتبيّن لنا ذلك من خلال وثائقَ وشهادات تاريخيّة؛ حيث واجه المهاجرون من الموحّدين الدروز، الذين استوطنوا بجانب سكّان غرباء، صعوباتٍ في المحافظة على نمط الحياة الدرزيّ، واضطرّ قسمٌ منهم، بعد مرور السنين، إلى التخلّي عن مذهب التوحيد، وحتّى الانصهار في السكّان المحلّيّين.
التأكيد على فضيلة "حفظ الإخوان"
تقبَّل الموحّدون الدروز بحرارة إخوانهم الذين قدِموا إليهم مهاجرين، وهم يطبّقون بذلك الفضيلة الأساسيّة التي تنادي بحفظ الإخوان. كان في استيعاب المهاجرين الموحّدين الدروز الجدد بنجاح، تكتّل بين المواطنين القدماء والجدد في مجموعة موحّدة، يدعم جميع أفرادها واحدهم الآخر، ولذلك أدّت الهجرات المختلفة إلى ازدياد في عدد البلدات والتجمّعات الدرزيّة، وأسهمت في تعزيز الشعور بالتضامن بين أبناء الطائفة الواحدة، وغرست في نفوسهم الإدراك، بأنّ سلامة الفرد تعتمد على الاطمئنان بأنّ المجتمع الدرزيّ سوف يسارع في نصرته ودعمه.
*51*
إثراءٌ
الهجرة من جبل لبنان إلى حوران، في القرن ال 18 م.
حدثت أكبر هجرة درزيّة في التاريخ، من جبل لبنان إلى جبل حوران، في سورية، في مطلع القرن ال 18 م.، تركَّز غالبيّة أبناء الطائفة الدرزيّة حتّى ذلك الوقت في لبنان، وفي عام 1711 م. نشب صراع بين الموحّدين الدروز (معركة عين دارا)، وفي ما بعدُ استفحل الصراع بين الموحّدين الدروز وجيرانهم المسيحيّين الموارنة. أدّت هذه الحوادث إلى انتقال أعداد كبيرة من الموحّدين الدروز من لبنان إلى مناطق جبل حوران، جنوب - غرب سورية، وهي المنطقة التي أُطلِق عليها في ما بعد اسم "جبل الدروز".
(يوجد صورة في الكتاب شرح بواسطة المعلم).
في المنطقة حيث وقعت معركة عين دارا، نجِد موقعًا أثريًّا مشهورًا، وفيه آثار معبد من الألف الأوّل قبل الميلاد.
وكانت حوران في ذلك الوقت منطقة شبه خالية وغير مأهولة بالسكّان تقريبًا، وكانت فيها بعض القرى فقط، تسكنها قبائل من البدو الرحّل. ازداد عدد السكّان ازديادًا كبيرًا، إثر الهجرة الدرزيّة. تبلغ اليوم نسبة السكّان الدروز في تلك المنطقة حوالي 90 بالمئة.
1. هل يمكن، حسب راًيكم، أن نُسمّي هجرة الدروز من جبل لبنان الى جبل حوران "هجرة قَسْريّة"؟ علِّلوا.
2. ما هي الأبعاد التي تشير إلى أنّ الهجرة من جبل لبنان إلى جبل حوران، في القرن ال 18 م.، كانت هجرةً غيرَ عاديّة؟
*52*
هجرة الموحّدين الدروز إلى البلاد
إنّ وجود القرى والتجمّعات السكّانيّة في البلاد قديم جدًّا. من أبرز القرى الدرزيّة القديمة في المنطقة: يَركا، البُقَيْعة وجَثّ. قَبِل سكّان هذه القرى، في القرن ال 11 م.، الانضمام إلى مذهب التوحيد، وأصبحت بعض القرى في البلاد مراكز هامّة لدعوة التوحيد الدرزيّة. وصل دعاة المذهب إلى هذه القرى ونشروا تعاليم المذهب بين السكّان، برز من بين هؤلاء عدد من الشخصيّات التي أوكلت إليها مهمّة نشر الدعوة التوحيديّة. من أهمّ هذه الشخصيّات الشيخُ محمّد أبو السرايا غنايم (ق)، وهو من "آل تراب"، سكّان هذه البلاد، الذي أصبح من أهمّ ناشري الدعوة في عهده، وما زال ضريحه قائمًا في قرية يَركا حتّى يومنا هذا.
(يوجد صورة لمدفن الشيخ محمّد أبو السرايا غنايم (ر)، يَركا.
إثراءٌ
الستّ سارة (ر) عن النساء اللواتي نشرنَ دعوة التوحيد الدرزيّة
كانت الستّ سارة (ر) إحدى النساء البارزات في فترة الدعوة، في القرن ال 11 الميلاديّ. هي اِبنة أخ سيّدنا بهاء الدين (ع)، أحدِ كبار دُعاة مذهب التوحيد. عُرف عن الستّ سارة (ر)، في ذلك الحين، إلمامُها الكبير ومعرفتها الواسعة بمذهب التوحيد. كانت سيّدة شجاعة، تتمتّع بقدرة إداريّة ومواهبَ في الإقناع، كما تميّزت بقدرتها على قيادة المحاربين في ساحة المعركة.
تقول الروايات الدرزيّة إنّ سيّدنا بهاء الدين (ع) ألقى على عاتق الستّ سارة (ر) عدَّة مَهامّ، كانت مُخصَّصة للرّجال. من بين هذه المهامّ ترأُّسُ بعثة إلى منطقة الخليج العربيّ من أجل تعزيز مواقف سكّان المنطقة، الذين اعتنقوا مذهب التوحيد الدرزيّ. كما أرسلها سيّدنا بهاء الدين (ع) من مصر إلى وادي التَّيْم (في لبنان)، من أجل تشجيع المؤمنين وتعزيزهم بمذهب التوحيد هناك، ولتدعيم العلاقات بين المؤمنين كافّةً، خاصّة بعد محنة سُكَيْن التي كادت أن تغيّر أسس المذهب.
*53*
وتقول الروايات الدرزيّة إنّه لمّا كانت الستّ سارة (ر) في طريقها إلى وادي التيم، مرّت في بلادنا، واجتمعت بالموحّدين القاطنين في المنطقة وشجّعتهم ورفعت من معنويّاتهم. لذلك أُقيمت عدّة مقامات ومواقعُ تخليدًا لذكرها، منها: قبّة الستّ سارة (ر) في كسرى، شجرة الستّ سارة (ر) في كسرى (المعروفة بالمباركة)، وقبّة الستّ سارة (ر) في البانياس، الواقعة بجانب مقام سيّدنا الخضر (ع).
(يوجد صورة لمزار الستّ سارة (ر)، دالية الكرمل).
في الصَفِّ
ناقِشوا التغيّرات التي طرأت على مكانة المرأة الدرزيّة منذ عهد الستّ سارة (ر) حتّى أيّامنا.
منذ بداية الدعوة وحتّى اليوم، وعلى مدى ألف سنة، ارتحلَت مجموعات وعائلات درزيّة من البلاد وإليها. حدثت أكبر هجرة درزيّة إلى البلاد في القرنَيْن ال 16 وال 17 م.، أيّام حُكم الإمارة المعنيّة في لبنان، التي كان أشهر أفرادها الأمير فخر الدين المعنيّ الثاني (اُنظروا الفصل السابق). حكم أبناء السلالة المعنيّة الدرزيّة لبنان ومناطق واسعة في الجليل، وشجّعوا استيطان الدروز في البلاد. في هذه الفترة تطوّرت القرى الدرزيّة، في شمال البلاد، وتوسّعت بسبب هجرة عائلات درزيّة إليها.
استمرّت الهجرة الدرزيّة من لبنان وسورية إلى البلاد في القرون التالية أيضًا، بأعداد متفاوتة. تعلّق ذلك بمعاملة السُّلطات للدّروز في المناطق التي كانوا فيها، ومعاملة السُّلطات لهم في الأماكن التي توجّهوا إليها. نورد في ما يلي بعض الأسباب التي أدّت إلى هجرة دروز من سورية ولبنان إلى البلاد في الفترات التاريخيّة المختلفة: الضرائب العالية التي فرضتها السُّلطات على الدروز؛ الصراع بين الموحّدين الدروز والسكّان المسيحيّين الموارنة في لبنان؛ العداء الشديد بين الدروز والوُلاة المسلمين في منطقة حلَب؛ تفاقُم الضائقة الاقتصاديّة في سورية ولبنان في فترة الانتداب الفرنسيّ.
(يوجد صورة لقرية البقيعة التي قبِل سكّانها دعوة التوحيد وانضمّوا إلى المذهب).
*54*
حدثت إحدى الهجرات ض سورية إلى البلاد خلال فترة حرب عام 1948 م. شاركت في تلك الحرب كتيبة درزيّة، من بين جنودها وضبّاطها شُبّان سوريّون ولبنانيّون. عدد كبير من جنود الكتيبة ظلّوا بعد الحرب داخل إسرائيل، وسكنوا القرى الدرزيّة المختلفة في البلاد، مثل: عُسْفِيا، ومع مرور الوقت، انضمّ إليهم أبناء عائلاتهم واستقرّوا جميعًا في القرى الدرزيّة في البلاد.
لم يكن وضع جميع القرى الدرزيّة في البلاد مزدهرًا ومريحًا بشكل دائم؛ فقد حدَث، على مرّ السنين، أنْ دمّر اللصوص والأعداء قرًى درزيّة بأكملها، واضطرّ سكّانها الذين نجَوْا من القتل إلى اللجوء إلى قرى درزيّة أخرى.
ليس هناك وثائقُ وسجلّاتٌ دقيقة وواضحة تشير إلى تواريخ خراب تلك القرى وما حدَث فيها بالضبط، لكن تتوفّر لدينا معلومات عن قرًى في الجليل والكرمل، كانت درزيّة وهُدمت فبقيت منها آثارها فقط، ومنها: ميماس، الحنبليّة، كويكات، كليل، عين عاث، السافريّة، داما، الشلّالة، الخربة، أمّ الشقف وخربة البستان.
ذُكرت في القطعة أعلاهُ هجرات درزيّة متعدِّدة إلى البلاد: اِختاروا إحداها وحاولوا أن تجدوا قصّتها، بالاعتماد على مصادر المعلومات المختلفة. صِفوا الهجرة: متى حدثت، وماذا كانت عوامل الدفع وعوامل الجذب فيها؟
للإجمال
اِستعينوا بأفراد عائلتكم وحاولوا أن تجدوا شهاداتٍ ووثائقَ عن تاريخ وجود عائلتكم في القرية التي تسكنونها:
أ. منذ متى تعيش عائلاتكم في القرية؟
ب. إذا كان أصل عائلتكم من مكان آخر، حاولوا أن تجدوا من أين أتت.
ج. لماذا هاجرت عائلتكم من مكان سكناها الأصليّ، ولماذا وصلت إلى القرية التي تسكنون فيها اليوم، بالذات؟
د. اُرسموا خريطة تُبيّن مسارَ هجرة عائلتكم.
*55*
الشيخ أبو حسين إبراهيم الهجريّ (ر)
يُعتبر الشيخ أبو حسين إبراهيم الهجريّ (ر) (1804-1840 م.) أحد أبرز الزعماء والقادة الروحيّين في التاريخ الدرزيّ. كان الشيخ إبراهيم رجل دين متضلّعًا في العلوم الروحيّة، وأدّى دورًا كبيرًا في حياة الطائفة الدرزيّة في سورية. عاش الشيخ الهجريّ (ر) في جبل الدروز، وجمع حوله عددًا من المُريدين والطلّاب، وفسّر لهم تعاليم مذهب التوحيد وشرَحها.
كان الشيخ الهجريّ (ر) مؤسِّس الزعامة الروحية (مشيخة العقل) في جبل الدروز، وكان هو أوّل من ترأّسها. بعد وفاته، تابعَتْ سلسلة من كبار رجال الدين الموحّدين نهجه، وما زالت تترأّس الزعامة الروحيّة في جبل الدروز وتحافظ على تقاليد الشيخ وتعاليمه. درج الموحّدون الدروز في سورية، بعد وفاة الشيخ (ر)، على انتخاب شيخ من عائلة الهجريّ ليكون واحدًا من بين ثلاثة زعماء روحيّين، الأمر الذي يدلّ على التقدير الكبير الذي يُكنُّه الموحّدون الدروز لعائلة الهجريّ.
سنتناول، في هذا القسم من الفصل، جوانبَ عدّة في شخصيّة الشيخ إبراهيم الهجريّ (ر)، ومحطّات الهجرة في حياته وحياة أسرته.
(يوجد صورة ل الشيخ إبراهيم الهجريّ (ر)).
*56*
محطّات الهجرة في حياة اشيخ إبراهيم الهجريّ (ر)
امتدّت حياة الشيخ إبراهيم الهجريّ (ر) وعائلته على محطّات متعدّدة في سورية ولبنان، وهناك من يدّعي بأنّ ذلك كان سببًا في منحه لقب "الهجريّ"، في حين يدّعي آخرون بأنّ لقب "الهجري" منسوب لمكان يُسمّى "هَجَر"، يقع في منطقة الخليج الفارسيّ. ذَكَر الشيخ إبراهيم الهجريّ (ر) في الأشعار التي نظمها هذا المكان، لذلك هناك من يعتقد بأنّ لقب "الهجريّ" مصدره الأساسيّ هذا الفاصل من حياته.
المحطّة الأولى: قرية أشْرَفِيّة صحْنايا، في سورية
ينتمي والد الشيخ إبراهيم الهجريّ (ر)، الشيخ محمود سلمان أبو حمزة (ر)، إلى عائلة عريقة، سكنت خِرْبة الشوف (الخرَيْبة) في لبنان، وقيل إنَّ الأب اضطُرّ إلى ترْك مسقط رأسه؛ لأنّ بعض أقاربه أبدوْا معارضةً شديدةً لزواجه، فهاجر الشيخ (ر) إلى أشرفيّة صحنايا، وهي إحدى القرى في غوطة دمشق، ومسقط رأس الشيخ محمد الأشرفانيّ (ر) ومَسْكنه. كانت أشرفيّة صحنايا المحطّة الأولى في مسيرة الهجرة لهذه العائلة، وفيها وُلد الشيخ إبراهيم الهجريّ (ر) عام 1804 م.
تعلّم إبراهيم الصغير من والده (ر) أُصولَ القراءة والكتابة، وظهرت مواهبه منذ صغره، فبرز وكان صبيًّا رزينًا، ذا حِسٍّ مُرهَف ومَيْلٍ كبير إلى الروحانيّات، وذا رغبة شديدة في التعمُّق في الكتب المقدّسة وحِفْظها غيبًا.
إثراءٌ
قِصص من حياة الشيخ في صباهُ
يُروى عن الشيخ إبراهيم الهجريّ (ر) أنّه اعتاد، منذ صغره، على أن يجمع أقرانه حوله، ويعلّمهم الآداب والأصول وأعمال الحقّ. يُروى، كذلك، أنّه في حين لَعِب الأولاد كلّهم بألعابهم وبنوا لهم بيوتًا، كان إبراهيم (ر) الصغير يختار، دائمًا، أن يبنيَ أماكنَ عبادةٍ (خَلْوات)، وبدَتْ هذه الخَلْوات مبانٍ صغيرة، لكنّها أُقيمت كما يجب؛ فقد قيل إنّ الصبيّ ركّز على التفاصيل الصغيرة، وأصرّ على أن يضع داخل مبنى الخَلْوة حواجزَ، تفصِل بين الرجال والنساء. كانت هذه الأمور تَرِد في خاطر الصبيّ بإيحاء داخليّ، من دون أن يتعلّم عنها من أحد.
*57*
المحطّة الثانية: مدينة السويداء، في سورية
لم يبقَ أبناء عائلة الهجريّ زمنًا طويلًا في أشرفيّة صحنايا؛ إذ هاجر ربّ العائلة، والد الشيخ إبراهيم (ر)، مع ابنه وزوجته إلى مدينة السويداء، هذه المرّة، الواقعة على جبل الدروز في سورية. ولكَوْن الشيخ محمود (ر) معروفًا بقدراته الكتابيّة وخطّه الجميل، فقد تسلّم عمله وصار موظّفًا عند عائلة الحمدان، التي كانت تحكُم جبل الدروز حينها. وهناك تقدّم الشابّ إبراهيم (ر) حتّى أصبح أحد رجال الدين المبجّلين، فذاع صيته في الآفاق وصار شيخًا تقيًّا وورعًا.
مدينة السويداء
تقع مدينة السويداء في الجهة الجنوبيّة - الغربيّة لسورية، في جبل الدروز، قريبًا من الحدود مع الأردنّ. كانت بداية الاستيطان الدرزيّ في المدينة في مستهلّ القرن ال 18 م.، في أعقاب معركة "عين دارا" الأليمة، التي وقعت بين عائلات درزيّة منقسمة بين قَيْس ويَمَن. أدّت هذه المعركة إلى هجرة عائلات كثيرة من لبنان إلى جبل حوران، وخاصّة إلى مدينة السويداء، التي تعتبر الأكبر في جبل الدروز، وعاصمة الدروز في أنحاء العالم كافّةً. يعيش في مدينة السويداء اليومَ حوالي مائة ألف نسمة، 95 بالمئة منهم دروز والبقية مسيحيّون ومسلمون سُنّة. هناك مثلٌ درزيّ، يشير إلى أهمّيّة مدينة السويداء يقول:
"نيّال اللّي إلو في السويداخرابة".
(يوجد صورة ل مدينة السويداء في جبل الدروز، سورية، 1938 م.).
*58*
المحطّة الثالثة: قرية قَنَوات، في سورية
بلغ صيت عائلة الهجريّ بلدةَ قنوات، الواقعة في حوران، فتوجّه عدد من أبناء عائلة "جزّان" المعتبرة، التي كانت تعيش في القرية، ودَعَت عائلة الهجريّ إلى السكن في قنوات، لكي يعلّم ويربّي الشيخ الهجريّ (ر) أبناءهم، بهدف تعزيز التعليم، عامّة، وتدريس أصول مذهب التوحيد خاصّة. استجابت العائلة لهذه الدعوة وانتقلت إلى بلدة قنوات، وما زال أبناء عائلة الهجريّ يعيشون فيها حتّي اليوم.
في قنوات علّم الأب محمود (ر) أصول القراءة والكتابة لأولاد القرية، في حين حظي ابنه الشيخ إبراهيم (ر) بمكانة دينيّة رفيعة، أهّلتهُ لأن يكون ذا صلاحيّات روحيّة هامّة في أنحاء جبل الدروز كافّةً. وغدا هذا المكان مقصدًا لرجال الدين وطالبي العلم الذين وصلوا إليه للتّشاور مع الشيخ إبراهيم (ر)، وأصبحت قرية قنوات مركزًا روحانيًّا رائدًا في حوران، بفضل وجود الشيخ الهجريّ (ر) فيها.
(يوجد صورة لآثار قرية قَنَوات، سورية).
