كتاب التربية الإسلاميّة

المرحلة الثانوية - الوحدة الأولى

تأليف:

سفيان كبها

فائدة أبو مخ

الناشر: مكتبة كل شيء - حيفا

2014

صفحات بخط عادي 3-338

الناسخة: وفاء أبو حسين

المكتبة المركزية للمكفوفين

وذوي عسر القرائي

نتانيا  اسرائيل  2017م

نسخ أو نقل النسخة الملائمة معارضة لأوامر قانون تنسيق الاعمال، تنفيذ وبث للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة 2014 تشكل خرقًا لحقوق المنتجين.

محتويات الكتاب

الفصلُ الأوّلُ: العقيدةُ الإسْلامِيّةُ صفحة 4-51

الفصلُ الثاني: القرْآنُ الكَريمُ صفحة 122-52

الفصلُ الثالث: الحَديثُ الشَّريفُ صفحة 175-123

الفصلُ الرابع: الفقه الإسلاميّ 239-176

الفصلُ الخامس: السّيرة النّبويّة الشّريفة 306-240

الفصل السادس التّهذيب 338-307


*4*

الفصلُ الأوّلُ: العقيدةُ الإسْلامِيّةُ


*4*

العقيدة الإسلامية ودورها في حياة الإنسان صفحة 5

مفهوم الإيمان وحقيقته صفحة 10

الإيمان بالكتب السماوية صفحة 18

الإيمان.بالرسل عليمهم الصلاة والسلام صفحة 25

مِنْ نواقض الإيمان صفحة 32

الهداية والضلال والتسيير والتخيير صفحة 38

من البرزخ إلى الخلود صفحة 44


*5*

العقيدة الإسلاميّة ودورها في حياة الإنسان


*5*

تمهيد

تعتبر العقيدة الإسلامة وأحكامها من أولويات العلوم التي يجب على كلّ مسلم وجوبًا عينيًّا أنْ يتعلمها ليعرف معناها والأسس التي تقوم عليها، لأنها تهدف إلى إخراج الناس مِنَ الظلمات إلى النور والهدى، وإنقاذهم مِنَ الأوهام والضلالات.

والعقيدة الصحيحة السّلمية هي أساس الدين، وتتخذ من وحدانية الخالق (عز وجل) منطلقا لها، ولذلك يطلق عليها التّوحيد؛ فإنّ أعظم مسائلها مسألة توحيد الله (عز وجل) في ذاته وأسمائه وصفاته، قال تعالى: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) (163) سورة البقرة. وهي الّتي بعث الله بها رسله وأنبياءه مِنْ آدم عليه السلام وحتى الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى الناس في كلّ زمان ومكان، وتتميزّ بكونها عقيدة واحدة لا تتعدّد ولا تتجزأ، وتنبثق عنها شريعة تنظّم جميع جوانب الحياة الإنسانيّة، فهي مِنْ عند الله العليم الخبير. قال تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) (19). سورة محمّد.

اَلعقيدة الإسلاميّة

هي مجموعة الأفكار والحقائق المستدَّة مِنَ القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة الّتي يؤمن بها المسلم، فتستقرّ في عقله وقبله ومشاعره، وتوجّه تفكيره وسلوكه.


*6*

مناقشة

- ما أهمّيّة العقيدة الإسلاميّة للإنسان؟

- ما خصائص العقيدة الإسلاميّة؟

- كيف تؤثر العقيدة السليمة في سلوك المسلم؟

إقرأ واستنتج

قال تعالى: (بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (285) سورة البقرة.

وقال الرسول (صلى الله عليه وسلم) كما جاءَ في حديث عمرَ بنِ الخطّابِ (رضي الله عنه) مجيبًا سيدّنا جبريل (عليه السلام) حينما سأله عن الإيمان فقال (صلى الله عليه وسلم): "أَنْ تُؤْمِنَ باللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرّهِ". صحيح مسلم.

مفهوم العقيدة الإسلاميّة: هي الإيمان الجازم الّذي لا يتطرّق إليه شكَ لدى المعتقدِ بالله ربًّا وإليهًا، وبملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وسائر ما ثبت من أمور الغيب، وهي مبنية على الفهم الصحيح لأركان الإيمان والتصديق بها، فمن صدّق بهذه الأركان وعمل بمقتضاها فقد حقّق العقيدة الإسلاميّة الصحيحة.


*7*

أهمية العقيدة الإسلامية في حياة الإنسان

تتجلى أهمّيّة العقيدة الإسلاميّة لكونها:

- تحقّق الاستقرار النفسيّ والأمن في نفوس أصحابها، وتجيب عن التساؤلات الّتي كثيرًا ما تثور في نفس الإنسان حول أصل النّشأةِ والخلق، والغاية مِنَ الوجود، والنهاية والمصير، وبذلك تزيل الخوف والرّيب، وتلبّي حاجة الإنسان الفطريّة إلى التديّن، قال تعالى: (الَّذِنَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (28) سورة الرعد. وقال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (56) سورة الذاريات. ومن يتمسك بها ينعم الله (عز وجل) عليه بالنعم الكثيرة، قال تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (112) سورة البقرة.

- تملأ وجدان الإنسان محبّة لله تعالى ولرسوله (صلى الله عليه وسلم)، فتسمو عواطفه نحو الخير، وتستقيم حياته، ويعيش طاهر القلب والوجدان، فترقى به إلى المكانة العالية. قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) (165) سورة البقرة.

- تجعل المسلم قويًّا عزيزًا لأنّها تحرّره مِنْ كلّ أنواع العبوديّة لغير الله (عز وجل)، وتربطه بالله تعالى الخالق، القادر، القويّ العزيز، والّذي بيده كلّ شيءٍ، ممّا يغرس في نفسه الشّجاعة والجرأة في الحقّ. قال تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (139) سورة آل عمران.

- وسيلة لضبط الغرائز وتقويم السلوك، فتحمل المسلم على التحكم بمشاعره وغرائزه، وتنظّم سلوكه.

- تطهّر النفوس مِنَ الخرافات وتحرّرها من الأوهام والضلالات، قال تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)) سورة الزمر.


*8*

أثري معلوماتي

خصائص العقيدة الإسلاميّة

- العقيدة الإسلاميّة ربانيّة المصدر والغاية:

تستمد العقيدة الإسلامية أصولها من القرآن الكريم والسنة النبوية، كما أنها تربط المسلم بالله رب العالمين، وتوثّق صلته به، ولذلك لا مجال فيها لزيادةٍ أو نقصانٍ لأنها من عند الله عزّ وجل. قال تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (192) سورة الشعراء.

- العقيدة الإسلامية شاملة ومتكاملة:

تمتاز العقيدة الإسلامية لنظرتها الشاملة والمتكاملة للكون والحياة والإنسان، فلم تدَعْ جانبًا من جوانب الحياة إلّا ونظمته، قال تعالى: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (38) سورة الأنعام.

- العقيدة الإسلاميّة موافقة للعقل والفطرة:

يعتبر العقل أداة للكشف والنظر والتدبّر في الطون، ولذا جاءت العقيدة موافقة له في ذلك. أمّا كونها موافقة للفطرة فلأنّ الله تعالى عليم بحال الإنسان فشرع له ما يناسب فطرته، ويلبّي حاجاته الروحيّة والعقليّة والجسميّة، قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (30) سورة الروم.

- العقيدة الإسلامية سهلة وواضحة:

قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ إلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (108) سورة يوسف. فلا غموض في العقيدة الإسلاميّة ولا تعقيد، ويقبلها العقل السليم، ويدركها الصغير والكبير.

- العقيدة الإسلاميّة عقيدة وسط لا إفراط فيها ولا تفريط:

فهي عقيدة تدعو إلى التوسط والاعتدال، وتنهى عن التقليد الأعمى، كما تنهى عن الغلوّ بالعقل، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) (143) سورة البقرة.


*9*

آلتقويم

أجب عَمّا يَأْتي:

1. ما مفهوم العقيدة الإسلاميّة؟ وما أركانها؟

2. لماذا يجب على المسلم وجوبًا عينيًّا أن يتعلّم العقيدة الإسلاميّة؟

3. هات أربعة أمثلة للتساؤلات التي تشغل بال الكثيرين حول الكون والخلق والخالق.

4. بيّن أهمّيّة العقيدة الإسلاميّة بالنسبة للمسلم.

5. مِنْ خصائص العقيدة الإسلاميّة أنّها ربانيّة المصدر، كيف تؤثّر هذه الخاصيّة في الخصائص الأخرى للعقيدة الإسلاميّة؟

6. العقيدة الإسلامية تحرّر العقل مِنَ الأوهام والخرافات، دلِّلْ على هذه الحقيقة بضرب بعض الأمثلة.

اِبحثْ في مصادر المعلوماتِ وأكتب آثار العقيدة الإسلامية في سلوم الفرد والمجتمع.


*10*

مفهوم الإيمان وحقيقته -


*10*

تمهيد: الإيمان بالله تعالى يعني الاعتقاد الجازم بوجود الله تعالى والإيمان بربوبيّته وألوهيّته وحده لا شريك له، فهو سبحانه ربّ كلّ شيء وخالقه، يتّصف بصفات الكلمال والجلال كلّها، ليس كمثله شيء، وكلّ ما في الكون يدلّ دلالة واضحة على وجوده سبحانه.

مفهوم التوحيد

التوحيد هو أساس العقيدة الإسلاميّة ويعني: إفراد الله تعالى بالربوبيّة والطاعة أو العبادة، ويشمل أنواع التوحيد الثلاثة:

1. توحيد الربوبيّة:

وهو الاعتقاد الجازم بأنّ الله تعالى ربّ كلّ شيء، والإقرار بأنّه هو الخالق لكلّ شيء، وهو المدبّر لكلّ أمر، فهو خالق العباد ورازقهم، ومحييهم ومميتهم، قال تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35)) سورة يونس. وقال تعالى: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ) (5) سورة السجدة.


*11*

2. توحيد الألوهيّة:

وهو الاعتقاد الجازم بأنّ الله (عز وجل) وحده هو المستحِقّ لجميع أنواع العبادة الظاهرة والباطنة، مثل الدعاء والخوف والتوكّل والصلاة وغيرها، وهو الإله المعبود بالمحبّة والخشية والتعظيم وجميع أنواع العبادة. قال تعالى: (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون) (123) سورة هود. ولأجل هذا التوحيد خلقَ الكون، وأرسلَ الرسل، وأنزلت الكتب السماوية، فافترق الناس إلى مؤمنين وكافرين. فالمؤمنون وعدهم اللع تعالى بالجنّة، والكفار توعّدهم بالنار. ويتطلّب هذا التوحيد المحبّة والرجاء والخوف والطاعة لله (عز وجل)، كما يتطلّب ترك المحرّمات والمكروهات.

أتعرّف:

كلمة التوحيد: "لا إله إلا الله". قال تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (18) سورة آل عمران.

3. توحيد الأسماء والصفات:

وهو إقرار المسلم بأنَّ الله (سبحانه وتعالى) قد سمّى نفسه بأحسن الأسماء، ووصف ذاته العليّة بأكمل الصّفات. قال تعالى: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (110) سورة الإسراء. ومن ذلك ما ورد في دعاء النبيّ (صلى الله عليه وسلم): " اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي". رواه أحمد.


*12*

ويقتضي هذا التوحيد الإيمان بكل اسم سمّى الله به نفسه، أو سمّاه به رسوله محمّد (صلى الله عليه وسلم)، وبما دلّ عليه هذا الاسم من معنى، فالأسماء دعاء وثناء وعبادة. كما يقتضي الايمان بكلّ صفة مِنْ صفات الله (عز وجل) كما جاءت في القرآن الكريم والسن النبوية إيمانا يليق بالله (سبحانه وتعالى)، وعلى ما أراده دون تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تأويل، مع تنزيهه (سبحانه وتعالى) عن أنْ يشبه شيءٌ مِنْ صفاتهِ شيئا مِنْ صفات المخلوقين، قال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (11) سورة الشورى.

وقد وردت أسماء الله تعالى وصفاته في كثير من آيات القرآن الكريم، ومن ذلك قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (22)هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم (24).

مناقشة:

- ما أهمّيّة استخدام الأدلة العقليّة المتّفقة مع الدين في الدعوة إلى الإيمان بالله تعالى؟

- قال تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) سورة الأنبياء. كيف تثبت مِنْ خلال هذه الآية وحدانية الله (عز وجل)؟

- ما أثر الإيمان بالله (عز وجل) على سلوك المسلم؟


*13*

الأدلة على وجود الله تعالى

الأدلة على وجود الله تعالى كثيرة، ويصنفها العلماء الى نوعين: الادلة النقلية والأدلة العقليّة.

أولاً: الأدلة النقلية:

- ما جاء في الكتب السماوية من الأحكام المتضمنة لمصالح الخلق دليل على أنها من رب حكيم عليم بمصالحهم. وقد أخبر الأنبياء والرسل من عهد آدم (عليه السلام) وحتى نهاية عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) ما يثبت وحدانيّة الله (عز وجل)، وأقاموا الحجج والبراهين والشواهد على صدقهم وتأييد الله لهم.

- ما جاء في القرآن الكريم من آيات تثبت وجود الله تعالى ومنها:

1. قال تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)سورة الأعرف.

2. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (22) سورة البقرة.

ثانيًا: الأدلّة العقليّة:

1. دليل السببيّة:

ويعني أن لكلّ سبب مُسبِّبًا، ولكلّ حادث مُحدِثًا. وقد أثبت العلم أنَّ هذا الكون مخلوق، وهو في حركة دائمة ومستمرة، فكان لا بدّ لكلّ تغيّر في أيّ جزء من أجزائه من سبب أثر فيه تأثيراً يكفي لأن يحوله من وضع لآخر. وإذا ما عرفنا أنَّ أيّ شيء منَ المخلوقات لا يمكنه أن يُحدِثَ نفسه منْ غير محدث؛ لأنّه لا يحمل في طبيعته السبب الكافي لوجوده، ولا يستطيع إحداث شيء، وليست لديه القدرة على منحِ غيره شيئًا لا يمكله هو؛ ففاقد الشيء لا يعطيه. فمن يمعن النظر في هذه الموجودات في الكون يجد أنَّ حوادث التغيير لا تنفكّ عنه أبدًا، ممّا يدلّ على وجود خالق ومبدعٍ، وهذا ما أدركه


*14*

الأعرابيّ عندما قال: "البعرة تدلّ على البعير، والأثر يدلّ على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدلّ على العليم الخبير!".

نشاط:

أبحثُ في مصادر المعلومات عن قصّة أبي حنيفة مع بعض الملحدين التي اعتمدت قانون السببيّة وسيلة لمجادلتهم وأسرُدُها أمام زملائي في الصفّ.

2. دليل الإتقان:

يتميّز هذا الكون بكلّ جزئيّة من جزئياته بالإتقان العجيب في الصنع والتركيب، فالقضاء وما فيه من شمس وقمر ونجوم وكواكب، والأرض وما فيها من سهول وجبال ومحيطات وبحار وأنهار، وما عليها من كائنات حيّة ومخلوقات، تجعل كلّ ذي عقل يقف مشدوهًا أمام الدقّة المتناهية في تنظيم حركة الكون وما فيه، وتجعله يتأمل موجودات هذا الكون ليقف على جملة من الحقائق التي تظهر عظمة الإبداع الإلهّي فيه، والتي تتجلّى في أمور منها:

- الدقّة البالغة والنظام الدقيق الذي يحكم الكون ويسيّره، وذلك من خلال السنن الكونيّة التي وضعها الله تعالى فيه، والتي تخضع لها جميع الكائنات، حيث أنّ أي تغيير قد يؤدّي إلى الخلل والنقص والخراب، وتدعو الآيات القرآنية الإنسان إلى التفكير والتدبّر بعظمة صنع الله تعالى في الكون، قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) سورة يس.

- الإتقان المدهش في خلق الإنسان وتكوينه في أجمل صورة، وعلى أحسن هيئة، قال تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (4) سورة التين. وقال تعالى: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا


*14*

تُبْصِرُونَ) (21) سورة الذاريات. فعلى المسلم أن يتفكّر ويتأمل في نفسه وأعضائه وأجهزة جسمه ليدرك عظيم صنع الله تعالى فيها.

- الإتقان البديع في عالم الحيوان والنبات، قال تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (38) سورة الأنعام. وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (11) سورة النحل.

أثري معلوماتي

دليل الفطرة على وجود الله تعالى:

من الأدلة الأخرى على وجود الله تعالى؛ دليل الفطرة، ونعني به: الإحساس بوجد الله تعالى، وهو أوّل شعور في أعماق النفس خلقة الله في النفس الإنسانيّة. فإذا ما تأمّل الإنسان في نفسه، أو في الكون، يشعر بوجود قوّة كبرى تدبّر وتنظّم هذا الكون وتهيمن عليه. فنجد أنَّ كلّ مخلوق قد فُطر على الإيمان بالخالق مِنْ غير سبق تفكير أو تعلّم، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلّا مَنْ طرأ على قلبه ما يصرفه عنها. قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (30) سورة الروم.


*16*

حقيقة الإيمان بالله تعالى وأثره على سلوك المسلم

التوحيد هو أساس جميع الأعمال، فلا تُقبل أعمال الإنسان إلا بالتوحيد، فليس الإيمان مجرّد النطق باللسان بكلمة التوحيد، ولكنّه عمل بالجوارح والجنان، ولذا فإنَّ حقيقة التوحيد تتجلّى في الأمور الآتية:

- إخلاص العبادة لله وحده، فالمؤمن يعبد الله وحده مخلصًا له الدين، قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) (5) سورة البيّنة.

- محبّة الله تعالى، فهو المنعم على الإنسان بأنواع النعم التي لا تُعدّ ولا تُحصى، قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) (165) سورة البقرة.

- إفراد الله تعالى بالدعاء والتوّكل والرجاء، فالمسلم يرجو ثواب الله تعالى، ويخاف عقابه، قال تعالى: (وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا) (56) سورة الأعراف. وقال تعالى في صفات المؤمنين: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) (39) سورة الأحزاب.

- معرفة أسماء الله تعالى وصفاته تؤثر في زيادة الإيمان، وتعديل السلوك، ومراقبة الأعمال.


*17*

التقويم

أجب عَمّا يَأتي:

1. ما أنواع التوحيد؟ اشرح عنها بإيجاز.

2. أذكر ثلاثة من التغيّرات التي تشاهدها في هذا الكون تستدلّ مِنْ خلالها على وجود الله تعالى.

3. اكتب ثلاث آيات تحثّ الإنسان على استخدام العقل لإدراك حقيقة وجود الخالق (عز وجل).

4. أيّ دليل هو الأقوى برأيك لإثبات وجود الله عز وجلّ؟ علّل اختيارك.

5. ما الّذي يترتّب على توحيد الله تعالى؟

6. كيف يكون الإيمان الصحيح بأسماء الله (عز وجل) وصفاته؟ وما ثمرته؟

7. اِشرح هذا القول: "ليس الإيمان بالتمنّي ولا بالتحلّي ولكن هو ما وقر في القلب وصدّقه العمل".

ابحثْ في مصادر المعلوماتِ وأجب:

1. أكتُب تقريرًا قصيرًا حول أحد المحاورات والمناظرات التي حدثت بين مؤمنين وملحدين لإثبات وحدانية الله (سبحانه وتعالى).

2. هل تحصر أسماء الله تعالى وصفاته بتسع وتسعين اسمًا؟ وضّح ذلك من خلال الأدلّة.


*18*

الإيمان بالكتب السماويّة -


*18*

تمهيد

أخبرنا القرآن الكرين أنّ الله (سبحانه وتعالى) أنزل على بعض رسله كتبًا تؤيّد رسالاتهم، وتوضح منهج الله تبارك وتعالى لأنّه خلق البشر، فهو أعلم بما يصلح نفوسَهم، ويحقق لهم سعادتهم في الدنيا والآخرة، وأمر كلّ رسول بتبليغها إلى مَنْ أرسِل إليهم، ومطالبتهم العمل بمقتضاها، والسير على نهجها. والإيمان بأنَّ الله تعالى أنزل كتبه على رسله عليهم الصلاة والسلام واجبٌ، وركنٌ أساسيّ مِنْ أركان الإسلام، لأنّها كلّها مِنْ عند الله تعالى، قال تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (285) سورة البقرة. وقال تعالى: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (136) سورة البقرة.

مناقشة:

- ما الكتب السماويّة؟ وما الدليل على أنّها جميعًا مِنْ عند الله تعالى؟

- علام تشتمل الكتب السماوية؟ وما الغاية مِنْ إنزالها؟

- ما ثمرات الإيمان بالكتب السماويّة؟


*19*

الكتب السماوية هي كلام الله تعالى الذي أنزله على أنبيائه ورسله لهداية الخلق إلى الحقّ، وإرشادهم إلى أسباب السعادة في الدنيا والآخرة. وتشتمل الكتب السماوية على عقيدة توحيد الله تعالى وتقديسه وتنزيهه عن كلّ ما يليق بكماله وجلاله، كما تشتمل على شريعة الله تعالى التي تحقّق السعادة للناس في الدنيا والآخرة. ولا يعلم عدد الكتب السماوية إلاّ الله (عز وجل)، وقد أخبرنا عن بعضها وسمّاها لنا في القرآن الكريم، ولم يخبرنا عن الأخرى فلا نعلم عنها شيئًا، وأمّا الكتب التي أخبرنا الله تعالى عنها فهي:

1. صحف إبراهيم (عليه السلام): وهي التي أنزلت على رسول الله إبراهيم (عليه السلام)، وقد كانت هذه الصحف أمثالاً وحكمًا ومواعظ لهداية الناس وحثّهم على الاستقامة، وأشار القرآن الكريم لبعض ما تضمّنته هذه الصحف، قال تعالى: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19) سورة الأعلى. ومن السنة ما أخرجه ابن حبّان في صحيحه عن أبي ذرّ الغفاري (رضي الله عنه) قال: قلت يا رسول الله ما كانت صحف إبراهيم؟ قال: "كانت أمثالاً كلّها: أيّها الملك المسلّط المبتلى المغرور إنّي لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ولكنّي بعثتك لتردّ دعوة المظلوم فإنّي لا أردّها."

2. اَلتوراة: وهو الكتاب الّذي أنزله الله تعالى على موسى (عليه السلام)، ولفظ التوراة معناه التعاليم أو الشريعة، وقد ورد ذكر التوراة في القرآن الكريم، وتحدّث عن بعض ما جاء فيها مِنَ الأحكام والشرائع الّتي شرُّعت لبني إسرائيل، ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ) (45) سورة المائدة.

3. الزّبور: وهو الكتاب الّذي أنزله الله تعالى على داود (عليه السلام)، وهو نبيّ مِنْ أنبياء بني إسرائيل، قال تعالى: (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) (163) سورة النساء.

4. اَلإنجيل: الّذي أنزله الله تعالى على عيسى بن مريم (عليه السلام)، وقد ذكر القرآن الكريم بعضًا مِنَ الأحكام الّتي وردت في الإنجيل، والتي جاءت مكمّلة أو معدّلة لأحكام التوراة، قال تعالى: (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (46) سورة المائدة.


*20*

5. القرآن الكريم: أنزله الله تعالى على سيدنا محمّد (صلى الله عليه وسلم)، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ) (7) سورة الشورى. وقد بيّن الله تعالى العلاقة التي تربط بين القرآن الكريم وبين الكتب الأخرى، فقال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) (49) سورة المائدة. فالقرآن الكريم مصدّق لما قبله مِنَ الكتب المنزلة، ورقيبٌ عليها، وقد تكفّل الله بحفظه لأنَّه الكتاب الخاتم، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (9) سورة الحجر.

أثري معلوماتي

- تعريف القرآن الكريم: هو كلام الله تعالى المُعجز بلفظه ومعناه، الّذي أنزله الله تعالى على النبيّ محمّد (صلى الله عليه وسلم) بواسطة الوحي جبريل (عليه السلام)، المنقول إلينا بالتّواتر، المتعبَّد بتلاوته، والمكتوب في المصاحف، وهو المعجزة الكبرى الخالدة للرسول (صلى الله عليه وسلم).

- اَلزّبور في اللغة: الكتاب

- الإنجيل في اللغة: البُشرى.

- يؤمن اليهود ما يُسمّى بالعهد القديم، وهو عبارة عن تسعة وثلاثين سِفْرًا.

- يُعرفُ الإنجيل عند المسيحيّين بالعهد الجديد، وهو عبارة عن أربعة أناجيل: إنجيل متى، إنجيل مرقس، إنجيل لوقا وإنجيل يوحنّا.


*21*

معنى الإيمان بالكتب السماوية وما تشتمل عليه

أن يعتقد المسلم اعتقادًا جازمًا لا ريب فيه أنّها كلما جاءت على لسان الرسل عليهم الصلاة والسلام، منزّلةً مِنْ عند الله تعالى حقًّا، يصدق بعضها بعضًا، وجميعها تتّفقُ في الدعوة إلى توحيد الله تعالى، وتعريف الناس بأنه الخالقُ المستحقُ للعبادةِ وحدهُ، وتركِ عبادةِ الأصنامِ والأوثانِ، قالَ تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (36) سورة النحل. وقالَ تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (25) سورة الأنبياء. وهي في مجملها تدعو إلى طاعةِ الرسلِ، والاقتداءِ بأخلاقهم الحميدةِ، وتطهيرِ القلوبِ، وتركيةِ النفوسِ، وتركِ المعاصي.

والكتبُ السماوية مصدرها واحدٌ هو الله تعالى، جاءتْ تكمّلُ بعضها عبرَ الزّمانِ والمكانِ. والقرآن الكريمُ هوَ آخرُ الكتبِ السّماويّةِ نزولاً، لمْ يصبْهُ تبديلٌ ولا تحريفٌ، لأنَّ الله (سبحانه وتعالى) تكفَّلَ بحفظهِ. قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (9) سورة الحجر.

أتذكّر:

تفرّدتْ رسالةُ محمدٍ (صلى الله عليه وسلم) بجملةٍ من الخصائصِ ميّزها الله تعالى عنْ بقيةِ الرسالاتِ السابقةِ، منها:

- إنها خاتمةُ الرسالاتِ السماويةِ، قال تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) (40) سورة الأحزاب.

- إنها خالدةٌ ومحفوظةٌ: فقد تكفّلَ الله بحفظِ القرآنِ الكريمِ، قالَ تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (9) سورة الحجر.

- إنّها عامةٌ لكلّ البشرِ: وذلكَ على اختلافِ ألوانهمْ وأجناسهمْ.

- إنّها صالحةٌ لكُلِّ زمانٍ ومكانٍ.


*22*

الأدلة على أنّ الكتب السماوية مِنْ عند الله تعالى

الأدلّة على أنّ الكتب السماويّة جميعها مِنْ عند الله تعالى تقسم إلى قسمين:

اَلأول: الأدلّة النقليّة:

1. ثبت بالكتاب والسنّة وإجماع الصحابة والسلف الصالح في كلّ زمان ومكانٍ بأنّ الله تعالى انزل كتبًا سماويّة على رسله، حيث أوحى إليهم ما يتضمّن عقيدة التوحيد، والشريعة الخاصّة بكلّ قوم، وصفاته (عز وجل)، وأخبار الغيب جميعها.

2. ثبت بالتواتر كابرًا عن كابرٍ إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، كما ثبت في آيات القرآن الكريم نفسه أنّ القرآن الكريم مِنْ عند الله (عز وجل)، وليس مِنْ كلام محمد (صلى الله عليه وسلم)، وقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على أنّ الكتب السماوية من عند الله تعالى، قال تعالى: (الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4)) سورة آل عمران.

3. ما ثبت في السنّة النبويّة أنّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: "ألا إنّي أوتيتُ الكتابّ ومثلَهُ معهُ" أخرجه أبو داود والترمذيّ.

الثاني: الأدلّة العقليّة:

1. حاجة الناس إلى كتاب مِنْ عند الله عزّ وجل حاجةٌ ماسّة بسبب أنّ هذا الكتاب يصبح مرجعًا للأمّة مهما تعاقبت العصور، فيرجعون إليه في تحديد عقائد الدين وأسسه. فالقرآن الكريم مِنْ عظمته أنَّ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) الذي أُنزل عليه توفّاه الله (عز وجل)، ومضى على وفاته خمسة عشر قرنًا وهو بين أيدينا، فيه آيات العقيدة، والتشريع، والحلال والحرام، والأوامر والنواهي، والمواعظ، والعبر، والأمثال، والحِكَم، والقصص، فلا شكّ أننا بحاجة ماسّة إليه، لأنَّه مرجع لنا بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

2. الكتب السماويّة منهج حياة، والإنسان دائمًا يحتاج إلى منهج يسير عليه، فهي طريق للتقدّم والخير ومحاربة الشرّ، كما هي دعوة للتواضع والصدق والأمانة والتعاون وحبّ الناس والعمل.


*23*

3. في القرآن الكريم إعجازٌ يستحيل ويستعصي على البشر مجتمعين أن يأتوا بسورة من مثله، ففيه إعجازٌ تشريعيّ، ولغويّ، وتاريخيّ، وبيانيّ، ورياضيّ، وعلميّ، واجتماعيّ، وفنّيّ. ويكفي في هذا أن يكون دليلاً عقليًّا على أنَّ القرآن الكريم مِنْ عند الله تعالى.

ثمرات الإيمان بالكتب السماويّة

للإيمان بالكتب السماويّة ثمرات كثيرة منها:

1. زيادة الإيمان واليقين بحكمة الله (عز وجل) في تشريعه، فقد شرع لكلّ قوم ما يناسبهم مِنَ الشرائع والأحكام، قال تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا (48)) سورة المائدة.

2. ثقة الإنسان برحمة الله تعالى وحفظِهِ ورعايته وهدايته لعبادهِ، فلم يخلقهم ويتركهم، بل أنزل إليهم كتابًا يرشدهم إلى طريق الحقّ والصراط المستقيم.

3. يدرك المسلم أنّ توحيد الخالق وتنزيهه (سبحان الله وتعالى) هي المحور الذي دارت حوله جميع الكتب السماويّة، كما يدرك الصلة الوثيقة بين السماء والأرض والّتي لم تنقطع أبدًا.

4. الاعتقاد الجازم بأنّ القرآن الكريم هو خاتم الكتب السماويّة، وهو المهيمن عليها، تعهّد الله بحفظه، فلا يأتيه الباطل، قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ (48)) سورة المائدة. وقال تعالى: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)) سورة فصلت.


*24*

التقويم

أَجِبْ عَمّا يَأْتي:

1. الإيمان بالكتب السماويّة جزء مِنَ العقيدة الإسلاميّة. وضّحْ ذلك.

2. وضّحْ علاقة القرآن الكريم بما سبقه مِنَ الكتب السماويّة على ضوء الآية الكريمة في قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ (49)) سورة المائدة.

3. ما معنى الإيمان بالكتب السماويّة؟ وما واجب المسلم نحوها؟

4. ما الحكمة مِنْ إنزال الكتب السماويّة للناس؟

5. لماذا تعتبر حاجة الإنسان للكتب السماويّة دليلاً مِنَ الأدلة العقليّة على أنّ الكتب السماويّة مِنْ عند الله (سبحانه وتعالى)؟

ابحث في مصادر المعلوماتِ وأجب:

1. سجل معاني مفردات تعريف القرآن الكريم الّتي تحتها خطّ.

(الكلمات التي تحتها خط هي: المُعجز، المنقول إلينا بالتّواتر، المتعبَّد بتلاوته، المعجزة)

هو كلام الله تعالى المُعجز بلفظه ومعناه، الّذي أنزله الله تعالى على النبيّ محمد (صلى الله عليه وسلم) بواسطة الوحي جبريل (عليه السلام)، المنقول إلينا بالتّواتر، المتعبَّد بتلاوته، والمكتوب في المصاحف، وهو المعجزة الكبرى الخالدة للرسول (صلى الله عليه وسلم).

2. بماذا يتميّز القرآن الكريم عن سائر الكتب السماويّة الأخرى؟


*25*

الإيمان بالرسل عليهم الصّلاة والسلام -


*25*

تمهيد

مِنْ مقتضى الإيمان بالله تعالى أنْ يصدّق الإنسان كلّ ما يخبرنا الله عنه، وهذا يقتضي الإيمان برسله الّذين أخبر عنهم في كتابه العزيز، كما أنّ الإيمان بواحد مِنَ الرسل لا ينفكّ عن الإيمان بجميع الأنبياء والرسل.

والإيمان بالأنبياء والرّسل الكرام ركنٌ مِنْ أركان العقيدة الإسلاميّة، وأصلٌ مِنْ أصول الدين. وكذلك الإيمان بجميع ما أُنزل عليهم، وتصديقهم في كلّ ما يخبرون به دون تفريق بينهم، قالَ تعالى: (امَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)) سورة البقرة، وعدم الإيمان بالرّسل، أو الإيمان ببعضهم دون بعضٍ مِنْ دواعي كفر الإنسان وضلاله، قال تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136) سورة النساء. وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ((151) سورة النساء.

مناقشة:

- قال تعالى: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164)) سورة النساء، ماذا نستنتج مِنْ هذه الآية الكريمة فيما يتعلّق بالأنبياء والرسل؟

- ما الفرق بين الرسول والنبيّ؟

- بماذا اختصّ الله سبحانه وتعالى خاتم الأنبياء والرسل محمّدًا (صلى الله عليه وسلم)).


*26*

معنى الإيمان بالرّسل الكرام عليهمُ الصلاةُ والسلامُ

هوَ الاعتقاد الجازم بأنَّ الله تعالى بعث في كلّ أمةٍ رسولاً منهم يدعوهم إلى عبادة الله وحدهُ، وترك عبادة أحدٍ مِنْ دونهِ، اختارهم الله تعالى مِنَ البشر، وأعدّهم إعدادًا خاصًّا ليقوموا بتبليغ دعوته إلى سائر خلقه، وأنَّ جميعهم صادقون مُصدَّقونَ، مؤيدونَ مِنَ اللهِ تعالى بالآياتِ والمعجزات برهانًا على صدقهم، وأنّهم معصومون مِنَ الخطأ قبل البعثة وبعدها، خصّهم الله بصفات سامية تؤهّلهم لتأدية رسالتهم، والقيام بواجبهم، وأنّهم بلّغوا ما أرسلهم الله به، ولم يغيّروا أو يبدّلوا شيئًا منه.

واجبُنا تجاه الأنبياء والرّسل عليهمُ الصّلاةُ والسّلامُ

1. الإيمان والتصديق بهم جميعًا مِنْ غير تفريقٍ.

2. الإيمان بمن جاء ذكرهم في القرآن الكريم تفصيلاً وهم خمسة وعشرون رسولاً.

3. وجوب طاعتهم وعدم مخالفتهِم.

4. الاعتقاد بأنّهم أكمل النّاس خلقًا وعملاً، وأنَّ الله خصهم بفضائل لا يلحقهم فيها أحد.

أثري معلوماتي

قصَّ الله علينا قصصَ بعضِ الرّسلِ والأنبياءِ عليهمُ الصلاة والسلام، فيجبُ الإيمانُ بهمْ تفصيلاً، ويكفُرُ مَنْ يُنكرُ رسالاتهم. ومِنَ الرُّسلِ مَنْ لمْ يقصُصِ الله علينا قصصَهُمْ، فلا نعرفُ أسماءهُمْ، ولذلكَ نُؤمنُ بهمْ إجمالاً، فأنبياءُ الله تعالى ورسله كثيرونَ في تاريخِ البشريةَ، قالَ تعالى: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24) سورة فاطر. وقد ذكر القرآنُ الكريمُ خمسةً وعشرينَ نبيًّا ورسولاً منهمْ: هود وصالح وشعيب، كما ذكرتِ السّنّةُ النّبويّةُ بعضَ الأنبياءِ منهم: شيث بن آدم، ويوشع بن نون، وهم غيرُ المذكورينَ في القرآن الكريمِ. وفي رواية لأبي أمامه قال أبو ذرّ: قلت يا رسول الله: كم وفاء عدة الأنبياء؟ قال: "مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا، والرسل مِنْ ذلك: ثلاثمائة وخمسة عشر جمًّا غفيرًا"، صحّحه الألبانيّ في مشكاة المصابيح.


*27*

صفات الرسل عليهم الصلاة والسلام

قال تعالى: (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ (11)) سورة ابراهيم. فقد حصّن الله تعالى الرسل بصفات كريمة تساعدهم في مهمّتهم، وتعينهم على النجاح في رسالاتهم، ومِنْ ذلك الصفات الواجبة التالية:

- اَلصديق: فيستحيل على الرسول أنْ يكذب، وقد أيّده الله بالمعجزات الّتي تدلّ على صدقه، ولا يؤيّد الله كذّابًا ولا ينصره.

- اَلعصمة والأمانة: فيستحيل على الرسول الخيانة، وهو معصومٌ مِنَ ارتكاب المعصية في السرّ والعلنِ قبل الرسالة وبعدها، لأنَّهم هم الأسوة الحسنة الّذين يُقتدى بهم، فوجب أنْ تكون كلّ اعتقادهم وأفعالهم وأقوالهم وأخلاقهم قبل الرسالة وبعدها موافقة لطاعة الله تعالى.

- اَلتبليغ: فالرسول يبلّغ ما أمره الله تعالى بتبليغه إلى الناس مِنَ الشرائع والأحكام دون كتمان شيءٍ منها.

- اَلفطانة: فالرسول ذكيٌّ حسن التصرّف في معالجة الأمور، وهو على جانبٍ مِنَ البيان والقدرة على إقناع المخاطبين، وإزالة الشكّ والشبهة مِنْ نفوسهم.

قال تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)) سورة الأحقاف.

وقال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7)) سورة الأحزاب.

أولو العزم مِنَ الرسل هم: أصحاب الثبات والصبر منهم، وهم خمسة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد عليهم الصلاة والسلام.

نشاط:

اِرجع إلى تفسير الآيات السابقة وبَيّن مدى ثبات الرسل عليهم السلام في الحفاظ على العقيدة.


*28*

الأدلّة على صدق نبوّات الرسل ورسالاتهم

1. اَلديل الأوّل على صدق نبوّة الرسول وصدق رسالته هو فحوى الرسالة، أي مضمونها. وإذا ما نظرنا بإمعانٍ فيما جاء به النبيّ (صلى الله عليه وسلم) مِنْ دعوة التوحيد، وبيان أصول العبادات والمعاملات ومناهج الأخلاق، نرى موافقتها لمصالح الناس وسعادتهم في شتّى مطالب حياتهم في الدنيا والآخرة، حيث إنَّ كلّ جزئيّة من جزئيّات هذه الرسالة توافق الحقّ دون مرية.

2. تدبّر القرآن الكريم يهدي إلى أنَّه حقّ في كلّ جزئيّة مِنْ جزئياته، وهذا دليلٌ على أنَّه مِنْ عند الله تعالى، لأنّه لو كان مِنْ كلام الإنسان لاشتمل على اختلافٍ كثيرٍ، ومفارقات ظاهرة بينه وبين الحقّ، ولمّا كان الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) هو المبلغ لهذا القرآن؛ كان ذلك دليلاً على أنّه رسول الله يبلّغ عنه كلامه.

3. مَنْ كان يؤمن بأنَّ القرآن الكريم كتاب الله تعالى، لزمه الإيمان بالرسل جميعًا، قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)) سورة الحديد.

4. إنَّ كون الثواب والعقاب مرتّبين على الطاعة والمعصية أمر يقتضي إرسال الرسل لئلّا يكون للناس على الله حجّة يوم القيامة.

أعمل مع رفاقي ونبحث في مصادر المعلومات عن:

1. أدلّة أخرى مِنَ القرآن والسنة تدلّ على صدق نبوّات الرسل وسالاتهم.

2. مظاهر وحدة دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام.

3. تعريف المعجزة، وأمثلة مِنْ معجزات الرسل عليهم الصلاة والسلام.


*29*

وظائف الرسل عليهم الصلاة والسلام

بيّن القرآن الكريم وظائف الرسل عليهم الصلاة والسلام وتتمثل في:

1. التبليغ: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ االله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)) سورة المائدة.

2. الدعوة إلى الله تعالى: والأخذ بأيدي الناس لتحقيق متضمّنات الرسالة السماويّة في نفوسهم اعتقادًا وقولاً. وعملاً. قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)) سورة الأنبياء.

3. الهداية والأخلاق بإصلاح النفوس وتطهيرها: فقد حرص الرسل على إحياء النفوس وتزكيتها وإخراج الناس مِنْ ظلمات الجهل والكفر إلى نور الإيمان والدين بتعليمهم تعاليم الله تعالى ووحيه، وإرشادهم إلى ما فيه نفعهم في الدنيا والآخرة. قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)) سورة الجمعة.

4. إقامة الحجّة: فالله جلّ وعلا يقيم الحجّة على خلقه بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، حتّى لا يبقى للناس حجّة يوم القيامة، قال تعالى: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)) سورة النساء.


*30*

أتذكّر:

بعض ما أكرمَ الله تعالى بهِ محمّدًا (صلى الله عليه وسلم) في الدُّنيا:

1. رفع ذكره وعلوُّ قدرهِ على جميعِ المخلوقاتِ: قالَ تعالى: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)) سورة الشّرحِ.

2. إمامتهُ (صلى الله عليه وسلم) في بيتِ المقدسِ حينما أسريَ به من المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأقصى.

3. ما اختصَّ بهِ (صلى الله عليه وسلم) في الدنيا دونَ المرسلين، قال (صلى الله عليه وسلم): " أُعطيت خمسا لم يعطهن أحدٌ من الأنبياء قبلي نُصرت بالرّعبِ مسيرةَ شهرٍ، وجُعلت ليَ الأرض مسجداً وطَهوراً، وأيُّما رجلٍ مِنْ أمّتي أدْركتْهُ الصلاة فلْيُصلِّ، وأُحلّت ليَ الغنائمُ، وكانَ النبيُّ يُبعثُ إلى قومِهِ خاصّةً وبُعِثْتُ إلى النّاسِ كافّةً، وأعطيتُ الشَّفاعةَ" صحيحُ البخاريّ.

بعض ما أكرم الله تعالى بهِ محمّدًا (صلى الله عليه وسلم) في الآخرةِ:

1. إمامتهُ (صلى الله عليه وسلم) للمرسلينَ في الآخرةِ: قالَ (صلى الله عليه وسلم): "إذا كانَ يومُ القيامةِ كنتُ إمامَ النّبيّينَ وخطيبَهمْ صاحبَ شفاعتهمْ مِنْ غيرِ فخرٍ". المستدرك على الصّحيحيْنِ.

2. الوسيلةُ: وهيَ منزلةٌ في أعلى الجنةِ ليسَ فوقها منزلةٌ، قالَ (صلى الله عليه وسلم): "إذا سَمِعْتُمُ الْمُؤّذِّنَ فقولوا مِثْلَ ما يقولُ ثُمَّ صلوا عَلَيَّ فإنه من صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشرًا ثمَّ سَلُوا الله لي الوسيلة فَإنَّهَا مَنْزِلَةٌ في الجنة لا تَنْبَغِي إلَّا لعبدٍ مِنْ عبادَ اللهِ وأرجو أن أكونَ أنا هوَ فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة". صحيحُ مسلمِ.

3. المقامُ المحمودُ: "مقامُ الشفاعةِ": قالَ (صلى الله عليه وسلم): "إنَّ الناسَ يومَ القيامةِ يصيرون جُثا كُلُّ أمةٍ تتبعُ نَبِيَّها، يَقولونَ: يا فُلانُ اشْفَعْ يا فلان حَتّى تَنْتَهيَ الشفاعَةُ إلى النَّبِيّ فذلكَ يومَ يبعثه الله عزَّ وَجَلَّ المقامَ المحمود". صحيح البخاريّ.

4. الكوثرُ: قالَ تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)) سورة الكوثر. وهو نهر في الجنّة، ترد عليه أمّة محمّد (صلى الله عليه وسلم) يوم القيامة.

5. أوّليّاتُ المعالي للرّسولِ (صلى الله عليه وسلم) في الآخرةِ مثل: أوّلُ مَنْ تنشقُ عنهُ الأرضُ يومَ القيامةِ، وأوّلُ مَنْ يُقْضى بينَ أُمّتِهِ قبْلَ الخلائقِ.


*31*

التقويم

أَجِبْ عمّا يَأتي:

1. ما المهمة التي يقوم بها الرسل عليهم الصلاة والسلام؟ وما واجب البشر نحوهم؟

2. الإيمان بالرسل قد يكون إجماليًّا وقد يكون تفصيليًّا، اشرح هذه العبارة على ضوء دراستك لموضوع الإيمان بالرسل.

3. ما الصفات التي اتّصف بها الرسل عليهم الصلاة والسلام؟ وما أثرها في نجاح دعوتهم؟

4. بيّن مظاهر وحدة دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام.

5. ما علاقة تزكية النفوس بدعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام؟

6. ما مفهوم المعجزة؟ وما الغاية منها؟ عدّد بعضًا مِنْ معجزات الرسل عليهم الصلاة والسلام.

7. مرّ معنا أنَّ الرسول محمّد (صلى الله عليه وسلم) صلى بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام إمامًا ليلة الإسراءِ والمعراج، ما الّذي نستنتجه مِنْ ذلك؟


*32*

من نواقض الإيمان -


*32*

تمهيد: مِنْ نواقض الإيمان: هي أقوال وأفعال واعتقادات تُبطل الإيمان، وتخرج الإنسانَ من الملّة، وتوجبُ الخلود في النار لمن مات عليها. لذا يجب على كلّ مسلم ومسلمة أن يتعلّم هذه النواقض حتّى يجذر من الوقوع فيها، وحتّى يبتعد نها محافظة على الدين الّذي أكمله الله تعالى، وأتمّ به النعمة علينا، ورضِيَه لنا، فهو أغلى ما نملك، وأعزّ ما نحمل. ولا شكّ أنّ بعض الناس قد يقع في مثل هذه النواقض لقلّة علمه، أو لعدم اهتمامه.

مناقشة:

- ما الفائدة من دراسة نواقض الإيمان؟

- هل يُمكن أن يكون مِنْ بين نواقض الإيمان ناقضٌ له علاقة بالقرآن الكريم؟

- ما حُكْمُ من وقع في ناقض مِنْ نواقض الإيمان وهو مُكْرهٌ؟

بعض نواقض الإيمان:

أوّلًا: اَلشرك بالله:

الشرك بالله تعالى من اعظم الذنوب وأكبر الكبائر، وإذا وقع فيه العبد فإنّه يُفسدُ عليه دينه، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ


*33*

ضَلَالًا بَعِيدًا (116)) سورة النساء، وقال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)) سورة المائدة.

أتعرف على بعض أمثلة الشرك وصُوَرِه:

1. الذبح لغير الله تعالى: لأنّ الذبح عبادة لا تصرف إلا لله، قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)) سورة الأنعام.

2. النذر لغير الله تعالى: لأنّ النذر والقربان عبادات لا تصرف إلا لله، ومن صرفها لغير الله فقد أشرك، قال تعالى: (يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)) سورة النور.

ثانيًا: الطعن في الدين:

يشمل هذا الناقض عدّة أمور منها:

1. من يعتقد أنَّ هديَ النبيّ محمّد (صلى الله عليه وسلم) ناقصٌ، أو أنّ هدْيَ غيره أكمل منه، فمن انتفض شيئا ممّا ثبت من هدي النبيّ محمّد (صلى الله عليه وسلم)، أو قدح فيه فقد كفر، ومن أمثلة ذلك: القدحُ في فرض الزكاة، أو يرى أنَّ إباحة الرّبا أولى من تحريمه، فقد كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول في خطبة الجمعة: "أمّا بعدُ، فإنَّ خيرُ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهدي هديُ محمد" أخرجه مسلم.

2. من أبغض شيئا مما جاء به الرسول (صلى الله عليه وسلم)، لأنّ تعالى يقول: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)) سورة محمّد. فالذي يبغض الصلاة أو الصوم فقد كفر.


*34*

3. مَنِ استهزأ بشيء مِنْ دين الله تعالى، كمن يستهزىءُ بالقرآن أو السنّة، أو الثواب أو العقاب فقد كفر، قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ(66)) سورة التوبة.

ثالثًا: تكذيبُ القرآن الكريم:

لأنَّ في تكذيب القرآن الكريم تكذيبًا لله ربّ العالمين، وهو القائل سبحانه: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)) سورة النساء. ومِنَ الأمثلة على تكذيب القرآن الكريم وصفه بأنه سحرٌ، أو قولُ البشر، أو أساطير الأوّلين، قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا(6)) سورة الفرقان.

رابعًا: الإعراض عن دين الله:

والمرادُ به أن يعرضَ المسلم عن تعلم الواجب من دينه، أو يعرض عن العمل به، قال تعالى: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48)) سورة النور.

خامسًا: اَلسحر:

هو العزائم والرّقي والكلام الذي يُتكلّم به، ويحصل بأمور خفيّة لا تُدْركُ بالأبصار، ومنه ما يؤثر في القلوب والأبدان، فقد يسبب المرض أو يقتُلُ، أو يفُرّق بين المرء وزوجه. وهو عمل شيطانيّ، لا يحصل كثير منه إلّا بالشرك والتقرّب إلى الشياطين، ولذا قَرَنهُ الرسول (صلى الله عليه والسلم) بالشرك حيث قال: "اجتَنِبوا السبْع الموبقات". قالوا: وما هي؟ قال: "الإشراك بالله والسحر..." أخرجه البخاريّ.


*35*

أثري معلوماتي

من مقتضيات الإيمان

1. التصديق بما في القرآن الكريم، وما في السنّة الصحيحة، قال تعالى: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88)ِ إلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) سورة الشعراء.

2. مطلق الطاعة لله ورسوله، قال تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)) سورة النساء.

3. أداء الفرائض والواجبات والانتهاء عن المحرّمات: فمن يدّعي الإيمان بقلبه دون القيام بالفرائض فقد خدعه الشيطان، ولا يتمّ إيمان العبد إلّا بالقيام بما أوجبه الله تعالى عليه، وانتهاءه عمّا حرّمه عليه طبْقًا لما جاء به النبيّ (صلى الله عليه وسلم).

4. اَلمسارعة إلى التوبة: قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)) سورة آل عمران.

5. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي الفريضة السادسة.

6. الدعوة إلى الله تعالى، بالدليل القرآنيّ: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)) سورة يوسف.

7. موالاة المؤمنين والبراءة مِنَ الكفّار والمشركين، قال تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)) سورة المائدة.


*36*

أكتشف

- متى يُعدّ المسلم مُرتدًا؟

يُعدُّ المسلم خارجًا عن الإسلام، ويحكم عليه بالرّدة إذا صدر عنه ما يدلّ على كفره دلالة قطعيّة لا تحتمل التأويل، ومِنْ الأمثلة الدّالة على الكفر ما يلي:

1. إنكار ما هو معلوم مِنَ الدين بالضّرورة.

2. استباحة محرّم أجمع المسلمون على تحريمه كالخمر والزنا.

3. فعلُ ما يُعَدُّ مِنْ خصائص الكفّار كالسجود لصنم.

4. النّطق بقول يتنافى مع تعاليم الإسلام كسبّ الدين، أو أحد الأنبياء.

من أحكام الرّدّة:

1. اَلردّة محبطة للعمل وتؤدّي إلى الخلود في النار.

2. يستتاب المرتدّ، فإن كانت ردّته لشبهة فَنَّدْنا هذه الشبهة، وإن كان لظلمِ رفعناه عنه.

3. عدم جواز تزويج المرتدّ مِنْ بنات المسلمين، ويُمْنع التوارث بينه وبين أقاربه المسلمين.

4. مصادرة نال المرتدّ.

5. نَقْصُ أهليّته، فلا تُقْبلُ شهادته أمام الحاكم.


*37*

اَلتقويم

أَجِبْ عَمّا يأتي:

1. ما المُراد بنواقض الإيمان؟

2. اِستخرج مِنَ الآية التالية فائدة تتعلّق بالدرس، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35)) سورة ابراهيم.

3. ما حُكمُ مَنْ يعملُ بأعمال الشريعة ولكنّه يُفضّل عليها أحكام البشر؟

4. هل يلزم أنْ يكون تاركُ الطاعةِ مبغضًا لها؟ وضّح ذلك.

5. لماذا كان تكذيب القرآن الكريم أو شيء منه مِنْ نواقض الإيمان؟

6. لماذا قَرَن الرسول (صلى الله عليه وسلم) السِحْر بالشِرْك؟

7. من وقع في ناقض مِنْ نواقض الإيمان وهو مُكْرهٌ فإنّه لا يُحْكُم بكُفْرهِ إلّا بشرط، فما هو؟

8. عدّد نواقض الإيمان إجمالاً.

9. ما الحالات الّتي يكون فيها المسلم مرتدًّا؟


*38*

اَلهداية والضلال والتسيير والتخيير -


*38*

تمهيد

خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم، وبيّن له طريق الهدى والضلال، وترك له حرّيّة الاختيار، فجعله مختارًا يستطيع عمل الخير، كما يستطيع عمل الشرّ، وحمّله مسئوليّة اختياره، قال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29)) سورة الكهف. وقد تتابع إرسال الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام لهداية البشريّة، وإخراجهم مِنَ الظلمات والضلال إلى النور والهداية، قال تعالى: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)) سورة طه.

مناقشة:

- ما أسباب هداية الإنسان؟ وما أنواعها؟

- ما مدى حرّيّة الإنسانِ وإرادتِهِ؟

- هل الإنسانُ مجبرٌ على أفعاله أو مخيّرٌ فيما يعملُ؟

- هل الإنسانُ مسئولٌ عن عملِهِ؟


*39*

الهداية والضلال

أنعم الله تعالى على الإنسان بنعمة العقل، وأعطاه القدرة على الاختيار بين الخير والشرّ، قال تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)) سورة الإنسان. فإمّا أنْ يختار الإنسان طريق الهدى، وإمّا أنْ يختار طريق الضلال، ويتحمّل حينئذٍ نتيجة اختياره لأفعاله وأقواله، ويحاسب على ذلك أمام الله تعالى، فإن اختار طريق الهدى استحقّ الأجر والثواب، وإن اختار طريق الضلال فقد استحقّ غضب الله وعقابه. قال تعالى: (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولً (15)) سورة الإسراء.

تعريف الهداية والضلال:

اَلهداية: سلوك الطريق الذي يوصل الإنسان إلى غايته، وهي اتّباع شرع الله تعالى.

الضلال: انحراف العبد وخروجه عن شرع الله تعالى.

نشاط جماعيّ:

1. نقرأ الآيات التالية ونبيّن مَن الّذين يهديهم الله تعالى ومَنِ الّذين يضلّهم:

قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)) سورة العنكبوت.

(في الكتاب مكتوب سورة النحل وهذا خطأ)

قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)) سورة الأنعام.

قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)) سورة غافر.

2. بالاستعانة بالمعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم نذكر آيات أخرى تبيّن أصنافًا مِنَ الناس يهديهم أو لا يهديهم الله تعالى.


*40*

أسباب الهداية:

1. اَلاستعداد الفطريّ: فقد خلق الله تعالى الإنسان مفطورًا على الإيمان به، حيث يُحسُّ بالحاجة إلى خالق عظيم قادر، يتوجّه إليه في السرّاء والضرّاء، ويؤمن بأنّه وحده القادر على كشف البلاء وإجابة الدعاء، قال (صلى الله عليه وسلم): "ما مِنْ مولودٍ إلاّ ويولدُ على الفطرة فأبواه يُهوِّدانهِ أوْ يُنَصِّرانِهِ" صحيح البخاريّ.

2. اَلعقل والفكر: يقود التفكّر والتدبّر والنظر في مخلوقات الله (سبحانه وتعالى) الأنسانَ إلى الإيمان بالخالق العظيم، الّذي خلق السموات والأرضِ وما فيهما بنظام محكم دقيق. قال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)) سورة البقرة.

3. الرسل: فقد أرسل الله تعالى الرسل لهداية الناس وتعريفهم بالعقيدة الصحيحة، وإرشادهم إلى تنظيم حياتهم بما يحقّق لهم الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ (25)) سورة الحديد.

أسباب الضلال:

1. الجهل بالخالق وعدم معرفته من أكبر الأسباب التي تحرف الإنسان عن طريق السويّ.

2. اتباع الشهوات والأهواء: قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ) سورة الجاثية.

3. غواية الشيطان: قال تعالى: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)) سورة الحجر.

4. العناد والاستكبار: قال تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ (146)). سورة الأعراف.

5. التقليد الأعمى للآباء والأجداد، واتباع السادة والكبراء وطاعتهم طاعة عمياء: قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى


*41*

عَذَابِ السَّعِيرِ (21)) سورة لقمان، وقال تعالى: (قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63)) سورة القصص.

6. البيئة الاجتماعيّة: حيث يتأثر الإنسان إيجابًا وسلبًا بالبيئة الاجتماعية الّتي يعيش فيها، فإنْ كانت صالحة قادتْهُ إلى الصلاح، وإنْ كانت فاسدة قادته إلى الفساد.

التسيير والتخيير:

من أركان الإيمان الستّة: الإيمان بالقدر خيره وشرّه، فالإنسان مسيّر لما خلق له على ما مضى مِنْ قدر الله، لا يخرج عن قدر الله، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (22)) سورة يونس. وهو مخيّر أيضا من جهة ما أعطاه الله من العقل والإرادة والمشيئة، فكلّ غنسان له عقل إلّا أن يسلب كالمجانين، فمن كان عنده العقل فهو مخيّر يستطيع أن يعمل الخير والشرّ، قال تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ (29)) سورة التكوير. فكلّ إنسان له مشيئته، وله إرادة، وله عمل، وله صنع، وله اختيار، ولهذا كُلِّفَ، فهو مأمور بطاعة الله ورسوله، وبترك ما نهى الله عنه ورسوله، مأمورٌ بفعل الواجبات، وتركِ المحرّمات، فهو المصليّ، وهو الصائم، وهو الزاني، وهو السارق، وهكذا في جميع الأفعال. فهو مسؤول عن جميع أفعاله لأنَّ له اختيارًا وله مشيئة، فهو مخيّر من هذه الحيثيّة؛ لأنَّ الله تعالى أعطاه عقلًا وإرادة ومشيئة.

فالأفعال الّتي تقع مِنَ الإنسان أو عليه تنقسم إلى قسمين:

الأول: أفعال غيرُ إرادية، وهي أفعال تقع مِنَ الإنسان أو تقع عليه جبْرًا عنه، ولا يستطيع دفعها ولا ردّها، كالموت والمرض وحوادث السير التي تقع دون إهمالٍ، فهذا كلّه وما شبهه قضت حكمة الله تعالى وعدلُهُ أنْ لا يحاسب عليه الإنسان، لأنّه يقع جبْرًا عنه بغير إرادة منه، فهو مسيّر.

الثاني: أفعال إراديّة، وهي أفعال تقع مِنَ الإنسان بإرادته واختياره، فهو يأكل ويشرب وينام ويفعل الخير أو يفعل الشرَّ بإرادته واختياره، دون قسر أو إجبار، وهذه الأفعال هي محلُّ الثواب والعقاب، وموضع المسئولية يوم القيامة، فإنْ أحسنَ الإنسان وعمل بما يرضى الله تعالى وينفع عباده أثابه الله سبحانه، وإن أساء في تصرفاته وأفعاله وأقواله عذّبه الله، قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)) سورة الشمس، لأنّه مخيّر.


*42*

أستنتج

اَلقدَر نوعان:

1. نوع لا كسب للإنسان فيه فيحدث بدون إرادة منه: مثل الصحة والمرض، والقوة والضعف والغنى والفقر، والحياة والموت. وهنا يكون الإنسانُ مسيّرًا، وهو غيرُ مسئولٍ وغير محاسبٍ.

2. نوع متّصل بأفعال العباد، فيحدث وفْقَ اختياره وإرادته: مثل الطاعات كالصلاة والصيام، أو فعل المعاصي، فالإنسان منح إرادة حرّة هي أساس التكليف والابتلاء، كما منحه الله أيضا مقوّمات التكليف والابتلاء، فسخّر له ما في السماوات والأرض ليؤمن به ويشكره، ومنحه العقل ليتعرّف به إلى الله تعالى وبعث الأنبياء والرسل، وأنزل معهم الكتاب بالحقّ، ليكون منهجًا للإنسان يهتدي به. قال تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)) سورة الإنسان.

وهنا يكون الإنسانُ مخيّرًا، وهو مسئول ومحاسبٌ.

(فالإنسان مسيرٌ ومخيرٌ في آنٍ واحد، وكلّ ما يجري في الكون لا يخرجُ عن إرادةِ الله تعالى وعلمه.)

- الإنسان مسؤول أمام الله تعالى مسؤوليّة شاملة وكاملة عمّا يقوم به مِنْ أفعال، وما يصدُر عنه مِنْ أقوال وتصرفات تقع منه بإرادته، قال (صلى الله عليه وسلم): "لا ترولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن علمه ماذا عمل فيهِ وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه". رواه الترمذيّ.


*43*

آلتقويم

أَجِبْ عَمّا يَأْتي:

1. من أسباب الهداية: هداية الفطرة، وضّحْ ذلك.

2. بيّنْ كيف يؤدّي الكِبْر إلى ضلال الإنسان؟

3. ما دور البيئة الاجتماعيّة في الضلال أو الهداية؟

4. كيف يمكن الاستفادة من شبكة الإنترنت في الهداية؟

5. هل الإنسانُ مسيرٌ أم مخيرٌ؟ وضّحْ ذلك مِنْ خلال الأمثلة.

6. وضّحْ كيف يستطيع الإنسان أنْ يُوظفَ خصائصَ الأشياء في الخير أو الشرِّ.

ابحث في مصادر المعلومات وفي كتب التفسير وأجب عمّا يلي:

- قسّم العلماء الهداية إلى ثلاثة أقسام: الهداية العامّة، وهداية البيان والدلالة، وهداية التوفيق والإعانة. بيّن مفهوم كلّ قسم منها مع الدليل.

- ما الفكرة المركزية لمضمون قوله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)) سورة الحديد؟


*44*

مِنَ البرزخ إلى الخلود -


*44*

تمهيد

يعلم الناس جميعًا أنَّ الموت نهاية حاسمة لكل حيّ، ويوقن المؤمن أنَّ لا بدّ أنْ تذوقه كلّ نفس فهو مصير حتميٌّ، قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)) سورة آل عمران. وبالموت ينقطع تعلّق الروح بالجسد، وتنتهي الإرادة الإنسانية لفعل أيّ شيء، فيدخل الإنسان إلى الحياة البرزخيّة، وهي الفترة الزمنيّة ما بين الموت والبعث. وهذه الحياة من الحقائق الغيبية التي لا نعلم عنها إلّا ما جاءنا عن طريق الخبر اليقينيّ مِنَ القرآن الكريم والسنّة النبوية.

مناقشة

- بماذا تبدأ مرحلة البرزخ؟

- كيف تثبتُ لمنكر وجودِ اليوم الآخر والحساب حتميّةَ وقوعهما؟

- كيف يؤثر الإيمان باليوم الآخر في سلوك المسلم؟ هات أمثلة على ذلك.

حياة البرزخ

بعد الفراغ مِنَ الدّفْن يبدأ سؤال الميت، حيث يرسل الله تعالى الملكين منكر ونكير يسألانه عن دينه وعن نبيّه محمد (صلى الله عليه وسلم)، فقد ورد أنَّ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: "استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يُسألُ". المستدرك على الصحيحين. فأمّا المؤمن فيثبّته الله


*45*

تعالى، ويجيب عن أسئلة الملكين، قال تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ (27)) سورة ابراهيم. وقال (صلى الله عليه وسلم): " إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولَانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا". صحيح البخاري. ثمّ يفتحُ له باب الجنة فيرى مقعده منها، ويتمثل له عمله الصالح بشكل رجل حسنَ الوجه، حسنَ الثيابِ، طيبَ الريح، مبشرا بما يسرُّهُ.

وأمّا الكافر والمنافق فلا يوفق في الإجابة على السؤال، قال (صلى الله عليه وسلم): " وَأَمَّا الْمُنَافِقُ وَالْكَافِرُ فَيُقَالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ: لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ". صحيح البخاريّ. ثمّ يفتح له باب إلى النار فيرى مقعده من النار، ويضيقُ عليه قبره، ويتمثل له عمله الخبيث بشكل رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، نتن الرائحة، مبشّرًا بما يسوؤُهُ.

أقرأ وأستنتج

كانَ عثمان بن عفان (رضي الله عنه) إذا وقف على قبر يبكي يبلّ لحيته، فقيل له: تذكر الجنّة والنار فلا تبكي، وتذكر القبر فتبكي، فقال: إنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: "إنَّ القبرَ أوّل منازل الآخرة فلإنْ نجا منهُ فما بعدهُ أيسرُ، وإن لَمْ ينج منه فما بعده أشدّ منه". سنن ابن ماجة.

نشاطٌ

ابحث في مصادر المعلومات واذكر بعضا منَ المنجيات من عذابِ القبرِ.


*46*

مرحلة البعث إلى الخلود

يعتقد المسلم اعتقادًا جازمًا ويصدّق بكل ما أخبر به الله (عز وجل) في القرآن الكريم، وأخبر به الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن نهاية الحياة الدنيا، وأخبار يوم القيامة بدءًا منَ النفخة الأولى، وحتّى دخول اهل الجنةِ الجنة، وأهل النارَ. وَوَقْت هذه المرحلة من علم الغيب الذي استأثر الله تعالى به ولم يطلع عليه احدا من خلقه، قال تعالى: (وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)) سورة الزخرف. ولكنّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) أخبرنا عن بعض علامات اليوم الآخر وأشراط الساعة.

أفكّر وأجيب:

ما الّذي تستفيده من معرفتك بأنَّ الله تعالى وحده يعلم وقت وقوع اليوم الآخر ولم يطلع أحدًا من خلقه عليهِ؟

الأدلة على وقوع اليوم الآخر

الأدلة على وقوع اليوم الآخر، والجنة والنار، والحساب، والحشر والصراط، هي أدلة نقليّة وسمعيّة في الأساس، وليس مِنَ الممكن أن يكون هناك دليل عقليّ مستقلّ عن الدليل النقليّ يُستدَلّ به على وقوع اليوم الآخر، ولذلك فالاستدال على كلّ ما يتعلق بما بعد الموت والحياة الآخرة يرجع إلى النصوص القطعية ولا يخضع للعقل والحسّ.


