الأدب القديم
المرحلة الثانوية
الوحدة الأولى في الأدب
تأليف: د. محمّد حمد
ود. كوثر جابر قسّوم
حسب المنهاج الجديد 2012
لوزارة التربية والتّعليم
صفحات بخط عادي 1-170
الناسخة: دعاء عامر
المكتبة المركزية للمكفوفين
وذوي عسر القرائي
نتانيا اسرائيل 2017م
نسخ أو نقل النسخة الملائمة معارضة لأوامر قانون تنسيق الاعمال، تنفيذ وبث للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة 2014 تشكل خرقًا لحقوق المنتجين.
أعزاءنا الطّلاب والطالبات، المعلّمين والمعلّمات في المدارس الثانويّة العربيّة
نضع بين أيديكم كتاب بيادر الأدب العربيّ، بجزيئه: بيادر (الأدب القديم) وبيادر (الأدب الحديث)، مشتملَيْنِ على موادّ الوحدة الإلزاميّة الأولى في الأدب، حسب المنهاج الجديد (2012) الذي أقرّته وزارة التربية والتعليم.
جاءَ الكتابُ تسهيلاً لعمل المعلّم أو المعلّمة واستيعاب الطالب أو الطالبة ويهدف إلى طرح منهجيّة جديدة ورؤية حداثيّة في تناول موضوع الأدب، عمادُها إقصاء عمليّة التلقين، واستبدالها بتفعيل الطالب أو الطالبة ذهنيّاً وعاطفيّاً ونفسيّاً، ممّا ينمّي القدرة على التحليل وفق مهارات التفكير العليا، ويمرّن الذائقة الأدبيّة في استشعار جماليّة النصّ وشعريّة اللغة. ومن هذا المنطلق، فقد خلت النصوص من التحليل الجاهز الذي يحدّ من قابليّة التفكير الإبداعيّ والناقد، وإنّما أثبتنا شروحاً للمفردات الصعبة، ومفاتيح تأويليّة لكلّ نصّ، من شأنها أن تفتح طريقاً للتحليل الثاقب عند الطالب أو الطالبة والمعلّم أو المعلّمة، ثمّ أثبتنا مجموعة من الأسئلة التي تتعامل مع المضمون والشكل كوحدة واحدة لا تقبل التجزئة، الأمر الذي يتيح المجال أمام المعلّم أو المعلّمة والطالب أو الطالبة في استقراء النصوص الأدبيّة من خلال فعل القراءة الإنتاجيّة الإبداعيّة.
بالإضافة إلى ذلك، يحتوي الكتاب على تقديمات، تتضافر قيمتها النقديّة وإسهاماتها في تأويل النصّ، مثل: نبذة عن حياة الكاتب أو الكاتبة، تعريف بالمصطلحات والألوان الأدبيّة، تقديم عن العصور الأدبيّة، إضافةً إلى قائمة بالمصادر والمراجع التي يمكن الاستزادة منها، وأخرى بالمصطلحات (مُعرفّةً) كما وردت في الكتابيْن.
نلفت عنايتكم إلى أنّ صيغة الكتاب والأسئلة مُوَجّهة للمؤنث والمذكّر على حدٍّ سواء. كلّنا أمل بأن نكون قد وفّقنا في مسعانا وجهدنا، والله وليّ التوفيق.
نرجو لكم سنة دراسيّة ممتعة وموفقّة
وكل عام وأنتم ولغتنا العربيّة بخير
مع فائق الاحترام والتقدير
المؤلّفان
الفهرس
الباب الأوّل: النثر القديم ومختارات من القراَن الكريم والحديث النبويّ الشريف
الفصل الأوّل:
الوصيّة
*8*
*9*
*11*
الفصل الثاني:
الأمثال العربيّة
*14*
جزاءُ سنّمار
*15*
رَجَعَ بِخُفَّي حُنَيْنٍ
*16*
وافَقَ شّنٌّ طَبَقَة
*17*
أمثال بدون قصص
*18*
كأنَّ على رُؤوِسِهمُ الطَير
*19*
أَلْقِ حبْلَهُ على غارِبِهِ
*19*
مَنْ يَزرَعِ الشوْكَ لا يحصُدْ بِهِ العِنَبَا
*20*
رُبَّ أخ لَكَ لم تَلِدْهُ أمُّكَ
*21*
أنَجَزَ حرٌّ ما وَعَدَ
*21*
رُبَّ قَوْلٍ أَشَدُّ مِنْ صَوْلٍ
*22*
كَمُبتَغِي الصيدِ في عِرِّيسَةِ الأسَدِ
*22*
الفصل الثالث:
القراَن الكريم: نصٌّ دينيّ
*23*
من سورة هود
*24*
الفصل الرابع:
الحديث النبويّ: نصٌّ دينيّ
*28*
الحديثُ النبويّ الشريف
*31*
كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤُولٌ عن رعيّتِه
*32*
لا تكُونوا إمَّعَةً
*33*
العملُ والحثُّ
*34*
عَلامَةُ المُنافِقِ
*35*
الفصل الخامس:
خطبة طارق بن زياد يوم فتح الأندلس
*36*
خطبة زياد ابن أبيه: الخطبةُ البتراء
*42*
الفصل السادس:
رسالة الغفران: أبو العلاء المعرّي
*48*
الفصل السابع:
المقامة الحرزيّة: الهمذانيّ
*53*
المقامة البغداديّة: الحريريّ
*60*
الباب الثاني: الشعر القديم
الفصل الأول:
الشعرُ في العصرِ الجاهليِّ
*72*
عنترة بن شدّاد: هل غادرَ الشعراءُ
*74*
النابغة الذبيانيّ: كليني لهَمِّ
*78*
السموأل بن عادياء: اللاميّة
*82*
أبو طالب (عبد مناف بن عبد المطّلب): أنتَ النبيُّ محمّدٌ
*85*
الفصل الثاني:
الشعرُ في العصريْن الراشديّ والأمويّ
*88*
حسّان بن ثابت: عدمنا خيلنا
*90*
الكُميتُ بن زيد الأسديّ: طربْتُ
*93*
جرير: بانَ الخليطُ
*96*
الفرزدق: وصف الذئب
*99*
عمر بن أبي ربيعة: قال لي صاحبي
*102*
الخنساء: قذًى بعينكِ
*106*
الفصل الثالث:
اَلشعرُ في العصرِ العبّاسيّ
*109*
أبو تمّام: السيفُ أصدق أنباءً
*111*
البحتريّ: صنتُ نفسي (وصف إيوان كسرى)
*115*
المتنبّي: بِمَ التعلّل
*119*
المتنبّي: لكلّ امرئٍ
*122*
أبو فراس الحمدانيّ: أراك عصيَّ الدمعِ
*124*
الشريف الرضيّ: يا ظبية البانِ
*127*
الفصل الرابع:
اَلشعرُ الأندلسيّ
*130*
اِبن زيدون: أضحى التنائي
*131*
اِبن زريق: لا تعذليهِ
*134*
قائمات المصطلحات
*137*
الباب الأوّل:
النثر القديم: مختارات من القراَن القديم والحديث النبويّ الشريف
*8*
*8*
وصَى، أو أوْصَى الرجُل بمعنى: عهِدَ إليه.