إثراءٌ
الشيخ إبراهيم الهجريّ (ر)، شخصيّة مثاليّة
عمل الشيخ إبراهيم الهجريّ (ر) في صناعة النسيج لإعالة أُسرَتِه، وما زال النَّوْل الذي كان يستعمله موجودًا في بيت عائلة "خير"، في قنوات. تبحّر الشيخ إبراهيم (ر) في الأصول الدينيّة والروحانيّة وتعمّق فيها، فتقيّد بفرائض مذهب التوحيد ووعَظ مُريديه وأرشدَهم، كما حثّهم على الاستقامة والعمل بالعُرْف والعَدْل والحقّ. أصبح الشيخ الهجريّ (ر) نموذجًا ورمزًا يُحتذى به في أعماله، وإسهامه للمجتمع الدُرزيّ، ونقاء سريرته، ورحابة صدره، ورجاحة عقله وسرعة الخاطر لديه.
*59*
بفضل مكانته الرفيعة، اعتُبر الشيخ الهجريّ (ر) مفتيًا ومشرِّعًا في شؤون مذهب التوحيد وفي مجريات الحياة العاديّة؛ إذ وضَع قوانين مختلفة، فأمر ببناء الخَلْوات في القرى، وعيّن سائسًا لكلّ خَلْوة، ثمّ حدّد نظامًا للصّلوات في الخَلْوات، وشجّع شبابًا وكبارًا حتّى يتعمّقوا في أصول مذهب التوحيد ومصادره.
آمن الشيخ الهجريّ (ر) بأنَّ على كلّ إنسان، مهما ارتفع مركزُه، أن يأكل بعَرَق حبينه. ولذلك، إلى جانب زعامته الروحيّة، عمل الشيخ الهجريّ (ر) في حِرَفٍ مختلفة لكسب رزقه ورزق عائلته، فتخصّص في النَّسْج بالنَّوْل، كما زاوَلَ مهنة أُخرى مُشرِّفة؛ حيث نسخ الكتب الدينيّة بخطّ يده. أصرّ الشيخ (ر) على تخصيص قسم كبير من دَخْله للتبرّع به للمحتاجين وللمؤسّسات الطائفة.
بالإضافة إلى كلّ أشغاله الكثيرة، نَظَم الشيخ الأشعارَ، التي ركّز فيها على مدح الأنبياء (ع)؛ وذَكَر يومَ القيامة وما سوف يأتي بعده، وما زالت أشعارُه تُردّد حتّى اليوم في المجالس الدينيّة الدرزيّة كافّةً.
(يوجد صورة لنَوْل قديم).
ابحثوا في الإنترنت عن أشعار نَظَمها الشيخ إبراهيم الهجريّ (ر). اِختاروا قصيدةً أعجبتكم وانسخوها إلى دفاتركم.
المحطّة الرابعة: جلاء قصير في خريبة الشوف
أثار عِظَم شأن الشيخ إبراهيم الهجريّ (ر) وكِبَر أمره مخاوفَ أبناء عائلة الحمدان، التي تولّت زعامة منطقة حوران آنذاك. فقد رأَوْا في الشيخ تهديدًا حقيقيًّا لزعامتهم، وأجبروه على الهجرة إلى بلدة خريبة الشوف، مسقطِ رأس عائلته، لكنّ سكّان حوران سرعان ما شعروا بغيابه، فخرجوا في مظاهرات واحتجاجات مطالبين بعودته إلى بيته. وبعد توجّهات متكرّرة وإلحاح مستمر، وافقت عائلة الحمدان على عودة الشيخ إلى قَنَوات، فتوجّه وفْد من الشباب ووفْد آخر من قِبَل زعيم آل حمدان إلى الشيخ طالبين منه أن يعود معهم.
*60*
عند رجوعه، استقبل الشيخ إبراهيم الهجريّ (ر) جماهيرُ الموحّدين الدروز، الذين قدِموا ومن كلّ حَدْب وصوْب للتّرحيب بعودته. تعاون سكّان قنوات جميعهم في توفير واجبات الضيافة، وقد رُوِيَت قِصص كثيرة عن مظاهر استقبال الشيخ (ر)، تقول إحداها: إنّ عددًا من سكّان بلدة قَنَوات احتجّوا على صرف مبالغَ باهظة من أجل استقبال الشيخ الهجريّ (ر)، لكنّهم هدأوا لمّا سمعوا الشيخ يقول لهم: "لا تجزعوا من ثِقَل الضيوف، فالله سبحانه وتعالى سوف يعوّضكم أضعافًا مضاعفة".
وحدثت الكرامة، فقد كانت غلّات الحقول في تلك السنة مضاعفة.
بُعَيْد عودة الشيخ إلى الجبل، خسرت عائلة الحمدان الحكمَ والزعامةَ في جبل الدروز. أمّا الموحّدون الدروز فيؤمنون بأنّ ذلك هو عقاب من الله، سبحانه وتعالى، على معاملة آل حمدان للشيخ إبراهيم الهجريّ (ر)، وعلى استبدادهم وظُلمهم لسكّان الجبل. لذلك يقال: "سبحان مُغيِّر الأحوال".
إثراءٌ
آل حمدان
هي عائلة معروفة، تزعّمت جبل الدروز في القرنَيْن ال 18 وال 19 م. هاجرت عائلة حمدان إلى جبل حوران في مرحلتَيْن: بعض أبنائها قدموا إلى المنطقة في أواخر القرن ال 17 م.، والبقيّة وصلوا إليه عام 1711 م.، بعد معركة "عين دارا"، وهي إحدى معارك الحرب الأهليّة الصعبة، التي خسرها آل حمدان. اعتبَر زعماء آل حمدان أنفسهم حُكّام المنطقة وأصحاب السُّلطة المُطْلقة في الجبل، بكلّ قُراه وأراضيه، فجمعوا الضرائب من السكّان، وحدّدوا توزيع الأراضي على الفلّاحين. تدريجيًّا، أدّى هذا التعسّف المُطلق إلى تذمُّر أبناء العائلات الأخرى، خاصّةً أبناء عائلة الأطرش، ممّا أدّى إلى إقصائهم عن زعامة الجبل عام 1869 م.
قِصص عن الشيخ إبراهيم (ر)
يتداول الموحّدون الدروز عددًا من القِصص الشعبيّة التي تصِف مكانة الشيخ إبراهيم الهجريّ (ر) الرفيعة. بعض القصص المرتبطة بشخصيّته تصِف كَرامات له؛ إذ يعتقد الكثيرون بأنّ هذه الأحداث وقعت بفضل الإلهام الربّانيّ والخصال التوحيديّة التي تمتّع بها الشيخ (ر).
أمامكم ثلاث من هذه القِصص:
*61*
القصّة الأولى: الشيخ إبراهيم (ر) ومضيفُه الفقير
التقى الشيخ إبراهيم (ر)، في أثناء إحدى زياراته إلى مدينة بعقلين في جبال الشوف، بأبي يوسف جمّول، من عائلة "شُوي"، الذي دعاه وصحبه لزيارته في بيته. "آمل أن تشرّفوني أنتَ ورفاقك بزيارة في بيتي" توجّه الشيخ أبو يوسف إلى الشيخ إبراهيم (ر) الذي استجاب لهذه الدعوة الكريمة. لفت المشايخ المرافقون نظر الشيخ إبراهيم (ر) بقولهم: "إنّ أبا يوسف رجل طيّب القلب ومحترم، لكنّه فقير جدًّا، فكيف سيتمكّن من إطعامنا ونحن خمسون شخصًا؟". أجابهم الشيخ إبراهيم (ر) بثقة ووضوح: "سوف يعوّضه الله الكريم عن كرمه السخيّ".
ولمّا وصل الشيخ أبو يوسف جمّول إلى بيته، أسرع يبشّر زوجته بقبول الشيخ إبراهيم الهجريّ (ر) ومرافقيه لتناوُل الطعام في بيتهم. وسألها قائلًا: "ماذا تقترحين أن نقدّم للضيوف؟"، أجابت زوجته من دون تردّد: "نذبح شاتَنا إكرامًا لهم". قال زوجها: "لقد راودتني الفكرة نفسها، لكنّني خجلت من أن أقترح عليكِ ذلك؛ لأنّك أنتِ من ربّيت شاتَنا التي لا نملك غيرها، واهتممت بها كثيرًا، وأنتِ صاحبة الحقّ الوحيدة في اتّخاذ القرار".
حلّ الشيخ إبراهيم (ر) ورفاقُه ضيوفًا في بيت الشيخ أبي يوسف، الذي ذبح الشاة إكرامًا لهم، فحصلت كرامة؛ إذ تناول الخمسون ضيفًا كلّهم الطّعام وشبعوا، وبقيت كمّيّات كبيرة من اللحم، لدرجة أنّها ملأت كلّ أواني تخزين المؤن التي في البيت. هكذا ظهرت أمام الناس كرامة الشيخ إبراهيم (ر)، وفهم الجميع أنّ الله تعالى، يعوض الناس الطيّبين على قدر استحقاقهم.
*62*
القصّة الثانية: الشيخ إبراهيم الهجريّ (ر) وقُطّاع الطرُق
رافَق الشيخ إبراهيم الهجريّ (ر)، في أحد الأيّام، قافلة انطلقت من جبل الدروز في اتّجاه مدينة دمشق. لمّا وصلت القافلة إلى أطراف غابة بُراق، أوقفها قطّاع طرُق. قال الشيخ إبراهيم (ر) لمرافقيه: "لا تخافوا!"، ثمّ وقف في مقدّمة القافلة، تناول عصاه، وتمتم ببعض الآيات، ثمّ نادى قطّاع الطرُق بصوت عالٍ. لم يفهم رفاقه ماذا يفعل وما معنى تصرّفاته، لكنّ الخوف والفزع تملّكا قطّاع الطرق ففرّوا هاربين.
في دمشق، ترك الشيخ (ر) القافلة. وفي طريق عودتها أوقفها قطّاع الطرُق مرّة أخرى، فقام أحد الأشخاص في القافلة، وقال: "أتصرّف مثل تصرّف الشيخ إبراهيم (ر) فيهرب قطّاع الطرُق"، رفع الرجل عصاه ونادى باتّجاههم بصوت عالٍ، لكنّ قطّاع الطرق لم يتأثّروا، هذه المرّة، وسلبوا القافلة أموالَها. تذكّر مسافرو القافلة الشيخ إبراهيم (ر) وكرامته الخاصّة، ونادوا قائلين: "ما أعظم كرامات الشيخ إبراهيم الهجريّ (ر) فهو ليس مثل كلّ الناس!". منذ ذلك الحين، يقول الموحّدون الدروز في ذكر هذه الحادثة قولَهم المعروف: " ليست الأهمّيّة في العصا وإنّما في من يحملُها".
القصّة الثالثة: تواضُع الشيخ إبراهيم الهجريّ (ر)
"يُروى أنّ الشيخ إبراهيم (ر) سافر مع جمّالةٍ من بلدته إلى منطقة الجليل قاصدًا زيارة الإخوان. أوصى الجمّالة أن يكتموا اسمه رغبة منه في إخفاء شخصه الكريم وهربًا من الشهرة. لمّا وصلوا إلى المكان المقصود ودخلوا المجلس، وكان قد حضر من حضر من أهل البلد، سألوهم عن الشيخ ومن أيّ بلد هم. فاجابوا من قنوات. فقال المعازيب: "بما أنّكم من بلد الشيخ، نريد أن نعرف أسماءكم"، فسمّوا بعضهم بعضًا حتّى وصلوا إلى الشيخ فسكتوا ولم يلفظوا اسمه. فقالوا: "ومن هذا الرجل؟". فلم يجيبوا. فألحّوا عليهم. فقالوا: "هذا هو الشيخ الذي اكثرتم السؤال عنه". فقال المعازيب: "الشيخ أبو حسين إبراهيم ضيفنا ولا تُعلِمونا؟" فأقبلوا عليه وبدأوا بتقبيل يديه والترحيب به بما يليق بمقامه، وطلبوا منه الإفادة، فأفاض عليهم من علمه بما ألهمه باريه.
1. لماذا، حسب رأيكم، هناك قِصص شعبيّة لدى طوائف مختلفة؟ وما هو الدور الذي تؤدّيه هذه القِصص؟
2. جدوا بأنفسكم قصّةً شعبيّةً تتعلّق بالشيخ إبراهيم الهجري (ر)، ثمّ اكتبوها.
3. ما هي العِبرة التي نستخلصها من القِصص الثلاث حول الشيخ إبراهيم (ر)؟ وما هي العبرة التي نستخلصها من القصّة التي وجدتموها؟
*63*
وفاة الشيخ إبراهيم الهجريّ (ر)
انتقل الشيخ أبو حسين إبراهيم الهجريّ (ر) إلى رحمته تعالى عام 1840 م.، عن عمر يناهز السادسة والثلاثين. لقد وافته المنيّة وهو صغير السنّ، مثل العديد من كبار زعماء الطائفة الدرزيّة، ودُفن الشيخ الهجريّ (ر) في بلدة قَنَوات في جبل الدروز.
شاع خبر وفاة الشيخ (ر) في جميع أنحاء البلاد فشعر الجميع بالأسف والأسى الشديدَيْن، وقدِم إلى بلدة قَنَوات الكثيرون لمشاركة العائلة مصابها الأليم ولمواساتها. جرى في سهل السمقانيّة، في لبنان، موقف تأبين كبير بحضور مشايخ وأعيان وزعماء جبل لبنان، وأُلقِيت عدّة كلمات تصِف مناقب الشيخ الجليل. وهذا ما قاله الشيخ أبو زين الدين حسن العقيليّ في الكلمة التي ألقاها رِثاءً للمرحوم:
الْيَومُ قد انهدّ رُكنُ العِلْمِ والحكم يَحِقُّ لِلْعَيْنِ أنْ تَبكي بِدَمْعِ دَمِ
إنّا إلى اللهِ مِنْ دَهْماءَ مُزْعِجَةً عظماء سوداء تحكي حندس الظلم
الله أكبر من خَطْبٍ ألمّ بنا في عصرنا ذي الشقاء والبُؤس والنِّقَمِ
مُبَجَّلٌ طاهرٌ الحَوْباء خِضَمٌّ فَتًى مُهَذَّبٌ حَسَنُ الأخْلاقِ وَالشِّيَمِ
شَهْمٌ حَميدُ الْمَزايا وَالْخِصالِ كُنِّيَ أبا حسين وإبراهيم ذاك سُمّي
وهذا ما كُتب على شاهد قبر الشيخ:
"هذا مقام الرئيس الطيّب الخبر / شيخ الشيوخ العظيم المجد والخطر / لا غرو في موت إبراهيم بالقدر / فقبله مات حقًّا سيّد البشر
حجرة الشيخ الذي نال الثواب / بالتُّقى والعلم داعي من أجاب / موت إبراهيم ذي التُّقى مصاب / أرِّخوه غاب بدر بالحجاب"
الحندس: الليلُ الشديد الظلمة.
الحَوْباء: النَّفس.
*64*
للإجمال
1. هاجر الشيخ إبراهيم الهجريّ (ر) عدّة مرّات خلال حياته.
أ. خمّنوا ما هي المصاعب التي واجهها في كلّ هجرة من هجراته؟
ب. أيّ هجرة من الهجرات كانت، حسب رأيكم، الأصعب بالنسبة إليه، ولماذا؟
ج. هل، حسب رأيكم، كان للهجرات تأثير في بلورة شخصيّة الشيخ المميّزة؟ علِّلوا.
2. عُرِفت شخصيّات تاريخيّة ودينيّة في الطائفة الدرزيّة بألقاب مختلفة، مثل: الشيخ إبراهيم (ر) الّذي لُقِّبَ، بالهجريّ. اِبحثوا في المصادر المتوفّرة لديكم عن شخصيّتَيْن درزيّتَيْن أُطلِقت عليهما ألقاب خاصّة، واشرحوا لماذا أُلصِقت بهم لهذه الألقاب.
3. أ. اُكتبوا باختصار عن إسهامات الشيخ إبراهيم الهجريّ (ر) للطائفة الدرزيّة.
ب. اُكتبوا الخصال التي تميّز بها الشيخ إبراهيم (ر)، حسب قصيدة الرثاء التي ألقاها الشيخ أبو زين الدين حسن العقيليّ، بعد وفاة الشيخ.
4. اِستعينوا بمصادر المعلومات واكتبوا، باختصار، عن زعيم أو شيخ آخر من بيت الهجريّ. اُكتبوا اسمه، متى عاش وماذا كان دوره في الزعامة الروحيّة للطائفة الدرزيّة في سورية؟ صِفوا حدثًا هامًّا شارك فيه، أو عملًا قيّمًا أنجَزَه.
*65*
الشيخ نجيب العسراويّ (ر)
الشيخ نجيب سعد الدين حسن عبد الله العسراويّ (1891-1987 م.)، هو زعيم درزيّ من أصل لبنانيّ، هاجر بعد الحرب العالمية الأولى (عام 1920 م) إلى البرازيل في أمريكا الجنوبيّة. يعتبر الشيخ نجيب العسراويّ (ر) شخصيّة ذات أهمّيّة كبيرة في تاريخ الجالية الدرزيّة في البرازيل؛ فقد كان كاتبًا، ومحاميًا، وصحفيًّا، ومربّيًا، وكان له تأثير كبير في أبناء الجالية الدرزيّة هناك. عمِل الشيخ العسراويّ (ر) كلّ ما في وُسْعه كي يثير في قلوب أبناء الجالية تضامنًا مع تراثهم وتقاليدهم الدرزيّة العريقة، ونجح في خلق تكتُّل الجالية الدرزيّة في البرازيل، والحفاظ على علاقتها مع التجمّعات الدرزيّة في الشرق الأوسط.
(يوجد صورتان في الكتاب استعن بالمعلم: مسقط رأس الشيخ نجيب العسراويّ (ر)، عالية، لبنان، مدينة ريو دي جانيرو البرازيليّة، التي هاجر إليها الشيخ العسراويّ (ر) وعاش فيها حتّى وفاته).
*66*
إثراءٌ
الموحّدون الدروز: تنقّلاتهم وترحالهم خارج منطقة الشرق الأوسط
حدثت هجرة أبناء الطائفة الدرزيّة، على مرّ تاريخ الطائفة، داخل نطاق بلدان الشرق الأوسط. غير أنّه في منتصف القرن ال 19 م. تغيّرت الأمور؛ حيث بدأ الموحّدون الدروز يتطلّعون إلى الهجرة إلى بلدان ما وراء البحار.