*47*

ومن الأدلة النقليّة ما يلي:

1. قال تعالى: (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)) سورة طه.

2. قال تعالى: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7)) سورة التغابن.

ولكنّ العاقل المفكّر يجد بعض القرائن العقلية التي توحي إلى الحاجة واللزوم لوجود اليوم الآخر والحساب والجزاء. ومِنْ هذه الأدلة ما يلي:

1. تحقيق العدالة: تحقيق العدالة يقتضي ثواب الإنسان على الطاعة، وعقابه على المعصية، وبما أنّ هذا الأمر لا يحصل في الحياة الدنيا فلا بدّ منْ وجود حياة اخرى ثانية لتحصيله، وإذا ما ربطنا ذلك بصفات الكمال لله عز وجلّ، وخصوصًا صفة العدل فيصبح الأمر لا بدّ منه.

2. اَلنشأة الأولى ودورة الحياة وإعادتها: منها كيف تكون الأرض هامدة فيرسل الله عليها المطر فتنبت الزرع والنبات، ثمّ يهيج هذا الزرع ويصبح مصفرًّا ثمّ إلى حطام، ولكن يبقى منه البذور التي تبقى جامدة وخامدة حتّى ينزل المطر مرّة أخرى بأمر الله فتحيا مِنْ جديد، وبذلك تأتي دورة ثانية بإعادة الحياة مرّة أخرر لهذا النبات. قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)) سورة فصّلت.

3. التكرار أسهل من الابتكار والإبداع: إعادة الخلق أسهل في مقاييس العقل من ابتكاره وابداعه أوّل مرّة، ولذلك ذكر الله تعالى للكفّار بأنّه هو الّذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده وهو اهون عليه، وقد استدرك ذلك بقوله تعالى: (لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60)) سورة النحل.

4. الفطرة: وقوع اليوم الآخر يتناسب مع الفطرة، ويتوافق مع العقل، فهناك شعور خفيّ يشعره الإنسان بأنّ وراء هذه الحياة حياةٌ أخرى.


*48*

أعمل مع رفاقي:

1. تقرأ الأحاديث التالية ونستنبط بعض العلامات الصغرى لليوم الآخر:

- قال (صلى الله عليه وسلم): "إنَّ من أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويظهر الجهل، ويفشو الزنا، وتُشرَبُ الخمر، ويكثر النساء، ويقلّ الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة قيّم واحد". رواه الترمذيّ.

- قال (صلى الله عليه وسلم): "لا تقوم الساعة حتّى يُقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظر الفتن، ويكثر الهرج وهو القتل حتّى يكث فيكم فيفيض". رواه البخاريّ.

- قال (صلى الله عليه وسلم): "إذا ضُيّعت الأمانة فانتظر الساعة"، قيل: كيف إضاعتها؟ قال: "إذا وُسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة". رواه البخاريّ.

2. نقرأ الآيات والأحاديث التالية ونستنبط بعض العلامات الكبرى لليوم الآخر:

- عن حذيفة بن أسيد الغفاريّ (رضي الله عنه) قال: اطلع النبيّ (صلى الله عليه وسلم): علينا ونحن نتذاكر فقال: "ما تذكرون؟" قالوا: نذكر الساعة. قال: "إنّها لن تقوم حتّى تروا قبلها عشر آيات، فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس مِنْ مغربها ونزول عيسى بن مريم ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم، وفي رواية: "نار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر". وفي رواية في العاشرة: "وريح تلقي الناس في البحر" رواه مسلم

- قال (صلى الله عليه وسلم): "ألا أخبركم عن الدجّال حديثًا ما حدّثه نبيّ قومه؟ إنّه أعور، وأنه يجيءُ معه مثل الجنّة والنار، فالّتي يقول إنّها الجنة هي النار، وإنّي أنذركم به كما أنذر به نوح قومه". رواه مسلم.

- قال تعالى: (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)) سورة الأنبياء.


*49*

ثمرات الإيمان باليوم الآخر

إذا اعتقد المسلم بأنّ حياته في هذه الدنيا مقدّمة لحياة أخرى خالدة، سيجد فيها كلّ ألوان النعيم والسعادة، فإنّه سيسعى دائمًا إلى عمل الصالحات، وتجنّب المنكرات، فالأيمان بالبعث واليوم الآخر يوجّه الناس إلى الخير، ويبعدهم عن الشرّ خوفًا من عقاب الله تعالى، ورغبةً في دخول الجنّة. ومِنْ أهمّ ثمرات الإيمان باليوم الآخر ما يلي:

1. تحقيق كمال الإيمان بالله (عز وجل)، لأنّ الإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان الستّة.

2. المراقبة الذاتية من خلال توجيه سلوك المسلم نحو العمل الصالح واجتناب العمل السيّء، قال تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)) سورة البقرة.

3. تخفيف وطأة المصائب على المسلم لاعتقاده بتحصيل الثواب إذا صبر عليها يوم الحساب. قال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)) سورة الزمر.

4. تحقيق العدل الإلهيّ في ضوء تفاوت الناس واختلاف طبائعهم وأعمالهم وأقوالهم.

5. مواساة المسلم في كلّ ما يفوته من نعيم الدنيا بما يرجوه يوم القيامة من نعيم الآخرة وثوابها. فالإيمان باليوم الآخر يجعل موازين المؤمن في الحكم على الأشياء مستمدّة من عقيدته.

أتذكّر بعض التغييرات الكونيّة التي تحدث يوم القيامة:

1. تصبح الجبال كالصوف المنفوش، قال تعالى: (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)) سورة القارعة.

2. ترتجف الأرض ارتجافًا كبيرًا، قال تعالى: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)) سورة الزلزلة.

3. تفيض البحار وتتحوّل إلى نار مشتعلة، قال تعالى: (وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3)) سورة الانفطار، وقال تعالى: (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)) سورة الطور.

4. تنفطر السماء وتتبعثر الكواكب والنجوم وينطفىء نورها، قال تعالى: (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2)) سورة الانفطار. وقال تعالى: (وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2)) سورة التكوير.

5. تظلم الشمس وتضمحلّ، قال تعالى: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)) سورة التكوير.


*50*

أثري معلوماتي

من أحداث اليوم الآخر

1. النفخة الأولى وهي نفخة نهاية الحية الدنيا: يأمر الله تعالى إسرافيل بالنفخ في الصور، فيموت كلّ مَنْ في السموات ومن في الأرض إلّا من شاء الله، وفي ذلك إشارة إلى نهاية الحياة الدنيا وبداية اليوم الآخر، قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ (68)) سورة الزمر.

2. النفخة الثانية وهي نفخة البعث: يأمر الله تعالى إسرافيل فينفخ في الصور النفخة الثانية، فتعود الحياة إلى الأموات، وهو ما يطلق عليه بالبعث، قال تعالى: (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)) سورة الزمر.

3. الحشر: وهو جمع الخلائق يوم القيامة للعرض على الله تعالى والحساب بين يديه، قال تعالى: (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)) سورة يس.

4. العرض والحساب: يُعرض الناس على ربّهم، وتُوزَّع عليهم الكتب الّتي دُوّنت فيها أعمالهم، فيسألهم الله سبحانه وتعالى عن أعمالهم الّتي قدّموها في الدنيا، ويحاسبهم عليها. قال تعالى: (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)) سورة الزلزلة.

5. المرور فوق الصراط: وهو جسر منصوب على نار جهنم، يمرّ كلّ الناس عليه، فأمّا المؤمنون فيمرّون بسهولة ويسر، وأمّا الكافرون فيسقطون في النار. قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "ويُضْرَبُ جسرُ جهنّم. فأكون أوّلَ منْ يُجيزُ" رواه البخاريّ.

6. دخول الجنة أو النار: فالجنّة هي دار النعيم والثواب الّذي يثيب الله (سبحانه وتعالى) عباده المؤمنين على إيمانهم وصبرهم. وأمّا النار فقد أعدّها الله تعالى للكافرين، وقودها الناس والحجارة، فيها السلاسل والأغلال، والعذاب الأليم.


*51*

التقويم

أجب عَمّا يَأتي:

1. لماذا يجب على المؤمن أنْ يوزّع اهتمامه على العمل للدارين: الدنيا والآخرة؟

2. ما الّذي يقتضيه الإيمان باليوم الآخر؟

3. اُذكر ثلاثةً من آثار الإيمان باليومِ الآخر في حياة المسلم.

4. يُقال: "الدنيا دار ممرّ، والآخرة دار مقرّ". ماذا تعني لك هذه العبارة؟ وضح ذلك بالأمثلة.

5. اُذكر دليلاً عقليًّا يثبت وقوع اليوم الآخر.

6. هل مضى مِنْ علامات الساعة وأشراطها شيءٌ بالفعل حسب رأيك؟ وضّح ذلك.

7. روى الإمام مسلم حديثًا في صحيحه يجمع أشراط الساعة الكبرى. اِبحث في موسوعة الحديث الشريف واكتب هذا الحديث مبيّنا هذه الأشراط.

اِبحث في المعجم المفهرس لآيات القرآن الكريم وفي كتب التفسير وأجب:

1. ربط القرآن الكريم بين الإيمان بالله واليوم الآخر وبين عمل الصالحات، اكتب ثلاث آيات تبيّن هذا الربط.

2. في الآيات الّتي كتبتها اقترن الإيمان باليوم الآخر مع الإيمان بالله سبحانه وتعالى، ما الّذي تستفيده من ذلك؟


*52*

الفصلُ الثاني: القرْآنُ الكَريمُ صفحة 52

مقدمة في علوم القرآن صفحة 53

تعريف القرآن الكريم وخصائصه صفحة 55

الوحي صفحة 58

نزول القرآن الكريم صفحة 63

المكّيّ والمدنيّ منَ القرآن الكريم صفحة 65

جمع القرآن الكريم وتدوينه صفحة 68

الرسم العثماني صفحة 72

مراحل إعجام القرآن الكريم وتشكيله صفحة 74

علم التفسير صفحة 78

أسباب النزول صفحة 85

أسلوب الحوار في القرآن الكريم صفحة 89

من سورة الأنعام صفحة 94

من سورة الفرقان صفحة 100

من سورة المؤمنون صفحة 108

من سورة النور صفحة 113

سورة (ق) صفحة 120


*53*

علوم القرآن -


*53*

تمهيد

القرآن الكريم هو معجزة الإسلام الخالدة، أنزله الله تعالى على رسولنا محمّد (صلى الله عليه وسلم) ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى الصراط المستقيم، أُنزل ليكون منهاج حياتنا، وطريق عزّنا، وسبيل رفعتنا ومجدنا، إنْ تمسّكنا به هدينا ونصرنا، وإنْ فرّطنا به خذلنا وهُزمنا.

وقد حفظ الله تعالى هذا القرآن العظيم مِنَ التغيير والزيادة والنقص والتبديل، حيث تكفّل عزّ وجلّ بحفظه فقال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)) سورة الحجر.

لم تعرف البشريّة في تاريخها الطويل، ولن تعرف كتابًا نال من البحث والدراسة والتقدير والإكبار مثل القرآن الكريم، فقد حظي منذ اليوم الأول للوحي. باهتمام بالغ مِنَ البشر أجمعين، فكان صلوات الله وسلامه عليه يبلغه أصحابه رضي الله عنهم فيفهمونه بسليقتهم، وإذا التبس عليهم فهم آية من الآيات سألوا الرسول (صلى الله عليه وسلم) عنها، وكان يفسر لهم بعض الآيات ابتداءً، وكانوا، رضي الله عنهم، يقرؤون القرآن ويتدبرون معانيه، ويتدارسون أحكامه، ويحفظونه ويفسرونه ويعملون به.

وبعد اتساع الفتوحات الإسلامية انتشر الصحابة، رضوان الله عليهم، في البلدان المفتوحة يعلّمون أهلها القرآن وينشرون علومه، وظل هذا كلّه معتمدًا على الرواية بالتلقين، حتّى جاء عصر التدوين في القرن الثاني، فبدأ التابعون ومن بعدهم بتدوين علوم القرآن.

والمقصود بعلوم القرآن: كلّ ما يتصل بالقرآن الكريم مِنْ دراسات، ومن ذلك: التفسير، القراءات، أسباب النزول، جمعه وتدوينه، الناسخ والمنسوخ، الإعجاز القرآني، وغير ذلك من العلوم ذات الصلة بالقرآن الكريم.

ثمّ انفتح باب التأليف في علوم القرآن على مصراعيه، فألفت في علوم القرآن مؤلفات كثيرة، منها ما تناولت موضوعًا واحدًا من علوم القرآن، ومنها ما تحدّثت عن علوم القرآن كلّها وتعرّف بها، ومِنْ أشهرها: البرهان في علوم القرآن للزركشيّ، والإتقان في علوم القرآن للسيوطيّ.


*54*

وفي العصر الحديث اتّجه أهل العلم إلى معالجة موضوعات القرآن بأسلوب العصر وتسهيلها للقارىء، فألفت مؤلفات كثيرة من أشهرها: مباحث في علوم القرآن للدكتور صبحي الصالح، ومباحث في علوم القرآن للدكتور منّاع القطان وغيرها.

وفي المباحث القادمة من هذا الكتاب سنتعرف على بعض الموضوعات في علوم القرآن، فهو كتاب الله الخالد، وإنّ تلاوته وتدبّر آياته عبادة، وتعلّم كلّ ما له صلة به مِنْ علومه المختلفة هو عبادة أيضًا، يؤجر فاعلها أعظم الأجر ويثاب أجزل المثوبة.

قال (صلى الله عليه وسلم): (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).

ومن واجبنا كمسلمين تجاه القرآن الكريم أن:

1. نؤمن به جملة وتفصيلا، ونؤمن بأنَّ من أنكره يكون جاحدًا لكلام الله ومكذبا رسوله (صلى الله عليه وسلم).

2. نتلوه حق تلاوته، ونتقن تجويده، وننصت إليه كلّ الإنصات، ونتدبّر أحكامه.

3. نعظّم قدره، ونرفع مكانته.

4. نسعى إلى حفظه، أو حفظ أجزاء منه.

5. نفعل ما أمرنا به وننتهي عمّا نهانا عنه.

6. نتعلّمه ونسهم في تعليمه للمسلمين.

7. لا نمسّه إلّا ونحن طاهرون.

8. ندافع عنه، ونكشف أباطيل المبطلين الذين يحاولون النيل منه.

وأملنا فيك أيها الطالب، وأيتها الطالبة في الحرص على العمل بواجبك هذا نحو كتاب الله تعالى، وفي الاهتمام به حفظًا وفهمًا وتطبيقًا، فهو دليلك إلى الجنّة، وسبيلك لحياة آمنة، لأنك نلت بذلك رضا الله تعالى، وكنت من عباده الصالحين.


*55*

تعريف القرآن الكريم وخصائصه


*55*

تعريف القرآن الكريم:

لغةً: مصدر مرادف للقراءة، وهي التلاوة، ومنه قوله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)) سورة القيامة.

وهو مصدر بمعنى اسم المفعول (أي: المقروء).

اصطلاحًا: (كلام الله تعالى، المنزل على رسوله محمد (صلى الله عليه وسلم)، باليقظة التامّة، بواسطة جبريل عليه السلام، باللفظ العربيّ المعجز، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبّد بتلاوته).

خصائص القرآن الكريم:

1. إلهّي المصدر: يختصّ القرآن الكريم بكلام الله تعالى، الموحى به إلى رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) بواسطة ملك الوحي جبريل عليه السلام، فالقرآن بلفظه ومعناه كلام الله عزّ وجل، فيخرج بذلك الحديث القدسيّ والنبويّ. قال تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)) سورة الشعراء.

2. ذو لفظ عربيّ معجز: القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى التي أيّد الله تعالى بها رسوله محمدًا (صلى الله عليه وسلم) تصديقًا لنبوّته، وتحدّى الإنس والجنّ أن يأتوا بشيء مِنْ مثله على مرّ العصور والأزمان، قال تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)) سورة الإسراء.

وقد أنزله إليه بلفظ عربيّ، قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْانًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)) سورة يوسف.

3. منقول بالتواتر: أي: رواه جمعٌ كبيرٌ مِنَ النّاس عن جمع مثلهم، بحيث يستحيل اتفاقهم على الكذب. إذ حفظه الصحابة رضي الله عنهم وكتبوه عن النّبيّ (صلى الله عليه وسلم) ثمّ نقلوه لِمَنْ بعدهم، وما زال المسلمون


*56*

يتناقلونه جيلًا بعد جيل، حفظًا في الصدور، وكتابةً في السطور حتّى وصل إلينا يقينًا أنزله الله تعالى.

4. مُتعبَّد بتلاوته: فلا تصحّ الصلاة إلاّ بقراءة شيء منه، أقلّه سورة الفاتحة الّتي هي ركن مِنْ أركان الصلاة، وتبطل الصلاة بعدم قراءتها عند جمهور الفقهاء. وكذلك جعل الله تعالى قراءة القرآن الكريم عبادة يثاب فاعلها بكل حرف عشر حسناتٍ. قال (صلى الله عليه وسلم): (من قرأ حرفًا من كتاب الله تعالى فله به حسنة، والحسنة بعشرة أمثالها، لا أقول: "ألم" حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف). رواه الترمذيّ.

أسماء القرآن الكريم وصفاته:

للقرآن الكريم أسماء كثيرة سمّاه الله بها، منها:

أ. القرآن: قال تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)) سورة الإسراء.

ب. الفرقان: قال تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) سورة الفرقان.

ج. الذِّكر: قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)) سورة الحجر.

د. الكتاب: قال تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)) سورة البقرة.

ه. التنزيل: قال تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192)) سورة الشعراء.

كما وصف الله تعالى القران الكريم بصفات كثيرة منها أنّه:

نور، هدى، بشير، مبارك، مجيد، نذير، شفاء، رحمة، حكيم، عزيز، وغير ذلك مِنَ الصفات.


*57*

آلتقويم

أَجِبْ عَمَّا يلي:

1. وضّحِ المقصود بعلوم القرآن الكريم!

2. ما واجبك تجاه القرآن الكريم؟

3. عرّف القرآن لغةً واصطلاحًا!

4. لم يتمكّن البشر مِنَ الإيتان ولو بآية مِنْ مثل القرآن الكريم. علّل ذلك!

5. بيّن المقصود ب: منقول بالتواتر، متعبَّد بتلاوته!

6. أذكر أربعًا مِنْ صفات القرآن الكريم، ثمّ ابحث في المصادر الإلكترونيّة أو المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم عن الآية الدالة على كلّ صفة ذكرتها!


*58*

الوحي


*58*

أقرأ وأتأمل:

حديث بدء الوحي:

عن عائشة أمّ المؤمنين أنّها قالت: أوّل ما بدىء به رسول الله مِنَ الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصبح، ثمّ حُبِّبَ إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنّث فيه وهو التعبُّد اللّيالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزوّد لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزوّد لمثلها، حتّى جاءه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اِقرأ. قال: ما أنا بقارىء. قال: فأخذني فغطّني حتّى بلغ مني الجهد، ثمّ أرسلني: فقال: اِقرأ. قلت: ما أنا بقارىء. فأخذني، فغطّني الثانية حتّى بلغ مني الجهد، ثمّ أرسلني، فقال: اِقرأ. فقلت: ما أنا بقارىء. فأخذني، فغطّني الثالثة، ثم أرسلني، فقال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ). العلق 1-5

فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: "زمّلوني زمّلوني" فزمّلوه حتّى ذهب عنه الروع. فقال لخديجة وأخبرها الخبر: "لقد خشيت على نفسي". فقالت خديجة: كلّا والله، ما يخزيك الله أبدًا، إنّك لتصل الرحم، وتحمل الكَلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتى اتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى ابن عمّ خديجة وكان امرءًا تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب العبرانيّ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي، فقالت له خديجة: يا بن عمّ! اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الّذي نزله الله به على موسى، يا ليتني فيها جذعًا، ليتني أكون حيًا، إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله أو مخرجي هم؟". قال: نعم، لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلاّ عودِيَ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا. ثم لم ينشب ورقة أن توفّي، وفتر الوحي). أخرجه البخاريّ ومسلم


*59*

أكتشف:

من خلال حديث بدء الوحي نفهم ما يلي:

1. أوّل ما بُدىء به الرسول (صلى الله عليه وسلم) مِنَ الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فما كان يراه في المنام قبل النبوة كان يتحقّق في اليقظة.

2. أوّل نزول الوحي على الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان في غار حراء.

3. إنّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان أمّيًّا لا يقرأ ولا يكتب.

4. الايات (5-1) من سورة العلق هي أوّل ايات القران نزولاً.

5. أشتهر رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) بأخلاقه الحميدة قبل البعثة.

6. إنّ بشارات نبوّة محمد (صلى الله عليه وسلم) موجودة في الكتب السماويّة السابقة.

7. إنّ الوحي إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) كانت تصحبه بعض مظاهر الشدّة.

أُثري معلوماتي:

لم يلبث ورقة بن نوفل بعد بشارته لمحمّد (صلى الله عليه وسلم) بأنه النبيّ المنتظر، إلّا قليلاً ثمّ مات، ولكن كلماته بعثت الطمأنينة في قلب محمد (صلى الله عليه وسلم)، وتأكّد أنِّ ما راه لم يكن هاتفًا مِنَ الجنّ، كما ظنّ بداية، أو مرض ألمّ به، وإنّما هو وحي مِنَ الله تعالى.

تعريف الوحي:

لغةً: هو الإعلام الخفيّ، ويُطلَق على الإشارة، والكلام الخفيّ، والكتابة والإلهام.

شرعًا: هو إعلام الله رسولاً مِنْ رسله أو نبيًّا مِنْ أنبيائه ما يشاء من كلام أو معنى، بطريقة تفيد النبيّ أو الرسول العلم اليقينيّ القاطع بما أعلمه الله به.


*60*

أقسام الوحي

ينقسم الوحي بمعناه العامّ إلى ثلاثة أقسام:

الأّوّل - التكليم:

أي تكليم الله رسله، أحيانًا بواسطة جبريل عليه السلام، وأحيانًا بغير واسطة، كما كلّم الله موسى عليه السلام.

الثاني - الرؤيا الصالحة للانبياء:

فهي مِنَ الوحي كما حدث لإبراهيم عليه السلام حينما رأى في المنام أنّه يذبح ابنه إسماعيل عليه السلام. (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى (102)) سورة الصافات.

وكما حدث لنبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) قبل نزول القرآن عليه، كما تقدّم في حديث عائشة رضي الله عنها.

الثالث - الإلهام:

وهو إلقاء المعنى في القلب حال اليقظة، بعكس الرؤيا، فإلهام الأنبياء عليهم السلام وحي، لأنّهم معصومون مِنْ وسوسة الشياطين.

وحقيقة ذلك: أن يقذف الله تعالى في قلب الموحى إليه أو عقلِهِ علمًا ضروريّا بإدراك ما شاء الله إدراكه مِنْ كلامه تعالى.

أفكر:

القرآن الكريم نزل جميعه في اليقظة التّامة، ولم ينزل منه شيء في المنام، فما الحكمة من ذلك؟


*61*

نزول الوحي على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يراه على صورته الملائكية، كما كان عند بدء نزول الوحي أوّل مرّة، وفي ليلة الإسراء والمعراج. قال تعالى: (وَلَقَدْ رَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى). النجم 13-14

الحالة الثانية: أن يتمثل جبريل على صورة إنسان يراه الحاضرون ويسمعون كلامه.

الحالة الثالثة: أن يأتي الوحي مستترًا، ولكن يسمع النبيّ (صلى الله عليه وسلم) صوتًا مثل صلصلة الجرس، وكانت هذه الحالة شديدة على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فيتغيّر وجهه، ويتصبّب عرقًا، ويثقل جسده حتّى تبرك به ناقته.

ودليل الحالة الثانية والثالثة، حديث عائشة رضي الله عنها، أنّ الحارث بن هشام (رضي الله عنه) سأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشد عليّ، فيفصم عنّي، وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول". قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فينفصم عنه وإنَّ جبينه ليتفصّد عرقًا. رواه البخاريّ.

(ينفصم عنّي: ينقطع ويقلع عنّي).


*62*

التقويم

أجب عما يلي:

1. قالت خديجة رضي الله عنها للرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما أخبرها بما حدث معه في غار حراء: "كلّا والله ما يجزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق". ما الدروس الّتي تستفيدها مِنْ هذا القول لخديجة؟

2. أكتب ما تعرفه عن ورقة بن نوفل!

3. عرِّف الوحي لغةً وشرعًا!

4. كيف كان جبريل يأتي إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) عند تنزيل القرآن عليه؟ اُذكر الدليل!

5. كان يصاحب نزول الوحي على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعض مظاهر الشدّة والإرهاق. عدّد ثلاثة من تلك المظاهر!


*63*

نزول القرآن الكريم


*63*

ذهب بعض العلماء إلى أنَّ للقرآن الكريم تنزيلين، هما:

اَلأوّل: نزوله جملة واحدة في ليلة القدر، مِنَ اللّوح المحفوظ في السماء السابعة إلى السماء الدنيا.

قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)) سورة القدر.

وقال عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما: "أُنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر". (المستدرك على الصحيحين للحاكم، كتاب: التفسير).

الثاني: نزوله من السماء الدنيا إلى الأرض على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مُنجّمًا (أي مُفرّقًا) في ثلاث وعشرين سنة، حسب الأحداث والمناسبات وحاجات الناس للتشريع.

قال تعالى: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106)) سورة الإسراء.

الحكمة من نزول القرآن الكريم منجمًا

نزل القرآن الكريم على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مفرّقًا، على مدى سنوات البعثة في ثلاث وعشرين سنة، وذلك لحكم كثيرة وفوائد عظيمة، تعود على الرسول (صلى الله عليه وسلم) وعلى المسلمين، منها:

1. تثبيت قلب النبيّ (صلى الله عليه وسلم) بتجدّد الوحي وتكرار النزول، لأنَّ في التكرار إعلامًا له (صلى الله عليه وسلم) بأنَّ الله متعهّده ومؤيّده. فكلّما اشتدّ الأذى من المشركين على الرسول (صلى الله عليه وسلم) نزل عليه القرآن، ففرج همَّه وأزال غمَّه.

2. تيسير فهمه وتلاوته وحفظه، واستيعاب معانيه، والعمل به.

قال تعالى: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106)) سورة الإسراء.

3. التدرّج في أحكام الدين، والدعوة إلى التحليّ بالفضائل، والتخلّي عن الرذائل الّتي كانت مألوفة قبل نزول القرآن.


*64*

عن عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها قالت: (إنما نزل أوّل ما نزل منه سورة مِنَ المفصّل، فيها ذكر الجنّة والنار، حتّى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أوّل شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندعُ الخمرَ أبدًا، ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندعُ الزنى ابدًا). رواه البخاريّ.

4. نزول القرآن الكريم حسب الحوادث لمعالجتها. عندما كانت تحدث حادثة ينزّل الله تعالى قرآنا يبيّن حكمها، أو ما يجب عمله بشأنها، كالآيات التي نزلت بعد الغزوات، ومنها كيفية توزيع الغنائم، وكذلك حادثة الإفك الّتي أشاعها المنافقون عن عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها، فنزلت الآيات من سورة النور تبيّن براءتها.

5. الردّ على أسئلة السائلين: سواء أكانت أسئلة الكفار والمعاندين الّذين أرادوا بيان عجز الرسول (صلى الله عليه وسلم)، أو التثبّت من رسالته، كسؤالهم عن الروح، وعن أهل الكهف، أو أسئلة المؤنين الطائعين الّذين أرادوا التعرّف على أحكام دينهم كسؤالهم عن الخمر والميسر. قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْو كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)) سورة البقرة.

6. تبشير المؤمنين بالفوز والنصر في مواطن كثيرة، تثبيتًا لقلوبهم وإراحة لصدورهم.

7. الكشف عن المنافقين وبيان ما يضمرونه من عداوة للإسلام، حتى يأمن المسلمون شرّهم، ويتّقوا أذاهم، قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ امَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)) سورة البقرة.


*65*

المكّيّ والمدنيّ مِنَ القرآن الكريم


*65*

المكّيّ من القرآن الكريم: هو السور والآيات القرآنية التي نزلت قبل الهجرة النبوية إلى المدينة المنوّرة، سواء كان النزول في مكّة المكرّمة أو في غيرها من الأماكن.

المدنيّ من القرآن الكريم: هو السور والآيات القرآنية التي نزلت بعد الهجرة النبوية إلى المدينة المنوّرة، سواء كان النزول في المدينة المنوّرة أو في غيرها مِنَ الأماكن.

من فوائد معرفة المكيّ والمدنيّ:

- الاستعانة بها في تفسير القرآن الكريم وفهمه.

- الاستفادة منها في تنوع أساليب الدعوة إلى الله تعالى.

- الوقوف على السيرة النبوية، والتعرف على مراحلها.

خصائص المكي من القرآن الكريم:

1. تهتمّ بالدعوة إلى العقيدة الإسلامية، كالتوحيد وعبادة الله وحده، وإثبات الرسالة، وإثبات البعث والجزاء.

2. يكثر فيها ضرب الأمثال المتعلقة بمظاهر الإبداع الإلهي في الطون.

3. كلّ سورة فيها قصص الأنبياء والأمم السابقة فهي مكيّة، ويُستثنى من ذلك سورة البقرة.

4. كلّ سورة فيها سجدة فهي مكيّة.

5. كلّ سورة فيها لفظ: (كلّا) فهي مكيّة.

6. يغلب على آياتها القصر والإيجاز.


*66*

7. كلّ سورة مبدوءة بحروف التجّي فهي مكيّة، إلّا سورتيّ البقرة وآل عمران فمدنيّتان.

8. يغلب الخطاب في السور المكية ب: (يأيُّها الناسُ).

9. يكثر فيها استعمال القسم بالله، وبمخلوقاته، وباليوم الآخر.

خصائص المدنيّ من القرآن الكريم:

1. تناولت آياتها تفاصيل الحقوق والتشريعات الّتي تنظّم شؤون الحياة.

2. كلّ سورة فيها فريضة أو حدّ فهي مدنيّة.

3. تحدّثت آياتها عن النفاق والمنافقين، وحذّرت منهم، وتناولت سوء مصيرهم.

4. كلّ سورة فيها مجادلة أهل الكتاب فهي مدنيّة.

5. يغلب أسلوب الخطاب فيها ب: (يأيُّها الذين ءامنُوا).

6. يغلب على آياتها الطول، لاستيعاب مسائل الشرع في مختلف مناحي الحياة.

7. شُرّعت معظم العبادات في الآيات المدنيّة، فبيّنت العبادات، والمعاملات، والحدود، ونظام الأسرة، والمواريث، والعلاقات الدوليّة.

أفكّر:

لماذا يتميّز الخطاب في الآيات الملكّيّة ب: (يأيُّها النَّاسُ)، أمّا في الآيات المدنيّة فب: (يأيُّها الذينَ ءامنوا)؟


*67*

التقويم

أَجِبْ عما يلي:

1. وضح المقصود بنزول القرآن في الآيتين التاليتين:

(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)) سورة القدر.

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)) سورة الحجر.

2. بين كيف ساعد نزول القرآن منجّمًا على ما يلي:

أ. تثبيت قلب الرسول (صلى الله عليه وسلم).

ب. تثبيت قلب الصحابة رضوان الله عليهم على الإيمان.

ج. التدرّج في تشريع الأحكام.

3. عرّف كلًّا من الآيات الملكية المدنيّة، وما فوائد معرفتهما؟

4. اِرجع إلى سورة مكّيّة واستخرج منها خمسًا من الخصائص الّتي تميّزها!

5. اِرجع إلى سورة مدنيّة واستخرج منها خمسًا من الخصائص الّتي تميزها!


*68*

جمع القرآن الكريم وتدوينه


*68*

تكفل الله بحفظ القرآن إلى أن تقوم الساعة، وهيّأ له من أسباب الحفظ والعناية ما يحقّق ذلك، ومِنْ أوّل مظاهر هذه العناية كتابة القرآن وجمعه، وقد مرّ ذلك بثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: في عهد النبي (صلى الله عليه السلام)

كان الاعتماد في هذه المرحلة على الحفظ أكثر من الاعتماد على الكتابة، لقوّة الذاكرة وسرعة الخفظ، وقلّة الكاتبين ووسائل الكتابة، ولذلك لم يُجمَع القرآن في مصحف واحد، بل تمّ جمعه في صدور الصحابة لحبّهم لكتاب الله تعالى، وما عملوا ما للقرآن من فضل، وما أعدّه الله تعالى من عظيم الثواب للماهر في تلاوته، فحرصوا على تلقّي القرآن من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وكانوا يستمعون إليه ويتلونه كما يتلو.

كُتّاب الوحي

كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) إذا نزلت عليه الآية أو السورة من القرآن قرأها على أصحابه كما سمعها من جبريل عليه السلام، كما وكلّف بعضهم بكاتبة هذه الآيات وتدوينها، وهؤلاء هم الّذين عرفوا ب "كُتاب" الوحي، ومِنْ أبرزهم: زيد بن ثابت، وعليّ بن أبي طالب، وعثمان بن عفّان، وعبد الله بن مسعود، وأنس بن مالك، وأبي بن كعب، ومعاوية بن أبي سفيان، والزبير بن العوّام وعبد الله بن رواحة.

فكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يُرشد كتّاب الوحي إلى السورة الّتي يكتب فيها الآيات الّتي يقرؤها عليهم، لأن ترتيب الآيات والسور في القرآن أمر توقيفيّ من الله تعالى.

وكان كتاب الوحي يكتبون الآيات والسور على ما تيسَّر لهم من أدوات الكتابة، ومنها: عُسُب النَّخل، ورقاع الجلود، والحجارة الرَّقيقة وعظام الأكتاف.


*69*

وقد شاءت إرادة الله تعالى أن ينزل جبريل عليه السلام، في رمضان من كلّ سنة على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ويراجع معه ما نزل من القرآن الكريم، حتّى إذا كان آخر رمضان شهده النبي (صلى الله عليه وسلم) جاءه جبريل عليه السلام فعرض عليه القرآن الكريم كله مرتين تأكيدًا لترتيب سوره وآياته، فما انتقل الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى الرفيق الأعلى إلّا والقرآن الكريم محفوظ في الصدور ومكتوب في الألواح والسطور.

أفكر:

لماذا لم يأمر النبيّ (صلى الله عليه وسلم) بجمع القرآن في مصحف واحد في عهده؟

المرحلة الثانية: جمعه في عهد أبي بكر الصديق (رضي الله عنه)

لمّا لحق النبيّ (صلى الله عليه وسلم) بالرفيق الأعلى في السنة الحادية عشرة للهجرة، تولّى أبو بكر الصدّيق (رضي الله عنه) الخلافة، وواجهته أحداث جسام تمثلت في ارتداد عدد كبير مِنَ العرب عن الإسلام، ممّا جعله يرسل الجيوش لمحاربة هؤلاء المرتدين. ومن أهم تلك الحروب موقعة اليمامة سنة 11 هجرية، التي استشهد فيها قرابة سبعين قارئًا من الصحابة، الأمر الّذي أفزع عمر بن الخطاب لأنه خاف على القرآن الكريم من الضياع بسبب موت حفظته، فأشار على الخليفة أبي بكر الصديق بحمع القرآن الكريم وكتابته.

عارض أبو بكر الصديق الفكرة أوّل الأمر، إذ كُبر عليه أن يقوم بعمل لم يعمله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولكنّ عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ظلَّ يعاوده حتّى شرح الله صدر أبي بكر ووافق على هذا الأمر.

أرسل أبو بكر الصديق إلى زيد بن ثابت وكلفه بمهمة جمع القرآن الكريم، فعارض زيد الفكرة في البداية أيضا، لكن أبا بكر أقنعه حتّى طابت نفسه لهذا العمل الجليل.


*70*

أتعرّف:

سبب اختيار زيد بن ثابت للقيام بمهمة جمع القرآن الكريم:

1. كان من كتاب الوحي وحفتظ القرآن الكريم.

2. يتمتع برجاحة العقل والأمانة وشدَّة الورع.

3. شهد العَرْضة الأخيرة للقرآن الكريم مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

عمل زيد (رضي الله عنه) في جمعه للقرآن الكريم:

وقد راعى زيد بن ثابت التثبّت الكامل من كلّ آية بكتبها، فكان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة، ولم يكن يكتفي بأنْ يوافق حفظه حفظ غيره، با يشترط أن تكون الآية مكتوبة وعليها شاهدان يقرّان بأنّها كتبت بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أو يشهدان على أنّ ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن الكريم.

وهكذا اكتمل جمع القرآن في مصحف واحد، وقام زيد بن ثابت بالمهمة خير قيام، وهي مهمَّة وصفها قائلاً: "والله لو كلَّفوني نقل جبل مِنَ الجبال ما كان أثقل ممّا أمرت به مِنْ جمع القرآن".

وظلَّ المصحف المجموع عند أبي بكر الصديق حتى توفاه الله، ثم عند عمر بن الخطاب في حياته، ثم عند أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنهما.

المرحلة الثالثة: جمعه في عهد الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه)

اتسعت الدولة الإسلامية في عهد الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، وتفرق الصحابة في هذه البلاد يعلّمون الناس القرآن ويقرؤونه عليهم كلّ بحسب لهجته والصحف الّتي معه.


*71*

ولما اجتمع المسلمون من أهل العراق وأهل الشام، لغزو ثغور أرمينيّة وأذربيجان، ظهر الخلاف بينهم في قراءة القرآن، وكادت أنْ تشتعل نار الفتنة بينهم. وشهد ذلك حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، فرجع إلى المدينة المنورَّة واجتمع بالخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) وطلب منه أنْ يلحق الأمّة قبل أن تختلف في كتاب الله تعالى.

رأى عثمان (رضي الله عنه) أن لا مفرّ من جمع (نسخ) القرآن الكريم وجمع الناس على قراءة واحدة ليسدّ باب الفتنة، فقام خطيبًا فقال: "أنتم عندي تختلفون فيه وتلحنون، فمن نأى عنّي من اهل الامصار أشدّ فيه اختلافًا وأشدّ لحنًا، اجتمعوا يا اصحاب محمّد فاكتبوا للناس إمامًا".

وبعد أن استشار عثمان بن عفان (رضي الله عنه) الصحابة في الأمر ووجد عندهم الرضا والقبول، أرسل إلى أمّ المؤمنين حفصة رضي الله عنها، وكانت لديها الصحف التي جُمع فيها القرآن، قائلاً: "أن أرسلي إلينا الصحف لننسخها في المصاحف ثمَّ نردّها إليك" فأرسلت بها حفصة إلى عثمان (رضي الله عنه).

جمع عثمان رضي الله عنه لجنة ضمَّت ثلاثة من القريشيّين، وهم:

عبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث، وكان معهم زيد بن ثابت: وكان أنصاريًّا، وقال لهم: "إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنّه إنّما نزل بلسانهم".

ففعلوا، حتّى إذا نسخوا المصحف في المصاحف، ردَّ عثمان (رضي الله عنه) الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كلّ أفق بمصحف ممّا نسخوا، فأرسل إلى مكة، والشام، والبصرة، والكوفة، واليمن، والبحرين، وأبقى عنده في المدينة مصحفًا واحدًا. وأمر بما سواه من القرآن الكريم في كلّ صحيفة أو مصحف أن يُحرق.

وبهذا تم جمع القرآن وترتيبه وحفظه ونقله متواترًا بألفاظه عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقطع بذلك دابر الخلاف بين المسلمين.

وما يقرأه المسلمون اليوم في المصحف منقول عن المصحف نفسه، الذي تمَّ نسخه زمن عثمان بن عفان (رضي الله عنه). لذلك درج العلماء على تسمية المصحف المكتوب بأمر عثمان ب "مصحف عثمان" أو "المصحف الإمام".


*72*

الرسم العثمانيُّ -


*72*

يُعرَّف الرسم العثمانيّ في اصطلاح العلماء:

بأنّه الوضع الّذي ارتضاه الصحابة في عهد عثمان بن عفاف (رضي الله عنه) في كتابه كلمات القرآن وحروفه.

وتعود أسباب هذه النسبة إلى عثمان بن عفان (رضي الله عنه) لأنه هو الّذي أمر بنقل هذا الرسم ونسخة في المصاحف التي استنسخها ووزّعها على الناس في الأمصار وأمرهم بإحراق ما عداها.

رسم المصحف: هي الطريقة الّتي كتبت بها حروف القرآن وكلماته.

وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن الرسم العثماني للقرآن توقيفيّ، أي كان بأمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) كما اوحى الله له به. ولذلك لا تجوز مخالفته.

ومن أدلّتهم على ذلك:

1. إن النبي (صلى الله عليه وسلم) أقرّ كتبه الوحي على هذه الكتابة، حين كانوا يعرضون عليه ما يكتبونه.

2. إجماع الصحابة والأئمة من التابعين على هذا الرسم.

وذهب بعض العلماء إلى أنّ الرسم العثماني للقرآن هو اصطلاحيّ أو توفيقيّ، تمّ التوافق عليه باتفاق بين الكتبة وبين عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، ولذلك تجوز مخالفة هذا الرسم، ودليلهم:

أنَّ الله تعالى لم يفرض على الأمّة شيئًا في كتابته، ولم يَرِدْ في السنة والإجماع ما يوجبه.

والراجح ما قال به جمهور العلماء، من أنّ رسم القرآن كله توقيفيّ.


*73*

أتعرّف:

من أهمّ ما تميّز به الرسم العثمانيّ: الإشارة إلى ما في الكلمة من أوجه قراءات. ومثال ذلك:

1. كتابة هاء التأنيث تاءً، كما في قوله تعالى: (فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ (40)) سورة فاطر.

من أجل أن تحتمل القراءتين معًا، لأنَّ من القراء من يقرأها بالمفرد (بينه)، وهناك من يقرأها بالجمع (بيّنات).

2. الدلالة على أصل الحرف: مثل كتابة لفظ: (الصلاة، الزكاة) كتبت بالواو بدلاً من الألف (الصلواة، الزكواة)، للدلالة على أصل الحرف وهو الواو.

نموذج للرسم العثماني للقرآن الكريم:

(نموذج للرسم العثماني للقرآن الكريم في الكتاب: استعن بالمعلم)

سورة الفلق

سورة الناس


*74*

مراحل إعجام القرآن الكريم وتشكيله


*74*

معنى الإعجام لغة: فزالة الإبهام. وإعجام الكلمة: تشكيلها وتنقيط حروفها. وفي الاصطلاح: خُصّ الشكل بالحركات، والإعجام بالنقط.

إنّ جميع الكتابات التي رسم بها القرآن الكريم منذ عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى عهد عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، سواء التي كانت مكتوبة على أدوات الكتابة المختلفة من جلود وحجارة وعسب النخل، أو المكتوبة في المصاحف، كان فيها القرآن الكريم مرسومًا دون تنقسط ولا تشكيل، فهكذا كانت حروف اللغة العربية.

وكان العرب يقرأون الكلمات اعتمادًا على السليقة العربية السليمة التي لا تختاج إلى تنقيط الحروف أو تشكيلها. فالمصاحف التي نسخت في عهد الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) كانت مجرّدة من أي زيادة على حروف القرآن وكلماته، وكانت السورة تكتب حتّى نهايتها دون أيّ علامات أو فواصل بين الآيات، وكانوا يوصون بتجريد المصحف مِنْ أيّ زيادة، حتّى لا يختلط كلام الله بكلام من سواه.

وبعد انتشار الإسلام واختلاط العرب بغيرهم، ودخول الأعاجم إلى الإسلام، وكانوا لا يحسنون القراءة بالعربية وتختلط عليهم الكلمات وإعراب الحروف، فتطرّق اللّحن إلى اللسان العربيّ، وصعب على غير العرب نطق الكلمات بالشكل الصحيح، شعر المسلمون بضرورى تحسين رسم المصاحف بالتنقيط والتشكيل من أجل أن يساعد ذلك على القراءة الصحيحة، ويمنع اللحن في كتاب الله، فبدأت بذلك مرحلة جديدة مرَّت بتطوّرات عديدة:

المرحلة الأولى: نُقَط الإعراب

نقط الإعراب هي: العلامات الدالة على ما يعرض للحرف من حركات الفتح والإسكان والكسر والضمّ. أي وضع النقط الدّالة على حركات الإعراب.

جاء زياد بين عبيد الله لما كان واليًا على العراق في عهد الدولة الأموية، وأمر أبا الأسود الدؤليّ أنْ يضع ما يدلّ الناس على إعراب كلمات القرآن المرفوع منها والمنصوب والمخفوض، وهو ما نسمّيه


*75*

بتشكيل الكلمات، وقيل كان ذلك بأمر الخليفة عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه). فرفض في البداية أبو الأسود الدؤلي هيبةً للقرآن من إضافة شيء عليه، ولكنه عاد ووافق بعد أن سمع قارئًا يقرأ قوله تعالى: (أَنَّ الله بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ (3)) سورة التوبة. بجرّ اللام في كلمة (ورسوله)، فأفزعه هذا اللّحن في كتاب الله. فقرّر أن يضع ما يدلّ الناس على معرفة كيف يضبطون القرآن الكريم. فوضع ما يُسمّى بنقط الإعراب، أي تشكيل الحروف.

فوضع النقط على كلمات القرآن للدلالة على حركة كلّ حرف، فالفتحة نقطة فوق الحرف، والضمة نقطة داخل الحرف، والكسرة نقطة تحت الحرف. وكانت هذه النقاط باللون الأحمر لتمييزها عن كلمات القرآن.

أفكر:

لِمَ فزع أبو الأسود الدؤلي من قراءة كلمة (ورسوله) بالجرّ؟

المرحلة الثانية: نقط الإعجام

نقط الإعجام هي: العلامات التي تميّز الحروف المتماثلة في الرسم بعضها عن بعض، مالغين والعين، والصاد والضاد. كي لا يلتبس حرف معجم بحرف مهمل، نحو وضع نقطة على الغين، وعدم وضعها على العين، ويسمّى الحرف المنقوط "معجمًا"، وغير المنقوط "مهملاً".

وقد واجهت المسلمين فيما بعد مشكلة أخرى وهي صعوبة التمييز بين الأحرف المتشابهة في الصورة، فأمر الخليفة عبد الملك بن مروان، الحجّاج بن يوسف أن يكلف من علماء العراق من يقوم بإيحاء حلّ لهذه الإشكالية، فكلّف الحجاج كلا من يحيى بن يعمر، ونصر بن عاصم أن يقوما بهذه المهمة، فقاما بابتكار نقاط للحروف لتمييز الحروف المتشابهة، وكانت بنفس لون كتابة الكلمات، إلى جانب النقاط الحمراء التي تمثل الحركات، وهذه النقاط هي المعروفة في أيّامنا.


*76*

المرحلة الثالثة: ابتكار طريقة جديدة للحركات

وقد واجهت المسلمين فيما بعد مشكلة أخرى، تمثلت في صعوبة استخدام الكتاب لنظامين مِنَ النقاط بلونين من الحبر. فقام أحد العلماء في القرن الثاني الهجري وهو الخليل بن احمد الفراهيديّ بحلّ هذه المسكلة من خلال ابتكار طريقة جديدة للحركات، فغيّر النقط التي وضعها أبو الأسود الدؤلي. وهي الطريقة الموجودة بين أيدينا في تشكيل الكلمات، فبدل النقطة التي فوق الحرف والدالة على الفتحة وضع ألفا صغيرة مائلة فوق الحرف، وبدل النقطة التي تحت الحرف والدالة على الكسرة، وضع ألفا صغيرة مائلة تحت الحرف، وبدل النقطة التي داخل الحرف والدالة على الضمة وضع واوًا صغيرة فوق الحرف.

وزاد على ذلك بأنْ وضع على الحرف المسكن رأس خاء صغيرة، (كأنه يقول هذا حرف خفيف)، ووضع حركة للحرف المشدّد وهي أوّل حرف من كلمة شدّة.

أما النقط الّتي تميّز الحروف بعضها من بعض، والتي وضعها يحيى بن يعمر ونصر بن عاصم فلم يغيّرها الخليل بن أحمد، واستقر ذلك بين المسلمين إلى يومنا هذا.


*77*

التقويم

أجب عما يَلي:

1. ما المقصود بالرسم العثمانيّ؟ ولماذا نسب إلى الخليفة عثمان بن عفّان؟

2. فرّق بين المصطلحين توقيفيّ وتوفيقيّ (اصطلاحيّ)، في مسألة رسم المصحف.

3. علّل ما يلي:

أ. ابتكار أبي الأسود الدؤليّ طريقة التنقيط لحروف القرآن الكريم.

ب. ابتكار يحيى بن يعمر ونصر بن عاصم طريقة النقاط للحروف.

ج. ابتكار الخليل بن أحمد طريقة التشكيل بالحركات بدلاً مِنَ النقاط الحمراء.

4. لماذا لم يحتج العرب في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) وعهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم إلى تنقسط القرآن أو تشكيله؟


*78*

علم التفسير


*78*

القرآن الكريم هو كلام الله تعالى الذي يبيّن لنا الأحكام الاعتقادية والأخلاقية والعمليّة، وللتعرف على هذه الأحكام لا بدّ من فهم القرآن وتدبّر معانيه، قال تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)) سورة ص

وقد وعد الله سبحانه وتعالى من يتلون القرآن ويتدبرون آياته ويفهمون معانيه بالأجر العظيم، ولذلك حرص المسلمون من عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وحتّى يومنا هذا على تعلم القرآن وفهم آياته، فألفوا الكتب الكثيرة الّتي توضّح معانيه وتبيّن احكامه وتشرح علومه، ومن هذه العلوم: علم التفسير، والذي سنوضّحه في المباحث التاليّة.

مفهوم التفسير:

التفسير في اللغة: يعني الإيضاح والتبيين.

وفي الإصطلاح: هو العلم الّذي يبحث في توضيح معاني القرآن، وشرح آياته، وبيان أحكامه الشرعيّة.

أهمية التفسير وفائدته:

التفسير من أجلّ العلوم وأشرفها، لأنّه متعلق بكلام الله تعالى الذي هو ينبوع كلّ حكمه وأساس كلّ فضيلة، وتنبع اهمية تفسير القرآن الكريم من حاجة الناس إليه في حياتهم، لفهم كتاب الله، وتتمثّل اهميته فيما يلي:

1. فهم معاني القرآن الكريم ومقاصده، وبيان المراد من الألفاظ المحتملة لأكثر من معنى. ومثال ذلك: الصلاة التي تحتمل ان يراد بها الدعاء في قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)) سورة التوبة.


*79*

أو أن يُراد بها الصلاة المفروضة، كقوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)) سورة البقرة.

2. استخراج الأحكام الشرعيّة من القرآن الكريم، للتوقف على حلاله وحرامه، وأوامره ونواهيه. قال تعالى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (83)) سورة النساء.

3. معرفة الأدلة من آياته مِنْ أجل التطبيق العمليّ لأحكامه على أكمل وجه.

نشأة علم التفسير:

مرّ تفسير القرآن الكريم بعدّة مراحل، يمكن إجمالها فيما يلي:

1. زمن النبي (صلى الله عليه وسلم): بدأ تفسير القرآن الكريم في زمن النبيّ (صلى الله عليه وسلم)، فكان أعلم الناس بالقرآن الكريم، وكان يبين للصحابة رضي الله عنهم ما يحتاجونه من بيان، ويجيبهم عمّا يسألون عنه. قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) سورة النحل.

2. زمن الصحابة رضي الله عنهم: بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وسلم) كان الصحابة رضي الله عنهم إذا أرادوا فهم آية من كتاب الله ولم يجدوا تفسيرها في كتاب الله ولا في سنّة رسوله، اجتهدوا في الفهم، يساعدهم في ذلك معرفتهم باللغة العربيّة ووجوه البلاغة فيها، ومعرفة أسباب النزول. ولم يدوّن شيء مِنَ التفسير في هذه الفترة الزمنيّة.

3. زمن التابعين وتابعيهم: كانوا يرجعون في تفسير القرآن الكريم إلى القرآن الكريم نفسه، فإنْ لم يجدوا شيئًا رجعوا إلى حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فإن لم يجدوا رجعوا إلى أقوال الصحابة رضي الله عنهم، فإن لم يجدوا اجتهدوا فيه معتمدين على معرفتهم باللغة العربيّة ومقاصد التشريع.

4. عصر التدوين: في أواخر العصر الأمويّ وأوائل العصر العبّاسيّ، الّذي سمّي فيما بعد عصر التدوين، دُوّن التفسير مع الحديث النبويّ الشريف، باعتباره بابًا من أبواب الحديث، وفي القرن الثالث الهجريّ تمّ فصل علم التفسير عن علم الحديث، وأصبح التفسير علمًا مستقلًّا بذاته، تفسّر فيه


*80*

كلّ آية حسب ترتيب القرآن الكريم، واعتمد المفسّرون في تفسيرهم للآيات الكريمة على الروايات المأثورة، وفهمهم لكتاب الله ومعرفتهم باللغة العربيّة وأساليبها.

وقد عَرف التفسير اختلافًا في المناهج، أي في الأساليب والطرق الّتي يتبعها المفسرون، فهناك تفاسير يغلب عليها الجانب الفقهيّ، وأخرى يغلب عليها الجانب اللّغويّ، وتفاسير يغلب عليها الجانب الاجتماعيّ، وأخرى الجانب الأدبيّ وهكذا، وهذا الاختلاف في مناهج المفسرين يعود إلى تنوع ثقافات المفسرين وما نبغوا فيه من علوم، وما استجد في عصورهم من قضايا.

ومن أشهر كتب التفسير ومناهجها:

1. تفسير جامع البيان في تأويل القرآن، لمحمّد بن جرير الطبريّ، وهذا التفسير يجمع الروايات الواردة عن النبيّ (صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين في التفسير، ويرجّح القويّ منها.

2. تفسير الكشّاف للإمام الزمخشريّ، ويمتاز هذا التفسير بالاهتمام ببلاغة القرآن الكريم، وتوضيح جمال أسلوبه وروعة بيانه.

3. تفسير القرآن العظيم، لاسماعيل بن كثير الدمشقيّ، ويمتاز هذا التفسير بأنه يفسّر القرآن بالقرآن ثمّ بالحديث.

4. تفسير الجامع لأحكام القرآن، للإمام القرطبيّ، ويمتاز باهتمامه بالأحكام الفقهيّة.

5. تفسير المنار، للشيخ محمد رشيد رضا، هو التفسير الّذي يكشف عمّا تضمنه القرآن الكريم من أسس الحياة الاجتماعية ومبادىء التشريع.

ابحث:

ارجع إلى مصادر المعلومات المختلفة، وابحث عن ثلاثة كتب للتفسير ظهرت في العصر الحديث مبيّنًا مناهجها!


*81*

أكتشف:

مصادر التفسير:

اقرأ النصّين التاليين ثمّ حدّد أهمّ مصادر التفسير:

- يقول ابن تيميّة: "إنّ أصحّ الطرق أن يفسّر القرآن بالقرآن، فما أُجمِلَ في مكان فإنّه قد فُسّر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر، فإنْ أعياك ذلك فعليك بالسنّة، فإنّها شارحة للقرآن وموضحة له، وإذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة رضي الله نهم، فإنَّهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآن، والأحال التي اختصّوا بها، ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعلم الصالح". الفتاوى ج 13 ص 363.

- يقول الزركشيُّ: "لطالب التفسير مآخذ (مصادر) كثيرة، أُمّهاتها أربعة، الأوَّل: النقل عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، الثّاني: الأخذ بقول الصحابة رضي الله عنهم. الثالث: الأخذ بمطلق اللغة. الرَّابع: التفسير بالمقتضى مِنْ معنى الكلام والمقتضب من قوَّة الشرع". البرهان: 22: ص 156.

شروط المفسِّر:

1. أنْ يتّصف بالتقوى والورع، فلا يفسّر القرآن عن هوى، ولا ينتصر لباطل ولا ينافق لظالم.

2. أن يكون عارفًا بلغة العرب وأساليبها وقواعد النحو والإعراب.

3. أن يكون على علم واسع بعلوم القرآن، كعلم الناسخ والمنسوخ، وعلم أسباب النزول، وعلم المكيّ والمدنيّ، وغيرها مِنْ علوم القرآن الأخرى.

4. أن يكون عارفًا باختلاف القراءات.

5. أن يكون عالمًا بالسنّة النبوية وعلوم الحديث، وما صحَّ مِنْ تفسيرات الصحابة والتابعين.


*82*

أنواع التفسير:

لقد كان للعلماء في بيان معاني القرآن الكريم منهجان، هما: التفسير بالمأثور، والتفسير بالرأي.

أوَّلًا - التفسير بالمأثور:

وهو تفسير القرآن الكريم بالقرآن نفسه أو بالسنة النبوية، أو بما نُقِل عن الصحابة أو التابعين. ومن أشهر كتب التفسير بالمأثور:

(جامع البيان في نفسير القرآن) لابن جرير الطبريّ، (تفسير القرآن العظيم) لابن كثير.

(الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور) لجلال الدين السيوطيّ.

نماذج مِنَ التفسير بالمأثور:

1. تفسير القرآن بالقرآن:

قال الله تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)) سورة الفاتحة

وقد جاء تفسير: (المُنعم عليهم) في قوله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)) سورة النساء.

2. تفسير القرآن بالسنّة:

روى البخاريّ عن ابن مسعود (رضي الله عنه)، قال: لمّا نزل قوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)) سورة الأنعام.


*83*

شقَّ ذلك على أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقالوا: أيّنا لم يُلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أنّه ليس بذلك، ألا تسمعون لقول لقمان: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)) سورة لقمان.

3. تفسير القرآن بما ورد عن الصحابة:

تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لمعنى: (أولي الأمر) في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (59)) سورة النساء.

قال: يعني أهل الفقه والدين، وأهل طاعة الله، الذين يعلّمون الناس معاني دينهم ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر، فأوجب الله طاعتهم.

ثانيًا - التفسير بالرأي:

وهو أن يُعمِل المفسّر عقله في فهم القرآن الكريم، فيعتمد على الاستنباط والرأي والاجتهاد، مستعينًا بأدوات التفسير ومنها: أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، ومعرفته باللغة العربيّة، بعيدًا عن الجهالة والضلالة، ومعظم كتب التفسير تهتم بهذا الاتجاه.

ومن أنواع التفسير بالرأي ما يتناول جوانب اللغة والبيان، ويسمّى التفسير البيانيّ، كتفسير:

(الكشّاف) للزمخشريّ، ومنه ما يتناول الأحكام الفقهيّة، كتفسير: (أحكام القرآن) لابن العربيّ، ومِن أشهر هذه التفاسير تفسير: (مفاتيح الغيب) لفخر الدين الرازيّ، حيث كان منهجه في التفسير: بيان مناسبة الآية مع الآيات الأخرى في السورة الواحدة، ومناسبة الآيات مع السور الأخرى في القرآن الكريم، وكذلك توسع في إدخال مسائل علوم الفلك والرياضيات والطبيعة في تفسيره، وكذلك ذكر المسائل النحويّة والبلاغيّة.


*84*

أتعرف:

المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم:

مؤلّفة: محمد فؤاد عبد الباقي، وهو معجم قيّم يجمع ألفاظ القرآن، ويرتِّب موادّها ترتيبًا ألفبائيًّا، فيضع الكلمة وأمامها الآية أو الآيات الّتي وردت فيها، مع التنبيه إلى المكيّ والمدنيّ منها، والمعجم ذو قيمة كبيرة للباحث الّذي يريد أن يفسّر القرآن بالقرآن.

فإذا كنت تريد مثلاً أن تبحث عن كلمة (عِلم) أين وردت في القرآن الكريم، فيمكنك أنْ ترجع إلى هذا القاموس لتنظر في باب (العين)، فستجد أمامك سجلاً دقيقًا بكل المواقع الّتي وردت فيها هذه الكلمة في كل سُوَر القرآن الكريم.

التقويم:

أَجِبْ عَمَّا يَلي:

1. بيّن مفهوم التفسير لغةً واصطلاحًا!

2. يحتاج الناس إلى علم التفسير لأسباب متعدّدة، وضّح ثلاثة منها!

3. كيف بدأ تدوين علم التفسير؟ وما كانت مناهج المفسرين؟

4. فرّق بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي!

5. اِبحث واكتب أمثلة تطبيقيَّة لكلّ مِنْ تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالسنة!

6. أذكر اثنين من أصحاب التفسير بالمأثور واثنين من أصحاب التفسير بالرأي، ثمَّ اذكر كُتُبَ تفسيرهما!


*85*

أسباب النزول


*85*

ينقسم القرآن الكريم من حيث سبب نزوله وعدمه إلى قسمين:

1. قسم نزل من الله تعالى ابتداء من غير سبب لهداية الخلق إلى الحقّ وهو أكثر القرآن.

2. قسم نزل مرتبطًا بسبب من الأسباب لا يعرفه إلّا من اهتم بهذا الشأن من أهل العلم.

تعريف سبب النزول: هو ما نزل قرآن بشأنه وقت وقوعه.

ومعنى ذلك أنَّ حادثة وقعت في زمن النبيّ (صلى الله عليه وسلم)، أو سؤالاً وُجّه إليه، فنزلت الآية أو الآيات ببيان ما يتصل بتلك الحادثة أو بجواب هذا السؤال.

ومثال الحادثة التي تحتاج إلىبيان حكم الشرع فيها:

أنَّ سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) لما أسلم أرادت امه أن تثنيه عن إسلامه، فامتنعت عن الطعام والشراب حتّى أغشيَ عليها. فقال لها سعد: يا أمّاه! لو كانت لك مئة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت ديني هذا لشيء. إن شئت فكلي، وإن شئت فلا تأكلي، فلمّا رأت ذلك أكلت، فأنزل الله سبحانه وتعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)) سورة العنكبوت.

ومثال الجواب عن سؤال:

عندما سُئل النبيّ (صلى الله عليه وسلم) عن الروح، نزل قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)) سورة الإسراء.


*86*

فوائد معرفة سبب النزول:

1. الاستعانة به على فهم الآية: فمعرفة سبب النزول تعين على فهم الآية فهمًا سليمًا، وإزالة الإشكال عنها، والجهل بسبب النزول قد يكون سببًا للخطأ في التفسير.

ومثال ذلك، قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)) سورة البقرة.

فلو تركت الآية على ظاهرها لاقتضت جواز عدم استقبال المصلّي للقبلة سفرًا ولا حضرًا، وهو مخالف لشرط استقبال القبلة في الصلاة.

فلمّا عرف سبب نزولها عُلم أنّها في نافلة السفر، أو نزلت فيمن صلّى بالاجتهاد وبان له الخطأ.

2. معرفة من نزلت فيه الآية: وفي ذلك إسناد الفضل لأهله، ومثاله: إذا عرفنا سبب النزول في قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)) سورة البقرة. عرفنا أن صاحب الفضل هو: "صهيب بن سنان الرومي"، وذلك أنّه (رضي الله عنه) لما أسلم بمكّة فأراد الهجرة منعه الكفّار أن يهاجر بماله، فأعطاهم ماله وهاجر، فأنزل الله فيه الآية السابقة.

3. بيان الحكمة التّي دعت إلى تشريع حكم من الأحكام، مثل الحكمة من تحريم الخمر: لأنّها توقع العداوة والبغضاء وتُذهب العقل.

4. تيسير الحفظ وتسهيل الفهم وتثبيت معنى الآية في ذهن كلّ من يعرف سبب نزولها، ولهذا نتذّكر كثيرًا سبب النزول إذا قرأنا الآية، ونستحضر الآية إذا تذكرنا سبب نزولها.

5. بيان أنّ القرآن نزل من الله تعالى، وذلك أنه ينزل جوابًا عن سؤال أو بيانًا لأمر خفي على الرسول (صلى الله عليه وسلم).


*87*

أستنتج:

قال تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)) سورة المجادلة.

اِبحث في مصادر المعلومات المختلفة عن سبب نزول الآية، مبيّنًا فوائد معرفته!

أثري معلوماتي:

1. تعرف أسباب النزول، بالنقل الصحيح بما روي عن الصحابة رضي الله عنهم الذين عاصروا الأحداث وأسباب النزول، ولا يجوز القول في أسباب النزول بالرأي والاجتهاد.

2. إذا نزلت الاية لسبب خاصّ ولفظها عامّ، فلا تقتصر دلالتها على الأشخاص الّذين نزلت فيهم، بل تكون معاني الآيات وحكمها شاملاً لسببها، ولكلّ ما يتناوله لفظها، لأنّ القرآن نزل تشريعًا عامًّا لجميع الأمة، فكانت العبرة بعموم لفظه لا بخصوص سببه.

3. اهتم العلماء بعلم أسباب النزول لأهميته في تفسير الآيات وفهمها، فألفوا فيه كتبًا، أهمّها: (أسباب النزول للواحديّ)، و (لباب النقول في أسباب النزول للسيوطيّ).


*88*

التقويم

أَجِبْ عَمَّا يَلي:

1. ما المقصود بسبب النزول؟ وضح ذلك مستشهدًا بمثال!

2. ما أهمّيّة معرفة سبب النزول في فهم الآية؟ وضح مع مثال!

3. ارجع إلى كتب التفسير أو كتب أسباب النزول، واكتب عن سبب نزول الآيتين الآتيتين:

أ. (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)) سورة البقرة.

ب. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا (19)) سورة النساء.

4. ما الدروس المستفادة مِنَ الآيات التي نزلت في قصّة سعد بن أبي وقاص مع أُمّه؟

5. اِشرح قاعدة: (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)!