الوصيّةُ في الأدَب: من ألوانِ النثر الّتي عرَفَها العرَبُ في الجاهليّة، وهي قولٌ حكيمٌ صادرٌ عن مجرِّبٍ خبير يوجّهه إلى من يحبُّ لينتفعَ به، أو من هو أقلُّ منه تجربةً.
وللوصيّةِ أجراءٌ: (المقدّمة): وفيها تمهيدٌ وتهيئةٌ لقبولِها. (الموضوع): وفيه عرْضٌ للأفكارِ في وضوح وإقناع هادئٍ. (الخاتِمة): وفيها إجمالٌ موجَزٌ لهدفِ الوصيّةِ.
خصائص أسّلوب الوصيّة:
1. دقّةُ العبارةِ ووضوحُ الألفاظِ.
2. قِصَرُ الجُملِ والفِقراتِ.
3. الإطنابُ بالتكرارِ والترادفِ والتعليل.
4. تنوّعُ الأسلوبِ بين الخبرِ والإنشاءِ.
5. الإقناعُ بترتيبِ الأفكارِ وتفصيلِها وبيانِ أسبابِها.
6. الإيقاعُ الموسيقيّ، إذ يشيعُ فيها السجْع، للتأثير الموسيقيّ.
7. اشتمالُها على كثيرِ من الحِكَم. 8. سهولةُ اللفظِ ووضوحُ الفكرةِ.
والفرقُ بين الوصيّةِ والخُطبةِ أنّ الخُطبةَ فنُّ مُخاطبةِ الجماهيرِ، لاستمالتِهِم وإقناعِهم، ولذلك تكونُ على مَلَأٍ من الناس، أمّا الوصيّةُ، فهي قولٌ حكيمٌ لإنسانٍ مجرِّبٍ يوصى به إنساناً أو قوماً معيّنين لينتفِعُوا به، وكلتاهُما يُرادُ بهما التأثير في المُستمع.
*9*
*9*
من بَني كِنانةَ بنِ بكرٍ، خطيبُ قبيلةِ قُضاعةَ وسيّدُها وشاعُرها ومبعوثُها إلى مُلوكِ الجاهليّة، كانَ يُسمّى (الكَهانَةَ) لصِحّةِ رأيِه. قيلَ إنَّه عُمِّرَ طويلاً وإنّ وقائِعَه تناهزّ المائتيْن، وأشهَرُها أيّامُه مع بَكْرٍ وتَغْلِبَ، وهما من القبائلِ الكبيرةِ المعدودة. ويُقالُ إنّ زهيراً أحد الّذين شربُوا الخمرَ في الجاهليّةِ حتّى قتلتْهُم! له مكانتُه الأدبيّةُ في الشعرِ والنثرِ الجاهليَّيْنِ والّتي اكتسبَها من التجاربِ والخِيرات. ويمتازُ أسلوبُه بقوّةِ الصياغةِ، ووضوحِ العبارةِ ودقّةِ التصوير.
قالُوا: وأوْصَى زهيرُ بنُ جنابٍ فقالَ:
(يا بَنِيَّ قد كَبُرَتْ سِنِّي، وَبَلَغْتُ حَرْسًا (الحَرْس: الدهر) مِن دَهري، وأَحكَمَتْني (أَحْكَمَ الأَمر: أتقنه. وأَحْكَمَتْه التجاربُ: أصبحَ حكيماً مجرّباً) التجاربُ، والأُمورُ تَجْرِبَةٌ واختِبارٌ، فاحفَظُوا عَنّي ما أقولُ، وَعُوهُ: إيَّاكُمْ والخَوَرَ (الخَوَرُ: الضعف) عندَ المصائِبِ، والتواكُلَ (تواكُل القوم: اِتِّكالُ بعضِهم على بعضٍ) عندَ النَّوائِبِ (النائِبَة: المُصيبة) فإِنَّ ذلك داعيةٌ للغَمِّ، وشَمَاتَةٌ للعَدُوِّ، وسُوءٌ الظنِّ بالربِّ، وإِيَّاكُمْ أَنْ تكُونُوا بالأحداثِ مُغْتَرّينَ (مُغترّ: مخدوع)، ولها آمِنِينَ، ومِنها ساخِرِينَ، فإِنَّهُ ما سَخِرَ امرُؤٌ قَطُّ إِلاَّ ابتُلِيَ، ولكِنِ استَعْفُوا (الاسْتعفاءُ: أَن تطلبَ إلى مَن يُكَلّفُكَ أَمراً أَنْ يُعْفِيكَ مِنْهُ) منْها، وتوَقَّعُوها، فإنَّما الإنسانُ في الدنْيا غَرَضٌ تَعَاوَرَهُ (تعاوَرَه: تداوَلَه ومارَسَه. التعاوُر: التداوُل في الشيء وممارَسَتُهُ) الرُماةُ، فَمُقَصِّرٌ دُونَهُ، ومُجَاوِزٌ (جاوَزَ الشيء: تعدّاه وخلَّفَه) لموضِعِهِ، وواقِعٌ عن يَمينِهِ وشِمالِهِ، ثمّ لا بدَّ أنَّه مُصِيْبُهُ.)