ما هي العوامل التي دفعت الموحّدين الدروز إلى الهجرة من الشرق الأوسط آنذاك؟
لقد تفاقم الوضع الاقتصادي والأمنيّ للموحّدين الدروز في الشرق الأوسط آنذاك، حتّى إنّ جبل الدروز لم يعُد ذلك الملجأ الآمن والمستقرّ. في المقابل، زاد نفوذ الدول الغربيّة الكبرى، مثل: بريطانيا وفرنسا، وبدأت العلاقات بين الموحّدين الدروز والغرب تتعزّز وتتوثّق، فقام عدد كبير من الموحّدين بالهجرة إلى هذه الدول، وهكذا بدأ يزداد عدد الموحّدين الدروز الذين رغبوا في الابتعاد عن وطأة الحكم العثمانيّ، الذي فرض قيودًا على حرّيّة التعبير والحرّيّات الشخصيّة، فتوجّه الموحّدون الدروز إلى بلاد يسود فيها جوّ سياسيّ أكثر انفتاحًا. كان غالبيّة المهاجرين من المثقّفين، فإمّا توجّهوا إلى مصر، من جهة، أو إلى أوروبّا من جهة أخرى. من بين المعروفين منهم: الشيخ إسماعيل جنبلاط (ر)، ابن الشيخ بشير جنبلاط (ر)، الذي أوفده القنصل البريطانيّ إلى لندن عام 1842 م، وذلك من أجل تعزيز العلاقات بين الجاليات الدرزيّة والسُّلطات البريطانيّة؛ ومنهم، كذلك، الأمير شكيب أرسلان (ر)، الذي أمضى، خلال النصف الأوّل من القرن ال 20 م.، فترات طويلة من حياته في ألمانيا، تركيّا ودوَل البَلْقان. بالإضافة إلى ذلك، كان لعدم الاستقرار السياسيّ والتخوّفات، ممّا سوف يحصل في المستقبل لبلدان الشرق الأوسط، تأثير كبير في زعزعة الاستقرار الاقتصاديّ عند الموحّدين الدروز في المنطقة. وفي الوقت نفسه، غرست العلاقات مع الغرب آمالًا عند الكثيرين من الموحّدين، بأنّهم إذا هاجروا، سيتمكّنون من العثور على أماكن عمل جديدة تُحسّن من وضعهم الاقتصاديّ. لذلك هاجر عدد كبير من الشباب الدروز إلى أوروبّا، أمريكا، إفريقيا وأستراليا، وكان الشيخ نجيب العسراويّ (ر) من بين هؤلاء.
(يوجد صورة للأمير شكيب أرسلان).
*67*
محطّات الهجرة في حياة الشيخ نجيب العسراويّ (ر)
تنقّل الشيخ نجيب العسراويّ (ر) في أماكنَ متعدّدة خلال حياته. ستقرأون، في الصفحات القادمة، عن المحطّات الهامّة في طريقه: عن المدن التي سكنها، وعن الأسباب التي أدّت إلى تنقّله من مكانٍ إلى آخر.
من بَتاتِر إلى بيروت، ومن بيروت الى إسطنبول
وُلد الشيخ نجيب العسراويّ (ر) في قرية بتاتر، في جبل لبنان عام 1891. انتقلت عائلته من القرية إلى بيروت لمّا كان طفلًا صغيرًا، وهناك نشأ وترعرع. في فترة شبابه، بدت عليه علامات النجابة والذكاء، كما بدت عليه في وقتٍ مبكّر علامات القيادة والريادة، وكذلك الاستقامة والعدل والإنصاف. وعند بلوغه، انتقل الشيخ العسراويّ (ر) إلى إسطنبول لدراسة الحقوق في جامعتها، وفي الوقت نفسه تخصّص في مهنة الصحافة. تفوّق الشيخ العسراويّ (ر) في دراسته الأكاديميّة، وكان موضوع أطروحة الدكتوراه التي قدّمها في جامعة الأستانة (إسطنبول) علومَ الدين، العلوم والفلسفة، وقد عمل في أثناء دراسته صِحافيًّا.
(يوجد صورة للبوّابة الرئيسة لجامعة إسطنبول).
من تركيّا إلى شبه الجزيرة العربيّة
في أحد مقالاته الصحافيّة، كتب الشيخ نجيب العسراويّ (ر) أنّ غالبيّة الرموز التي يتباهى بها العثمانيّون، مثل: الثقافة واللغة، أصلُها مستمَدٌّ من الحضارة العربيّة، وقد أثارت هذه الأقوال حفيظة السُّلطات العثمانيّة في إسطنبول، فاضطُرّ الشيخ العسراويّ (ر) إلى الهرب نحو الحجاز، في شبه الجزيرة العربيّة، واللجوء عند الأمير فيصل، نَجْل الشريف حسين، الذي استقبله بحفاوةٍ فوجد عنده الأمن والحماية، وألقى الأمير على عاتقه بعض الوظائف الإداريّة والعسكريّة.
تميّزت الفترة التي قضاها الشيخ العسراويّ (ر) في منطقة الحجاز بالنشاط والعمل الدَّؤوب، إذ شارك في الثورة العربيّة الكبرى ضدّ العثمانيّين، خلال الحرب العالميّة الأولى، حتّى إنّه جُرح ثلاث مرّات خلال المعارك المختلفة. وقد قاتل إلى جانب لورنس العرب، المقاتل البريطانيّ المشهور. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، ونجحت الثورة العربيّة، وهُزم العثمانيّون، منحته السُّلطات البريطانيّة وسامَ البطولة، وحصل على وظيفة إداريّة هامّة من قِبل الأمير فيصل، تقديرًا له على إسهامه الكبير في تحقيق النصر العربيّ على العثمانيّين.
*68*
من الشرق الأوسط إلى البرازيل
كان الشيخ نجيب العسراويّ (ر)، مع نهاية الحرب العالميّة الأولى، من ضمن فريق المنتصرين، لكنْ بعد سنتَيْن فقط، اضطّر هذا الوجيه الدرزيّ، المكلَّل بالأوسمة، إلى الهجرة من الشرق الأوسط. حصل هذا كلّه في أعقاب توقيع معاهدة سايكس - بيكو بين بريطانيا وفرنسا، والتي بموجبها قسّمت الدولتان مناطق نفوذهما في الأماكن التي حكمتها الإمبراطوريّة العثمانيّة، في الشرق الأوسط. أدّت هذه التغيّرات في موازين القوى في الشرق الأوسط إلى زعزعة مركز الشيخ العسراويّ (ر)، وضعضعت أمْنَه وثقتَه بنفسه، عندها وصل إلى قناعة بأنّ الوقت قد حان ليترك الشرق الأوسط.
هكذا قام الزعيم الدرزيّ، في آذار سنة 1920 م.، وترك بلاده مُهاجرًا من دمشقَ إلى البرازيل. استُقبل، حال وصوله إلى البرازيل، كأحد كبار الصحافيّين في هيئة تحرير صحيفة "العاصمة". ولمّا واجهت الصحيفة صعوبات مادّيّة حادّة، اشتراها الشيخ العسراويّ (ر) وغيّر اسمها إلى صحيفة "الإصلاح"، وجعلها ناطقة بلسان المهاجرين الدروز، وعَكَف، في الوقت نفسه، على تأليف كتب تُعنى بتاريخ الموحّدين الدروز، وبشرح تعاليم مذهب التوحيد. أصبحت مؤلّفات الشيخ العسراويّ (ر) كتبًا رائدة وراقية، ونُشرت أبحاثه بين الجاليات والتجمُّعات الدرزيّة في أرجاء العالم.
كان الشيخ العسراويّ (ر) شخصيّة مركزيّة في حياة الجالية الدرزيّة في البرازيل؛ كان من عادته التجوّل بين أماكن سكن الدروز المختلفة، وحاول أن ينشر، بين أبناء الأجيال الدرزيّة الصاعدة، فضائل الطائفة الدرزيّة وقيَمها الأساسيّة، وكان يقصد في محاضراته وتصريحاته العلنيّة، دائمًا، أن يشرح أمورًا مذهبيّة دينيّة ويفسّر فحوى الهويّة الدرزيّة، كما اهتمّ كثيرًا بتوعية أبناء الشبيبة الدروز، فأسَرَت فصاحته وسعة معلوماته قلوب الكثيرين منهم.
من بين التحدّيات الرئيسة التي واجهت الجالية الدرزيّة في البرازيل كانت قضيّةُ الجيل الصاعد، الذي لم يكن يتحدّث اللغة العربيّة، بل يُجيدُ اللغة البرتغاليّة المحلّيّة. لذلك ألّف الشيخ العسراويّ (ر) كتابًا باللغة البرتغاليّة، يشرح فيه أُسس مذهب التوحيد وهويّته وتاريخه. انتشر هذا الكتاب كثيرًا في أوساط الجالية التوحيديّة الدرزيّة في البرازيل، واعتمد عليه الكثيرون واعتبروه مصدرًا هامًّا يشرح أصل الموحّدين الدروز وهويّتهم. وصل الكتاب إلى أيدي قرّاء غير دروز من بين السكّان المحلّيّين، ممّا جعل هؤلاء يهتمّون بمذهب التوحيد الدرزيّ. تقديرًا لنشاط الشيخ العسراويّ (ر) الاجتماعيّ والثقافيّ، وبعد أنْ أثبت الكتاب الذي ألّفه قيمتَه وخدمته للسكّان، قرّرت حكومة البرازيل منح الشيخ العسراويّ (ر) لقب "وزير روحانيّ".
أسّس الشيخ العسراويّ خلال حياته جمعيّة الإصلاح الدرزيّة، التي وضعت نُصب عينيها دعم الهويّة الدرزيّة وتعزيزها بين صفوف الشباب. أدّى ذلك إلى اعتراف رسميّ من قِبل حكومة البرازيل بالطائفة الدرزيّة بأنّها طائفة مستقلّة، وبإقامة مقبرة درزيّة منفردة، حوفظ فيها على عادات الدفن المتّبعة لدى
*69*
الطائفة. بالإضافة إلى ذلك، مارس الشيخ العسراويّ (ر) نشاطًا مكثّفًا في أوساط الموحّدين الدروز في الشرق الأوسط، بصورة عامّة، وفي إسرائيل بصورة خاصّة؛ فقد كان هو أحد الكُتّاب الذين نشروا مقالات في مجلّة "الهدى"، التي عُنيت بشؤون الدروز في إسرائيل، ودعم تعليم التراث الدرزيّ في المدارس الدرزيّة في البلاد وشجّعه كثيرًا.
اتّفاقيّة سايكس - بيكو:
اتّفاقية سياسيّة سرّيّة بين فرنسا وبريطانيا، وُقّعت عام 1916 م. من قِبل مندوب وزارة الخارجيّة البريطانيّة، مارك سايكس، وممثّل وزارة الخارجيّة الفرنسيّة، شارل فرنسوا جورج بيكو. كان الهدف من الاتّفاقيّة تحديدَ مناطق نفوذ الدولتَيْن الكبيرَتَيْن في مناطق الإمبراطوريّة العثمانيّة، في الشرق الأوسط، بعد انتهاء الحرب العالميّة الأولى. بموجب هذه الاتّفاقيّة، حصلت فرنسا على لبنان وسورية وشمال - شرق تركيّا، في حين نالَت بريطانيا الأردنّ والعراق والخليج العربيّ وأجزاءً من إسرائيل.
إثراءٌ
توطُّن الموحّدين الدروز في البرازيل
تُعتبر الجالية الدرزيّة في البرازيل أكبرَ الجاليات الدرزيّة في ما وراء البحار؛ إذ يصل عدد أفرادها إلى عشرات الآلاف. بدأت الهجرة الى البرازيل عام 1885 م.، مع انتقال عدد من المهاجرين الدروز الأوائل إليها، وكان غالبيّتهم من لبنان وبعضهم من سورية وإسرائيل. سكن المهاجرون، بدايةً، القرى والمدنَ الريفيّة البرازيليّة، وكانت وسائل الاتّصال بينهم ضعيفة. وبعد سنوات، بدأ هؤلاء بالانتقال إلى المدن الكبيرة، وأخذت الجالية الدرزيّة تُنظّم شؤونها وتُديرها بنفسها.
أقيم في أواخر سبعينيّات القرن العشرين "البيت البرازيليّ الدرزيّ"، في مدينة ساو باولو. كما أُصدرت مجلّة درزيّة، وُزّعت في أماكن وجود الدروز في البرازيل. مع مرور الوقت، اندمج عدد كبير من المهاجرين الدروز وأبناؤهم بنجاح في المجتمعات المحلّيّة، فشاركوا في الحياة السياسيّة، وتبوّأوا مناصب عامّة وهامّة. يحافظ الموحّدون الدروز في البرازيل على علاقات وثيقة مع إخوانهم في الشرق الأوسط، ويزور الكثيرون منهم الأهل والأقارب في سورية ولبنان وإسرائيل.
*70*
أوسمة وشهادات تقدير
لم يغِب عن أعين زعماء الطائفة الدرزيّة، في الشرق الأوسط، الإسهامُ الكبير للشّيخ نجيب العسراويّ (ر) في الحفاظ على وَحدة الطائفة في البرازيل، وعلى الهويّة التوحيديّة الدرزيّة المميّزة لها. تقديرًا لأعماله، قامت مشيخة العقل الدرزيّة في لبنان بتعيين الشيخ العسراويّ (ر)، عام 1956 م.، ممثّلًا رسميًّا لها في دوَل أمريكا الجنوبيّة، وكان من مهامّه في إطار هذه الوظيفة أن يمثّل البرازيل في الرئاسة الدينيّة، كما عُيّن رئيسًا للجالية الدرزيّة في البرازيل، وبعد تعيينه في هذا المنصب المرموق، عيّن هو بنفسه أئمّة لإدارة الشؤون الخاصّة بالتجمّعات الدرزيّة في البرازيل، مثل: إجراء عقود الزواج، ترتيب إجراءات الطلاق والميراث وغيرها من الأحوال الشخصيّة.
حظي الشيخ العسراويّ (ر)، طيلة حياته في البرازيل، بتقدير واحترام أبناء طائفته وكذلك المؤسَّسات المختلفة. اتّخذ الدروز في البرازيل عدّة مبادَرات للاعتراف بخدماته ولتبجيل شخصه، وقد نظَم الشاعر الدرزيّ، شفيق عبد الخالق، وهو أحد المهاجرين من لبنان إلى البرازيل - قصيدةً عام 1978 م.، يُعدّد فيها مناقب الشيخ العسراويّ (ر)، اخترنا منها الأبيات التالية:
"أولوك حقّك تقديرًا وعرفانا وقلّدوك وشاحات وتيجانا
لا فضل في عمل قد كنت سابقهم فيه وجليت إبداعًا وإتقانا
صلّيْتَ "للحكمة" المُثلى وجَوْهَرِها كما تُقَدِّسُ إنجيلًا وقُرآنا
وقد يعجز الحرف أن تُحصى مناقبكم وأن يوفيك إجلالًا وتِبْيانا
ذرِ القَوافي ونطق الحرف ناحية فالقلبُ ينطق مُمْتَنًّا وعِرْفانا"
الأيّام الأخيرة في حياة الشيخ
انتقل الشيخ نجيب العسراويّ (ر) إلى رحمته تعالى عام 1987 م.، وكان قد بلَغ ستّة وتسعين عامًا. تلقّى أبناء الجاليات الدرزيّة جميعهم نبأ وفاته بأسًى وحُزن شديدَيْن، وجرَت في دوَل أمريكا والشرق الأوسط والعالَم مواقفُ تأبين ومراسمُ ذكرى للمرحوم، تقديرًا لنشاطاته وأعماله، ولمركزه بصفته رجل دين وزعيم درزيّ هامّ، وكذلك تعبيرًا عن الاحترام الكبير الذي يكنّه له أبناء الطائفة الدرزيّة خاصّة.
*71*
1. خلال حياته، تنقّل الشيخ نجيب العسراويّ (ر) بين عدّة دوَل حتّى وصَل إلى
البرازيل.
أ. اُذكروا عَدَد الهجرات التي قام بها الشيخ العسراويّ (ر) خلال حياته، واكتبوا الأسباب التي أدّت إلى كلّ هجرة.
ب. أيّ من مَيْزات الهجرة عند الموحّدين الدروز مطابقة لهجرات الشيخ العسراويّ (ر)؟
ج. كيف، حسب رأيكم، أثّرت الهجرات في شخصيّة الشيخ نجيب العسراويّ (ر)؟
2. اِشرحوا كيف برَز القول المأثور "سُبْحانَ مُغَيِّرِ الأحْوال"، الذي ذُكر في بداية هذا الفصل، في مَجرى حياة الشيخ العسراويّ (ر).
3. لماذا، حسب رأيكم، أثّر تدخُّل الدوَل العظمى في الشرق الأوسط في تشجيع الهجرة
الدرزيّة إلى خارج هذه المنطقة؟
4. ما رأيكم:
أ. كيف شعر الموحّدون الدروز الذين تركوا وطنهم وابتعدوا إلى ما وراء البحار؟
ب. ماذا كان ردّ فعل أقاربهم وأهاليهم الذين بقوا في الشرق الأوسط؟
ج. لو كنتم مكانهم، هل كنتم ستختارون الهجرة أيضًا؟ لماذا؟
5. قارنوا بين مهارات الشيخ العسراويّ (ر) مُذ كان شابًّا في بيروت ومهاراته التي ظهرت في أثناء الثورة العربيّة. هل هناك علاقة بين هذه المهارات؟ علّلوا.
6. اِختاروا ثلاثة أعمال قام بها الشيخ العسراويّ (ر).
أ. اُذكروا، بالنسبة إلى كلّ واحدٍ منها، كيف أسهم في تعزيز الهويّة الدرزيّة في أوساط الموحّدين الدروز.
ب. ما هي، حسب رأيكم، أهمّ أعمال الشيخ العسراويّ (ر)؟ علّلوا إجاباتكم.
*72*
إجمال
مَهمّة بحث الشيخ حمدان الحمدان
توزّعوا في مجموعات من أزواج لتحضّروا مهمّة بحث إجماليّة، حول شخصيّة الشيخ حمدان الحمدان.
اِستعينوا بالمراجع وبمصادر المعلومات المختلفة، واكتبوا عن الشخصيّة مهمّة بحث مكوّنة من 4-5 صفحات، تُسلّط الضوء على تأثير الهجرة في حياته، وعلى مدى تدخّله في موجات الهجرة الدرزيّة. اِستعينوا في كتابة مهمّتكم بالأسئلة الموجِّهة التالية، وبالمصادر المذكورة في ما بعد. يمكنكم الاستعانة، أيضًا، بمصادر معلومات إلكترونيّة، بكتب التراث، أو بمعارفكم.
1. أين وُلد الشيخ حمدان الحمدان؟ ومتى عاش؟
2. ماذا تعرفون عن عائلته، عن مَنْبتها وأصولها؟
3. ماذا كانت ثقافته؟ وأين ترَعْرَع؟
4. ماذا يُحكى عن أيّام طفولته؟
5. ما هي محطّات الهجرة في حياته: متى، من أين، وإلى أين هاجر؟
6. بالنسبة إلى كلّ هجرة، جِدوا الأسباب التي أدّت إليها، واكتبوا عن الأهداف التي جذبته إلى المكان الذي هاجر إليه، وكيف أثّرت الهجرة في حياته.
7. أيّ من مَيْزات الهجرة عند الموحّدين الدروز تنطبق على هجراته؟
8. هل وقعت خلال حياته أحداث تاريخيّة هامّة؟ إلى أيّ مدًى شارَكَ فيها؟
9. كيف انتهت حياته؟
10. أيّ القِصص تُروى عنه؟
*73*
(يوجد صورة في الكتاب شرح بواسطة المعلم)
هاجرت عائلة آل حمدان إلى جبل الدروز في أواخر القرن ال 17 م.، وتزعّمت قيادة الجبل في القرنَيْن ال 18 وال 19 م. في الصورة :القمّة الأعلى في جبل الدروز.