*89*

أسلوب الحوار في القرآن الكريم


*89*

إنّ كثيرًا مِنَ المشاكل والصدامات الدّامية التي تدفع البشرية ثمنها، كان ممكنا أن تُتجنّب أصلاً، أو يخفّف أثرها، أو تقّل سلبيتها، لو لُجىء إلى الحوار، وإنّ الحوار هو لغة الإسلام، وقد قضى الله سبحانه أنْ تكون علاقته بمخلوقاته قائمة على أساس الحوار الإقناعيّ، وليس على أساس القهر والإكراه، فكان من أبرز الأساليب الحكيمة والبليغة الّتي استعملها القرآن في إقامة الأدلّة على وحدانية الله تعالى، وعلى صدق الرسل عليهم السلام هو أسلوب الحوار من أجل الوصول إلى الحق من اقتناع عقليّ وارتياح نفسيّ، فالحوار هو الأسلوب الّذي يجب على المسلمين اتباعه عند بحث القضايا والمشكلات.

ومن مستلزمات الحوار الاعتراف بالآخر، وبحقه في الوجود، وبحقه في التعبير عن رأيه، وبحقه في الاختلاف مع الآخر. وقد استعمل القرآن الكريم منهج الحوار ليعلمنا استعماله في جميع مجالات حياتنا، من أجل الوصول إلى الحق، لكي يعيش المجتمع الإنسانيّ في إخاء وتواصل، وأمن وأمان، وحبّ وسلام.

مفهوم الحوار:

لغةً: إنّ كلمة الحوار في اللغة ترتبط ارتباطاً وثيقًا بكلمتين هما: الجدل والمناقشة، ولذا قيل حاوره محاورة وحوارًا: جادله.

اصطلاحًا: هو نوع منَ الحديث بين شخصين أو أكثر، يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة ما، فلا يستأثر به أحدهما دون الآخر، ويغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصّب.

أهميّة الحوار:

ينبع اهتمام القرآن بالحوار مِنْ أهميته الكبيرة التي تتمثل فيما يلي:


*90*

1. هو الطريق الأمثل لعرض الأفكار المختلفة ومناقشتها، وبه يستفيد كلّ ممّا عند الآخر، فيُقوّم ما في رأيه مِنَ اعوجاج، ويأخذ ما عند الآخرين من حق وخير.

2. الحوار من أهمّ الوسائل لإقناع الآخرين، والتأثير فيهم، والتفاعل معهم، وهدايتهم إلى الحقّ، والإجابة عن شكوكهم وتساؤلاتهم.

3. الحوار يقرّب بين المختلفين في الرأي، ويجعل كلّ طرف منهم حقيقة ما يقوله الطرف الآخر.

ولهذه الأسباب ينبغي أنْ يكون الحوار هو المعتمد عند الاختلاف في الرأي بين المسلمين بعضهم مع بعض، أو مع غيرهم، وأنْ يكون من أهمّ وسائل دعوة الناس إلى الله سبحانه.

أسلوب الحوار في القرآن الكريم:

اِشتمل أسلوب الحوار في القرآن الكريم وعرض الآراء والمناقشة على الكثير من القضايا والموضوعات، فهناك محاورات بين الخالق جلّ وعلا وبين مخلوقاته من الرسل ومن الملائكة، وحنى مع الشيطان الرجيم إبليس، كما ونجد في القرآن حوارًا بين الرسل وأقوامهم، أو بين المؤمن والكافر، أو الحوار بين الأخيار فيما بينهم، أو بين الأشرار فيما بينهم، وهناك الحوار مع أهل الكتاب، ومع المنافقين، أو مع المقلدين لسابيقهم في الباطل والضلال.

ومن أمثلة ذلك:

1. حوار الله تعالى مع الملائكة. قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)) سورة البقرة.


*91*

2. حوار بين رجل مؤمن ورجل كافر، بقصد تصحيح مفهوم وتصوّرات ومعتقدات خاطئة منشؤها انكار البعث. قال تعالى: (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38)) سورة الكهف.

3. حوار مرتبط بالتشريع والأحكام، كالحوار الّذي جرى بين الرسول (صلى الله عليه وسلم) وخولة بنت ثعلبة رضي الله عنها الّتي جاءت تشكو زوجها، قال تعالى: (وَالله يَسْمْعُ تَحَاوُرَكُمَا).

4. الحوار الّذي يعتمد على الحجّة والبرهان لدحض إدّعاءات المنكرين للتوحيد والبعث، وتوجيهم للنظر والتفكير في آيات الله. قال تعالى: (قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68)) سورة الأنبياء.

اكتشف:

اِرجع إلى سورة الكهف، واكتب الآيات الّتي تضمّنت الحوار الّذي جرى بين موسى عليه السلام والعبد الصالح، مبيّنًا موضوعه!

صفات المحاور:

إنّ نعمة البيان من نعم الله العظيمة على الإنسان، بواسطة اللّسان والعقل استطاع الإنسان أنْ يتواصل مع الآخرين، وأنْ يبحث عن الحقيقة ويتفهّم الرأي الآخر، وحفاظًا على صلاح القلب يحرص المسلم على كف اللسان وضبطه، لأنّه أهمّ جوارح الإنسان نفعًا إذا صلح، وأعظمها ضررًا إذا فسد،


*92*

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (لا يستقيم إيمان عبد حتّى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتّى يستقيم لسانه).

فالحوار هو وسيلة للتفاهم بين البشر، ولذلك على المحاور أن يتصف بالصفات التالية:

1. التحلي بالأخلاق الحميدة: فالخلق يأسرُ الناس قبل العلم، وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) يدعو الناس إلى لطف التعبير وانتقاء أطيب الكلام في قوله: (إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخُلُق) رواه مسلم.

2. المرونة في الحوار واحترام الطرف الآخر، والتواضع بتفهم آراء الآخرين.

3. تجنّب الفحش مِنَ القول، واختيار الألفاظ التي لا تجرح شعور الآخرين ولا تسيء إليهم، قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (ليس المؤمن بالطّعان، ولا اللّعان، ولا الفاحش ولا البذيء) متفق عليه.

4. نبذ الغضب والانفعال، سواء كنت مؤيّدًا أو معارضًا لحديث الطرف الآخر، فالحلم مصدر سعادة، لأنّه يقرّب مِنَ الناس في الدنيا ومن الله في الآخرة، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (ليس الشديد بالصرعة، ولكنّ الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب). متفق عليه.

5. اللين والحكمة في الخطاب. قال تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)) سورة فصلت.

6. اعتدال الصوت: فليس مِنْ قوّة الحجّة المبالغة في رفع الصوت في الحوار، بل كلّما كان الإنسان أهدأ كان أكثر تأثيرًا وإقناعًا. قال تعالى: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)) سورة لقمان.

7. إفساح المجال للمحاور أن يقول رأيه ويعبّر عنه. فالقرآن ذكر آراء المخالفين وأدلّتهم، وحكى عن سليمان عليه السلام أنّه سمح للهدهد أنْ يبيّن سبب غيابه ويعرض حجّته، بل إنّ الله تعالى لم يمنع إبليس مِنَ الحديث والتعبير عمّا يريد أنْ يقوله عندما رفض السجود لآدم عليه السلام.


*93*

8. أن يُقصَد بالحوار الوصول إلى الحقيقة وتحرّي الصواب، بعيدًا عن التعصب للرأي، والانقياد للآراء الفاسدة، قال تعالى: (وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56)) سورة الكهف.

اِبحث:

وردت الكلمتان (يحاوره، وتحاوركما) ثلاث مرات في القرآن الكريم، استخرجهما مستعينًا بالمعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم!

التقويم:

أجِبْ عما يلي:

1. ما المقصود بالحوار؟ وما أثره على العلاقات بين الأفراد؟

2. وضّح خمسة مِنْ آداب الحوار!

3. قال (صلى الله عليه وسلم): (تبسّمك في وجه اخيك صدقة). ما علاقة طلاقة الوجه بنجاح الحوار؟

4. اِرجع إلى سورة هود، واكتب الآيات التي تضمّنت حوارًا بين نوح عليه السلام وابنه!


*94*

سورة الأنعام: الآيات: (151-153)


*94*

أقرأ وأتأمّل:

عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (أيّكم يبايعني على ثلاث؟ ثمّ تلا رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) حتّى فرغ من هذه الآيات ثم قال: (فمن وفّي فأجره على الله ومَنِ انتقص منهنّ شيئًا فأدركه الله به في الدنيا كانت عقوبته، ومَنْ أخّر إلى الآخرة فأمره إلى الله إن شاء عذّبه وإنْ شاء عفا عنه). تفسير ابن كثير: ج1 ص 188.

وقد بيّن الله تعالى في هذه الآيات الكريمات أصول الفضائل وأنواع البرّوأصول المحرّمات الكبائر في الأقوال والأفعال، وهي الّتي كان يبايع الرسول (صلى الله عليه وسلم) صحابته عليها. قال تعالى:

(قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)).


*95*

من معاني المفردات والتراكيب

أَتْلُ: أقرأ وأقصّ

إمْلق: فقر

الفَوَاحِشَ: كل ما قبح واشتدّ قبحه من المعاصي.

ما ظهر منها وما بطن: علانيّتها وسرّها.

إلَّا بالتي هيَ أحسنُ: إلّا بما فيه صلاحه وتنميته.

بِالقِسْط: بالعدل من دون نقصان.

وُسْعَها: طاقتها وما تقدر عليه.

تذكَرَّونَ: تتّعظون.

السُّبُلَ: طرق الضلال والأهواء.

فَتَفَرَّقَ بِكُم: تميل بكم وتضلّكم.

عَن سَبيلِهِ: عن طريق الله المستقيم وهو الإسلام.

مناقشة:

- ما الوصايا المذكورة في الآيات؟

- ما الأساليب الّتي يجب أن تُتَّبع في برّ الوالدين؟

- لماذا نهى الله سبحانه عن ارتكاب الفواحش؟

- ما الآثار الإيجابية على الفرد والمجتمع في اتّباع هذه الوصايا؟


*96*

المعنى الإجماليّ للآيات

تضمّنت هذه الآيات أهمّ أركان الإسلام وبعض الفضائل الّتي يقوم عليها العمران، وتنظيم بها شؤون الأمم وأحوال الشعوب، حيث شملت الآيات ثلاثة جوانب التوحيد والأسرة والمجتمع.

أوّلاً - التوحيد:

الإيمان بالله وتوحيده وعدم الإشراك به هو أساس الإسلام ودعامته، وروحه، فالوظيفة الأساسية للإنسان في هذه الدنيا هي عبادة الله وحده لا شريك له. ودليل ذلك قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)) سورة الذاريات.

لذلك كان الشرك هو الذنب الأكبر الّذي لا يغفره الله، لأنّ فيه انحرافًا عن القصد من الخَلق.

قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)) سورة النساء.

ثانيًا - الأُسرة:

1. الاحساس إلى الوالدين:

دعت الآيات المسلم إلى الاحسان لوالديه اللذين يحتاجان إليه في شيخوختهما، وهذا الاحسان يبدأ بالكلمة الطيّبة، وينتهي بتأمين كلّ احتياجاتهما، فهما السبب المباشر في وجود الإنسان، وقد خلق الله فيهما غريزة حبّ الأبناء، ممّا يدفعهما إلى العمل والكدّ والشقاء مِنْ أجل إسعادهم.

2. عدم قتل الأبناء خشية الفقر:

دعت الآيات الآباء إلى المحافظة على حياة الأولاد وعدم قتلهم خشية الفقر، كما كان العرب يفعلون في جاهليتهم قبل الإسلام، فالله سبحانه وتعالى قد تكفّل يرزق الأبناء كما تكفّل برزق الآباء.


*97*

3. اجتناب كبائر الذنوب ما ظهر منها وما بطن:

شرّع الله عدم الاقتراب مِنَ الفواحش، والمقصود: كبائر المنكرات الظاهر منها والخفيّ كالزّنا والسرقة وشرب الخمر ونحوها، والنهي عن قربان الفواحش أبلغ في التحذير من النهي عن فعلها، فهو يتناول النهي عن مقدّماتها ووسائلها الموصلة إليها، فمِن هنا كان النظر إلى الأجنبيّة والاختلاط بها حرامًا، لأنّه مقدّمة للزنا وسبب إليه.

وفعل الفواحش يهدّد الأسرة ويمنع قيام الروابط الأسرية، ويصيب المجتمع الإنساني بالتّفكّك، ويفسد أخلاق الأمّة، ويسلبها الطهارة والحياء والعفاف، وينشر بين أفرادها أخبث الأمراض الّتي تفتك بصحّتها.

4. عدم قتل النفس: فقد حافظ الإسلام على النفس البشرية، وحرّم قتلها إلّا بحقّ يوجب ذلك، والّذي يتولى تنفيذه هو وليّ أمر المسلمين أو من يقوم مقامه، حيث تثبت الجريمة ثبوتًا قطعيًّا.

وقد وضّح الرسول (صلى الله عليه وسلم) حالات إباحة القتل، فقال: (لا يحلّ دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنّي رسول الله إلاّ بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيّب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة). رواه البخاري

أتأمل:

قوله تعالى: (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا (32)) سورة المائدة.


*98*

ثالثًا - المجتمع:

1. الإحسان في مال اليتيم:

اليتيم عنصر ضعيف في المجتمع لفقدانه الوالد الحامي والمربّي، لذلك أمر الله برعايته وتنمية ماله، ونهى عن الاقتراب من هذا المال إلا بطريقة تكون أصلح لليتيم وأنفع، حتى إذا بلغ أشدّه جسميًّا وعقليًّا، أعيدت إليه أمواله نامية كاملة، بعد أنْ أصبح قادرًا على حسن التصرف فيها.

2. تحريم الغشّ في البيع والشراء:

فيجب معاملة الناس بالعدل والتسوية عند الأخذ والعطاء، فحرم الإسلام الغشّ في الميزان وإنّ مَنْ حرص على الإيفاء في الكيل والوزن ثمّ حصل منه تقصير لم يفرّط فيه ولم يعلمه فإنّ الله غفور رحيم.

قال تعالى: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)) سورة المطففين.

3. الحكم بالعدل وأداء الشهادة على وجهها:

فيجب على المسلم العدل في القول، وفي الحكم بين الناس، وفي أداء الشهادة على وجهها الصحيح، سواء أكان المشهود عليه قريبًا أم غريبًا، فإنّ في الظلم وشهادة الزور تضييعًا للحقوق وخيانة للأمانة.

4. الوفاء بعهد الله:

فعلى المسلم أنْ يفي بما عهد الله إليه في تأدية شرائع الإسلام من صلاة وزكاة وصيام، ومن فضائل كالصدق والأمانة والرفق والتحلي بالعفاف، وعلى المسلم أيضًا أن يفي بكلّ ما أبرمه من عهود ومواثيق حتّى تظلّ الثقة قائمة في المجتمع، والأمانة مرعيّة فيه. قال تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)) سورة الإسراء.

5. اتّباع الصراط المستقيم:

هذه الأحكام وما أشبهها ممّا بيّنه الله في كتابه، ووضّحه لعباده، هي صراط الله المستقيم، وطريقه القويم الّذي يؤدّي إلى الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة، كما أنّ العدول عنه مهلكة ومتاهة في الدنيا والآخرة.


*99*

الدروس والأحكام المستفادة:

1. الشرك هو الذنب الأعظم الّذي يجب أن يحرص المسلم على تجنّبه في كلّ صُوره وأشكاله.

2. للأسرة في الإسلام حرمتها لأنّها نواة المجتمع المسلم، والله تعالى قد شرّع ما يصونها ويحفظها منَ الانهيار.

3. حرص الإسلام على صيانة النفوس وحفظ الأرواح ما لم يكن هناك سبب شرعيّ يبيح قتلها.

4. الإسلام يرعى اليتامى ويحمي الضعفاء ويقيم بناء المجتمع على التكافل والتراحم.

5. على المسلم أن يتقي الله حيثما كان، ويترك المعاصي في السرّ والعلن.

6. العدل والوفاء من القيم التي توفر للمجتمع السعادة والأمن والثقة والاستقرار.

7. الإسلام صراط الله المستقيم، فمن اتبعه كان من المفلحين.

التقويم

أجِبْ عَمَّا يَلي:

1. قال تعالى: (إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عظيمٌ)، لِمَ كان الشرك ظلمًا عظيمًا؟

2. ما الذنب الّذي لا يغفره الله تعالى؟ اكتب الدليل!

3. أمرنا الله بأشياء ونهانا عن أشياء، أكتبها كما فهمت مِنَ الآيات!

4. لماذا اهتمّ الإسلام باليتيم؟ ومتى يُعْطى له ماله؟

5. ما صراط الله المستقيم الّذي بينه سبحانه في هذه الآيات وأمر باتباعه وعدم العدول عنه؟


*100*

سورة الفرقان: الآيات: (63-77)


*100*

أقرأ وأتأمّل:

السباق إلى الخير سمة المؤمن المخلص، والتحلي بالأخلاق الحميدة دأب العبد الصالح، فإذا سارع المؤمن إلى ذلك، كان من عباد الرحمن الذين كانت صفاتهم موضع مدح الله تعالى لهم، وأعمالهم قدوة يحتذى بها، فهذه الآيات تتحدّث عن عبد الرحمن الذين استحقوا الفوز بالدرجات العالية في الجنة، للصفات العظيمة الّتي اتصفوا بها. فمن هم عباد الرحمن؟ وما صفاتهم؟ قال تعالى:

(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)).


*101*

(وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)).

من معاني المفردات والتراكيب:

هَوْنًا: بتواضع، بسكينة ووقار.

أصرف عَنَّا: أبعد عنّا

غَرَامًا: هلاكًا ملازمًا

مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا: مكان استقرار وإقامة.

لم يُسْرفُوْا: لم يبالغوا في الإنفاق.

يَقْتُرُوا: يبخلوا.

أَثَامًا: عذابًا.

مُهَانًا: ذليلًا.

اللغو: الكلام الباطل القبيح.

مَرُّوا كراما: أعرضوا عنه مكرمين أنفسهم عن التلوث به.

لم يَخِرُّوْا عليها صما وَعُميانا: لم يعرضوا عنها، غير متبصّرين بما فيها.

إمامًا: قدوة.

الغرفة: الدرجة العالية في الجنّة.

ما يَعْبَوءُا بكم: ما يكترث بأمركم، فهو غنيّ عنكم لا يبالي بكفركم.

فسوف يكونُ لِزَامَا: فسوف يكون العذاب ملازمًا لكم.


*102*

مناقشة:

- ما المقصود بعباد الرحمن؟

- ما صفاتهم المذكورة في الآيات؟

- بين المقصود بكبائر الذنوب؟ وما أنواع الكبائر المذكورة في الآيات؟

- هل يغفر الله تعالى كبائر الذنوب؟ استدلّ على ما تقول مِنَ الآيات!

المعنى الإجمالي للآيات:

عباد الرحمن هم خيرة الخلق عند الله تعالى، واستحقّوا جزاء صفاتهم الثواب العظيم والدرجة العالية في الجنّة، وهذه الصفات هي:

1. التواضع:

يبين الله تعالى صفات عباده المؤمنين بأنهم يمشون على الأرض بسكينة ووقار، متواضعين مِنْ غير تكبّر أو افتخار.

2. الحلم والصفح عمَّن يسيء إليهم:

أثناء مشيتهم في الطرقات قد يتعرض لهم الجاهلون ويتطاولون عليهم بما يكرهون من قول أو فعل، فكان من صفاتهم بأنّهم لا يقابلون الإساءة بالإساءة، بل يكضمون غيظهم ويصفحون عمّن يسيء إليهم، ويردّون بكلام سديد يسلمون به من الأذى والإثم.


*103*

3. الإكثار مِنَ الصلاة في الليل:

فهم يحرصون على الصلاة في الليل، لنيل الثواب العظيم على هذه الصلاة قال (صلى الله عليه وسلم): (أيّها الناس آفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنّة بسلام). رواه الترمذيّ

4. الخوف مِنْ عذاب النار:

إنَّ الخوف مِنْ عذاب الله تعالى هو مِنْ درجات الإيمان، ولذلك فالمؤمن يحرص دائمًا على أنْ يجنبّه الله عذاب النار، والّذي هو هلاك دائم لكلّ عاصٍ يستحقه، فجهنم بئس المنزل للإقامة والاستقرار، فالمؤمن يدعو ربّه دومًا بقوله: (اللهمّ جنّبنا عذاب النّار). عن عائشة رضي الله عنها، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) كان يدعو بهؤلاء الكلمات: (اللهم إنّي أعوذ بك مِنْ فتنة النار، وعاب النار، ومِنْ شرّ الغنى والفقر). رواه أبو داود والترمذيّ.

5. الاعتدال في الإنفاق:

فمن صفاتهم أنّهم لا يجاوزون الحدّ في الإنفاق فوق الحاجة، كذلك لا يبخلون في الإنفاق على أنفسهم أو أهلهم وأبنائهم وضيوفهم، فهُمُ الّذين يحرصون أن يكون إنفاقهم وسطا في توازن واعتدال.

أستنتج:

بعضًا من آثار الإسراف والبخل.

6. البعد عن ارتكاب كبائر الذنوب ومنها: الشرك والقتل والزنا.

فهم يعبدون الله وحده بلا شريك، مخلصين له، ويتجنّبون قتل النفس الإنسانية عمدًا بغير حقّ، كما يتجنبون فاحشة الزنا وانتهاك الأعراض، فمن يفعل تلك المعاصي يستحق مضاعفة العذاب والخلود فيه مع الإهانة والاحتقار، إلّا من تاب منهم توبة نصوحًا، وعمل عملًا صالحا، وندم واستغفر وأقلع عن السيّئات، فأولئك يعفو الله عنهم، ويقبل توبتهم، ويمحو سيئاتهم ويبدلها بالحسنات، كرمًا منه وفضلاً، فهو عظيم المغفرة والرحمة.


*104*

أفكر:

ما الآثار السلبيّة على الفرد والمجتمع إذا شاعت بينهم هذه الكبائر؟

7. إنّهم لا يشهدون الزّور:

وشهادة الزور هي الكذب عمدًا في الشهادة، وهي من أكبر الكبائر، لما ينشأ عنها من تضييع الحقوق، واتّهام الناس بالباطل، قال (صلى الله عليه وسلم): ("ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟" قلنا بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متّكئًا فجلس، فقال: "ألا وقول الزور، وشهادة الزور". فما زال يكرّرها حتّى قلنا ليته سكت). متفق عليه.

8. لا يحضرون مجالس السوء والباطل:

فإذا مرّوا مصادفة بمجالس السوء الّتي يُتحدّث فيها بالكلام الباطل القبيح، أو الأماكن الّتي فيها العمل القبيح مِنْ فعل المنكرات، كمجالس القمار وشرب الخمر والغناء المحرّم، فإنّهم يتركونها ويبتعدون عنها ليجنّبوا أنفسهم سماع أو رؤية ما يغضب الله تعالى، وكذلك يجنّبون أنفسهم الشبهات بعدم اختلاطهم بمَن يعصون الله تعالى.

9. قبول الموعظة:

فهم الّذين إذا وعظهم واعظ وذكّرهم بآيات ربهم استمعوا إليها وتأثرت نفوسهم بها، وخشعت قلوبهم لها ولم يكونوا كأولئك الّذين لا يتأثرون بالموعظة وبكلام الله بل يستمرون على عنادهم وعصيانهم.

10. الابتهال إلى الله تعالى أنْ يرزقهم ذريّة صالحة تعمل الخير:

فَهمُ الذين يسألون ربهم أن يهب لهم من أزواجهم وذرياتهم بنين وبنات يمتازون بالإيمان بالله تعالى، ويتحلّون بمكارم الأخلاق، ليكون هؤلاء البنون والبنات قرّة أعين لآبائهم المؤمنين، فإنَّ المؤمن الصادق الإيمان إذا شاركه أهل بيته في طاعة الله سُرّ بهم قلبه، وقَرّت بهم عينه. كما أنّهم يطلبون مِنَ الله تعالى أنْ يجعلهم أئمة للخير يقتدى بهم في فعل الصالحات.


*105*

جزاء عباد الرحمن الذين اتصفوا بهذه الصفات:

إنَّ اولئك الّذين وصفهم الله في هذه الآيات قد رضى عنهم، وكانت نتيجة اتصافهم بهذه الصفات الحميدة وصبرهم على الطاعات وعلى ما أصابهم من أذى وشدّة، أنْ يجزيهم الله تعالى يوم القيامة المنزلة الرفيعة والدرجة العالية في الجنة، ويلقون فيها التحية والتسليم من الملائكة ومن بعضهم لبعض.

وفي ختام الآيات يأمر الله تعالى رسوله محمّدًا (صلى الله عليه وسلم) أن يقول للكفار: إنّ الله لا يهتم بكم إذا لم تعبدوه، ولكنّكم لما كذّبتم برسالته فلا تستحقون شيئا من عنايته سبحانه، لذلك سيكون العذاب ملازمًا لكم.

ابحث:

اِبحث في الشبكة العنكبوتيّة، أو في كتب الأخلاق والتهذيب واكتب عن إحدى الأخلاق التالية: التواضع، الحلم، البعد عن شهادة الزور!

أثري معلوماتي:

التوبة هي ندم في القلب وعزيمة على فعل الخير تورث رجوعًا عن الخطأ إلى الصواب.

وإنَّ فتح باب التوبة أمام العاصين دليل سعة رحمة الله تعالى ومحبّته لعبادة المؤمنين، قال تعالى:

(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)) سورة طه.

وهي سبيل الإصلاح إذا أخطأ المؤمن في حقّ نفسه أو في حقّ غيره.

ومِنْ شروط قبول التوبة:

أ. الإقلاع عن المعصية.

ب. الندم على الفعل.

ج. العزم على عدم العودة إلى المعصية.

د. أداء الحقّ لصاحبه أو تنازل صاحب الحقّ عن حقّه.


*106*

الدروس والأحكام المستفادة:

1. الحرص على التمثّل بالأخلاق الحسنة، طاعة وحبًّا لله تعالى.

2. على المسلم أن يتصرف بحكمة عند الإساءة إليه، فيتحلى بخلق الحلم ويتمتع عن مقابلة الإساءة بمثلها.

3. الأجر العظيم لم يتقرّب إلى الله بالطاعات، ومن ذلك النوافل، كقيام الليل والذكر والدعاء وغيرها.

4. لا بدّ مِنْ ترشيد استعمال المال، حتّى لا يضيع في غير الغاية الّتي خلق من أجلها.

5. إن فتح باب التوبة أمام العاصين دليل سعة رحمة الله تعالى ومحبّته لعباده.

6. إن حفظ حقوق الله تعالى وحقوق الناس فيه ضمان لسلامة المجتمع واستقراره.

7. الخوف من عذاب الله هو من مظاهر الإيمان، فعلى المسلم أن يحرص دائمًا بأنْ يدعو الله أن يدخله الجنة من غير سابقة عذاب.

8. على المسلم أن يحفظ نفسه من الشبهات، فيبتعد عن مخالطة ومجالسة أهل السوء.

9. من يصبر على طاعة الله في الدنيا، فجزاؤه المنزلة العالية في الجنّة.


*107*

التقويم

أَجِبْ عما يَلي:

1. اُكتب صفات عباد الرحمن المذكورة في الآيات والتي تتعلق بآداب مشيهم في الطرقات، ثمّ ابحث عن ثلاثة آداب أخرى للمشي في الطرقات!

2. استخرج من الآيات دعائين يدعو بهما عباد الرحمن!

3. اختر خمسَ صفات لعباد الرحمن، أو أحكام وردت في الآيات، ثمّ ابحث في المعجم المفهرس للقرآن الكريم عن آيات تتّفق في معناها!

4. ما حقوق الناس وحقوق النفس المذكورة في الآيات تضمن سلامة المجتمع واستقراره؟


*108*

سورة المؤمنون: الآيات: (1-11)


*108*

أقرأ وأتأمّل:

يبين الله تعالى في هذه الآيات صفات المؤمنين الّذين يستحقّون الفلاح والفوز يوم القيامة، حيث تكون منزلتهم الفردوس الأعلى من الجنة (أولَئِكَ هم الْوَارِثُونَ الذينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فيهَا خالدون). هذه المنزلة الّتي حثنا الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن ندعو الله دائمًا بأنْ تكون منزلتنا يوم القيامة، حيث قال (صلى الله عليه وسلم): (إذا سألتم الله الجنّة فاسألوه الفردوس، فإنّه أعلى الجنّة) صحيح البخاريّ.قال تعالى:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)).


*109*

من معاني المفردات والتراكيب

خشعون: متذلّلون.

اللغو: ما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال.

العادون: المعتدون على حرمات الله.

مناقشة:

- ما صفات المؤمنين الواردة في الآيات؟

- ما فوائد الالتزام بهذه الصفات على الفرد.

- بدأت صفات المؤمنين بالصلاة وخُتِمَت بها، فما دلالة ذلك؟

المعنى الإجمالي للآيات

على المسلم حتّى يكون مِنَ المؤمنين الفائزين بأعلى درجات الجنّة يوم القيامة أنْ يتصفبصفات تضمنتها هذه الآيات، وهي:

1. الخشوع في الصلاة:

وهو الخضوع والتذلل لله تعالى، والخوف منه، ولا يتحقق الخشوع في الصلاة إلّا لمن عرف أحكامها، وآثرها على غيرها، وحينئذ تكون راحة له وقرّة عين، كما قال النبيّ (صلى الله عليه وسلم): (وجُعِلت قرّةعيني في الصلاة). سنن النسائيّ.


*110*

2. الإعراض عن اللّغو:

فالمؤمن يجب عليه أنْ يشغل نفسه ووقته بما فيه فائدته وصلاحه في الدنيا والآخرة، ويبتعد عن مجالسة من يخوضون بالباطل ولغو الكلام. قال تعالى: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)) سورة الفرقان.

فالترويح عن النفس جائز ومحبذ بين الحين والآخر، بشرط عدم تجاوز الحدود الشرعيّة.

أفكّر:

كيف يكون الترويح عن النفس مُخالِفًا للأحكام الشرعيّة؟ أعط أمثله!

3. إيتاء الزكاة:

المؤمنون يحرصون على أداء زكاة أموالهم على اختلاف أجناسها، رغبة منهم في الأجر والثواب، ذلك أن الزكاة طهارة للقلب من الشُحّ والبخل والأنانية، وطهارة للمال بإخراج حقوق الفقراء منه، وفي إخراجها بركة ونماء لمال المزكي، كما أنّ فيها صيانة للمجتمع من الفقر والحرمان، وبناء مجتمع متكافل متراحم.

أفكّر وأناقش:

أبْد رأيك في القضية الآتية: دور الزكاة في تحقيق التكافل الاجتماعيّ!

4. حفظ الفرج:

وهو عدم الوقوع فيما نهى الله تعالى عنه من زنا وفاحشة، وكلّ ما يؤدي إليهما من تبرج واختلاط محرّم غيرهما، فهم لا يقربون سوى ما أحلّ الله تعالى لهم من النساء بالزواج، ومن يتعد هذه الحدود فقد وقع في الحرام، واستحق سخط الله تعالى وعقوبته.


*111*

5. أداء الأمانة والوفاء بالعهد:

والأمانة عامّة تشمل الأمانات التي هي حقّ لله تعالى، والتي هي حقّ للادميين، فجميع ما أوجبه الله تعالى على عباده أمانة، وتدخل في أمانات الآدميّين الأموال والأسرار ونحوهما، فعلى العبد حفظ الأمانات وردّها إلى أصحابها على خير وجه، وكذلك عليه أن يفي بالعهود والمواثيق الّتي أبرمها مع الناس.

6. المحافظة على الصلاة:

فالمؤمن هو من يداوم على صلاته، ويحرص على أدائها في وقتها، كاملة مستوفية شروطها وأركانها، لأنَّ فيها فلاحه وفوزه بالأجر العظيم من الله. عن ابن مسعود (رضي الله عنه) أنَّ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) قال: (أفضل الأعمال الصلاة لوقتها، وبرّ الوالدين) رواه مسلم.

أستنتجُ:

ما ترشد إليه الآيات الكريمة.

أثري معلوماتي:

عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، قال: كان إذا نزل على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الوحي، يُسمع عند وجهه كدويّ النحل، ولبثنا ساعة، فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال: (اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنّا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارضَ علينا وارضِنا، ثمّ قال: لقد أنزل عليّ عشر آيات من أقامهن دخل الجنّة، ثمّ قرأ: (قد أفلحالمؤمنون. حتّى ختم العشر).

أخرجه أحمد والترمذي والنسائيّ.


*112*

التقويم

أجب عَمَّا يلي:

1. جمعت الآيات الكريمة في استعراضها لصفات المؤمنين بين الأخلاق والعبادات، هات مثالاً على كل منهما!

2. ما الجزاء الّذي وعد الله به المؤمنين الذين يتحلون بالصفات الواردة في الآيات؟

3. قال (صلى الله عليه وسلم) لمعاذ: (وهل يَكُبّ الناس في النار على وجوههم إلّا حصائد ألسنتهم). رواه الترمذي والنسائيّ

فما آفات اللّسان الّتي تؤدّي إلى هلاك أصحابها يوم القيامة؟

4. اِرجع إلى مصادر المعلومات المختلفة، واكتب عن منازل أخرى في أعلى الجنّة!


*113*

سورة النور: الآيات: (27-31)


*113*

أقرأ وأتأمّل:

الإسلام لا يحارب الدوافع الفطريّة، بل يعمل على تنظيمها، ويضمن لها جوًّا طاهرًا خاليًا مِنَ المثيرات المصطنعة، فيضيق عليها فرص الغواية، ويُبعد عنها عوامل الفتنة، ومنهج الإسلام في الإصلاح الأخلاقيّ يقوم على عدّة أسس، ومنها تشريع سبل الوقاية والحماية مِنَ الوقوع في الجرائم الأخلاقيّة، فجعل للبيوت حرمة لا يجوز المساس بها، فجعلها حرمًا آمنًا لأهلها، لا يدخله أحد إلّا بعلم أهله وفي الوقت الّذي يريدون. وأمر كلًّا مِنَ الرجال والنساء بغضّ الأبصار عمّا يحرم، كما ونهى النساء عن إبداء الزينة للأجانب. قال تعالى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29)).


*114*

(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)).

من معاني المفردات والتراكيب:

تَسْتَأنِسُوا: تستأذنوا.

جُنَاحٌ: حرج وإثم.

يَغُضُّوْا: يمتنعوا عن النظر إلى المحرّمات.

وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ: يستروها عن أنْ يراها مَنْ لا تحلّ له، ويصونوها عن ارتكاب الفاحشة.

إلَّا ما ظَهَرَ منها: ما لا يمكن اخفاؤه من زينة الجسم، كالثياب والخمار.

بِخُمُرهِنَّ: الخمرُ: جمع خمار، وهو غطاء الرأس للمرأة الّذي يستر أيضًا عنقها وصدرها.

جُيُوبِهنَّ: جمع جيب، وهو فتحه في أعلى الثوب يبدو منه بعض الصدر والعنق.

لِبُعُولَتِهنَّ: أزواجهنّ.

نسائهنَّ: المختصات بصحبهنّ وخدمتهنّ.

ما مَلكَتْ أيْمَنُهُنَّ: الجواري.

التَّبعِينَ غير أولي الإربةِ: الخدم من غير ذوي الشهوة إلى النساء، كالطّاعن في السنّ والأبله.


*115*

مناقشة:

- ما آداب الاستئذان المذكورة في الآيات؟

- اُذكر آدابًا أخرى للاستئذان!

- مَن أصناف الرجال الّذين يحقّ للمرأة إبداء زينتها أمامهم؟

- ما المقصود بالمرأة الأجنبيّة أو الرجل الأجنبيّ؟

- ما المخاطر المترتّبة على عدم غضّ البصر على الفرد وعلى المجتمع؟

المعنى الإجمالي للآيات:

أحكام الاستئذان:

1. في هذه الآيات الكريمة دعوة إلى صيانى كرامة البيوت، فمن أراد الدخول إليها فإنه يجب عليه أنْ لا يباغت أهلها بالدخول، بل يستأذن ولا يدخل حتّى يعلم أنّ صاحب البيت قد أذن له بالدخول.

2. ومن الأدب أن يسلم على أهل البيت بتحية الإسلام، وذلك ليبعث الطمأنينة في نفوسهم.

3. يوجّه الإسلام المسلم إلى حسن الظنّ بأخيه المزور، فإنّ الأصل أنْ يأذت له، لكن قد يعرض له من الأحوال ما يمنع ذلك، ولا يأذن للزائر بالدخول، وفي هذه الحالة يجب الرجوع مِنْ غير غضب ولا نيّة قطيعة، تنفيذًا لأمر الله تعالى: (وإن قيلَ لكم ارجعوا فأرجعوا هو أزكى).

4. بيّنت الآيات أنّ البيوت غير المسكونة، أو الأماكن العامّة الّتي فيها مصالح لجميع الناس، كالمطاعم والمستشفيات والفنادق والمحلّات التجارية لا يجب الاستئذان عند الدخول إليها.


*116*

غضّ البصر وحفظ الفروج:

1. بعد أمر الله تعالى بوجوب الاستئذان قبل الدخول إلى البيوت، يتبع الله الأمر بغضّ البصر لأنّ الاستئذان إنّما جُعل مِنْ أجل البصر.

فيأمر الله تعالى كلًّا من الرجال والنساء بغضّ الأبصار عمّا يَحرم النظر إليه، وذلك بخفض الطرف عفّة وحياءً، ففي غضّ البصر منافع كثيرة منها: الامتثال لأمر الله تعالى، والسدّ لأبواب الشيطان مِنَ النفاذ إلى قلب المؤمن، لأنّ النظر قد يكون مدخلاً للفجور، فهو بريد الزنا ووسيلته والباعث عليه.

2. يأمر الله تعالى بحفظ الفروج من قبل الرجال والنساء، ليكون ذلك تزكية لهم وتطهيرًا من الفواحش والرذائل، وحفظًا لمجتمعاتهم وأسرهم من انتشار ما يفسدها ويقضي عليها، ذلك لأنّ الزنا مِنْ أخطر الأمراض على المجتمعات، إذ به تضيع الأنساب، ويقلّ ترابط الأُسَر واجتماع شملها.

نهي النساء عن إبداء الزينة لغير المحارم:

1. لما كان تأثير النظر من الرجال إلى النساء أشدّ من نظرة المرأة إلى الرجل، فقد أمرت المرأة بإخفاء زينتها الّتي تدعو إلى التعلق بها. فلا يجوز للنساء أن يُظهرن زينتهن إلاّ ما تدعو الضرورة إلى إظهاره، كالوجه والكفين ما لم يُفْضِ ذلك إلى فتنة، وذلك لإشاعة الطمأنينة في المجتمع الإسلاميّ، ومنع الوسائل التي يستغلها الشيطان لإشاعة الفاحشة. وقد رفع الله الحرج عن النساء فيما لا يمكن إخفاؤه مِنَ الزينة، كظاهر الثياب.

2. أوجبت الآيات على المرأة المسلمة أن تسدل خمارهل على صدرها، وخاصّة إذا كانت ترتدي ملابس ذات فتحات واسعة تبدو منها نحورهنّ وصدورهنّ، وعلى المرأة أنْ لا تقوم بحركات تلفت نظر الأجانب إليها، ومن ذلك لبس الخلخال الّذي يُصدِر صوتًا عند مشيها (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ).

3. وفي نهاية الآيات دعوة عامّة إلى التوبة لكلّ مَنْ أخطأ، رجالاً ونساءً، فباب التوبة مفتوح لمن أراد لنفسه الفلاح في الدنيا والآخرة.


*117*

أفكّر:

وصفت الآيات الكريمة الرجوع عند عدم الإذن بدخول البيوت بأنّه (أزكى).

فما جوانب هذه التزكية؟

أتأمل وأحفظ:

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (النظرة سهم من سهام ابليس مسمومة، فمن تركها من خوف الله، أثابه عزّ وجلّ إيمانًا يجد حلاوته في قلبه). رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد.

أبحث:

اِرجع إلى مصادر المعلومات المختلفة، وابحث عن مواصفات حجاب المرأة المسلمة!


*118*

أثري معلوماتي:

الاختلاط بين الجنسين:

احتفظ الإسلام للمرأة بشخصيتها الكاملة، وبأهليتها في تحمّل المسؤوليات والدخول في مختلف المعاملات الاجتماعية والتجارية والثقافية، كما أباح لها التعلم بمختلف أنواعه ومراحله، ولا يخفى على أحد أنَّ ممارسة المرأة لهذه المهامّ وقيامها بهذه الأعمال، سيقتضي التقاءً بالرجال، ولذلك لم يحرّم الإسلام مِنْ حيث المبدأ اشتراك الرجال والنساء في أعمال الخير والبرّ، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)) سورة التوبة.

وللتعامل بين كلّ مِنَ الرجل والمرأة وضع الإسلام الضوابط التالية:

1. ألّا يكون مدعاة لأنْ يختلي رجل بإمرأة أجنبيّة عنه.

2. ألّا تبدي المرأة زينتها وأن تلتزم باللباس الشرعيّ الّذي أمر به الإسلام.

3. ألّا يؤدي الاختلاط إلى ضرر اجتماعيّ أو أخلاقيّ.

4. أن يلتزم الرجال والنساء بغضّ البصر، وأن يبتعدوا عن كل ما يبعث على الإغراء أو يثير الشهوات، سواء كان ذلك عن طريق الكلام أو الحركات أو غيرها.


*119*

الدروس والأحكام المستفادة:

1. وجوب الاستئذان عند دخول بيوت الآخرين.

2. حرمة الدخول إذا لم يكن في البيت أحد.

3. وجوب الرجوع إذا لم يُؤْذَن للدّاخل.

4. لا يجوز للإنسان أن يطّلع على عورات الناس.

5. البيوت غير المسكونة أو الأماكن العامّة فلا حرج من دخولها دون استئذان.

6. في غضّ البصر وحفظ الفرج طهارة للإنسان مِنَ الرذائل والفواحش.

7. لا يجوز للمسلمة أنْ تبدي زينتها إلّا أمام الزوج أو المحارم مِنْ أقاربها.

8. على المسلمة أن تستر رأسها ونحرها وصدرها بخمارها.

9. يحرم على المسلمة أن تفعل ما يلفت أنظار الرجال إليها أو تثير بواعث الفتنة.

10. الآداب الاجتماعيّة التي أرشد إليها الإسلام فيها صيانة لكرامة الأسرة، وحفظ للمجتمع المسلم.

التقويم:

أَجِبْ عَمَّا يَلي:

1. استنتج مِنَ الآيات (30-31) التدابير الوقائية الّتي اتّخذها الإسلام للحماية من جريمة الزنى!

2. ما العلاقة الرابطة بين آيات الاستئذان وآيات غضّ البصر؟

3. ما حكمة الجمع بين غضّ البصر وحفظ الفرج؟

4. في الآية (31) ذُكر أصناف الرجال الّذين يُباح لأحدهم النظر إلى زينة المرأة، اُذكر هذه الأصناف مع بيان السبب!

5. اِرجع إلى مصادر المعلومات، واكتب آداب الاستئذان على بيوت الآخرين!


*120*

سورة ق


*120*

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13)


*121*

وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29)


*122*

يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)


*123*

الفصلُ الثالث: الحَديثُ الشَّريفُ صفحة 123

تعريف الحديث الشريف صفحة 124

رواية الحديث الشريف وتدوينه صفحة 128

حجّية السنة النبويّة ومنزلتها بالنسبة للقرآن صفحة 134

الحديث القدسيّ صفحة 137

علوم الحديث صفحة 140

أقسام الحديث الشريف صفحة 144

أحاديث مختارة للشرح والحفظ غيباً صفحة 149


*124*

اَلحديث الشريف


*124*

تعريف الحديث الشريف:

لغة: يطلق على الخبر، وهو المناسب هنا للمعنى الاصطلاحيّ، كما يطلق على الجديد ضدّ القديم.

وقد أطلق النبيّ (صلى الله عليه وسلم) على قوله حديثاً، وبذلك يتميز الخبر الصادر عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عما سواه.

فقد روى البخاري فقال: (جاءه أبو هريرة يسأله عن أسعد الناس بشفاعته يوم القيامة، فكان جوابه عليه الصلاة والسلام: لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث).

اصطلاحاً: ما أضيف إلى النبيّ (صلى الله عليه وسلم) من قول أو فعل أو تقرير، أو صفة.

ويستنتج من التعريف الاصطلاحي بأن الحديث أنواع، هي:

1. القول: هي الأحاديث التي قالها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في مجال التشريع في مختلف الأغراض والمناسبات.

مثال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق).

2. الفعل: هي الأعمال التي قام بها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على وجه البيان لما ورد في القرآن الكريم والتبليغ عن الله تعالى لأمته.

مثال: أفعاله في بيان كيفية أداء الصلاة، أو أداء مناسك الحج. حيث قال (صلى الله عليه وسلم): (صلوا كما رأيتموني أصلي). وقال (صلى الله عليه وسلم): (خذوا عنّي مناسككم).

3. التقرير: وهو أن يحدث أمر أو يقال قول من بعض الصحابة، سواء كان في حضرته، أو كان في غيبته (صلى الله عليه وسلم) ثم ينقل إليه، فيقرّه إمّا بالسكوت وعدم الإنكار، أو بالموافقة والاستحسان.


*125*

مثال: ما جاء عن عمرو بن العاص (رضي الله عنه)، أنه كان في غزوة ذات السلاسل، فأصابته جنابة في ليلة شديدة البرد، فلم يستطع أن يغتسل، فصلى الصبح بأصحابه (بعد أن تيمم)، فلما رجعوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، شكوا إليه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "يا عمرو، أصلّيت بأصحابك وأنت جنب؟ فقلت: ذكرت قول الله تعالى:

(وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)) سورة النساء.

فتيّممت ثم صلّيت، فضحك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولم يقل شيئاً". رواه أحمد وأبو داوود.

فتبسّم الرسول (صلى الله عليه وسلم) دلالة على موافقته لما فعله عمرى، فيكون هذا تشريعاً صادرًا عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

4. الصفة: وهي تشمل نوعين:

أ. الصفات الخُلُقيّة: وهي ما جبله الله عليه مِنَ الأخلاق الحميدة، والشمائل المجيدة، والشيم النبيلة. روى البخاريّ: "كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دائم البشر، سهل الخُلقِ، ليّن الجانبِ، ليس بفظٍّ ولا غليظٍ، ولا صخّابٍ ولا فّحاشٍ ولا عيّاب".

ب. الصفات الخلقية: وتشمل هيئته التي خلقه الله عليها وأوصافه الجسميّة.

كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) متوسّط القامة، لا بالطويل ولا بالقصير، كما أخبر بذلك البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: (كان النبي (صلى الله عليه وسلم) مربوعًا متوسّط القامة -، بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنه، رأيته في حلة حمراء، لم أر شيئًا قط أحسن منه). متفق عليه

وكان (صلى الله عليه وسلم) أبيض اللون، ليّن الكف، طيّب الرائحة، روى أنس (رضي الله عنه) قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أزهر اللّون أبيض مستدير، كأنّ عرقه اللّؤلؤ، إذا مشى تكفّأ، ولا مسستُ ديباجة نوع نفيس من الحرير ولا حريرة ألين من كفّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ولا شممتُ مِسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله (صلى الله عليه وسلم). رواه مسلم


*126*

أثري معلوماتي:

تعدّ صفات الرسول (صلى الله عليه وسلم) الخُلقية من السنّة النبويّة مِنْ أجل أنْ تفتدي بكل ما يمكن الاقتداء به من أخلاقه، أمّا الصفات الخَلقيّة، فلكي نعلم بهذه الصفات ويتأكّد لنا أنّ الله تعالى قد خلقه على أحسن هيئة وأكمل صورة بشريّة، حتّى تجتمع القلوب حوله، وهذا يعتبر مِنَ الأدلة على صدق رسالته (صلى الله عليه وسلم)، لأن الله تعالى قد برأ الأنبياء جميعًا من أي عيب خلقي، وكذلك لكي يتأكد لنا أن الله تعالى قد أوجده على الهيئة نفسها والصفات نفسها التي ذكرت في الكتب السماوية السابقة، وفي هذا دليل واضح على صدق رسالته (صلى الله عليه وسلم).

أتدبّر وأحدّد:

تدبر الأحاديث التالية وحدد نوع الحديث الذي تشير إليه:

أ. عن البراء بن عازب (رضي الله عنه) قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أحسن الناس وجهًا وأحسنهم خلقاً ليس بالطويل البائن ولا بالقصير). رواه البخاري.

ب. قال (صلى الله عليه وسلم): (لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة). رواه البخاري.

ج. بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رجلاً على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم ب: (قل هو الله أحد)، فلما رجعوا ذكر ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: سلوه لأيّ شيء يصنع ذلك؟ فسألوه فقال: لأنّها صفة الرحمن فأنا أحبّ أن أقرأ بها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أخبره أن الله يحبه). رواه مسلم.

د. عن أبي سعيد الخدريّ (رضي الله عنه) قال: (كان النبيّ (صلى الله عليه وسلم) أشد حياءً من العذراء في خدرها فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه). رواه البخاري.


*127*

التقويم

أجِبْ عَمّا يلي:

1. عرف الحديث الشريف اصطلاحاً موضحاً أنواعه!

2. اُعتبرت الصفات الخلقية للرسول (صلى الله عليه وسلم) من السنة، مع أنّه لا يمكن الاقتداء بها. علّل ذلك!

3. راجِعْ مصادر المعلومات المختلفة، واكتب حديثاً نبوياً على كل نوع من أنواع الحديث غير الذي ذكر في الدرس!


*128*

رواية الحديث الشريف وتدوينه


*128*

إن لسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) منزلة عظيمة، فلما كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هو المبلّغ عن الله تعالى فقد أمره سبحانه وتعالى ببيان كتابه للناس، فقال:( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) سورة النحل.

ولهذا كانت السنة النبوية بياناً للقرآن الكريم، وقد تكفل سبحانه بحفظ هذا القرآن الذي أنزلَ على نبيّه (صلى الله عليه وسلم)، وهذا يضمن حفظ السنة المبيّنة له، المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد القرآن الكريم، ولا يمكن أن نستغني بالقرآن عنها.

ولأجل هذه المنزلة للسنة النبوية، فقد أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بحفظها وتبليغها للناس، فقال (صلى الله عليه وسلم): (نضَّر الله امرءًا منا شيئاً فبلَّغه كما سمع، فَرُبَّ مبلَّغٍ أوعى من سامعٍ). رواه الترمذيّ.

وقال (صلى الله عليه وسلم): (بلّغوا عنّي ولو آية). رواه البخاريّ.

وقال في خطبة حجّة الوداع: (ألا فليبلّغِ الشاهد منكم الغائب). رواه البخاري.

كما وحذّر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من كتمان العلم، بقوله: (مَنْ كتمَ علماً ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة). واستجابة لهذا الحثّ في تبليغ أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، والخوف من كتمان ما تعلموه من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقياماً بواجب نشر هذا الدين، حرص الصحابة، رضوان الله عليهم، على حفظ السنّة والعمل بها، وتبليغها لمن لم يسمعها مِنَ الناس.

تدوين الحديث:

اِتّخذ الرسول (صلى الله عليه وسلم) كتاباً للوحي ليدوّنوا ما ينزل من القرآن الكريم، فكان القرآن يكتب بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على أدوات الكتابة المتوفّرة مِنَ الجلود والحجارة والعظام وجريد النخل، وكانت الآية من القرآن تتنزل على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيأمر كتاب الوحي بكتابتها في موضع كذا مِنْ سورة كذا،


*129*

واستمرّ الأمر على هذه الحال حتّى وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم)، فلم يُقبض رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلّا والقرآن محفوظ في الصدور، مكتوب في السطور، لا ينقصه إلّا الجمع في مصحف واحد.

أمّا الحديث الشريف فلم يكن شأنه كذلك، حيث إنّه لم يدوّن جميعه تدرينًا رسميًا في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) كما دُوّن القرآن الكريم، ولم يأمر النبيّ (صلى الله عليه وسلم) أصحابه بذلك، حتّى أنه نهاهم أوّل الأمر عن كتابة حديثه بقوله: (لا تكتبوا عنّي، ومن كتب عنّي غير القرآن فليمحه وحدِّثوا عني ولا حرج ومن كذب علي متعمّداً فليتبوأ مقعده مِنَ النار). صحيح مسلم.

أسباب عدم تدوين الحديث في العهد النبويّ:

1. اَلخوف مِنْ حدوث اللّبس عند عامّة المسلمين، فيختلط القرآن الكريم بغيره من الحديث، خصوصاً في تلك الفترة المبكرة التي لم يكتمل فيها نزول الوحي، وكان القرآن ينزل فيها مفرقاً حسب الوقائع والأحداث.

2. إن السنة كانت كثيرة الوقائع متشعّبة النواحي، شاملة لأعمال الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأقواله منذ بدء الرسالة إلى أنْ توفّاه الله، فلو دُوّنت كما دُوِّن القرآن الكريم، لَلَزِم أن ينكبّ الصحابة على حفظ السُنَّة مع حفظ القرآن الكريم، وفيه مِنَ الحرج والمشقّة ما فيه.

3. إنّ العرب كانت أمّة أمّيّة، وكانوا يعتمدون على الذاكرة فيما يودّون حفظه واستظهاره، ولذلك عُرفوا بقوة الذاكرة وسرعة الحفظ، وكان نزول القرآن الكريم مفرّقاً على آيات وسور، أدعى للتفرّغ لحفظه واستذكاره والاحتفاظ به في صدورهم.


*130*

المراحل التي مرَّ بها تدوين الحديث الشريف:

المرحلة الأولى: التدوين في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) والخلفاء الراشدين حتّى عهد عمر بن عبد العزيز 99 ه

بعد النهي العامّ عن كتابة السنّة المطهّرة، كتب بعض الصحابة طائفة من الأحاديث في السنوات الأخيرة من حياة النبي (صلى الله عليه وسلم). وبإذن خاصّ منه. وممّن كتب من الصحابة الأحاديث النبوية في الصحائف: سعد بن عبادة الأنصاريّ، وسمرة بن جندب، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم.

ومن أشهر الصحف المكتوبة في العصر النبويّ:

1. اَلصحيفة الصادقة: التي كتبها عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. وقد قال أبو هريرة (رضي الله عنه): (ما من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) أحد أكثر حديثًا عنه منّي، إلّا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب). أخرجه البخاريّ.

وقد كان عبد الله بن عمرو (رضي الله عنه)، يكتب كلّ ما يسمعه من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقد قال (رضي الله عنه): (كنت أكتب كلّ شيء أسمعه مِنْ رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: أتكتب كلّ شيء تسمعه من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ورسول الله بشر يتكلّم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: (أكتب، فوالّذي نفسي بيده ما خرج منّي إلا حقّ). رواه أحمد وأبو داوود.

وقد اشتملت هذه الصحيفة الّتي سماها عبد الله بن عمرو بالصحيفة الصادقة، على ألف حديث، وهي محفوظة في مسند الإمام أحمد.

2. كما عني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بكتابة الكثير من سُنّة النبيّ (صلى الله عليه وسلم) وسيرته في ألواح كان يحملها في مجال العلم. وقد كتب بعض الصحابة رضي الله عنهم صحفاً لهم، فيها أحاديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فكانت عند عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) صحيفة، وعند جابر بن سمرة صحيفة، وغيرهم.


*131*

3. وقد أمر النبيّ (صلى الله عليه وسلم) بكتابة وثيقة دوّن فيها حقوق المهاجرين والأنصار واليهود وعرب المدينة، كانت أشبه (بدستور) للدولة الفتيّة آنذاك في المدينة المنورّة. كما وكتب الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى عمّاله في البلاد البعيدة، وكتب إلى الملوك والأمراء، مثل كتابه إلى المقوقس وإلى النجاشيّ.

أمّا في عصر الصحابة فقد دوّن كثير منهم أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ولكنّها لم تكن مجموعة في كتاب واحد.

وقد نقل التابعون الحديث عن الصحابة، وكان لأكثرهم صحف كتبوا فيها ما سمعوه من الأحاديث، منهم: سعيد بن جبير، وهمّام بن مُنبّه، والحسن البصريّ، وعطاء بن أبي رباح وغيرهم.

أتذكّر:

تعريف الصحابيّ: هو مَنِ التقى بالنبيّ (صلى الله عليه وسلم) أو رآهُ، وآمن به ومات على الإسلام.

اَلمرحلة الثانية: عصر التابعين.

في بداية المائة الثانية من الهجرة وبعد أن كثر كتاب السنة النبوية، وأفضت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز (99-101 ه). حرص الخليفة على حفظ الحديث الشريف من الضياع أو التحريف، فاستشار العلماء في تدوينها فأقرّوه على ذلك، فبعث إلى ولاته في الأمصار يأمرهم بتدوين السُنَّة، حيث كتب لهم قائلاً: "اُنظروا إلى حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فاجمعوه". وكان ممّن أمرهم الخليفة بالتدوين: أبو بكر ابن حزم، وابن شهاب الزهريّ، فكان بذلك تدوين عمر بن عبد العزيز أوّل تدوين رسميّ للحديث الشريف.

وأول من قام بتدوين الحديث: محمد بم مسلم بن شهاب الزهريّ المدنيّ، الذي قال مفتخرًا بعمله: (لم يدوّن هذا العلم أحد قبل تدويني).

وممّا اتصف به التدوين في هذا العصر، أنَّه كان تدويناً عامًّا من غير ترتيب أو فصل للأحاديث المتصلة السند عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أو المقطوعة السند.


*132*

أتذكّر:

تعريف التابعيّ: هو من التقى بأحدِ الصحابة أو رآهُ، ولم ير الرسولَ (صلى الله عليه وسلم)، وآمنَ به ومات على الإسلام.

المرحلة الثالثة: عصر أتبع التابعين.

في عصر أتباع التابعين، كثرت التصانيف في الحديث، وذلك على رأس المئتين من الهجرة، وكان معظم هذه المصنّفات والمجاميع يضمّ الحديث النبويّ وأقوال الصحابة وفتاوى التابعين، ثم جاء مَنْ بعدهم فرأوا إفراد أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فعُنِيَ العلماء بتأليف المسانيد الخالية مِنْ فتاوى الصحابة والتابعين، ومقصورة على السنّة النبويّة وحدها، وأوّل مَن ألف تلك المسانيد:

(أبو داود الطيالسي 204 ه)، ويعتبر مسند الإمام أحمد بن حنبل 241 ه أوفى تلك الأسانيد وأوسعها.

ثم جاء مَنْ بعدهم، فرأى بعضهم الاقتصار على ما صحّ عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فصنّف البخاريّ صحيحه (ت 256 ه). وتتابع التصنيف في الحديث الشريف، حتّى لم يكن ينتهي القرن الثالث الهجريّ إلا والسُنّة النبوية قد دُوّنت في الأجزاء والمصنّفات والمسانيد والجوامع والسنن.

وأشهر الكتب أيضًا في تلك الفترة: سنن أبي داوود (ت 275 ه)، وسنن النسائيّ (ت 303 ه)، وجامع الترمذي (ت 279 ه)، وسنن ابن ماجه (ت 275 ه).

وبذلك انتقل تدوين السنة، من جمع الحديث وتقييده في صحف وأوراق وأجزاء، إلى تصنيفه على الأبواب، وضُمّ بعضها إلى بعض في مصنّف أو جامع. ثمّ استمرّت العناية بأحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عند العلماء شرحًا ودراسة، واتّسعت الجهود في شرح كتب الصحاح وغيرها.


*133*

التقويم

أَجِبْ عَمَّا يَلي:

1. كيف انتشرت أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين الصحابة؟ وما أسباب ذلك؟

2. لماذا نهى النبيّ (صلى الله عليه وسلم) عن كتابة غير القرآن في بداية الأمر؟

3. اذكر عقوبة مَنْ كذَبَ على النبيّ (صلى الله عليه وسلم) متعمّدًّا. وما الدليل على ذلك؟

4. علّل ما يلي:

أ. عزم الخليفة غمر بن عبد العزيز (رضي الله عنه) على تدوين الحديث الشريف.

ب. اِهتمام الصحابة والتابعين بأحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

5. صف مراحل تدوين الحديث الشريف في عصر أتباع التابعين وما بعدهم.


*134*

حجيّة السُنّة النبويّة (الحديث الشريف)


*134*

إنّ السُنّة النبويّة تعد المصدر الثاني للتشريع بعد كتاب الله عزّ وجلّ، فالعمل بشريعة الإسلام لا يكتمل إلّا بالأخذ بالسُنّة النبوية، فهي حجّة شرعية للمسلم إذا صحّ السند وأفادت التشريع، لذلك جاءت آيات كثيرة في كتاب الله تعالى تأمر بطاعة الرسول (صلى الله عليه وسلم) والتمسّك بسنّته، ومنها قوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)) سورة الحشر.

(قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) سورة النور.

أقرأ واستنتج:

قال تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) النساء: 80.

وقال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الحشر:7.

وقال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء: 65.

وقال تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور: 63.

اُذكر خمسة أمور تستنتجها من الآيات السابقة!


*135*

منزلة السُنّة النبويّة بالنسبة للقرآن الكريم:

1. اَلسُنّة مؤكّدة لما جاء في القرآن الكريم: ومثال ذلك:

قال تعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) سورة الحج.

وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ "قلنا: بلى يا رسول الله. قال: "الإشراك بالله وعقوق الوالدين". وكان متّكئًا فجلس وقال: "ألا وقول الزور وشهادة الزور". فما زال يكرّرها حتّى قلنا ليته سكت.

وكذلك أحاديث الأمر بالصلاة والزكاة والتزام الصدق واجتناب الكذب ونحوها.

2. السُنّة مفصّلة ومبيّنة لمجمل القرآن الكريم.

قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) سورة النحل.

فالسُنّة النبويّة فصّلت ما أُجمِلَ من عبادات وأحكام، ومثاله ما بيَّنته السُنّة من تفصيلات الصلاة في قوله (صلى الله عليه وسلم): (صلّوا كما رأيتموني أصلّي).

فلو بحثنا مثلاً في القرآن الكريم عن عدد الركعات المطلوبة للصلوات، أو النصاب المطلوب للزكاة، لما وجدنا لذلك إجابة، بل سنجد أوامر عامّة بإقام الصلاة وايتاء الزكاة، ولكن تفصيلات ذلك نجدها في السنّة النبويّة الّتي أوضحت بالنسبة للصلاة مثلاً عدد ركعاتها وأوقاتها وشروطها ومبطلاتها، وبالنسبة للزكاة أوضحت مقدارها ونصابها ووقتها والأموال الّتي تجب فيها.

3. اَلسُنّة مستقلّة في تشريع الأحكام، فقد شرّعت أحكام جديدة سكت عنها القرآن الكريم: كتحريم أكل الحمر الأهليّة، وتحريم كلّ ذي ناب مِنَ السباع، وتحريم لبس الذهب للرجال.


*136*

اَلتقويم

أَجِبْ عَمَّا يَلي:

1. بيّنْ منزلة السُنّة النبويّة من القرآن مِنْ خلال ما يلي:

أ. بيّن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كيفيّة الحجّ، كما قال جابر (رضي الله عنه): رأيت النبيّ (صلى الله عليه وسلم) يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: (لتأخذوا عنّي مناسككم، فإنّي لا أدري لعلّي لا أحجّ بعد حجّتي هذه). رواه مسلم.

ب. قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (لا يرث المسلمُ الكافرُ ولا يرث الكافرُ المسلمَ) رواه مسلم.

ج. عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (رَغِمَ أنفُهُ ثمّ رغِمَ أنفُهُ من أدرك أبويه عند الكبر: أحدهما أو كلاهما ثمّ لم يدخل الجنَّة) رواه مسلم.

وكان ذلك مقتضى قول الله تعالى: (وبالوالدين إحسانا) الإسراء: 23.

2. بم تردّ على مَنْ يزعم أنّه لا حاجة للمسلمين للسنّة النبويّة، وأنه يكتفي فقط بالقرآن الكريم؟


*137*

الحديث القدسيّ


*137*

تعريفه:

لغةً: من القداسة، وهي الطهارة والنزاهة.

واصطلاحاً: هو الحديث الذي يضيف فيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قولاً إلى الله عز وجلّ، ويكون معناه من عند الله تعالى، ولفظه من عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

وتأتي الأحاديث القدسيّة بصيغ عديدة، منها:

1. كأن يقول الراوي مثلاً: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيما يرويه عن ربّه.

ومن ذلك حديث أبي هريرة (رضي الله عنه)، عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيما يرويه عن ربّه عزّ وجلّ قال: "أنفق أنفقْ عليك، يد الله ملأى لا يغيضُها نفقة سحّاء الليل والنّهار." جزء من حديث رواه البخاريّ.

ومن ذلك أيضًا ما رواه أبو ذر الغفاريّ عن النبي (صلى الله عليه وسلم) فيما يرويه عن ربّه عزّ وجلّ أنه قال:

"يا عبادي إنّي حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّمًا فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضالّ إلا مَنْ هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلّا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلّا من كسوته فاستكسوني أكسُكم، يا عبادي إنّكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم...) جزء من حديث رواه مسلم.

2. أن يقول الراوي: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): قال الله تعالى، أو يقول الله تعالى.

ومن ذلك حديث أبي هريرة (رضي الله عنه)، قال: قال النبيّ (صلى الله عليه وسلم): يقول الله تعالى: "أنا عند ظنّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأِ خير منهم". جزء من حديث رواه البخاريّ.

ومن أمثلته أيضًا: ما روي عن أبي هريرة، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: قال الله تعالى:

"أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر". رواه البخاريّ.


*138*

الفرق بين القرآن الكريم والحديث القدسيّ:

هناك عدّة فروق بين القرآن الكريم والحديث القدسيّ، ومن أهم هذه الفروق:

1. القرآن الكريم معناه ولفظه من الله تعالى، فتحرم روايته بالمعنى، والحديث القدسيّ معناه مِنَ الله تعالى ولفظه من الرسول (صلى الله عليه وسلم) وتجوز روايته بالمعنى.

2. القرآن الكريم متعبّد بتلاوته: قد ثبت بالتواتر، فكلّه مقطوع بصحّته، أما الحديث القدسيّ فليس متعبّداً بتلاوته، وليس مقطوعًا بصحّته، فمنه الصحيح والحسن والضعيف والموضوع.

3. القرآن الكريم معجز، تحدى الله الإنس والجنّ على أنْ يأتوا بمثله، وأما الحديث القدسيّ لا يقع به التحدّي والإعجاز.

4. القرآن الكريم يحرم على الجنب قراءته ومسّه، ولا يحرم ذلك في الحديث القدسيّ.