*10*
فكرةُ الوصيّة، خصائصُ النثرِ الجاهليِّ من خِلالِ الوصيّةِ، الصوَرُ البيانيّةُ.
1. ما الّذي قد يجلبُ الغمَّ لقومِ زُهيرٍ الكلبيِّ كما جاءَ في وصيّتِه؟
2. لمن يعودُ الضميرُ في العبارةِ (قالُوا) في السطر الأوّل؟
3.ماذا كنتَ تردُّ على زهيرِ بنِ جَناب لو كنتَ واحداً من بَنِيه؟
4. في الوصيّةِ صورةٌ حسّيّةٌ لعمليّةِ الصيّدِ والرمايَة. اكتُبْها بكلماتِك.
5. ماذا تجدُ من خصائصِ النثرِ الجاهليِّ في وصيّةِ زهيرٍ الكلبيّ؟
6. جاء في كتابِ (لُباب الاَدب) لأسامة بنِ مُنقذٍ: (الوصيّةُ وصيّتان: وصيّةُ الأحياءِ للأحياءِ ووصيّةُ الأمواتِ للأحياءِ). ما المقصودُ بالعبارةِ وما الفرقُ بينَهما؟
7. هاتِ مثالاً من النصّ على كلٍّ من الأساليبِ التاليّةِ:
النداء، الازدواج، النهي، الأمر، السجع، الطباق، جملة إنشائيّة، جملة خبريّة
*11*
*11*
أكْثَمُ بنُ صيفيّ، من قبيلةِ بني تميمٍ من مُضَرَ من عدنان. والاسمُ (أكْثَم) من الكُتمةِ وهو عِظَمُ البَطْن. كانَ حكيمَ العربِ في الجاهليّةِ وأحدَ المعمَّرين الّذين أدركُوا الإسلامَ والنبيَّ محمّداً صلّى الله عليه وسلَّمَ، فكانَ يُوصِي قومَهُ باتّباعِه ويحضُّهم عليه. وهو أحدُ الأعلامِ الّذين أوفَدَهُمُ النعمانُ بنُ المنذرِ على كِسرى ليتبيّنَ بِهم عندَه مقدارَ العربِ. قصدَ المدينةَ في مئةٍ من قومِهِ يُريدونَ الإسلامَ، فماتَ في الطريق. كانَ من الخُطباءِ البُلغاءِ، والحُكّامِ الرؤساءِ، يُضرَبُ فيه المثلُ بأصالةِ الرأيِ ونُبلِ العِظةِ، وتُروى له طائفةٌ من الحِكَمِ السديدةِ، والوصايا البليغةِ، والخُطَبِ القويّةِ.
وصَّى أَكثَمُ بنُ صيفيّ بَنيهِ ورهْطَهُ، فقالَ: (يا بَنِي تميمٍ لا يَفُوتَنَّكُمْ وَعْظِي إن فاتَكُمُ الدهرُ بنفسِي، إنَّ بينَ حَيْزُومِي (الحيزوم: وَسطَ الصدر) وصَدرِي لَكلَاماً لا أجدُ له مواقِعَ إلَّا أسماعَكُم، ولا مقَارَّ (مقارّ: جمع مقرّ، مُستَقرّ) إلّا قلوبَكُم، فتلَّقوْه بأَسْماعٍ مُصيغةٍ، وقُلوبٍ واعيةٍ، تحمَدُوا مَغَبَّتَهُ (مغَبَّة: عاقبة الشيء، اَخرُه) الهوى يقظانُ، والعقلُ راقدٌ (راقد: نائم)، والشهَواتُ مُطْلَقَةٌ (مُطلقَة: مُسرَّحة، بغير قيد ولا كَبْل)، والحَزْمُ مَعقولٌ (معقول: محبوس) والنفْسُ مُهمَلةٌ، والرويَّةُ مُقَيَّدَةٌ، ومن جِهَةِ
*12*
التوانِي، وترْكِ الرويّةِ (الرويّة: التفكّر في الأمور) يَتْلفُ الحَزْمُ، ولَن يعدَمَ المُشَاوِرُ مُرْشِداً، والمُستَبِدُّ برأيِهِ مَوْقوفٌ على مَدَاحِضِ (مداحض: جمع مَدحَضَة: وهي المَزَلَّة) الزلَلِ، ومَن سَمِعَ سُمِعَ بهِ، ومصارِعُ الرجالِ تحتَ بُروقِ الطمَعِ، ولو اعتُبرَتْ موَاقِعُ المِحَنِ ما وُجِدَت إلّا في مقاتِلِ الكِرامِ، وعلى الاعتِبارِ طريقُ الرشادِ، ومَن سلَكَ الجَدَدَ (الجَدَد: الأرضُ المستوية) أَمِنَ العِثارَ، ولن يَعْدُمَ الحَسُودَ أن يُتْعِبَ قلبَهُ، ويَشْغَلَ فِكْرِهُ، وَيُؤَرِّثَ (يؤرث: يوقد) غَيْظَهُ، ولا تُجاوِزُ مَضَرَّتُهُ نَفْسَهُ.