قائمة مرابع ومصادر معلومات عن الشيخ حمدان الحمدان
- البعينيّ، حسن، مشيخة عقل الموحّدين الدروز، لبنان، 2015.
- البعينيّ، حسن، جبل العرب صفحات من تاريخ الموحّدين الدروز، لبنان، 1990.
- الصغيّر، سعيد، بنو معروف في التاريخ، سوريا، 2002.
- الملحم، إسماعيل، وآخرون. سويداء سورية موسوعة شاملة عن جبل العرب، سوريا، 1995.
- ناطور، سميح، موسوعة التّوحيد الدرزيّة، آسيا، دالية الكرمل، 2011.
- مصادر معلومات إلكترونية: موقع العمامة: www.al-amama.com.
*74*
*74*
القِصص الشعبيّة والحكايات هي جزء من تراث الشعوب ومختلف الثقافات، وهي تحتلّ مكانة رفيعة في التراث الدرزيّ أيضًا. على مرّ التاريخ، اعتاد الناس رواية القِصص والحكايات المثيرة على مسامع أقربائهم ومعارفهم، تلك الحكايات انتقلت شفويًّا، من جيل إلى جيل، ومن مكان إلى مكان، ومنها ما انتقل من شعْبٍ إلى آخر. بعض الرُواة كانوا من أفراد العائلة؛ حيث روى كبار السنّ القِصص للجيل الصغير، وبعضُهمُ الآخر كانوا رُواة مُحترِفين، انتقلوا من مكان إلى آخر، ورَووا القِصص للسّكّان الذين فرحوا بهذا الحدث الترفيهيّ والثقافيّ. لاءم الراوي والراوية الحكاية للثّقافة واللغة المحلّيّتَيْن والمصطلحات الخاصّة بهما، وكذلك للجمهور، وللمكان والحَدَث اللّذَيْن رُويَت فيهما القصّة. هكذا تطوّرت القِصص وتغيّرت، حتّى بِتْنا نجِد أكثر من صيغة واحدة للقصّة نفسها. أُطلق على هذه القِصص اسم "القِصص الشعبيّة".
في السنوات اللاحقة، خاصة مع تطوّر وسائل الاتّصال والترفيه الجماهيريّة (التلفاز، السينما وغيرها)، قلّت أهمّيّة القصّة الشعبيّة، وتضاءلت الأحداث والمناسبات التي ترتكز على رواية هذه القِصص. نتيجة لذلك فإنّ الكثير من القِصص الشعبيّة باتت منسيّة، ومعها اختفت أجزاء هامّة من الثقافة والتراث. مع ذلك، تشهد القصّة الشعبيّة انتعاشًا في الآونة الأخيرة، وتُبذَل جهود جادّة من أجل جمعها وتوثيقها. يقوم على هذا العمل أشخاص مُدرِكون لقيمةِ الحفاظ على القِصص والحكايات للأجيال القادمة، ولإسهامها الهامّ في بحث تراث الشعوب والطوائف وثقافاتهم. من بين، الذين يُسهمون في توثيق القِصص الشعبيّة والحكايات نَجِد الباحثين في أمور المجتمع والثقافة، من جهة، وأشخاصًا عاديّين، يرغبون في حِفْظ تراثهم الفريد، من جهة أخرى.
مرّت القِصص الشعبيّة والحكايات المنتشرة بين أبناء الطائفة الدرزيّة بظروف مشابهة. بعضُها رُوي على لسان أبناء الطائفة، وبعضُها رُوي على لسان رُواة من أبناء الثقافة العربيّة، الذين أقام الدروز بينهم منذ فجر التاريخ؛ وبعضُها قِصص عالميّة، وجَدَت طريقها إلى تُراث الطائفة الدرزيّة في فترات مختلفة.
(يوجد صورة في الكتاب شرح بواسطة المعلم)
حكواتيّ في "القهوة"، دمشق، سورية.
*75*
يختلف هذا الفصل عن بقيّة فصول الكتاب؛ حيث ستجدون، إلى جانب المعلومات عن القِصص الشعبيّة والحكايات، تعليماتٍ مفصّلةً لتوثيق القِصص الشعبيّة، وتوجيهاتٍ لتحضير ملفِّ قِصص شعبيّة وحكايات من اختياركم. كذلك توجد في هذا الفصل توصياتٌ لترتيب أمسية، تَروون خلالها، لأفراد عائلاتكم، قِصصًا وحكايات من التراث الدرزيّ.
هذه المشاريع من شأنها أن تقرّبكم من كنوز التراث الدرزيّ: القيَم، التاريخ، العادات والفضائل التي تتضمّنها القِصص والحكايات في طائفتنا.
في هذا الفصل ثلاثة أجزاء:
الجزء الأوّل: معلومات عن القِصص الشعبيّة والحكايات، بشكل عامّ، وعن قِصص من التراث الدرزيّ، بشكل خاصّ؛
الجزء الثاني: ملفُّ قِصص شعبيّة؛
الجزء الثالث: توجيهاتٌ لتحضير ملفّ قِصص شعبيّة وحكايات، وتنظيم أمسية لرُواتها.
(يوجد صورة للعرض الكرنفاليّ "ألف ليلة وليلة" في إسبانيا، 2015.
*76*
الجزء الأوّل: معلومات عن القِصص الشعبيّة والحكايات
مقدّمة
معظم القِصص الشعبيّة أُلّفت في الماضي، وكانت، بشكل عام، ولا تزال معروفة لدى الكثيرين، وقد اعتدنا روايتها منذ تأليفها حتّى يومنا هذا. انتقلت القِصص من جيل إلى آخر، وتجوّلت من مكان إلى مكان، وأحيانًا من شعْبٍ إلى آخر.
كيف يحدث هذا؟ أحدُهم يروي قصّة حدثت معه، قصّة من نسج خياله، أو حادثة وقعت بالفعل ووصلت إلى مسامعه. يسرد الراوي القصّة ويضيف إليها تفاصيلَ جديدة، تُلائم ذوقه، وتناسب ردود الفعل من جمهور المستمعين له. في كثير من الأحيان، يُضيف الراوي إلى القصّة حلولًا للمصاعب والمِحَن التي يتعرّض لها المستمعون له في حياتهم اليوميّة، كأنْ يروي قصّة نجح أبطالها في تحقيق أمنياتهم، وهكذا يمنح الراوي الأمل لمستمعيه. إذا كانت القصّة مثيرة للاهتمام، وكان الراوي ماهرًا، حيث استطاع أن يترك انطباعًا إيجابيًّا لدى الجمهور، فإنّ القصّة سوف تستمرّ وتنتقل، وستُحكى مرارًا وتكرارًا في المناسبات المختلفة؛ ستنتقل من عائلة إلى عائلة، من بلدة إلى ثانية وثالثة، وأحيانًا ستعبر القارّات والمحيطات. مع الانتقال من مكان إلى آخر، ومن راوٍ إلى آخر، ومن جمهور مستمع إلى جمهور آخر، تتغيّر القصّة، وأحيانًا نعثر على القصّة نفسها بعدّة أشكال لدى الشعوب والمجتمعات المختلفة.
رُوِيَت القِصص الشعبيّة والحكايات على لسان رُواة من الرجال أو النساء: في أوقات الفراغ، الاحتفالات، الأعياد وفي الاجتماعات العائليّة. اعتاد الرجال من أبناء الطائفة الدرزيّة التجمُّع في الأماكن العامّة، مثل: الديوان، أو المنزول (المضافة). في هذه التجمّعات وصَف رُواة القِصص أحداثًا مثيرة سمعوا عنها، أو حدثَت معهم شخصيًّا في أثناء رحلاتهم ومعاركهم. رَووا قِصصًا بطوليّة حول أحداث وقعَت في ساحة المعركة، وصَفوا المخاطر التي تربّصت لهم في أثناء تنقّلهم، وشرحوا كيف تخلّصوا منها وتغلّبوا على أعدائهم. روى كبار السنّ قِصصًا من الماضي عن شخصيّات تاريخيّة، عن أبطال دروز وعن الأحداث الغريبة التي حصلت معهم.
(يوجد صورة في الكتاب شرح بواسطة المعلم).
مضافة (منزول)، حيث اعتاد الدروز الاجتماع والاستماع إلى رُواة القصص.
*77*
النساء الدرزيّات، أيضًا، كان لهنّ دور في رواية القِصص. هؤلاء النساء، رُواة القِصص، كُنَّ كبيرات السنّ، وقد اعتدْنَ رواية القِصص لأفراد العائلة في ساعات المساء، وخاصّة في فصل الشتاء. أبحرت النساء في خيالهنَّ، ونسجْنَ قِصصًا جديدة، أو قُمْنَ برواية قِصص سمعْنَها من صديقاتهنَّ، أو من الرجال.
أحيانًا، كان يزور القرية ضيف - "حكواتيّ"، وكانت زيارته للقرية تتحوّل إلى احتفال: يتحلّق الرجال والنساء والأطفال حوله، فيسحرهُم بقِصصه التي كان يُرفِقها، أحيانًا، بالعَزْف والغناء.
هكذا انتقلت القِصص من شخص إلى آخر، من امرأة إلى أخرى، من الأهل إلى أبنائهم، ومن رُواة القِصص إلى الجمهور المُحبّ للاستماع إليها. تُعتبر القِصص الشعبيّة أداة تعليميّة قيّمة أيضًا؛ فالجمهور الذي استمع للقِصص الساحرة بشغف كبير، تعلّم من هذه القِصص، وتأثّر بالقيم والعِبَر المستوحاة منها، وصار يفخر بتراثه.
في الصَفِّ
1. هل بإمكان كلّ شخص أن يؤلّف قصّة شعبيّة، حسب رأيكم؟ علِّلوا.
2. يُعنى الباحثون في مجالات معرفة مختلفة بالقصّة الشعبيّة، يجمعونها ويدرسونها. خَمّنوا، في أيٍّ من مجالات المعرفة تُجمع القِصص الشعبيّة والحكايات، وماذا يفحص الباحثون في هذه القِصص بالنسبة إلى كلّ واحد من المجالات التي ذكرتموها.
1. اِقرأوا في الجزء الثاني القصّة الأولى، "محبّة الأخَوَيْن الكبيرة"، الصيغة الدرزيّة: هل هذه القصّة معروفة بالنسبة إليكم؟ هل تعرفون صيغة أخرى لهذه القصّة؟ إذا كانت الإجابة "نعم"، اُكتبوا باختصار الفروق بين الصيغة الموجودة في هذا الجزء والصيغة التي تعرفونها.
2. والآن، اِقرأوا في الجزء الثاني القصّةَ "محبّة الأخَوَين الكبيرة"، الصيغة اليهوديّة. ما هي أوجُه الشبه وأوجُه الاختلاف بين الصيغة الدرزيّة والصيغة اليهوديّة؟
*78*
ميزات القصّة الشعبيّة
للقِصص الشعبيّة والحكايات مَيْزات تتعلّق بكونها قِصصًا بدأت تنتقل، شفويًّا، من جيل إلى آخر.
إليكم بعض هذه المَيْزات:
افتتاحيّة مأثورة
القصّة الشعبيّة عالَمٌ من السحر، وافتتاحيّتها تمثّل الباب الذي نعبُر من خلاله، بصفتنا مستمعين أو قُرّاء، من عالمنا (الواقع) إلى عالم السرد (الخيال). تبدأ القِصص الشعبيّة، في مختلف الثقافات، بافتتاحيّة قصيرة ومأثورة، ذات مبنى معروف، مثل:
"كان يا ما كان، في قديم الزمان وسالف العصر والأوان".
إثراءٌ
افتتاحيّات القِصص الشعبيّة
بِحُكم التقليد في القِصص الشعبيّة، توجد في كلّ لغة افتتاحيّة تقليديّة، ثابتة ومعروفه، مثل:
في العبريّة: "היה היה" או "פעם אחת בארץ רחוקה".
في الإنجليزيّة: "Once upon a time" ("كان يا ما كان").
في الإسبانيّة: "Habia una Vez" ("كان يا ما كان").
في الفارسيّة: يكى بود، يكى نبود، غير از خدا هيحكس نبود" ("كان هناك واحد، ولم يكن هناك غيره، ولم يكن أحدٌ غير الله").
خاتمة مميّزة
تعكس الكثير من القِصص الشعبيّة والحكايات أمنيات خفيّة لدى الجمهور المستمِع، تقضي، في نهاية الأمر، بأنْ ينتصر الخير ويظفر بالثواب، ويُهزم الشرّ ويلقى العقاب، تُحلّ المشاكل، ويتغلّب الضعفاء على الأقوياء. لذلك نَجِد، في غالبيّة القِصص الشعبيّة والحكايات، صراعًا عنيفًا ومعقّدًا ينتهي بالوصول إلى حلّ لجميع المشاكل والتعقيدات، كأنْ نقول: "ومنذ ذلك الحين وهم يعيشون في سعادة ورخاء حتّى يومنا هذا".
*79*
العنصر الفوق طبيعيّ
نَجِد في القِصص الشعبيّة والحكايات، في كثير من الأحيان، أحداثًا سحريّة وفوق طبيعيّة، يصعب حصولها على أرض الواقع؛ كأنْ تظهر في القِصص شخصيّات تبدِّل أشكالها وتغيّرها، شخصيّات غير عاديّة، تمتلك قوًى خارقة، أو حيوانات لديها القدرة على الكلام تمامًا مثل الإنسان.
قصّة ساحرة
يستعين راوي القِصّة بشتّى الطرُق والوسائل كي يستحوذ على اهتمام الجمهور وإعجابه. حبكة القصّة ممتعة ومُشوّقة، وأحيانًا مخيفة؛ تمتزج قِصص كثيرة بالفكاهة والشخصيّات المُسلِّية؛ في كثير من القِصص يكون الأبطال حيوانات تتّسم بصفات إنسانيّة، وكذلك بكثرة استعمال الحديث المباشر والحوار، مثل: "قال لها: "..."، أجابتْهُ: "...". يغيّر الراوي الماهر صوته في أثناء روايته القصّة، ويتحدّث بصوت الشخصيّات، وهكذا نحصل على عرض متكامل على لسان ممثّل واحد فقط.
المغزى أو العبرة
تنطوي معظم القِصص الشعبيّة والحكايات على رسالة معيّنة، تهدف إلى تعليم المغزى، مثل: "من الواجب أن يطيع الأطفال آباءهم"، أو "لا بدّ للكذب أن يُكشف في النهاية فتظهر الحقيقة". تسعى القصّة الشعبيّة لتعليمنا شيئًا عن العالَم الذي نحيا فيه، لتُوضّح كيفيّة التصرّف، أو لتُقدّم رسالة تربويّة. نَجِد، أحيانًا، أنّ المغزى مُصرَّح به في القصّة، وأحيانًا أخرى يكون على القارئ أن يستنتج المغزى من القصّة بنفسه.
ثلاث شخصيّات
تظهر، عادةً، في القصّة الشعبيّة ثلاث شخصيّات: الشخصيّة الأولى إيجابيّة (الحكيم، الفقير، الصّالح، الجيّد)، الشخصيّة الثانية سلبيّة (الغبيّ، المتسلِّط، الشرّير، البخيل)، والشخصيّة الثالثة مُحايِدة (تربط الشخصيّات الأخرى وتُنسّق بينها).
اِقرأوا في الجزء الثاني من الفصل الثاني قِصصًا شعبيّة بحسب اختياركم.
أ. عن أيٍّ من مَيْزات القصّة الشعبيّة يمكن أن نتعلّم من كلّ قصّة؟
ب. أعطوا أمثلة من كلّ قصّة على المَيْزات التي وجدتموها في القصص.
*80*
المواضيع المطروحة في قِصص التراث التوحيديّ
في القِصص الشعبيّة والحكايات الشائعة عندنا، يتمّ التعبير عن مواضيع مختلفة من التراث التوحيديّ، والجدير بالذِّكْر أنّ القصّة الواحدة تعالِج، أحيانًا، أكثر من قضيّة. في ما يلي تفاصيل لبعض هذه القضايا:
قِصص المكان
ترتكز العديد من القِصص الشعبيّة والحكايات في مضمونها على أماكن معيّنة. بعض هذه الأماكن ترتبط بشخصيّات مقدّسة، عاشت أو دُفنت فيها. قِصص أخرى تحكي قصّة قرية معيّنة أو مكان مميّز، تشرح اسم المكان وتحكي قصّة إنشائه.
تحدّثت القِصص عن شخص من حرفيش يُدعى أبو عنزة. كان لأبي عنزة بنات فقط، وقد كُنّي باسم ابنته عنزة. أنقذ أبو عنزة ظاهر العُمَر من الموت في أثناء معركة طاحنة. أراد ظاهر العُمَر أن يكافئ أبا عنزة، ولمّا سأله عن نوع المكافأة التي يريدها، لم يطلب أبو عنزة شيئًا لنفسه وإنّما لقريته؛ حيث طلب وضْع حدود واضحة لقرية حرفيش، ولا تزال حدود القرية هي نفسها الحدود التي وضعها ظاهر العُمَر، وذلك بفضل أبي عنزة.
(يوجد صورة لقرية حرفيش، منظر عامّ).
أبطال ثقافة، قادة وشخصيّات تاريخيّة
ارتبطت بعض القِصص بأسماء شخصيّات هامّة في التاريخ والتراث الدرزيَّيْن. تصِف هذه القِصص أحداثًا في حياة هذه الشخصيّات، المعارك التي قاتلوا فيها، ونضالهم في سبيل حماية شرف الطائفة وكيانها بالتصدّي لمعارضيها وأعدائها.
يُحكى أن جنودا فرنسيّين ألقوا القبض على لبنانيّ من الشيعة، بعد أن طَلَب الحماية في بيت سلطان الأطرش، وذلك في وقت لم يكُن الأطرش حاضرًا في بيته. بعد أن عَلِم الأطرش بما حدث، طلب من الفرنسيّين أن يُفرجوا عن الرجل، وذلك بسبب شعوره بالمسؤوليّة تُجاهه، لكنّ الفرنسيّين رفضوا طلبه. وردًّا على رفضهم، هاجم الأطرش قافلة عسكريّة فرنسيّة، وكانت النتيجة أنْ حرَق الفرنسيّون بيت الأطرش الذي اضطرّ إلى الفرار للنّجاة بحياته.
(يوجد صورة لسلطان الأطرش (ر)).
*81*
قضايا دينيّة، أنبياء (ع) وشخصيّات مقدّسة
القِصص الشعبيّة والحكايات من هذا النوع، تتناول الإيمان بالله، الصلاة، وأحداث لها أهمّيّتها في مذهب التوحيد. تركّز الكثير من القِصص على أنبياء مذهب التوحيد (ع) وشخصيّاته المثاليّة التي يُقتدى بها، مثل: قِصص النبيّ الخِضْر (ع) والنبيّ شُعيب (ع) التي تصوّر أحداثًا هامّة وحتّى معجزات قام بها النبيّان (ع).