اَلفرق بين الحديث القدسيّ والحديث النبويّ:

1. الحديث القدسيّ ينسبه الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى الله تعالى، والحديث النبويّ منسوب إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم).

2. الأحاديث القدسيّة لم تتناول الأحكام، ولكنّها اقتصرت على مواضيع الخوف والرجاء وتقديس الله تعالى وتمجيده. أمّا الأحاديث النبويّة فتناولت الأحكام وكذلك ما جاء في الأحاديث القدسية من مواضيع.

3. اَلأحاديث القدسيّة قوليّة كلّها، أمّا الأحاديث النبويّة فقوليّة وفعليّة وتقريريّة.

أبحث:

اِرجع إلى مصادر المعلومات المختلفة واكتب حديثًا قدسيًّا لم يرِد في الدرس!


*139*

التقويم

أَجِبْ عما يلي:

1. عرّف كلًّا مِنْ: القرآن الكريم، الحديث النبويّ، الحديث القدسيّ.

2. تدور الأحاديث القدسيّة في الأغلب حول هدف واحد. حدّد ذلك الهدف!

3. ما الصيغ الّتي يرد بها الحديث القدسيّ؟

4. فرّق بين القرآن والحديث القدسيّ بما يتعلّق بالطهارة والإعجاز والتعبّد بالتلاوة!

5. لماذا سمّي الحديث القدسيّ بهذا الاسم؟ وهل يعني وصفه ب: (القدسيّ) ضرورة ثبوته؟ وضّح ما تقول!


*140*

علوم الحديث


*140*

لقد حرص الصحابة رضوان الله عليهم، بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) على نقل كلّ شيء عنه مِنْ غير زيادة أو نقصان، حبًّا وتقديرًا للنبي (صلى الله عليه وسلم)، ورغبةً في التزام سنّته، وسعيًا لنشر العلم وتبليغه، واعتقادًا أنّ القرآن الكريم وسنّة النبي (صلى الله عليه وسلم) الأساسان اللذان يقوم عليهما الدين الإسلاميّ، وفعل مثل هذا التابعون رحهم الله، وقد كانوا يشدّدون في مسألة الرواية عن النبيّ (صلى الله عليه وسلم)، ويتحرّون الدقة في الألفاظ.

ولكن مع حدوث الاختلافات السياسيّة والمذهبيّة بدأ الوضعُ والكذب يستشري على حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فأصبح بعضهم يختلق كلامًا وينسبه إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) دفاعًا عن رأيه، وبعضهم الآخر قد يحدّث بأحاديث ويخطىء في اللفظ والمعنى من غير أن يقصد الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وكذلك عمد أعداء الاسلام إلى وضع أحاديث مكذوبة لم تَرِدْ عن النبيّ (صلى الله عليه وسلم) في محاولة منهم للنيل من أحاديثه (صلى الله عليه وسلم) أو تحريفها. فكان مِنَ الضروري دراسة الروايات لتمييزها وتحديد المقبول منها والمتروك والقوي منها والضعيف، فنذر العلماء الأجلّاء أنفسهم لهذا الواجب، فتتبّعوا الأحاديث حديثًا حديثًا، وبحثوا في رجالها، معتمدين على قواعد علميّة دقيقة لمعرفة حال الراوي والمرويّ من حيث القبول والرفض.

الراوي: هو الّذي ينقل الحديث بإسناده سواء أكان رجلًا أو امرأة.

المرويّ: هو ما نسب إلى النبيّ (صلى الله عليه وسلم) أو إلى غيره مِنَ الصحابة والتابعين، أو غير ذلك مِنَ الأخبار والأحاديث.

وظهر بهذا علمان مهمّان في دراسة الحديث النبويّ، وهما:


*141*

أوّلاً - علم الحديث رواية (علم الجرح والتعديل)

ويقصد به معرفة أحوال الرجال.

اَلجرح: الحكم على راوي الحديث بردّ حديثه لوجود صفة تضعفه كسوء الحفظ أو الفسق.

اَلتعديل: الحكم على راوي الحديث بقبول حديثه لاستيفائه شروط القبول وهي: العدالة، الإسلام البلوغ والضبط (إتقان الحفظ).

ثانياً - علم الحديث دراية (علم مصطلح الحديث)

تعريفه: علم بقواعد، يعرف بها أحوال السَنَد والمتن، من حيث القبول والردّ.

تعريف السند: هو سلسلة الرواة الذين نقلوا الحديث النبويّ عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

تعريف المتن: هو ما نقل عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) من قول أو فعل أو تقرير أو صفة (فهو ألفاظ الحديث أو نصه).

مثال: قال الإمام البخاريّ: حدّثنا أبو عاصم الضحّاك بم مخلد أخبرنا الأوزاعيّ حدّثنا حسان بن عطيّة عن أبي كبشة عن عبد الله بن عمرو أنّ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) قال: (بلّغوا عني ولو آية، ومَنْ كذب عليَّ متعمّدًا فليتبوّأ مقعده من النار). صحيح البخاري.

فالسند هو: (حدّثنا أبو عاصم الضحّاك بن مخلد أخبرنا الأوزاعي حدّثنا حسان بن عطيّة عن أبي كبشة عن عبد الله بن عمرو).

والمتن: (بلّغوا عنّي ولو آية، ومن كذب عليّ متعمداً فليتبوّأْ مقعده مِنَ النار).


*142*

فوائد علم مصطلح الحديث:

تمييز الأحاديث المقبولة فيعمل بها، والمردود فلا يعمل بها.

وقد نبّه الأئمّة على أهميّة السند، فهذا عبد الله بن المبارك يقول: الإسناد مِنَ الدين، ولولا الاسناد لقال مَنْ شاء ما شاء.

غاية علم مصطلح الحديث:

قد أقيم بنيان علم مصطلح الحديث لغاية عظيمة جليلة، هي حفظ الحديث النبويّ من الخلط فيه أو الدسّ والافتراء عليه، وهذه الوظيفة بالغة الأهمّية، وهذا العلم يشتمل على فوائد لها أهمّيّتها الكبيرة، منها:

1. حفظ الدين الإسلاميّ مِنَ التحريف والتبديل، فيتميّز به الحديث الصحيح مِنَ الضعيف والموضوع، حتّى لا يختلط كلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بكلام غيره.

2. اِستنباط الأحكام الشرعيّة ممّا صحّ مِنَ السُنّة.

3. حسن الاقتداء بالرسول (صلى الله عليه وسلم).

4. صيانة الأذهان مِنَ الخرافات التي تفسد العقائد والعبادات، وتمزّق الأمّة وتجعلها فِرَقاً وأحزابًا، لا تميّز بين الحقّ والباطل.


*143*

آلتقويم

أَجِبْ عَمَّا يَلي:

1. عرّف المصطلحات التالية:

علم مصطلح الحديث، الراوي، المروي، السند، المتن، الجرح، التعديل.

2. ما أهمّيّة التحقيق مِنَ السند؟

3. قال الإمام البخاريّ: حدَّثنا علي بن عبد الله قال: حدَّثنا سفيان قال: حدَّثنا الزهريّ عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت (رضي الله عنه): أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب). حدّد سند الحديث ومتنه!

4. كيف ساعد علم مصطلح الحديث على المحافظة على الدين الإسلاميّ؟


*144*

أقسام الحديث الشريف


*144*

ينقسم الحديث بعدة اعتبارات، ومنها:

أوّلاً: أقسامه مِنْ حيث عدد رواته.

ثانيًا: أقسامه مِنْ حيث صحّته (حال الرواة).

وفيما يلي بيان لهذه الأقسام:

أوّلاً - أقسام الحديث من حيث عدد رواته:

ينقسم الحديث مِنْ هذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام:

1. الحديث المتواترِ:

وهو الحديث الّذي يرويه جمع كثير يستحيل اتّفاقهم على الكذب، عن جمع مثلهم عن جمع مثلهم، وهكذا إلى أن يصل إلى الصحابة فالنبيّ (صلى الله عليه وسلم).

فالحديث المتواتر لا بدّ أن يتوافر فيه شرطان معًا، وهما:

العدد الكبير مِنَ الرواة الّذين يؤْمَنُ اتّفاقهم على الكذب، وأن يتوفّر هذا العدد في كلّ مرحلة مِنْ مراحل نقل الحديث حتّى يصل إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

حُكمه: الحديث المتواتر يفيد العلم اليقينيّ، وقد أجمع العلماء على حجيّته ووجوب العمل به.


*145*

مثاله: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ كذب عليّ متعمّدًا، فليتبوّأ مقعده مِن النار). صحيح مسلم.

فقد روى هذا الحديث أكثر مِنْ سبعين صحابيًّا، ورواه عنهم عدد كبير من التابعين، ورواه عنهم الكثير، وهكذا تناقله الرواة.

2. الحديث المشهور:

هو الحديث الّذي رواه ثلاثة فأكثر، ولم يبلغ حدّ التواتر، واشتهر بين الناس.

والأحاديث المشهورة كثيرة، منها: حديث: (بُنِيَ الإسلام على خمس...) أخرجه مسلم.

والعمل بالحديث المشهور واجب.

3. حديث الآحاد:

هو كلّ حديث رواه واحد أو اثنان عن واحد أو اثنين وهكذا إلى الصحابة إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فهو إذن الّحديث الذي لم يجمع شروط الحديث المتواتر.

ومعظم الأحاديث النبويّة من أحاديث الآحاد، وأحاديث الآحاد منها ما يكون صحيحًا ومنها ما يكون حسنًا ومنها ما يكون ضعيفًا، والعمل بأحاديث الآحاد واجب إذا استوفى شروط القبول.

ثانيًا: أقسام الحديث من حيث صحته:

ينقسم الحديث من حيث قبوله وردّه إلى عدّة أقسام، وهي: الصحيح، الحسن، الضعيف، الموضوع، وفيما يلي بيان لهذه الأقسام:


*146*

1. الحديث الصحيح:

هو ما رواه عدل، تامّ الضبط عن مثله من أوّل السند إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دون أن يخالف مَن هو أوثق منه ودون وجود عيب خفيّ يطعن في صحّة الرواية، كأن يُدخل الراوي كلامًا من حديث آخر في الحديث الّذي يرويه.

استنتج:

شروط الحديث الصحيح التي وضعها العلماء.

ابحث:

اِرجع إلى صحيح البخاري أو صحيح مسلم واستخرج حديثًا في فضائل العلم، وحدّد سنده!

حكم الحديث الصحيح: يجب العمل بما جاء فيه.

والأحاديث الصحيحة كثيرة جدًّا، وقد ألّفت كتب خاصّة بالأحاديث الصحيحة مِنْ أشهرها: صحيح البخاريّ، وصحيح مسلم، وكثير من الأحاديث الصحيحة حوتها كُتب السنن الأخرى.

ومِنْ أمثلة الحديث الصحيح: ما أخرجه البخاريّ في صحيحه:

حدّثنا سليمان بن حرب، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس (رضي الله عنه) عن النبيّ (صلى الله عليه وسلم) قال: (ثلاث مَنْ كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: مَنْ كان الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما، ومَنْ أحبّ عبدًا لا يحبّه إلا الله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله، كما يكره أن يُلقى في النّار).

فهذا الحديث صحيح لتوفّر شروط الصحّة فيه، فالإسناد متّصل، والرواة كلّهم عدول، تامّوا الضبط، وسلم مِنَ الشذوذ والعلّة.


*147*

2. الحديث الحَسَن:

هو ما رواه عدل خفّ ضبطه بسند متّصل، عن مثله مِن أوّل السند إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دون أن يخالف من هو أوثق منه، ودون وجود عيب خفيّ يطعن في صحّة الرواية.

ويختلف الحديث الحسن عن الحديث الصحيح في أمر واحد، وهو الضبط، ففي الحديث الصحيح لا بدَّ أن يكون كل راوٍ من رواته متّصفًا بالضبط التام، أمّا في الحَسَن فلا يشترط تمام الضبط.

حكمهُ: يجب قبوله والعمل بما جاء فيه كالحديث الصحيح، وإن كان دون الحديث الصحيح بالقوّة.

مثال الحديث الحسن: ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده، قال:

حدَّثنا يحيى بن سعيد، عن بهز بن حكيم، قال: حدَّثني أبي، عن جدّي، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (ويل للذي يحدِّث فيَكذب ليضحك القوم، ويلٌ له).

فهذا الحديث سنده متّصل، وقد سلِمَ من الشذوذ والعلّة، وكل رواته عدول تامّوا الضبط، ما عدا بهز ابن حكيم، فإنّه قد خفّ ضبطه، ولذا فإنّ حديثه مِنْ قِسْم الحَسن.

3. الحديث الضعيف:

هو الحديث الّذي فقدَ شرطًا من شروط الحديث الصحيح والحديث الحَسن. وللحديث الضعيف أقسام كثيرة، ويشتدّ ضعفه كلّما فقد شرطًا من شروط صحّة الحديث.

حكمهُ: أنه مردود لا يُقبل ولا يعمل به، لأنّه فقد شرطاً أو أكثر مِنْ شروط الحديث الصحيح، ولا تجوز روايته للناس إلّا مه بيان أنّه ضعيف ليكونوا على حذر منه.


*148*

وقد رأى بعض العلماء جواز الأخذ بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، إذا كان ضعفه يسيرًا، وكان معناه واردًا في نصٍّ من القرآن الكريم أو الحديث النبويّ الصحيح. وكان في فضائل الأعمال لا في الواجبات والمحرمات.

مثال الحديث الضعيف:

الحديث: (من قام ليلتي العيدين محتسباً لله، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب). سنن بن ماجه.

4. الحديث الموضوع:

وهو الحديث المكذوب في نسبته إلى النبيّ (صلى الله عليه وسلم)، فيحرم أن يُنسب إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) قولاً لم يقله مهما كان السبب، وقد حذّر الرسول (صلى الله عليه وسلم) من ذلك بقوله: (مَنْ كذب عليّ عامداً متعمداً فليتبوّأ مقعده مِنَ النّار). رواه البخاري.

ولذلك لا تجوز رواية الحديث الموضوع إلّا لبيان أنّه موضوع مكذوب على النبيّ (صلى الله عليه وسلم).

آلتقويم

أَجِبْ عَمَّا يَلي:

1. فرِّق بين الحديث المتواتر والمشهور والآحاد مِنْ حيث عدد الرواة.

2. ما وجوه الاتّفاق والاختلاف بين الحديث الصحيح والحَسن؟

3. هل يجوز الأخذ بالحديث الضعيف؟ وضِّح؟

4. عرّفِ الحديث الموضوع، وبيّن جزاء واضعه!


*149*

الأحاديث المختارة للشرح والحفظ


*149*

الحديث الأول

عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:

(إنّما الأعمال بالنيات، وإنّما لكل امرئ ما نوى، فَمنْ كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومَنْ كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوّجها فهجرته إلى ما هاجر إليه). رواه البخاريّ ومسلم.

من معاني المفردات والتراكيب

هجرته: مِنَ الهَجر، وهو الترك، ثم غلب الاستعمال على الخروج مِنْ أرض إلى أرض.

دنيا: المراد: ما يريده مِنْ أمور الدنيا من المال والجاه والمنصب وغيرها.

يصيبها: يُخلصّها.


*150*

مناقشة

- ما المقصود بالنيّة؟

- لهذا الحديث شأن عظيم، فأين دلالة ذلك؟

- مَثِّل لعمل لا يُراد به وجه الله تعالى!

- وضّح المثل المضروب في هذا الحديث!

- كيف يمكن أن يكون النوم في النهار ثوابًا للمؤمن؟

راوي الحديث:

هو الخليفة الراشد، أمير المؤمنين، أبو حفص، عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى، القرشي، كان قبل إسلامه شديدًا على المسلمين، أسلم في السنة السادسة من البعثة، فكان إسلامه فتحًا على المسلمين، وفرجًا لهم مِن الضيق، قال عبد الله بن مسعود (رضي اله عنه): "وما عَبدنا الله جهرة حتّى أسلم عمر".

كان عمر (رضي الله عنه) طويلاً، جسيماً، شديد الحمرة. سمّاه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الفاروق، لأنّ الله فرّق بإسلامه بين الحقّ والباطل، وشهد الوقائع كلّها مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وبويع بالخلافة سنة ثلاث عشرة للهجرة بعد وفاة أبي بكر الصّديق (رضي الله عنه)، بعهد مِنْ أبي بكر (رضي الله عنه)، وفي عهده تمّ فتح الشام، ومصر والقدس والعراق، وهو أوّل من أرّخ التاريخ الهجريّ، وأوّل مَنْ دوّن الدواوين، وأوّل من اتَّخذ بيت المال للمسلمين، وكان يتفقّد حاجات المسلمين بنفسه، وكان قويًّا في الحقّ. دامت خلافته عشر سنوات، توفّي شهيداً، عام 23 ه وعمره 63 سنة.


*151*

أتعرف:

أولاً- مفهوم النية:

النيّة في اللّغة: الإرادة والقصد.

وفي الاصطلاح يراد بها معنيان:

المعنى الأوّل: تمييز المقصود بالعمل، أهو لله وحده لا شريك له، أم لله ولغيره؟ كالصلاة مثلاً، هل صلّاها العبد لله وحده ممتثلاً أمره، محبًّا له، راجيًّا رحمته، خائفًا مِنْ عقابه، أم صلّاها رياء؟

المعنى الثاني: تمييز العبادات بعضها عن بعض، كتمييز صلاة الظهر عن صلاة العصر، وتمييز العبادات عن العادات، كتمييز غسل الجنابة عن الغسل المستحبّ من أجل النظافة.

وقوله: (إنّما الأعمال بالنيّات)، هذا التركيب يفيد الحصر، أي: لا عمل إلا بنية.

ثانياً- أهميّة الحديث:

هذا حديث عظيم الشأن، فهو أصل مِنْ أصول الدين، ولذلك كثر كلام السلف الصالح في عظم شأنه، وبيان أهمّيّته، وقد بدأ البخاريّ به كتابه الصحيح، وفي ذلك إشارة منه إلى أنّ كلّ عمل لا يُراد به وجه الله فهو باطل لا ثمرة له في الدنيا ولا في الآخرة.

قال الشافعيّ رحمه الله: (هذا الحديث ثلث العلم، ويدخل في سبعين باباً من الفقه).

وقال الإمام أحمد رحمه الله: (أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث: وذكر منها حديث عمر (رضي الله عنه): "إنّما الأعمال بالنيات").

وكان السلف الصالح يحسبون للنيّة حساباً كبيراً، فعن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: "لا عمل لَمنْ لا نيّة له، ولا أجر لَمنْ لا حسبة له".

وعن داوود الطائيّ قال: (رأيت الخير كلّه إنّما يجمعه حسن النيّة).

وعن ابن المبارك قال: (رُبَّ عمل صغير تعظّمه النيّة، ورُبَّ عمل كبير تصغّره النيّة).


*152*

شرح الحديث:

1. النيّة شرط لصحّة الأعمال وقبولها، ولذلك أمر الله تعالى بإخلاص النية له سبحانه في جميع العبادات، قال تعالى: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) سورة الزمر.

وقال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) سورة البينة.

فلا تصحّ الأعمال إلّا بالنيّة، فَمنْ صلّى لغير الله فلن تقبل صلاته، كَمنْ صلّى رياءً حتّى يراه الناس، ومَنْ زكّى وتصدّق نفاقاً ورياءً ليكسب سُمعة لم يُقبل منه، أو قرأ القرآن ليُقال ما أحسن قراءته، وهكذا.

2. ممّا يفيده الحديث أنّه ليس للإنسان إلّا ما ينويه حتى العادات التي يقوم بها في حياته من الأكل والشرب والنوم ونحو ذلك، تتحوّل بالنيّة إلى طاعة يُثاب عليها عاملها، فإذا أكل ونيّته إشباع نفسه والتقوّي به على طاعة الله تعالى كان مأجوراً على أكله. وإذا نام في النهار ونيّته ليتقوى بالسهر على طاعة الله وقيام الليل كان مأجورًا على نومه، وهكذا.

وعن سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال له: (إنّك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله، إلّا أجرت بها، حتّى ما تجعله في فم امرأتك).

3. قوله (صلى الله عليه وسلم): "إنّما الأعمال بالنيات وإنّما لكل امرئ ما نوى"، فيه دليل على وجوب الاعتقاد بالقلب، وأنّ الإيمان لا يكفي فيه مجرّد النطق باللّسان.

أتذكّر:

الإيمان هو: إقرار باللِّسان، واعتقاد بالجنان وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان.


*153*

4. الهجرة مِنْ ديار الكفر إلى ديار الإسلام عمل جليل صالح، رغّب فيه الشّرع وأكّد عليه، لما يتضمّنه مِنْ حفظ دين العبد، وعدم فتنته في دينه، فإذا قصد المهاجر وجه الله تعالى، أثيب على عمله الصالح، وإذا أمرًا دنيويًّا، كمال أو زواج، فلا يثاب على هجرته، وله ما نوى مِنْ أمور دنياه.

5. مِنْ معاني الهجرة: هجر الذنوب والمعاصي، كبيرها وصغيرها، وتركها بالكلّيّة، وهذا مما يُطالب به كلّ مسلم، وتركه لها يثاب عليه بحكم نيّته الصالحة، لأنّ المؤمن إذا ترك شيئاً لله جازاه عليه، وعظّم له الأجر والثّواب.

استنتج:

قال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)) سورة هود.

وضِّح مفهوم الآية الكريمة من خلال فهمك لحديث: "إنّما الأعمال بالنيّات". مستشهدًا بالأمثلة!

ما يرشد إليه الحديث الشريف:

1. شأن النيّة عظيم وكبير، فلا يقبل العمل بدون نيّة خالصة.

2. يُؤجَر المؤمن على العادات الدنيويّة إذا كانت النيّة منها التقرّب إلى الله بالطاعات.

3. مَنْ يعمل عملاً من أجل السمعة والرياء، ولا يبتغي به وجه الله تعالى، فقد توعدّه الله بالعذاب.

4. على المؤمن ترك المعاصي كبيرها وصغيرها.

5. مَنْ همّ بفعل الحرام وتركه مخافة الله، يُؤجَر على ذلك.


*154*

التقويم

أجب عما يلي:

1. ما المراد بالنيّة؟ تحدّث عن أهميّتها مستشهدًا بأقوال بعض العلماء في ذلك!

2. ضرْب الأمثال أسلوب في التعليم، وضّح كيف استخدمه الرسول (صلى الله عليه وسلم) في هذا الحديث!

3. هل يثاب الإنسان على تعلّمه؟ وضّح ما تقول!

4. المؤمن مُطالَب بترك المعاصي، كيف استفدت ذلك من هذا الحديث؟

5. اِرجع إلى سورة (الماعون)، ووضِّح الآيات الّتي لها علاقة بموضوع الحديث!


*155*

الحديث الثاني

عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:

(بُني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلّا الله وأن محمَّداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحجّ البيت وصوم رمضان). متفق عليه

مناقشة

- وضّح التشبيه الوارد في الحديث؟ وكيف يظهر مِنْ خلاله بيان عظم أركان الإسلام؟

- ما الركن الأهمّ بعد الشهادتين؟ ولماذا؟

- ما المقصود بالزكاة؟ وعلى مَنْ تجب؟

- بماذا تشعر حين ترى مختلف الأجناس البشريَّة وقد اجتمعت في مكان واحد؟

أبحث:

اِرجع إلى مصادر المعلومات المختلفة واكتب عن راوي الحديث عبد الله بن عمر (رضي الله عنه)!


*156*

شرح الحديث

هذا الحديث يبين فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) حقيقة الإسلام ودعائمه وأركانه العظيمة، فقوله (صلى الله عليه وسلم): "بُني الإسلام على خمس". فيه بيان عظم شأن هذه الخمس، وإنّ الإسلام مبنيّ عليها، وهو تشبيه معنويّ بالبناء الحسيّ، فكما أنّ البنيان الحسيّ لا يقوم إلّا على أعمدة، فكذلك الإسلام إنّما يقوم على هذه الخمس، وهذه الخمس هي دعائمه الّتي يقوم عليها، فلا يثبت البنيان بدونها، وبقيّة خصال الإسلام تتمة للبيان، فإذا فُقد منها شيء نقص البيان. وهذه الأركان الخمسة هي:

أوَّلاً - الشهادتان:

وهما: (شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله) وهما الأساس لبقيّة الأركان، فلا تنفع بقيَّة الأركان وغيرها مِنَ الأعمال إذا لم تكن مبنيّة على هاتين الشهادتين. وهما متلازمتان، فلا بدّ من شهادة أن محمداً رسول الله مه شهادة أن لا إله إلا الله. والشهادة هي الإخبار عن علم واعتقاد. ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله: أن يقرّ العبد عن اعتقاد جازم أن لا إله معبود بحقّ إلا الله سبحانه. ومعنى شهادة أنَّ محمداً رسول الله: الإقرار بأنَّ محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله لتبليغ دينه وهداية الخلق كافّة، ويقتضي ذلك تصديقه بما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه.

ولا تصحّ الشهادتان بمجرّد النيّة، بل يُشترَط لمن أراد الدخول في الإسلام التلفّظ بهما، فإذا تلفّظ بهما صار مسلمًا يجب عليه القيام ببقيّة أركان الإسلام.

قال (صلى الله عليه وسلم): (أمرتُ أن أقاتل الناس حتّى يشهدوا أنْ لا إلّه إلا الله وأنّ محمداً رسول الله). متفق عليه.

ثانيًا: إقامة الصلاة:

وهي أهمّ أركان الإسلام الخمسة بعد الشهادتان، وقد وصفها الرسول (صلى الله عليه وسلم) بأنّها عمود الإسلام، وهي أوّل ما يُحاسَب عليه العبد يوم القيامة.


*157*

والمقصود بإقام الصلاة: المحافظة عليها والقيام بها في أوقاتها، وأداؤها كاملة بشروطها وأركانها، ومراعاة آدابها وسننها، حتّى تؤتي ثمرتها في نفس المسلم فيترك الفحشاء والمنكر قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) سورة العنكبوت.

ثالثاً- إيتاء الزكاة:

وهي عبادة ماليّة فرضت في السنة الثانية للهجرة أوجبها الله تعالى في أموال الأغنياء على وجه ينفع الفقير ولا يضرّ الغنيّ، لأنّها شيء يسير مِنْ مال كثير، وهي طهرة لنفوسهم مِنَ البخل، ولصحائفهم مِنَ الخطايا، قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) سورة التوبة.

كما أنَّ فيها إحساناً إلى الخلق، وتأليفاً بين قلوبهم، وسدًّا لحاجاتهم، وإعفافًا للناس عن ذلّ السؤال.

وقد قرنها الله تعالى بالصلاة في كتابة العزيز في اثنين وثمانين موضعًا ممّا يدلّ على عظم شأنها.

قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) سورة البيّنة.

وقد جعلها الله تعالى في مال خاصّ وهي: الأنعام والنقدان والزروع والثمار وعروض التجارة، إذا بلغت النصاب، ومصارف الزكاة ثمانية كما بينها الله تعالى بقوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) سورة التوبة.

أفكر وأناقش:

قال أحد الباحثين بعد إجرائه دراسة حول تأثير الإنفاق على النفس:

(إنّ اقتناء مبالغ طائلة لا يجعل الإنسان أكثر سعادة، في حين أنّ إنفاق المال على الآخرين يبعث النفس على الشعور بالسعادة). علام يدلّ القول السابق؟


*158*

رابعاً - حج البيت:

وهو قصد المسجد الحرام في أشهر الحجّ وهي شوال وذو القعدة والعشر الأوائل من ذي الحجّة، والقيام بما بيَّنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مِنْ مناسك، وهو عبادة ماليّة وبدنيّة تتحقّق فيه منافع كثيرة للفرد والمجتمع، وهو فوق ذلك كلّه مؤتمر إسلاميّ كبير، ومناسبة عظيمة لالتقاء المسلمين مِن كلّ بلد.

وقد فرض الحجّ في السنة التاسعة للهجرة، وأوجبه الله على المسلم مرة واحدة في العمر للمستطيع بدنياً ومالياً، قال تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) سورة آل عمران.

فضلاً على أنّه فرصة عظيمة لتكفير الذنوب، فقد قال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ حجَّ هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أُمُّه). متفق عليه.

خامساً - صوم رمضان:

وهو الإمساك عن المفطّرات مِنْ طلوع الفجر إلى غروب الشمس مَعَ النيّة. وقد فُرض في السنة الثانية للهجرة، وهو عبادة بدنيّة، يصقل فيها المسلم إيمانه، ويجدّد فيها عهده مع الله تعالى، فهو زاد إيمانيّ قويّ يشحذ همّة المسلم ليواصل السير في درب الطاعة بعد رمضان.

وعبادة الصوم سرّ بين العبد وبين ربّه، لا يطّلع عليها إلّا الله سبحانه وتعالى، لأنّ مِنَ الناس مَنْ يكون في شهر رمضان مُفطِراً وغيره يظنّ أنّه صائم، وقد يكون الإنسان صائماً في تطوّع وغيره يظنّ أنّه مُفطِر، وٍلهذا ورد في الحديث أنّ الإنسان يجازى على عمله، الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلّا الصوم كما جاء في الحديث القدسيّ: "إلّا الصوم فإنّه لي، وأنا أجزي به" رواه البخاريّ ومسلم. إنّ أجر صائمه غير محسوب بعدد، فالأعمال كلّها لله وإنما خُصَّ الصوم في هذا الحديث بأنه لله لما فيه مِنْ خفاء هذه العبادة، وإنّه لا يطّلع عليها إلّا الله.

والصوم عبادة فيها تطهير للنفس والسموّ للروح وصحّة للجسم، ومَنْ قام بها امتثالاً لأمر الله وابتغاء مرضاته كان تكفيراً لسيّئاته وسبباً لدخوله الجنة، إذ قال (صلى الله عليه وسلم): (مَن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدَّم من ذنبه).


*159*

ما يرشد إليه الحديث الشريف:

1. بيان أهمّية الأركان الخمسة، لكون الإسلام بُنِيَ عليها.

2. تقديم الصلاة على غيرها مِنَ الأعمال، لأنّها صلة وثيقة بين العبد وبين ربّه.

3. العبادات في الإسلام متنوعة، فمنها القوليّة ومنها العمليّة ومنها الماليّة.

التقويم

أجِبْ عَمَّا يلي:

1. ما خصال الإسلام المتمّمة للأركان حتّى يكتمل البناء وهو الإسلام؟

2. وضِّح معنى الشهادتين!

3. أوّل ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، علام يدلّ ذلك وإلى ما يرشدك؟

4. ما فوائد الزكاة وآثارها على المجتمع؟

5. ماذا يحدث عندما يجتمع المسلمون على اختلاف لغاتهم وأجناسهم وثقافاتهم في مكان واحد؟

6. وضِّحْ قوله (صلى الله عليه وسلم) فيما يرويه عن ربّه: (إلّا الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به)، ولماذا خُصّ الصوم بذلك عن بقيّة الأركان؟


*160*

الحديث الثالث

عن تميم بن أوس الداريّ (رضي الله عنه)، أنَّ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) قال:

(الدين النصيحة، قلنا لِمَنْ؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامَّتهم). أخرجه مسلم.

من معاني المفردات والتراكيب

النصيحة: إرادة الخير للمنصوح.

أئمة المسلمين: حكّامهم.

عامّتهم: جميع المسلمين.

مناقشة

- علام يدلّ قوله (صلى الله عليه وسلم) الدين النصيحة؟

- لِمَنْ تكون النصيحة؟


*161*

- كيف تكون النصيحة لله ولكتابه ولرسوله؟

- ما الهدف مِنَ النصيحة بين الناس؟

- ما أثر النصيحة على المنصوح؟

- ما أثر النصيحة على المجتمع؟

اَلتعريف بالراوي:

هو الصحابيّ الجليل تميم بن أوس الداريّ، أسلم في السنة العاشرة للهجرة، وبقي في المدينة المنورة، حفظ القرآن الكريم وعُرف بكثرة العبادة، أقطعه النبيّ (صلى الله عليه وسلم) قرية (حبرون) الخليل مِنْ بلاد الشام قبل أنْ يفتحها المسلمون، وأعطاه في ذلك كتاباً موثقاً، ولما فتحها المسلمون في خلافة عمر بن الخطاب تسلّم تميم ما وعده به رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وبعد مقتل عثمان بن عفان (رضي الله عنه) انتقل تميم بن أوس إلى بلاد الشام ونزل ببيت المقدس. توفيَّ سنة أربعين للهجرة.

شرح الحديث:

يعدّ هذا الحديث مِنَ الأحاديث المهمّة الجامعة، لأنّه يبيّن أساساً مهمًّا لإقامة الدين في المجتمع، إذ يؤكد فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) على النصيحة وضرورتها بالمجتمع لإرشاد الآخرين إلى الخير، فالنصح من أعظم الخير وأجمل المعروف، وهو واجب مِنْ واجبات أفراد الأمّة كلّ بحسب طاقاته وقدراته، حتّى يؤدّي كلّ فرد دوره، وفق ما أمر به الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وسلم). فكيف تكون النصيحة ولمَنْ تكون؟


*162*

1. اَلنصيحة لله تعالى:

وتكون النصيحة لله تعالى بإخلاص الإيمان به وتوحيده، وإخلاص العبادة له، وفعل ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، ووصفه بصفات الكمال، وتنزيهه عن كلّ عيب أو نقص، وحبّ التقرب إليه بالطاعات ومحبّته وذكره وشكره على النعمة.

2. النصيحة لكتابه:

تكون النصيحة لكتاب الله تعالى القرآن الكريم، بالإيمان بأنّه كلام الله أوحى الله به إلى رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وبتلاوته والحرص على حفظه أو حفظ سور منه، وتعلّم أحكامه والعمل بها، وتعليمها للناس، والاتصاف بما جاء به مِنْ مكارم الأخلاق.

3. النصيحة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم):

تكون النصيحة للرسول (صلى الله عليه وسلم) بالإيمان بنبوّته، واتّباع سنّته ومحبّته والصلاة عليه، والاقتداء بسنّته والتحلّي بأخلاقه، ومحبّة أهل بيته وأصحابه، وتعلّم دينه ونشره وتعليمه للناس.

4. اَلنصيحة لأئمّة المسلمين:

تكون النصيحة لأئمّة المسلمين، وهم حكّامهم وعلماؤهم، بطاعتهم بالمعروف وإرشادهم للحكم بما أنزل الله، والدعاء لهم بالتوفيق، وتذكيرهم بحفظ حقوق الرعيّة، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وتقديم المشورة لهم لصلاح رأيهم ونجاح حكمهم.

5. النصيحة لعامّة المسلمين:

وتكون النصيحة لهم بإرشادهم لما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم، وحُسن معاملتهم وكفّ الأذى عنهم.


*163*

أثري معلوماتي:

أولاً - الآداب التي على الناصح أن يتحلّى بها عند نصحه:

1. أن يكون الناصح مخلصًا لله تعالى في نصحه، بحيث لا يكون قصده الرياء أو السمعة أو التشهير أو الاستهزاء.

2. أن يكون الناصح مطبّقاً لنصيحته، حتّى لا ينطبق عليه قوله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) سورة البقرة.

3. أن يتخيّر الناصح المكان والزمان والمناسبة الّتي يسدي فيها نصحه.

4. أن يتحلّى بالحلم بعد النصح، لأنّه قد يواجه مَنْ يردّ نصيحته أو يتجرّأ عليه.

5. أن تكون النصيحة في السرّ بعيدًا عن الناس.

6. أنْ يكون الناصح عالماً بما ينصح.

7. اللين في الحديث واختيار الأسلوب المناسب بالكلمة الطيّبة وضرب الأمثلة.

ثانياً - الآداب التي يلتزم بها المنصوح:

1. تقبّل النصيحة بصدر رحب وذلك دون ضجر أو ضيق أو تكبر.

2. عدم الإصرار على الباطل، فالرجوع إلى الحقّ فضيلة.

3. شكر الناصح على نصيحته.


*164*

أقرأ وأستنتج:

مرَّ الحسن والحسين رضي الله عنهما على شيخ يتوضّأ ولا يحسن الوضوء، فاتّفقا على أنْ ينصحاه ويعلّماه الوضوء الصحيح، فوقفا جواره وقالا له: "يا عمّ، اُنظر أيّنا أحسن وضوءًا"، ثمَّ توضأ كلّ منهما فإذا بالرجل يرى أنّهما يحسنان الوضوء، فعلم أنه هو الّذي لا يحسنه فشكرهما على ما قدَّماه له من نصح.

اِستنتج آداب الناصح والمنصوح مِنْ هذه النصيحة!

ما يرشد إليه الحديث الشريف:

1. اّلنصيحة واجب مِنْ واجبات المسلم تجاه أخيه المسلم، وحق للمسلم على أخيه المسلم.

2. النصيحة مِنْ أهمّ الأعمال التي يكتمل بها إيمان المسلم وترفع منزلته عند الله.

3. النصيحة تؤدّي إلى الألفة والمودّة والتعاطف بين أفراد المجتمع.

4. النصيحة مِنَ الأعمال الّتي تؤدي إلى صلاح المجتمع وانتشار الفضيلة والخير ومنع الشرور والفساد.


*165*

اَلتقويم

أجِبْ عَمَّا يلي:

1. ما المقصود بالنصيحة؟ وكيف تكون لكتاب الله ولرسوله؟

2. حدّد العلاقة بين عبادة الله والنصيحة؟

3. اذكر خمسة مِنَ الآداب التي يجب أن تتحلّى بها عند تقديمك النصح للآخرين؟

4. ما الآداب التي يجب أن تتحلّى بها مع مَنْ يقدّم لك النصح؟

5. قارن بين النصيحة والفضيحة فيما يلي: النيَّة، الأسلوب، أثرها على العلاقات بين الأفراد!

6. ما الّذي يوجّهك إليه حديث: (الدين النصيحة)؟


*166*

الحديث الرابع

عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):

(إنّ الله تعالى قال: مَنْ عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به، وبصره الّذي يبصر به، ويده الّتي يبطش بها، ورِجْله الّتي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه). رواه البخاريّ

من معاني المفردات والتراكيب

عادى: آذى، أهان.

الولي: من الموالاة، وأصلها: القرب. والوليّ: هو القريب من الله بعمل الطاعات والكفّ عن المعاصي.

فقد آذنته بالحرب: فقد أعلمته أنّي محارب له إذْ كان محاربًا لي بمعاداته أوليائي.


*167*

مناقشة

- ما نوع هذا الحديث؟ وما الدلالة على ذلك؟

- ما أفضل الأعمال الّتي يتقرّب بها العبد إلى ربّه؟

- ما المقصود بالنوافل؟ استشهد بالأمثلة؟

قال تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) سورة يونس فمن هم أولياء اله، وما جزاؤهم من خلال الحديث الشريف؟

اَلتعريف بالراوي:

هو الصحابي الجليل عبد الرحمن بن صخر، يكنّى بأبي هُريرة، وكان اسمه في الجاهلية عبد شمس، قدم على النبيّ (صلى الله عليه وسلم) مهاجراً ليلة فتح خيبر، حيث أسلم في السنة السابعة للهجرة، لازم النبيّ (صلى الله عليه وسلم) وحفظ وروى عنه كثيرًا من الحديث، وقال عن نفسه: (ما أعلم أحداً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أحفظ لحديثه منّي). فلم يَرْوِ أحد عن النبيّ (صلى الله عليه وسلم) أكثر منه، لملازمته له.

وقال عنه الحافظ الذهبي "كان مِنْ أوعية العلم: ومِنْ كبار أئمّة الفتوى مع الجلالة والعبادة والتواضع". تولّى إمرة لمدينة، وتوفّي (رضي الله عنه) سنة ثمان وخمسين للهجرة.


*168*

شرح الحديث:

1. يصف الله سبحانه وتعالى أولياءه الّذين تحرم معاداتهم وتجب موالاتهم، فأولياء الله هم الّذين يتقرّبون إليه بما يقرّبهم منه، وأوّل ذلك أداء الفرائض، ومن ثمّ فعل المستحبّات، والبعد عن المعاصي صغيرها وكبيرها، كلّ ذلك يؤهّل العبد لأن يكون مِن أولياء الله الّذين يحبهم ويحبونه، ويحبّ مَنْ يحبّهم. فالحديث إذن يدلّ على أن أولياء الله تعالى على قسمين:

الأوّل: الذين تقرّبوا إليه بأداء الفرائض، وهي أفضل الأعمال. "وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه"، ومن هذه الفرائض: أداء الصلاة المفروضة والزكاة الواجبة، وصيام رمضان، وحجّ بيت الله الحرام، وبرّ الوالدين، وصلة الأرحام، والتخلّق بالأخلاق الحسنة.

الثاني: الّذين تقرّبوا إليه بعد أداء الفرائض بالاجتهاد في نوافل الطاعات، وترك المكروهات، وذلك يوجب للعبد محبّة الله، كما قال: "ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتّى أحبّه". ومِنَ النوافل الصلوات والصدقات والصيام وأعمال البر والذكر وقراءة القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

2. إن الله تعالى يعلن الحرب على مَن يعادي أوليائه أو يؤذيهم أو يبغضهم، فالله تعالى يتولّى نصرة "أوليائه ويؤيدهم.

3. إنّ مَنِ اجتهدَ بالتقرب إلى الله تعالى بالفرائض ثمّ بالنوافل، يقرّبه الله تعالى إليه، ورفع درجة إيمانه إلى درجة الإحسان، فيصير يعبد الله على المراقبة كأنّه يراه، فيمتلئ قلبه بمعرفة الله تعالى ومحبته وعظمته وخوفه ومهابته، حتّى يصير هذا المؤمن شاهدًا لله بعين البصيرة، فإن نَطَقَ نطقَ بالله، وإنْ سمعَ سمعَ به، وإنْ نظرَ نظرَ به، وإنْ بطشَ بطشَ به.

(الإحسان هو: أن تعبد الله كأنَك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك).


*169*

4. إن المحبوب المقرّب من الله تعالى، له عند الله منزلة خاصة تقتضي أنه إذا سأل الله شيئاً أعطاه إياه، وإن استعاذ به مِن شيء أعاذه منه، وإنْ دعاه أجابه، فيصير مجاب الدعوة لكرامته على الله تعالى.

أحفظ وأطبق:

1. عن النبيّ (صلى الله عليه وسلم): "يقول الله تعالى: أنا عند ظنّ عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإنْ ذكرني في ملأ ذكرته في ملأٍ خير منهم " أخرجه البخاريّ.

2. عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إنّ مِنْ عباد الله أناسًا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء بمكانتهم من الله تعالى، قالوا: يا رسول الله، مَنْ هم؟ قال: هم قوم تحابّوا بروح الله على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فو الله إنّ وجوههم لنور، وإنّهم لعلى منابر من نور، ولا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس)، ثمّ تلا هذه الآية: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) سورة يونس، أخرجه أحمد في مسنده.


*170*

ما يرشد إليه الحديث الشريف:

1. التقرّب إلى الله تعالى بفعل الفرائض والمستحبات، يقرّب العبد مِنْ ربّه ليصير مِنْ أوليائه وأحبابه.

2. البعد عن المحرّمات صغيرها وكبيرها وترك المكروهات.

3. إنّ أولياء الله لهم منزلة خاصّة عند الله تعالى وأجر عظيم.

4. إنّ مَن أحبّه الله، رزقَهُ محبّته وطاعته، والاشتغال بذكره وعبادته.

5. تجب موالاة أولياء الله ومحبّتهم، وتحرُم معاداتهم.

6. مَنْ يتقرّب إلى الله بالطاعات، ويبتعد عن المحرمات يكون مستجاب الدعوة.

اَلتقويم

أجِبْ عَمَّا يلي:

1. وضِّح معنى قوله تعالى في الحديث القدسيّ:

أ. "مَنْ عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب".

ب. "فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به، وبصره الّذي يبصر به".

2. ما الأعمال الّتي تجعل العبد وليًّا من أولياء الله؟

3. أولياء الله قسمان، اذكرهما مع بيان أيّهما أعلى درجة!

4. أذكر أهمّ ثلاث فوائد استفدتها مِنَ الحديث الشريف!

5. عرّف الإحسان، ثم بيّن علاقته بموضوع الحديث!


*171*

اَلحديث الخامس

عن عبد الله بن عبّاس (رضي الله عنه) أنّه قال: كنت خلف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوميًّا، فقال:

(يا غلام، إني أعلّمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنَّ الأمّة لو اجتمعت على أنْ ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلّا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أنْ يضّروك بشيء لم يضرّوك إلّا بشيء قد كتبه اله عليك، رُفعت الأقلام وجفّت الصحف). رواه الترمذي.

من معاني المفردات والتراكيب:

احفظ الله: احفظ حدوده وحقوقه وأوامره ونواهيه.

يحفظك: أي يحفظك الله في مصالح دنياك ويحفظك في دينك وإيمانك.

تجده تجاهك: معك في كلّ أحوالك بالتوفيق والهداية والنصر.


*172*

التعريف بالراوي

هو الصحابيّ الجليل، حَبر الأمّة وإمام التفسير، أبو العبّاس عبد الله بن عمّ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) العبّاس بن عبد المطّلب، وُلِد قبل الهجرة بثلاث سنين، انتقل مع أبويه إلى دار الهجرة سنة الفتح، دعا له الرسول (صلى الله عليه وسلم) بسعة العلم والفقه في الدين.

هو مِن الصحابة الّذين أكثروا من رواية الحديث، وكان أعلمهم بالتفسير، وأقدرهم على الاستنباط؛ توفّي سنة ثمان وستين للهجرة، وعاش إحدى وسبعين سنة.

مناقشة

- ما الوصايا الّتي يوصيها النبيّ (صلى الله عليه وسلم) لعبد الله بن عبّاس؟

- بيّن المقصود بأنْ يحفظ العبدُ الله؟

- ما الثمرات الّتي تعود على العبد إذا أطاع اللهَ واجتنب نواهيه؟

- لماذا يجب على المسلم أنْ لا يصيبه الهمّ إذا حصل معه مكروه؟

- ما المقصود بقوله (صلى الله عليه وسلم): (رُفعت الأقلام وجفتّ الصحف)؟


*173*

شرح الحديث

تضمّن هذا الحديث وصايا عظيمة وقواعد كلّيّة مِن أهمّ أمور الدين، حتّى قال بعض العلماء: "تدبّرت هذا الحديث فأدهشني، وكدّت أطيش، فوا أسفا مِنَ الجهل بهذا الحديث وقلّة التفهّم لمعناه". وممّا تضمّنه هذا الحديث مِنْ أحكام وتوجيهات:

1. اِهتمام النبيّ (صلى الله عليه وسلم) بتوجيه أُمّته، وتنشئتها على العقيدة السليمة والأخلاق الفاضلة والسلوك المستقيم، فنلاحظ هنا أنّه حين ركب معه هذا الغلام الصغير لقّنه كلمات قليلة الألفاظ، كثيرة المعاني، لها آثارها ونتائجها الطيّبة في الدنيا والآخرة.

2. على المؤمن مسؤوليّة عظيمة في هذه الحياة، ذلكم هو حفظ الله تعالى، المتمثّل في القيام بأوامره واجتناب نواهيه، والوقوف عند حدوده، فلا يتجاوزها.

3. إنّ مَنْ حَفِظَ الله وراعاه في جميع شؤون الحياة، تكفّل الله بحفظه في دنياه، فيحفظه في بدنه، وفي ولده وأهله وماله. وعليه: فَمنْ حفظَ اللهَ في صغره وشبابه، وحال قوّته وصحّته، حفظه الله في حال كبره وضعف قوّته، ومرضه، ومتَّعه بسمعه وبصره وقوّته وعقله.

4. مِن نتائج حفظ الله تعالى في الدنيا، حفظه لعبده عند موته مِن الزيغ والهلاك، فيتوفّاه على شهادة الحق: (لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله). فَمن كانت آخر كلامه مِنَ الدنيا دخل الجنّة، وكذلك يحفظه في قبره، وما يأتي مِنَ الحشر، وأوحوال الآخرة، فاحفظ الله يحفظك، واحفظه تجده تجاهك.

أتعرف:

مِن أسباب حفظ الله تعالى:

أ. القيام بالفرائض على الوجه الأكمل، كأداء الصلاة في وقتها جماعة في المسجد.

ب. التقرّب بما استطاع مِن النوافل، كالصلاة والصيام وغيرها.

ت. الإكثار من الدعاء، وسؤال الله تعالى أن يحفظه دائماً وأبدًا في دينه ودنياه.

ث. صحبة الصالحين الّذين يقرّبوه من الله تعالى ويشجّعونه على طاعته.

ج. طلب العلم النافع الّذي تعرف به ربّك وخالقك، وأوامره ونواهيه.


*174*

5. على المسلم أن يدعو الله دائمًا، فالدعاء هو العبادة، وقد ندب الله تعالى إليه بقوله: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) سورة غافر. فبالدعاء يلبّي الله حاجة الداعي من جلب النفع ودفع الضرر، وكذلك فيه الأجر العظيم، والثواب الجزيل، ومغفرة الذنوب، واستشعار معيّة الله تعالى، وهكذا يحقق قواه تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)) سورة الفاتحة.

6. ما يصيب العبد في دنياه مما يضره أو ينفعه، فكلّه مقدّر عليه، ولا يصيب العبد إلّا ما كُتب له، ولو اجتهد على ذلك الخلق كلّهم أجمعين. قال تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا) سورة التوبة.

فالإيمان بالقضاء والقدر مِنْ أركان الإيمان، ولا يعني هذا الإستسلام للرغبات والخوض في الإنحرافات، فإنّ الذي أمرنا بالإيمان بالقضاء والقدر، هو الذي أمرنا بالعمل والجِدّ والإنتاج.

تذكّر:

الإنسان في هذه الحياة متقلّب بين الغنى والفقر، والصحة والمرض، والقوّة والضعف، والشباب والهرم، وهكذا، فكُنْ مع الله تعالى في غناك وصحتك وقوّتك وشبابك، يكن معك في حال فقرك ومرضك وضعفك وهرمك.

أناقش:

رجل جالس في بيته، ولا يعمل، ويقول رِزقي يأتيني وأنا هنا، ما رأيك في هذه المقالة؟ دعّم رأيك بالدليل!


*175*

ما يرشد إليه الحديث الشريف:

1. على المربّي أنْ يستغلّ المناسبات ليُهدي الوصايا النافعة لمَن يقوم على تربيتهم، وأنْ يستعملّ الأسلوب الحَسن والطريقة الجيّدة.

2. على المؤمن مسؤوليّة عظيمة في هذه الحياة، ذلكم هو حفظ الله تعالى، المتمثّل في القيام بأوامره واجتناب نواهيه.

3. مَن يتّقِ الله بالقيام بأوامره واجتناب نواهيه، يحفظه الله في الدنيا والآخرة.

4. الاخلاص في العبادة لله تعالى، فلا يُسئل إلّا الله، ولا يُستعان إلّا بالله، ولا يُستغاث إلّا بالله، ولا يُلجأ إلّا إلى الله.

5. الشكر في السرّاء والصّبر عند البلاء، فكل ما يصيب المسلم في دنياه ممّا يضرّه أو ينفعه مقدَّر عليه.

اَلتقويم

أَجِبْ عَمَّا يَلي:

1. قال (صلى الله عليه وسلم): (احفظ الله يحفظك). وضّح المراد بهذه الجملة!

2. هناك أسباب معيّنة لحفظ الله تعالى، أذكر أربعة منها!

3. مَن يحفظ الله يجد ثمرات ذلك في الدنيا والآخرة، تحدّث عن ذلك!

4. ما ثمرات الدعاء؟

5. وضّح واجبك تجاه الله تعالى بعد دراستك لهذا الحديث الشريف!


*176*

الفصلُ الرابع: الفقه الإسلاميّ


*176*

مفهوم الفقه الإسلاميّ ومصادره صفحة 177

مقاصد الشريعة الإسلاميّة صفحة 182

اَلعبادات في الإسلام:

اَلطهارة: (الوضوء والتيمّم) صفحة 184

الصلاة ومنزلتها بين العبادات صفحة 196

أحكام الصوم وفضله صفحة 204

الأموال التي تجب فيها الزكاة صفحة 210

مناسك الحج والعمرة صفحة 214

أحكام الخطبة والزواج صفحة 219

عقوبة القذف والزنا صفحة 229

من العقود المالية: البيع والربا صفحة 234


*177*

مفهوم اَلفقه الإسلاميّ ومصادره


*177*

تمهيد

يرتبط الفقه الإسلاميّ ارتباطاً وثيقاً بالإيمان بالله تعالى، لأنّ عقيدة الإيمان هي الّتي تجعل المسلم متمسكاً بأحكام الدين، ومُنساقاً لتطبيقها طوعًا واختيارًا، فَمنْ لم يؤمن بالله تعالى لا يتقيّد بعبادةٍ، ولا يُراعي في أفعاله حلالاً ولا حرامًا، فالتزامُ أحكامِ الشّرعِ إنّما هو فرعٌ عن الإيمان بمَن أنزلها وشرَّعها لعباده. والأمثلة الّتي تبيّن هذا ارتباط الأحكام والإيمان وبين الشريعة والعقيدة في القرآن الكريم كثيرة، منها:

- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (6)) سورة المائدة.

- قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278)) سورة البقرة.

تعريف الفقه:

اَلفقه لغة: هو الفهم مطلقًا، جاء في مختار الصحاح: الفقه الفهم، وفقِهَ الرجل يفقه فقهًا. وقد فَقُهَ: صار فقيهًا.

اَلفقه في الاصطلاح الشرعيّ: العلم بالأحكام الشرعيّة العملية المكتسبُ من الأدلّة التفصيليّة.


*178*

اَلحكم الشرعيّ التكليفيّ وأقسامه

اَلحكم الشرعيّ التكليفيّ: هو خطاب اله تعالى المتعلّق بأفعال المكلّفين اقتضاءً - أي طلباً للفعل أو طلباً لتركهِ - أو تخييراً، أي إنّ المكلّف مخيّر بين الفعل والترك.

وبناءً على ذلك نجد أنّ الحكم الشرعيّ التكليفيّ ينقسم إلى خمسة أقسامٍ:

1. الواجبُ: ما طلبَ الشارع مِنَ المكلّف فِعْلَه والقيام به على سبيل الحتم والإلزامِ، وحُكْمُهُ: أنّه يُثاب فاعله ويُعاقب تاركُهُ؛ كالصلوات الخمس، وصوم رمضان.

2. اَلحرام: ما طلبَ الشارع مِنَ المكلّف تركَه والكفّ عنه على سبيل الحتم والإلزام، وحُكْمُهُ: أنه يُثابُ تاركُهُ امتثالاً لأمر الله تعالى، ويُعاقب فاعله؛ كتحريم شرب الخمر، وأكل الميتة ولحم الخنزير.

3. اَلمندوب: ما طلبَ الشارع مِنَ المكلف فِعْله والقيام به لا على سبيل الحتم والإلزام، وإنّما على سبيل ترجيحِ الفعلِ على الترك، وحكمه: أنه يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه؛ كغُسْل يوم الجمعة، وصلاة الضحى، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: أوصاني خليلي بثلاث: صيام ثلاثة أيّام مِنْ كلّ شهر، وركعتي الضحى، وأن أوترَ قبل أن أنام. رواه البخاريّ.

4. اَلمكروه: ما طلبَ الشارع مِنَ المكلف تَرْكَ فِعْله، ويدلّ دليل على أنّ طلب التركِ هذا لا على سبيل الحتم والإلزامِ، وإنما هو على سبيل ترجيحِ الترْكِ على الفعل، وحُكْمُهُ: أنه يُثابُ تاركُهُ امتثالاً لأمر الله تعالى، ولا يُعاقبُ فاعلُهُ؛ كصيام يوم عرفة للحاجّ، فإنْ ترك الصوم امتثالاً لأمرِ الله تعالى أثيبَ، وإن صام لم يُعاقب.

5. اَلمُباح: ما خيّر الشارعُ فيه المكلّفَ بينَ الفِعْلِ والتركِ دون ترجيحٍ لأحد الجانبينِ على الآخر، وحُكْمُهُ: لا يترتّب على فِعْلِهِ أو تركِهِ ثوابٌ ولا عقابٌ.

ويدخل في هذا القسم من التصرّفات كلّ تصرّف لا يتناوله أحد الأقسام الأربعة السابقة، وأمثلته لا تكاد تُحصى، منها: تناول أنواع الأطعمة والأشربة المباحة.


*179*

مصادر الفقه الإسلاميّ

- اَلقرآن الكريم: هو كلام الله تعالى المنزّل على محمد (صلى الله عليه وسلم) بلفظ عربيّ، المُتعبّد بتلاوتهِ، والمنقول إلينا بالتواترِ، والمعجز بأقصرِ سورة منه، والمكتوب بين دفّتي المصحف.

وقد أنزل الله تعالى القرآن الكريم ليكون منهاجًا للناس في حياتهم، ونظامًا يسلكونه في معاملاتهم، فألزمهم الاحتكام إليه، وأوجب عليهم الاهتداء بهدْيِه، وفرض عليهم العمل بمُقتضى حُكْمه. والقرآن الكريم شاملٌ لجميع نواحي الحياة، ويتضمّن مصالح العباد، وهو المصدر والمرجع لأحكام الفقه الإسلاميّ، فإذا عرضت مسألة رجعنا قبل كلّ شيء إلى كتاب الله تعالى لنبحث عن حكمها فيه، فإن وجدنا فيه الحكم أخذنا به، ولم نرجع إلى غيره.

فإذا سُئلنا مثلًا عن البيع والربا، وجدنا حُكْم ذلك في كتاب الله تعالى، قال تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) سورة البقرة.

- اَلسنّة النبويّة: هي ما صدر عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) مِنْ قول غير القرآنِ، أو فِعْل، أو تقرير.

والسنّة النبويّة تعدّ في المنزلة الثانية بعد القرآن الكريم من حيث الرجوع إليها، فنرجع أوّلاً إلى القرآن الكريم، فإنْ لم نجد الحُكم فيه رجعنا إلى السنّة النبويّة، فإذا وجدنا فيها عملنا به كما لو كان في القرآن الكريم، شريطة أن تكون ثابتة عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) بسند صحيح. وقد بيّنت السُنّة النبويّة الكثير مِنَ الأحكام والأعمالِ منها: أعمال الحجّ ومناسكه، قال (صلى الله عليه وسلم): "خُذوا عنّي مَناسِككُم". رواه البخاريّ.

نشاطٌ

أبحثُ في مصادر المعلوماتِ وأبيِّنُ وظائفَ السُنّة النبويّة من خلال الأمثلة.

أتذكّر

مفردات تعريف كلٍّ من القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة.


*180*

اَلإجماع: هو اتفاق جميع العلماء المجتهدين مِنْ أمّة سيدنا محمّد (صلى الله عليه وسلم) في عصرٍ مِنَ العصور بعد وفاته على حكم شرعيّ، فإذا اتّفق هؤلاء العلماء على حكم مِنَ الأحكام الشرعيّة كان اتّفاقهم هذا إجماعًا، وكان العمل بما أجمعوا عليه واجبًا. ودليل ذلك أنّ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) أخبر أن علماء المسلمين لا يجتمعون على ضلالة، فما اتّفقوا عليه كان حقًّا.

والإجماع يأتي في المرتبة الثالثة من حيث الرجوع إليه، فإذا لم نجد في القرآن الكريم، ولا في السنّة النبويّة، نظرنا على أجمع العلماء مِنَ المسلمين عليه، فإنْ وجدنا ذلك أخذنا وعملنا به.

ومثال ذلك: إجماع الصحابة رضي الله عنهم على خلافة أبي بكر الصدّيق (رضي اله عنه) بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم).

القياس: وهو إلحاقُ أمرٍ ليس فيه نصٌّ على حُكْمه بآخرَ منصوصٌ على حُكْمِهِ لاتّحاد العلّة بينهما. وهذا القياس نرجع إليه إذا لم نجد نصًّا على حكم مسألة من المسائلِ في القرآن الكريم ولا في السنة النبويّة ولا في الإجماع.

وأركان القياس أربعة: أصلٌ مَقيسٌ عليه، وفرعٌ مَقيسٌ، وحُكْمُ الأصلِ المنصوصِ عليهِ، وعلّةٌ تجمعُ بين الأصل والفرع.

ومثال ذلك: حرّم الله تعالى الخمر بنصٍّ مِنَ القرآن الكريمِ، والعلّة في تحريمه أنّه مُسكِرٌ، فإذا وجدنا شرابًا آخر له اسم غير الخمر، ووجدنا هذا الشراب مُسكِرًا حكَمْنا بتحريمهِ قياسًا على الخمر، لأن علة التحريم وهي الإسكار موجودةٌ في هذا الشراب، فيكون حرامًا مِثْلَ الخمر.

مناقشة

- هل يُمكن تحقّق الإجماع في العصر الحديث؟

- ما البدائل المتاحة الّتي يُمكن اللجوء إليها؟


*181*

أثري معلوماتي

مِنْ خصائص الفقه الإسلاميّ

1. اِرتباط الفقه الإسلاميّ بالعقيدة الإسلاميّة:

يرتبط الفقه الإسلاميّ ارتباطًا وثيقا بالإيمان بالله تعالى، وبأركان العقيدة الإسلامية الأخرى، لا سيّما عقيدة الإيمان باليوم الآخر، والأمثلة في القرآن الكريم الّتي تبيّن ارتباط الفقه بالإيمان كثيرة، منها: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (6)) سورة المائدة. وقد ذكر الله تعالى الصلاة والزكاة وقرن بينهما وبين الإيمان باليوم الآخر، قال تعالى: (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3)) سورة النمل.

2. مراعاة الفقه الإسلاميّ اليسر ورفع الحرج:

راعى الإسلام بتشريع الأحكام حاجة الناس، وتأمين سعادتهم، لذلك كانت هذه الأحكام كلّها في مقدور الإنسان، وضمن حدود طاقته، ليس فيها ما حكم يعجز الإنسان عن أدائه والقيام به، قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) سورة الحج. وإذا ما نال المكلّف حرج خارج عن حدود قدرته، فإنّ الدين يفتح أمامه باب الترخّص والتخفيف، ومن أمثلة ذلك: قصر الصلاة الرباعيّة والجمع بين الصلاتين للمسافر، قال تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ (101)) سورة النساء.

3. شمول الفقه الإسلاميّ لكلّ ما يحتاج إليه الناس:

بما أنّ حياة الإنسان متعدّدة الجوانب، فإنّ سعادة الإنسان تقتضي رعاية هذه الجوانب كلّها بالتنظيم والتشريع، ولّما كان الفقه الإسلاميّ هو عبارة عن الأحكام الّتي شرعها الله تعالى لعباده لرعاية مصالحهم، ودرءًا للمفاسد عنهم، جاء الفقه الإسلاميّ ملماً بكلّ هذه الجوانب، ومنظّماً بأحكامه جميع ما يحتاجه الناس، ومِن هذه الجوانب: أحكام العبادات، الأحوال الشخصيّة، أحكام المعاملات، السياسة الشرعيّة، أحكام العقوبات والآداب والأخلاق.


*182*

مقاصد الشريعة الإسلاميّة


*182*

يُراد بمقاصد الشريعة: الحِكَم الّتي مِنْ أجل تحقيقها ولإبرزها في الوجود خَلَق الله تعالى الخَلُق، وبعث الرسل، وأنزل الشرائع، وكلّف العقلاء بالعمل أو الترك. كما يُرادُ بها: مصالحُ المكلّفين العاجلة والآجلة الّتي شرعت الأحكام مِنْ أجل تحقيقها.

ولدى استقراء نصوص الشريعة الإسلاميّة، وما دلّت عليه مِنْ أحكام؛ نرى أنّها تدور حول رعاية مصلحة الإنسان ودفع المفسدة عنه، حتّى ينعم بالسعادة الدنيويّة والأخرويّة، وهذه السعادة إنّما تتحقّق بالحفاظ على ما يستقيم به نظام الحياة على الوجه الأكمل. وهذا النظام لا يستقيم إلا بالحفاظ على الكلّيّات الأساسية الّتي بها قوام وجود هذا الإنسان، وهذه الكلّيّات هي: الدين، النفس، العقل، النسل والمال.

ولدى النظر في أحكام الشريعة الّتي ترعى هذه المصالح إيجابًا بتشريع ما تقوم به، وسلبًا بدفع ما يهدّد بقاءها، نجدها على مراتب:

1. اَلضرورات: فلا تقوم الكلّيّات إلا بها، وإذا اختلّت الضرورات اختلّت الكلّيّات عاجلاً أو آجلاً.

- فمِنْ أجل حِفْظ النفس شرع الله تعالى إباحة الطعام والشراب، وحرّم القتل.

- ومِنْ أجل حِفْظ العقل أمر الله تعالى بالعلم والنظر للوصول إلى الإيمان، وحرّم كلّ مسكِر.

- ومِنْ أجل حِفْظ النسل شرع النكاح وحثّ عليه، وحرّم الزنا وشرع الحدّ لِمَن فعلهُ.

- ومن أجل حِفْظ المال شرع أصول المعاملات مِنْ بيع وشراء ونحوهما، وحرّم الاعتداء عليه واغتصابه، ونهى عن إتلافه وتضييعه.

2. اَلحاجيّات: يمكن أن تقوم الكلّيّات بدونها، ولكن مع مشقّة وعسر، وشيءٍ من الاختلال لا يهدّدها في وجودها. ومِن ذلك رخصة الفطر في السفر وحال المرض.

3. اَلتحسينات: يحتاج إليها الإنسان ليقوم النظام على أتمّ وجه وأحسن حال، وتبلغ بها الكلّيات أرقى مراتب الكمال. ومنها: أحكام الطهارة، وستر العورة، واختيار الزوجين.


*183*

أتعرّف

أهمّيّة دراسة علم الفقه الإسلاميّ

1. نيل مرضاة الله عزَّ وجلّ.

2. تنظيم حياة الأفراد والمجتمعات.

3. تأكيد صلاحيّة شريعة الإسلام لكلّ زمان ومكان.

التقويم

أَجِبْ عَمّا يأتي:

1. ماذا نعني بعلم الفقه؟ وضّح موضوعه!

2. ما أهمّيّة علم الفقه للفرد والجماعة؟

3. اَعطِ مثالاً على الأحكام العمليّة الّتي اشتمل عليها القرآن الكريم في مجال الأخلاق!