يا بَني تميمٍ: الصبْرُ على جَرْعِ الحِلْمِ، أَعْذَبُ من جَنْيِ ثَمَرِ الندامَةِ، ومَن جَعَلَ عِرْضَهُ دونَ مالِهِ، اسْتُهْدِفَ (اسْتَهْدَفَ للذمّ: تعرّضَ له) للذمِّ، وَكَلْمُ (كَلْم: جُرح) اللسانِ، أنْكَى من كَلْمِ السنانِ، والكلِمَةُ مَرهُونةٌ ما لم تَنْجُمْ مِنَ الفَمِ، فإِذا نَجَمَتْ فهي أسَدٌ مُحَرَّبٌ (مُحرَّب: مُعظَّم، والمحرَّب: الأسد)، أو نارٌ تَلَهَّبُ، ورأيُ الناصِحِ اللبيبِ دليلٌ لا يجوزُ (يجوز: تصحيفٌ مِنْ يجوزُ كما في وردَتْ في جمهرةِ الأمثالِ لأبي هلالٍ العسكريّ، والمعنى يتلاءَمُ مَعْ روايةِ العسكريّ، ويقصدُ به: جارَ عنِ القصْدِ والطريقِ بمعنى مالَ عنهُ وانحرفَ)، ونفاذُ الرأْيِ في الحرْبِ، أَجدَى من الطعْنِ والضرْبِ.)
أفكار الوصيّةِ، خصائصُ النثرِ الجاهليِّ من خلالِ الوصيّةِ، الصورُ البيانيّةُ.
*13*
1. يؤكّدُ أكثمُ بنُ صيفيّ على تقويةِ النسيجِ الاجتماعيِّ بين أفرادِ قومِهِ من خلال مجموعَةِ وَصايا عامّةٍ. اشرحْ ثلاثَ وَصايا: واحدةُ تتعلَّقُ بالحثِّ على المُشاورة وأخرى بالحذرِ عند الكلامِ، وثالثةً بالرشادِ والاستقامَةِ.
2. ما هي عاقبةُ كلٍّ من: الطمَع، الحسد والاستبداد بالرأي؟
3. تتراوحُ الجملُ في وصيّةِ أكثمَ بين نوعيْنِ أدبيّيْنِ: الحِكَمِ والأمثالِ. ما الفرقُ بينَهما؟
4. استخرِجْ من النصِّ حكمتيْنِ ومَثَليْنِ.
5. يُقال: (اللسانُ أخطرُ جارحةٍ في الإنسانِ). كيفَ يظهرُ معنى القولِ في النصِّ الوصيّة؟
6. يتميّزُ كلامُ أكثمَ بما يُسمّى (تقديرَ العَوارِض)، أَيْ مهارةَ التوقّعِ وحُسنَ التعاملِ معها. بيّن ذلك في النصّ.
7. اِستخرِجْ أمثلةً من النصِّ على الأساليبِ التاليةِ:
النداء، الازدواج، الشرط، الأمر، السجع، التوكيد، جملة إنشائيّة، جملة خبريّة
*14*
*14*
المَثَلُ قولٌ مُوجَزٌ بليغٌ، مُتَوارَثٌ شَفاهةً من جيلٍ إلى جيل، وهو جملةٌ مُحكمةُ البناءِ، بليغةُ العبارةِ تعتمدُ على حادثةٍ أو قصّةٍ أو مناسَبةٍ قيلَ فيها، ويُضربُ في حوادثَ مشابهةٍ لها. وإذ يلخّصُ المثلُ قصّةَ خيرةٍ سابقةٍ اختبرَتها الجماعةُ، فقد حظِيَ عندَ الناسِ بثقةٍ تامّةٍ وصدّقوه. والأمثالُ حكمةُ الشعوبِ، ومرآةُ الأممِ وهي حصيلةُ تجاربَ متعاقبةٍ ضمَّنَها الإنسانُ معاناتَه وفلسفتَه في الحياةِ. وقد اعتنى العربُ بالأمثالِ منذُ القديمِ، فكانَ لكلِّ ضرْبٍ من ضُروبِ حياتِهم مثَلٌ يُستشهد به، وبلغَت عنايةُ اللغويّين العربِ بالأمثالِ حدّاً مميَّزاً عن سِواهم.
- الأوّلُ: صحّةُ التشبيهِ.
- والثاني: أن يُكونَ العِلمُ بها سابقاً والكلُّ عليها مُوافقاً.
- والثالث: أن يُسرِعَ وُصولُها للفهمِ من غيرِ كَدٍّ في استنباطِها.
- والرابع: أن تُناسبَ حالَ السامعِ لتكونَ أبلغَ تأثيراً وأحسنَ موقعاً.
وقد نجدُ تداخُلاً بين المثَلِ وغيرِه من الأشكالِ التعبيريّةِ، كالقولِ المأثورِ والحِكمةِ، إلّا أنّ كلّاً من هذه الأنواعِ له ميزاتُه الخاصّةُ. يقولُ محمّد توفيق أبو عليّ في دراستِه
*15*
الأمثالُ العربيّة والعصرُ الجاهليّ (1988): (المقصودُ من المَثلِ الاحتجاجُ، ومن الحكمةِ التنبيهُ والإعلامُ والوَعظُ. فالمَثلُ فيه الحقيقةُ الناتجةُ عن تجربةٍ، تلك الّتي نعتبرُها أُمّاً لجميعِ أنواعِ المعرفةِ، أمّا الحكمةُ فهي تحديدُ شرطٍ سلوكيٍّ وقيمةٍ أخلاقيّةٍ، وقد أدركَ العربُ الأوائلُ القيمةَ الأدبيّةَ الكبيرةَ لهذا الكنزِ اللغويِّ البليغِ، فجموعها في كتبٍ للأمثالِ، منها: (مَجْمَعُ الأمثالِ) للميدانيّ، (والمُستَقصى في أمثالِ العربِ) للزمخشريّ، (وجمهرةُ الأمثالِ) للعسكريّ.