يُحكى عن النبيّ سبلان (ع) أنّه اختلى بنفسه داخل مغارة في سفح جبل من جبال الجليل. وفي أحد الأيّام، طاردته مجموعة ممّن كفروا برسالته، فلمّا أوشكوا على اللّحاق به، طلب (ع) العون من الله تعالى فاستجاب جلّ وعلا وأرسل مطرًا غزيرًا سبّب سيلًا عارمًا، حالَ بينه (ع) وأعدائه، فنجا منهم.
(يوجد صورة لمقام النبيّ سبلان (ع)، حرفيش).
قِيَم ونقدٌ اجتماعيّ
تتضمّن معظم القِصص الشعبيّة والحكايات المنتشرة لدى الموحّدين الدروز رسائلَ أخلاقيّة واجتماعيّة وأخرى في مجال الآداب، تهدف جميعُها إلى نشر التوعية بين المستمعين. تمنح هذه القِصص مكانة هامّة للتّوحيد، لحفظ الإخوان، للعدل، للتّواضع، للكرم، لحُسن الضّيافة، للعِرض، لاحترام الكبير، ولغيرها من الأصول والقِيَم، ثمّ إنّها تعكس الضوء على واقع الحياة الاجتماعيّة وما فيها من ظُلم وإجحاف، كما تُقدّم حلولًا منطقيّة لقضايا من الحياة اليوميّة.
يُحكى عن الشيخ الفاضل (ر) أنّه نادرًا ما كان يغضب، أمّا إذا حدَث وشعَر بالغضب بسبب سلوك الآخرين، أدْخَل يدَيْه في كُمَّي ثوبه، ثمّ التزم الصمت واختلى بنفسه. كان الشيخ يتخلّص من الأفكار والمشاعر التي يسبّبها الغضب، فيجعل غضبه يخرج ويتبخّر نهائيًّا.
(يوجد صورة لمزار الشيخ الفاضل (ر)، كفر سميع).
*82*
قِصص عن أشخاص عاديّين وأفراد عائلاتهم
للبُسطاء من عامّة الشعب حيّزٌ لا بأس به في القصّة الشعبيّة والحكاية الدرزيّة، إذ تهتمّ هذه القِصص بالعلاقات بين أفراد الأُسرة، بالمواجهات مع رجالات السُّلطة الأغنياء ومختلف الأحداث التي تستوقف مجرى الحياة اليوميّة، مثل: الميلاد، البلوغ، الزواج والموت.
في كثير من القِصص الشعبيّة والحكايات نَجِد النساء في مركز الحَبْكة. تصِف بعض القِصص النساء بأدوارهنّ التقليديّة؛ مجالاتِ عملهنَّ الضيّقة، واستقلاليّتهنّ وحرّيّتهنّ المحدودتَيْن. وفي قِصص شعبيّة وحكايات أخرى نَجِد وصفًا لنساء ناشطات ورائدات: نساءٌ يظهرنَ في مناصب متنوّعة، قياديّات، حاسمات في النزاعات، مُعيلات ويسافِرْن مسافات بعيدة.
يمكن أن نتعلّم من قصّة "محبّة الأخَوَين الكبيرة" (اِقرأوها في الجزء الثاني من الفصل) عن علاقة المحبّة والأُلفة داخل الأُسرة، ومن قصّة "عينا بنت الشيخ الجميلتان" (أيضًا تَرِد في الجزء الثاني من الفصل) عن مكانة المرأة في المجتمع الدرزيّ.
قِصص وحكايات السفر
تعتمد الحبكة في مثل هذه القِصص والحكايات على شخصيّة تقوم برحلة. أحيانًا، يكون دافع الرحلة دينيًّا، كزيارة خَلوة بعيدة؛ وأحيانًا، يكون الغرض منها التجارة أو الصيد؛ وفي أحيانٍ أخرى، تكون قصّةَ تجوال وترحال من البيت إلى مكان جديد. يمرّ أبطال هذه القِصص والحكايات بمغامرات في أثناء رحلاتهم، تواجههم المخاطر، ودائمًا، تقريبًا، هناك ما يمكن تعلّمه من رحلاتهم.
(يوجد صورة لمسجد سلمان الفارسيّ (ع) في المدينة المنوّرة، السعوديّة).
*83*
يُحكى عن سيّدنا الحكيم سلمان الفارسيّ (ع) أنّه قضى سنوات عديدة في التنقّل والتجوال في طريقه إلى الإيمان الخالص بالله تعالى. وُلد (ع) في فارس القديمة (إيران اليوم)، ومن هناك انتقل إلى سوريَة للبحث عن الحقيقة، ومنها مضى في طريق طويلة وكثيرة المصاعب إلى مكّة، حيث صار اليد اليمنى للنبي محمّد صلى الله عليه وسلم.
إثراءٌ
قِصص شعبيّة وحكايات عالميّة
ظاهرةٌ رائعة، بل إنّها عجيبة، تتعلّق بالقِصص الشعبيّة والحكايات، وهي أنّه في العديد من الثقافات البعيدة عن بعضها، أحيانًا آلافَ الكيلومترات، أُلّفت قِصص وحكايات متشابهة إلى حدّ يُثير العجب. على الرغم من وجود المَيْزات الخاصّة بكلّ واحدة من الثقافات المختلِفة؛ في وصف المكان، في لباس الأبطال وغير ذلك، إلّا أنّ هناك تشابه كبير في الحَبْكة، في الأحداث الرئيسة وفي العِبَر المُستفادة من القِصص والحكايات.
يختلف باحثو القِصص الشعبيّة في ما بينهم في تفسير هذه الظاهرة:
بحسب التوجّه الأوّل: حتّى عندما يعيش الناس في أماكن مختلفة وبين ثقافات مختلفة، فإنّهم يتشابهون في مشاعرهم، مخاوفهم واحتياجاتهم، لذا تنتُج قِصص وحكايات متشابهة.
بحسب التوجّه الآخر: مصدر القِصص كافّةً في مكانٍ واحد، منه انتشرت وانتقلت إلى أماكن أخرى في العالم، أُضيفت إلى هذه القِصص والحكايات، في كلّ مكان، صفاتٌ مميَّزة.
قصّة "سندريلّا" هي إحدى القِصص الشعبيّة العالميّة الأكثر انتشارًا، ولهذه القصّة صيَغ كثيرة.
أيّ صيغة تعرفون؟ اِرووا القصّة في الصفّ بالصيغة التي تعرفونها، وافحصوا إنْ كانت هناك صيَغ أخرى يعرفُها زملاؤكم.
*84*
توثيق القِصص الشعبيّة والحكايات
في القرنَيْن الأخيرين، تُجمع وتوثّق القِصص الشعبيّة والحكايات في مختلِف أنحاء العالم، بمشاركة الكثيرين: بدءًا من الأشخاص الذين يتجوّلون في العالم ويجدون المتعة في جمع قِصص مميّزة من أماكنَ مختلفة، مرورًا بالكثير من الأشخاص الذين يوثّقون قِصص أبناء العائلة وذكرياتهم، وانتهاءً بباحثي الثقافة المحترفين أو الهُواة، الذين يكتشفون القِصص الشعبيّة والحكايات وكذلك رُواتها. يقرأ هؤلاء الأشخاص القِصص التي وجدوها أو استمعوا إليها، وأحيانًا يُوثّقون القِصص في ملفّات مطبوعة أو في مَواقع القِصص والحكايات في شبكة الإنترنت. الجدير بالذِّكر أنّ الوسائل الإلكترونيّة المتنوّعة، المتوفّرة اليوم، تُسهم في توثيق القِصص الشعبيّة والحكايات، وفي جمعها ونشرها على نطاق واسع.
هناك وَجْهان لتوثيق القِصص الشعبيّة والحكايات: من جهة، أهمّيّة التوثيق كبيرة، ذلك أنّه يحفظ كنوزًا ثقافيّة نتجت على مدى أجيال عديدة. كذلك يُمكِّن التوثيقُ الباحثين من دراسة القِصص والحكايات والتعلُّم عن المعتقَدات، القيَم، العادات واللغة الخاصّة بالثقافة التي قَيْد البحث. ومن جهة أخرى، فإنّ تدوين القِصص والحكايات يجعل لها صيغة ثابتة. تُحفظ هذه القِصص والحكايات كما سرَدها الراوي الأخير، وهكذا تفقد مرونتها وتتوقّف عن التغيّر فتفقد من سحرها.
أساليبُ التدوين كثيرة ومتنوّعة: بدءًا من فكّ رموز المخطوطات أو الكتابة عن لسان الراوي، مرورًا بتسجيل الصوت، وانتهاءً بتصوير فيديو للرّاوي. في وسائل الإعلام المسموعة والمرئيّة، عولِج الكثير من القِصص الشعبيّة، وأُنتجت على شكْل أفلام سينمائيّة، وصَلَت إلى جميع أنحاء العالم. يكفي أن نذكر قِصص "الأخوَيْن جريم"، أو أفلام "والت دزني"، التي تعرض قِصصًا شعبيّة مثل: سندريلّا وبيضاء الثلج. معالجة القِصص الشعبيّة والحكايات تتمّ يهدف ملاءمتها لصغار السنّ، لكن يتضّح، في ما بعد، أنّها تُلائم الأجيال كافّة؛ فالكبار، أيضًا، يستمتعون بسحرها.
في الصَفِّ
1. ناقِشوا السؤال: هل يُفضَّل الاستمرار في تدوين القِصص الشعبيّة والحكايات أم التوقُّف عن ذلك؟ اُكتبوا الآراء المؤيِّدة والأُخرى المعارِضة، ثمّ عبّروا عن رأيكم الخاصّ.
2. ما هي، حسب رأيكم، أفضل طريقة لتوثيق القِصص الشعبيّة والحكايات، كتابيًّا، من بين الطرُق الثلاث التي ذُكرت في النصّ؟ علِّلوا إجاباتكم.
*85*
الرُّواة بين الماضي والحاضر
إنّ الحاجة إلى رواية القِصص هي حاجة إنسانيّة. يميل الناس للحديث عمّا مرّوا به هُم ومعارفهم من أحداث، أو عمّا يدور في مخيّلتهم وعن رغباتهم المكبوتة. هناك أشخاص يتمتّعون بموهبة متميّزة في رواية القِصص، وفي كلّ مرّة يسرُدون فيها قصّة، يحتشد حولهم جمهور من المستمعين، ولعلّكم أنتم، أيضًا، تعرفون شخصًا كهذا من أفراد أسرتكم. كذلك، وعلى الرغم من التطوّر السريع في وسائل الإعلام والترفيه، نشهد، في العقود الأخيرة، نهضة لرُواة القِصص المحترفين؛ تُنظَّم عروض للقِصص الشعبيّة في العديد من الأماكن، حيث رُواة القِصص يتلقّون الدعوات لرواية القِصص للتّلاميذ في المدارس، وأيضًا تُقام المهرجانات العالميّة لرُواة القِصص والحكايات الذين يجذبون إليهم جمهورًا غفيرًا ومتنوّعًا من المستمعين.
لنتروّى قليلًا... ولنتحدّث عن رُواة القِصص والحكايات المحترفين. هناك مَيْزات مشتركةٌ بين رُواة القِصص القدماء والمعاصرين؛ إنّهم يظهرون أمام الجمهور بعد التحضير والاستعداد للعرض: يستعملون صوتهم، لغة الجسد، تعابير الوجه، الزيّ والأدوات المختلفة لشدّ انتباه الجمهور وإبهاره بقِصصهم. يطرح المزج بين الحَبْكة في القصّة وطريقة عرضها من قِبَل الراوي ثمارَ المتعة لدى جمهور المستمعين.
كذلك يشترك رُواة القِصص القدماء والمعاصرون في التعامل بمرونة مع القصّة، بحيث تتغيّر القِصص بحسب الجمهور، الجوّ السائد في المكان، ومناسبة الحدث، لا يتذكّر الراوي دائمًا تفاصيل القصّة كلَّها، ومع الانتقال من مكان إلى آخر ومن جمهور إلى آخر، يحذف أو يضيف تفاصيل، كما يُغيّر في القصّة لتشدَّ انتباه جمهوره وتنالَ إعجابه.
مرونة القصّة وإعادة بنائها مرارًا وتكرارًا، تسلبان حقوق التأليف والنشر للقصّة، وبالتالي، تتحوّل القصّة إلى معرفة نِتاج العامّة، والتغييرات التي أُجريت فيها تحصل على الشرعيّة التامّة.
(يوجد صورة لتجمُّع لرواية القِصص والحكايات، في الماضي).
*86*
مهامّ للإجمال
1. حسب رأيكم: هل بإمكان أبناء الشبيبة الإسهام في جَمْع القِصص الشعبيّة والحكايات؟ كيف؟
2. اِقرأوا القِصص الواردة في الجزء الثاني من هذا الفصل (ملفّ القِصص الشعبيّة والحكايات):
أ. صنّفوا القِصص بحسب المواضيع المطروحة في القِصص الشعبيّة والحكايات الدرزيّة التي ذُكرت سابقًا. يُفضّل العمل في مجموعات خلال تنفيذ مهمّة التصنيف.
ملاحظة هامّة: الكثير من القِصص والحكايات الشعبيّة يحتوي على أكثر من موضوع، وتكون هذه المواضيع مُتداخلة مع بعضها البعض. تُصنّف القِصص بحسب موضوع واحد أو اثنين، اللّذَيْن يُعتقد أنّهما الموضوعان الأساسيّان، ولهما الدور الأساسيّ في تطوّر الحَبْكة في القصّة.
ب. أيّ قِصص أعجبتكم؟ لماذا؟
ج. جِدوا صيغة عالميّة لإحدى القِصص (عدا "محبّة الأخَوَين الكبيرة"). لخّصوا صيغة القصّة باختصار.
د. قارنوا بين الصيغة التي وجدتموها للقصّة الشعبيّة مع زملائكم، ثمّ حدِّدوا الفروق بين الصيَغ.
*87*
الجزء الثاني: ملفّ القِصص الشعبيّة والحكايات
في ملفّ القِصص الشعبيّة والحكايات الذي أمامنا، جُمعت قِصص شعبيّة شائعة عند الدروز، تتناول مواضيعَ متنوّعة في فترات مختلفة.
عثرنا على القِصص الموجودة في الملفّ في مستودعات القِصص الشعبيّة. بعضها مطبوع، وبعضها الآخر مطروح في الإنترنت. بسبب تناقُل القِصص شفويًّا في بداية الطريق، لم يُعرَف متى رُويت لأوّل مرّة، ولا مَن كان الراوي الذي رواها. سُجّل في ملفّ القِصص الذي أمامنا مصادر القِصص التي وجدناها. نأمل أن تثير هذه القِصص اهتمامكم وأن تضيفوا إلى الملفّ وتُثروه بالمزيد منها.
(يوجد صورة لصفحات من كتابي "ألف ليلة وليلة" وكليلة ودمنة).
توصية:
في أرشيف القِصص الشعبيّة، على اسم دوف نوي (أسْعَيْ)، الموجود في جامعة حيفا، يكتشفون، يوثّقون، يحفظون ويبحثون القِصص الشعبيّة لمختلف الطوائف في إسرائيل. تأسّس الأرشيف في حيفا عام 1955، على يد البروفيسور دوف نوي. في مجموعة "إسرائيل دروز" هناك 493 قصّة درزيّة موثَّقة.
*88*
القصّة الأولى: محبّة الأخَوَين الكبيرة (صيغة درزيّة)
كان يا ما كان، قبل عدّة سنوات، أخَوان من قرية يركا. كان الأوّل أعزب، والثاني ربّ أُسرة. أحبَّ الاثنان بعضهما محبّة كبيرة. كان للأخوَيْن قطعة أرض مشتركة، عمِلا فيها معًا سنوات طويلة، وكانا يقسمان المحصول إلى كومتَيْن متساويتَيْن؛ واحدة لكلّ منهما.
مرّت سنوات سعيدة وهانئة، وفي إحدى الليالي قال الأخ الأكبر في نفسه: "أنا أسّست حياتي وتزوّجت، وأخي لا يزال أعزب، ومن واجبي أن أساعده في مشروع الزّواج وبناء بيت وأُسرة". قرّر أن يساعد أخاه الأعزب، وهكذا خرج سرًّا في أثناء الليل، ونقل كمّيّة من محصوله إلى كومة أخيه.
الأخ الصغير، أيضًا، كان يفكّر بأخيه ويقول في نفسه: "أنا أعزب، ولا أعاني من صعوبة المعيشة، أمّا أخي فهو ربّ أُسرة، وواجب عليّ إعانته في تأمين المعيشة لأسرته". وكما فعل أخوه، خرج هو الآخر خِفيةً في أثناء الليل، ونقل من كومته إلى كومة أخيه.
هذا ما فعله الأخوَيْن كلَّ ليلة، وكانا يتفاجآن كلّ صباح عندما يجدان أنّ الكومَتَيْن بقيَتا بنفس الحجم. في ليلة، قرّر الأخَوان، كلٌّ على حِدة، أن يقوما بعمل ما ليكتشفا كيف بقيت الكومتان متساويتَيْن. خرج كلّ من الأخوَيْن من بيته خفيَة، ووقف بصبر وهدوء خلف كومة القمح، حتّى مطلع الفجر. لكنّ شيئًا لم يحدث، ولا لامس أحدٌ القمح!
في اليوم التالي، قرّر الأخوَيْن مواصلة طريقهما، لكن في هذه المرّة التقيا ببعضهما البعض. في البداية، شعر الأخَوان بالدّهشة، وسرعان ما تجلّت الحقيقة. تأثّر الأخَوان فبكيا وتعانقا. رأى أهل القرية وسمعوا ما حدث بين الأخوَيْن الصالحَيْن، استغربوا وقالوا: "كم هي عظيمة محبّة الأخوَيْن!".
بُعَيْد وفاة الأخوَيْن، دُفنا جنبًا إلى جنب. القبران المتجاوران موجودان اليوم بالقرب من قبر الشيخ أبو السرايا (ر). يُعتبر القبران شاهدَيْن على محبّة الأخوَيْن الكبيرة.
(بتصرّف عن: עלי זגייר, כפר ירכא וסביבתו, 1993)
(يوجد صورة في الكتاب شرح بواسطة المعلم)
بالقرب من قبر الشيخ أبو السرايا (ر)، في يركا، يوجد قبران متجاوران، وحسب المُعتقد، هما قبرا الأخوَيْن الصالحَيْن (ر) (يظهران في الصورة).
*89*
في الصَفِّ
1. لماذا، حسب رأيكم، اختار الأخَوان أن يساعد أحدُهما الآخر سِرًّا؟
2. اُكتبوا بكلماتكم القيمَة الرئيسة المُستوحاة من القصّة.
3. كيف يُمكن، حسب رأيكم، أن نحافظ على هذه القيمة في حياتنا؟
4. اِقرأوا الصيغة اليهوديّة لهذه القصّة (أدناهُ): ما هي الفروق بين الصيغتَيْن؟
ما الذي يمكن أن نتعلّمه من القصّة عن التراث التوحيديّ؟
يمكن أن نتعرّف، من خلال القصّة، إلى الأهمّيّة الكبيرة التي توليها الطائفة الدرزيّة للعلاقات الطيّبة بين أفراد الأُسرة. تظهر في القصّة قيمةُ الولاء للأُسرة، وقيمةُ التقارُب الذي يشعر به أفرادُها، وأيضًا أهمّيّةُ التعاون المتبادَل. بالإضافة إلى ذلك كلّه، تُظهر القصّة أهمّيّةَ الفِلاحة في حياة أبناء الطائفة، في الماضي.