4. وضّح المقصود بالمصطلحات والمفاهيم الآتية: الإجماع، القياس، الكلّيّات، الضرورات، الحاجيّات والتحسينات!

5. اذكر مثالاً على القياس مبيّناً أركانه!

6. هات مثالاً من القرآن الكريم لكلّ قسم مِنْ أقسام الحكم الشرعيّ التكليفيّ!

7. هات مثالاً مِنَ السنة النبويّة لكلّ قسم مِنْ أقسام الحكم الشرعيّ التكليفيّ!

اِبحثْ في مصادِر المعلومات واذكر خصائص أخرى للتشريع الإسلاميّ!


*184*

العبادات في الإسلام:

الطهارة (الوضوء والتيمم)


*184*

تمهيد

اِهتمّ الإسلام بالطهارة اهتمامًا كبيراً، وربطها بالإيمان، وجعلها مِنْ شعائر العبادات. كما امتدح المتطهّرين بقربهم مِنَ الله (عز وجل). قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) سورة البقرة. وتتجلّى أهمّيّة الطهارة في الإسلام بأمور منها: أنّه جعل الطهارة تعدل نصف الإيمان. قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): "الطهورُ شطْرُ الإيمانِ" رواه مسلم. كما جعلها شرطًا لكثيرٍ مِنَ العبادات كالصلاة والطواف وغيرها. فهي تضفي على الوجهِ ضياءً، وتمنح الثوبَ والمكانَ جمالاً، وتقي المسلم من الأمراض والعلل، وتحفظ له كرامته، وتجعله محبّبًا إلى الناس.

مناقشة

- ما مفهوم الطهارة؟ وما أنواعها؟

- كيف تؤثّر الطهارة في حياة المسلم؟ وضّح ذلك!

تعريف الطّهارةِ

اَلطّهارة لغةً: النظافةُ، والتخلّص من الأدناس حسّيّة كانت كالنجاسة، أو معنويّة كعيوب القلب والنّفس.

اَلطّهارةُ شرعًا: رفعُ الحدثِ أو إزالةُ النّجاسةِ.


*185*

أنواع الطّهارةِ

اَلطهارةِ نوعان:

الأوّل: طهارةُ الخبثِ: وتكون بإزالة النجاسة عن بدن المسلم وثوبه، ومكان صلاته بالماء الطّهور (المطلق). والنّجاسة كلُّ مستقذرٍ يمنعُ من صحّةِ الصّلاةِ كالبولِ والغائطِ والدّمِ والقيءِ.

اَلثاني: طهارة الحدث الأصغر والأكبر: وهي الوضوء والغسل أو التيمّم. وتكون الطهارة بأحد شيئيْن اثنين: بالماء الطّهور (المطلق)، أو بالصّعيد الطاهر وهو وجه الأرض مِنْ تراب أو حجر لقوله (صلى الله عليه وسلم): "جُعلت لي الأرضُ مسجداً وتُربتُها طهورًا". رواه البخاريّ.

والحدث الأصغر: هو أمر اعتباريٌّ يقوم بأعضاء الإنسان الأربعة: الوجه واليدان والرأس والرجلان؛ فيمنع من صحّة الصلاة ونحوها، ويرتفع هذا الحدث بالوضوء أو التيمّم.

والحدث الأكبر: هو أمر اعتباريٌّ يقوم بالجسم كلّه فيمنع من صحّة الصلاة وما في حكمها، ويرتفع هذا الحدث بالغسل أو التيمّم.

أتذكّر:

- اَلاستنجاءُ هو إزالةُ الخارجِ من أحدِ السبيليٍنِ بالماءِ أو الحجارةِ أو ما يَنوبُ عنهما كالمحارمِ الورقِيَّةِ.

- حُكْمُ الاسْتنجاءِ واجبٌ.

- وَسائِلُ الاستْنْجاءِ: الماءُ، الحِجارَةُ والمَحارِمُ الوَرَقِيَّةُ.


*186*

اَلوضوء عبادة يستجيب فيها المسلم لأمر الله تعالى، وهو نظافةٌ للإنسان، وحسنٌ لمظهره، يكفّرُ ذنوبه، ويمحو خطاياه. والوضوء أساسٌ لا بدّ منه لكلّ صلاة، فيمنع وسوسة الشيطان، ويقرّب المسلم مِنْ ربّه (عز وجل). عن عثمان بن عفّان (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "من توضّأَ فأحسنَ الضوءَ خَرَجَتْ خطاياهُ منْ جسَدِهِ حتّى تخْرُجَ منْ تحتِ أظفارِهِ". رواه مسلم.

تعريف الوضوء

اَلوضوء لغة: الحسن والنظافةً.

اَلوضوء شرعًا: طهارة مائيّة تتعلّق بأعضاء مخصوصة، بعضُها يُغسَلُ، وبعضُها يُمسَحُ مع النيّة.

حكمُ الوضوء:

الوضوء واجبٌ لكلّ عبادةٍ لا تصحُّ إلّا به كالصّلاة والطّوافِ.

نشاط جماعيّ

نتلو الآية الكريمة، ونقرأ الحديث الشّريف، ونستخرجُ فروض الوضوءِ منهما:

- قالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) سورة المائدة.

- عن أبي هريرة (رضي الله عنه): "أنّه توضّأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثمّ غسل يده اليمنى حتّى أشرع في العضد، ثم يده اليسرى حتّى أشرع في العضد، ثمّ مسح رأسه، ثمّ غسل رِجْله اليمنى حتّى أشرع في الساق، ثمّ غسل رِجْله اليسرى حتّى أشرع في الساق، ثمّ قال: هكذا رأيت الرسول (صلى الله عليه وسلم) يتوضّأُ". رواه مسلم.


*187*

فروض الوضوء:

أَعْمالُ الوضوءِ الَّتي ذكَرَتْها الآيَةُ الكريمَةُ والحديث الشريف ستَّةٌ وهيَ:

1. النيّةُ: ومحلها القلبُ، وزمنُها في الوضوء عند غسل الوجهِ، وكيفيّتها أن ينويَ المتوضّىءُ بقلبهِ رفعَ الحدث الأصغرِ أو استباحةِ ما منعهُ الحدثُ. ويسنُّ التلفظ بها باللسان، فالوضوء عبادة يشترط لقبوله إخلاص النيّة لله (عَزَ وَجل).

2. غسلُ جميع الوجهِ: وحدّهُ من منابت شعرِ الرأس إلى أسفل الذّقن طولاً، ومِنْ الأُّذن إلى الأذن عرضًا.

3. غسلُ اليدينِ مع المرفقينِ: يجب تعميم البشرة بالغسل، وكذلك تحت الأظفار والخاتم إن وجد.

4. مَسحُ بعض الرأس: روى المغيرة بن شعبة (رضي الله عنه): أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) توضّأ ومسح بناصيته، وعلى عمامته. رواه مسلم.

5. غسلُ الرِّجلينِ مَعَ الكعبين: يجب تعميم الرجلين بالغسل.

6. الترتيبُ بين الأعضاءِ: وثبت الترتيب في الآية الكريمة، كما يُستفاد مِنْ فعله (صلى الله عليه وسلم) فإنّه لم يتوضأ إلّا مرتّبًا.

سنن الوضوء:

لِلْوضوءِ سنن كثيرة نذكر أهمّها وهيَ:

1. التسميةُ في الابتداء: أنْ يقول عند ابتداءِ الوضوءِ: "بسم الله". قال (صلى الله عليه وسلم): "توضأوا بسم الله". رواه النسائيّ.

2. غَسلُ الكفينِ ثلاثاً عندَ ابتداءِ الوضوء وقبل إدخالهما في الإناء.

3. استعمالُ السِّواكِ: قال (صلى الله عليه وسلم): "لولا أنْ أَشُقَّ على أمّتيّ لأمرتُهُم بالسواكِ مع كُلِّ وضوءٍ". رواه البخاري

4. المضمضةُ والاستنشاقُ باليد اليمنى، والاستنِثارُ باليدِ اليسرى. (الاستنثار: إخراج الماء من الأنف).


*188*

5. تخليل اللحية الكثّة: فقد رُوي أن النبيّ (صلى الله عليه وسلم) كان إذا توضّأ أخذ كفًّا مِنْ ماء فأدخله تحت حنكه، فخلّل به لحيته.

6. مسحُ جميع الرأس عند الشافعيّة، لأنّ مسح البعض منه مِن فرائض الوضوء.

7. تخليلُ ما بين أصابعِ اليدينِ والرجلينِ بالماء: رُويَ عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "أسبغِ الوضوءَ، وخلِّلْ بيْنَ الأصابِعِ، وبَالِغْ في الاستنشاقِ إلّا أنْ تكونَ صائِمًا". رواه أبو داود.

8. مسحُ الأذنينِ ظاهرهما وباطنهما بماء جديد غير الماء الّذي مُسِح به الرأس.

9. آلتيامُنُ وهو: غَسلُ اليدِ اليمنى قبلَ اليد اليسرى، وغسلُ الرِجلِ اليمنى قبلَ الرجلِ اليسرى. قال (صلى الله عليه وسلم): "إذا توضأتُم فابدأوا بميامِنِكُم". رواه ابن ماجة.

10. اَلتّثليثُ في جميع فرائض الوضوء وسننه: أي غسلُ الأعضاءِ ثلاث مرّاتٍ.

11. آلدلكُ: وهو إمرار اليد على العضو عند غسله.

12. آالموالاة: وهي ألا يفصِلَ بين غسلِ الأعضاءِ فَصلاً طويلاً، بل يغسِلُ العضوَ، ثمّ يغسلُ الّذي بعده مباشَرَةً قبل أن يجفَّ.

13. إطالةُ الغُرّة والتحجيلُ: والغرّة هي جزءٌ من مقدّم الرأس يغسله المتوضّىء، وأمّا التحجيل فهو غَسل ما فوق المرفقيْنِ في اليديْنِ، وما فوقَ الكعبيْنِ في الرجليْن.

14. آلاعتدال في استعمال الماء دونَ سرفٍ أو تقتيرٍ.

15. اِستقبال القبلة عند الوضوء.

16. عدم الكلام أثناءَ الوضوءِ.

17. آلتشهّد والدُّعاءُ بَعْدَ الفراغِ مِنَ الوضوءِ: "الّلهُمَّ اجْعَلْني مِنَ التَّوّابينَ وَاجْعَلْني مِنَ المُتَطَهّرينَ". رواه الترمذيّ.

أستنتجُ:

- فروضُ الوضوءِ هي أركانهُ الّتي لا يصِحُّ إلّا بها، فَمَن ترك واحداً منها أو بَعْضَها لم يصحّ وُضوؤهُ.

- سُننُ الوضوءِ هيَ التي يُثاب فاعلُها، ولا يَبطُل الوضوءُ بِتركها، لكن ينبغي المحافظة عليها، والاهتمام بها؛ اقتداءً بنبيّنا وحبيبنا محمّدٍ (صلى الله عليه وسلم).


*189*

مكروهاتُ الوضوء

يُكره في الوضوء ما يلي:

1. ترك سُنّة من سنن الوضوء الَتي تقدّم ذكرها مثل: الاعتدال في الماء، التثليث، التيامن وغيرها.

2. آلتنشيف بمنديل إلا لعذر، كبرد شديد أو حرّ يؤذي معه بقاء الماء على العضو. روى البخاري ومسلم أنه (صلى الله عليه وسلم) أتي بمنديل فلم يمسّه.

3. ضربُ الوجه بالماء، لأنّ ذلك ينافي تكريمه.

4. آلاستعانة بمن يغسل له أعضاءه من غير عذر، لأن فيه نوعاً من التكبر المنافي للعبوديّة.

5. آلمبالغة في المضمضة والاستنشاق للصائم خشية أن يسبقه الماء إلى حلقِهِ فيفسد صومه، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "وبالغْ في الاستنشاق إلّا أنْ تكونَ صائماً". رواه أبو داود. وتقاس المضمضة على الاستنشاق من باب أولى.

نواقض الوضوء

نواقض الوضوء خمسةٌ، هي:

1. كلّ ما خرج مِنْ أحد السبيليْن من بول أو غائط أو دم أو ريح: قال تعالى: (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ) سورة النساء. وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "ولا يقبلُ الله صلاةَ أحدِكُم إذا أحْدثَ حتّى يَتَوَضَّأَ". فقال رجل مِنْ أهل حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال فساءٌ أو ضراطٌ. رواه البخاريّ.

2. آلنوم غيرُ المتمكّنِ: والتمكّن أن يكون جالسًا ومقعدته ملتصقة بالأرض، وغير التمكّن أن يكون هناك تجافٍ بين مقعدته والأرض، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "من نام فليتوضّأ". رواه أبو داود.

وأمّا من نام على هيئة المتمكّن فلا ينقض وضوؤه، لأنّه يشعر بما يخرج منه. فعن أنس (رضي الله عنه) قال: أقيمت الصلاة والنبي (صلى الله عليه وسلم) يناجى رجلاً، فلم يزل يناجيه حتّى نام أصحابه، ثمّ جاء فصلّى بهم. رواه مسلم.


*190*

3. زوال العقل بسُكْر أو إغماء أو مرض أو جنون: لأنّ الإنسان إذا انتابه شيء من ذلك كان هذا مظنّة أن يخرج منه شيء مِنْ غير أنْ يشعر، وقياسًا على النوم، لأنّه أبلغ منه في معناه.

4. لمس الرجل زوجته أو المرأة الأجنبيّة من غير حائل عند الشافعيّة: فإنّه ينتقض وضوؤه ووضوؤها. والأجنبيّة هي كلّ امرأة يحلّ له الزواج بها. قال تعالى في بيان موجبات الوضوء: (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ) سورة النساء.

5. مسّ الفرج نفسه أو مِنْ غيره: قبلاً أو دبرًا، بباطن الكفّ والأصابع من غير حائل.

أتذكّر:

الطهارةُ شرطٌ لكثيرٍ مِنَ العباداتِ منها:

1. اَلصلاة: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) سورة المائدة. وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضّأ". رواه البخاريّ.

2. اَلطواف حول الكعبة: لأنّ الطواف كالصلاة تجب فيه الطهارة، وقال رسول الل (صلى الله عليه وسلم): "الطواف حول الكعبة مثل الصلاة، إلّا أنّكم تتكلّمون فيه، فمن تكلّم فلا يتكلّمنّ إلّا بخيرٍ". رواه الترمذيّ.

3. مسُّ المصحف وحملُه: قال تعالى: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) سورة الواقعة.

وقال (صلى الله عليه وسلم): "لا يمسّ القرآن إلّا طاهر". رواه الدار قطنيّ.


*191*

اَلتقويم

أَجِبْ عَمَّا يلي:

1. اَلوضوءُ نوع مِنَ الطهارة، فما حكمُهُ؟ وما الحكمةُ مِنْ مشروعيّته؟

2. ما أعمال الوضوء؟ وهل يصحّ الوضوء بدون أحدها؟ وضّح ذلك!

3. في أيّ الحالاتِ يُنقَضُ الوضوء؟

4. ما الفرقُ بين فروضِ الوضوءِ وسننِ الوضوءِ؟

5. ما الفرقُ بين الترتيبِ والموالاةِ في الوضوءِ؟

6. بيّنْ أقسام النّوم الّتي تنقض الوضوء.

7. اكُتب أعمال الوضوءِ كاملاً ومرتّباً بفرائضه وسننه!

اِبحثْ في مصادرِ المعلوماتِ أو في كتب الحديث وأجب:

1. ما الصورة الكاملة لوضوء النبيّ (صلى الله عليه وسلم) بفرائضه وسننه كما رواها عثمان بن عفّان (رضي الله عنه)؟

2. ما حكمُ وضوءِ الرجل إذا لمس امرأة أجنبيّة وفق المذاهب الأربعةِ؟


*192*

اَلتَّيَمُّمُ

تمهيد

روى جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "أُعطيتُ خمسًا لم يُعطهُنَّ أحدٌ قبلي: نُصِرْتُ بالرَّعبِ مسيرةَ شهرٍ، وجُعِلتْ ليَ الأرضُ مسجِداً وطهورًا، فأيُّما رجلٍ مِنْ أمّتي أدركتهُ الصّلاةُ فليُصلِّ، وأحلَّتْ لي المغانمُ ولم تحلّ لأحدٍ قبلي، وأعطيتُ الشّفاعةَ، وكانَ النّبيُّ يُبعثُ إلى قومِهِ خاصّةً، وبُعثتُ إلى النّاسِ عامّةً". صحيح البخاريّ.

ومعنى قولِهِ: "وجُعلَتْ ليَ الأرضُ مسجدًا وطهورًا؛ أيْ جُعلت الأرضُ مكانًا للصّلاةِ، ووسيلةً للطّهارة مِنْ خلال التيمّمِ.

مناقشة

- ماذا تفعل إذا أردتَ الوضوءَ ولم يكن معك إلّا ماءٌ قليل تحتاجُه للشُّربِ أو الطّبخ؟

- ما معنى التيمّم؟ وكيف نتيمّمُ؟

- بماذا يتميّز التشريع الإسلاميّ مِنْ خلال تشريعه للتيمّم؟

تعريف التيمّمِ

اَلتيمّمُ: هو قصد الصعيد الطيّب (ما على وجه من تراب وما هو مِنْ جنسه)، لمسح الوجه واليدين، بنيّة استباحةِ الصلاة، وبشروطٍ مخصوصةٍ.


*193*

أتلو الآية الكريمة وأستخرج بعض أسبابِ التيمّم وأركانه منها:

قال تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) سورة النساء.

أسباب التيممِ

1. فقدُ الماء حسًّا: أي إذا لم يجدِ المحدثُ الماءَ.

2. فقدُ الماءِ شرعًا: وذلك في الحالة التي يكون فيها الماء موجودًا عند المُحدثِ ولكنّهُ يحتاجهُ للشربِ.

3. عدم القدرةِ على استعمال الماء: أي لا يستطيع أن يتوضّأَ به لكونِهِ مريضًا، أو مجروحًا، أو يخاف مِنَ استعماله زيادة المرض أو تأخّر الشفاء.

4. بُعد الماء عنه: بأن كان بينه وبين الماء مسافة فوق نصف فرسخ وهي ما يساوي (2.5) كم.

5. اَلبرد الشّديد: إذا كان هناك بردٌ شديدٌ يخاف معه استعمال الماء، ولم يجد ما يُسخّنُ به الماء.

أركان التيمّمِ

1. اَلنيَّة للتيمّمِ.

2. ضربُ اليدينِ على الترابِ ثُمَّ مسحُ الوجهِ.

3. ضربُ اليدينِ على الترابِ مرّة ثانية ثمَّ مسحُ اليدينِ إلى المرفقينِ.

4. ترتيبُ أعمالِ التيمّمِ.


*194*

سنن التّيّممِ

1. يُسَنُّ في التيمّم ما يُسَنّ في الوضوء ومِن ذلك: التسمية أوّل التيمّم، والبدء بأعلى الوجه، والتيامن عند مسح اليديْن، والغرّة والتحجيل، والمولاة بين مسح الوجه واليدين، والتشهّد والدعاء بعد التيمّم.

2. تفريق الأصابع عند الضرب على التراب بقصد إثارة الغبار.

3. تخفيف التراب بنفض الكفّين أو النفخ فيهما.

مبطلاتُ التّيّممِ

1. كلّ ما يُبْطِلُ الوضوء يبطِلُ التيمّم.

2. وجودُ الماءِ بعد فقْدِهِ.

3. اَلقدرة على استعمال الماء لمن كان غير قادر على استعماله، كأن كان مريضًا فبرىء.

4. اَلردّة عن الإسلام.

أثري معلوماتي

- اَلتيمّم جائزٌ بالتراب والرملِ والحجرِ والصخرِ والحصى، وكلّ ما يُطلقُ عليهِ اسمُ وجه الأرضِ، بشرطِ أنْ يكونَ طاهِراً.

- يكون التيمّم بدل الغسل لمنْ كان في حاجةٍ إليه، كما يكون بدل الوضوءِ.

- يتيمّم المسلم لصلاة الفريضة بعد دخول وقتها، ولا يصحّ التيمّم قبل دخول الوقت.

- لا يصلّي المسلم بالتيمّم إلّا فرضًا واحدًا، ويصلّي ما يشاء مِنَ النوافل.

- إذا تيمّم المسلم ثمّ وجد الماء بعد الصلاة فلا يعيد صلاته؛ لأنّها صحيحةٌ.


*195*

اَلتقويم

أجِب عمّا يلي:

1. ما مظاهر اليسر في مشروعيّة التيمّمِ؟

2. "كلّ ما يبطل الوضوء يبطل التيمّم"، اذكر مبطلات التيمّم استناداً على هذه الجملة؟

3. ماذا تتوقّع أن يحدث لو لم يشرّع الله تعالى لنا التيمّم؟

أكمل ما يلي في دفترك:

1. الأسباب المبيحة للتيمم: --.

2. مبطلات التيمّم: --.

3. أركان التيمّم: --.

ما الحكمُ فيما يأتي:

1. وجد سمير الماء بعد أنِ انتهى مِنْ صلاةِ الظُّهر الّتي تيمّمَ لها.

2. تيمّمت أسماء فضربت بكفّها الأرض ومسحت وجهها فقط ثمّ صلّت.

3. تيمّم أحمد ثمّ صلّى المغرب وقضى صلاة العصر الّتي فاتته.

قارن بين الوضوء والتيمّم بتحديد أوجه الشبه والاختلاف مِنْ خلال الآية التالية:

قالَ تَعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) سورة المائدة.


*196*

الصلاة ومنزلتها بين العبادات


*196*

تمهيد

الصلاة عبادة بدنيّة من أفضل العبادات، فُرِضت في السّماءِ ليلة الإسراء والمعراج، قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً، وجُعِلتْ تاليةً لعقيدة التوحيد، قال (صلى الله عليه وسلم): "بُنيَ الإسلامُ على خَمْسٍ: شَهادَةُ أنْ لا إله الا الله وأنَّ محمّداً رسولُ اللهِ، وإقامُ الصّلاةِ...". رواه مسلم. فهي ركنٌ من أركان الإسلام الخمسة، وفرضُ عيْنٍ على كلّ مسلم بالغٍ عاقلٍ طاهرٍ، ولا يكمُلُ إيمانُ العبد إلّا بأدائها في أوقاتها. وتعتبرُ الصلاة صلةً وثيقةً بينَ العبدِ وربّهِ، بمثابةِ عهدٍ يُجدّدهُ العبد مع خالقه خمس مرّاتٍ في اليومِ والليلةِ. قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) سورة النساء.

أتذكّر تعريف الصّلاةِ:

اَلصلاة لغة: الدعاء.

اَلصلاة شرعًا: هي: التعبّد لله (عز وجل) بأقوال وأفعال مخصوصة، تُفتتحُ بالتكبيرِ، وتُختتمُ بالتسليم.

مناقشة

- علام يدلُّ تشريع الصلاة ليلة الإسراءِ والمعراجِ؟ علّل إجابتك.

- قال (صلى الله عليه وسلم): "بينَ الرّجلِ وبيْنَ الشركِ والكُفْرِ تركُ الصّلاةِ"، ماذا تستفيد مِنْ هذا الحديث الشريف؟

- متى تكون الصلاة تامّة؟

- ما الحكمة مِنْ بدء الصلاة بالتكبير، وختمها بالتسليم؟


*197*

أقرأ الحديث التالي وأستنبط حكم تارِكِ الصّلاةِ:

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "أُمرْتُ أن أقاتلَ الناّسَ حتىَ يشهدوا أن لا إلهَ إلّا الله وأنّ محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاةَ، ويؤتوا الزكاةَ، فإذا فعلوا ذلكَ فقد عَصَموا منّي دماءَهُم وأموالَهُمْ إلّا بحقِّ الإسلامِ، وحسابُهُمْ على اللهِ". رواه البخاريُّ.

تارك الصلاة إمّا أن يكون قد تركها كسلاً وتهاوناً، أو تركها جُحوداً لفرضيّتها واستخفافا بها. ولكلّ حالة مِنْ هاتين الحالتين حكمها الخاصّ بها:

1. من ترك الصلاة كسلاً وهو يعتقدُ وجوبها؛ يُكلّف مِنْ قبل الحاكم بقضائها، والتوبة عن معصية تركِها. فإن لم ينهض وقضى ما فاته منها، فإنّهُ يكونُ عاصيًا لتركهِ ركناً من أركانِ الإسلام الّتي يُقاتلُ عليها، ووجب قتلُهُ حدًّا من الحدود المشروعة للعاصي، ولكنّه يعتبر مسلمًا بعد قتله، فيعامَل معاملة المسلم في تكفينه ودفنه والصلاة عليه وميراثه.

2. وأمّا من تركها جاحِداً لوُجوبها، أو مستهزئًا بها، فإنّه يَكفُرُ بذلك، ويرتدّ عن الإسلام. ويجبُ على الحاكم أنْ يأمرَه بالتوبة، وإلّا قُتِلَ على أنّه مرتدّ، ولا يجوز غسلُهُ ولا تكفينُهُ، ولا الصَّلاةُ عليهِ، كما لا يجوزُ دفنُهُ في مقابرِ المسلمين، ولا يرثه أحدٌ من ورثته.

أَقْرَأُ وأستنتج ثمرة المحافظةِ على الصّلاةِ:

عنْ أبي هريرةَ (رضي الله عنه) أنّهُ سمعَ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يقولُ: "أريتمْ لوْ أنَّ نهراً ببابِ أحدكمْ يغتسلُ منهُ كلَّ يومٍ خمسَ مراتٍ، هل يبقى من درنِهِ شيءٌ؟" قالوا: لا يبقى من درنهِ شيءٌ. قالَ: "فذلكَ مثلُ الصّلواتِ الخمسِ يمحو اللهُ بهنَّ الخطايا". رواهُ مسلمٌ.


*198*

أتذكّرُ الصلوات المفروضة، والسنن الرواتب المؤكّدة:

قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) سورة النساء.

وقال (صلى الله عليه وسلم): "منْ صلّى اثنتيْ عشرةَ ركعةً في يومٍ وليلةٍ بُنيَ له بهِنَّ بيتٌ في الجنّةِ". صحيح مسلم.

(جدول في الكتاب مكون من ثلاثة أعمدة:)

الصلاة،  عدد ركعاتها،  وقتها

الفجر،  ركعتان مسنونتان (زائد) ركعتان مفروضتان،  من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

الظهر،  أربع ركعات مسنونة (زائد) أربع ركعات مفروضة،  ركعتان مسنونتان،  من زوال الشمس عن وسط السماء إلى أن يصير ظل الشيء مثله.

العصر،  أربع ركعات مفروضة،  عندما يصبح ظلّ الشيء مثله إلى غروب الشمس.

المغرب،  ثلاث ركعات مفروضة (زائد) ركعتان مسنونتان،  من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر.

العشاء،  أربع ركعات مفروضة (زائد) ركعتان مسنونتان (زائد) ركعة وتر،  من مغيب الشفق الأحمر إلى طلوع الفجر.

للإثراء:

الاطمئنانُ في الصّلاةِ: وهو أنْ يمكُثَ المصلّي في هيئةٍ حتّى تستقرَّ أعضاؤهُ قدرَ تسبيحةٍ في الرّكوعِ والسّجودِ والرّفعِ منهما، والاطمئنانُ شرطٌ لصحّةِ هذهِ الأركانِ.


*199*

اَلتقويم

أجِبْ عَمّا يَأتي:

1. ما حكم مَنْ يُنكرُ فرضيّة الصلاة؟ وما عقوبتُه؟

2. ما حكمُ صلاةِ مَنْ تركَ ركنًا من أركانها، ومَنْ ترك سنَّةً منْ سُننها؟

3. ما الفرقُ بينَ الطمأنينةِ والخشوعِ في الصّلاةِ؟

4. صنّف أفعال الصلاةِ وفقَ الجدولِ التالي في دفترك:

(جدول في الكتاب مكون من ثلاثة أعمدة:)

الأركان القولية،  الأركان الفعلية،  السنن القولية،  السنن الفعلية

اِبحثْ في مصادرِ المعلوماتِ وأجبْ:

- ما الحكم والفوائد من تشريع الصلاةِ؟

- أين كان يتوجّه المسلمون في صلاتهم في بداية الأمر؟ وكم شهرًا استمرّوا في ذلك؟ ولماذا تغيّرت قبلتهم؟ اذكر الدليل على ذلك!

- ما الأوقات الّتي تُكرَه فيها صلاة النافلة؟ ولماذا؟

- اِقرأ حديث "المسيء صلاته": ماذا تستفيد مِنْ هذا الحديثِ الشّريفِ؟


*200*

من السنن والنوافل

تمهيد

سنّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) صلواتٍ زيادةً على الصلوات الخمسِ المفروضة، وهي قسمان: الصلوات المسنونة غير المؤكّدة، والصلوات المسنونة غير المؤكدة. ومِنَ الصلوات المؤكّدة صلاة التراويح وصلاة الوتر.

صلاة التراويح مِنَ الصلوات الّتي سنّها الرسول (صلى الله عليه وسلم)، يُؤديها المسلمون في كلّ ليلةٍ من ليالي شهر رمضان المبارك، بعد أداء صلاة العشاء، ويمتدُّ وقتها إلى طلوعِ الفجرِ، تقرباً إلى الله تعالى، طلباً للأجر والثواب. وقد صلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) صلاة التراويح بأصحابه في المسجد ثلاث ليالٍ، ثم ترك ذلك خوفاً من أن تفرض، كما صلّاها الصّحابة (رضي الله عنهم) بعده، ولهذهِ الصّلاةِ فضلٌ كبيرٌ، قالَ رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم): "شهرٌ كتبَ اللهُ عليكم صيامهُ، وسنَنْتُ لكمْ قيامهُ، فمن صامهُ وقامهُ إيمانًا واحتسابًا خرجَ منْ ذُنوبهِ كيومِ ولدتهُ أمّهُ". رواه ابنُ ماجةَ.

وأمّا صلاة الوترِ فهي أيضًا سنةٌ مؤكدةٌ، واظب الرسول (صلى الله عليه وسلم) على أدائِها، وحثّ المسلمين على صلاتها فقال: "يا أهلَ القرآن أوتِروا، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ وترٌ يُحبُّ الوِتْرَ". رواهُ الترمذيُّ.

مناقشة

- ما فضل صلاة التراويح مِنْ خلالِ حديثِ الرسولِ (صلى الله عليه وسلم)؟

- لماذا سُمّيتْ كلٌّ مِنْ صلاة التراويحِ وصلاة الوتر بهذا الاسمِ؟


*201*

كيفيّةُ صلاةِ التراويحِ

صلاة التراويح ثماني ركعاتٍ عدا الوترِ، حيث ثبت أنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صلّى التراويحَ ثماني ركعاتٍ وأوترَ بعدها بثلاثٍ، قالت السيّدةِ عائشةُ رضي الله عنها: "ما كانّ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) يزيدُ في رمضانَ ولا في غيره على إحدى عشرةَ ركعةَ"، رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ.

وتُؤدّى صلاة التراويحِ ركعتيْنِ ركعتيْنِ، يقرأ المصلّي في كل ركعةٍ سورةُ الفاتحةِ، وما تيسّر له مِنَ القرآن الكريم، ويُسلّم بعد أداء الركعتيْن، ثمَّ يأتي بركعتيْن أخرييْن، ثم يستريح الإمام والمصلّون كلّ أربع ركعاتٍ.

كيفيّة صلاةِ الوترِ

صلاة الوترِ ركعةٌ واحدةٌ، أو ثلاثُ ركعاتٍ أو أكثرُ؛ بعدد فرديّ، يؤدّيها المسلمُ بعد أدائه ركعتي سنّة العشاء، ويستمرّ وقتُها إلى قبيلِ دخول وقت الفجر، وسمّيتْ بهذا الاسم؛ لأنَّ عدد ركعاتها فرديٌّ.

وقد اعتاد المسلمون على صلاتها ثلاث ركعات بإحدى هذه الكيفيّات:

1. صلاةُ ركعتيْنِ ويسلّمُ، ثمَّ صلاةُ الركعةِ الثّالثةِ.

2. صلاةُ ركعتيْنِ ثمَّ يقرأ التّشهّدَ، ويقومُ للرّكعةِ الثّالثةِ، ويسلّمُ بعدها.

3. صلاةُ ثلاثِ ركعاتٍ دونَ الجلوسِ الأوّلِ والتّشهّدِ الأوّلِ، ثمَّ يقرأ التشهّدَ ويسلّمُ.

أحفظ دعاء القنوتِ:

"اَللّهمَ اهدني فيمنْ هديْتَ، وعافِني فيمنْ عافيتَ، وتولّني فيمنْ تولّيْتَ، وبارك لي فيما أعطيتَ، وقِني شرَّ ما قضيْتَ، إنّكَ تقضي ولا يُقْضى عليْكَ، وإنّهُ لا يذلُّ مَنْ واليْتَ، ولا يعزُّ مَنْ عاديْتَ، تباركْتَ ربّنا وتعاليْتَ".


*202*

أثري معلوماتي

صلاة الضحى

صلاة الضحى سنّة مستحبّة، حرص الرسول (صلى الله عليه وسلم) عليها، أقلّها ركعتان، وأفضلها أربعٌ، وأكثرها ثماني ركعات. يمتدّ وقتها من بعد طلوع الشمس وارتفاعها قدر رمح أي بعد طلوع الشمس بربع ساعة تقريبًا إلى ما قبل دخول وقت الظهر بربع ساعة أيضًا، وتُصلّى ركعتيْن ركعتين كالنوافل الأخرى.

نشاط صفيّ:

نقرأُ الأحاديث التالية ونستنبطُ الحكم الذي تدلّ عليه:

- عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: أوصاني خليلي (صلى الله عليه وسلم) بثلاث: صيام ثلاثةِ أيّامٍ من كل شهر، وركعتي الضحى، وأنْ أوترَ قبلَ أن أنامَ. صحيح البخاري.

- سُئلتْ عائشة رضي الله عنها: كم كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يُصلّي الضحى؟ قالت: أربع ركعاتٍ ويزيدُ ما شاء. رواه مسلم.


*203*

اَلتقويم

أَجِبْ عَمَّا يَلي:

1. ما حكمُ كلّ مِنْ صلاةِ التّراويحِ وصلاةِ الوترِ؟

2. اُذكُرْ فضلَ صلاةِ التّراويحِ!

3. لماذا سمّيتْ كلٌّ من صلاة التَّراويحِ وصلاةِ الوترِ بهذا الاسمِ؟

4. قارن بين صلاة التراويحِ وصلاةِ الوترِ.

5. ما فوائد صلاة الضحى؟

اِبْحَثْ في مَصادِرِ المَعْلوماتِ وأجبْ:

- مَنْ أوّلُ منْ صلّى صلاة التراويحِ عشرين ركعةً؟

- ما الفوائدُ والحكمُ من مشروعيّة صلاة التراويحِ؟

- ما المواطن الأخرى الّتي يدعو فيها المسلم بدعاءِ القنوتِ؟


*204*

أحكام الصوم وفضله


*204*

تمهيد

فُرض صيام شهر رمضان في شعبان من السنة الثانية للهجرة، وقد كان الصيام معروفًا عند الأمم السابقة، وعند أهل الكتاب الّذين عاصروا النبيّ (صلى الله عليه وسلم). قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) سورة البقرة. إلاّ أنّ وجوب صوم رمضان لم يُشرع مِنْ قَبْلُ، إذ تختصّ أمّه سيّدنا محمّد بفرضيّة صوم شهر رمضان، وتلتقي مع الأمم السابقة في أصل مشروعيّة الصوم.

ولمّا كان صيام شهر رمضان ركناً من أركان الإسلام، كان جاحد وجوبه كافراً، ويعامَلُ معاملة المرتدّ. أمّا مَنْ ترك صومَه بغير عذر، وكان غير جاحد لوجوبه وَجَبَ حَبْسُه ومَنْعُه مِنَ الطعام والشراب نهارًا ليحصل له الصوم بذلك، ولو صورة. فصيام شهر رمضان عبادة فرضها الله تعالى، يقوم المسلم بأدائها استجابة لأمر الله تعالى، وقياماً بحقّ العبوديّة له، ومما لا شكّ فيه أيضًا أن للصوم حكماً وفوائد كثيرة قد يطلع العباد عليها، ويبقى الكثير منها خافيًا عليهم.

مناقشة

- ما الحِكَمُ والفوائد الّتي يمكن أنْ يستشفّها المسلم في الصوم؟

- كيف يثبُتُ دخول شهر رمضان؟

- ما المقصود بقوله (صلى الله عليه وسلم): "مَنْ لَمْ يَدَعْ قولَ الزورِ وَالعمَلَ به فليْسَ لله حاجةٌ في أن يدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ". رواه البخاريّ.


*205*

أتذكّرُ:

تعريف الصيام:

الإمساك عنِ المفطّرات مِنْ طلوع الفجر إلى غروب الشمس مَعَ النيّة.

ثبوت شهر رمضان:

1. رؤية الهلال ليلة الثلاثين من شهر شعبان.

2. إكمال عدّة شعبان ثلاثين يوماً.

شروط وجوب الصوم:

1. الإسلامُ والبلوغ والعقل.

2. اَلخلوّ عن الأعذار المانعة مِنَ الصوم وهي: التلبّس بالحيض أو النفاس جزءًا من أجزاء النهار، والإغماء أو الجنون المطبق بياض اليوم كلّه.

أركان الصوم:

1. اَلنيّة: ويُشترطُ فيها التبييت، والتعيين، والتكرار.

2. الإمساك عن المفطّرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

الأعذار المبيحة للإفطار:

1. المرض الذي يُسبّب لصاحبه ضرراً أو ألماً شديداً.

2. السفر الطويل بشرط أن يكون سفراً مباحاً.

3. العجز عن الصيام بسبب الكبر أو المرض الذي لا يرجى برؤه.

نشاطٌ

أتذكّر آداب الصوم ومكروهاته وأسجّلها في دفتري!


*206*

قضاء رمضان والفدية

1. المسافر والمريض:

يجب على مَن فاته شيء مِنْ رمضان بسبب السفر أو المرض أن يقضيه قبل حلول شهر رمضان من العام الّذي يلي، قال تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) سورة البقرة. فإن لم يقض تساهلاً حتى دخل رمضان آخر أثم، ولزمه مع القضاء فدية، وهي أنْ يطعم عن كلّ مداً من غالب قوت البلد، يتصدّق به على الفقراء، ويتكرّر بتكرّر السنين.

المدُّ: يُساوي ملء حفنة، وبالوزن ما يساوي ستمائة غرام تقريبًا.

2. الكبير العاجز، والمريض الّذي لا يُرجى بُرؤُه:

إذا اضطر الشيخ المسنّ إلى الفطر، وجب عليه أن يتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من غالب قوت البلد، ولا يجب عليه، ولا على أحد مِنْ أوليائه غير ذلك. قال تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) سورة البقرة. قال ابن عبّاس: هو الشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً.

والمريض الذي لا يُرجى برؤه حُكْمُه حُكْمُ المسنّ الذي لا يقدر على الصوم، فيفطر، ويتصدّق عن كلّ يوم بِمدّ من غالب قوت البلد.

3. اَلحامل والمرضع:

إذا أفطرت الحامل والمرضع خوفاً من حصول ضرر بالصوم على نفسها، وجب عليها القضاء فقط قبل حلول شهر رمضان آخر. قال (صلى الله عليه وسلم): "إن الله تعالى وَضَع عن المسافر شَطْرَ الصلاةِ، والصومَ عن المسافِرِ وعنِ المرضِعِ والحُبْلى". رواه أبو داود والترمذيّ.

وإن أفطرت خوفاً على طفلها، وذلك بأن تخاف الحامل من إسقاطه إن صامت، أو تخاف المرضع أن يقلّ لبنها فيهلك الولد إن صامَتْ؛ وجب عليها والحالة هذه القضاء والتصدّق بمدّ مِنْ غالب قوت البلد عن كلّ يوم أفطرته.


*207*

كفارة الإفطار في رمضان

تجب الكفارة عند إفساد صوْم يوم مِنْ أيّام رمضان بجماعٍ، بشرط أنْ يكون المُجامعُ ذاكِرًا لصومِهِ، عالماً بالحُرمةِ، غير مُترخِّصٍ بالسفر. فَمن فعل ذلك ناسيًا للصوم، أو جاهلاً بالحُرمة، أو كان مسافرًا سفراً يُخوّله الإفطار فجامَعَ، أو أفطر متعمّداً ولكن بغير الجماع، فلا كفّارة عليه، وإنّما عليه القضاء فقط.

عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: بينما نحن جلوس عند النبيّ (صلى الله عليه وسلم) إذ جاءه رجل فقال: يا سول الله، هلكت. قال: "ما أهْلكك؟" قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم وفي رواية: أصبت أهلي في رمضان فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "هلْ تجدُ رقبةً تعتقها؟" قال: لا. قال: "فهلْ تستطيع أنْ تصومَ شهريْن متتابعيْن؟" قال: لا. قال: "فهلْ تجدُ إطعام ستينَ مسكيناً؟" قال: لا. قال: فمكث النبيّ (صلى الله عليه وسلم)، فبينا نحن على ذلك أتي النبيّ (صلى الله عليه وسلم) بعرق فيه تمر والعرَقُ: المكتلُ قال: "أينَ السائلُ؟" قال: أنا. قال: "خذ هذا فتصدّقْ بِهِ". فقال الرجل: على أفقَرَ منّي يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابَتَيْها يريد الحرّتَيْن (المدينة) أهلُ بيتٍ أفقر من أهل بيتي. فضحك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتّى بدت أنيابه، ثم قالَ: "أطْعِمْه أهَلكَ". رواه مسلم.

الكفّارة هي:

عِتْقُ رقبة مؤمنة، فإن لم يجد أو لم يستطع فصيام شهريْن متتابعيْن، فإن لم يستطع فإطعام ستّين مسكيناً لكلّ مسكين مدٌّ مِنْ غالب قوت البلد.


*208*

أثري معلوماتي:

- اِختلاف المطالع: إذا رُؤي الهلال في بلد لَزِم الصوم أهل البلاد القريبة من بلد الرؤية، دون أهل البلاد البعيدة، لأنّ البلاد القريبة في حكم البلد الواحد لاتحاد المطالع.

- حكم بلد السفر: إذا لم يجب الصوم على أهل بلد بعيد، فسافر إليه شخص من بلد الرؤية فإنّه يوافقهم في الصوم آخرًا، وإن كان قد أتمّ ثلاثين يومًا، لأنّه بالانتقال إلى بلدهم صار واحداً منهم، فليزمه حكمهم.

ومن سافر من البلد الذي لم يرَ فيه الهلال إلى بلد الرؤية أفطرَ معهم، سواء أصام ثمانية وعشرين يوماً، وذلك بأن كان رمضان عندهم ناقصاً فأفطر معهم في التاسع والعشرين، أم صام تسعة وعشرين، وذلك بأن كان رمضان عندهم تاماً. لكنه يقضي يوماً إن صام ثمانية وعشرين، لأنّ الشهر لا يكون كذلك.


*209*

اَلتقويم

أجِبْ عَمَّا يلي:

1. ما فضل صوم شهر رمضان؟

2. على مَنْ يجب القضاء والفدية معًا؟ ولماذا؟

3. على مَنْ تجب الكفارة؟ وهل يُشترطُ فيها الترتيب؟ ما الدليل على ذلك؟

4. سافر من بلده في اليوم الثامن والعشرين من رمضان إلى بلد أخرى فوجدهم مفطرين لثبوت رؤية هلال شوال عندهم، فماذا يفعل؟ اشرح ذلك مع التعليل!

5. اذكر بعضاً من آداب الصوم!

اِبْحَثْ في مصادر المَعْلوماتِ وأجبْ:

- هل يُمكِنُ الاعتمادُ على الحسابات الفلكيّة لثبوت شهر رمضان؟ وضح ذلك!

- ما حكم مَنْ مات قبل أن يقضي ما فاتهُ من رمضانَ بسبب السفر؟

- هل تجب الكفّارة على الزوجة في حال الجماع في رمضان؟ علّل ذلك!


*210*

الأموال التي تجب فيها الزكاة


*210*

تمهيد

حرص الإسلام على معالجة المشكلات الّتي تواجه الإنسان من أجل تحقيق السعادة والطمأنينة والاستقرار للفرد والمجتمع، ومِنْ أبرزِ هذه المشكلات مشكلة الفقر الّتي كان يستعيذ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) بالله منها لما لها مِنْ آثار سيّئة تصيب الفرد والمجتمع، فالفقر يُشتّت فكر الإنسان، ويعطّل طاقته، كما ويهدّد أمْنَ المجتمع واستقراره، لأنّه يملأ نَفْسَ صاحبه حقدًا على الآخرين، وحسدًا لهم، ممّا يؤدي إلى التباغض والفتن والجرائم، لذا كان (صلى الله عليه وسلم) يقول بعد صلاته: "اللهمّ إنّي أعوذُ بك من الفقر والقلةِ والذلّةِ، وأعوذُ بِكَ أن أظلِمَ أو أُظْلَمَ". رواه أحمد.

وتعدّ الزكاة الّتي هي عبادة ماليّة يتقرّب بها المسلم إلى الله تعالى، والإنفاق على الفقراء والمساكين وذوي الحاجات مِنْ أفضلِ الوسائل والأساليب التي عالج بها الإسلام مشكلة الفقر، لذا وجّه الإسلامُ الناس وحثّهم في كثير من الآياتِ والأحاديث على الإنفاق ودفع أموال الزكاة، قال تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) سورة البقرة. وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "بُنِيَ الإسْلامُ على خَمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان". متفق عليه.

مناقشة

- كيفَ تعالج الزكاة مشكلات المجتمع الاقتصاديّة والاجتماعيّة والنفسيّة؟


*211*

الأموال التي تجب فيها الزكاة

(جدول في الكتاب مكون من ثلاثة أعمدة:)

الأموال التي تجب فيها الزكاة:

- الذهب والفضّة

- العملة النقديّة

- عروض التجارة

مقدار الزكاة: 2.5 (بالمائة)

شروط وجوب الزكاة:

1. أن يبلغ النصاب.

- نصاب الذهب 85 غرامًا.

- نصاب الفضّة 594 غرامًا.

- تُقدّر العملة الورقيّة وعروض التجارة بنصاب الذهب أو الفضّة.

2. أن يحول على المال المملوك حولٌ كاملٌ.

3. أن يكون المال مملوكًا لصاحبه مُلْكًا تامًّا.

4. أن يكون المال زائدًا عن الحاجة الأصليّة لصاحبه.

الأموال التي تجب فيها الزكاة: اَلأنعام (الإبل والبقر الغنم)

مقدار الزكاة: لكلّ نوع مِنَ الأنعام نسبة زكاة معيّنة حسب العدد.

شروط وجوب الزكاة:

1. أن تبلغ النصاب.

- نصاب الإبل: 5 مِنَ الإبل.

- نصاب البقر: 30 من البقر.

- نصاب الغنم: 40 من الغنم.

2. أن تكون الأنعام سائمة غير مَعْلوفة.

الأموال التي تجب فيها الزكاة: الزرع والثمار

مقدار الزكاة: 10 (بالمائة) إذا كانت تُسقى بماء السماء.

5 (بالمائة) إذا كانت تُسقى بكُلْفة وجهد.

شروط وجوب الزكاة:

1. أن يبلغ المال النصاب، ونصاب الزروع والثمار 653 كغم تقريبا.

2. أن يكون المال مملوكًا لصاحبه ملكا تامًا.

3. أن يكون المال زائدًا عن الحاجة الأصليّة لصاحبه.

- لا يشترط حولان الحول، وإنّما تجب الزكاة عند حصادها.

الأموال التي يجب فيها الزكاة: المعادن

مقدار الزكاة: 2.5 (بالمائة)

شروط وجوب الزكاة: تجب زكاتها عند استخراجها.

الأموال التي يجب فيها الزكاة: اّلرّكاز

مقدار الزكاة: 20 (بالمائة)

شروط وجوب الزكاة: تجب زكاته عند استخراجه.

نشاط

ابحث في مصادر المعلومات وحدد المقدار الواجب في زكاة الأنعام!


*212*

أثري معلوماتي

- لا زكاة في المنازل المعدّة للسكن، ولا في أثاث المنازل، ولا في السيّارات المعدّة للاستعمال الشخصيّ، ولا في دوابّ الركوب، ولا في كتب العلم الخاصّة، ولا في حليّ المرأة.

- لا زكاة في الآلات الصناعيّة المستخدمة في المصانع، إنما الزكاة على الموادّ الأوّليّة، والبضائع المنتجة والمعدّة للتجارة.

- تجب الزكاة في قيمة عروض التجارة لا في عينها، وتقدّر نسبة الزكاة بعد جمعِ رأس المال مع الأرباح.

- تجب الزكاة في أسهم الشركات والأراضي والعقارات المعدّة للتجارة.

دَوْر الزكاة في حلّ مشكلات المجتمع

اَلزكاة دعامة أساسيّة من دعائم المجتمع الإسلاميّ، ولها فوائد عظيمة يتحقَّق كثير منها بتحرّي جوانب الحكمة مِن تشريعها منها:

- اَلقضاء على البطالة، وسدّ منافذ الحاجة والفقر في المجتمع.

- حفظ التوازن بين الناس، والعمل على إلغاء الفوارق الاجتماعيّة.

- تقوية أواصر المحبّة والأخوة بين أفراد المجتمع.

- حفظ المجتمع من شيوع نوازع الشرّ والأحقاد، وتفشّي ظواهر العنف والجرائم.

- تطهير نفوس الأغنياء مِنَ البخل والشّحّ، ونزع الحقد والحسد والضغينة من نفوس الفقراء.


*213*

التقويم

أَجِبْ عَمَّا يَلي:

1. اِستخرج مِنْ سورة الأنعام آية تدلّ على أنّ الزروع والثمار لا يُشترط لها حولان الحّوْل!

2. لماذا لا يُشترطُ الحَوْل في زكاة الزروع والثمار؟

3. اِقترح بعض الأفكار الّتي تؤكّد قدرة الزكاة على حماية المجتمع مِنَ الجرائم!

4. بيّن رأيك في نظام الزكاة الذي شرعه الإسلام ليحافظ على حقوق الفقراء والمساكين!

اِبْحَثْ في مَصادِرِ المَعلوماتِ وأجبْ:

هل تجب الزكاة في حُليّ المرأة؟ بيّن آراء الفقهاء في المسألة!


*214*

مناسك الحج والعمرة -


*214*

تمهيد

للعبادات في الإسلام أثر كبير في إيجاد جوٍّ مِنَ الألفة والترابط بين أفراد المجتمع، ومِنْ أعظم هذه العبادات الحجّ الّذي يعمل على جمع المسلمين مِنْ جميع أرجاء المعمورة في وقت واحد، ومكان واحد، يسألون الله تعالى العفو والرحمة والمغفرة والنجاة مِنَ النار. فالحجّ رحلة طيّبة مباركة ينتقل فيها المسلم ببدنه وقلبه وروحه إلى البلد الأمين، حيث بيت الله الحرام الّذي جعله الله تعالى رمزًا لتوحيد الأمّة الإسلامية، ومظهراً من مظاهر الوحدة والتآلف بين المسلمين.

مناقشة

قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) سورة البقرة.

- بِمَ يتميّز الحجّ عن بقيّة العبادات في الإسلام؟

أتذكّر

تعريف الحجّ والعمرة:

الحجّ: هو قصد بيت الله الحرام لأداء عبادة مخصوصة، في وقت مخصوص.

العمرة: هي قصد بيت الله الحرام في غير وقت الحج لأداء عبادة مخصوصة بشروط مخصوصة.


*215*

الإحرام:

الإحرام هو: نيّة الدخول في النسك.

حُكْم الإحرام: ركن مِنْ أركان الحج والعمرة.

مستحبات الإحرام:

1. الاغتسال والتنظّف.

2. اَلتطيّب في البدن لا في الثياب.

3. لبس الإزار والرداء للرجال. (لا يوجد للنساء زيّ معيّن للإحرام، بل يشترط فيه ما يشترط في لباس المرأة عند خروجها مِنْ بيتها، ويجب عليها كشف وجهها وكفّيها).

4. صلاة ركعتيْن، وهي سُنّة ينوي بهما سُنّة الإحرام.

صفة الإحرام:

أن يتجرّد مِنَ المخيط، ويلبس ملابس الإحرام، ثمّ ينوي الدخول في النسك الّذي يريده مِنْ حجّ أو عمرة ويقول: "لبّيْك حجًّا" إن كان يريد الحجَّ، أو "لبّيك عمرة" إن كان يريد العمرة.

محظورات الإحرام:

1. لِبْسُ المَخيط أو المُحيط مِنَ الثياب في جميع بدنه.

2. تغطية الرأس إلّا من عُذر، أو تغطية بعضه.

3. ترجيل الشعْرِ وتسريحه أيًّا كانت وسيلة ذلك.

4. حلقُ الشعر أو نَتفِه إلّا إذا اقتضت الضرورة لذلك.

5. تقليم الأظفار إلّا أن يكون مِنْ عُذْر كأن انكسر الظفر وتأذى به فاضطر إلى قَطْعِه.

6. التطيّب في أيّ جزء مِنَ البدن أو الثياب.

7. قتْلُ الصيد المأكول إذا كان برّياً أو وحشيًّا.

8. عقْدُ النكاح، سواء فعل المُحْرمُ ذلك لنفسه أو غيره بتوكيل منه.

9. الجِماع بأشكاله وأنواعه المختلفة، والمباشرة بشهوة فيما دون الجماع.


*216*

أعمال الحجّ منها ما هو ركنٌ، ومنها ما هو واجبٌ، ومنها ما هو سُنّة، نفصّلها على النحو التالي:

اَلأركان:

هي العمال الّتي إذا تُرِكَ واحدٌ منها بطل الحجّ، ولا ينجبر بأيّ كفّارة أو فدية، وهي:

1. اَلإحرام، وقد سبق بيانه.

2. اَلوقوف بعرفة للحديث الصحيح: "الحجُّ عرفةَ، مَنْ جاء ليلة جَمْعٍ قبل طلوعِ الفجرِ فقد أدركَ الحجَّ" رواه أبو داود. ويكون الوقوف بها في جزء مِنَ أجزاء الفترة التي تبدأ بظُهْرِ اليوم التاسع من ذي الحجّة إلى فجر يوم النحر.

3. طواف الإفاضة بعد النزول من عرفة، ويؤدّيه الحاجّ سبعة أشواط حول الكعبة، لقوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) سورة الحج. ومن شروطه: النيّة، وستر العورة، والطهارة.

4. اَلسعي بين الصفا والمروة، ودليل هذا الركن أنّه (صلى الله عليه وسلم) استقبل القبلة في السعي وقال: "يا أيّها الناسُ اسْعوا" سنن الدارقطنيّ. ويُشترط أن يكون السعي سبعة أشواط عقب طواف، سواء كان طواف القدوم أو طواف الإفاضة، لفِعْل الرسول (صلى الله عليه وسلم) الدالّ على ذلك، ويبدأ بالصفا وينتهي بالمروة.

5. اَلحلقُ أو التقصير، فيشمل كلّ ما يُسمّى قصًّا للشعر، ويدخل فيه قصّ ثلاث شعرات فأكثر، ويدخل الحلق بمعنى استئصال الشعر. وهو ركن على الصحيح في مذهب الإمام الشافعيّ. ويكون الحلق بعد رمي جمرة العقبة مِنْ بعد منتصف ليلة النحر، وبه يحصل التحلّل الأوّل.

اَلواجبات:

هي الأعمال الّتي إذا تُرِكَ واحد منها يُجبر بإراقة دم، وهي:

1. الإحرام مِنَ الميقات. المواقيت هي مواضع وأزمنة متعددة لعبادة مخصوصة.


*217*

2. المبيت بمزدلفة بعد غروب الشمس مِنْ يوم عرفة إلى ما بعد منتصف الليل مِنْ ليلة النحر، ويجمع الجمرات ليرميها في منى.

3. رُميُ الجمار، فيجب على الحاجّ:

- رمي جمرة العقبة الكبرى فقط بسبع حَصَيات بعد منتصف ليلة النحر.

- يجب عليه في كلّ يوم مِنْ أيّام التشريق أن يرمي سبع حصيات إلى كلّ من الجمرة الأولى (الصغرى) التي تلي مسجد الخيفِ، ثمّ الوسطى، ثمّ جمرة العقبة الكبرى على هذا الترتيب.

4. اَلمبيت بمنى ليلتي التشريق، بحيث يمضي معظم الليل فيها، أمّا ليلة اليوم الثالث فقد رخَص الله للحاجّ عدم المبيت فيها بشرط أنْ لا تغرب عليه الشمس وهو لا يزال في منى.

5. طواف الوداع، لما رواه البخاريّ عن أنس (رضي الله عنه) انّه (صلى الله عليه وسلم) لما فرغ من أعمال الحجّ طاف الوداع، وهذا الطواف يسقط عن المرأة الحائض.

نشاط

اِبحث في الشبكة العنكبوتيّة أو في مصادر الفقه الإسلاميّ واكتب سنن الحجّ في دفترك!

أعمال العمرة:

تتلخص أعمال العمرة كالتالي:

1. اَلإحرام بالعمرة على طريقة الإحرام بالحجّ.

2. دخول مكّة والطواف حول الكعبة مباشرة، بدون أن يكون هناك طواف للقدوم.

3. اَلسعي بين الصفا والمروة.

4. اَلحلق أو التقصير.

وبذلك يتحلّل المعتمر مِنْ أعمال العمرة والتزاماتها.


*218*

اَلتقويم

أَجِبْ عَمَّا يَلي:

1. عرّف ما يلي: الحجّ، واجبات الحجّ، الميقات المكانيّ.

2. ماذا يترتّب على ترك ركن مِنْ أركان الحجّ؟ علّل إجابتك.

3. ما الفرق بين واجبات الحجّ وأركانه؟

4. حدّد المناسك المشتركة بين الحجّ والعمرة.

5. سُئلَ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) أيّ العمل أفضل؟ فقال: "إيمانٌ بالله ورسول"، قبل: ثمّ ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"، قيل: ثمّ ماذا؟ قال: "حجٌّ مبرورٌ". فما المقصود بالحجّ المبرور؟

اِبْحَثْ في مَصادِرِ المَعلوماتِ وأجبْ:

اَلاستطاعة شرط من شروط وجوب الحج:

- ما المقصود بالاستطاعة؟

- كيف تتحقَّق الاستطاعة لكلٍّ من الرجل والمرأة؟


*219*

أحكام الخطبة والزواج


*219*

تمهيد

الأسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع، والأساس لكلّ ما يؤول إليه مِنَ استقامة أو انحراف، واستقرار أو ضياع، وسعادة أو شقاء، لذا فقد اهتمّ الإسلام بها، ووضع لها المبادئ الأساسيّة التي تصونها، وتضمن لها القوّة والبقاء، وألقى على عاتقها دورًا مهماً يتجلّى في المحافظة على النّوع الإنسانيّ، وبناء النّفس الإنسانيّة المتكاملة، والمحافظة على سلامة المجتمع مِنَ الانحلال الخلقيّ، وتحقيق السعادة للإنسان.

والزواج في الإسلام عَقْد بين الرجل والمرأة غايته حِلّ الاستمتاع، وحِفْظ النوع البشريّ. وقد أوجب الإسلام على الإنسان أن يتحلّى بآداب معيّنة بعيدة كلّ البعد عن العلاقة بين البهائم والتي تتصرف بالغريزة لا بالإدراك، فيتطلّب من الزوجين أن يدركا أنّ الزواج مسؤولية كبيرة، وهي المشاركة في تربية الأبناء ورعايتهم وإرشادهم إلى الخير والصلاح، وهذه المسؤوليّة من أفضل العبادات في الإسلام، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)) سورة الفرقان.

مناقشة

- ما رأيك فيمن يدّعي أنّ العلاقة قبل الزواج ضرورة لحياة زوجيَّة سعيدة؟

- ما الأساليب الّتي يستخدمها الشباب في اختيار شريكة الحياة؟ بيّن إيجابيّات كلّ أسلوب وسلبيّاته.

- يرجع كثير مِنْ أسباب الطلاق في عصرنا إلى جهل الزوجيْن وقلّة ثقافتهما الزوجيّة، ناقش هذه العبارة واذكر أهمّ ما يحتاج الزوجان إلى تعلّمه قبل الزواج!


*220*

خطوات ما قبل الزواج:

أولاً: البحث عن الصفات التي تُطلب في كلّ مِنَ الزوجين:

أرشد الإسلام إلى عدّة من الصفات تكون في المخطوبة، كما تكون في الخاطب، وحثّ على تلمّسها، والبحث عنها، وجعلها الأسسَ الَتي يتمّ وفقها اختيار الزوج والزوجة، مِنها:

1. الدّين الصحيح والخلق القويم:

بيّن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أسباب اختيار الزوج والزوجة، ثمّ حثَّ على اختيار المتمسّكين بدينهم، وذلك لأن الدينّ يحفظ مِنَ الوقوع في المخالفات، ويبعد عن المحرّمات، فقال: "إذا خطبَ إليكم مِنْ ترضوْنَ دينَهُ وخلقَهُ فزوّجوهُ إلّا تفعلوا تكُنْ فِتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ" سنن الترمذي. وقال (صلى الله عليه وسلم) في الزوجة: "تُنْكحُ المَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لمالها ولِحَسَبها ولِجَمَالها وَلدينها: فَاظْفَرْ بذاتِ الدّين تَربَتْ يَدَاكَ". متفق عليه.

أمَا حُسنُ الخُلُقِ فهو أساس قويم، ومنهج حكيم، إذ يمنع صاحبه من قول فُحْش القول، وبذاءة اللسان، وسوء المنطق، ويكون أقدر على الحِلم والصّفح والمروءة والتضحية، وهي أمور تساعد على حياة زوجيّة سعيدة.

2. النسب في كلٍّ من الزوجين:

يُسنّ في الزوج أن يكون ذا حسبٍ وأصل طيّب، لأنّ ذلك أعون على استدامة الحياة الزوجيّة، وأقرب إلى طيب العشرة، لأنّ صاحب الأصل الطيّب لا يصدر عنه إلّا العشرة الكريمة، إذا أحبّ أكرم، وإذا أبغضّ لا يظلم. قال (صلى الله عليه وسلم): "تخيَّروا لِنُطفكُمْ فإنَّ العِرْقَ دسّاسٌ" رواه ابن ماجة.

3. التكافؤ بين الزوجين:

وهو التقارب في السنّ والعلم والخُلُق والمكانة الاجتماعيّة، وذلك لحِفْظِ مستوى الحياة الزوجية، والانسجام بين الزوجين، وقد اختلف العلماء في هذا العصر فمنهم من قال بضرورة هذا الأساس لقوله (صلى الله عليه وسلم: "تخَيَّروا لِنُطَفِكُمْ وانْكَحوا الأكْفاءَ وانكِحوا إلَيْهِم". رواه ابن ماجة.


*221*

نشاط

اِبحث عن قصّة عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه) وبائعة اللبن، واستنتج العلاقة بين القصّة وشرط الدين والخُلُق في اختيار الزوجة الصالحة!

ثانياً: رؤية المخطوبة والنّظر إليها:

يُسَنُّ النظر إلى المخطوبة قبل الخطبة إذا قصدَ نكاحها، وله تكرير النظر إن احتاج إليه، ليتبيّن هيئتها، فلا يندم بعد النكاح، إذ لا يحصل الغرض غالبًا بأوّل نظرة. فقد جاء في حديث المغيرة بن شعبة (رض الله عنه) أنّه خطب امرأة، فقال له النبيّ (صلى الله عليه وسلم): "انظُرْ إليْها فَإنَّهُ أَحْرى أن يُؤْدَمَ بَيْنَكُما". رواه الترمذيّ. أي أحرى بأنْ تدوم العشرة بينكما، وقال (صلى الله عليه وسلم): "إذا خَطَبَ أحَدُكُم المرأة فقدرَ أن يرى منها بعْضَ ما يَدْعوهُ إلى نِكاحِها فليَفْعَلْ". رواه أحمد.

ثالثاً: الخِطْبة:

أباح الإسلام أنْ يتعرّف الرجل على الفتاة الّتي يرغب بالزواج منها، وأن تتعرّف الفتاة على الرجل الذي ترغب بالزواج منه مِنْ خلال لقاءات تتمّ بينهما يشهدها محارم الفتاة، وهذه مرحلة ما قبل الزواج أو الاقتران وتسمّى "الخطبة". فالخطبة هي: طلب يد امرأة معيّنة خالية مِنَ الموانع الشرعيّة للتزوّج بها، وهي المقدّمة إلى عقد الزواج. وتحِلُّ الخطبة إذا كانت المخطوبة خليّة من نكاح أو عِدّةٍ، ومِنْ كل موانِع النكاح. وتحرُمُ خطبة إنسان على خطبة أخيه، إذا كان قد صرح بالإجابة، إلّا بإذنه. فإن لم يُجَبْ ولم يُرَدّ لم تحرم الخطبة. ودليل ذلك قول النبي (صلى الله عليه وسلم): "لا يخطُبُ الرجلُ على خِطْبةِ أخيهِ حتّى يتْرُكَ الخاطبُ قبلَهُ، أو يأذَنَ لهُ الخاطبُ" رواه البخاريّ.

مِنْ أحكام الخِطْبة:

1. لا ينعقد الزواج بقراءة الفاتحة، وتبادل الهدايا، ولبس الخاتم، ولا يترتّب على الخطبة أيّ حكم شرعيّ من أحكام عقد الزواج.

2. يجوز لكلّ من الخاطب والمخطوبة العدول عن الخطبة.

3. يحرم على الخاطب أنْ يخلو بالمخطوبة أو يخرج معها دون محرم، لأنّها لا تزال أجنبيّة عنه.


*222*

وصايا قبل الزواج

- الاستخارة: فما خاب من استخار، ومنْ سعادة الإنسان استخارته لله تعالى.

- الاستشارة: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): المستشارُ مُؤْتَمنٌ" رواه الترمذيّ.

- تعلّم الأحكام الشرعيّة والاجتماعيّة المتعلقة بالحياة الزوجيّة.