الأمثال
*15*
أَي جَزاني جزاءَ سِنِمَّارَ، وهو رجلٌ رومِيٌّ، بَنى الخَوَرْنَقَ (الخَوَرْنَق: قصْرٌ كان للنعمان الأَكْبر بالعراق) الّذي بظهرِ الكُوفةِ للنعمانِ بنِ امرئِ القيسِ، فلمّا فرَغَ منهُ ألقاهُ من أعلاه فخرَّ مَيّتاً، وإنّما فعلَ ذلك لئلّا يبنيَ مثلَهُ لغيرِهِ، فضَرَبتِ العرَبُ به المثلَ لمن يُجزِي بالإحسانِ الإساءةَ.
قال الشّاعرُ:
جَزَتْنا بنو سَعدٍ بِحُسْنِ فعالِنا جَزاءَ سِنِمَّارَ وما كانَ ذا ذَنْبِ
ويُقالُ: هو الّذي بَنى أُطُمَ (أُطُم: قصر) أُحَيْحةَ بنِ الجُلّاحِ، فلمّا فزَغَ منه قالَ أُحَيْحةُ: لقد أحكَمْتَه، قالَ: إنّي لَأَعرِفُ فيه حجَراً، لو نُزِعَ لتقوّضَ (تقوّضَ: انهدمَ) من عندِ اَخرِه فسأَلَه عن الحجَرِ، فأراهُ موضِعَه، فدفَعَه أُحيحَةُ من الأُطُمِ، فخَرَّ ميّتاً.
*16*
1. تعكسُ قصّةُ المثَلِ اثنتيْن من الصفاتِ الاجتماعيّةِ المنبوذةِ. لذكُرهما، ثمّ اشرحْ كيف انعكست كلٌّ منهما في القصَّة.
2. بيّن اثنتيْنِ من الميزاتِ الأسلوبيّةِ للمَثَل.
3. هاتِ مثَلاً من أمثالِنا الشعبيّةِ مُشابهاً للمَثَل (جزاءَ سِنِمّار).
4. ما الهدف من تضمينِ المثلِ (جزاءَ سنِمّارَ) في بّيْتِ الشعرِ الواردِ في النصّ؟
*16*
قال أبو عُبَيْدٍ: أصلُهُ أنّ حُنيناً كانَ إسكافيّاً من أهلِ الحيرَةِ فساوَمَه أعرابيٌّ بِخُفّيْنِ (خُفّ: نَعْل، ما يُلْبَسُ في الرِّجْل من جِلْد رقيق)، فاختلَفَا حتّى أغضَبَه، فأرادَ غيظَ الأعرابيِّ فلمّا ارتحَلَ الأعرابيُّ، أخذَ حنينٌ أحدَ خُفَّيْهِ وطرحَهُ في الطريقِ، ثمّ ألقَى الاَخرَ في موضع اَخر، فلمّا مرَّ الأعرابيُّ بأحدِهِما قالَ: ما أشبَهَ هذا الخفَّ بخفِّ حُنيْن، ولو كانَ معه الاَخرُ لأخذتُهُ، ومَضَى فلمّا انتَهى إلى الاَخر نَدِمَ على تركِهِ الأوَّلَ، وقد كمَنَ (كمَنَ: تَوارى، اختَبأَ) له حُنيْن، فلمّا مَضَى الأعرابيُّ في طلَبِ الأوَّلِ، عَمَدَ (عمَدَ: قَصَدَ) حُنينٌ إلى راحلتِه وما عليْها، فذهَبَ بها، وأقبَلَ الأعرابيُّ وليسَ معَه إلّا الخُفّانِ، فقال له قومُهُ: ماذا جئتَ به من سفرِكَ؟ فقالَ: جئتُكُم بِخُفّي حُنَين. فذهَب مثلاً.
يُضرَبُ عندَ اليأسِ من الحاجَةِ والرجوعِ بالخيبةِ.
وقال ابنُ السكّيتِ: حُنَين كانَ رجلاً شديداً ادَّعى إلى أسَدِ بنِ هاشم بنِ عبدِ مناف، فأتى عبدَ المطّلِبِ وعليه خُفّان أحمران فقالَ: يا عمّ: أنا ابنُ أسدِ بنِ هاشمٍ، فقالَ عبدُ المطّلبِ: لا وثيابِ ابنِ هاشم ما اعرفُ شمائلَ هاشمٍ فيكَ فارجعْ، فقالُوا رجعَ حُنَين بِخُفيّه فصارَ مثلاً.
*17*
مَهامّ
1. هناك عدّةُ صفاتٍ لحُنين في قصّة المثَلِ. اذكر اثنتيْنِ منها واشرحهُما.
2. هاتِ مثَلاً من أمثالِنا الشعبيّةِ مشابهًا للمثَل (رَجَعَ بِخُفَّي حُنَيْنٍ).