محبّة الأخَوَين الكبيرة (صيغة يهوديّة)
كان يا ما كان، كان هناك أخَوان ولهُما حقل في القدس. عمِل الاثنان في الحقل بجهد طَوال العام، وبعد الحصاد، قسَما المحصول بالتساوي: كومة لكلٍّ منهما. بعد أن جعلا المحصول في كومتَيْن، خَلَد الأخَوان إلى النوم.
صار الأخ الأصغر يتقلّب من جانب إلى جانب، ثمّ قال في نفسه: "أخي الأكبر ربُّ أُسرة، وعليه أن يُطعم زوجةً وأولادًا، وأنا أعزب. هو يحتاج إلى المزيد!". نهض الأخ الأصغر، بهدوء، ونقل بعض الحُزَم من كومته إلى كومة أخيه. بعد بضع دقائق، استيقظ الأخ الأكبر وقال في نفسه: "أنا متزوّج، وعندي أولاد، سوف يساعدونني عندما أُصبح عجوزًا. أخي أعزب، فمَن سوف يعينُهُ عندما يُصبح عجوزًا؟". نهض الأخ الأكبر، أخذ بعض الحُزَم من كومته ونقلها إلى كومة أخيه.
في الليلة نفسها، خرج الملك سليمان (ع) للتنزّه. شاهد الملكُ ما فعلَهُ الأخَوان وفكّر: "في هذا المكان، الذي يحبّ فيه الأخَوان بعضهما البعض، سوف أُقيم بيت المَقْدِس". وَفق المعتقدات، في هذه النقطة وُضِع حجر الأساس للهيكل الذي بُني في عهد الملك سليمان (ع).
*90*
القصّة الثانية: سيّدنا الشيخ حسين (ر): الشجاع، الحكيم والمؤمن
كان الوالي العثمانيّ، أحمد باشا الجزّار، رجلًا طاغية ومعروفًا بقسوته. وكان من عادته أن يطرح على كلّ مَن قدِم إليه سؤالًا واحدًا: "هل أنا حاكم عادل أم ظالم؟". مهما كانت الإجابة، كان الجزّار يحكُم على الشخص المُجيب بالقتل.
في إحدى المرّات، أراد الدروز أن يَشْكوا إلى الجزّار وحشيّةَ الأمير الدرزيّ يوسُف الشهابيّ، الذي كان واليًا على جبل لبنان حينها، لكنّهم لم يعرفوا كيف يتصرّفون؛ لأنّهم كانوا يخشون إراقة الدماء. اقترح سيّدنا الشيخ حسين ماضي (ر) أن يتوجّه بنفسه إلى الوالي الجزّار، فخاف إخوانُه الدروز على حياته، لكنّه طمأنهم قائلًا: "ليفعل بالجسم ما يشاء، لكنّه لن يتمكّن من فِعْل أيّ شيء بالنَّفْس".
توجّه الشيخ حسين (ر) إلى القصر، ولّما دخلَه، لم ينحنِ أمام الوالي. غضِب الجزّار ووجّه إليه، على الفور، سؤاله التقليديّ، فأجاب الشيخ حسين (ر): "أنت لست حاكمًا عادلًا ولا ظالمًا، فإنّ الحاكم الوحيد هو الخالق، والمصائب تلمّ بالشعوب بسبب أفعالهم فقط. وأنت، أيضًا، سوف تكون يوم الحساب عبدًا خانعًا بين يدَيِ الله تعالى".
دُهش الجزّار من كلام الشيخ الدرزيّ، فوقف مُرحّبًا به، وأخبره بأنّ مطالبه جميعها مُستجابة. "أنت رجل حاذِق!"، قال الوالي بانفعال، ثمّ عرض على الشيخ كيسًا مليئًا بالنقود، ليكون تعويضًا له. "أنا لا آكل طعامًا إلّا ممّا تُنتجه يداي"، أجاب الشيخ رافضًا. "إذًا، تبرّعْ بهذه النقود للأعمال الخيريّة"، قال له الجزّار مشجّعًا. "الدولة أحوج من الناس"، أحابه الشيخ بحَزْم. "اِقبل منّي هديّة أخرى: ملابس فاخرة من الصّوف". رفض الشيخ هذا العرض أيضًا، وقال: أنا لا ألبس إلّا ما تصنعه يداي". شعَر الجزّار بالسعادة الغامرة بسبب أخلاق الشيخ العالية، فاقترح عليه هديّة أخيرة: القُرآن الكريم. "أقبَلُ القُرآن عن طيب خاطر"، أجابه الشيخ، ثمّ عاد إلى قريته سالمًا ومُعافًى. أمًا الأمير الظالم يوسُف الشهابيّ فقد عُزِل عن منصبه، وأُسقِطت الضريبة عن الطائفة الدرزيّة؛ فتنفّس أبناؤها الصعداء.
(بتصرّف عن: موقع العامة).
في الصفِّ
1. ما هي المخاطر التي هدّدت الدروز، بحسب القصّة؟
2. ما هي صفات سيّدنا الشيخ حسين (ر) التي تظهر من خلال القصّة؟
ما الذي يمكن أن نتعلّمه من القصّة عن التراث التوحيديّ؟
تُظهر القصّة أهمّيّة قيمة الشجاعة والبطولة وفضيلة "حفظ الإخوان" في المجتمع الدرزيّ. وهي تصِف دَوْر القيادة الدرزيّة في توحيد الطائفة وتنظيمها، في أوقات الأزمات وزَمَن الحرب، فضلًا عن مبادئ مذهب التوحيد، مثل: صِدْق اللسان، والإيمان بأنّ الحياة والموت بيد الخالق وحدَه.
*91*
القصّة الثالثة: النهر
أنعَمَ الله تعالى على قرية البقيعة بكثرة ينابيعها ووفرة مياهها، فحتّى من جبل "جميجمة" الشاهق الذي يعلو القرية تفَجَّر ينبوعٌ صغير. الجبل نفسُه يُعتبر مكانًا جيّدًا لقطع الأشجار؛ حيث يتسلّق القرويّون سفحَه ويقطعون الأشجار كما يشاؤون، ليستدفئوا بها في الشتاء القاسي.
يُحكى أنّ رجلًا وصَل إلى مكان ضيّق بين صخرتَيْن، وحين أمالَ سمْعَه، كانت أُعجوبة؛ سمِعَ الرجل صوت مياه جارفة، إنّه نهر كبير يهدُر تحت الجبل. أمّا حكايات الأجداد التي انتقلت بين سكّان القرية دعمت ما سمعه؛ حيث تقول إنّ النبع الموجود في نواة القرية عبارةٌ عن تشعُّب صغير لنهر كبير، ينبَثِقُ من مكان ما تحت جبل الجرمق (جبل ميرون)؛ وتقول التقاليد، أيضًا، إنَّ راعيًا أوقَعَ نايَهُ في كهف ماء، في الجرمق، فوُجِد الناي في ماء النبع في القرية، وإنّ راعيًا آخرَ نثَرَ التبن هناك، في الكهف نفسه، وتمّ اكتشاف التبن والقشّ هنا، في ماء النبع.
هرع الرجل إلى القرية وحكى للنّاس عن هذا الاكتشاف، فخرج الكثيرون من أهل القرية في إثره ليستمعوا للنّهر المتدفّق، لكنّ النهر اختفى ولم يعُد موجودًا، وعمليّات البحث، التي استمرّت لعدّة أيّام، باءت كلُّها بالفشل.
(بتصرّف عن: מנעם חדאד, מאגדות פקיעין, 1980).
في الصَفِّ
1. ما هو مصدر الينابيع الكثيرة في البقيعة، بحسب القصّة؟
2. جِدوا، في مصادر المعلومات، تفسيرًا جيولوجيًّا لوجود الينابيع في المنطقة.
ما الذي يمكن أن نتعلّمه من القصّة عن التراث التوحيديّ؟
هذه قصّة محلّيّة، جاءت لتُجيب عن السؤال: ما هو مصدر الينابيع الكثيرة في قرية البقيعة؟ يمكن أن نتعلّم، أيضًا، من خلال القصّة عن تقاليد قديمة كانت تنتقل من جيلٍ إلى جيل، وعن أنماط الحياة في القرى الدرزيّة، في الماضي.
*92*
من قِصص أبي إبراهيم (ع)
يروي سكّان قرية دالية الكرمل معجزاتٍ قام بها أبو إبراهيم (ع)، والتي بفضلها أنقَذَ القرية من أعدائها.
قِصص الفارس الأحمر تناقَلها جميع سكّان المنطقة، حتّى الأعداء حفظوها عن ظهر قلب. هذه القِصص لا تزال معروفة، وتنتقل من جيلٍ إلى آخر حتّى يومنا هذا، حتّى بات إيمان السكّان بسيّدنا أبي إبراهيم (ع) وبقَبْره قويًّا جدًّا.
حول هذا المكان تبلوَرَت معتقداتٌ وعاداتٌ:
- يَفي السكّان بالنذور في المكان؛
- يمرّ الزوجان بالمكان يومَ زفافهما لالتماس البركة؛
- العديد من سكّان القرية يمرّون بالقرب من المكان المقدّس، يُقبّلونه التماسًا للبرَكة، ويتبرّعون بالمال فيضعونه في صندوق التبرُّع؛
(يوجد صورة لمقام سيّدنا أبي إبراهيم (ع)، دالية الكرمل).
*93*
القصّة الرابعة: حكاية الفارس الأحمر
كانت دالية الكرمل، في مطلع القرن التاسع عشر الميلاديّ، قرية صغيرة، يعتاش سكّانها على الزراعة. في إحدى ليالي موسم الحصاد، حاول اللصوص سرقة الحبوب من البَيْدَر، لكن أهل القرية هرعوا إلى المكان وطردوهم.
في اليوم التالي قرّر اللصوص مهاجمة القرية، ثانيةً، لينتقموا لهزيمتهم. وهذه المرّة وصَل اللصوص إلى القرية ضمن مجموعة أكبر بمرّات. وعلى الرغم من أنّ نصر اللصوص بات وشيكًا، إلّا إنّ سكّان قرية دالية الكرمل واصلوا القتال بشجاعة وبسالة. في الوقت نفسه، اختبأ النساء والأطفال في ساحة مقام أبي إبراهيم (ع)، وصلّوا صلاةً صامتة فاستُجيبت صلواتهم. تقول الحكاية إنّ فارِسًا أحمرَ، يركب حصانًا أحمرَ، قد ظهر فجأةً. أمسك الفارس سيفًا عظيمًا، تخرج النار من رأسه، ثمّ بدأ يضرب اللصوص بسيفه ففرّ أولئك للنّجاة بحياتهم، ولم يجرؤوا على العودة إلى دالية الكرمل مرّة أخرى. هكذا نجا سكّان القرية من مذبحة جماعيّة.
(يتصرف عن: الموسوعة التوحيديّة للصغار).
في الصفِّ
تطرّقوا إلى الادّعاء التالي: "كثيرًا ما نجد قِصصًا شعبيّة وحكايات محلّيّة (قِصص المكان)، ترتبط بشخصيّات مقدّسة".
أ. لماذا، حسب رأيكم، هناك علاقة بين قِصص المكان والشخصيّات المقدّسة؟
ب. كيف تُثبت القصّتان اللّتان تتعلّقان بأبي إبراهيم (ع) هذا الادّعاء؟
ما الذي يمكن أن نتعلّمه ض القصّة عن التراث التوحيديّ؟
كأفضل التقاليد المحلّيّة، تصِف القصّة العلاقة بين شخصيّة مقدَّسة ومكان مقدَّس، وتكشف عن الإيمان بقُوّة سيّدنا أبي إبراهيم (ع) الخارقة، والعناية الإلهيّة التي تُحيط البشر. كذلك نتعرّف من خلال القصّة إلى مَيْزات الطبيعة المحلّيّة، كما تُعلّمنا القصّة عن المخاطر التي تعرّض لها الدروز على مرّ السنين، عن كيفيّة التعامُل معها وعن إيمان أبناء الطائفة بمذهب التوحيد.
*94*
القصّة الخامسة: عَيْنا بنت الشيخ الجميلتان\
كانت ميثا، ابنة الشيخ حسين الأطرش، أرملة صغيرة السنّ وجميلة، تسكن مع والدها في قرية عِرى، عاصمة جبل الدروز في سورية، في نهاية القرن ال 19 الميلاديّ. ويُحكى أنّ عينَيْها كانتا جميلتَيْن جدًّا، إلى درجة أنّ جمالهما أدّى إلى اندلاع حرب، فكان هذا:
سمع والي دمشق، ممدوح باشا، عن كرم الضيافة عند الدروز وعن شجاعتهم، فقرّر أن يرى هذه المزايا بنفسه وخرَج في زيارة رسميّة إلى جبل الدروز. بعد تناول وجبة فاخرة أُعدّت على شرفه، نهض الوالي ليغسل يديه فصادف في طريقه ابنة الشيخ الأطرش. ومثلما اعتادت النساء قديمًا، كانت ابنة الشيخ ترتدي اللّباس التقليديّ، وكانت تظهر، فقط، عيناها المتلألئتانِ. "كم هي جميلة ابنة الشيخ!"، فكر الوالي ممدوح، وقرر أن يتزوّجها.
فور عودته إلى دمشق، كتب الوالي للشّيخ الأطرش ودعاه ليزور مدينته. حضر الشيخ إلى مقرّ الوالي برفقة عدد من وجهاء الجبل. وعند وصولهم قال الوالي: "أيّها السادة، عندي اقتراح من أجلكم: أنا أوافق على إعفائكم من الضريبة المفروضة، وسأضع بين أيديكم خمسة آلاف ليرة ذهبيّة، وأُضيق إلى ممتلكات الشيخ الأطرش قطعة كبيرة من الأراضي الواقعة على الحدود من جبل الدروز"، ثمّ أضاف الوالي: "هناك شرط واحد لكرمي هذا، أن أتزوّج ميثا، ابنة الشيخ الأطرش".
خرج الشيوخ من مقرّ الوالي مصدومين، ووعدوه بالردّ على طلبه خلال عشرة أيّام. عندما وصلوا إلى جبل الدروز، دعا الشيخ وجهاء الجبل إلى اجتماع. نقل لهم الشيخ اقتراح الوالي، وقال: "إخواني وأصدقائي! قولوا لي ما رأيكم: هل تتزوّج ابنتي ميثا من ممدوح؟".
لم يُسمع أيُّ صوت في القاعة، عندها رفع الشيخ الأطرش صوته ثانية وقال: "إخواني، ميثا ليست ابنة بيت الأطرش فقط؛ هي ابنة الدروز جميعًا!". فجأة، قفز أحد الشيوخ من مكانه، أمسك بسيفه، رفعه عاليًا وصاح: "هذا السيف لممدوح!"، عندها قام كلّ الشيوخ ورفعوا سيوفهم عاليًا، وصاحوا بصوت واحد: "سنخرج جميعنا كتفًا إلى كتف للدّفاع عن ابنة الشيخ الأطرش والجبل!". وفي الليلة نفسها، أُشعلت نار كبيرة في قمّة جبل الدروز، وعرف كلّ مَنْ رآها أنّ الحرب قد أُعلِنَتْ. أشعلت القرى الدرزيّة النيرانَ كافّةً، وشوهدت ألسنة اللهَب من مسافات بعيدة.
*95*
الشيخ الأطرش قام بالردّ على ممدوح باشا بصورة قاسية وحاسمة، بأنّه لن يسمح بزواجه من ميثا، وبأنّ الدروز مستعدّون للتّضحية بأرواحهم في سبيل كرامة طائفتهم، وكرامة ابنة الشيخ. حين تلقّى الوالي هذا الردّ جُنّ جنونُه، وأرسل كتيبة كبيرة من الجنود إلى جبل الدروز. غير أنّ الدروز تغلّبوا عليهم جميعًا، وأبقوا على حياة واحد منهم فقط، وبعثوا معه رسالةً إلى ممدوح باشا: "أرسل لنا المزيد من الجنود، يا ممدوح!". أيضًا، لم يبقَ من الكتيبة الثانية الأكبر عددًا سوى أولئك الذين لاذوا بالفرار، وهذا ما حدث لآلاف الجنود الذين جاءوا بعدهم.
تأكّد الوالي من أنّه لن يتمكّن من تحقيق النصر بالقوّة، فالدروز يعيشون في الجبال، وجبل الدروز يساندهم دائمًا في أوقات المحن. وجد الوالي حلًا فيه دهاء؛ حيث دعا زعماء الدروز إلى وجبة عشاء للمصالحة في بيته؛ ليناقشوا شروط السلام. لمّا وصَل الشيوخ إلى العشاء في بيته، شُنِقَ بعضهم وسُجِنَ الآخرون. أما الشيخ الأطرش فقد أرسله ممدوح إلى السجن في جزيرة رودوس.
في أثناء مكوثه في السجن، كتب الشيخ الأطرش قصيدة موزونة عن حربه. بعد أربع سنوات، زار السلطان العثمانيّ جزيرة رودوس فتذكّر الزعيم الدرزيّ المسجون هناك، وأمَر بإحضاره إليه. عرف السلطان بقصّته المكتوبة في قصيدة، فأُعجب بشخصيّته وقال له: "أنت حرّ طليق، وعندما تعود إلى جبل الدروز، ستستلم أراضيك وممتلكاتك المصادَرة جميعها". أمّا ممدوح باشا، فقد عزله السلطان عن منصبه وأمر بقتله.
هكذا عاد الشيخ الأطرش إلى الجبل، فلمّ شَمْل أسرته، وكم كان فرح سكّان الجبل وفخرهم كبيرَيْن عند عودته!
(بتصرّف عن: סלמאן פלאח, סיפורי-עם דרוזיים: שלושים אגדות ומעשיות רשומות ב).
في الصفِّ
1. لماذا رفض الدروز تزويج ميثا من ممدوح باشا؟
2. أ. ما الذي يمكن أن نتعلّمه من القصّة عن مكانة المرأة الدرزيّة؟
ب. كيف تنعكس القيَم التالية في القصّة: الشجاعة، البطولة، كرم الضيافة، حفظ الإخوان؟
ما الذي يمكن أن نتعلّمه من القصّة عن التراث التوحيديّ؟
ترتبط هذه القصّة بتاريخ الطائفة الدرزيّة، وتُذكِّر بظروف حياة الموحّدين في جبل الدروز، في القرن التاسع عشر؛ آخر أيّام الإمبراطوريّة العثمانيّة. الحَبْكة في القصّة تُسلّط الضوء على شجاعة الأقلّيّة في نضالهم ضدّ الأكثريّة. تعرِض القصّة القضيّةَ الأساسيّة لطهارة العائلة الدرزيّة، أهمّيّة المرأة الدرزيّة، وحقيقةَ أنّ الدروز لا يسمحون بالزواج المختلط.