اَلزواج وأحكامه

عقد الزواج:

هو عقْد يُفيد حلّ استمتاع الزوجين بعضهما ببعض على الوجه المشروع، ويجعل لكلّ منهما حقوقًا وواجباتٍ تجاه الاخر. وقد اهتمّ الإسلام بالزواج، وجعل له مكانة ساميّة، لأن ثمرته تكوين الأُسَر وإنجاب الأولاد، وتوثيق عرى المحبّة بين الناس، ولذلك عدّة القرآن الكريم عقدًا وميثاقًا غليظًا، قال تعالى: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) سورة النساء.

أتلو وأستنبط حِكمة الزواج وأهدافه:

1. قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) سورة الروم.

2. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) سورة النساء.


*223*

أركان عقد الزواج:

أولاً: الصيغة: الإيجاب والقبول:

1. الإيجاب: وهو العبارة الّتي تصدر من أحد العاقديْن أولاً بطلبِ إنشاء عقد الزواج، كأن يقول وليّ الزوجة: زوجتُك فُلانه، أو أنْ تقول الزوجة: زوجتُك نفسي.

2. القبول: وهو العبارة الّتي تصدر مِنَ العاقد الثاني وتدلّ على قبول الزواج، كأنْ يقول الزوج: وأنا قبلت لنفسي هذا الزواج، أو يقول الزوج: قبلت زواجك.

ثانيًا: العاقدان:

وهما الزوج والزوجة، أو مَنْ ينوب عنهما، فلا يتمّ عقد الزواج إلّا بوجود رجل راغب في الزواج، وامرأة تحلّ له شرعًا، وراغبة بتنفيذ عقد الزواج، ويشترط فيهما أن يكونا بالغين عاقلين.

شروط صحّة عقد الزواج:

يشترط لصحّة عقد الزواج ما يأتي:

1. أن يكون الزوجان عاقليْن بالغيْن مميّزيْن، فإن كان أحدهما مجنوناً أو صغيرًا لا يُميّز فإن الزواج لا ينعقد؛ لأنَّ الركن الحقيقيّ للزواج هو رضا الطرفين، وموافقتهما على الارتباط، ولا يستطيع مَنْ كان غير بالغ، أو صغيرًا، أو مجنوناً أن يعبّر عن ذلك بشكل واضح.

2. أن لا تكون بين الزوجين حرمة مؤبدة كالأم والأخت، أو حرمة مؤقتة كأخت الزوجة أو عمتها.

3. الوليّ: والأصل في اشتراط الوليّ قول النبي (صلى الله عليه وسلم): "لا نكِاحَ إلّا بِوَليّ" رواه أبو داود، وقوله (صلى الله عليه وسلم): "أَيَّما امرأةٍ نكَحَتْ بِغَيْر إذن وَلِيّها فَنِكاحُها باطِلٌ" رواه أبو داود.

4. اَلشاهدان: لا بُدَّ لصحّة العقد أنْ يشهد عليه شاهدان عدلان، لحِفْظ الحقوق. ووقوعه بغير شهود مدعاةٌ للفساد والتلاعب وضياع الحقوق.

5. أن يكون الزواج مؤبّدًا، غير محدّد بمدّة معيّنة. فإذا اتّفق الزوجان على مدّة محدّدة للزواج بطُل العقد.

6. تحقّق الرضا بين الزوجين بتوافق الإيجاب والقبول في مجلس العقد.


*224*

أناقش

- مَخاطِر زواج المرأة دون إذن وليّها.

- مَخاطِر زواج المرأة دون شهود.

اَلمَهْرُ (الصداقُ)

المهْرُ هو المال الّذي وجب على الزوج دَفْعُهُ لزوجته بسبب عقد الزواج الصحيح عليها.

اَلمهر واجب على الزوج بمجرّد تمام عقد الزواج، سواءً سُمّيَ في العقد بمقدار معيّن من المال، أو لم يُسمَّ. ودليل ذلك قوله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً (4)) سورة النساء. أيْ مهورهن، والمخاطب بذلك هم الأزواج. وعن سهل بن سعد (رضي الله عنه) قال: أتت امرأة النبي (صلى الله عليه وسلم) فقالت: إنّها وهبت نفسها لله ورسوله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: "ما لي في النساءِ مِنْ حاجةٍ"، فقال رجل: زَوِّجنيها، قال: "أَعْطِها ثوبًا"، قال لا أجدُ. قال: "أَعْطِها وَلَوْ خاتمًا من حديد" رواه البخاريّ.

والمهر حقٌّ خالصٌ للمرأة لا يجوز لأبيها أو وليّها أن يأخذ منه شيئًا إلا بإذنها، وكذلك لا يجوز للزوج أن يستردّ شيئاً مِنَ المهر إلا بطيبِ نفس منها. ولم يأت في الشرع تحديد لأقلّ المهر أو أكثرهِ، وإنّما تُرِكَ للمقدرة، وبالرغم من عدم تحديد المهر إلّا أنّ مِنَ السُنّة استحباب تخفيفه لقوله (صلى الله عليه وسلم): "إنَّ مِنْ يُمْنِ المرأةِ تَيْسيرِ خِطْبتَهِا وتَيْسيرِ صَداقِها وتَيْسيرَ رَحِمِها". رواه أحمد.


*225*

أثري معلوماتي

أنواع المهر

1. المهر المسمّى: وهو المهر المتفق عليه صراحة في عقد الزواج وقد يكون معجلاً أو مؤجلاً.

- يجب دفعه كاملاً في حالة الدخول بالزوجة، أو في حالة وفاة أحد الزوجين بعد العقد.

- يجب دفع نصفه إذا حصل الطلاق قبل الدخول. قال تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) سورة البقرة.

2. مهر المِثْلِ: وهو المهر المقدّرُ بمهر مثيلات الزوجة مِنْ قريباتها من الطبقة الاجتماعيّة نفسها. يجب دفعه في الحالات التالية:

- عند عدم ذكر المهر في عقد الزواج.

- عند الاتفاق على إسقاط المهر.

آداب عقد الزواج:

- الوليمة: وهي طعام العرْس، وهي سُنّة مؤكّدة لثبوتها عن النبيّ (صلى لله عليه وسلم) قولاً وفعلاً، فقد أوْلَمَ على بعض نسائه بمُدَّيْنِ من شعير، كما ثبت أنّه قال لعبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه) لمّا تزوّج: "أَوْلِمْ وَلَوْ بِشاةٍ"، متّفق عليه. ففي الوليمة شكر لله (عز وجل) على ما وُفِّقَ به مِنَ الزواج، وفي اجتماع الناس دعوة للتحابب والتآلف، وإظهار الزواج مِنَ السرّيّة إلى العلنيّة.

- إعلان النكاح بضَرْبِ الدفّ والغناء المباح لقول (صلى لله عليه وسلم): "فصلُ ما بينَ الحلالِ والحرامِ الدفُّ والصّوت"، رواه ابن ماجة.

- الدعاء للزوجين، لقول أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى لله عليه وسلم) كان إذا تزوّج الرجل قال: "بارَكَ الله لَكَ وبارَكَ عليْكَ وَجَمَعَ بينَكُما في خَيْرٍ"، رواه أبو داود.


*226*

مِنْ موانع صحّة عقد الزواج

1. العقْدُ على المَحارم.

2. الجمع بين المرأة وأختها أو عمَتها أو خالتها.

3. العقد في وقت الإحرام بالحجّ أو العمرة.

4. العقد على المرأة المعتدّة.

5. الزيادة على أربع زوجات.

6. التحديد بأجل.

7. التحليل: زواج المحلّل في طلاق الثلاث.

آثار عقد الزواج:

حقوق مشتركة بين الزوجين:

- حُسْنُ المعاشرة: قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) سورة النساء. وقال (صلى لله عليه وسلم): "خَيْرُكُم خَيْرُكُم لأهْلِهِ وأنا خَيْرُكُم لأهلي" رواه الترمذيّ.

- حلُّ استمتاع كلٍّ من الزوجيْن بالآخر.

- ثُبوت حُرْمة المصاهرة؛ بمعنى أن تحرُمَ الزوجة والزوج على أصول كلٍّ منهما وفُروعِهِ.

- ثُبوتُ نسب الأولاد مِنْ هذا الزواج لقوله تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (233)) سورة البقرة.

- ثُبوت حقِّ الإرث بين الزوجين بمجرّد العقد.


*227*

حقّ الزوجة على زوجها:

- وُجوبُ النفقة على الزوجة بعناصرها الثلاثة: الطعام والكسوة والمسكن.

- حُسْنُ المعاشرة بإكرامها ومعاملتها بالمعروف، والصبر عليه.

- صيانة عِرْضِها وحفظها ممّا يخدشُ شرفها ويمتهن كرامتها.

- وجوب العدْل بين لزوجات في حقوقهنّ عند التعدّد.

حقّ الزوج على زوجته

- الطاعة في غير معصية الله تعالى.

- أن تقرّ الزوجة في بيته لقوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى (33)) سورة الأحزاب.

- لا تُدخِل بيته مَنْ يَكْره.

- حِفْظُ عِرْضِهِ ومالِهِ.


*228*

اَلتقويم

أَجِبْ عَمَّا يَأْتي:

1. يُرشد الحديث الشريف: "تُنْكحُ المَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لمالها ولِحَسَبها ولِجَمَالها وَلدينها: فَاظْفَرْ بذاتِ الدّيِنِ تَربَتْ يَدَاكَ" إلى بعض أسس الزواج الناجح، بيّن ذلك، ثمّ اذكر سبب التفضيل في هذا الاختيار!

2. بيّن حُكْمَ المهر والحِكمةَ من مشروعيّته!

3. ما الآثار المترتّبة على المغالاة في المهور؟

4. ما الحقوق المترتّبة على الزواج؟

5. ما الفَرْق بين الخطبةِ وعقد الزواج؟

6. اِختر أحد موانع النكاح ثمّ حلّل سبب التحريم!

اِبحثْ في مصادرِ المعلوماتِ وأجب:

1. ما المحرّمات من النساء اللواتي يحرم على الرجل الزواج منهنّ؟

2. ما أهمّيّة الفحص الطبّيّ قبل الزواج؟

3. متى يكون حُكمُ الزواج واجبًا، ومتى حُكْمُه مندوبًا؟

4. ما حُكْمُ إجابة الدعوة إلى وليمة العرس، بيّنْ ذلك مع الدليل.


*229*

عقوبة القذفوالزنا


*229*

تمهيد

أقام الإسلام الأسرة على أسس متينة وقويّة ومترابطة، قوامها التزامات وحقوق وواجبات، شرعت إبقاءً وتدعيماً لهذه الخلية المصغرة في بناء المجتمع الأكبر ألا وهي الأسرة.

ولما كان حفظ الأعراض من مقاصد الشريعة الإسلامية، فقد شُرع الزواج للمحافظة على الأنساب وعدم اختلاطها لتكون الأسرة قويّة متماسكة، وبالتالي ينشأ المجتمع القويّ المتماسك المتين، ومِنْ أجل ذلك شرّع الله تعالى عقوبة القذف والزنا وغيرهما رادعة وزاجرة لمن تسول له نفسه الاعتداء على العرض.

مناقشة

- بماذا تمتاز الحدود عن سائر العقوبات في الإسلام؟

- كيف تكون عقوبة القذف والزنا رادعة وزاجرة؟

مِنْ أحكام الحدود

يُعتبرُ الحدّ حقاً مِنْ حقوق الله تعالى، لذا يترتّب عليه ما يلي:

1. عدم جواز العفو عن الحدود؛ لأنّ فيها اعتداء على أمن المجتمع بأسرهِ. عن عبد الله بن صفوان عن أبيه أنّه نام في المسجد وتوسّد رداءه، فأخِذ من تحت رأسه، فجاء بسارقه إلى النبيّ (صلى لله عليه وسلم) فأمَرَ به (صلى لله عليه وسلم) أن يُقْطَع، فقال صفوان: يا رسول الله لم أرِدْ هذا، ردائي عليه صدقة، فقال رسول الله (صلى لله عليه وسلم): "فَهَلّا قَبْلَ أن تَأتِيَني بِهِ". رواه النسائيّ. فالعفو في الحدود لا يقبل لأنها حق لله.


*230*

2. لا تجوز الشفاعة في الحدود لما رُوِي عن عائشة رضي الله عنها) إنَّ قُرَيشاً أهَمَّهُم شَأنُ المرأةِ المَخزوميَّةِ الّتي سَرَقَتْ، فقالوا: مَنْ يُكلّمُ فيها رسولَ الله (صلى الله عليه وسلم)؟ فقالوا: ومَنْ يُجترىءُ عليه إلّا أسامَةُ بن زَيدٍ حِبُّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ فكلَّمَهُ أُسَامَةُ، فقال رسو الله (صلى الله عليه وسلم): "أتَشفَعُ في حدٍّ مِنْ حُدودِ اللهِ"؟ ثمَّ قامَ وخَطَبَ، قال: "إنَّما أَهْلَكَ الّذينَ قَبْلِكُمْ أنَّهمْ كانوا إذا سَرقَ فيهمُ الشَّريفُ ترَكُوهُ، وإذا سَرَقَ فيهِمُ الضعيفُ أقاموا عليْهِ الحدَّ، وايمُ الله! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت: لقطعت يَدَها". رواه البخاري.

3. لا يُقامُ الحدّ إلّا بثُبوت الجريمة، إمّا بإقرار الجاني واعترافه بها، أو بشهادة الشهود على جريمته.

4. لا يُقامُ الحدّ عند وجوب شُبْهة، كأنْ يشربَ الخمرَ وهو يظُنُّ أنَّه شرابٌ حلالٌ.

5. بما أنّ الحدود هي عقوباتٌ مقدَّرةٌ شرعاً فلا يجوز لأحدٍ أن يُنْقِصَ مِنها أو يزيدَ عليها.

6. تُقامُ الحدود بشكلٍ علنيّ، وعلى مرأى منَ الناس لتكون زواجرَ لِمَنْ تُسوّل له نفسه ارتكاب الجرائم. قال تعالى: (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) سورة النور.

حدّ القذْف:

القذف: هو الرَّمْيُ بالزّنا، أي اتّهام إنسان لآخر بالزّنا تصريحاً أو تلميحاً، دون أن يكون لديه بنّية على هذا الاتّهام. وحُكْمه أنّه كبيرةٌ من الكبائرِ، وقد عدّها الرسول (صلى الله عليه وسلم) منَ السبع الموبقات الّتي تُدخلُ صاحبها النار، فقال: "اجْتَنبوا السَّبْعَ الموبقاتِ"، قيلَ: ومَا هُنَّ يا رسول الله؟ قال: "الشِرْكُ بالله، والسِّحرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الّتي حرَّم اللهُ إلا بالحَقِّ، وَأَكْلُ مالِ اليَتيمِ، والتَّوَلّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَأَكْلُ الرِّبا، وَقَذْفُ المُحْصَنات المُؤمِناتِ الغافِلاتِ". رواه البخاريّ ومسلم.


*231*

عقوبة القَذْف:

يُعاقَب مَنِ اتّهم غيره بالزّنا إذا كان حُرًّا ولم يُقمِ البيِّنة على صحّةِ ما قال العقوبات التالية:

1. عقوبة مادّيّة: وهي الجلْدُ ثمانين جلدة.

2. عقوبة أدبيّة: وهي عدمُ قبول شهادته.

3. الحُكْمَ بِفِسْقِهِ.

والدليل على ذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)) سورة النور.

شروط إقامة حدّ القَذْف:

يُشترطُ لإقامة حدّ القذْف ما يلي:

1. ألّا يكونَ القاذفُ أصلاً للمقذوف بأن يكون أبا المقذوف أو المقذوفة، فلا يقام الحدّ على الأب.

2. أن يكون المقذوف عفيفاً غير مشهور بالفاحشة بين الناس.

3. أن يُطالب المقذوف إقامة الحدّ على القاذف، لأنّه حقٌّ له، فإن شاء عفا عنه.

4. ألّا يأتي القاذف بأربعة شهود يشهدون معه على صحّة ما رمى بهِ المقذوف.

حدّ الزّنا

اَلزّنا: هو إقامة علاقة جنسيّة ما بين الرجل والمرأة بدون عقد زواج شرعيّ.

وقد عدَّ الإسلام الزنا جريمة تستحقّ أقسى العقوبات، لأنّ العلاقات الجنسية غير المشروعة تهدّد المجتمع بإشاعة الرّذائل وبالفناء والانقراض، قال تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)) سورة الإسراء.


*232*

عقوبة الزّنا:

فرّق الإسلام في عقوبة الزّنا بين حالين روعيَت فيهما حالة الإنسان، وهي:

1. حال الزاني المُحْصن: وهو الشخص الّذي تزوّج أو سبق له أنْ تزوّج، وعقوبته الرجم حتّى الموت. وثبت ذلك بفعل النبيّ (صلى الله عليه وسلم) وإجماع الصحابة. روى جابر بن عبد الله الأنصاريّ أن رجلاً مِنْ أسلَمَ أتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فرُجمَ، وكان قد أحصن. " رواه البخاري. فقد رجم الرسول (صلى الله عليه وسلم) رجلاً يُدعى ماعزًا وامرأة تُدعى الغامديّة.

2. حال الزاني غير المحصن: أي الّذي لم يسبق له الزواج، فعقوبته مائة جلدة أمام طائفة مِنَ الناس، كما نصّت عليه الآية في قوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) سورة النور.

مِنْ شروط وجوب حدّ الزنا:

يثبت حدّ الزنا بأحد أمرين:

الأوّل: شهادة أربع رجال عدول يصفون الزنا وصفًا تفصيليًّا من غير تناقض بين أقوالهم، لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) سورة النور.

الثاني: الإقرار، أي الاعتراف الصريح من الزاني بفعلته، بشرط ألّا يرجع عن هذا الاعتراف، فإن رجع عنه وكذَّبَ نفسه سقط عنه الحدّ.


*233*

التقويم

أَجِبْ عَمّا يَأتي:

1. بيّن عقوبة القاذف مع الدليل الشرعيّ مِنَ القرآن الكريم!

2. اذكر ثلاثة شروط لإقامة الحدّ على القاذف!

3. ما الحِكمة مِنْ حرْصِ الإسلام على درءِ الحدود بالشّبهات؟

4. الزنا جريمة تستحقّ أقصى العقوبة، ناقش هذه العبارة!

5. ما الوسائل الّتي تثبت بها جريمة الزنا؟

6. ما الحكمة مِنَ التفريق في العقوبة بين الزاني المُحصن والزاني غير المُحصن؟


*234*

مِنَ العقود الماليّة والربا


*234*

تمهيد

خلق الله تعالى الإنسان مدنيًّا بطبْعِه، وجعله لا يستغني عن العيش المشترك مع الآخرين لتأمين حاجاته التي لا يمكن تأمينها إلّا بالتعاون والتبادل مع الآخرين، ومِن أجل تنظيم وضبط أصول جميع المعاملات نشأت العقود الّتي تعني التزام كلّ فرد بما عزم على الوفاء به، ويشمل هذا الالتزام كلّ التعهّدات سواء كانت في الأمور الدينيّة أو الأمور الدنيويّة، وسواء كان الالتزام فيها صادرًا من طرف واحد أو من طرفين. فالعقد هو: ارتباط إرادة طرفين على وجه مشروع، يثبت أثره في محلّه.

تنقسم العقود في الإسلام إلى عقود اجتماعية وعقود ماليّة، وتعتبر عقود المعاوضات من أبرز العقود المالية التي يكون فيها عوضٌ من كلا الطرفين، ولها دورٌ مهم في تنظيم علاقات المتعاملينَ مِنْ خلال ضمان ما لهم من حقوق، كما لها دور في زرع الثقة في النفوس، ومنع وقوع التنازع بين الأطراف، مما يسهم في تشجيع الاستثمار والحثّ على العمل.

مناقشة

- ما الآثار المترتّبة على التزام المشتري بتحويل المبلغ، وعدم التزام البائع بإرسال البضاعة؟

- ما المقصود بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) سورة النساء.


*235*

عقد البيع

يحتاج الناس إلى كثير من السلع التي لا بدّ أن يبادل بعضهم بها بعضاً، وهذا التبادل لا يحصل إذا لم يكن هناك تراضٍ عليه، وهذا التراضي هو عقد البيع. وكذلك ربما مَلَك بعضهم المال ولم يملك سلعًا، وعكس ذلك يقع، فيحتاج ذو المال إلى السلع، وذو السلع إلى المال، وكلّ ذلك لا يحصل غالبًا إلا بالبيع. ويعدّ البيع والشراء الطريق السليم للسعي إلى الربح.

أتعرّف على عقد البيع:

عقدٌ يَرِدُ على مبادلة مالٍ بمالٍ تمليكاً على التأييد.

وهذا يعني:

- أنّ البيع والشراء لا يكون إلّا بما يُعتبرُ مالاً في عُرْفِ الشرع.

- لا بُدُّ في البيع مِنَ التملّك والتمليك.

- لا يكون هذا التبادل محدّدًا بوقت.

ركن البيع أو كيفية انعقاده:

ركن البيع هو الإيجابُ والقبول الدالّان على التبادل أو ما يقوم مقامهما مِنَ التعاطي. أو هو الفعل الدالّ على الرضا بتبادل المُلْكيْنِ مِنْ قول أو فعل.

ويُشترط في كلٍّ مِنَ العاقديْنِ أن يكون عاقلاً أي مميزاً، فلا ينعقد عقد بيع المجنونِ والصبيّ غير العاقل. كما يُشترط أن يكون العاقد مختاراً مريداً للتعاقد، فيبيع أو يشتري وهو قاصد لما يقوم به من تصرف بملء حرّيته ورغبته، راضياً بالتعامل الذي ينشئه.


*236*

شروط صحة البيع:

1. اَلتراضي من البائع والمشتري إلّا من أُكْرِهَ بحقّ.

2. أن يكون العاقِدُ جائزَ التصرّف بأن يكون كلٌّ منهما حرًّا مكلّفًا رشيدًا.

3. أن يكون المَبيعُ ممّا يُباح الانتفاع به مطلقًا، فلا يجوز بيعُ ما لا نفع فيه، ولا ما نفعه محرّمٌ كالخمر والخنزير.

4. أنْ يَكونَ المبيعُ مملوكاً للبائع، أو مأذوناً له في بيعه وقت العقد.

5. أن يكون المبيعُ معلوماً للمتعاقدين برؤية أو صفة.

6. أن يكون الثمن معلوماً.

7. أن يكون المبيع مقدوراً على تسليمه، فلا يصحّ بيع السمك في البحر، أو الطير في الهواء ونحوهما؛ لوجود الغرر.

وهذه الشروط لدفع الظلم والغَرَر والرّبا عن الطرفين.

أتذكّر المحظورات التالية:

1. لا يبيع المسلم ولا يشتري بعد النداء الثاني للصلاة من يوم الجمعة.

2. اجتناب البيع أو الشراء عن طريق الربا.

3. لا يبيع ولا يشتري مسروقاً أو مغصوباً، فإنّه إذا فعل ذلك كان مشتركاً مع السارق أو الغاصب.


*237*

أثري معلوماتي

من آداب البيع والشراء:

آداب البائع:

- أَنْ لا يروّج للسلعة بالكذب، وبما ليس فيها، وبالقسَم بالله باطِلاً، وبالتَضليل والغشّ والغدر.

- إظهار عيوب السلعة وعدم إخفائها حتى ينتفي أيّ غشٍّ.

- اَلبعد عن التلاعب في الكيل والميزان، أو التلاعب ببلد المنشأ، أو تقليد الماركات.

- اَلرضا بالرّبح القليل ممَا يؤدّي إلى محبّة الناس وكثرة الزبائن.

- اِجتناب بيه الأشياء المحرّمة مثل الخمر والمخدّرات.

- البعد عن الاحتكار.

- اَلتحلّي بالسماحة والرّفق في استيفاء الثمن أو المطالبة بالدّين.

آداب المشتري:

- أن يكون المشتري جادًّا في الشراء، فلا يتعب البائع بهدف التسلية وقضاء الوقت.

- الحذر مِنْ بخس الناس أشياءهم، فهذا يؤذي البائع.

- عدم اتهام البائع بالكذب أو يستخفّ به، أو يعيب بضاعته، فإمّا أن يشتري أو ينصرف.


*238*

اَلرّبا

اَلرّبا: هو الزيادة التي يأخذها أحد المتعاقدين على رأس المال دون مقابل، سواء سُمّيَ فائدة، أو غير ذلك، لأن ذلك لا يغير من حقيقة الربا شيئاً.

أنواع الربا:

الرَبا نوعان، هما:

1. ربا النّسيئة:

وهو المبلغ الّذي يأخذه الدائن مِنَ المدين زيادةً على الدّيْنِ مقابل تأجيل سداد الدين. فالزّيادة على أصل الدّين تؤخَذُ مقابل الأجل. وهذا النوع مِنَ الربا شائع في التعامل اليوم مِنْ خلال المؤسّسات والبنوك.

2. ربا الفضْل:

وهو بيْع المكيل أو الموزون أو المطعوم بجنسه مع الزيادة، ويتمّ القبض والتسليم في مجلس العقد، كأن يبيع صاعاً من تمر بصاعين من تمر بجودة مختلفة. وسمي ربا الفضل لأن في أحد البدلين زيادة على الآخر.

حُكْمُ الرّبا:

حرَّم الإسلام الرّبا بنوعيه تحريماً قاطعاً لما له من أضرار اجتماعية ومالية على الفرد والمجتمع، وتوعد الذين يتعاملون به بعذاب أليم، قال تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)) سورة البقرة.

نشاطٌ: أستنتج عقوبة الربا من الآية السابقة.


*239*

اَلتقويم

أَجِبْ عَمّا يأتي:

1. ما الحكمة من إباحة البيع؟

2. بِمَ ينعقد البيع؟

3. عدّد شروط صحّة البيع؟

4. هل يتمّ تطبيق آداب البيع والشراء في معاملات الناس اليوم؟ ولماذا؟

5. وضّح المقصود بكلٍّ من: الرّبا، ربا النّسيئة، ربا الفضل!

6. ما حُكْم الرّبا؟ وما الدليل الشرعيّ على ذلك؟

7. عن جابر (رضي الله عنه) قال: لعنَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) آكلَ الرّبا وموكله وكاتبيه وشاهديْه، وقال: "هم سواء".

مَن الأشخاص الذين يشتركون في إثم الرّبا الموصل للّعن (الطرد من رحمة الله تعالى)؟

اِبحثْ في مصادر المعلومات أو في كتب الفقه وأجب:

- ما الحكمة من تحريم الربا؟

- ما المقصود بالخيارات في البيع؟ وضح ذلك من خلال الأمثلة؟


*240*

الفصلُ الخامس: اَلسّيرة النّبويّة الشّريفة


*240*

السيرة النبوية وأهميتها في فهم الإسلام صفحة 241

المبشرات والأخبار الدالة على صدق رسالته (صلى الله عليه وسلم) صفحة 247

صفاته (صلى الله عليه وسلم) الخلقيّة صفحة 252

مراحل الدعوة الإسلامية وخصائصها صفحة 254

رسائل الرسول (صلى الله عليه وسلم) للملوك واستقباله الوفود صفحة 260

دراسة وتحليل بعض الأحداث:

1. اشتراكه (صلى الله عليه وسلم) في بناء الكعبة صفحة 265

2. حصار الشعب صفحة 269

3. خطبة جعفر أمام النجاشي صفحة 271

4. وفاته (صلى الله عليه وسلم) وموقف الصحابة منها صفحة 273

دراسة وتحليل بعض الغزوات صفحة 276

مقارنة بين بيعة العقبة الأولى والثانية صفحة 290

رجال ونساء حول الرسول (صلى الله عليه وسلم) صفحة 294


*241*

السيرة النبوية وأهميّتها في فهم الإسلام


*241*

تمهيد

تعتبر السيرة النبوية جزءاً مهماً من التاريخ الإسلامي باعتبار أحداثها ووقائعها، لأن موضوع التاريخ يرتبط بأحوال الأشخاص الماضية من أنبياء، وأولياء، وعلماء، وحكماء، وملوك، وسلاطين وغيرهم.

إن دراسة السيرة النبوية لا تأتي لأجل المعرفة التاريخية السطحية لفترة زمنية من التاريخ، ولا لأجل المتعة بقراءة أحداثها وقصصها، وإنما لدراسة السيرة مقاصد وأهداف أخرى عظيمة، أهمها: أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو محل القدوة الحسنة، وهو المشرع الذي يجب اتباعه وطاعته، وهو التجسيد العملي للإسلام، لذا يمتنع على المسلم أن يعرف دينه، ويصبح إسلامه بدون معرفة هدي الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وعمله، وأمره، ونهيه، ومنهجه، وسنته. فالسيرة النبوية تعطي كل جيل بما يفيده في مسيرة الحياة، لأنها صالحة لكل زمان ومكان، كما أنها غنية في كل جانب من الجوانب التي يحتاجها الفرد والمجتمع، وكلما زاد إدراك المسلم للسيرة النبوية وفهمها، ازداد استنباطه لكل ما يحتاجه لصالح دينه ودنياه.

مناقشة

- ما الفرق بين دراسة سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ودراسة سيرة غيره من البشر؟

- ما العلاقة بين السيرة النبويّة والقرآن الكريم؟

- "معرفة السيرة النبويّة فرض عيْن على كلّ مسلم"، ناقش هذا القول!


*242*

مفهوم السيرة النبوية:

- اَلسيرة في اللغة: تعني السُنّة والطريقة، والحالة الّتي يكون عليها الإنسان وغيره. يقال فلان له سيرة حسنة، قال تعالى: (سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21)) سورة طه.

- السيرة في الاصطلاح: قصّة الحياة وتاريخها، وكتبها تسمّى: كتب السّير.

- السيرة النبويّة تعني: مجموع ما ورد لنا مِنْ وقائع حياة النبيّ (صلى الله عليه وسلم) وصفاته الخُلقية والخَلقية منذ ولادته حتّى التحاقه بالرّفيق الأعلى، مضافاً إليها غزواته وسرياه (صلى الله عليه وسلم).

أهميّة السيرة النبويّة ومكانتها:

تتضح أهميّة السيرة النبويّة ومكانتها من خلال ما يأتي:

1. عصر الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو العصر الأوّل لتاريخ الأمّة الإسلامية، فهو يُشكّل مرحلة تكوين الدولة الإسلامية وحضارتها الراقية، لذا فإن دراسة السيرة سبيل لإدراك بداية التاريخ الإسلاميّ وحضارة أمّته.

2. السيرة النبويّة هي السبيل إلى فهم شخصيّة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فقد قدّمت لنا وصفاً دقيقاً لحياته وظروفه التي عاش فيها، ممّا يدلّ على أنّه لم يكن مجرد عبقريّ سمت به عبقريته، بل هو رسول من عند الله تعالى، أيده الله بوحي من عنده.

3. الوصف الدقيق لحياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) جعله مثلاً أعلى، وقدوة حسنة للإنسانيّة كلّها، مما يدعو المسلم للتمسّك به، فيحذو حذوه في جميع مجالات الحياة. قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)) سورة الأحزاب.

4. تسهم السيرة النبوية في تفسير القرآن الكريم وفهمه، وتذوق روحه ومقاصده، فكثير من الآيات القرآنية تفسرها وتجليها الأحداث التي مرت برسول الله (صلى الله عليه وسلم).


*243*

5. يجد المسلم في السيرة النبوية مجموع مبادئ الإسلام وأحكامه، فيتكوّن لديه من خلال دراسته للسيرة النبوية كم هائل من المعارف والثقافة في جميع المجالات، منها: العقيدة، الفقه، الأخلاق والتهذيب، وغيرها من العلوم.

6. تقدّم السيرة النبويّة النموذج الحيّ والعمليّ للإسلام، وتساعد في فهم مبادئه وتطبيق قواعده وأحكامه، فحادثة الهجرة مثلاً أعطت الأمة الإسلاميّة درساً في التوكل، فاختار الصاحب، واشترى الراحلة، وتزوّد بالطعام، بالرغم من حفظ الله تعالى له، ونصره وتأييده، وعصمته من الناس.

7. جسّد الرسول (صلى الله عليه وسلم) نموذج المربّي والمعلّم والداعية، لذا يجد المسلم في السيرة النبوية كل ما يحتاجه من طرق وأساليب ووسائل التربية والتعليم.

8. دراسة السيرة تمنح الفرصة للمسلم بالاطلاع على جيل الصحابة ودورهم في بناء الدولة الإسلاميّة، بالإضافة لنقلهم الصورة الجليّة لتطبيق الكثير من الأحكام العملية، خاصة فيما يتعلق بالعبادات.

9. سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) سيرة كاملة وشاملة في كلياتها وفي جزئياتها، وليست هناك سيرة مماثلة وشاملة لنبي غير السيرة النبوية على صاحبها صلوات الله وتسليمه.

خصائص السيرة النبوية:

تمتاز السيرة النبوية عن غيرها من السير بالعديد من الخصائص، منها:

1. صحة السيرة النبوية ودقتها: فهي أصح سيرة لنبي مرسل، لأنها وصلت إلينا بطرق وروايات صحيحة ومتواترة، واهتم أفراد الأمة الإسلامية بكتابتها وتدوينها وفق قواعد علمية لضبط الروايات والأخبار، ومن ثم تدوينها ونقلها من جيل لآخر. هذا بالإضافة إلى أن جانباً كبيراً من أحداث السيرة النبوية ذكر في القرآن الكريم، الذي يتميز بالدقة والصحة والحفظ من التحريف والتبديل، كما نقلت السنة النبوية جزءاً كبيراً من أحداث السيرة النبوية وتفاصيلها، ولا شك أن السنة النبوية في غالبها دقيقة وصحيحة، ورواياتها ثابته.


*244*

2. العبودية لله تعالى: تروي السيرة النبوية سيرة إنسان أكرمه الله تعالى بالرسالة والوحي، ولم تخرجه عن إنسانيّته وبشريّته وعبوديّته لربه، وقد نهى الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن المبالغة في مدحه حتى لا يخرج عن حدود العبودية لله (عز وجل)، فعن عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "لا تُطروني كما أطرت النصارى ابن مريم (عليه السلام) فإنّما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسول". رواه البخاري.

3. الوضوح والشمول: السيرة النبويّة شاملة لجميع النواحي الإنسانية، ولم تترك موضوعاً له علاقة بكيفية العيش والعبادة إلا وبينته ووضحته، فهي ترجمة سيرة حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) منذ ولادته إلى وفاته، بشكل دقيق ومفصّل، دون غموض أو انقطاع، كاملة لا نقص فيها، تناولت جميع الجوانب المختلفة، ونظمت العلاقات الاجتماعية.

4. اَلقدوة: السيرة النبويّة هي النموذج العمليّ التطبيقيّ الذي وضعه الله (عز وجل) للناس، لكي يقتدوا به ويتبعوه، فكلّ مَنْ يبحث عن مثلِ أعلى في ناحيةٍ من نواحي الحياة؛ فإنّه سيجد ذلك نموذجاً متمثلاً في حياة النبيّ (صلى الله عليه وسلم) وسيرته. فهو المربي، المرشد، الصاحبُ، الجار الأمين، الزوج، المحارب الشجاع، القائد المنتصر، السياسيّ الناجح والمعاهد الصادق.

5. العملية: طبّق الرسول (صلى الله عليه وسلم) كل ما أمر الله به عملياً في حياته، كما طبقه الصحابة من بعده، وكل من سار على هديهم، لذا يستطيع كل من يريد الالتزام بالنهج النبويّ أن يطبق هذه الأحكام في جميع العصور.

نشاط صفّي:

من خصائص السيرة النبويّة: الوضوح والشمول. اربط بين الآية الكريمة التالية مع هذه الخاصّية. قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)) سورة الأحزاب! سورة الأحزاب.


*245*

أثري معلوماتي

مِنْ مصادر السيرة النبوية

1. القرآن الكريم:

يُعدّ القرآن الكريم أوثق مصادر السيرة، لأنه قطعيّ الثبوت، ولأنهّ شامل في عرض المادّة، فهو أعظم مصدر من مصادر السيرة وأوثقها وأشملها. وقد اشتمل على آيات كثيرة تناولت سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم) قبل البعثة وبعدها، كما تناول القرآن كثيراً من حياة العرب الدينية والسياسية والاجتماعية قبل الإسلام، وفي القرآن الكريم حديث عن الغزوات النبوية: مقدماتها ونتائجها وآثارها، وفيه تفصيل عن مواقف المنافقين، وغيرها.

2. كتب الحديث النبوي الشريف:

جمعت كتب الحديث النبوي أقوال النبيّ (صلى الله عليه وسلم) وأفعاله وتقريراته، ولم تخل في كثير منها من ذكر سيرته ومغازيه. ومن هذه الكتب: صحيح البخاريّ، وصحيح مسلم.

3. كتب التاريخ:

وهي كتب تبدأ غالبا بالحديث عن بدء الخلق، وتنتهي بعصر المؤلّف. ومنها ما هو مسند، ومنها ما هو غير مسند. ومن المصنّفات المسندة: تاريخ الأمم والملوك للإمام الطبريّ.

4. كتب الأدب شعرًا ونثرًا:

وصف الشعر الأحداث الّتي دارت في عصر الشاعر، خاصة فيما يتعلّق بالحرب، ليزيد الحماسة ورفع معنويات الجيش، ويرد على اتهامات الأعداء. وقد اتّخذ الرسول (صلى الله عليه وسلم) حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهما شاعرين يدافعان عن الإسلام وأهله. كما جاءت بعض كتب النثر متعرضة لأحداث السيرة النبوية بأساليب أدبية مختلفة.


*246*

اَلتقويم

أَجِبْ عَمّا يَأتي:

1. ما المصادر التي يعتمد عليها المسلم لمعرفة حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم)؟ وضّح ذلك!

2. هل تشتمل السيرة النبويّة على أحكام شرعيّة؟ أعط أمثلة على ذلك.

3. كيف تفيد دراسة السيرة النبويّة في فهم القرآن الكريم؟

4. تميّزت السيرة النبوية ببعض الخصائص، اذكر ثلاثة منها!

5. ما الفرق بين كتب السيرة النبويّة وكتب الحديث الشريف؟

اِبحثْ في مصادِرِ المعلوماتِ وأجب:

1. كيف عرضت كتب التاريخ السيرة النبويّة؟ وضّحْ ذلك!

2. سمّ كتابيْن من كتب الأدب يُعدّان مِنْ مصادر السيرة النبوية، وبّين رأيك باعتماد هذه الكتب مصدراً للسيرة النبوية!


*247*

المبشرات والاخبار الدالّة على صدق رسالته (صلى الله عليه وسلم)


*247*

إخبار سيف بن ذي يزن عبد المطّلب بشأن الرسول (صلى الله عليه وسلم)

لمّا ظهر سيف بن ذي يزن على اليمن وظفر بالحبشة ونفاهم عنها - وذلك بعد مولد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بسنتين - أتته وفود العرب وأشرافها وشعراؤها تهنيه وتمدحه، فأتاه وفد قريش، وفيهم عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف... فقال سيف بن ذي يزن: وأيّهم أنت أيُّها المتكلم؟ قال: أنا عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. قال: ابن أختنا؟ قال: نعم، قال: فأدناه، ثمَّ أقبل عليه وعلى القوم، فقال: مرحبا وأهلاً... قال: إذا وُلد بتهامة غلام به علامة، بين كتفيه شامة، كانت له الإمامة، ولكم به الزعامة، إلى يوم القيامة. قال عبد المطلب: - أبيت اللعن - لقد إبت بخير ما آب به وفد قوم، ولولا هيبة الملك وإعظامه وإجلاله لسألته من بشارته إيّاي ما أزدادُ به سرورًا. قال سيف بن ذي يزن: هذا زمنه الذي يولد فيه، أو قد ولد؟ اسمه محمد، بين كتفيه شامة، يموت أبوه وأمه، ويكفله جده وعمّه، وقد وجدناه مرارًا، والله باعثه جهاراً، وجاعلٌ له منا أنصاراً، يعز بهم أولياءه، ويذل بهم أعداءه، ويضرب بهم الناس عن عرض، ويستبيح بهم كرائم الأرض، ويعبد الرحمن، ويدحر الشيطان، ويُخمد النيران، ويكسر الأوثان، قوله فصل، وحكمه عدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويُبطله... إلى أن قال: فقال سيف بن ذي يزن: إنَّك يا عبد المطلب، لجدّه غير كذب، قال: فخرَّ عبد المطلب ساجداً، فقال: ارفع رأسك، فقد ثلج صدرك، وعلا أمرك، فهل أحسست شيئاً مما ذكرت لك؟

قال عبد المطلب: نعم أيّها الملك، إنه كان لي ابن وكنت به معجباً، وعليه رقيقاً، فزوجته كريمة من كرائم قومي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، فجاءت بغلام سميته محمداً، مات أبوه وأمه، وكفلته أنا وعمّه، بين كتفيه شامةٌ، وفيه كلّ ما ذكرت من علامة. دلائل النبوّة لأبي نعيم.


*248*

بُشرى الراهب بحيرا:

عندما رغب محمّد (صلى الله عليه وسلم) في أن يصحب عمّه في رحلة تجاريّة إلى الشام، أجابه إلى ذلك؛ رغم أنّه كان يخشى عليه مِنْ طول الطريق، ومشقّة السفر، وهو لم يزل غلاماً صغيراً لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره. وانطلق محمد مع عمه في رحلته إلى الشام، وهناك حدثت له قصة عجيبة لفتت أنظار القافلة كلها، وذلك أن راهباً نصرانياً يدعى "بحيرا" كان يتعبد في صومعته في بادية الشام (بُصرى)، على طريق القوافل، ولم يكن يحفل بأحد يمرّ عليه، لكنه في هذه المرّة خرج من صومعته لما رأى القافلة القريشيّة، وذهب إليهم، ودعاهم إلى طعام، وطلب منهم أن يحضروا جميعاً، ولا يتركوا أحداً يتخلّف. ولما حضر محمّد (صلى الله عليه وسلم) مع القوم سأل الراهب أبا طالب: من يكون منك هذا الغلام؟ فقال: ابني: فقال له: ما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيًّا. فقال: ابن أخي، قال: صدقت. ثم رأى خاتم النبوة على كتف النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقال لأبي طالب: ارجع بابن أخيك هذا فسوف يكون له شأن عظيم واحذر عليه، فلو عرف عنه الذي أعرف ليمسنه شر.

بشرى ورقة بن نوفل:

روى الإمام البخاريّ (رضي الله عنه) في "صحيحه" بالسّند المتصل إلى عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها، كيفية نزول الوحي على الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فتقول:

"أوّل ما بدىء به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء يتحنّث فيه وهو التعبّد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة، فيتزود لمثلها، حتّى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال له: اقرأ. فقال: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطني حتى بلغ منّي الجهد ثمّ ارسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارىء. فأخذني فغطّني الثانية حتى بلغ منّي الجهد ثم أرسلني فقال:


*249*

اقرأ. فقلت: ما أنا بقارىء فأخذني فغطّني الثالثة ثمّ أرسلني فقال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)) سورة العلق. فرجع بها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فقال: "زمّلوني، زمّلوني"، فزمّلوه حتّى ذهب عمه الرّوْع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: "لقد خشيت على نفسي"، فقالت خديجة: "والله لا يحزنك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ (الضعيف)، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحقّ". فانطلقت به خديجة حتّى أنن ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى، وكان ابن عمّ خديجة، وكان امرءًا تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العبرانيّ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة: "يا ابن عمّ، اسمع من ابن أخيك"، فقال له ورقة: "يا ابن أخي ماذا ترى؟" فأخبره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خبر ما رأى، فقال له ورقة: "هذا النّاموس صاحب الوحي وهو جبريل - الذي نزل على موسى، يا ليتني فيها جذعاً - شاباً قوياً - ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك"، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "أو مخرجيَّ هم؟" قال: "نعم، لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلّا عودِيَ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزّرًا"، ثم لم ينشب (يلبث) ورقة أنْ توفّي وفتر الوحي".

مناقشة

ماذا تستفيد مِنَ المبشّرات والأخبار السابقة؟


*250*

نقرأُ الآيات والأحاديث التالية ونستنبطُ الحِكَم والعِبَر منها.

- قال تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)) سورة الأعراف.

- وقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)) سورة الصف.

- وقال تعال: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53)) سورة القصص.

- روى الإمام البخاريّ - رحمه الله - في "صحيحه" عن عطاء بن يسار قال: لقيتُ عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -، قلتُ: أخبرني عن صفة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في التوراة؟ قال: أجل؛ والله إنه لموصوفٌ في التوراة ببعض صفته في القرآن: "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكّل، ليس يفظ ولا غليظ ولا سخابٍ في الأسواقِ، ولا يدفع بالسيئةِ السيئة؛ ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء؛ بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح بها أعيناً عمياً، وآذاناً صُمًا، وقلوباً غلفاً". لقد اشتمل هذا الأثر على وصف النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في التوراة، ووصف دعوته القويمة، وأخلاقه المستقيمة، وشريعته العظيمة.

- عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "مكْتوبٌ في الإنجيلِ: لا فظٌ ولا غليظٌ ولا سَخّابٌ بالأسْواقِ، ولا يَجْزي بالسَّيِّئَةِ مثلها؛ بَلْ يَعفُو ويَصْفَحُ". رواه الحاكم.


*251*

أثري معلوماتي

مِنْ دلائل نبوّة محمّد (صلى الله عليه وسلم)

اِتّفاقه مع الرُّسل في الدعوة لوحدانيّة الله تعالى:

لقد دعا الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى عبادة الله تعالى وحده وترْك عبادة ما سواه موافقاً في ذلك جميع الأنبياء، ومن يُقارن بين ما جاء به موسى وعيسى عليهما السلام وبين ما جاء به محمّد (صلى الله عليه وسلم) مِنَ العقيدة الصحيحة، والشرائع المُحكمة، والعلوم النافعة؛ يعلم أنّها جميعاً تصدر من مشكاة واحدة؛ هي مشكاة النبوّة.

بشارة الرُّسُل عليهم السلام بِهِ:

تنبّأ الأنبياء عليهم السلام به قبل ظهوره بزمن طويل، فوصفوا مبعثه، وبلده، وخضوع الأمم والملوك له ولأمّته، وذكروا انتشار دينه.

شهادة أهل الكتاب بصِدقه:

شهد بصدق الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وثبوت أمْرِهِ في التوراة والإنجيلِ بعضُ أهلِ الكتابِ حالَ بعثَتِه كبحيرا الراهب، وورقة بن نوفل، وسلمان الفارسي، وعبد الله بن سلام.


*252*

تعلّم ذاتي

صفاته (صلى الله عليه وسلم) الخلقية


*252*

عن أبي معبد الخزاعيّ (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لما هاجر من مكّة إلى المدينة هو وأبو بكر وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، ودليلهم عبد الله بن أريقط الليثيّ، فمروا بخيمة أم معبد الخزاعيّة، كانت امرأة جلدة، برزة، تحتبي وتقعد بفناء الخيمة، ثم تسقي وتطعم، فسألوها تمراً أو لحماً يشترون، فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك، وإذا القوم مرملون مسنتون، فقالت: واله لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى، فنظر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى شاة في كسر الخيمة، فقال: "ما هذه الشاة يا أمّ معبد"؟ قالت: هذه شاة خلفها الجهد عن الغنم، فقال: "هل بها من لبن"؟ قالت: هي أجهد من ذلك، قال: "أتأذنين لي أن أحلبها"؟ قالت: نعم، بأبي أنت وأمّي، إن رأيت بها حلباً؟ فدعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالشاة فمسح ضرعها، وذكر اسم الله، وقال: "اللهمّ بارك لها في شاتها". قال: فتفاجّت ودرّت واجترّت، فدعا بإناء لها يربض الرهط، فحلب فيه ثجاً حتى علاه البهاء فسقاها، فشربت حتّى رويت، وسقى أصحابه حتّى رووا، وشرب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) آخرهم، فشربوا جميعاً عللاً بعد نهل حتى أراضوا، ثم حلب فيه ثانياً عوْداً على بدء، فغادره عندها ثمّ ارتحلوا عنها.

فقلّما لبثت أن جاء أبو معبد يسوق أعنزاً حيلاً عجافاً هزلى ما تساوق، مخّهنّ قليل لا نقيّ بهنّ، فلما رأى اللّبن عجب، وقال: من أين لكم هذا والشاة عازبة ولا حلوبة في البيت؟ قالت: لا والله إلا أنه مرّ بنا رجل مبارك كان مِنْ حديثه كيت وكيت. قال: والله إنّي لأراه صاحب قريش الذي يطلب، صفيه ليه يا أم معبد، قالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة, ولم تزر به صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صهل، أحور أكحل أزجّ أقرن، شديد سواد الشعر، في عنقه سطع، وفي لحيته كثافة، إذا صَمتَ فعليه الوقار، إذا تكلّم سما وعلاه البهاء، وكأنّ منطقه خرزات نظم يتحدّرْن، حلو المنطق، فصل، لا نزر ولا هذر، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، ربعة لا تشنؤه من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصين بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرًا، وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفّون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفنّد. قال: هذا والله صاحب


*253*

قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر، ولو كنت وافقته يا أمّ معبد لالتمست أن أصحبه، لأفعلنّ إن وجدت إلى ذلك سبيلاً، وأصبح صوتٌ بمكّة عالياً بين السماء والأرض يسمعونه ولا يروْنَ من يقول، وهو يقول:

جزى الله ربّ الناس خير جزائه رفيقيْنِ حلّا خيمتيّ أمّ معبَدِ

هما نزلا بالبرّ وارتحلا به فأفلح من أمسى رفيق محمد

فيا لقصيّ ما زوى الله عنكم به من الأفعال لا يجازى وسؤدد

سلوا أختكم عن شاتها وإنائها فإنّكم إن تسألوا الشاة تشهد

دعاها بشاة حائل فتحلّبت له بصريح ضرّة الشاة مزبد

فغادره رهناً لديها لحالب تدرّ بها في مصدر ثمّ مورد

استخرج صفات الرسول (صلى الله عليه وسلم) الخُلُقية والخَلْقية من قصة نزوله (صلى الله عليه وسلم) في خيمة أمّ معبد.

التقويم

أَجِبْ عما يأتي:

1. كيف تفسّر قول الرّاهب بحيرا لأبي طالب: "ارجع بابن أخيك هذا فسوف يكون له شأن عظيم، واحذر عليه، فلو عُرِفَ عنه الّذي أعرف ليمسنّه شرٌّ"؟

2. ماذا تستنتج من قول ورقة بن نوفل لخديجة رضي الله عنها في شأن الرسول (صلى الله عليه وسلم)؟

3. هات مثالاً من سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) على تحقق البشارة التي بشّر بها ورقة بن نوفل خديجة رضي الله عنها!

ابحث في مصادر المعلومات أو في كتب السيرة النبوية واعط أمثلة أخرى لبشائر النبوة عند أهل الكتاب!


*254*

مراحل الدعوة الإسلامية وخصائصها


*254*

مرّت الدعوة الإسلاميّة في حياته (صلى الله عليه وسلم) منذ بعثته إلى وفاته بمرحلتيْن أساسيَتيْن:

المرحلة الأولى: الدعوة سرًّا، واستمرت ثلاث سنوات.

المرحلة الثانية: الجهر بالدعوة.

الدعوة سرًّا

يقول البوطيّ: "بدأ النبي (صلى الله عليه وسلم) يستجيب لأمر الله، فأخذ يدعو إلى عبادة الله وحده ونبذ الأصنام، ولكنّه كان يدعو إلى ذلك سرًّا حذرًا من وقع المفاجأة على قريش التي كانت متعصبة لشركها ووثنيّتها، فلم يكن عليه الصلاة والسلام يظهر الدعوة في المجالس العمومية لقريش، ولم يكن يدعو إلا من كانت تشده إليه قرابة أو معرفة سابقة.

وكان في أوائل من دخل الإسلام من هؤلاء: خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وعليّ بن أبي طالب، وزيد بن حارثه مولاه عليه الصلاة والسلام ومتبنّاه، وأبو بكر بن أبي قحافة، وعثمان بن عفان، والزبير بن العوّام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص. وغيرهم، رضي الله عنهم جميعاً. فكان هؤلاء يلتقون بالنبيّ (صلى الله عليه وسلم) سراً، وكان أحدهم إذا أراد عبادة من العبادات ذهب إلى شعاب مكة يستخفي فيها عن أنظار قريش.

ثمّ لمّا أربى الذين دخلوا في الإسلام على الثلاثين ما بين رجل وامرأة اختار لهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دار أحدهم، وهو الأرقم بن أبي الأرقم، ليلتقي بهم فيها لحاجات الإرشاد والتعليم، وكانت حصيلة الدعوة في هذه الفترة ما يقارب أربعين رجلاً وامرأة دخلوا في الإسلام، عامّتهم من الفقراء والأرقّاء وممّن لا شأن له بين قريش".

للمناقشة: ما الحكمة مِنْ قلّة عدد الّذين أسلموا في المرحلة السرّية مِنَ الدعوة؟


*255*

خصائص الدعوة السرّية

1. اَلسرّيّة في الدعوة: كانت السرّية شعار هذه المرحلة، حيث تمّ التحرّك في أطر ضيّقة من خلال البيوت والأسر ومجالس الأصدقاء.

كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) حريصًا على السرية ويشدّد على أصحابه في ذلك، ويعلّمهم بصورة عمليّة كيفيّة تطبيق مبدأ السرّيّة، وقد تبيّن ذلك في قصّة إسلام أبي ذرّ الغفاريّ (رضي الله عنه)، كما كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يأمر منْ أسلم مِنْ أهل مكّة بأن يُسِرّ بإسلامه، ويأمر مَنْ أسلم مِنْ غير أهلها أن يلحق بأهله، ويعود إلى قبيلته، حتى تظهر الدعوة ويشتدّ عودها، كما حدث مع أبي ذر إذ أمره أن يلحق بغفار.

نشاط بيتيّ:

اِرجع إلى كتاب صحيح البخاريّ واستخرج الحديث الذي يروي قصّة إسلام أبي ذرّ الغفاري، ثمّ بيّن وجه السرّيّة في ذلك!

2. الانتقائيّة في الدعوة: كان خطاب هذه المرحلة خطابًا انتقائيًّا خاصًّا، يعتمد على دعوة من يثق بهم، ويرتبط معهم بعلاقات وروابط وثيقة. فكانت الدعوة مرتبطة بخصوص الناس لا بعمومهم.

3. اَلفردية في الدعوة: كان التركيز في هذه المرحلة على الدعوة الفرديّة دون الجماعيّة. ولذا كانت الانتقائيّة والفرديّة في الدعوة سببًا في قلة عدد الذين دخلوا في الإسلام في هذه المرحلة. حيث بلغ عددهم أربعين رجلاً وامرأة.


*256*

4. الابتعاد عن الصّدامات: وذلك لأنّ الدعوة كانت ما زالت وليدة في مرحلة المهد، ولم يؤمن بها إلّا القليل، لذا فإنّ التصادم مع المشركين في هذه المرحلة سيكون إيذائاً بضياعها. فقد كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) ينظّم أصحابه في مجموعات صغيرة، حتّى يتجنّب مسألة التجمّعات الكبيرة التي تلفت الانتباه. كما اتّخذ من دار الأرقم أبي الأرقم مدرسة للنبوة الأولى.

5. طول المدّة بالمقارنة مع المردود الدعويّ: استمرت هذه المرحلة طيلة ثلاث سنوات، وهي فترة طويلة نسبياً مقارنة بالعمر الكليّ للدعوة، كما أنّ المردود الدعويّ كان قليلاً مقارنة بغيرها.

6. اِتّسمَت هذه المرحلة من الدعوة بالعموم، فليست خاصة بطبقة معينة بل أتقن الرسول (صلى الله عليه وسلم) اختيار الأفراد دون أن يتقيّد بفئة دون فئة، إذ أسلم في هذه المرحلة الأحرار والعبيد والرجال والنساء والشيوخ والفتيان، وفي مختلف العشائر والفروع القرشيّة.

7. اِعتمدت هذه المرحلة على التركيز على البناء العقديّ والإيمانيّ للسابقين الأوّلين من المسلمين.

اَلجهر بالدعوة:

أورد البوطيّ في كتابه "فقه السيرة" ما يلي: "قال ابن هاشم: ثمّ دخل الناس في الإسلام أرسالاً من النساء والرجال حتّى فشا ذكرُ الإسلام بمكّة وتُحُدّثَ به، فأمر الله رسوله أن يصدع بما جاءه من الحق، وأن يبادي الناس بأمره، وأن يدعو إليه، وكان بين ما أخفى رسول الله أمره واستتر به إلى أن أمره الله تعالى بإظهار دينه ثلاث سنين مِنْ مَبْعثه. ثم قال الله له: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94)) سورة الحجر، وقال له: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)) سورة الشعراء.

وحينئذ بدأ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بتنفيذ أمر ربّه، فاستجاب لقوله تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) بأن صعد إلى جبل الصفا فجعل ينادي: "يا بنى فهر، يا بنى عديّ"، حتّى اجتمعوا، فجعل الذي لم يستطع أن يخرج يرسل رسولاً لينظر: ما هو؟ فقال النبيّ (صلى الله عليه وسلم): "أرأيتم لو أخبرتكم أنّ خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقيّ"؟ قالوا ما جرّبنا عليك كذباً، قال: "فإنّي نذير لكم


*257*

بين يدي عذاب شديدٍ"، فقال أبو لهب تبا لك سائر اليوم. ألهذا جمعْتنا؟ فنزل تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)) سورة المسد.

ثمّ نزل الرسول (صلى الله عليه وسلم) فاستجاب لقوله تعالى: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) بأنْ جَمَعَ من حوله، جميع ذويه وأهل قرابته وعشيرته، فقال: "يا بني كعب بن لؤيّ أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مُرّة بن كعب: أنقذوا أنفسكم مِنَ النار، يا بني عبد شمس: أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف: أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب: أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك مِنَ النار فإنّي لا أملك لكم من الله شيئاً غير أن لكم رحمًا سأبلها ببلاها". (سأبلّها ببلاها أي سأصلها بصلتها).

وكان ردّ فعل قريش أمام جهره بالدعوة أن أدبروا عنه وتنكّروا لدعوته معتذرين بأنّهم لا يستطيعون أن يتركوا الدين الذي ورثوه عن آبائهم وأصبح من تقاليد حياتهم. وحينئذ نبههم الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى ضرورة تحرير أفكارهم وعقولهم من عبودية الاتّباع والتقليد، واستعمال العقل والمنطق، وأوضح لهم أن آلهتهم الّتي يعكفون على عبادتها لا تفيدهم أو تضرّهم شيئاً، وأنّ توارث آبائهم وأجدادهم لعبادتها ليس عذراً في اتباعهم بدون دافع إلّا دافع التقليد، كما قال الله (عز وجل) في حقهم: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) سورة المائدة.

فلمّا عاب آلهتهم، وسفّه أحلامهم، وجرّ اعتذارهم عن تمسّكهم بعبادة الأصنام بأنّها تقاليد آبائهم وأجدادهم إلى وصف آبائهم بعدم العقل، أعظموا الأمر، وناكروه، وأجمعوا خلافه وعدوانه، إلّا من عصم الله تعالى منهم بالإسلام، وإلا عمّه أبا طالب الّذي حدب عليه، ومنعه، وقام دونه".

أقسام المرحلة الجهرية:

قسّم البوطيّ المرحلة الجهريّة من الدعوة إلى ثلاثة أقسام:

1. مرحلة الدعوة جهرًا وباللسان فقط، دون قتالٍ، واستمرّت إلى الهجرة.

2. مرحلة الدعوة جهرًا مع قتال المعتدين والبادئين بالقتال أو الشرّ، واستمرّت هذه المرحلة إلى عام صلح الحديبية.


*258*

3. مرحلة الدعوة جهرًا مع محاربة كلّ من وقف في سبيل الدعوة، أو امتنع عن الدخول في الإسلام بعد فترة الدعوة والإعلام مِنَ المشركين أو الملاحدة أو الوثنيّين.

للمناقشة: ما الأساس الّذي اعتمد عليه البوطيّ في هذا التقسيم؟ ولماذا؟

خصائص الدعوة الجهريّة:

1. اَلتدرّج في إعلان الدعوة: فإعلان الدعوة جاء متماشيًا مع الأحداث، متدرجًا مع المواقف وِفْقَ ما تقضيه مصلحة الإعلان.

2. التصدّي للدعوة مِنْ قبل قريش: اجتهدت قريش في صدّ الناس عن الرسول (صلى الله عليه وسلم)، والوقوف أمام دعوته بالقول والفعل، ولمّا اشتدّ أذاهم به وبقومه خرج إلى الطائف لإعلان الدعوة فقوبل أيضا بالضرب والأذى. وكان المقصد الشرعيّ من وراء هذا الإعلان إيصال الدعوة وخبر رسالته (صلى الله عليه وسلم) إلى أكبر قدر ممكن من الناس، وحتّى يتقوّى هذا الدين خارج مكة فيكون ذلك سبباً لخضوع قريش وقبولهم له على رغم أنوفهم. وقد تحقّق ذلك بالفعل بالهجرتين إلى الحبشة، والهجرة الكبرى إلى المدينة المنوّرة، حيث تأسّست دولة الإسلام.

3. كانت الدعوة داخليّة وخارجيّة: وذلك مِنْ خلال إرسال الرسائل للملوك واستقبال الوفود.

4. اِستغلّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) تجمّعات الناس لإعلان دعوته ولا سيما مواسم الحجّ.

5. بدأ الرسول (صلى الله عليه وسلم) يعبد الله تعالى أمام أعين الناس، فكان يصلّي بفناء الكعبة نهارًا جهارًا وعلى رؤوس الأشهاد.

6. نالت الدعوة مزيداً مِنَ القبول، ودخل الناس في دين الله واحداً بعد واحد، وحصل بينهم وبين مَنْ لم يسلم تباغض وتباعد وعناد.


*259*

اَلتقويم

أَجِبْ عَمَّا يأتي:

1. "الحكمة وراء طول المرحلة السرّيّة مِنَ الدعوة هو إعداد الجيل الأوّل لما هو مُقْبلٌ عليه مِنْ صعابٍ وفتنٍ وابتلاءاتٍ عظيمةٍ"، ناقش هذه العبارة!

2. لماذا أمر الله تعالى الرسول (صلى الله عليه وسلم) بدعوة الأقربين أوّلاً بقوله تعالى: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)؟

3. قارن بين موقف أبي طالب وموقف أبي لهب مِنْ دعوة الرسول (صلى الله عليه وسلم)!

اِبحث في مصادر المعلومات أو في كتب السيرة النبويّة وأجبْ:

1. لماذا اختار الرسول (صلى الله عليه وسلم) دار الأرقم ابن أبي الأرقم لتكون مدرسةً للنبوة الأولى؟

2. مَنْ أوّل مَنْ أسلم في المرحلة السرّيّة من الدعوة؟ ماذا تستنتج من ذلك؟

3. هل هناك علاقة بين إسلام عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) والجهر بالدعوة؟

4. ما الأساليب التي اتخذتها قريش لمجابهة الدعوة الإسلاميّة؟


*260*

رسائل الرسول (صلى الله عليه وسلم) للملوك والأمراء


*260*

تمهيد

في أواخر السنة السادسة للهجرة وبداية السنة السابعة، وذلك بعد صلح الحديبية، تمكّن المسلمون من توجيه جهودهم نحو الدعوة إلى الله وتبليغ دينه، لأنّ الهدنة مع قريش أتاحت فرصة مضاعفة جهود المسلمين في نشر الإسلام، وكان مِنْ ذلك أن أرسل النبيّ (صلى الله عليه وسلم) رسائله إلى الملوك والأمراء المحيطين بجزيرة العرب يدعوهم إلى الإسلام، فعن أنس (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كتب إلى كسرى وقيصر وإلى النجاشيّ وهو غير الذي صلى عليه وإلى كلّ جبّار يدعوهم إلى الله (عز وجل)، رواه مسلم. وكان هذا انتقالاً إلى مرحلة جديدة في الدعوة الإسلامية تُعبّر عن عالميّة الإسلام، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)) سورة الأنبياء.

للمناقشة:

1. ماذا تستنتج من الآية الكريمة؟

2. لماذا تُعدُّ رسائل النبيّ (صلى الله عليه وسلم) للملوك والأمراء بدايةً لمرحلةٍ جديدةٍ للدعوةِ الإسلاميّة؟


*261*

اَلرسائل التي أرسلها الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى الملوك والأمراء:

رسالة الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى النجاشيّ ملك الحبشة:

كتب الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى النجاشيّ كتاباً، وأرسله مع عمرو بن أميّة الضمريّ، جاء فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمّد رسو الله إلى النجاشيّ ملك الحبشة، أسلم أنت، فإنّي أحمد إليك الله، الذي لا إله إلا هو، الملك القدّوس، السلام المؤمن، المهيمن، وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله، وكلمته ألقاها إلى مريم البتول، فحملت به، فخلقه مِنْ روحه، ونفخه، كما خلق آدم بيده، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتّبعني، وتؤمن بالذي جاءني، فإني رسول الله، وإنّي أدعوك وجنودك إلى الله عزّ وجل، وقد بلّغت ونصحت، فاقبلوا نصيحتي، والسلام على مَنِ اتّبع الهدى". فكان ردّ النجاشيّ حسناً، ثمّ أسلم.

نشاط: تعبر رسالة الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى النجاشيّ عن أدب الخطاب، واحترام مشاعر الآخرين. أين تجد ذلك في الرسالة؟

رسالة الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى هرَقْل عظيم الروم:

كتب الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى هرقل عظيم الروم كتاباً، وأرسله مه دحية الكلبيّ، جاء فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسو الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على مَنِ اتّبع الهدى، أمّا بعد، فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليّت فإنّ عليك إثم الأريسيّين، و (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)) سورة آل عمران.

ردّ هرقل ردًّا حسناً فكتب: "إلى أحمد رسول الله الذي بشّر به عيسى؛ مِنْ قيصر ملك الروم، إنّه جاءني كتابك مع رسولك، وإنّي أشهد أنّك رسول الله، نجدك عندنا في الإنجيل، بشّرنا


*262*

بك عيسى بن مريم، وإنّي دعوت الروم إلى أن يؤمنوا بك فأبوا، ولو أطاعوني لكان خيرًا لهم، ولددت أنّي عندك فأخدمك وأغسل قدميك". رغم شهادته بأن محّمداً رسول الله إلّا أنه فضل ملكه على اتّباع محمد رسول الله، فأهم دحية الكلبيّ بأنه أسلم، ولّما عاد دحية إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالخبر، قال: "كَذَبَ عدوُّ الله، ليس بمُسلِمٍ".