3. ما سببُ شيوعِ الأمثالِ وذيوعِها في العصرِ الجاهليّ برأيك؟
4. ماذا يعني، في رأيكَ، وجودُ قصّتيْنِ مختلفتينِ للمثلِ (رجعَ بخفّي حنين)؟
*17*
قال الشرقيُّ بنُ القُطامِيُّ: كانَ رجلٌ من دُهاةِ العرَبِ وعُقلائِهِم، يُقالُ له شَنٌّ فقالَ: واللهِ لأطوفَنَّ حتّى أجِدَ امرأَةً مثلي أتزوّجُها، فبينما هو في بعضِ مَسيرِه، إذ وافقِهُ رجُلٌ في الطريقِ، فسألَه شَنٌّ: أينَ تُريدُ؟ فقالَ: موضعَ كذا، يريدُ القريةَ الّتي يقصدُها شَنٌّ، فوافقَهُ حتّى إذا أخَذَا في مَسيرِهِما قالَ له شنٌّ: أتحمِلُني أم أحملُكَ. فقالَ له الرجُلُ: يا جاهلُ، أنا راكبٌ وأنتَ راكبٌ، فكيفَ أحمِلُك أو تحمِلُني؟ فسكَتَ عنه شَنٌّ، وسارا حتّى إذا قَرُبَا من القريةِ إذ بزرْعٍ قد استَحصَدَ، فقالَ شَنٌّ: أتُرى هذا الزّرعَ أُكِلَ أم لا؟ فقالَ له الرجُلُ: يا جاهِلُ تَرى نَبْتاً مُستَحْصِداً فتقولُ أُكِلَ أم لا؟ فسكتَ عنه شَنٌّ، حتّى إذا دخَلا القرية لقِيَتْهُما جَنازَةٌ فقالَ شنٌّ: أتُرى صاحِبَ هذا النّعشِ حيّاً أم ميّتاً؟ فقالَ لهُ الرجُلُ: ما رَأيتُ أجهلَ منكَ، تَرى جَنازةً تسألُ عنها أمَيْتُ صاحبُها أم حيٌّ؟ فسكَتَ عنه شَنٌّ، فأرادَ مفارقَتَه، فأبى الرجلُ أن يتركَه، حتّى يصيرَ به إلى منزلهِ، فمَضَى معَه، فكانَ للرجلِ بنتٌ يُقالُ لها طَبَقَة، فلمّا دخَلَ عليها أبوها سألَتْهُ عن ضيفِهِ، فأخبرَها بمرافقتِه إيّاه، وشَكَا إليها جَهلَه، وحدَّثَها بحديثِه، فقالَت: يا أبَتِ ما هذا بجاهِلٍ، أمّا قولُهُ (أتحمِلُني أم أحمِلُكَ) فأرادَ: أتحدَّثُني أم أحدّثُكَ حتّى نقطَعَ طريقَنا؟ وأمّا قولُهُ (أتُرَى هذا الزَّرْعَ أكُل أم لا) فأرادَ: هل باعَه أهلُه فأكَلُوا ثمنَهُ أم لا؟ وأمّا قولُهُ في الَجنازَةِ، فأرادَ هل تَرَكَ عَقِباً يَحْيَا بِهم ذِكرُهُ أم لا؟ فخرَجَ الرجُلُ فقعَدَ مع شنِّ فحادَثَهُ ساعةً، ثمّ قالَ: أَتُحِبُّ
*18*
أن أُفسِّرَ لكَ ما سألتَني عنه؟ قالَ: نعم، فَسِّرْهُ، فَفَسَّرَهُ، قال شَنٌّ: ما هذا مِن كلامِكَ، فأخبِرْني عن صاحِبِه، قالَ: ابنةٌ لي، فخطَبَها إليه، فزوَّجَه إيّاها، وحمَلَها إلى أهلِهِ، فلمّا رَأَوْها قالُوا: وافَقَ شنٌّ طَبَقَة، فذَهَبَت مثَلاً.
يُضرَبُ للمتوافِقَيْن.
وقالَ الأصمعيُّ: هُم قومٌ كانَ لهم وعاءٌ من أدَمٍ فَتَشنًّنَ فجَعَلُوا له طَبَقًا، فوافَقَه، فقيلَ: وافَقَ شنٌّ طَبَقَهُ وهكذا رَواهُ أبو عُبيدٍ في كتابِهِ، وفسًّرَه.
وقالَ ابنُ الكلبيِّ: طَبَقَةٌ قبيلةٌ من إيادٍ كانتْ لا تُطاقُ فوقَعَ بها شَنُّ بْنُ أَفْصَى بْنِ عبدِ القَيسِ بْن أَفصى بْنِ دُعْمى بْنِ جَدِيلةَ بْنِ أسدِ بْن ربيعةً من نزارٍ، فانتصَفَ منها (أخَذَ حَقُّه منها) وأصابت منه (خَسِرَ لها شيئًا ما) فصارَ مثلاً للمتّفِقِين في الشدّة وغيرها.
قال الشاعرُ:
لَقِيَت شَنٌّ إيادًا بِالْقَنَا طَبَقًا وافَقَ شَنٌّ طَبَقَهْ
وزاد المتأخِّرون فيه: وافَقَهُ فاعتَنَقَه.
1. ما هي مُواصَفاتُ الزوجةِ الّتي بحَثَ عنها شَنٌّ؟ وهل تؤيِّدُه في ذلك؟ اشرح.
2. هات مَثَلاً من أمثالِنا الشعبيّةِ مُشابِهًا للمثَلِ أعلاه.
3. تعكسُ قصّةُ المَثلِ مَدى الحاجةِ إلى التوافُقِ وأهمّيّةِ اللغةِ المُشتَرَكةِ بين الزوجين من أجلِ تكوينِ أسرةٍ سعيدةٍ. اكتُب فقرةً موجزَةً مبيّنًا رأيَك في الموضوع.
4. قارنْ بينَ روايةِ الأصمعيِّ وابنِ الكلبيّ منْ حيثُ التشابهُ والاختلافُ.