*96*
القصّة السادسة: الشاطِر حَسَن
يُحكى، والله وحده أعلم إنْ كان صحيحًا أم لا، أنّه كان هناك ملِك في أحد البُلْدان وله بنتٌ وحيدة، ليس له غيرها، لا بنين ولا بنات. أحبّ الملك ابنته حُبًّا جمًّا، فكانت له مثل الروح للجسد، وأراد تزويجَها من أحد الأمراء في ذلك البلد. جمَع الملِك أبناء الأُسَر المحترمة كافّةً في عاصمته وعرّفهم إلى ابنته، لكنّ الأميرة رفضت كلّ مَن طلب يدَها، ولم توافق على الزواج من أيٍّ منهم، الأمر الذي أزعج أباها.
في أحد الأيام، عَلِم الملِك أنّ ابنته ترغب في الزواج من أحد عامّة الشعب، واسمه حَسَن. أراد الملِك أن يَحول دون زواجهما، وخطّط أن يفعل ذلك بطريقة وُدِّيَّة كي لا يضُرّ ابنته. تشاور الملك مع مُستشاره، الذي كان ذكيًّا جدًّا وماكرًا كالثعلب.
قال المُستشار: "مولايَ الملك، ثِقْ بي، عندي حلٌّ".
قال الملك: "أقبَلُ نصيحتك، شرطَ أن تُبعِد حَسَن عن ابنتي من دون أن تُغضبها".
قال المُستشار: "دَعْنا نأخذ قطعتَيْن من الورق، نكتب في الأولى "مَوْت" وفي الثانية "حياة"، ونقول لحَسَن: اِسحب وأظهِرْ مصيرك من إحدى البطاقتَيْن؛ إِذا سحبتَ البطاقة المكتوب فيها "حياة"، تفوز بيد الأميرة؛ أمّا إذا سحبتَ البطاقة المكتوب فيها "موت"، تُعْدَم".
قال الملك: "فإذا سحبَ البطاقة المكتوب فيها "حياة"، سأُضطرّ إلى أن أزوّجه ابنتي؟".
فأجابه: "لا تقلق. سوف نكتب في البطاقتَيْن "موت"، وبذلك لن ينجوَ من مصيره المرير".
قال الملك: "أنت وزير مُخلِص، وأنا أثق بكَ".
فرِحَ الملِك بالحيلة الذكيّة، ودعا سكّان المدينة جميعَهم إلى اجتماع احتفاليّ وكبير، كما دعا حَسَن أيضًا. لكنّ الأميرة عرفت بأمر الحيلة عن طريق جاسوس، فحذّرت حَسَن كي لا يحضُر.
جاء يوم الاحتفال، وحضر المدعوّون، وكان حَسَن بينهم! وقف الملِك مُعلنًا:
*97*
"اسمعوا أيّها الناس: أنا ملِك، صالِح، أهتمُّ بشعبي ولا أُميّز بين غنيّ وفقير. لي بنت وحيدة، وهي أغلى من حياتي، وأنا موافق على تزويجها من حَسَن، وهو من عامّة الشعب. لكنْ لي
شرط: أمامك، يا حَسَن، بطاقتان من الورق مطويّتان. مكتوبٌ في إحداهما "حياة" وفي الثانية "موت"، إذا كانت البطاقة المكتوب فيها "حياة" من نصيبك، ستفوز بيد الأميرة، أمّا إذا كانت بطاقة "الموت" من نصيبك، فقدْتَ رأسك".
قال حَسَن: "أنا مُستعدّ للامتحان". توجّه حَسَن إلى الملِك، أخذ واحدة من البطاقتَيْن ووضَعَها، على الفَوْر، في فمه وابتلعها. سأله الملك: "ماذا فعلتَ؟". أجاب حَسَن: "مولايَ الملِك، بقيَتْ في يدكَ البطاقة الثانية، فإذا كان مكتوب فيها "موت"؛ إذن سيكون مكتوب في البطاقة التي بلعتُها أنا "حياة". اِفتَحِ البطاقة الموجودة في يدِكَ لنرى ماذا كُتِبَ فيها".
شَعَرَ الملك بالحرَج، ولم يعرف بماذا يُجيب. فتح البطاقة الموجودة في يدِه وكان مكتوب فيها "موت". عندها صفّق الجمهور تصفيقًا حارًّا وهتفوا: "فاز حَسَن! فاز حَسَن!"، فقال الملِك لمُستشاره: "لقد فشلَتْ خطَّتُكَ!".
أدرك الملِك أنّ عليه أن يُنفّذ وعدَهُ وزوّج ابنته لحَسَن، ثمّ عيّنه مُستشارًا له بفضل ذكائه الحادّ. عاش الزوجان في سعادة وهناء طيلة حياتهم. ما أجمل نصيبهم وما أحسنه! ليت حظّهم يُصيبني ويُصيب كلّ المستمعين!
في الصفِّ
1. ما المغزى من القصّة؟ أيُّ نقد اجتماعيّ تُمَثِّل؟
2. يُقال إنّ العديد من القِصص الشعبيّة والحكايات تهدف إلى إرضاء المُستمعين ورسم البسمة على وجوههم. هل تُحقّق قصّة "الشاطر حَسَن" هذا الهدف؟ كيف؟ اِشرحوا إجابتَكم.
ما الذي يمكن أن نتعلّمه من القصّة عن التراث؟
هذه القصّة معروفة في التراث العربيّ، ويُكثِر الدروز من سردِها بسبب القيَم التي تتضمّنها: من خلال القصّة، يمكن أن نتعرّف إلى الطبقات الاجتماعيّة والفروق بينها؛ أهمّيّة الزواج كهدف أساسيّ للحياة الأُسريّة وباعتباره رمزًا للطبقة الاجتماعيّة؛ والحكمة الشعبيّة عند عامّة الناس وقيمتها الكبيرة.
*98*
القصّة السابعة: النسّاج الذكيّ واللصّ
كان يا ما كان، في قديم الزمان، نسّاجٌ طيّبُ القلب، يكسب رزقَه من عرقِ جبينه وكدِّ يمينه. كان النسّاج يفتح باب دكّانه كلَّ صباح ويقول: "بسم الله الرحمن الرحيم"... وبعدها يتوجّه إلى نَوْلِهِ الكبير، المصنوع من الخشب، ويبدأ برفع خيوط السُّدى الطوليّة وإنزالها؛ ليسمح للخيوط الملوَّنة العرضيّة بالتشابُك معها، وهكذا كان يصنع "حيطان من خيطان" (أي: يصنع السجّاد).
في إحدى المرّات، بينما كان النّساج يرمي الخيوط، يمينًا وشمالًا، ويُغنّي:
"روحْ مَكّوكْ، تَعَ مَكّوكْ... عِنْدي مال بْيِكْفي مْلوكْ..."
مرّ لصٌّ بجانب دكّانه وسمع غناءه. "ها هُنا نسّاج غنيّ"، قال في نفسه، وقرّر أن يسرق المال. وبينما الجميع نائمون، كسَر اللصّ قِفْل باب الدكّان ونجح في الدخول، وبدأ يُفتّش بين كُرات الصوف والوسائد، لكنّه لم يجد شيئًا. نظر حوله، فرأى المكان المنخفض الذي يشدّ منه النسّاج خيوط السُّدى الطوليّة، فنزل إلى هناك، وشدّ طرف السجّادة. وفي هذه اللحظة، بدأ اللصّ يصرخ من شدّة الفرح، وقال: "أوه... جرّة مليئة بليرات الذهب، يا لطيف!". الحقيقة أنّ الجرّة لم تكُنْ كَبيرة وَلا مليئة؛ امتلأ نصفها، فقط، بليرات الذهب. خبّأ اللصُّ الجرّة تحت ملابسه وفرّ هاربًا من المكان.
*99*
بعد عدّة أيّام، فكّر اللصُّ في أن يمرّ، ثانيةً، أمام دكّان النسيج ليشمت بالنسّاج؛ إذ تخيّله جالسًا في مدخل دكّانه وهو حزين... لكن في الواقع، لمّا اقترب اللصّ من الدكّان، دُهِشَ وتحيّر؛ فقد وجَدَ النسّاج يعمل بفرح ويغنّي:
"لو خلّاها كمَّلْناها، لو خلّاها كمّلْناها..." (لو ترك الجرّة، لَملأناها)
ضرب اللصّ رأسَهُ وقال: "أيّ أحمق أنا! كان عليَّ ألّا أتسرّع... كان بإمكاني الانتظار حتّى تمتلئ الجرّة بالنقود". لم يتمكّن اللصّ من تمالك نفسه حتّى يحلّ الظلام، وما إن أغلق النسّاج باب الدكّان وغاب حتّى كسر اللصّ قفلَ الباب، ثانيةً، وأعاد الجرّة بما فيها من نقود إلى مكانها. وفي الصباح، مرّ بجانب دكّان النسيج، مرّة أخرى، ورأى النسّاج وسمعه يغنّي:
"يا طمّاع، يا صُعلوك رِجِع المال قُلْ مبروك، روحْ مَكّوكْ، تَعَ مَكّوكْ... عِنْدي مال بْيِكْفي مْلوكْ..."
فهم اللصّ أنّه وقع في الفخّ الذي نصبه له النسّاج، وترك المكان خائبًا.
(بتصرّف عن: حكايات شعبيّة للأطفال).
في الصفِّ
1. كيف تظهر القيمة: "الصالحون يُؤجَرون، والأشرار يُعانون" في هذه القصّة؟
2. ماذا تُعلّم هذه القصّة المُستمعين؟
ما الذي يمكن أن نتعلّمه عن القصّة عن التراث التوحيديّ؟
تطرح القصّة صورةً من الحياة اليوميّة، في الماضي، عند عامّة الشعب الذين يعملون ويكدّون، لكنّهم يقعون، أحيانًا، في ضيقٍ من دون ذنب اقترفوه. ويمكن أن نقول، إنّ مثل هذه القِصص ساعدتهم ومنحتهم الفرح وبثَّت فيهم الأمل.
*100*
القصّة الثامنة: ابنة الملِك الذكيّة
كان يا ما كان، في قديم الزمان، ملِكٌ حكيم، يختلف عن ملوك اليوم، وكان شعبُه يعيش في أمْن وأمان. كان للملِك ولدان وبنتٌ واحدة، ولمّا شعر بأنّه قد تقدّم في السنّ ودَنا من الموت، دعا ابنَيْهِ وابنته وقال لهم: "يا أولادي، أُريد أن أعرف مَنْ منكم سيخلفني في حُكْم المملكة بعد موتي''.
أجاب أبناؤُه: "ليحفظك الله يا أبى". قال الأب: "الموت حقّ علينا، وكلُّنا سوف نموت يومًا ما. وأنا أُريد أن أعرف مَنْ سيكون الملك بعد موتي، وقرّرتُ أنّ الملك سيكون مَنْ يملأ هذه القاعة الكبيرة".
كانت القاعة ضخمة، وكانت تتّسع لكلّ رجال المملكة مُجتمعين. حين سمع الأميران طلَب والدهم الملِك، أخذا يجولان في أنحاء المملكة ليتشاورا مع الحُكَماء وكبار السنّ. عاد الأمير الأوّل، بعد أُسبوعين، إلى القصر، بعد أن تشاور مع حكماء وشيوخ المملكة جميعهم. لقد أحضر كلّ جِمال المملكة، وعلى ظهورهم كمّيّات كبيرة من الحِنْطَة.
دعا الأميُر خدمَ القصر، وطلب المساعدة من باقي الرجال ليملأوا القاعة بالحنطة التي أحضرها. عملَ الجميع مدّة أربعة أيّام بلياليها حتّى امتلأ نصف القاعة، وبقي النصف الثاني فارغًا. حزِنَ الأمير؛ لأنَّه عرفَ أنّه لن يكون هو الملِك.
*101*
عاد الأمير الثاني بعد أربعة أسابيع، وكان قد تشاور مع حُكماء المملكة ورِجالتها. أحضر الأمير معه كلَّ حيوانات المملكة، وفوق ظهورهم كمّيّات كبيرة من القشّ. لمّا وصل القاعةَ الكبيرة، دعا كلّ الخدَم في القصر وطلب منهم المساعدة. عَمِل الجميع بجدٍّ لمدّة ثمانية أيّام ولياليها. وحين انتهوا من العمل، لاحظوا أنّ رُبع القاعة لا يزال فارغًا. حزِنَ الأمير؛ لأنّه عرفَ أنّه لن يكون هو الملِك.
حين رأى الملِك ما حدث، دعا ابنته الأميرة، التي كانت تُساعد في أعمال الحديقة، كالعادة، وتطارد الفراشات، وتقضي وقتها في الاستماع إلى القِصص والحكايات. سأل الملك ابنته إن كانت قد وجدت فكرة ما لمَلْء القاعة الكبيرة. طلبت الأميرة من مُساعدي الملك أن يُعينوها في إغلاق ستائر القاعة وتعتيم المكان، ثُمّ أحضرت أربعَ شمعات، ووضعت واحدةً في كلّ زاوية من زوايا القاعة، فامتلأت القاعة بالضوء... هكذا أعلن الملِك أنّ الأميرة الصغيرة هي التي سوف ترثه وتكون الملكة من بعده.
في الصَفِّ
ماذا يُمكن أن نتعلّم من القصّة عن معاملة المرأة في المجتمعات الدرزيّة التقليديّة، وعن العلاقات داخل الأُسرة الدرزيّة في الماضي؟
ما الذي يمكن أن نتعلّمه من القصّة عن التراث التوحيديّ؟
جاءت هذه القصّة من الثقافات العربيّة، وهي تعكس صورةً عن المجتمع الدرزيّ. تُصوّر القصّة مشهدًا من حياة الملوك والزعماء، قبل مئات السنين: القصر الذي عاشوا فيه، طرق المواصلات، العلاقة مع الملك وأسرته وغير ذلك من القيم التي تظهر في القصّة: التقارُب بين أفراد الأُسرة، احترام المرأة، والنظرة الإيجابيّة إلى الذكاء والحكمة اللذَين يحدّدان مكانة الفرد داخل الأُسرة.
*102*
القصّة التاسعة: كلّ ما يأتي بسهولة يذهب بسهولة
يُحكى عن رجل غنيّ كان له ولد وحيد، دلّلتهُ أُمُّه وكانت تبالغ في القلق عليه حتّى أصبح شابًّا لا يُتقنُ أيّ عمل، يقضي وقته يتسكَّع في الشوارع، ويُنفق النقود التي كانت أمّه تعطيه إياها سِرًّا، من دون عِلْم أبيه.
في صباح أحد الأيّام، دعا الأب ابنه وقال له: "لقد كبرتَ يا بُنيّ، وأصبحتَ فتًى قويًّا. بإمكانك الآن أن تعتمد على نفسك، وتعمل. أُريدك ألّا تعود إلى هُنا قبل أن تُحضر لي ليرة ذهبيّة!". تركَ الشابُّ المنزل، فركضت أمُّه خلفه وأعطته لَيْرة ذهبيّة. طلبت الأمّ من ابنها أن يذهب إلى المدينة، ويعود في المساء فيعطي اللَّيْرة الذهبيّة لوالده، مُدَّعِيًا أنّه عملَ بجِدٍّ وحصل عليها مُقابل عمله.
نفّذَ الابن ما قالته أُمُّه، وعاد في المساء وفي يده ليرة ذهبيّة، أعطاها لوالده وقال: "لقد عملْتُ بجِدٍّ حتّى حصلتُ على اللّيرة، ها هيَ.. خُذْها يا أبي!". أخذ الأب اللّيرة، فكّر قليلًا، ثمّ رماها في نار الموقِد أمامهُ، وقال: "هذه ليست اللّيرة التي طلبتُ منكَ أن تُحضِرَها لي. غدًا سوف تذهب إلى المدينة لتُحضر لَيْرة أُخرى!". سكت الشابُّ، لم يعترض ولم يتفوّه بكلمة.
في صباح اليوم التالي، خرج الشابّ في طريقه إلى المدينة، وركضت أُمّه خلفة، ثانيةً، وأعطته لَيْرة ذهبيّة. قالت لهُ: "لا تعُد سريعًا، ابقَ في المدينة لبِضعة أيّام، ثُمّ ارجِعْ وأحضِر اللَيرة
"اللي يعطي لابنه سمكه يطعمه في يومه واللي يعلم ابنه صيد السمك يطعمه طول الأيام"
*103*
لوالدكَ". تابع الشابّ طريقه حتّى وصل المدينة، وأمضى فيها ثلاثة أيّام، ثمّ عاد وأعطى اللّيرة الذهبيّة لوالده وقال له: "عانيتُ الكثير حتّى حصلتُ على هذه اللَّيْرة. ها هي، خُذْها يا أبى!". أخذ الوالِد اللّيرة، فكّر قليلًا، ثُمّ رماها في النار، وقال: "هذه ليست اللّيْرة التي طلبتُ منك أن تُحضِرَها لي. عليكَ أن تُحضِر لَيْرة أُخرى يا بُنَيّ!". سكتَ الابن ولم يتفوّه بكلمة.
في صباح اليوم الثالث، وقبل أن تستيقظ الأمّ من نومها، خرج الشابُّ! من البيت في طريقه إلى المدينة، وبقي هُناك شهرًا كاملًا، بعدها عاد وفي يدِهِ لَيْرة ذهبيّة، وقد حرِصَ جدًّا عليها؛ لأنّه عمل بجدٍّ، هذه المرّة، كي يكسبها. أعطى الابنُ اللَّيْرة لوالده وهو مبتسم، وقال: "أُقسِم لكَ، يا أبتي، أنّني أخذتُ هذه اللَّيْرة مُقابِل العمل الشاقّ الذي قُمتُ بهِ. وهي من حقّي، عانَيْتُ الكثير لأحصل عليها".
أخذ الأب اللَّيْرة، وهمَّ برَمْيِها في النار فقفز الابن، فجأةً، وأمسك بيد أبيه كي لا يرميَها. عندها ابتسم الأب وعانق ابنه، وقال: "الآن، يا بُنَيّ، أصبحتَ رجلًا، ويمكنكَ الاعتماد على نفسك! فِعلًا هذه اللَّيْرة هي ثمرة عملك وجُهدك؛ لأنّك خَشيتَ أن تفقدها هذه المرّة، في حين سكتَّ في المرّات الماضية ولم تتفوَّه بكلمة! ذلك أنّك حصلتَ على اللَّيْرة، حينها، من دونِ جُهد، ومَنْ يحصل على المال من دونِ مجهود، يسهل عليه فُقدانه".
(يتصرّف عن: אברהם שטאל, עדות מספרות).
في الصَفِّ
1. تعرِض القصّة أُسلوبَيْنِ لكَسْب المال: أُسلوب الأمّ، وأُسلوب الأب.
اِشرحوا هذَيْنِ الأسلوبَيْنِ، وبيّنوا كيف ينعكسان في القصّة.
2. ماذا فرِحَ الأبُ حين منعهُ ابنُه من رمي النقود في النار؟
3. حسب رأيكم، أيّ الأُسلوبَيْن هو الأصحّ: أُسلوب الأب أم أُسلوب الأمّ؟ علّلوا.