رسالة الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى كسرى عظيم الفرس:

بعثَ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) عبد الله بن حذافة السهميّ ومعه رسالة إلى كسرى عظيم الفرس هذا نصّها: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمّد رسول الله النبيّ الأميّ، إلى كسرى عظيم فارس؛ سلام على من اتّبع الهدى وآمن بالله ورسوله، وشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله، أدعوك بدعاية الله فإنّي أنا رسول الله إلى الناس كافّة؛ لأنذر مَنْ كان حياً ويحق القول على الكافرين، فأسلم تسلم، فإن أبيت فإنّ إثم المجوس عليك". فلم يردّ كسرى بكتابٍ إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وإنّما تصرّف بقباحة ووقاحة، ومزّق كتاب الرسول محمّد (صلى الله عليه وسلم)، فدعا عليه الرسول (صلى الله عليه وسلم) بأنْ يُمزّقَ الله مُلْكَهُ.

رسالة الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى المقوقس عظيم القبط:

كتب الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى المُقوْقسِ عظيم القِبْطِ كتابًا، وأرسله مع حاطب بن أبي بلتعة، جاء فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، مِنْ محمّد عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط، سلامٌ على مَنِ اتّبع الهدى، أمّا بعد، فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يُؤتك الله أجرك مرّتين، وإن تولّيت فإنّ عليك إثم القبط، و (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)) سورة آل عمران. فردّ المقوقس عظيم القبط: "لمحمّد بن عبد الله من المقوقس، سلام، أمّا بعد: فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً بقي، وقد كنت أظنّ نه يخرج بالشام، وقد أكرمتُ رسلك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت إليك بغلة لتركبها، والسلام".


*263*

أثري معلوماتي

اِختيار النبيّ (صلى الله عليه وسلم) للسفراء

كان اختيار النبي (صلى الله عليه وسلم) لسفرائه قائمًا على مواصفات ربّاهم عليها، فكانوا يتحلّون بالعلم والفصاحة، والصبر والشجاعة، والحكمة وحسن التصرف، وحسن المظهر.

- أرسل النبيّ (صلى الله عليه وسلم) دحية الكلبيّ إلى هرقل عظيم الروم، يقول ابن حجر في الإصابة عن دحية: "كان يُضرب به المثل في حسن الصورة". وكان دحية حسن المظهر، فارسًا ماهرًا، وعليمًا بالروم.

- أرسل النبيّ (صلى الله عليه وسلم) عبد الله بن حذافة إلى كسرى عظيم الفرس، وكان له دراية بهم وبلغتهم، وكان ابن حذافة مضرب الأمثال في الشجاعة ورباطة الجأش.

- أرسل النبي (صلى الله عليه وسلم) حاطب بن أبي بلعتة إلى المقوقس ملك مصر، وقد قال فيه ابن حجر في الإصابة: "كان أحد فرسان قريش وشعرائها في الجاهلية"، وكان له علم بالنصرانيّة، ومقدرة على المحاورة.


*264*

اَلتقويم

أَجِبْ عَمّا يَأْتي:

1. ماذا تستنتج مِنْ بدء الرسائل ب: "بسم الله الرحمن الرحيم"؟

2. لِمَ خاطب الرسول (صلى الله عليه وسلم) الملوك بقولِهِ: "عظيم..."؟

3. لمْ يكتب الرسول (صلى الله عليه وسلم) "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" وإنّما كتب "السلام على من اتّبع الهدى"، فسّر ذلك!

4. ما النتائج الّتي ترتّبت على رسائل النبيّ (صلى الله عليه وسلم) إلى الملوك والأمراء؟

5. قارن بين موقفي هرقْل وكسرى مِنْ كُتب النبيّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) إليهما!

6. "نستنتج من خلال رسائل الرسول (صلى الله عليه وسلم) للملوك والأمراء عالميّة الرسالة الإسلاميّة وشمولها"، فسّر هذه العبارة!

اِبحث في مصادر المعلومات أو في كتب السيرة النبويّة واكتب نصّ رسائل أخرى منْ رسائل النبيّ (صلى الله عليه وسلم) غير الرسائل الواردة في الدرس!


*265*

دراسة وتحليل بعض الأحداث


*265*

تمهيد

بنيت الكعبة خلال الدّهر كلّه أربع مرّات على يقين:

- اَلمرّة الأولى: هي الّتي قام بها إبراهيم (عليه السلام)، وأعانه ابنه اسماعيل (عليه السلام)، قال تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) سورة البقرة.

- الثانية: تلك الّتي بنتها قريش قبل البعثة، واشترك في بنائها النبيّ (صلى الله عليه وسلم).

- الثالثة: عندما احترق البيت من رميه بالمنجنيق في زمن يزيد بن معاوية، فأعاد ابن الزّبير بناءها.

والذي جرّأه على إدخال الزيادة حديث عائشة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "يا عائشة، لولا أنّ قومك حديثو عهد بجاهليّة، لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه، وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين باباً شرقيًّا وبابًا غربيًّا، فبلغت به أساس إبراهيم". صحيح البخاري.

- اَلرابعة: في زمن عبد الملك بن مروان بعدما قتل ابن الزبير، حيث أعاده على ما كان عليه زمن النبي (صلى الله عليه وسلم).

للمناقشة:

- ما الأسباب التي دفعت قريش لإعادة بناء الكعبة؟

- ما المقصود بحديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) الّذي روته عائشة رشي الله عنها؟


*266*

اِشتراكه (صلى الله عليه وسلم) في بناء الكعبة الشريفة

ذكر الصلّابيّ في كتابة "السيرة النبويّة: عرض وقائع وتحليل أحداث" ما يلي: "لمّا بلغ محمّد (صلى الله عليه وسلم) خمساً وثلاثين سنة، اجتمعت قريش لتجديد بناء الكعبة لما أصابها مِنْ حريق وسيل جارف صدّع جدرانها، وكانت لا تزال كما بناها إبراهيم عليه السلام رضمًا فوق القامة، فأرادوا هدمها ليرفعوها ويسقفوها، ولكنّهم هابوا هدمها، وخافوا منه، فقال الوليد بن المغيرة أنا أبدؤكم في هدمها، فأخذ المعول، ثمّ قام عليها وهو يقول: اللّهم لم نزغ، ولا نريد إلّا الخير. وهدم مِنْ ناحية الرّكنيْن: فتربّص الناس تلك الليلة، وقالوا: ننظر، فإن أصيب لم نهدم منها شيئًا، ورددناها كما كانت، وإن لم يصبه شيء فقد رضي الله ما صنعنا، فأصبح الوليد غاديًا يهدم، وهدم الناس معه حتّى انتبهوا إلى حجارة خُضرة كالأسنمة آخذ بعضها ببعض. (الرضم: حجارة منضودة بعضها على بعض مِنْ غير طين).

وكانوا قد جَزّأوا العمل، وخصّوا كلّ قبيلة بناحية، واشترك سادة قريش وشيوخها في نقل الحجارة ورفعها، وقد شارك النبيّ (صلى الله عليه وسلم) وعمّه العبّاس في بناء الكعبة، وكانا ينقلان الحجارة، فقال العبّاس للنبيّ (صلى الله عليه وسلم): اجعل إزارك على رقبتك يَقيكَ من الحجارة، فخرّ إلى الأرض، وطمحت عيناه إلى السماء، ثمّ أفاق، فقال: "إزاري إزاري"، فشدّ عليه إزاره، فلمّا بلغوا موضع الحجر الأسود اختصموا فيه، كلّ قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى، وكادوا يقتتلون فيما بينهم، لولا أنّ أبا أميّة بن المغيرة قال: يا معشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أوّل من يدخل من باب المسجد، فلمّا توافقوا على ذلك، دخل محمّد (صلى الله عليه وسلم)، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين، قد رضينا، فلمّا أخبروه الخبر قال: "هلمّوا ثوبًا؟" فأتوه به، فوضع الحجر فيه بيديه، ثمّ قال: "لتأخذ كلّ قبيلة بناحية مِنَ الثوب، ثمّ ارفعوا جميعًا"، فرفعوه، حتّى إذا بلغوا موضعه وضعه بيده، ثمّ بنى عليه.

وأصبح ارتفاع الكعبة ثمانية عشر ذراعًا، ورفع بابها عن الأرض بحيث يصعد إليه بدرج، لئلّا يدخل إليها كلّ أحد، فيُدْخِلوا مَنْ شاؤوا، وليمنعوا الماء من التسرّب إلى جوفها، وأسند سقفها إلى ستّة أعمدة مِنَ الخشب، إلّا أنّ قريشاً قصرت بها النفقة الطيّبة عن إتمام البناء على قواعد إسماعيل، فأخرجوا منها الحِجر، وبنوا عليه جدارًا قصيرًا دلالة على أنّه منها؛ لأنهم شرّطوا على أنفسهم أن لا يدخل في بنائها إلا نفقة طيّبة، ولا يدخلها مهر بغيّ، ولا بيع ربا، ولا مظلمة لأحد". السيرة النبوية، ص 64.


*267*

أثري معلوماتي

اَلحِكم والمعاني المستفادة من اشتراك الرسول (صلى الله عليه وسلم) في بناء الكعبة:

- حادثة تجديد بناء الكعبة كشفت عن مكانة النبيّ (صلى الله عليه وسلم) الأدبيّة في الوسط القرشيّ، وحصل لرسول (صلى الله عليه وسلم) في هذه الحادثة شرفان: شرف فصل الخصومة ووقف القتال المتوقّع بين قبائل قريش، وشرف تنافس عليه القوم وادّخره الله لنبيه (صلى الله عليه وسلم) ألا وهو وضع الحجر الأسود بيديه الشريفتين.

- في حادثة وضع الحجر الأسود في مكانه مِنَ الكعبة دليل واضح على إدراكه (صلى الله عليه وسلم) رجحان العقل، وأصالة الرّأي.

- طريقة فضّ التنازع كانت موفّقة وعادلة، ورضي بها الجميع، فحقنت دماء كثيرة. فالمسلم يجد في حادثة تجديد بناء الكعبة كمال الحفظ الإلهيّ، وكمال التوفيق الربّانيّ في سيرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، كما يلاحظ كيف أنّ الله أكرم رسوله بهذه القدرة الهائلة على حلّ المشكلات بأقرب طريق وأسهله.


*268*

اَلتقويم

أَجِبْ عَمّا يَأْتي:

1. ما سبب التنازع على وضع الحجر الأسود عند بناء الكعبة؟ ولماذا؟

2. ما الحكمة من دخول الرسول (صلى الله عليه وسلم) أوّل شخصٍ إلى الكعبة بعد النّزاع الّذي حصل بين القبائل؟

3. ماذا كان موقف القبائل مِنْ تحكيم الرسول (صلى الله عليه وسلم)؟ ولماذا؟

4. ما العبرة المستفادة من اختلاف القبائل على وضع الحجر؟ أعط تفسيرًا لذلك.

اِبحثْ في مصادِرِ المعلوماتِ أو في كتب السيرة وأجب:

1. اكتب ما تمكّنت مِنَ الاطلاع عليه منْ معلومات حول الحجر الأسود.

2. بماذا تتميّز الكعبة المشرّفة عن غيرها مِنَ الأماكن المقدّسة لدى المسلمين؟

3. اِرجع إلى تفسير سورة الفيل واكتب قصّة أبرهة الأشرم ومحاولته هدم لكعبة.


*269*

تعلّم ذاتيّ

2. حِصار الشِّعَب


*269*

قال ابن القيّم في زاد المعاد: "لمّا رأت قريش أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعلو، والأمور تتزايد، أجمعوا أنْ يتعاقدوا على بني هاشم وبني المطّلب وبني عبد مناف ألّا يبايعوهم، ولا يناكحوهم، ولا يكلّموهم، ولا يجالسوهم حتّى يُسَلّموا إليهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وكتبوا بذلك صحيفة وعلّقوها في سقف الكعبة... فانحازت بنو هاشم وبنو المطّلب مؤمنهم وكافرهم؛ إلّا أبا لهب فإنّه ظاهَرَ قريشًا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وبني هاشم وبني المطّلب، وحبس رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومَنْ معه في شِعَب أبي طالب ليلة هلال المحرّم سنة سبع مِنَ البعثة، وبقوا محصورين مضيّقًا عليهم جدًّا، مقطوعًا عنهم الميرة والمادّة نحو ثلاث سنين حتّى بلغ بهم الجهد... ثمّ أطْلَعَ الله رسوله على أمر صحيفتهم، وأنّه أرسل إليها إليها الأرضة فأكلت جميع ما فيها منْ جور وقطيعة وظلم؛ إلّا ذِكْرَ الله عزّ وجلّ، فأخبر بذلك عمّه، فخرج إليهم فأخبرهم أنّ ابن أخيه قال كذا وكذا، فإن كان كاذبًا خلّيْنا بينكم وبينه، وإنْ كان صادقًا رجعتم عن ظُلْمنا، قالوا: أنْصَفْت. فأنزلوا الصحيفة فلمّا رأوا الأمر كما أخبر النبيّ (صلى الله عليه وسلم) ازدادوا كفرًا وعنادًا. وخرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومَنْ معه مِنَ الشّعب، وذلك سنة عشر مِنْ بعثته (صلى الله عليه وسلم) كما ذكر ذلك غير واحد مِنْ أهل السِيَر.

ويذكر أهل السّير أنّه بعد هذه الحادثة تعاقد نفر مِنْ عقلاء قريش على نقْضِ هذه الصحيفة، وسعوْا في ذلك حتّى حصل، وهؤلاء النفر هم: هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤيّ، وزهير بن أميّة المخزوميّ، وأبو البختريّ بن هشام، وزمعة بن الأسود، والمطعم بن عديّ.


*270*

اَلتقويم

أَجِبْ عَمّا يَأْتي:

1. متى وقع حصار الشِعب؟ أي: في أيّ عام بدأ ومتى انتهى؟

2. كيف رُفِعَ الحصار الظالم عن بني هاشمٍ؟

3. ما سبب الحصار في شِعب أبي طالب؟

4. ما مضمون الصحيفة الّتي كُتبَت وعُلّقت على جدار الكعبة؟

5. ما العبرة التي تستفيدها مِنْ دراسة موضوع حصار الشِعب؟

اِبحثْ في مصادِرِ المعلوماتِ أو في كتب السيرة وأجب:

1. صِفْ حال بني هاشم خلال فترة الحصار!


*271*

3. خُطبة جعفر (رضي الله عنه) أمام النجاشيّ


*271*

عندما قَدِمَ جعفرُ بن أبي طالب (رضي الله عنه) إلى الحبشة تقدّم في ثبات وثقة عالية أمام النجاشيّ، وألقى خطابًا جليلاً مهيبًا، إن دلّ على شيء فإنّما هو الحقّ، وقد أجراه الله تعالى على لسانه، فقال: "أيّها الملك، كنّا قومًا أهل جاهليّة، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونُسيء الجوار، ويأكل القويّ منّا الضعيف، فكنّا على ذلك، حتّى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحّده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه مِنَ الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذفِ المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده، لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، فصدّقناه وآمنّا به، واتبعناه على ما جاء به مِنَ الله، فعبدنا الله وحده، فلم نشركْ به شيئاً، وحرّمنا ما حرّم علينا، وأحللنا ما أحلّ لنا، فعدا علينا قومنا، فعذّبونا، وفتنونا عن ديننا، ليردّونا إلى عبادة الأوثان مِنْ عبادة الله تعالى، وأن نستحلّ ما كنّا نستحلّ من الخبائث، فلمّا قهرونا وظلمونا وضيّقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك، واخترناك على مَنْ سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أنْ لا نظلم عندك أيّها الملك.

فقال له النجاشيّ: هل معك ممّا جاء به عن الله مِنْ شيء؟ فقال له جعفر بن أبي طالب: "نعم"، فقال له النجاشيّ: "فاقرأه علَيَّ"، فقرأ عليه صدرًا من سورة مريم: (كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3))، إلى الآيات: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)) سورة مريم. فبكى النجاشيّ حتّى اخضلّت لحيته، وبكت أساقفته حتّى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثمّ قال النجاشيّ: "إنّ هذا والّذي جاء به عيسى ليخرج مِنْ مشكاة واحدة".


*272*

للمناقشة: في خطابه قَسّم جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه) كلماته إلى مقاطع عدّة، يحمل كلّ مقطع ىمنها معنى معيّن، ويصل له إلى هدف خاصّ. فما هذه المقاطع؟

اَلتقويم

أَجِبْ عَمّا يَأْتي:

1. كيف صوّر جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه) الجاهليّة؟

2. لماذا تطرّق جعفر (رضي الله عنه) إلى ذِكْر نَسَبِ الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصف خُلُقِهِ؟

3. قارن بين صورة الجاهليّة وصورة الإسلام كما جاء في خطاب جعفر (رضي الله عنه)!

4. كيف استطاع جعفر (رضي الله عنه) أن يستميل مشاعر النجاشيّ وأساقفته؟

5. علام يدلّ قول النجاشيّ: "إنّ هذا والّذي جاء به عيسى ليخرج مِنْ مشكاة واحدة"؟

اِبحثْ في مصادِرِ المعلوماتِ أو في كتب السيرة وأجب:

1. ما العبر والعظات الّتي يمكن أنْ نستفيدها مِنْ خطاب جعفر (رضي الله عنه) أمام النجاشيّ؟

2. سُمّيَ جعفر بن أبي طالبٍ "بجعفر الطيّار"، فلماذا سُمّي بهذا الاسم؟

3. اكتب نبذة قصيرة حول سيرة الصحابيّ جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه)!


*273*

4. وفاته (صلى الله عليه وسلم) وموقف الصحابة منها -


*273*

أصابت الحّمى الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وظلّ يعاني منها أيّامًا، فأمر أبا بكر الصدّيق أنْ يصلّي بالناس، وكان إذا خرج إلى المسجد استند إل الفضل بن العباس، وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما.

وفي بيت عائشة رضي الله عنها اشتدّ به الوجع، وكان قد شعر بقلق أصحابه وحزنهم عليه، فأمرهم أنْ يصبّوا عليه من سبع قِرَب مليئة بالماء لم يكشف غطاؤها، لعلّه يستطيع الخروج إلى الناس فقال: "أهريقوا عليَّ من سبع قِرَب لم تحلل أوكيُتُهنَّ لعلّي أعهد إلى الناس". متفق عليه. قالت عائشة رضي الله عنها: فأجلسناه في مخضب، ثمّ طفقنا نصبّ عليه مِنْ تلك القِرَب حتّى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتنّ. ثمّ خرج إلى الناس فصلّى بهم وخطب، وكان عاصبًا رأسه، فجلس على المنبر، ثمّ كان أوّل ما تكلم به أنْ صلّى على أصحاب أحُد، واستغفر لهم. ثمّ قال: "عبد خَيَّرَهُ الله بيْنَ أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده"، فبكى أبو بكر (رضي الله عنه) إذ عَلِم ما يقصده النبي (صلى الله عليه وسلم)، وناداه قائلاً: فديْناك بآبائنا وأمّهاتنا، فقال: "على رِسْلك يا أبا بكر. أيّها الناس، إنَّ أمَنَّ الناس عليَّ في مالِهِ وصحبَتِه أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلاً؛ لاتّخذتُ أبا بكر خليلاً، ولكن أخوّة الإسلام، وإنّي فرط لكم، وأنا شهيد عليكم. وإنّي والله ما أخاف أن تشركوا مِنْ بعدي، ولكن أخشى عليكم الدنيا أنْ تنافسوا فيها". متفق عليه.

وعاد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى بيته، واشتدّ به وجعه، وثقل عليه مرضه، وكان إلى جواره قدح به ماء، يغمس فيه يده، ثم يمسح وجهه بالماء ويقول: "اللهمَّ أعنّي على سكرات الموت". رواه الترمذيّ والنسائيّ. وكانت وصيّة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين حضره الموت: "الصلاة وما ملكت أيمانكم". رواه ابن ماجة وأحمد.

ولمّا اشتدّت على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سكرات الموت، دعا فاطمة ابنته فحدّثها سرًّا فبكت، ثم حدّثها فضحكت، فقالت عائشة لها: ما هذا الّذي سارَّك به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فبكيْتِ؟ ثمّ سارَّك فضحكت؟ قالت: سارّني فأخبرني بموته فبكيت، ثمّ سارّني فأخبرني أنّي أوّل مَنْ يتبعه مِن أهله، فضحكت. متفق عليه.

وفي صلاة صبح يوم الاثنين الثاني عشر مِنْ شهر ربيع الأوّل في العام الحادي عشر للهجرة، رفع الحبيب محمّد (صلى الله عليه وسلم) الستر المضروب على منزل عائشة، فنظر إلى أصحابه وهم يصلّون، فسرّه


*274*

اجتماعهم ووحدة كلمتهم، ونظر إليه الناس، فاطمأنّوا عليه، وظنّوا أنّ صحّته قد عادت إليه، ولكنّها كانت نظرة الوداع، فما إن حلّ الضّحى حتّى خرجت روحه الطاهرة إلى خالقها سبحانه وتعالى. فقالت فاطمة رضي الله عنها: يا أبتاه! أجاب ربًّا دعاه. يا أبتاه؟ جنّة الفردوس مأواه. يا أبتاه! إلى جبريل ننعاه. رواه البخاريّ. وتسرّب النبأ الأليم في المدينة.

موقف الصحابة من وفاته (صلى الله عليه وسلم):

كانت وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) حادثاً مؤلماً مفجعاً، وتعدّدت مواقف الصحابة رضي الله عنهم بين مصدّقٍ للخبر ومُنْكِرٍ لِهوْلِ الخبر، فها هو ذا عمر بن الخطاب لم يصدّق الخبر عندما سمعه، فقال: إنّ رجالاً مِنَ المنافقين يزعمون أنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) توفّي، وإنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما مات، ولكن ذهب إلى ربّه كما ذهب موسى بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثمّ رجع بعد أن قيل قد مات. والله ليرجعنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فليقطعنّ أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات. وأقبل أبو بكر حتّى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر، وعمر يكلّم الناس، فلم يلتفت إلى شيء، ودخل على الرسول (صلى الله عليه وسلم) في بيت عائشة، وهو مغطّى في ناحية البيت، فكشف وجهه فقبله، ثمّ قال: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله طبت حياً وطبت ميتًا، أمّا الموتة الّتي كتب عليك فقد ذقتها، ثمّ لن يصيبك بعدها موت أبدًا. وردّ الثوب على وجهه، ثمّ خرج وعمر يكلّم الناس، فقال: على رِسْلك يا عمر. فأنصت. لكنّ عمر ما زال ثائرًا، فلمّا رآه أبو بكر كذلك، أقبل على الناس، وشرع يتكلّم، فلمّا سمعه الناس انصرفوا عن عمر وأقبلوا عليه.

حمد أبو بكر وأثنى عليه ثمّ قال: أيّها الناس. مَنْ كان يعبد محمّدًا، فإنَّ محمّدًا قد مات، ومَنْ كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت، ثم تلا هذه الآية: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)) سورة آل عمران. فعلم الناس أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد مات حقًّا.


*275*

اَلتقويم

أَجِبْ عَمَّا يَأْتي:

1. علام يدلّ قوْل الرسول (صلى الله عليه وسلم): "عبد خَيَّرَهُ الله بيْنَ أن يؤتيه زهرةَ الدنيا، وبين ما عنده، فاختار ما عنده"؟

2. ما موقف الصحابة رضي الله عنهم من وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم)؟ وما موقف أبي بكر (رضي الله عنه) مِنْ ذلك؟

3. علّلِ اهتمام الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالصلاة رغم مرضه وقُرْب وفاته!

4. وضّح معنى قوله (صلى الله عليه وسلم): "وإنّي والله ما أخاف أنْ تشركوا مِنْ بعدي، ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها"! متّفق عليه

5. طلب الرسول (صلى الله عليه وسلم) مِنْ أبي بكر (رضي الله عنه) أن يؤُمَّ الناس في مَرَضِه، علامَ يدلُّ ذلك؟

اِبحث في مصادر المعلومات أو في المعجم المفهرس لآيات القرآن الكريم وحدِّد السورة الّتي تشير إلى قُرْب وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم)!


*276*

دراسة وتحليل بعض الغزوات


*276*

1. غزوة بني المصطلق

تعتبر غزوة بني المصطلق مِنْ أهمّ الغزوات في حياة المسلمين في عهدهم الأوّل، لأنّها كانت مرتعًا خصبًا للمنافقين، فقد اتّخذوا فيها ألوانًا مِنَ الكيد للنبيّ (صلى الله عليه وسلم) وللإسلام والمسلمين، فقد حاولوا تمزيق وحدة المسلمين بإيجاد الشّقاق بين المهاجرين والأنصار، كما وقعت فيها حادثة الإفك.

لمّا بلغ الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن الحارث بن أبي ضرار "رأس بني المصطلق وسيّدهم" سار في قومه، وبعض مَنْ حالفَهُ من العرب، يريدون حرب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقد ابتاعوا خيلاً وسلاحاً، واستعدّوا للهجوم على المدينة، بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بريدة بن الحصيب الأسلميّ، ليستطلع له خبر القوم، فرجع بريده وأكّد للنبيّ (صلى الله عليه وسلم) صحّة هذه الأخبار، فأسرع النبيّ (صلى الله عليه وسلم) في الخروج إليهم في سبعمائة مقاتل وثلاثين فرسًا، وحيث إنّهم كانوا ممّن بلغتهم دعوة الإسلام، وكانوا قد شاركوا في غزوة أُحُد ضمن جيش المشركين، أغار عليهم النبيّ وهم غارُّون (غافلون). فعن عبد الله بن عمر قال: "أغار النبيّ (صلى الله عليه وسلم) على بني المصطلق وهم غارُّون، وأنعامُهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلهم، وسبى سبيهم، وأصاب يومئذ جويرية بنت الحارث". رواه البخاريّ.

في هذه الغزوة كشف المنافقون عن مدى حقدهم على الرسول (صلى الله عليه وسلم) وعلى الإسلام، وسعوا إلى إثارة العصبيّة بين المهاجرين والأنصار، يقول جابر بن عبد الله: "كَسَعَ (ضرب) رجل مِنَ المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاريّ: يا للأنصار، وقال المهاجريّ: يا للمهاجرين. فاستثمر المنافقون وعلى رأسهم عبد الله بن أبيّ بن سلول هذا الموقف، وحرّضوا الأنصار على المهاجرين، فسمع ذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: "ما بالُ دعوى الجاهليّةِ"؟ قالوا يا رسول الله: كَسَع رجل مِنَ المهاجرين رجلاً مِنَ الأنصار، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "دعوها فإنّها مُنْتِنَة". رواه البخاريّ.


*277*

لمّا فشلت محاولتهم، سعى عبد الله بن أبيّ بن سلول رأس المنافقين إلى عرقلة جهود الرسول (صلى الله عليه وسلم) في الدعوة، ومنع الأموال مِنْ أن تُدْفع لذلك، وتوعّد بإخراج النبيّ (صلى الله عليه وسلم) مِنَ المدينة عند العودة إليها، وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجَنّ الأعزّ منها الأذلّ. وحين علم النبيّ (صلى الله عليه وسلم) بذلك، استدعاه هو وأصحابه المنافقين، فأنْكروا ذلك، وحلفوا بأنّهم لم يقولوا شيئًا، فأنزل الله سورة المنافقين، وفيها تكذيب لهم ولأيْمانهم الكاذبة، وتأكيد وتصديق لما نقله عنهم الصحابيّ زيد بن أرقم، وذلك في قول الله تعالى: (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) سورة المنافقون.

حادثة الإفك:

بعد أنْ فشل المنافقون في إثارة النّعرة الجاهليّة لإيقاع الخلاف والفرقة بين المسلمين، حاولوا الطّعن في عِرْضِ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالافتراء على عائشة رضي الله عنها بما يُعْرَف في كتب السيرة بحادثة الإفك، وملخّص القصّة كما وردت في كتب الحديث والسيرة أنّ المنافقين استغلّوا حادثةً وقَعَت لأمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها في طريق العودة من غزوة بني المصطلق، حين نزلت مِنْ هودجها لبعض شأنها، فلما عادت افتقدت عقدًا لها، فرجعت تبحث عنه، وحمل الرجال الهودج ووضعوه على البعير وهم يحسبون أنّها فيه، وحين عادت لم تجد الرّكْب، فمكثت مكانها تنتظر أن يعودا إليها بعد أن يكتشفوا غيابها، وصادف أنْ مرَّ بها أحد أفاضل أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وسلم) وهو صفوان بن المعطّل السلميّ (رضي الله عنه)، فحملها على بعيره، وأوصلها إلى المدينة. فاستغلّ المنافقون هذا الحادث، ونسجوا حوله الإشاعات الباطلة، وتولّى ذلك عبد الله بن أبيّ بن سلول، وأوقع في الكلام معه ثلاثةً مِنَ المسلمين، هم مِسطح بن أثاثه، وحسّان بن ثابت، وحَمنة بنت جحش، فاتّهِمت أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالإفك.


*278*

مرضت عائشة رضي الله عنها بعد تلك الإشاعة الكاذبة، فاستأذنت النبيّ (صلى الله عليه وسلم) في الانتقال إلى بيت أبيها، وانقطع الوحي شهرًا، عانى خلاله الرسول (صلى الله عليه وسلم) كثيراً، ثمّ نزل الوحي مِنَ الله تعالى موضّحًا ومبرّئًا عائشة رضي الله عنها، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20)) سورة النور.

موقف أبي بكر الصدّيق (رضي الله عنه) ممّن تكلّم في عائشة رضي الله عنها:

لمّا أنزل الله تعالى الآيات مِنْ سورة النور في براءة عائشة رضي الله عنها، قال أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته مِنه وفَقْرِه: "والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد الّذي قال لعائشة ما قال"، فأنزل الله تعالى: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)) سورة النور. قال أبو بكر (رضي الله عنه): "بلى، والله إنّي أحبّ أن يغفر الله لي"، فأرجَعَ إلى مسطح النفقة الّتي كان ينفق عليه، وقال: "والله لا أنزعها منه أبدًا".


*279*

أتعرّف:

- جرت أحداث غزوة بني المصطلق في شعبان سنة خمس عند عامّة أهل المغازي، وسنة ستٌ على قول ابن إسحاق.

- تُسمّى هذه الغزوة بغزوة المريْسيع وهو ماء لبني خزاعة، أو غزوة بني المصطلق وهم من بطن خزاعة.

أثري معلوماتي

زواج الرسول (صلى الله عليه وسلم) مِنْ جويْرية رضي الله عنها:

كان مِنْ بين الأسرى الّذين أسرهم المسلمون جويرية بنت الحارث بن ضرار سيّد قومه، وكانت بركةً على قومها، فقد ذكرت أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "أنّ جويرية أتت إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) وقالت له: قد أصابني مِنَ البلاء ما لم يَخْفَ عليك، فوقَعْتُ في السّهم لثابت بن قيس بن شمّاس، فكاتبته على نفسي، فجئت أستعينك على كابي. فقال النبيّ (صلى الله عليه وسلم): "فهل لكِ في خيْرٍ من ذلك"؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: "أقْضي عنْكِ كتابَكِ وأتزوّجك"، قالت: نعم يا رسول الله قد فعلت. قالت عائشة: وخرج الخبر إلى الناس أنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد تزوّج جويرية بنت الحارث، فقال الناس أصهار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأرسلوا ما في أيديهم من سبايا بني المصطلق. فلقد أعتق تزويجه إيّاها مائة أهل بيت مِنْ بني المصطلق، فما أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها" رواه أحمد.


*280*

اَلتقويم

أَجِبْ عَمّا يَأتي:

1. ما أسباب غزوة بني المصطلق؟

2. كان لزواج الرسول (صلى الله عليه وسلم) مِنْ جويرية رضي الله عنها أبعاده وأهدافه، بيّن هذه الأبعاد حسب رأيك!

3. حاول المنافقون إثارة الفتنة بين المهاجرين والأنصار، وضّح كيف تمّ ذلك!

4. ماذا تستفيد مِنْ موقف أبي بكر الصدّيق (رضي الله عنه) ممّن تحدّث في عائشة رضي الله عنها؟

5. ما العبرة الّتي تستفيدها مِنَ انقطاع الوحي شهرًا كاملاً حتّى نزل ببراءة عائشة رضي الله عنها؟

6. علام يدلّ قول عائشة عن جويرية رضي الله عنهما: "فما أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها"؟

اِبحث في مصادر المعلومات أو في كتب السيرة النبويّة وأجب:

1. منْ هم بنو المصطلق؟ ومتى وقعت الغزوة؟

2. صف أحداث الغزوة!

3. اُكتب قصّة حادثة الإفك كاملة!


*281*

2. صُلْح الحديْبِية

"في يوم الاثنين الأوّل مِنْ ذي القعدة في السنة السادسة للهجرة، خرج الرسول (صلى الله عليه وسلم) مِنَ المدينة متوجّها بأصحابه إلى مكّة لأداء العمرة، وكان سبب هذا الخروج أنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رأى رؤيا في منامه وهو في المدينة، وتتلخّص هذه الرؤيا بأنّه قد دخل مكّة مع أصحابه المسلمين محرمًا مؤدّيًا للعمرة، وقد ساق الهدي معظّمًا للبيت مقدّسًا له، فبشّر النبي (صلى الله عليه وسلم) أصحابه ففرحوا بها فرحًا عظيمًا، فقد طال عهدهم بمكّة والكعبة الّتي رضعوا بلبان حبّها ودانوا بتعظيمها، وما زادهم الإسلام إلّا ارتباطاً بها وشوقًا إليها، وقد تاقت نفوسهم إلى الطواف حولها، وتطلّعت إليها تطلّعًا شديدًا، وكان المهاجرون أشدّهم حنينًا إلى مكة، فقد ولدوا ونشأوا فيها وأحبّوها حبًّا شديدًا، وقد حيل بينهم وبينها، فلمّا أخبرهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بذلك، تهيّأوا لتلك الزيارة العظيمة، واستنفر (صلى الله عليه وسلم) أهل البوادي والأعراب ليخرجوا معه؛ لأنّه كان يخشى أنْ تصدّه قريش عن البيت الحرام". (الصلابي، السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث).

يقول الواقديّ: (دعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عبّاد بن بشر فقدّمه أمامه طليعة في خيل المسلمين مِنْ عشرين فارسًا، وكان فيها رجال مِنَ المهاجرين والأنصار)، وكان هدفه (صلى الله عليه وسلم) مِنْ ذلك الاستعداد للطوارىء الّتي يمكن أن يُفاجأ بها، وأيضاً فقد كانت مهمّة هذه الطليعة استكشاف خبر العدوّ.

ولمّا بلغ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنَّ قريشًا قد خرجت تعترض طريقه وتنصب كمينًا له ولأصحابه بقيادة خالد بن الوليد، وهو لم يقرّر المصادمة؛ رأى أن يغيّر طريق الجيش الإسلاميّ تفاديًا للصدام مع المشركين، فقال: "مَنْ رَجلٌ يخرج بنا على طريق غير طريقهم الّتي هُم بها؟" فقال رجل مِنْ أسلَمَ: أنا يا رسول الله، فسلك بهم طريقا وعرًا بين شعاب شَقَّ على المسلمين السير فيه، حتّى خرجوا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادي، وعند ذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للناس: "قولوا: نستغفر الله ونتوب إليه" فقالوا ذلك: فقال: "والله إنها الحِطَّةُ الّتي عرضت على بني إسرائيل فلم يقولوها".

ثمّ أرسل الرسول (صلى الله عليه وسلم) عثمان بن عفّان (رضي الله عنه) إلى مكّة ليقنع قريشًا بالسماح للمسلمين بأداء العمرة، ولكنّ قريشًا أصرّت على موقفها الرافض، وعرضت على عثمان أنْ يطوف بالبيت وحده، فرفض هذا العرض، وأبى أنْ يطوف حتّى يطوف رسول الله (صلى الله عليه وسلم).


*282*

بيعة الرضوان:

تأخّر عثمان بن عفّان (رضي الله عنه) في العودة حتّى شاع بين المسلمين أنّ قريشاً قتلته، فغضب النبيّ (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه، وقال: "لا نبرحُ حتّى نناجز القوم". عندها دعا النبيّ (صلى الله عليه وسلم) أصحابه إلى البيعة، فهبّوا يبايعونه واحدًا تلو الآخر، فبايعوه على ألّا يفرّوا، حتى بايعته جماعة على الموت. وكان أوّل مَنْ بايع الرسول (صلى الله عليه وسلم) أبو سنان الأسديّ، وبايع سلمة بن الأكوع على الموت ثلاث مرّات، ثمّ أخذ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) بيد نفسه وقال: "هذه عن عثمان". وبهذا تمّت البيعة تحت شجرة في منطقة الحديبية، وفيها قال تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)) سورة الفتح.

للمناقشة: ما الدروس الّتي تستفيدها مِنْ بيعة الرضوان؟

صُلح الحديبية

لمّا علمت قريش بأمر مبايعة الصحابة للرسول (صلى الله عليه وسلم)، أدركت أنّ خطر الحرب يقترب منها، فراجعت نفسها، وعدَلَت عن رأيها المعاند الّذي اقتضى صدّ المسلمين عن الدخول إلى مكّة، فأرسلت سهيل بن عمرو إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليعقد معه صُلْحًا واتّفاقًا، فتمّ هذا الصلح، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "والذي نفسي بيده لا يسألوني خطّة يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيْتُهم إيّاها". صحيح البخاريّ.

تمّ الاتّفاق في هذا الصلح على البنود الآتية:

1. الهُدنة ووَقْفُ الحرب بين المسلمين وقريش مدّة عشر سنوات.

2. أنْ يؤجّل المسلمون دخول مكّة للعمرة إلى العام المقبل.


*283*

3. مَنْ أتى محمّدًا من قريش بغير إذْنهم ردّة إليهم، ومنْ أتى قريشًا من المسلمين قبلوه.

4. من أراد أن يَدخُلَ في حِلْفِ محمّد (صلى الله عليه وسلم) مِنَ القبائل العربيّة فله ذلك، ومنْ أحبّ الدخول في حِلْف قريش فله ذلك أيضًا. فدخلت بنو بكر في حلفِ قريش، ودخلت خزاعة في حلف النبي (صلى الله عليه وسلم).

للمناقشة:

لماذا قَبِل الرسول (صلى الله عليه وسلم) البند الثالث مَعَ أنّ ظاهِرَة ليس في مصلحة المسلمين؟

موقف المسلمين مِنَ الصلح:

بعد الاتّفاق على معاهدة الصلح وقبْلَ تسجيل وثائقها، ظهرت بين المسلمين معارضة شديدة لهذه الاتفاقيّة، وخاصّة في البنديْن اللّذين يلتزم النبيّ (صلى الله عليه وسلم) بموجبها بردّ مَنْ جاءه مِنَ المسلمين لاجئًا، ولا تلتزم قريش بردّ مَنْ جاءها مِنَ المسلمين مرتدًّا، والبند الّذي يقضي بأنْ يعود المسلمون مِنَ الحديبية إلى المدينة دون أنْ يدخلوا مكّة ذلك العام، وقد كان أشدّ الناس معارضة لهذه الاتفاقيّة وانتقادًا لها، عمر بن الخطّاب، وأسيد بن حضير سيّد الأوس، وسعد بن عبادة سيّد الخزرج.

وقد ذكر المؤرّخون أن عمر بن الخطّاب أتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) معلنًا معارضته لهذه الاتفاقيّة، وقال لرسول الله (صلى الله عليه وسلم): ألست برسول الله؟ قال: "بلى" قال: أوَلَسْنا بالمسلمين؟ قال: "بلى" قال: أوَلَيْسوا بالمشركين؟ قال: "بلى" قال: فعلامَ نُعطي الدنِيَّة في ديننا؟ قال: "إنّي رسول الله ولست أعصيه". وفي رواية: "أنا عبد الله ورسوله، لن أخالف أمرَهُ، ولن يضيّعني"، قال: أوليس كنت تحدثنا أنّا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: "بلى، فأخبرتك أنّا نأتيه العام؟ قال: لا، قال: فإنّك آتية ومطوّف به". قال عمر: فأتيت أبا بكر فقلت له: يا أبا بكر، أليس برسول الله؟ قال: "بلى، قال: أوَلَسْنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنِيَّة في ديننا؟


*284*

فقال أبو بكر ناصحًا الفاروق بأن يترك الاحتجاج والمعارضة، فإنّي أشهد أنّه رسول الله، وأنّ الحقَّ ما أمر به، ولن يخالف أمر الله ولن يضيّعه الله. فما هو إلّا أن نزلت سورة الفتح على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فأرسل إلى عمر فأقرأه إيّاها. فقال: يا رسول الله، أفتْحٌ هو؟ قال: "نعم"، فطابت نفسه. (ابن هشام، السيرة النبوية).

ولمّا فرغ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مِنْ قضيّة كتابة الصلح قال لأصحابه: "قوموا فانحروا ثمّ احلقوا"، حتّى قال ذلك ثلاث مرّات، فلمّا لم يَقُم منهم أحد، دخل على أمّ سلمة فذكر لها ما لقي مِنَ الناس، فقالت أمّ سلمة: يا نبيّ الله أتحبّ ذلك؟ اخرج ثمّ لا تكلّم أحدًا منهم كلمة حتّى تنحر بُدْنَك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلّم أحدًا منهم حتّى فعل ذلك، نحر بُدْنَه ودعا حالقه فحلقه، فلمّا رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا، حتّى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًا". رواه البخاريّ.

وقد حلق رجال يوم الحديبية، وقصّر آخرون، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "يرحم الله المحلّقين". فقالوا: والمقصّرين يا رسول الله؟ قال: "يرحم الله المحلّقين". قالوا: والمقصّرين يا رسول الله؟ قال: "يرحم الله المحلّقين". قالوا والمقصّرين يا رسول الله؟ قال: "والمقصّرين". (ابن هشام، السيرة النبوية).


*285*

اَلتقويم

أَجِبْ عَمّا يأتي:

1. رأى الرسول (صلى الله عليه وسلم) في المنام أنّه دخل البيت الحرام، ومع ذلك عاد المسلمون دون أداء العمرة. كيف تفسّر ذلك؟

2. لماذا عدّ القرآن الكريم صلحَ الحديبية فَتْحًا عظيمًا؟

3. بيّن موقف قريش مِنْ دخول المسلمين للمسجد الحرام!

4. ضِمْن أحداث صلح الحديبية ما يدلّ على وجوب الإذعان لحكم الله تعالى ورسوله، وضح ذلك!

5. كيف تبيّن دور المرأة في إبداء الرأي في الأمور المهمّة؟

6. ما الدروس والعبر الّتي تستفيدها مِنْ صلح الحديبية؟

اِبحث في مصادر المعلومات أو في كتب السيرة النبويّة وأجب:

1. لماذا سُمّيت بيعة الرضوان بهذا الاسم؟

2. ما الحادثة الّتي حصلت مع أبي جندل، وماذا تستفيد منها!

3. اذكر نتائج صلح الحديبية!


*286*

3. غزوة مؤتة

تعتبر غزوة مؤتة وقعت في السنة الثامنة للهجرة من أهم الغزوات الّتي خاضها المسلمون في حياة النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقد كانت مقدّمة لفتح بلاد الشام، حيث أنّها أوّل مواجهة عسكريّة للمسلمين مع الروم، وبرزت فيها بطولة المسلمين وتضحياتهم.

بعث النبيّ (صلى الله عليه وسلم) الحارث بن عمير الأزديّ رسولاً إلى عظيم بصرى يدعوه فيه إلى الإسلام، فقُتِل على يد شرحبيل بن عمرو الغسانيّ، وهو عامل مِنْ قبل القيصر على قسم مِنْ أرض الشام، وكان قتْل السفراء مِنْ أعظم الجرائم، بل يزيد إلى إعلان العداء والحرب، فغضب الرسول (صلى الله عليه وسلم) أشدّ الغضب حينما نُقل إليه الخبر، فجهّز جيشاً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل، وعيّن زيد بن حارثة (رضي الله عنه) أميرًا عليهم، فإن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه)، فإن أُصيب فعبد الله بن رواحة (رضي الله عنه)، وعقد لهم لواءً أبيض، ودفعه إلى زيد بن حارثة.

وقد انضمّ خالد بن الوليد (رضي الله عنه) للجيش مشاركًا لأوّل مرّة بعد إسلامه، وخرج الرسول (صلى الله عليه وسلم) وبعض أصحابه يودّعون الجيش، وأوصاهم أن يأتوا قتلة الحارث بن عمير (رضي الله عنه)، وأن يدعوا مَنْ هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلّا استعانوا بالله عليهم وقاتلوهم.

عن سليمان بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنهما قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا بعث أميرًا على جيش أوصاه في خاصّة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا، فقال: "اُغزوا بسم اللهِ وفي سبيل الله، قاتِلوا مَنْ كَفَر بالله، اُغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا وليدًا". سنن الترمذيّ. وفي رواية: "اغزوا بسم اللهِ في سبيلِ الله مَنْ كَفَر بالله، ولا تغدروا، ولا تقتلوا وليدًا، ولا امرأة، ولا كبيرًا فانيًا، ولا منعزِلاً بصومعة، ولا تقطعوا نخلاً، ولا شجرة، ولا تهدموا بناءً". الرحيق المختوم.

للمناقشة:

لماذا أمَّر الرسول (صلى الله عليه وسلم) في هذه الغزوة دون غيرها مِنَ الغزوات ثلاثةً مِنَ الأمراء؟


*287*

مجريات المعركة:

مضى الجيش الإسلاميّ حتّى نزل أرض معان من بلاد الشام، فبلغهم أنّ الروم قد حشدوا جيشًا قوامه مائة ألف، وانضمّ إليهم مِنَ القبائل المحيطة مائة ألف أخرى، ممّا جعلهم يقعون في حيرة مِنْ أمرهم، ودبّ الخوف في نفوس بعضهم، فقام عبد الله بن رواحة فقال: "يا قوم، والله إنّ الّتي تكرهون للتي خرجتم تطلبون، الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوّة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلّا بهذا الدين الّذي أكرمنا الله تعالى به، فانطلقوا، فإنّما هي إحدى الحسنييْن، إمّا نصر وإما شهادة"، فقال الناس: صدق والله ابن رواحة، ومضوا لملاقاة العدو، ونزلوا في سهل مؤتة استعدادًا للقتال.

اِلتقى الجيشان على ارض مؤتة، وبدأ قتال مرير ظهرت فيه بطولة صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وإيمانهم وثباتهم، حيث أخذ الراية زيد بن حارثة (رضي الله عنه) وظلّ يقاتل بضراوة وبسالة حتّى قضى شهيداً. ثم أخذ الراية جعفر، وانبرى يتصدّى لجموع المشركين، فكثّفوا حملاتهم عليه، وأحاطوا به إحاطة السوار بالمعصم، فلم تلن له قناة، ولم تهن له عزيمة، بل استمر في القتال، ونزل عن فرسه وعقّرها.

لقد أخذ (رضي الله عنه) اللّواء بيده اليمنى فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه وانحنى عليه حتّى استشهد وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، ولقد أُثخن (رضي الله عنه) بالجراح إذ بلغ عدد جراحه تسعين بين طعنة برمح أو ضربة بسيف أو رمية بسهم، وليس من بينها جرح في ظهره بل كلّها في صدره. ولقد عوّض الله تعالى جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه) وأكرمه على شجاعته وتضحيته بأن جعل له جناحين يطير بهما في الجنّة حيث يشاء.

وبعد استشهاد جعفر أخذ الراية عبد الله بن رواحة (رضي الله عنه) وتقدّم بها، وقاتل حتّى قتل.

تسلّم الراية خالد بن الوليد (رضي الله عنه)، وأدرك بحنكته وعبقريته العسكريّة أن جيش المسلمين سوف يُقضى عليه إذا استمرّ في القتال أمام هذا الجيش الكبير في عدده وعدّته. فوضع خطّة حكيمة لانسحاب جيش المسلمين دون أن يتمكّن الرومان منْ مطارته والقضاء عليه.

غيّر خالد بن الوليد أوضاع الجيش وعبّأه من جديد، فجعل مقدّمته مؤخّرة، وميمنته ميسرة، وميسرته ميمنه. فلمّا رآهم الروم ظنّوا أنّ مددًا قد وصل للمسلمين، فدخل الرعب في قلوبهم، وصار


*288*

خالد بعد أن تقاتل الجيشان يتأخّر قليلاً قليلاً مع حِفْظ نظام جيشه، ولم يقم الروم باللّحاق بهم ظنًّا منهم أنّ المسلمين يخدعونهم ويحاولن القيام بمكيدة ترمي بهم في الصحراء. وهكذا نجح المسلمون في الانحياز إلى المدينة سالمين، دون أن يطاردهم الروم، وعندما وصلوا إليها خرج الصّبية يحْثون التراب عليهم ويقولون: أهلاً بالفرار، فررتم في سبيل الله. فقال النبيّ (صلى الله عليه وسلم): بل هم الكُرّار إن شاء الله.

الدروس المستفادة من الغزوة:

1. دور القيادة الحكيمة في إدارة المعركة.

2. استعداد المسلمين للتضحية في سبيل الله تعالى ومواجهة الأعدعء مهما تكن التضحيات.

3. صدق نبوّة الرسول (صلى الله عليه وسلم) حين أخبر عن أحداث المعركة قبل وصول الأخبار إليه.

4. لا يُعدّ الانسحاب مِنَ المعركة انهزامًا وفرارًا إذا كان في ذلك حفاظًا على سلامة المسلمين مِنَ الهلاك.

أثري معلوماتي

اَلوحي ينزل على الرسول (صلى الله عليه وسلم) بسير المعركة

نعى الرسول (صلى الله عليه وسلم) المسلمين في المدينة زيدًا وجعفرًا وابن أبي رواحة قبل أن يصل إليه خبرهم، وحزن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لما وقع للسريّة وذرفن عيناه الدموع، ثمّ أخبرهم بتسلّم خالد الراية، وبشّرهم بالفتح على يديه، وأسماه سيف الله، وبعد ذلك قدم مَنْ أخبرهم بأخبار السريّة، ولم يزد عمّا أخبرهم به (صلى الله عليه وسلم).

عن أنسٍ رضي اللَّهم عنه أنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) نعى زيدًا وجعفرًا وابنَ رواحةَ للنَّاس قبل أَنْ يأتيهُمْ خبرهم فقال: "أَخَذَ الرّايَةِ زَيْدٌ فأصيبَ ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصيبَ ثم أَخَذَ ابْنُ رواحَة فأصيبَ وَعَيْناهُ تَذْرفان حَتّى أَخَذَ سَيْفٌ مِنْ سُيوفِ اللهِ حَتّى فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِم". رواه البخاريّ.


*289*

اَلتقويم

أَجِبْ عَمّا يَأْتي:

1. ماذا تستنتج مِن وصيّة الرسول (صلى الله عليه وسلم) للجُنْدِ؟

2. ماذا فعل المسلمون عندما فاجأهم العدو بالعدد الهائل؟

3. بيّن دَوْر عبد الله بن رواجة (رضي الله عنه) في هذه الغزوة!

4. صف خطّة خالد بن الوليد (رضي الله عنه) التي اتّبعها في المعركة لإنقاذ جيش المسلمين!

5. علام يدلّ تصرّف الصبيان في المدينة؟

6. يعدّ المسلمون غزوة مؤتة انتصارًا لهم، لماذا حسب رأيك؟

اِبحث في مصادر المعلومات أو في كتب السيرة النبوية وأجب:

1. لماذا سمّيت هذه المعركة "غزوة" مع أنّ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) لم يشارك بها؟

2. اُكتُب نبذة قصيرة عن حياة القادة الثلاثة الذين استشهدوا في غزوة مؤتة!

3. أين تقع مؤتة اليوم؟ عيّنها على الخريطة.


*290*

تعلّم ذاتيّ

4. بيعة العقبة الأولى والثانية


*290*

أقرأ وأقارن

بيعة العقبة الأولى: (سنة 12 مِنَ البعثة)

أخرج أبو نعيم في دلائل النبوّة قال: "أقام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مِنْ نبوّته مستخفيًا ثلاث سنين، ثمّ أعلن في الرابعة. فدعا عشر سنين يوافي الموسم، يتبع الحاجّ في منازلهم ويدعوهم إلى أنْ يمنعوهم حتّى يبلّغ رسالة ربّه عزّ وجلّ، فلا يجد أحدًا ينصره حتّى إنّه يسأل عن القبائل ومنازلهم قبيلة قبيلة... فأقام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يدعو القبائل إلى الله عزّ وجلّ، فيُؤذى ويُشْتم، حتّى أراد الله بهذا الحيّ مِنَ الأنصار ما أراد من الكرامة. فانتهى رسول الله إلى نفر منهم عند العقبة، فجلس إليهم، فدعاهم".

وذكر ابن حزم في جوامع السيرة النبويّة: "فكان من صنع الله تعالى لهم أنّهم كانوا جيران اليهود، فكانوا يسمعونهم يذكرون أنّ الله تعالى يبعث نبيًّا قد أظلَّ زمانه فقال بعضهم: هذا والله النبيّ الّذي يتهدّدكم به اليهود فلا يسبقونا إليه".

قال ابن هشام: "فأجابوه فيما دعاهم إليه، بأن صدّقوه وقبلوه منه ما عرض عليهم مِنَ الإسلام، وقالوا: إنّا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم مِنَ العداوة والشرّ ما بينهم، فعسى أنْ يجمعهم الله بك، فسنقدُم عليهم، فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الّذي أجبناك إليه من هذا الدين. فإنْ يجمعهم الله عليك فلا رجل أعزّ منك، ثمّ انصرفوا عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) راجعين إلى بلادهم، ودعوا قومهم إلى الإسلام حتّى فشا فيهم. حتّى إذا كان العام المقبل وافى الموسم اثنا عشر رجلاً، فلقوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالعقبة فبايعوه على بيعة النساء، وذلك قبل أنْ تفترض عليهم الحرب.

وقد روى عبادة بن الصامت خبر هذه المبايعة، فقال: كنّا اثني عشر رجلاً، فقال لنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "تعالوا بايعوني على ألّا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتون ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب منكم من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو كفّارة له، ومَنْ أصاب مِنْ ذلك شيئًا فستره الله


*291*

فأمرهُ إلى الله، إنْ شاء عاقبه، وإنْ شاء عفا عنه". قال عبادة بن الصامت: فبايعناه على ذلك. فلمّا أرادوا الانصراف بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) معهم مصعب بن عمير، وأَمَرَه أن يقرئهم القرآن، ويعلّمهم الإسلام، ويفقّههم في الدين، فكان يُسَمّى مقرىء المدينة.

بيعة العقبة الثانية: (سنة 13 مِنَ البعثة)

قال محمد بن اسحاق يروي عن كعب بن مالك: "فواعدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) العقبة مِنْ أوساط أيّام التشريق. فلمّا فرغنا مِنَ الحجّ، وكانت الليلة الّتي واعدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لها، نِمْنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتّى إذا مضى ثلث الّليل، خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نتسلل تسلّل القطا مستخفين، حتّى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلاً، ومعنا امرأتان مِنْ نسائنا: نسيبة بنت كعب، وأسماء بنت عمرو بن عدي.

قال: فاجتمعنا في الشِعب ننتظر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتّى جاءنا ومعه عمّه العبّاس بن عبد المطلب، فتكلم القوم وقالوا: خذ منّا لنفسك ولربّك ما احببت. فتكلّم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فتلا القرآن، ودعا إلى الله، ورغّب في الإسلام، ثمّ قال: "أبايعكم على أنْ تمنعوني ممّا تمنعون منه نساءَكم وأبناءكم". فأخذ البراء بن معرور بيده ثمّ قال: نعم، والّذي بعثك بالحقّ نبيًّا، لننمنعك ممّا نمنع أُزُرَنا منه. فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحرب وأهل الْحَلْقَة، ورثناها كابرًا عن كابر.

وكان قد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبًا ليكونوا على قومهم بما فيهم"، فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبًا، تسعة مِنَ الخزرج وثلاثة مِنَ الأوس، فلمّا تخيّرهم قال للنقباء: "أنتم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريّين لعيسى ابن مريم، وأنا كفيل على قومي".

وكان أوّل مَنْ ضرب على يد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) البرّاء بن معرور، ثمّ بايع القوم كلهم بعد ذلك. فلمّا بايعنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "ارجعوا إلى رحالكم". فقال له العبّاس بن عبادة بن نفلة: والله الّذي


*292*

بعثك بالحقّ إنْ شئت لنميلنّ على أهل منى غدًا بأسيافنا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " لم نُؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم". (البوطيّ، فقه السيرة).

وروى الإمام أحمد عن جابر مفصّلًا. قال جابر: قلنا: يا رسول الله، علام نبايعك؟ قال: "على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أنْ تقولوا في الله، لا تأخذكم في الله لومة لائم، وعلى أنْ تنصروني إذا قدمت إليكم، وتمنعوني ممّا تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة".

أثري معلوماتي:

أهمّ مظاهر الفرق بين البيعتين:

اَلأوّل: أنّ عدد المبايعين مِنْ أهل المدينة في المرّة الأولى كان اثني عشر رجلاً فقط، أمّا في البيعة الثانية فقد كان بضعة وسبعين بينهم امرأتان.

الثاني: أنّ البنود المنصوص عليها في البيعة الأولى خالية عن الإشارة إلى الجهاد بالقوّة (بيعة النساء)، ولكنّها في البعية الثانية تضمّنت الإشارة بل التصريح بضرورة الجهاد والدفاع عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ودعوته بكلّ الوسائل.

اَلثالث: لقد كانت البيعة الأولى بيعة مؤقّتة بالنسبة لاقتصارها على تلك البنود وحدها، أمّا البيعة الثانية فقد كانت الأساس الّذي هاجر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة بناءً عليه، ولذا كانت شاملة لمبادىء الّتي ستتمّ مشروعيّتها بعد الهجرة إلى المدينة، وفي مقدّمتها الجهاد والدفاع عن الدعوة بالقوّة.


*293*

اَلتقويم

أَجِبْ عَمّا يَأْتي:

1. متى كانت بيعة العقبة الأولى؟ وكما كان عدد الّذين بايعوا الرسول (صلى الله عليه وسلم)؟

2. على أيّ شيء بايع أهل يثرب الرسول (صلى الله عليه وسلم) في بيعة العقبة الأولى؟

3. لماذا أرسل الرسول (صلى الله عليه وسلم) مصعب بن عمير إلى يثرب؟

4. متى كانت بيعة العقبة الثانية؟ وكما كان عدد الّذين بايعوا الرسول (صلى الله عليه وسلم) فيها؟

5. ما شروط بيعة العقبة الثانية؟

6. مَنْ حضر مع الرسول (صلى الله عليه وسلم) بيعة العقبة الثانية؟ ولماذا؟

اِبحث في مصادر المعلومات أو في كتب السيرة النبوية وأجب:

1. لماذا سمّيت بيعة العقبة بهذا الاسم؟

2. ما الدروس والعبر الّتي تستفيدها مِنْ بيعة العقبة الأولى والثانية؟

3. أين توجد بيعة النساء في القرآن الكريم؟


*294*

رجال ونساء حول الرسول (صلى الله عليه وسلم)


*294*

تمهيد

مِنَ رحمة الله تعالى بعباده انْ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم ليبلغهم رسالة ربهم، ويرشدهم إلى كلّ ما ينفعهم، ويحذرهم مِنْ كلّ ما يضرهم، فقام الرسول (صلى الله عليه وسلم) بما أرسل به، وأدّى الأمانة، ونصح الأمّة ودلّها على كل خيرْ، وحذرها من كلّ شرّ. وقد اختار الله لصحبته وتلقّي الشريعة عنه قومًا هم أفضل هذه الأمة التي هي خير الأمم فشرفهم بصحبة نبيّه (صلى الله عليه وسلم) وخصهم في الحياة الدنيويّة بالنظر إليه وسماع ديثه، فبلَّغوا عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما بعثه الله به مِنَ النور والهدى على أكمل الوجوه وأتمّها فكان لهم الأجر العظيم لصحبتهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، والجهاد معه في سبيل الله، وأعمالهم الجليلة في نشر الإسلام، ولهم مثل أجور مَنْ بعدهم لأنّهم الواسطة بينهم وبين رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)) سورة التوبة.

كما وأعلى الإسلام مِنْ شأن المرأة، وأكّد على دورها العظيم في تربية الأجيال وتنشئة الأبطال، وقد ظهرت تلك المكانة في صفحات ناصعة من تاريخ الإسلام، فحفل بنمانج رائعة للمرأة المؤمنة الصابرة الوفيّة العاملة، الّتي لها بصمات واضحة ومواقف رائعة يُقتدى بها على مرّ العصور.

سنتناول في هذا الدرس صورًا ونماذج مشرقة من حياة الصحابة والأعلام من الرجال والنساء.


*295*

رفيدة الأسلميّة

أوَل ممرّضة في الإسلام:

هي الصحابية الجليلة كعبية بنت سعد الأسلمية الخرزجية الأنصارية، واسمها رُفيدة، مشتقّ من الرفادة وتعني الإعانة والعطاء. كانت طيبة متميّزة معروفة بمهارتها في الطبّ والعقاقير والأدوية وتصنيعها، والجروح وتضميدها، والكسور وتجبيرها.

بايعت الرسول (صلى الله عليه وسلم) بعد الهجرة، واشتركت في غزوتَي الخندق وخَيْبر، وكانت رضي الله عنها قارئة، كاتبة، وصاحبة شروة واسعة.

كانت رضي الله عنها تخرج في الغزوات، وتنقل معها خيمتها بكلّ متطلباتها وأدواتها واحتياجاتها فوق ظهور الجِمال، ثمّ تُقيمها بإزاء معسكر المسلمين، تشاركها العمل الصحابيّات رضوان الله عليهنّ؛ لذا تعتبر خيمة رفيدة الأسلميّة على الرغم من بدائيّتها أوّل مستشفى ميدانيّ.

روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت: أصيب سعد بن معاذ يوم الخندق بسهم أطلقه أبو أسامة الجشمي حليف "بني مخزوم"، فأمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) رفيدة أن تقيم خيمة في المسجد ليعوده من قريب.

وقد ذكر الإمام ابن حجر العسقلانيّ في كتابه "الإصابة في تمييز الصحابة" كيف أنّ رفيدة الأسلميّة عندما رأت انغراس السهم في صدر سعد تصرّفت بحكمة ووعي، فأسرعت بإيقاف النزيف، ولكنّها أبقت السهم في صدره لأنّها كانت تعلم أنّها إذا سحبته أو أخرجته سيُحدِث نزيفًا لا يتوقف من مكان الإصابة.

ولم يكن عمل رفيدة مقتصرًا على الحروب فقط، بل عَمِلت أيضًا في وقت السِّلم تعاون وتواسي كلّ محتاج؛ فكانت تنفق بسخاء على المحتاجين لأنها كانت صاحبة ثروة ومال.


*296*

الخنساء

اسمها تماضر لنت عمرو السلميّة، صحابية وشاعرة مخضرمة من أهل نجد، أدركت الجاهلية والإسلام وأسلمت، واشتهرت برثائها لأخويها صخر ومعاوية اللذينِ قُتلا في الجاهليّة.

حين انتشر نور الإسلام، صحبت بنيها وبني عمّها من بني سليم وافدة إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليعلنوا دخولهم في الدين الجديد. فأعلنت إسلامها وإيمانها لعقيدة التوحيد في العام الثامن للهجرة، وهي في طلائع شيخوختها لم تقلّ عن الخمسين، وحسن إسلامها.

ذاعت شهرة الخنساء رضي الله عنها وطار صيتها في كلّ مكان، وخاصّة من خلال مراثيها التي سارت بها الركبان، وهي إلى شاعريتها صاحبة شخصية قوية، تتمتع بالفضائل والاخلاق العالية، والرأي الحصيف، والصبر والشجاعة.

مِنْ مواقفها:

إنّ موقفها يوم القادسيّة دليل واضح على صبرها وشجاعتها، فقد خرجت في هذه المعركة مع المسلمين ومعها أبناؤها الأربعة، وهناك، وقبل بدء القتال اوصتهم فقالت: "يا بني لقد أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، ووالله الّذي لا إله إلّا هو إنّكم بنو امرأة واحدة، ما خُنْت أباكم، ولا فضحت خالكم"... إلى أن قالت: "فإذا أصبحتم غدًا إنْ شاء الله سالمين، فاغدوا إلى قتال عدوّكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمّرت عن ساقها، وجعلت نارًا على أوراقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها، تظفروا بالغُنْم والكرامة في دار الخالد والمقامة".

فلمّا أصبح أولادها الأربعة باشروا القتال واحدًا بعد واحد حتى قتلوا، وبلغ الخنساء خبر مقتل أبنائها الأربعة فقالت: "الحمد لله الّذي شرّفني بقتلهم، وأرجو مِنْ ربّي أن يجمعني بهم في مستقرّ رحمته".

وقفلت الخنساء عن ميدان القادسيّة وقد فتح الله تعالى على المسلمين، فعادت إلى المدينة، وعلِمَ بها عمر (رضي الله عنه)، فعزّاها في أبنائها، وكان يعطيها أرزاق أولادها الأربعة حتّى قبض.

ثمّ انصرفت إلى البادية، إلى مضارب قومها بني سليم، وقد أنهكتها الأيّام والأعوام، وما لبثت أن فارقت الحياة مع مطلع خلافة عثمان بن عفّان (رضي الله عنه) سنة 24 ه.