*19*
*19*
وفي صُفّةِ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وسَلًّمَ) إذا تكَلّمَ أطرقَ جُلساؤُه كأنّ على رؤوسِهِمُ الطَّيرَ. يريدُ أنّهم يسكُنون ولا يتكلّمون، والطيرُ لا تسقُطُ إلّا على ساكِنٍ.
الصُّفّةُ: الظُلَّةُ، السقيفةُ. صُفّة المسجِدِ: موضعٌ مُظَلَّلٌ من المسجدِ.
أطرقَ: سَكَتَ وخَفَضَ عينيه ينظرُ إلى الأرضِ.
مهامَّ:
1. يُقَالُ لِلرجُلِ إِذَا كَانَ حَلِيمًا وَقُورًا:(إِنَّهُ لَسَاكِنُ الطيْرِ)، ويٌقالُ للرجل إذا ذٌعِرَ من الشيءِ: (قد طارَتْ عصافِيرُ رَأسِهِ). جد المعنى من القولين.
2. ما الصورةُ البلاغيّةُ المستخدمةُ في المثلِ؟
3. كيفَ يخدمُ النصُّ أعلاهُ كتابةَ السيرِة النبويّةِ؟
*19*
يُضرَبُ لِمَن تُكرَهُ مُعاشرتُهُ. تقولُ: دَعْهُ يذهَبْ حيثُ يشاءُ. أصلُهُ أنّ العربَ منذُ الجاهليًّةِ كانوا إذا رَعَوا الإِبلَ، جَعَلُوا حِبالَها على غَوارِبِها وتَرَكُوها في المَرعى طليقَةً ترعى بحَرّيّةٍ.
وكانُوا إذا أهمَلُوا أحدًا أو تَضايَقُوا مِن صُحبتِهِ والعَيْشِ معه قالَوا (ألقُوا حبلَهُ على غارِبِه)، أي اتركُوهُ وشأنَهُ.
*20*
1. هاتِ قصّةً أو حادثَةً موجزةً تُناسِبُ المَثَلَ.
2. يدلُّ المَثَلُ على بعضِ البيئةِ العربيّةِ القديمة. عيّن مظهريْن منها.
3. قيلَ في تربيةِ الأبناءِ: (لاعِبْ وَلَدَكَ سبعاً، وأدِّبْهُ سبعاً، وراقِبْهُ سبعاً، ثمّ اجعلْ حَبلَهُ على غارِبِهِ). ما معنى القولِ؟ وما أثَرُ الجزءِ الأخيرِ من القولِ على شخصيّةِ الولدِ برأيِكَ؟
*20*
أي أنّ الجزاءَ يكونُ مِن نفسِ العملِ. والمعنى: مَن أساءَ إلى إنسانٍ فَلْيَتوَقَّعْ مثْلَهُ، ومَنْ يصنَعِ الشرَّ أوِ السوءَ فلن يجنَيَ مِن ورائِهِ خيراً.
1. هاتِ قصّةً أو حادثَةً موجزةً تُناسِبُ المَثَلَ.
2. لا يُقالُ: (حَصَدْتُ العِنَبَا) وإنّما نقولُ: (قطعتُه). لماذا برأيك ورد الفعل (يحصُد) في النصّ المَثَلِ؟
3. اُذكر ميزتين أسلوبيّتيْن للمَثَلِ.
*21*
*21*
يُضْربُ في الصديقِ الصدوقِ الذي يقِفُ بجانبِ صديقِهِ ويكونُ في حرصِهِ وشَفَقَتِهِ عليه كأخيهِ من أمِّهِ وأبيهِ.
1. هل مِن أخٍ لك لم تلِدهُ أمُّكَ؟ تحدّث عنه مُبرزاً أهمّ صفاته وأخلاقه.
2. ما معنى الحرفِ (رُبَّ)، وما وظيفته النحويّة؟
3. هاتِ مثلاً أو أكثر يبدأ بالحرف (رُبَّ).
*21*
يُضرَبُ في الوَفاءِ بالوَعْدِ، وفي طَلَبِ الوفاءِ بالوعْدِ واستنجازِهِ.
1. يشيرُ المَثَلُ إلى أنّ الوفاء بالعهدِ من صفاتِ الأحرارِ. ما أهميّةُ هذهِ القيمةِ عندَ العربِ؟
2. عيّن الحديثَ النبويَّ الشريفَ الذي يدلّ على أنّ إخلافِ الوَعدِ من أخلاقِ المُنافقين.
3. هاتِ أمثالاً، أو أقوالاً أخرى في الوفاءِ بالوعدِ.
*22*
*22*
الصولُ: الحَملَةُ والوَثبةُ عندَ الخُصومَةِ والحربِ؟
يُضرَبُ للكَلامِ الذي يكونُ تأثيرُهُ أشدَّ من الحربِ والقتلِ. والمعنى: رُبَّ كلامٍ يُعابُ به الإِنسانُ أشَدُّ عليه من الصوْلِ. وقد يُقالُ هذا المثلُ فيما يُتّقَى منَ العارِ.
1. هاتِ قصّةً أو حادثَةً موجزةً تُناسِبُ المَثَلَ.
2. اضربْ مثلاً من أمثالِنا الشعبيّة مُشابهاً للمَثَلِ.
3. هاتِ مثلاً اَخرَ في سَلامَةِ القَوْلِ وحِفظِ اللسانِ.
*22*
العِرّيسَةُ: الشجَرُ المُلتَفُّ. يكونُ مأْوىً للأسَدِ.
يُضرَبُ مَثَلاً لِمن يطلُبُ مُحالاً، أو لِمَن يطلُبُ الشيءَ مِن غيرِ وَجهِهِ، فيكونُ في ذلكَ هلاكُهُ.
1. هاتِ قصّةً أو حادثَةً موجزةً تُناسِبُ المَثَلَ.