ما الذي يمكن أن نتعلّمه من القصّة عن التراث التوحيديّ؟
تعرض هذه القصّة، في الأساس، قيَمًا اجتماعيّة في المجتمع الدرزيّ، أهمُّها: عندما نكسَب النقود مُقابل عمل شاقٍّ، تكون قيمة المال كبيرة؛ العمل هو الشرط الأساسيّ لسعادة الإنسان.
*104*
القصّة العاشرة: مَنِ الكريم؟
"كَمْ هُمْ كُرماء أهل هذه القرية!"، قالت الزوجة لزوجها، بعد أيّام معدودة من رحيلهما عن قريتهما وقدومهما للسكن في البقيعة. مرّت الأيّام عليهما كأنّها حُلم؛ هذا يدعوهم للفطور، وذاك لوجبة غذاء، هذا لشُرب القهوة، وذاك لمشروب خفيف، والجميع يجلب لهم الهدايا.
"كلّا يا زوجتي"، أجاب الزوج، "ليسوا هُمُ الكُرَماء، بَلْ نحن".
"كلّا يا زوجي، لا تُخطئ..."
"أنتِ المخطئة يا امرأة، دعيني أُثبتُ لكِ ذلك..."
في اليوم التالي، أرسل الرجل بهائِمَه للرّعي في حقل أحد الرجال. وفي المساء، جاء صاحب الحقل ووقف في مدخل البيت وصاحَ: "يا كلاب! هل ترغبون في إفساد زَرْعي؟! غادِروا المكان أنتم وبهائمكم! لو كنتم أسوياء لَما تركتُم قريتكم. أوغاد وحقيرون!".
لم يتفوّه الرّجل بكلمة ضِدّ خصمه، لكنّه جلس وقال لزوجته: "اِسْمعي!".
*105*
في اليوم التالي، أرسل الرجل بقراتِه لترعى في حقلٍ آخر. في المساء، جاء صاحب الحقل، وقف في مدخل البيت وصاحَ: "يا أوغاد! ألا تخجلون؟ لماذا تُريدون إفساد زَرْعِنا؟ لو كنتم أسوياء لَما رمتكم قريتكم! أوغاد وحقيرون!".
لم يتفوّه الرّجل بكلمة ضِدّ خصمه، لكنّه جلس وقال لزوجته: "اِسْمعي!".
في اليوم الثالث، أرسل الرجل الماعز إلى حقلٍ، آخر. وفي المساء، جاء صاحب الحقل ووقف في مدخل البيت وصاحَ: "أنتم يا من لا أصْلَ لكم! لو كان لكم أصل، لما تجرّأتم على تخطّي حدود أرضي، أُناس لا أرض لكم، حقيرون ومعدومو الشرف... غادِروا المكان قبل أن تروا ما سيحدث لكم!".
لم يتفوّه الرّجل بكلمة ضِدّ خصمه، لكنّه جلس إلى زوجته وقال لها: "هل رأيتِ يا امرأة، مَن هو الكريم؟ الناس كُرماء طالما كنّا نحن كُرماء، وتصرّفاتنا هي التي تُحدّد موقف الآخرين تجاهنا".
(بتصرّف عن: מנעם חדאד, מאגדות פקיעין, 1980).
في الصفِّ
1. ما المغزى، حسب رأيكم، من هذه القصّة؟
2. هل هذا المغزى صحيح وعادِل، حسب رأيكم؟ علّلوا.
3. هل المغزى في القصّة، حسب رأيكم، مُصَرّحٌ به أم غير مُصرّحٌ به؟
4. جِدوا قصّة أخرى مختلقة، يكون المغزى فيها مُشابهًا للمغزى في قصّة "مَن الكريم".
ما الذي يمكن أن نتعلّمه من القصّة عن التراث التوحيديّ؟
تسعى هذه القصّة الشعبيّة إلى تعليم المستمعين والقرّاء أن يكونوا صادقين وأسوياء، ويُثبت ذلك الاعتقاد الذي يظهر في المثل: "كَيْفَما تُعامِلُ تُعامَلُ" كذلك يمكن أن نتعلّم من القصّة عن نمط الحياة الزراعيّ عند الدروز، في الماضي.
*106*
الجزء الثالث: إرشادات لتحضير ملفّ قِصص شعبيّة وحكايات وتنظيم أمسية لرُواتها
في هذا الجزء من الفصل، نقترح عليكم الاشتراكَ في مشروعَيْن على مُستوى الصفّ: تحضيرُ ملفّ قِصص شعبيّة وحكايات، وإقامة أُمسية احتفاليّة تسردون فيها القِصص الشعبيّة والحكايات لأفراد أسرتكم. لهذَيْن المشروعَيْن (بالإضافة إلى المُتعة التي تنتظركم) أهمّيّة مُزدوِجة: الأولى هي إسهامكم في الحفاظ على التراث التوحيديّ، والثانية هي الخبرة التي ستكتسبونها في مجال التوثيق، الكتابة والإنتاج.
هناك ثلاث مراحل لتطوير المشروعَيْن وتنفيذهما:
المرحلة الأولى: جَمْع القِصص الشعبيّة والحكايات وتوثيقها؛
المرحلة الثانية: تحضير ملفّ صفّيّ للقِصص الشعبيّة والحكايات؛
المرحلة الثالثة: إقامة أُمسية لرُواة القِصص الشعبيّة والحكايات.
المرحلة الأولى:
جَمْع القِصص الشعبيّة والحكايات وتوثيقها
1. بعد أن تعلّمتم ما هي القصّة الشعبيّة وقرأتُمْ قِصصًا شعبيّة وحكايات، بإمكانكم إيجاد واختيار القِصص الشعبيّة التي سيتكوّن منها مَجْمَع القِصص الصفّيّ. للعثور على القِصص الشعبيّة والحكايات، اتّبعوا الطُرُق التالية:
أ. تذكّروا القِصص الشعبيّة أو الحكايات المعروفة لكم، تلك التي سمعتموها بأنفسكم، أحبَبْتموها، وتتذكّرونها. اُكتبوا مضمون هذه القِصص والحكايات.
ب. اِبحثوا، في المصادر المطبوعة أو في الشبكة العنكبوتيّة، عن قِصص شعبيّة وحكايات درزيّة. انقُلوا هذه القِصص والحكايات، أو لخّصوا مضمونَها بالتّفصيل.
*107*
ج. توجّهوا إلى أشخاص في بيئتكم القريبة: أفراد العائلة وغيرهم من الأشخاص المتقدّمين في السنّ، واطلبوا منهم أن يسردوا عليكم قِصصًا شعبيّة وحكايات. وثِّقوا، كتابيًّا، القِصص التي ستسمعونها.
د. اِستدعوا إلى الصفّ أشخاصًا من بلدتكم، يعرفون قِصصًا شعبيّة وحكايات ويرغبون في سَرْدها. اِستمعوا لهذه القِصص والحكايات ودوّنوها.
2. عند توجّهكم إلى أشخاص من خارج نطاق العائلة، يُفضّل الخروج في أزواج. كلّ زوج من التلاميذ يبحث عن قِصَّتَيْن ويُحضِرهما للملفّ الصفّيّ. اِستعينوا بالتوجيهات أدناهُ.
3. حضّروا لكلّ قصّة بطاقة هويّة تتضمّن التفاصيل التالية: عنوان القصّة، اسم المؤلّف أو الراوي، أو اسم الكتاب الذي أُخِذت منه القصّة، وطريقة العثور عليها.
توجيهات لتوثيق القصّة الشعبيّة
والحكايات على لسان الراوي
الجوّ السائد
التوثيق مشروط بالتواصُل المتبادل بين المُوثِّق والراوي. من الضروريّ خلق جوّ لطيف ومُمتع في أثناء عمليّة التوثيق، لتمكين الراوي أو الراوية من سَرْدِ القصّة برغبة وطَلاقة.
عندما يَحضُر الموثّق إلى المكان مزوَّدًا بلوازم العمل الخاصّة به: جهاز كتابة، جهاز تسجيل أو كاميرا، يُمكن أن يخشى الراوي الظّهورَ، ويسأل: "لماذا تسجّلون؟ إلى أين ستصل القصّة؟". وأحيانًا حتّى يطلب: " دعونا نتحدّث أوّلًا، وبعدها توثّقون". على الموثّق أن يتفهّم هذه التخوّفات، فيُجيب عن أسئلة الراوي بتأنّي وطيب خاطر، ويشرح الأهداف الضروريّة التي من أجلها يقومون بالتوثيق.
كذلك، من أجل توفير جوّ مريح مع الراوي، من المفضّل عدم حثّه على البدء بسرد القصّة، إنّما نبدأ معه بمحادثة تمهيديّة، بالسؤال عن حال الراوي، وتقبُّل الضيافة التي يُقدّمها لنا في بيته.
من أجل الحصول على توثيق عالي الجودة، وتشجيع الراوي على أن يفتح قلبه ويشعر بالارتياح، ولكي تُحفَظ القصّة وتُدَوّن بشكل دقيق؛ من الضروريّ الانتباه للنقاط التالية:
*108*
الإصغاء
الإصغاء والانتباه الشديدان ضروريّان لإنجاح التوثيق؛ فهما يُحدّدان جودة القصّة التي ستُكتب في نهاية المطاف. على الموثّق أن يُصغي إلى حديث الراوي ويُركّز فيه، وأن يحترم ويُقدِّر الراوي الذي يُكرّس الوقت من أجله، ويستضيفه في بيته. في أثناء الإصغاء للقصّة، في الوقت الّذي يسترسل فيه الراوي أو الراوية في سرد القصّة، قد يجد الموثّق نفسه متعبًا، ومع ذلك عليه أن يتحلّى بالصبر، ولا يتدخّل، بأيّ حال من الأحوال، ليطلب من الراوي أن يختصر قصّته ويُنهيها. من الضروريّ ألّا يوقف الموثّقُ الراوي في أثناء سَرْده القصّة، وألّا يطرح أسئلةً من شأنها أن تُشتَت الراوي فيفقد تركيزه في القصّة.
من المُحبّذ استخدام لغة الجسد والإيماء بالإشارات للدّلالة على الإصغاء العميق، الاهتمام، وأهمّيّة القصّة. نظرات الموثّق تكون موجَّهة إلى الراوي، يُفضّل أن يميل بجسمه إلى الأمام، يُعطي إيماءات بالوجه، ويُظهر اليقظة مُستعينًا بتعابير الوجه.
التفاعل
القصّة الشعبيّة تنشأ، في الغالب، خلال اللقاء بين الراوي والجمهور، كبيرًا كان أم صغيرًا. يكون الراوي بحاجة إلى تفاعل الجمهور واهتمامه به وبقصّته، مثلما يتوقّع الممثِّل، في عَرْضٍ مُعيّن: التصفيقَ في نهاية العرض. لا يهمّ إن كان الجمهور عبارة عن مجموعة من المستمعين، أو إذا كان الموثِّق نفسه بمثابة الجمهور. القصّة المرويّة تَصِل الراوي بالجمهور، وتكوّن بينهم رابطًا، وهذا الرابط يُعتبر جزءًا من سِحْر القصّة. تفاعُل تشجيعيّ الذي فيه شيء من الفضول، من قِبَل الجمهور، ضروريٌّ لخَلْق هذا الرابط المميَّز، وهذا جُزء من وظيفة الموثِّق.
صياغة اللغة عند الموثِّق
القِصص الشعبيّة والحكايات في اللغة العربيّة سُرِدَت باللهجة المحكيّة، وهي اللهجة المعتادة لدى الراوي، وليس باللّغة الفُصحى، وهي اللّغة المكتوبة. لهذا الأمر تأثير كبير في لغة القِصص الموثّقة.
عند توثيق القِصص وكتابتها:
*109*
- من المُمكن الحفاظ على لغة القِصص الأصليّة، وكتابتها باللّغة المحكيّة الأصليّة التي سُردَتْ بِها، لغةٍ ذات ثروة لغويّة غنيّة وأساليب متنوّعة، من دون معالجتها وتغييرها على أيدي الموثّقين؛
- من المُمكن معالجة لغة الراوي وتحويلها إلى اللّغة الفُصحى المكتوبة، وهي اللّغة المُشتركة لقُرّاء اللّغة العربيّة جميعهم؛
- من المُمكن الدّمج بينهما (مثلما فعلنا في مَلَفّ القِصص والحكايات الواردة في هذا الكتاب)؛ يتمّ تحويل الحَبْكَة في القصّة إلى اللّغة الفُصحى، أمّا الحوار بين الشخصيّات فيُحفَظ باللّغة المحكيّة.
يُمكن الإصغاء إلى الرّاوي وتوثيق قصّته، تسجيله أو تصويره بكاميرا الفيديو. يجب التزوُّد بأدوات الكتابة وَ / أو أجهزة تسجيل وتصوير. من المفضّل الخروج إلى المهمّة في أزواج أو مجموعات من ثلاثة أشخاص. هكذا يتركّز أحد الموثِّقين بالإصغاء إلى القصّة، ويخلق التواصُل مع الراوي، بينما يهتمّ الأخر (أو الآخرون) بكتابة، تصوير أو تسجيل القصّة.
- وجِّهوا الراوي لرواية قصّة تتناسب مع المواضيع التي تنوون تحضيرها للملفّ الصفّيّ.
- قبل تنفيذ التوثيق، اِملأوا الاستمارة التالية:
اِسم التلميذ / التلاميذ فراغ
التاريخ فراغ
اسم الراوي فراغ
صلة القرابة مع الراوي فراغ
ممّن سمع الراوي القصّة فراغ
الحاضرون خلال تنفيذ المهمّة فراغ
اِسم القصّة فراغ
هامّ جدًّا! أخبِروا الرُّواة إنّكم ستستخدمون القصّة لتحضير مَلَفّ من القِصص الشعبيّة والحكايات. إذا أردتم التسجيل أو التصوير، اُطلبوا موافقة الرُّواة.
- في نهاية التوثيق يُمكنكم توجيه بعض الأسئلة إلى الراوي، مِثْل: لِمَنْ سَرَدْتَ هذه القصّة من قَبْل؟ لماذا اخترتَ أن تروي لنا هذه القصّة بالذّات؟ هَلْ تَعرف / ين قِصصًا أُخْرى؟ هل أنْتَ / تِ مُعتاد / ة على رواية القِصص؟
*110*
المرحلة الثانية:
تحضير ملفّ صفّيّ للقِصص الشعبيّة والحكايات
1. قَرِّروا داخِل الصفّ المواضيع التي سيضُمُّها ملفّ القِصص الصفّيّ.
2. اِقرأوا القِصص التي جمعها زُملاؤكم، وحدّدوا أيّ قِصص سوف تضُمّون لملفّكم.
3. صَنِّفوا القِصص بحسب المواضيع التي اخترتموها لتوضع في ملفّكم الصفّيّ.
4. أجروا التعديلات اللّازمة على القِصص التي قرّرتم إدخالها للملفّ - اُكتُبوها باللغة التي اتّفقتُم عليها، اِحرصوا على صياغتها بشكل جميل، واضح وصحيح. اِستعينوا بالتعليمات أدناه.
5. أَضيفوا فِقْرة لكلّ قِصّة، تَصِف ما يُمكن أن نتعلّمه عن التراث التوحيديّ (اُنظُروا الأمثلة لمِثْل هذه الفِقْرات في ملفّ القِصص في الجزء الثاني). صمِّموا ملفّ القِصص. اِستعينوا بالتعليمات أدناه.
توجيهات لتحرير وتصميم
ملفّ القِصص الشعبيّة والحكايات
التحرير هو خطوة في عمليّة نشر النِّتاج، ويخضع الإنتاج في أثناء التحرير إلى الكثير من عمليّات التلميع، وهدفها تحسينه وتطويره ليستحقّ النّشر والإعلان. تحرير ملفّ القِصص الخاصّ بكم يشمل عِدّة نشاطات:
تحرير القِصص
كلّ طالب يقوم بإجراء التحرير على القِصص التي ساهم بها. هذه العمليّة تشمل تصحيح الأخطاء الإملائيّة والتشديد على التوحيد في الكتابة، وَفْقًا لقواعد الكتابة المُتّفق عليها. التشديد على استعمال علامات الوقف والترقيم، وعلى صياغة الجُمل بالشكل الصحيح من حيث التركيب، وأيضًا تحسين الجُمل الغامضة وصياغتها بشكل واضح ومقروء.
تحرير الملفّ
هذه العمليّة فيها مسؤوليّة وهي ممتعة في الوقت نفسه، وتشمل فحص الملفّ بالكامل وتحسين جودته. من المفضّل تكليف أكثر من تلميذ (2-3) بإجراءات التحرير؛ التلاميذ ذوو الكفاءات العالية في مجالات الكتابة.
*111*
في ما يلي الخطوات التي على المحرّرين تنفيذها:
تحسين صياغة القِصص؛ توقير صياغة موحّدة، قدر الإمكان، للنصوص؛ تحضير صفحة الغِلاف التي تفتتح الملفّ، وفيها: اسم ملفّ القِصص؛ كتابة نصّ لصفحة المقدّمة، يَصِف أهمَيّة الملفّ الذي يشمل مرحلة الإعداد وكلمة شُكْر لكلّ مَن ساعد في إعداده؛ إعداد صفحة تتضمّن أسماء المُشاركين كافّةً في إعداد الملفّ؛ ترقيم صفحات الملفّ؛ تحضير فهرس للملفّ.
تنسيق الملفّ
هذه مرحلة هامّة، ومن المفضّل إعطاؤُها لعدّة طلّاب (2-3) يملكون القُدرة والكفاءة في هذا المجال، وأيضًا الكثير من الصبر.
على مصمّمي الملفّ اتّخاذ القرارات بشأن المواضيع التالية، ثمّ تنفيذها: حجم الورقة في الملفّ (مُفضّل A4)؛ نوع الخطّ الذي سيستعمله التلاميذ، حجم الخط، والمسافة بين الأسطر؛ كيف ستبدو هوامش الصفحات؛ كيف سيظهر ترقيم الصفحات؛ أيّ زخارف أو رسومات توضيحيّة ستُزيِّن الملفّ؛ تحضير غِلاف للملفّ؛ تحديد طريقة لتغليف الملفّ.
المرحلة الثالثة:
إعداد أُمسِيَة لرُواة القِصص الشعبيّة والحكايات
توصِيات لإعداد الأُمسية
يُمكنكم دعوة رُواة مُختصّين، ويُمكنكم أيضًا رواية القِصص التي قُمتُم بجمعها بأنفسكم؛ اِختاروا القِصص التي أعجبتكم وتدرّبوا على أدائها أمام الجمهور؛ يُفضّل أن تسردوا القِصص من ذاكرتكم (لا تقرأوها من الورقة)؛ يُفضّل تجهيز أجواء مناسِبة للأمسية، وإضافة إكسسوارات، أزياء، وخلفيّة موسيقيّة؛ يُفضّل اختيار عرفاء للأُمسية، وظيفتهم تشمل: افتِتاح الأمسية، استدعاء الرُّواة لِسَرد قِصصهم، إلقاء أقوال تربط بين القصص، وتقديم كلمات الشكر؛ تحضير دعوة احتفاليّة ومُشرّفة لهذا الحدث.
نتمنّى لكم النجاح!