*297*

اَلبراء بن مالك

اَلتعريف به ومولده:

هو الصحابيّ الجليل البراء بن مالك بن النضر الانصاريّ، أخو أنس بن مالك لأبيه وأُمّه. وُلد البراء بن مالك بالمدينة وبها عاش إلى ان خرج مقتالاً في سبيل الله في اليمامة، وفي أرض الفرس حتى لقي الله شهيدًا. ربّاه النبيّ (صلى الله عليه وسلم) على حبّ الشهادة في سبيل الله، وعلى اليقين بنصر الله، وأخبر النبيّ (صلى الله عليه وسلم) أنّه مستجاب الدعوة فقال: "كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذي طِمْرَيْنِ لا يُؤْبَهُ له لو أقسم على الله لأَبَرَّهُ منهم البراءُ بنُ مالِكٍ". سنن الترمذيّ.

مِنْ مواقف البراء بن مالك مع الصحابة:

عن انس (رضي الله عنه) قال: لقي أبيّ بن كعب البراء بن مالك فقال: يا اخي ما تشتهي؟ قال: سويْقًا وتمرًا، فجاء فأكل حتّى شبع، فذكر البراء بن مالك ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: "اعلم يا براء أنّ المرء إذا فعل ذلك بأخيه لوجه الله لا يريد بذلك جزاءً ولا شكورًا بعث الله إلى منزله عشرة من الملائكة يقدّسون الله ويهلّلونه ويكبّرونه ويستغفرون له حوْلًا، فإذا كان الحول كُتِب له مثل عبادة أولئك الملائكة، وحقّ على الله ان يطعمهم من طيبات الجنة في جنة الخلد وملك لا يبيد".

وعن أنس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذي طِمْرَيْنِ لا يُؤْبَهُ له لو أقسم على الله لأبرهُ منهم البراءُ بن مالكٍ". وإنّ البراء لقي زحفًا من المشركين وقد اوجع المشركون في المسلمين، فقالوا له: يا براء إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال بإنّك لو أقسمت على الله لأبرّك فأقسم على ربّك، قال: "أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتفاهم ثمّ التقوا على قنطرة السوس فأوجعوا في المسلمين. فقالوا له يا براء أقسم على ربّك فقال أقسمت عليك يا رب لم منحتنا أكتافهم وألحقني بنبيّ الله (صلى الله عليه وسلم)، فمُنِحوا أكتافهم، وقُتِل البراء (رضي الله عنه) شهيدًا على يد الهرمزان سنة 20 ه.


*198*

وهكذا انتهت حياة الشهيد المجاهد الصحابيّ البراء بن مالك الّذي كان لا يهاب القتل أو الموت، الموقن بالشهادة في سبيل الله والّتي طلبها في كلّ معاركه، حتّى نالها في تستر.

وللبراء بن مالك (رضي الله عنه) أثر في دعوة وتعليم الآخرين، قال أنس بن مالك: ركب البراء فرسًا يوم اليمامة ثمّ قال: أيّها الناس إنّها والله الجنّة، وما لي إلى المدينة سبيل، فمصع فرسه مصعات ثمّ كبس وكبس الناس معه، فهزم الله المشركين.

من أقوال البراء بن مالك (رضي الله عنه):

عن أنس أنّ خالد بن الوليد قال للبراء يوم اليمامة: قم يا براء. قال: فركب فرسه فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: يا أهل المدينة لا مدينة لكم اليوم، وإنمّا هو الله وحده والجنة. (الإصابة في تمييز الصحابة).


*299*

معذ بن جبل

التعريف به:

معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجيّ الأنصاريّ، وكنيته أبو عبد الرحمن. أسلَمَ وعمره ثماني عشرة سنة، عندما أسلم سعد بن معاذ (رضي الله عنه) سيّد الخزرج الّذي طلب مِنْ قومه أن يسلموا، فأسلم الخزرج ومعهم معاذ (رضي الله عنه).

مواقفه:

قدم من المدينة إلى مكة لمبايعة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ليلة العقبة الثانية، فبايعه معهم، وحضر المشاهد كلّها، وروى عن النبيّ (صلى الله عليه وسلم) الكثير مِنَ الأحاديث النبويّة. فقد لزم معاذ بن جبل النبيّ (صلى الله عليه وسلم) منذ هجرته إلى المدينة، فأخذ عنه القرآن، وتلقّى شرائع الإسلام، حتّى صار أقرأ الصحابة لكتاب الله، وأعلمهم بشرعه. وهو أحد الستّة الّذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وحسْبُهُ شهادة له قول الرسول (صلى الله عليه وسلم): "استقرئوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأُبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل"، وقوله (صلى الله عليه وسلم): "وأعْلَمُ أمّتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل".

بعَثَه الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى اليمن قاضيًا ومرشدًا: وعندما بعثه (صلى الله عليه وسلم) قال له: "كَيْفَ تَقْضي إذا عَرَضَ لَكَ قضاءٌ"؟ قالَ: أَقْضي بكتابِ اللهِ. قالَ: "فإن لم تجد في كتاب اللهِ"؟ قالَ: فَبِسُنَّةِ رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قالَ: "فإنَ لم تجد في سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولا في كتاب الله"؟ قالَ: أجتهد رأيي ولا آلو. فضرب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صدره، وقالَ: "الْحَمْدُ لله الذي وَفَّقَ رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسول الله". أخرجه أبو داود.

أصيب معاذ (رضي الله عنه) بالطاعون في عمواس، فلمّا حضرته الوفاة قال: "مرحبًا بالموت مرحبًا، زائر بعد غياب، وحبيب وفَدَ على شوق". ثمّ جعل ينظر إلى السماء ويقول: "الّلهم إنّي كنتُ اخافك، لكنني اليوم أرجوك، اللهم إنّك تعلم أنّي لم أكن أحبّ الدنيا وطول البقاء فيها لغرس الأشجار، وجري الأنهار،


*300*

ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء عند خلق الذكر، اللهم فتقبل نفسي بخير ما تتقبّل به نفسًا مؤمنة"، ثمّ فاضت روحه بعيدًا عن الأهل، داعيًا إلى الله، مهاجرًا في سبيله.

وكانت وفاته في السنة السابعة عشرة من الهجرة النبوية في طاعون عمواس وعمره ثمانيةٌ وثلاثون عامًا، ودُفِنَ في غور الأردن.

أبو عبيدة بن الجرّاح

هو عامر بن عبد الله بن الجرّاح القرشيّ الفهريّ المكّيّ. يجتمع في النسب هو النبيّ (صلى الله عليه وسلم) في فهر، شهد له النبيّ (صلى الله عليه وسلم) بالجنّة، وسمَّاه أمينَ الأمّة حيث قال: "لِكُلِّ أمةٍ أمينٌ، وأمينُ هذِهِ الأمةِ: أبو عُبَيْدَةَ ابنُ الجَرَّاح" رواه البخاري. وقد سُئِلت عائشة رضي الله عنها: أيّ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان أحبّ إليه؟ قالت: أبو بكر، ثمّ عمر، ثمّ أبو عبيدة بين الجرّاح.

كان مِنْ أوّل مَنْ أسلم، وذلك حين انطلق هو وعثمان بن مظعون، وعبيدة بن الحارث، وعبد الرحمن ابن عوف، وأبو سلمة بن عبد الأسد، حتّى أتوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فعرض عليهم الإسلام، وأنبأهم بشرائعه، فأسلموا في ساعة واحدة، وذلك قبل دخول الرسول (صلى الله عليه وسلم) دار الأرقم.

شهد أبو عبيدة (رضي الله عنه) غزوة بدر، فقتلَ يؤمئذ أباه، كما أبلى بلاءً حسنًا في غزوة أحد.

مِنْ مواقفه:

كان (رضي الله عنه) ممن ثبت مع الرسول (صلى الله عليه وسلم) يوم أحد، وقد أسرع إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ونزع الحلقتين من المغفر اللتين دخلتا في وجنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

وروى الإمام أحمد بسنده عن أبي جمعة حبيب بن سباع قال: تغدّينا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومعنا أبو عبيدة بن الجرّاح، قال: فقال: يا رسول الله، هل أحد خير منّا؟! أسلَمْنا معك، وجاهَدْنا معك. قال: "نعم، قوم يكونون مِنْ بعدكم، يؤمنون بي ولم يروني."


*301*

وكان أبو بكر (رضي الله عنه) قد ولّى أبا عبيدة بيت المال، ثمّ وجّهه إلى الشام سنة ثلاث عشرة. وفي أثناء قيادة خالد بن الوليد (رضي الله عنه) معركة اليرموك الّتي هزمت فيها الإمبراطورية الرومانية توفّي أبو بكر الصدّيق (رضي الله عنه)، وتولّي الخلافة بعده عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه)، فولّى عمر قيادة الجيش لأبي عبيدة ابن الجرّاح، وعزل خالد بن الوليد. فلمّا وصل الخطاب إلى أبي عبيدة أخفاه حتّى انتهت المعركة، ثمّ أخبر خالدًا بالأمر، فسأله خالد: يرحمك الله يا أبا عبيدة، ما منعك ان تخبرني حين جاءك الكتاب؟ فأجاب أبو عبيدة: إنّي كرهت أن أكسر عليك حربك، وما سلطان الدنيا نُريد، ولا للدنيا نعمل، كلّنا في الله أخوة، وأصبح أبو عبيدة أمير الشام.

بلغ عمر بن الخطّاب أنّ أبا عبيدة حُصِرَ بالشام، ومال منه العدوّ، فكتب إليه عمر: أمّا بعد، فإنّه ما نزل بعبد مؤمن شدّة. إلّا جعل الله بعدها فرجًا، وإنّه لا يغلب عُسر يُسرَيْن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا (200)) سورة آل عمران. فكتب إليه أبو عبيدة: أمّا بعد فإنّ الله يقول: (أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) إلى قوله: (مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)) سورة الحديد. فخرج عمر بكتابة فقرأه على المنبر، فقال: يا أهل المدينة! إنّما يُعَرّضُ بكم أبو عبيدة أو بي، ارغبوا في الجهاد.

وفاته في طاعون عمواس:

تُوُفّي أبو عبيدة بن الجّراح (رضي الله عنه) في طاعون عَمْواس سنة ثماني عشرة، عن ثمانٍ وخمسين سنة، وصلّى عليه معاذ بن جبل (رضي الله عنه).


*302*

عبادة بن الصامت

هو عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم مِنْ بني سالم بن عوف مِنَ الخزرج. ولد عبادة بن الصامت في المدينة قبل الهجرة بثمانٍ وثلاثين سنة، فهو أصغر مِنْ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بخمسة عشر عامًا. أبوه الصامت بن قيس لم يدرك الإسلام، وتُوِفِّي على دين قومه، أمّا أمه قرّة العين بنت عبادة بن نضلة بن مالك من الخزرج، فقد أسلمت وبايعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

كان عبادة بن الصامت (رضي الله عنه) من أوائل الّذين أسلموا من الأنصار، وذلك في السنة الثانية عشرة من بعثة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ومنذ أن أسلم عبادة بن الصامت (رضي الله عنه) ارتبط برسول الله (صلى الله عليه وسلم) ارتباطًا وثيقًا، وتعلّق به تعلّقًا شديدًا، فلم يكن من مشهد من مشاهد الإسلام إلاّ وحضره، ولم يعزُ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) غزوةً، ولم يسْرِ إلى مكان إلّا وكان معه، وقد رُوِي له عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مائة وواحد وثمانون حديثًا. (موقع قصّة الإسلام).

مِنْ موافقة:

كان عبادة بن الصامت (رضي الله عنه) ممّن بايعوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في بيعة العقبة الأولى، قال عبادة بن الصامت (رضي الله عنه): "كنت ممّن حضر العقبة الأولى، وكنّا اثني عشر رجلًا، فبايعنا رسول الله على بيعة النساء، وذلك قبل أنْ تفترض الحرب، على أنْ لا نشرك بالله شيئًا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه مِنْ بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، فإنْ وفّيتم فلكم الجنّة، وإن غشيتم ذلك فأمْرُكم إلى الله، إن شاء عذَّب وإن شاء غفر."

وفي بيعة العقبة الثانية قا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للأنصار: "أخرجوا منكم اثني عشر نقيبًا؛ تسعة مِنَ الخزرج، وثلاثة مِنَ الأوس". فكان عبادة بن الصامت (رضي الله عنع) أحد نقباء الخزرج.


*303*

وعن أبي قلابة قال: كنت بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار، فجاء أبو الأشعث. قال: قالوا: أبو الأشعث، أبو الأشعث. فجلس، فقلت له: حدِّث أخانا حديث عبادة بن الصامت. قال: نعم، غزونا غزاة وعلى الناس معاوية، فغنمنا غنائم كثيرة، فكان فيما غنمنا آنية من فضّة، فأمر معاوية رجلاً أن يبيعها في أعطيات الناس، فتسارع الناس في ذلك، فبلغ عبادة بن الصامت، فقام فقال: "إنّي سمعت رسول الله ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبرّ بالبرّ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح إلّا سواء سواء، عينا بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى". فردَّ الناس ما أخذوا. فبلغ ذلك معاوية، فقام خطيبًا فقال: "ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله أحاديث، فقد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه". فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصّة، ثمّ قال: لنُحدّثَنَّ بما سمعنا من رسول الله وإن كره معاوية.

وفاة عبادة بن الصامت (رضي الله عنه):

لما حضرت عبادة (رضي الله عنه) الوفاة قال: "أخرجوا فراشي إلى الصحن"، ثم قال: "اجمعوا لي مَوَاليَّ وخدمي وجيراني، ومن كان يدخل عليَّ". فجمعوا له، فقال: "إنّ يومي هذا لا أراه إلا آخر يوم يأتي عليَّ من الدنيا، وأوّل ليلة من الآخرة، وإني لا أدري لعله قد فرط منّي إليكم بيدي أو بلساني شيء، وهو والّذي نفس عبادة بيده القِصاص يوم القيامة، وأُحَرّج على أحد منكم في نفسه شيء من ذلك إلّا اقتصَّ منّي قبل أن تخرج نفسي". فقالوا: بل كنت مؤدّبًا. قال: "اللهم اشهد".

ثمّ قال: "أمّا لا، فاحفظوا وصيّتي: أُحَرّج على إنسان منكم يبكي عليَّ، فإذا خرجت نفسي فتوضئّوا وأحسنوا الضوء، ثمّ ليدخل كلّ إنسان منكم المسجد فيصلي ثمّ يستغفر (لعبادة) ولنفسه؛ فإنّ الله تبارك وتعالى قال: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ (45)) سورة البقرة. ثمّ أسرعوا بي إلى حفرتي، ولا تُتبِعُني نار، ولا تضعوا تحتي أرجوانًا".

وكانت وفاته (رضي الله عنه) سنة 34 من هجرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بمدينة الرّملة في فلسطين، وهو يناهز الإثنين والسبعين عامًا، ودفن في القدس.


*304*

سلمان الفارسيّ

سلمان الفارسيّ، وكُنْيَته "أبو عبد الله"، رجلٌ مِنْ أصبهان، غادر ثراء والده بحثًا عن خلاص عقله وروحه، كان مجوسيًّا، ثمّ أسلم الله رب العالمين، وقد آخى الرسول (صلى الله عليه وسلم) بينة وبين أبي الدرداء.

لقاء الرسول (صلى الله عليه وسلم):

مرّ بسلمان ذات يوم رَكْبٌ من جزيرة العرب، فاتّفق معهم على أنْ يحملوه إلى أرضهم مقابل أن يعطيهم بقراته وغنمه، فذهب معهم، ولكن ظلموه فباعوه ليهوديّ في وادي القرى، وأقام عنده حتّى اشتراه رجل من يهود بني قريظة، أخذه إلى المدينة التي ما أن رأها حتى أيقن أنها البلد التي وصفت له، وأقام معه حتى بعث الله ورسوله، وقدم المدينة، ونزل بقباء في بني عمرو بن عوف، فما أنْ سمع بخبره حتّى سارع إليه، فدخل على الرسول (صلى الله عليه وسلم) وحوله نفر من أصحابه، فقال لهم: إنكم أهل حاجة وغربة، وقد كان عندي طعام نذرته للصدقة، فلمّا ذكر لي مكانكم رأيتكم أحق الناس به فجئتكم به. فقال الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه: "كلوا باسم الله"، وأمْسَك هو، فلم يبسط إليه يدًا، فقال سلمان لنفسه: "هذه والله واحدة، إنّه يأكل الهدايا".

ثمّ عاد سلمان بعد مرور زمن فوجد الرسول (صلى الله عليه وسلم) في البقيع قد تبع جنازة، وعليه شملتان مؤتزرا بواحدة، مرتديًا الأخرى، فسلّم عليه، ثمّ حاول النظر أعلى ظهره، فعرف الرسول (صلى الله عليه وسلم) ذلك، فألقى بُردته عن كاهله، فإذا العلامة بين كتفيه، خاتم النبوة كما وصفت لسلمان، فأكبّ سلمان على الرسول (صلى الله عليه وسلم) بقبّلة ويبكي، فدعاه الرسول (صلى الله عليه وسلم) وجلس بين يديه، فأخبره خبره، ثمّ أسلم.


*305*

سلمان الفارسيّ والصحابة رضوان الله عليهم:

لقد كان إيمانا سلمان الفارسيّ قويّا، فقد كان تقيًّا زاهدًا فطنًا وروعًا، أقام أيّامًا مع أبي الدرداء في دار واحدة، وكان أبو الدرداء (رضي الله عنه) يقوم اللّيل ويصوم النهار، فحاول أن يثنيه عن صومه هذا، فقال له أبو الدرداء: أتمنعني أنْ أصوم لربّي، وأصلّي له؟ فأجاب سلمان: إنّ لعينيك عليك حقًّا، وإنّ لأهلك عليك حقًّا، صم وأفطر، وصلّ ونَمْ. فبلغ ذلك الرسول (صلى الله عليه وسلم) فقال: "لقد أُشْبِعَ سلمان علمًا".

وفي غزوة الخندق وقف الأنصار يقولون: سلمان منّا، ووقف المهاجرون يقولون: بل سلمان منّا، وناداهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) قائلاً: "سلمان منّا آل البيت".

من أقوال سلمان الفارسيّ (رضي الله عنه):

سُئِل سلمان (رضي الله عنه) عن حسبه فقال: "كرمي ديني، وحَسَبي التراب، ومن التراب خُلقتُ، وإلى التراب أصير، ثمّ أبعث وأصير إلى موازيني، فإن ثقلت موازيني فما أكرم حسبي وما أكرمني على ربّي يُدخلني الجنّة، وإن خفّت موازيني فما الأمَ حسبي وما أهوَنِني على ربيّ، ويعذّبني إلاّ أن يعود بالمغفرة والرحمة على ذنوبي".

وقاة سلمان الفارسيّ (رضي الله عنه):

لمّا حضرته الوفاة بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: "عهدٌ عهده إلينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "ليكن بلاغُ أحدكم كزاد الراكب". قال: فلمّا مات نظروا في بيته فلم يجدوا في بيته إلّا إكافًا ووطاءً ومتاعًا قُوِّمَ نَحْوًا من عشرين درهمًا. وقد كان سلمان الفارسيّ (رضي الله عنه) من المعمّرين، توفيّ بالمدائن في خلافة عثمان (رضي الله عنه)، قيل: سنة ثنتين وثلاثين للهجرة.


*306*

اَلتقويم

أَجِبْ عَمّا يَأتي:

1. ما الدروس والعبر التي تستفيدها من دراستك لسيرة حياة الصحابيّة رفيدة الأسلميّة؟

2. اُذكر أهمّ الصفات التي تحلّت بها الخنساء!

3. هات مثالاً على حِرْصِ البراء بن مالك على الشهادة!

4. لماذا اختار الرسول (صلى الله عليه وسلم) معاذ بن جبل ليرسله إلى اليمن؟

5. عُرِفَ سلمان الفارسيّ ب "الباحث عن الحقيقة"، وضّح ذلك مع الدليل!

6. كيف تُعلِّلُ قول الرسول (صلى الله عليه وسلم): "سلمان منّا آل البيت"؟

7. لماذا لقّب الرسول (صلى الله عليه وسلم) أبا عبيدة بأمين الأمّة؟

8. ماذا تستنتج من قصة عبادة بن الصامت مع معاوية رضي الله عنهما؟

اِبحث في مصادر المعلومات أو في كتي السيرة النبويّة وأجب:

1. ما دور البراء بن مالك في معركة اليمامة عند هروب جيش مسيلمة الكذاب إلى الحديقة؟

2. لسلمان الفارسيّ دور مهمّ في غزوة الخندق، بيّن هذا الدور، وماذا تتعلّم مِنْ ذلك؟

3. اُذكر دليلاً على محبّة الرسول (صلى الله عليه وسلم) لمعاذ بم جبل!

4. فيمن نزلت الآية الكريمة: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ (22)) سورة المجادلة؟ وما سبب نزولها؟


*307*

الفصل السادس التّهذيب


*307*

تمهيد صفحة 308

آداب التعامل بين العالم والمعلم والمتعلم صفحة 310

التسامح في الإسلام صفحة 317

الأمانة صفحة 322

حقوق الجار صفحة 326

برّ الوالدين صفحة 330

القلوب وأمراضها صفحة 335


*308*

تمهيد


*308*

جاء الإسلام لتنظيم حياة الإنسان، وتحديد علاقته بخاقه وبنفسه ويغيره من الناس ضمن نظام شامل وكامل يتناول جميع جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتربوية وغيرها، ويهدف في ذلك كلّه إلى الارتقاء بالحياة الإنسانيّة على أسس من الفضيلة والخلق الرفيع.

فالإسلام دين الأخلاق الحميدة دعا إليها، وحرص على تربية وتهذيب نفوس المسلمين عليها، وقد مدح الله نبيّه (صلى الله عليه وسلم) فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)) سورة القلم.

وجعل الله تعالى الأخلاق الفاضلة سببًا للوصول إلى درجات الجنّة العالية، قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)) سورة آل عمران.

والأخلاق الإسلامية هي: الصفات الّتي يتحلّى بها المسلم، ويتّصف بها استجابةً لأمر الله سبحانه وتعالى واقتداءً بالرسول (صلى الله عليه وسلم).

والأخلاق تتكامل مع أحكام العقيدة والعبادات والمعاملات لتشكّل دين الله تعالى، فكما أمر الله بالصلاة والزكاة، وبين أحكام المعاملات بين الناس مِنْ بيع وإجارة ونحوها، فقد أمر المسلم بتهذيب نفسه في علاقته مع الآخرين مِنْ أفراد مجتمعه وسائر مخلوقاته وكفّ الأذى عنهم، فنجد الإسلام قد أوجب الصدق والأمانة والتسامح وحسن المعاملة مع الآخرين والإحسان إلى الناس وسائر مخلوقاته من طير أو حيوان، والإسلام هو دين الفطرة، وفطرة الإنسان قد جُبلت على الخير والابتعاد عن كل قبيح، فشرّع الإسلام ما يوجّه الإنسان إلى حب الخير والترغيب في فعله، ورتّب على ذلك الأجر والثواب العظيم من لله، وقد بين النبي (صلى الله عليه وسلم) عظم أجر حسن الخلق فقال: (ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة مِنْ خُلُقٍ حسن وإنَّ الله ليبغض الفاحش البذيء). رواه الترمذيّ.

وقد حرص الإسلام على تهذيب أفراده وحثّهم على التحلّي بالأخلاق الحميدة لما في الالتزام بها من آثار عظيمة على الفرد والمجتمع، حيث تجعل العلاقات الاجتماعية بين الناس تقوم على المودة والمحبة والتعاون والاحترام، بعيدًا عن الظلم والاعتداء والإساءة، فالمسلم أخو المسلم يعاونه ويساعده، ولا يجوز


*309*

للمسلم أن يحتقر إخوانه أو يحقد عليهم، أو يغتابهم أو يتجسس عليهم، وهذا من شأنه أن يجعل من المجتمع الإسلامي صفاً متماسكاً كالبنيان المرصوص.

وسوف نتناول في المباحث القادمة من هذا الفصل دروسًا في التهذيب، كنماذج للخلاق الفاضلة التي تنظّم حياة الأفراد في المجتمع الإسلاميّ كما أرادها الله تعالى لما في التحلّي بها مِنْ أثار ايجابيّة تعود بالنفع على الفرد والمجتمع، آملين بذلك أن يحرص الطالب على حبّ التحلّي بها وتطبيقها في حياته لنيل رضى الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وسلم).


*310*

آداب التعامل بين العالم والمعلم والمتعلم


*310*

اهتّم الإسلام بالعلم اهتمامًا كبيرًا، وحضّ عليه، ورغّب في طلبه، ولقد كانت كلمة (اقرأ) أوّل كلمة نزل بها الوحي، لما للعلم من أهمّية عظيمة وفوائد جليلة في حياة الفرد والجماعة. وجاء كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبويّة تحضّ على العلم، ومن هذه النصوص قوله تعالى: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)) سورة طه. وقوله (صلى الله عليه وسلم): (طلبُ العلم فريضةٌ على كلِّ مسلم) رواه ابن ماجة.

والعلم في الإسلام دعوة الهيّة، وفريضة شرعيّة، يتقرب به العبد إلى ربّه، فهو الطريق إلى معرفة الخالق وإدراك قدرته وعظمته، وهو طريق إلى تنمية العقول والارتقاء بالأمم والنهضة بها، ولذا رتّب الإسلام الثواب العظيم لمن يطلب العلم.

قال معاذ (رضي الله عنه): (تعلّموا العلم فإنّ تعلّمه لله خشية، وطلبه عبادة ومذكراته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه مَن لا يعلمه صدقة، وبَذله لأهله قربة).

ولنيل الأجر والثواب مِنَ الله تعالى، لا بدّ من شروط وآداب يجب أنْ يتحلّى بها كلٌ من العالم والمعلّم والمتعلّم.

آ

آداب طالب العلم:

أرشد الإسلام إلى مجموعة من الآداب يجب أن يتحلّى بها طالب العلم، ومنها:

أوّلاً - آدابه مع نفسه:

1. إخلاص النيّة لله تعالى:

العلم عبادة مِنْ أعظم العبادات، ولذلك يجب على طالب العلم أنْ يقصد بعلمه وجه الله تعالى لينال الأجر والثواب، وأنْ لا يكون هدفه فقط الحصول على مرتبة أو منفعة دنيويّة. قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):


*311*

(لا تعلّموا العلم لتباهوا به العلماء، أو لتماروا به السفهاء، أو لتصرفوا به وجوه الناس إليكم، فمن فعل ذلك فهو في النار). رواه ابن حبان.

(التماري: هي المجادلة على مذهب الشك والربية).

2. قصد العلوم النافعة:

عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (اللّهم انّي أعوذ بك مِن أربع: من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومِن دعاء لا يسمع). رواه الحاكم.

أفكر:

اِضرب أمثلة لعلوم غير نافعة، مبيّناً سبب عدم نفعها!

3. المثابرة على طلب العلم:

إنَّ العلم لا يُنال براحة الجسم، بل يحتاج إلى صبر واجتهد، ومثابرة واستغلال للوقت، وبذل الجهد في تحصيله، والإعراض عن كلّ ما يُشغل عنه مِن لغو أو لهو. وليعلم طالب العلم أنه مُثاب على اجتهاده وصبره وهو يطلب العلم، إذ قال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنّة) رواه مسلم.

4. التحلّي بالأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة:

يحافظ طالب العلم على الاتّزان والهدوء، فهو يطلب العلم وعليه بالحلم والأناة وسعة الصدر، إذ لا يزين العلم إلا مكارم الأخلاق.


*312*

ثانيًا - آداب طالب العلم مع العلماء والمعلّمين:

للمعلّم دور كبير وفضل عظيم بعد الله في نشر العلم وتعليمه، لذا أُّمر طلّاب العلم أن يتأدّبوا مع معلميهم وأن يتقربوا إلى الله بتوقيرهم والإحسان إليهم، ومِن هذه الآداب:

1. توقير المعلم وإجلاله:

ينبغي لطالب العلم أن يلتزم الأدب التامّ مع معلّمه، وأن يُظهر أكبر قدر مِنَ الاحترام والتقدير له.

أتعرّف:

اِقرأ ما يلي لتقف على آداب أخرى:

قال علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): (إنّ من حقّ العالِم أن لا تكثر عليه بالسؤال، ولا تُعنّتهُ في الجواب، وأنْ لا تلح عليه إذا أعرض، وإذا أتيته خصصته بالتحيّة، وسلّمت على القوم عامّة، وعليك أن توقّره وتعظّمه ما دام يحفظ أمر الله، وإن كانت له حاجة سَبَقْتَ القوم إلى خدمته).

بيّن بإسلوبك الآداب الّتي وصّى بها الإمام عليّ (رضي الله عنه)، واضرب لكل أدب مثالاً مناسباً لما ينبغي أن يكون عليه الطالب مع معلّميه في المدرسة!

2. حُسن السؤال والحوار:

يختار طالب العلم الوقت المناسب والسؤال المناسب الّذي له علاقة بالموضوع، وليكن سؤاله عمّا هو نافع له ولزملائه. فيسأل معلمه إذا احتاج لذلك، أو ظنّ أنَّ غيره مِنَ الطلبة يحتاج إلى زيادة في


*313*

التوضيح، ففي الحديث أنّ جبريل عليه السلام جاء يسأل النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الإسلام والإيمان والإحسان، وكان جبريل عليه السلام يعلم الإجابة، ولكنه أراد أن يعلم الصحابة رضي الله عنهم.

وإذا أراد الطالب مناقشة معلمه فيناقشه بأدب، ولا يرفع صوته فوق صوت معلمه، ولا يكثر من الإشارة بيديه وهو يخاطبه، وأن يكون هدفه الفهم وليس الاعتراض وإضاعة الوقت.

3. حسن الاستماع:

على الطالب أن يصغي لكلام معلّمه وإلّا ينشغل عنه بشيء آخر، حتّى لو كان الأمر الّذي يحدّث فيه المعلّم معلوما لديه، ول يقاطعه في أثناء كلامه، ولا يسبقه إلى شرح مسألة أو جواب سؤال، بل يصغي إليه حتّى يتّم كلامه ثم يسأله إذا أراد ذلك. وليتجنّب الانصراف ومغادرة مجلس العلم إلا بإذن من المعلّم.

أفكر وأناقش:

ماذا تتوقع أن يكون عليه الحال إذا التزم الطلاب الآداب السابقة مع معلّميهم؟

آداب العالِم:

العلماء منار الأرض وقوام الأمّة وينابيع الحكمة، اختارهم الله لأعظم الأمانات، فكلفهم بمهمة الأنبياء والصالحين، قال (صلى الله عليه وسلم): (العلماء ورثة الأنبياء)، ولا بدّ للعلماء من أخلاق يتحلّون بها، وآداب يلتزمون بها، سواء مع النفس، أو في مجالس العلم، أو مع طلبة العلم، ليكونوا بذلك قدوة مثلى لغيرهم ونبراسًا يهتدى بهم.


*314*

أفكّر:

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إنّ مَثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدي بها في ظلمات البرّ والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضلّ الهداة). رواه أحمد.

وضّح التشبيه الوارد في الحديث الشريف!

أوّلًا - آداب العالم مع نفسه:

1. الإخلاص لله تعالى ودوام مراقبته في أقواله وأفعاله، وألّا يجعل علمه سُلمًا يتوصّل به إلى جاه أو مال أو سمعة أو شهرة.

2. على العالم أنْ يطهّر باطنه وظاهره مِنَ الاخلاق الرديئة كالغلّ والحسد والكبر والرياء وحبّ المدح والغضب والغشّ، وأنْ يتخلّق بمحاسن الأخلاق، ويعرف ما للعلم مِنَ العزّة والشرف.

3. على العالم أن يعمل على نشر العلم وتعليمه للناس، الأمر الّذي يرقى بالعلم إلى مرتبة العبادة الخالصة لله تعالى. قال (صلى الله عليه وسلم): (خيركم مَنْ تعلّم القرآن وعلّمه).

كما عليه أن يحذر كتمان العلم وعدم نشره، فقد قال (صلى الله عليه وسلم) محذّرًا من ذلك: (ما من رجل يحفظ علمًا فيكتمُهُ إلّا أُتي به يوم القيامة ملجّمًا بلجام من النار) سنن ابن ماجة.

ثانيًا - آداب العالم في مجلسه:

إذا جلس العالم للتدريس فعليه أن يكون طاهرًا نظيفًا متطيبًا يلبس لباسًا لائقًا، قاصدًا بذلك تعظيم العلم. كما وعليه أن يجلس بارزًا لجميع الحاضرين، ويوقّر أفضالهم بالعلم والسنّ والصلاح، ويتلطّف بالآخرين ويكرمهم بحسن السلام وطلاقة الوجه، وألّا يطيل الدرس تطويلاً يملّ، وألّا يقصّره تقصيرًا يخلّ، ويراعي في ذلك مصلحة الطلبة، ولا يجيب عن سؤال لا علم له به.


*315*

ثالثا - آداب العالم مع طلّابه:

ومن آداب العالم مع طلّابه، أنْ يقصد بتعليمهم وجه الله تعالى، ونشر العلم النافع، وأن يرغبهم في العلم وطلبه في أكثر الأوقات، وأن يحبّ لطلابه ما يحبّ لنفسه، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه، وأنْ يعاملهم بما يعامل به أعزّ ولده، وأنْ يراقب أحوالهم وهدْيَهم وأخلاقهم.

عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إنما أنا لكم مثل الوالد للولد أعلّمكم). رواه ابن ماجة.

أناقش:

ما الّذي ترغب ان يكون عليه معلّمك من آداب وأخلاق؟

استنتج:

ماذا تتعلّم مِنْ رحلة موسى عليه السلام مع العبد الصالح مِنْ آداب العالم والمتعلّم؟

أثري معلوماتي:

برع المسلمون الأوائل في مختلف العلوم، فظهر منهم علماء بارزون، كجابر بن حيان الّذي استخدم المنهج التجريبيّ في الكيمياء، والخوارزميّ الّذي برع في الرياضيات والفيزياء، والحمويّ في الجغرافيا، والبيرونيّ في كثير مِنَ العلوم النظريّة والإنسانيّة، وابن خلدون في التاريخ وعلم الاجتماع، وابن سينا في الطبّ وغيره، والطوسيّ في الفلك والحكمة وغيرها، والفارابي في كثير من العلوم العقليّة والطبيعيّة والاجتماعية، وعلي بن عيسى في طبّ العيون، والرازيّ في كثير من العلوم الطبيعيّة، ولا سيّما الصيدلية، والكنديّ في كثير من العلوم العقلية والطبيعية.


*316*

اَلتقويم

أَجِبْ عَمَّا يَلي:

1. لماذا اهتمّ الإسلام بالعلم وحضّ عليه؟

2. اُذكر أهم أهداف طلب العلم التّي تتوافق مع الاخلاص لله تعالى!

3. يحمل قول الرسول (صلى الله عليه وسلم): (العلماء ورثة الأنبياء)، تنبيهًا إلى مسؤولية العلماء وإشارة إلى حقوقهم وضّح ذلك!

4. ماذا تستنتج مِنْ قوله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (28)) سورة فاطر.

5. بيّن أهمّ الأخلاق الّتي يجب أن يتحلّى بها الطالب مع معلمه؟

6. ابحث في مصادر المعلومات عن مواقف من التاريخ الإسلامي تدلّل بها على مكانه العلماء عند المسلمين!


*317*

التسامح في الإسلام


*317*

إنّ التسامح وفق المنظور الإسلاميّ فضيلة أخلاقيّة، وضرورة مجتمعيّة، وسبيل لضبط الاختلافات وإدارتها، والإسلام دين عالمي يتّجه برسالته إلى البشرية كلها، تلك الرسالة التي تأمر بالعدل وتنهى عن الظلم، وترسي دعائم السلام في الأرض، وتدعو إلى التعايش الإيجابيّ بين البشر جميعًا في جو من الإخاء والتسامح بين كلّ الناس، بصرف النظر عن أجناسهم وألوانهم ومعتقداتهم، فالجميع منحدرون من نفس واحدة، كما جاء في القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ (1)) سورة النساء.

كما أنّ الإسلام من جهته يعترف بوجود الآخر المخالف، فردًا كان أو جماعة، ويعترف بشرعيّة ما لهذا الآخر من وجهة مظر ذاتية، ودعا إلى الحوار بالتي هي أحسن، والحوار لا يؤدي إلى الهدف المنشود إلّا إذا كان هنالك احترام متبادل بين أطراف الحوار، واحترام كلّ جانب لوجهة نظر الجانب الآخر، وبهذا المعنى فإنَّ الحوار يعني التسامح واحترام حرّيّة الآخرين.

مفهوم التسامح:

التسامح يعني العفو عند المقدرة، وعدم ردّ الإساءة بالإساءة، والترفّع عن الصغائر، والسموّ بالنفس البشرية إلى مرتبة أخلاقية عالية.

وقد حثّ الإسلام كلّ مسلم أن يتخلّق بهذا الخلق العظيم، سواء بتعامله مع إخوانه المسلمين أو بتعامله مع غير المسلمين في المجتمع الإسلاميّ:


*318*

أوّلاً - تسامح المسلم مع إخوانه المسلمين:

أمرت آيات كثيرة في القرآن الكريم بمعاملة الناس بلطف، والتسامح معهم عند الإساءة، فالمسلم بخلقه الرفيع يترفّع على أنْ يردّ الإساءة بمثلها، بل هو يقابل ذلك بالإحسان، وتسامحه هذا لا يصدر عن ضعف أو ذلّ أو هوان، بل هو يفعل ذلك امتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى، واقتداء بنبيّه الكريم (صلى الله عليه وسلم)، فالله سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)) سورة فصلت.

وهذه صورة رائعة من صور تسامحه ولينه (صلى الله عليه وسلم) مع الناس، حيث ضرب لنا المثل الأعلى في التسامح، فعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: (كنت أمشي مع النبيّ (صلى الله عليه وسلم) وعليه بُرْدٌ نجرانيّ غليظ الحاشية الرداء من شدّة جذبته، ثم قال: مُر لي من الله الّذي عندك، فالتفتّ إليه، فضحك، ثمّ أمر له بعطاء)، فأدركه أعرابيّ، فجذبه جذبة شديدة حتى نَظَرْت إلى صفحة عاتق النبيّ (صلى الله عليه وسلم) قد أثّرت به حاشية رواه البخاريّ.

فعلى المسلم أن يتسامح في تعامله مع إخوانه المسلمين، ويلتزم قول النبيّ (صلى الله عليه وسلم): (رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى وإذا اقتضى). رواه البخاري.

فالمسلم متسامح مع الناس، يعطي الّذي عليه بسهولة وبغير مماطلة، ويطلب حقّه بسهولة من غير شدّة على الناس في الطلب، فهو حَسَن المعاملة، يلتزم بمكارم الأخلاق.

وقد عظّم الله ثواب المسامح والكاظم الغيظ. فقال في كتابه العزيز: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)) سورة آل عمران.


*319*

ثانيًا - التسامح في التعامل مع غير المسلمين:

لقد وضع القرآن الكريم الأساس للتعامل مع غير المسلمين، إذا كانوا مسالمين، فقد نهى عن مقاتلتهم، بل أمر بالإحسان إليهم والبرّ في معاملتهم، وبذلك جعل الإسلام العلاقة بين المسلمين وبين غيرهم من المواطنين غير المسلمين في المجتمع الإسلاميّ قائمة على أسس وطيدة من التسامح والعدل والرحمة، فقال تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)) سورة الممتحنة.

أما عن أهل الكتاب فقد كان لهم معاملة خاصّة فصّلها القرآن الكريم، فأمرنا بمجادلتهم بالّتي هي أحسن، وأباح الزواج من نسائهم، والأكل من ذبائحهم، واعتبر النبيّ (صلى الله عليه وسلم) الاعتداء عليهم وظلمهم ذنبًا كبيرًا، فقال: (مَنْ قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإنَّ ريحها توجدُ من مسيرة أربعين عامًا). رواه البخاريّ.

وممّا يدلّ على تسامح الإسلام مع غير المسلمسن، ما جاء في القرآن الكريم من الأمر بالإحسان إلى الوالدين المشكرين حتّى ولو حَرِصا على صدّ ابنهما عن الإسلام وقبول الحقّ، فقال تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا (15)) سورة لقمان.

ويرفض الإسلام إكراه أحد على الدخول فيه، فقد قال سبحانه: (لَا إكْراهَ في الدّينِ (256) سورة البقرة. وقد كانت ممارسة الرسول (صلى الله عليه وسلم) العمليّة ترسيخًا لمبدأ التسامح الّذي دعا إليه القرآن، إذْ كان (صلى الله عليه وسلم) مثالاً للبرّ والعدل والإحسان في التعامل مع المسلمين وغير المسلمين، ولقد ثبت أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يزور أناسًا من أهل الكتاب، فيحسن معاملتهم ويواسيهم في أحزانهم، ويعود مرضاهم. وقد ضمن الإسلام حرّيّة العقيدة والعبادة لغير المسلمين في المجتمع الإسلاميّ، ولقد نصّت على ذلك العهود والمواثيق الّتي عقدها النبيّ (صلى الله عليه وسلم) وصحابته رضوان الله عليهم مع أهل البلاد المفتوحة.


*320*

ابحث واكتشف:

ارجع إلى مصادر المعلومات، وانظر في العهدة العمرية التي أعطاها عمر (رضي الله عنه) لأهل القدس، ثم أكتب مظاهر التسامح الّتي جاءت فيها!

وإذا نظرنا في سماحة الإسلام في شخص النبيّ (صلى الله عليه وسلم) لوجدناها تتجلّى في أحسن صورها حينما فتح مكّة، فقال لأهلها الّذين آذوه أشدّ الإيذاء: (ما تظنون انّي فاعل بكم؟)، قالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال لهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء). فنعم السماحة، ونعم العفو عند المقدرة.

وهذا التسامح الكبير الّذي دعا إليه الإسلام واتّصف به المسلمون، كان من أهتم أسباب سرعة انتشار الإسلام وإقبال الناس عليه.

ولذا علينا أن نعامل الناس جميعًا بالرفق، واللّين والتواضع، سواء المطيع منهم والعاصي، والمحسن منهم والمسيء، فالإسلام دين التسامح والسلام، دين الرحمة والعفو والعدالة.

من كلام السلف الصالح:

1. (أعقل الناس أعذرهم للناس). عليّ بن أبي طالب.

2. (لمّا عَفَوْتُ ولم أحقد على أحدٍ أَرَحْتُ نفسِيَ من هم العدواتِ). الإمام الشافعيّ.


*321*

التقويم

أَجِب عَمَّا يَلي:

1. وضح مفهوم التسامح!

2. ما ثمرات التسامح على الفرد في الدنيا والآخرة؟

3. وضّحْ معنى العبارة: (المسلم كالشجر يرميه الناس بالحجر فيعطيهم الثمر)!

4. اُذكر بعض مظاهر التسامح مع غير المسلمين الّتي حثّ عليها الإسلام!

5. ما الفائدة على المجتمع إذا ساد التسامح بين أفراده؟


*322*

الأمانة


*322*

أقرأ وأتأمّل:

قال (صلى الله عليه وسلم) وهو يحكي لأصحابه رضي الله عنهم: (اشترى رجل من رجل عقارًا له، فوجد الّذي اشترى العقار في عقاره جرّة فيها ذهب، فقال له الّذي اشترى العقار: خذ ذهبك منّي، إنّما اشتريت منك الأرض، ولم أبتع منك الذهب، فقال الّذي باع الأرض: إنّما بعتك الأرض وما فيها، قال: فتحاكما إلى رجل، فقال الّذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ فقال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية، قال: أنكحوا الغلام بالجارية، وأنفقوا على أنفسكما منه وتصدّقا) رواه مسلم.

يوجّهنا الرسول (صلى الله عليه وسلم) في هذا الحديث إلى خُلق عظيم من اخلاق الإسلام، وهو: الأمانة، فالأمانة مكانتها في الإسلام، فهي أبرز صفة من صفات الأنبياء الّذين حملوا أمانة تبليغ الرسالة وتأديتها، قال الله تعالى على لسان كل نبيّ أرسله: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18)) سورة الدخان.

ونبيّنا محمّد (صلى الله عليه وسلم) اشتهر بين قومه بالأمين، حتّى كان أعداؤه يودعون عنده الثمين من أموالهم، وقد أمر الله تعالى عباده جميعًا أن يتحلّوا بهذا الخلق العظيم، قال سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا (58)) سورة النساء.

معنى الأمانة:

حفظ الحقوق وأداء الواجبات الّتي يؤتمن الإنسان عليها ورعايتها والقيام بحقها، وهي ضدّ الخيانة.


*323*

شمولية الأمانة:

الأمانة كلمة واسعة المفهوم، يدخل فيها انواع كثيرة، ومنها:

1. الأمانة العظمى، وهي امانة حقوق الله تعالى، من التمسك بدينه والإخلاص في عبادته، والتزام اوامره واجتناب نواهيه، وتبليغ دينه. قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)) سورة الأحزاب.

2. كل ما اعطاك الله من نعمة فهي امانة لديك يجب حفظها واستعمالها وفق ما أراد منك المؤتمن، وهو الله جلّ وعلا، فالبصر أمانة، والسمع أمانة، واليد أمانة، والرّجل أمانة، واللسان أمانة، والمال أمانة أيضًا فلا يُنفق إلّا فيما يرضي الله.

3. العِرض أمانة، فيجب عليك أنْ تحفظ عرضك ولا تضيّعه، فتحفظ نفسك من الفاحشة.

4. الولد أمانة، فحفظه أمانة، ورعايته أمانة، وتربيته أمانة.

5. إتقان العمل الّذي تُوكّل به أمانة.

6. السرّ أمانة، وإفشاؤه خيانة، ولو حصل بينك وبين صاحبك خصام فهذا لا يدفعك لإفشاء سرّه، فإنه من لؤم الطباع، ودناءة النفوس.

7. الأمانة بمعنى الوديعة، وهذه يجب المحافظة عليها، ثمّ أداؤها كما كانت.


*324*

الأمر بحفظ الأمانة:

أمر الله تعالى بحفظ الأمانة وأدائها، وذمّ الخيانة، وحذر منها في نصوص كثيرة، منها:

أ. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (58) سورة النساء.

قال ابن كثر رحمه الله: (أنها عامّة في جميع الأمانات الواجبة على الإنسان، وهي نوعان: حقوق الله تعالى من صلاة وصيام وغيرها، وحقوق العباد كالودائع وغيرها).

ب. وقال تعالى في صفات المؤمنين: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)) سورة المؤمنون.

ج. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) سورة الأنفال.

د. وقال (صلى الله عليه وسلم) في الأمر بردّها: (أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخنْ من خانك) رواه ابو داود والترمذيّ.

ه. وقال (صلى الله عليه وسلم) في ذمّ الخيانة: (آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعدَ أخلف، وإذا اؤتمن خان) رواه البخاريّ ومسلم.

اِبحث:

ارجع إلى مصادر المعلومات المختلفة، واكتب قصّة عن الأمانة، من سيرته (صلى الله عليه وسلم) أو من حياة السلف الصالح. وقصّها أمام زملائك في الصفّ!


*325*

ثمرات الأمانة:

إنّ أعظم ما تثمره الأمانة أن ينال المسلم مرضاة الله تعالى في الدنيا والآخرة، فقد عدّها الله صفة من صفات المؤمنين التي مدحهم الله تعالى عليها حين قال: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)) سورة المؤمنون.

كما أنّ للأمانة فائدة عظيمة على مستوى المجتمع، فهي تؤدي إلى انتشار الأمن والاستقرار بين الناس، وزيادة الثقة المتبادلة، وحفظ الحقوق، وازدهار الصناعة والتجارة.

التقويم

أَجِبْ عَمَّا يلي:

1. ما معنى الأمانة؟

2. اكتب من النصوص ما يدل على علوّ شأن الأمانة!

3. وضح ثلاثا من أنواع الأمانة، مستشهدًا بالادلة!

4. وضّحْ اهمية الأمانة في صلاح المجتمع!


*326*

حقوق الجار


*326*

الجار هو المجاور في الدار، ولم يرد دليل صريح على تحديد الجار، فيُرجع في تحديده إلى عُرف الناس، فمن كان في عرف الناس جار فهو جار، وقد اهتّم الإسلام بالجار وعظّم حقوقه، ققال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ (36)) سورة النساء.

وقال (صلى الله عليه وسلم): (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورّثه) رواه البخاريّ ومسلم.

الحكمة من اهتمام الإسلام بالجار:

1. أن تسود المحبّة والألفة بين المسلمين، ومن اولى الناس بذلك الجيران.

2. لأنَّ الجار أولى الناس بإعانة جاره ومساعدته، لقربه منه ومعرفته بمشاكله وأحواله.

3. لكي يحصل للمسلم الأمان على نفسه وولده واهله وماله.

أهميّة اختيار الجار:

المسلم يحرص على اختيار الجار الصالح الّذي يؤدّي له حقوقه ولا يؤذيه، ويحفظه ويعاونه، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (اربع من السعادة: وذكر منها الجار الصالح)، ثم قال: (أربع من الشقاوة: وذكر منها الجار السوء). رواه ابن حبان في صحيحه.

وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يتعوّذ من جار السوء فيقول: (اللّهمّ إنّي اعوذ بك من جار السوء في دار المقامة). رواه ابن حبان في صحيحه.

ومن الأقوال الشائعة بين الناس: الجار قبل الدار، وعلى قدر الجار يكون ثمن الدار. قال أحد الشعراء: اطلب لنفسِك جيرانًا تجاورهم لا تصلح الدار حتّى يصلح الجار


*327*

وقال آخر:

يلومونني أنْ بعت بالرخص منزلي ولم يعرفوا جارًا هناك ينغِّص

فقلت لهم كفّوا الملام فإنّها بجيرانها تغلوا الديار وترخص

ويروى انّ رجلًا أراد أن يبيع بيته، فقال: أنا أبيع بيتي وأبيع الجوار، من الذي يشتري جوار سعيد بن العاص؟ وتزايدوا في الثمن، فقال له شخص: هل رأيت أحدًا يشتري جوارًا أو يبيعه؟ قال: ألا تشترون من إن أسأت إليه أحسن إليّ، وإنْ جهلت عليه حلم عليّ، وإن أعسرت وهب لي حاجتي، فبلغ ذلك سعيد بن العاص، فبعث إليه بمائة ألف درهم.

وتتضّح أهميّة اختيار الجار بمعرفة أن الجار يؤثر في جاره وأولاده بسبب المخالطة، فإن كان صالحًا أمِنه على أهله وبيته، وإن كان فاسدًا فإنّه لا يأمنه على اهله وبيته، والجار الصالح يحفظ ما قد يطّلع عليه من أسرار جاره وأحواله الخاصّة، والفاسد قد يشيع ذلك ويظهره، والصالح يعين جاره على فعل الخير ويناصحه، والفاسد قد يثبطه ويغويه.

من حقوق الجار على جاره:

1. ترك أذيّته:

وسواء كانت الأذية بالقول: كسبّه، والتكلّم عليه بالكلام الفاحش، وغيبته، وغير ذلك، أو كانت بالفعل، كإلقاء الأوساخ أمام منزله، أو مضايقته بالسيّارة، أو يترك الأولاد يفسدون شيئا من ممتلكاته، أو غير ذلك.

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (لا يدخل الجنّة من لا يأمَن جاره بوائقه). رواه البخاريّ.

وقال (صلى الله عليه وسلم): (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُؤذِ جاره) رواه البخاريّ ومسلم.


*328*

2. اكرامه والإحسان إليه:

قال (صلى الله عليه وسلم): (من كان يؤمن بالله واليوم الىخر فليكرم جاره). رواه البخاري ومسلم.

وهذا حق عامّ يدخل فيه حقوق وصور كثيرة منها:

أ. إعانته عند حاجته، وإعارته ما يطلب، فإنّ الجار لا يكاد يستغني عن جاره، وقد ذمّ الله تعالى الذين يمنعون الماعون، فقال في سياق الذمّ لهم: (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)) سورة الماعون.

ب. الإهداء إليه من الطعام وغيره.

عن غبي ذرّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة؛ فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك). رواه مسلم.

ج. إقراضه إذا استقرض، وتعهّده بالإحسان إليه إذا افتقر، قال (صلى الله عليه وسلم): (ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع) رواه البخاريّ.

د. إذا أصابه خير هنّأه، وأظهر الفرح لذلك، فإذا تروّج أو رُزِق بمولود، أو نجح اولاده، هنّأه بذلك، وبارك له.

3. ستره وصيانة عرضه:

فبحكم الجوار قد يطَّلع الجار على بعض امور جاره، فينبغي أن يوطّن نفسه على ستر جاره، مستحضرًا أنه إن فعل ذلك ستره الله في الدنيا والآخرة.

4. أن يؤدّي إليه الحقوق العامّة بين المسلمين:

فهو من أولى الناس بها، كالسلام عليه وردّه، وعيادته إذا مرض، وإجابة دعوته، والنصح له عند رؤيته مقصّرًا في أداء ما افترضه الله عليه، وغير ذلك.


*329*

وعلى الجار أن يتّصف بالعفو والتسامح مع جيرانه، ويسعى إلى نفعهم، وكفّ الأذى عنهم، حتّى ولو كانوا من غير المسلمين، فيجوز للمسلم أن يواسي جاره غير المسلم، ويوسّع عليه؛ تأليفًا لقلبه واداء لحق الجوار، ولعدم وجود ما يمنع ذلك من الأدلة، ولعموم قوله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)) سورة الممتحنة.

وعن عبد الله بن عمر (رضي الله عنه)، ذُبحت له شاة في أهله، فلمّا جاء قال: أهديتم لجارنا اليهوديّ؟ سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورّثه). ذكره الألبانيّ في صحيح الترمذيّ.

اَلتقويم

أَجِبْ عما يلي:

1. ما حكمة الشرع من الاهتمام بحقوق الجار؟

2. تحدّثْ عن أهميّة اختيار الجار!

3. من حقوق الجار الإحسان إليه. وضّحْ ذلك!


*330*

برّ الوالدين


*330*

نظَّم الإسلام العلاقات بين أفراد الأسرة، ومن ذلك اهتمامه بعلاقة الأبناء بوالديهم وتحديد الحقوق والواجبات بينهم، وقد أوصى الإسلام بالوالدين خيرًا، ونهى عت قطيعتهما وإيذائهما، أو إدخال الحزن عليهما، فعلى المسلم الّذي يريد أن ينال رضا الله تعالى أن يبرّ والديه.

تعريف البرّ: البرّ اسم جامع لكلّ خير، وقد فسّره النبي (صلى الله عليه وسلم) وقال: (البرّ حسن الخلق). رواه مسلم.

وقال الحسن البصريّ رحمه الله: (البرّ ان تطيعهما في كلّ ما أمراك به ما لم تكن معصية لله).

وقد جُعل برّ الوالدين من أبرز الحقوق الاجتماعية، وقد عظّم الله تعالى من شأن الوالدين وجعل برّهما تاليًا لتعظيمه، حيث قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (36)) سورة النساء.

حقوق الوالدين:

1. الحقّ العامّ لهما: البرّ بهما، والإحسان إليهما وتقديم أمرهما وترك عقوقهما.

أرشد القرآن الكريم على حسن مصاحبة الوالدين، فقال تعالى: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا (15)) سورة لقمان.

وقد بيّن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنّ برّ الوالدين من أفضل الأعمال وأحبّها إلى الله تعالى. فعن ابن مسعود (رضي الله عنه)، أنّه سأل النبيّ (صلى الله عليه وسلم): أي العمل أحبّ إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها". قال: ثمّ أيّ؟ قال: "برّ الوالدين قال: ثمّ أيّ؟ قال: "الجهاد في سبيل الله". رواه البخاريّ.


*331*

2. طاعتهما: فتلزم طاعتهما فيما أمرا به، ونهيا عنه، بشرط: أن تكوم في غير معصية الله تعالى، وأن تكون في حدود استطاعة الأبناء.

3. التلطّف في الخطاب معهما، وعدم التضجّر بأيّ حال من الأحوالِ، ولا حتّى التأفّف حين يتحدّثان او يطلبان عملًا من الأعمال.

قال تعالى: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)) سورة الإسراء.

أفكّر

ما السبب في تاكيد حقوق الوالدين خاصّة عند كبرهما؟

4. الإنفاق عليهما عند الحاجة: قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ (215)) سورة البقرة.

5. اَلتواضع لهما، والقيام بخدمتهما ورعايتهما، وملاطفتهما، وإدخال السرور عليهما، وحفظهما من كلّ سوء، وتتأكد هذه الحقوق عند كبرهما. قال تعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ (24)) سورة الإسراء.

6. الدعاء لهما: فعلى الولد أن يدعوا لوالديه، في حياتهما وبعد موتهما. قال تعالى: (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)) سورة الإسراء.

وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، او ولد صالح يدعو له). رواه مسلم.

7. أن لا يتسبّب في لعنهما، أو شتمهما: اللعن في أصله حرام، ويزداد حرمة إذا كان هذا اللعن سببًا في لعن الوالدين، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "إنّ من اكبر الكبائر أنْ يلعن الرجل والديه". قيل: سا رسول


*332*

الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟! قال: "يسبّ أبا الرجل فيسبّ أباه، ويسبّ امه فيسب أمه". رواه البخاريّ.

8. أن يصل أقاربهما وأصحابهما، ويحترمهم وبعد مماتهما: قال (صلى الله عليه وسلم): (إنّ أبرّ البرّ صلة الولد أهل ودّ أبيه). رواه مسلم.

9. مصادقتهما ومصاحبتهما: وهذا مطلوب لأجل زيادة الألفة بين الوالد ووالده، ومن وسائل ذلك أن يستشيرهما ويأخذ برأيهما، أنْ يقدّم لهما الهدية، ان يصحبهما في السفر، وأنْ يستأذنهما عند السفر.

10. آذاب مجملة في تعامل الولد مع والديه: ان لا يجلس قبلهما، ولا يمشي أمامهما، وبا يبدأ بالطعام قبلهما، ولا يقطع حديثهما، أو يخطئهما. وليحرص على إسعاد والديه بكلّ ما هو مشروع ومباح، فهما يحبّانه صالحًا، مصليًا، مجتهدًا، حريصًا على دراسته، مرافقًا للصالحين.

اكتشف

عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال:

جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: من أحقّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمّك"، قال ثمّ من؟ قال: "أُمّك"، قال ثمّ من؟ قال: "أمّك"، قال ثمّ مَنْ"؟ قال: "ثمّ أبوك". صحيح مسلم.

لماذا اختُصّت الأمّ بمزيد من البرّ؟


*333*

فضل برّ الوالدين

1. برّ الوالدين مفتاح الخير كلّه، وسبب لدخول الجنة.

عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبيّ (صلى الله عليه وسلم) قال: "رغم أنف، ثمّ رغم انف، ثم رغم أنف"، قيل: من يا رسول الله؟ قال: "من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما او كليهما فلم يدخل الجنّة". رواه مسلم.

2. من أحبّ الأعمال إلى الله تعالى بعد عبادته.

3. سببٌ لطول العمر وسعة الرزق. حيث قال (صلى الله عليه وسلم): "من سرَّهُ ـم يُمدّ له في عمره ويُزداد في رزقه فليبرّ والديه وليصل رحمه". أخرجه الإمام أحمد في مسنده.

4. سبب من أسباب مغفرة الذنوب: قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إحْسانًا) إلى أن قال: (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16)) سورة الأحقاف.

5. من أسباب استجابة الدعاء.

6. منجاة من مصائب الدنيا وتفريج للكروب وذهاب للهّم والحزن.

7. سببٌ في حصول برّ الأبناء لمن برّ بوالديه.

التحذير مِنَ العقوق:

العقوق ضدّ البرّ والإحسان، وهو إيذاء الوالدين بفعل او قول يتأذّيان منه، وهو من الكبائر كما وصفه الرسول (صلى الله عليه وسلم): (الا انبئكم بأكبر الكبائر؟) قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئًا فجلس فقال: (ألا وقول الزور، وشهادة الزور.). رواه البخاريّ.


*334*

ومن صور العقوق: الغضب عليهما، وترك طاعتهما، والإعراض عن حديثهما، وزجرهما، والتأفف من حاجتهما وكلاهما، وتسفيه ىرائهما، وإثارة المشكلات أمامهما، وكثرة المطالب المرهقة منهما.

أتعرّف:

آثار عقوق الوالدين على الإنسان:

التعرّض للفقر، وقصر العمر بانتزاع البركة منه، وسوء تصرّف الابناء مع آبائهم العاقّين، والتعرّض لسخط الله تعالى وعدم قبول الطاعات.

اَلتقويم

أَجِبْ عَمَّا يَلي:

1. عرّف البرّ، مبيّنًا أثره على الإنسان في الدنيا والآخرة!

2. ما صور برّ الأبناء لوالديهم بعد مماتهما؟

3. وضّح الجزاء الدنيويّ الذي يناله البارّ بوالديه؟

4. ما المراد بالعقوق؟ اُذكر بعض صوره خلاف ما ورد في الدرس!

5. وضّح الجزاء الدنيوي الذي يناله العاقّ بوالديه؟


*335*

القلوب وأمراضها


*335*

إنّ القلب أشرف عضو في الإنسان، وبحياته يحيا الإنسان وبموته يموت / ولأجل هذه المكانة العظيمة للقلب جاءت النصوص الشرعيّة الكثيرة بذكره، والتنويه بمكانته.

قال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)) سورة ق.

وقال تعالى: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)) سورة الحجّ.

وقال النبيّ (صلى الله عليه وسلم): (ألا وإنّ في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب). رواه البخاريّ ومسلم.

الدعاء بصلاح القلب:

القلب لا يثبت على حال، وما سمّي قلبًا إلا مِنْ تقلبه، ولذلك كان النبيّ (صلى الله عليه وسلم) يكثر أن يقول: (يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك). رواه الترمذيّ.

فعلى المسلم أن يحرص دائمًا أن يدعو الله بأنْ يثبّت قلبه على الإيمان. قال تعالى مخبرًا عن دعاء عباده الراسخين في العلم: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا (8)) سولاة آل عمران.

وكان من دعاء النبيّ (صلى الله عليه وسلم): (اللهم مصرّف القلوب، صرّف قلوبنا على طاعتك). رواه مسلم.

أنواع القلوب:

1. القلب السليم:

وصاحب هذا القلب هو الّذي ينجو يوم القيامة من عذاب الله تعالى، ويفوز بمرضاته ونعمته. قال تعالى: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)) سورة الشعراء.


*336*

والقلب السليم هو الّذي قد سلم من كلّ شهوة تخالف امر الله ونهيه، فيحرص على طاعة الله ورسوله بما أمر، وسلم من أن يكون لغير الله فيه شرك بوجه ما، بل خلصت عبوديته لله: محبّة، وخشية وتوكّلًا ورجاء، وخلص عمله لله وحده.

2. القلب الميّت:

وهو ضدّ السليم، فهو لا يعرف ربّه، ولا يعبده، إنما يتّبع هواه وشهواته، مع غفلة شديدة عن مراد ربّه منه.

3. القلب المريض:

فهو قلب له حياة، وبه علّة، وفيه محبّة لله عزّ وجلّ، وإيمان به، وفيه بالمقابل محبّة لشهواته الباطلة، وإيثار لها، وحرص على تحصيلها، كالحسد والكبر والنفاق والرياء والبخل ونحوها. فربّما غلب عليه المرض فالتحق بصاحب القلب الميّت، وربما غلبت عليه الصحّة فالتحق بصاحب القلب السليم.

أنواع امراض القلوب:

امراض القلب نوعان: أمراض شبهات وأمراض شهوات.

النوع الأوّل - أمراض شبهات:

وهي أشدّ النوعين، ويدخل فيها جميع الاعتقادات الباطلة، وأشدّها: الشرك والنفاق. قال تعالى: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا (10)) سورة البقرة.

والطريق الحق في البعد عن الشبهات التزام ما جاء في الكتاب والسُنّة، والوقوف عند ما وقف عنده السلف الصالح رضي الله عنهم.


*337*

النوع الثاني - أمراض الشهوات:

ويدخل فيها أنواع العمل بخلاف الاعتقاد الحقّ، ومن امثلة ذلك: الحسد، البخل، وشهوة الزنا، والنظر الحرام، قال تعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ (32)) سورة الأحزاب.

والطريق الحقّ في البعد عن الشهوات الباطلة، التزام ما أمر الله ورسوله به، واجتناب ما نهى الله ورسوله عنه.

علامات وأسباب حياة القلب:

1. توحيد الله تعالى والإيمان به، والعمل بالفرائض التي فرضها الله تعالى، فهذه الأمور رأس حياة القلوب وسعادتها.

2. اللجوء إلى الله تعالى، وكثرة ذكره ودعائه، والتفكير في آلائه ومخلوقاته. قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)) سورة الرعد.

3. تدبّر القرآن الكريم، وفهم معانيه، والعمل بما جاء فيه، قال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)) سورة محمد.

4. ترك الذنوب، فإنّ الذنوب تميت القلوب، وبتركها حياة القلوب. قال تعالى: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)) سورة المطففين.

والران هو الغطاء الّذي يحجب القلب عن الاعتبار ويحجبه عن التذكر، ولا يصل إليه الخير، فكلّما كثرت الذنوب صارت أغلفة على القلب، غلافًا فوق غلاف إلى أنْ تعسّر تنقيتها وإزالتها.


*338*

قال ابن المبارك رحمه الله تعالى:

رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذلّ إدمانها

وترك الذنوب حياة القلوب فخير لنفسك عصيانها

5. الاهتمام بالتحلّي بمكارم الأخلاق في الأقوال والأعمال.

6. الاهتمام الكبير بشأن الآخرة، والإقبال عليها، وتذكرها والاستعداد لها، ومن ذلك زيارة المقابر فإنها تذكّر بالآخرة.

فعلى المسلم أنْ يحرص دائمًا على صلاح قلبه، بالإقبال على طاعة الله وترك نواهيه، فإذا صلح القلب صلحت الجوارح، فلم تتحرّك إلّا تتحرّك إلّا لله عزّ وجلّ، وبما فيه رضاه.

التقويم

أَجِبْ عَمَّا يلي:

1. تحَدّثْ عن اهمية القلب، مستشهدًا على ما تقول بنصوص من الكتاب والسنة!

2. ما أمراض القلوب؟ مثّل لما تقول!

3. ما الواجب على المسلم فعله لصلاح قلبه؟

4. وضّح ارتباط صلاح القلب بصلاح العمل!

نهاية الكتاب