2. بيّن الصورةَ البلاغيّةَ المستخدمةَ في المَثَلِ.
3. اِضربْ مثلاً من أمثالِنا الشعبيّة مُشابهاً للمَثَلِ.
*23*
*23*
هو الدليلُ الأوّلُ والمصدرُ الأساسيُّ للشرع الإسلاميِّ، وهو كتابُ اللهِ تعالى حيثُ جاء فيه: (تَنْزيلُ الكِتابِ لا رَيْبَ فيه مِن ربِّ العالَمين) (السّجدة: 2). وهو اَخرُ الكتبِ السماويّةِ بعد التوراةِ والإنجيلِ، كما يُعدُّ معجزةً ببلاغتهِ وفصاحتهِ.
تعريف القراَن في اللغةِ: لفظُ (القراَنِ) في اللغةِ مصدرٌ مرادفٌ للقراءةِ ويشيرُ إليه قولُه تعالى: (إنَّ علينا جمعَهُ وقراَنَه فإذا قرأناهُ فاتّبِعْ قراَنَه) (القيامة:17)، وقيلَ: إنّه مشتقٌّ من (قرأَ) بمعنى (تَلا)، وقيلَ: إنّه مُشتقٌّ من (قرأ) بمعنى جمَعَ، ومنه قَرَى الماءَ في الحوضِ إذا جمعَهُ.
تعريفُ القراَنِ الكريمِ في الشرعِ: هو كلامُ اللهِ تعالى وَوَحيُه المُنَزَّلُ على خَاتِمِ أَنْبِيَائِه محمّد صلّى الله عليه وسلَّمَ، المَكَتُوبُ في المُصْحَفِ، المنقُولُ إلينا بالتوَاتُرِ، المُتَعَبَّدُ بِتلاوَتِه، المُتَحَدَّى بإِعجَازِه.
يحتوي القراَن على 114 سورةً تُصنَّفُ إلى مكّيّةٍ ومدنيّةٍ، وَفقاً لمكانِ نزولِ الوَحْيِ بها وزمانِهِ. ويؤمنُ المسلمون بأنّ القراَنَ حَفِظَهُ الصحابةُ بدقّةٍ، بعد أن أملاهُ الوَحْيُ على النبيِّ محمّدٍ صلّى الله عليه وسَلَّمَ، وأنّ آياته مُحكماتٌ مفصَّلاتٌ وأنّه يخاطبُ الأجيالَ كافّةً في كلِّ القُرونِ، وما فَرّطَ اللهُ فيه من شيءٍ. والسُوَرُ المكّيّةُ هي الّتي نزلت في
*24*
مدينةِ مكّة قبل الهجرةِ إلى المدينةِ، وأغلبُها يدورُ على بيانِ العقيدةِ وتقريرِها والاحتجاجِ لها، وضَرْبِ الأمثالِ لبيانِها وتثبيِتها وعددُها 86 سورةً. أمّا السُوَرُ المدنيَّةُ فهي الّتي نزلَت بعدَ الهِجرةِ في المدينةِ المنوّرةِ، ويكثُرُ فيها ذكرُ التشريعِ، وبيانُ الأحكامِ من حلالٍ وحرامٍ وعددُها 28 سورةً.
بعدَ وفاةِ النبيِّ محمّدٍ صلّى الله عليه وسَلَّمَ، جُمِعَ القراَنُ في مُصحفٍ واحدٍ بعد أن كان مُتفرِّقاً، بأمرٍ من الخليفةِ الأوّلِ أبي بكر الصدّيق (رضي اللهُ عنهُ) وَفقاً لاقتراحٍ من الصحابيِّ عمرَ بنِ الخطّاب (رضي اللهُ عنهُ) وبعد وفاةِ الأخيرِ، ظلّت تلك النسخةُ محفوظةً لدى أمّ المؤمنين حفصةَ بنتِ عمرَ (رضي اللهُ عنها)، إلى أن رأى الخليفةُ الثالثُ، عثمانُ بنُ عفّانَ (رضي اللهُ عنهُ)، اختلافَ المسلمين في القِراءاتِ لاختلافِ لهجاتِهِم، فسألَ حفصةَ بأن تسمحَ له باستخدامِ المصحفِ الّذي بحوزتِها، والمكتوبِ بلهجةِ قريشٍ لتكونَ اللهجةَ القياسيّةَ. وأمرَ عثمانُ بنسخِ عدَّةِ نُسخِ من المصحفِ لتوحيدِ النصّ، وأمرَ بإِعدامِ ما يخالفُ ذلك المصحفَ، وأمرَ بتوزيعِ تلك النسَخ على الأمصارِ واحتفظَ لنفسِه بنسخةٍ منه. تُعرفُ هذه النسخُ إلى الاَن بالمصحفِ العثمانيّ. لذا فإِنّ النُسَخَ الحاليّةَ للقراَنِ تحتوي على نفسِ النصِّ المنسوخِ من النسخةِ الأصليّةِ الّتي جمعَها أبو بكرٍ (رضي اللهُ عنهُ).
*24*
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقَالَ الْمَلَأُ (الملأ: السادة والرؤساء) الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ (بادي الرأي: أي ظاهِرُه، دون التعمّق والتأمّ في باطنِه) وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ (أرأيتم: أخبروني) إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ (بَيِّنَة: دليل، حجة، برهان) مِنْ رَّبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ
*25*
فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ (عُمِّيَتْ عَلَيْكُمُ: أُخفِيَت عليْكم) أَنُلْزِمُكُمُوهَا (أَنُلْزِمُكُمُوهَا: أنُلزِمُكَم إيّاها. أي أنُكرِهُكم على قبولها وأنتم معرضون عنها غير متدبّرين لها) وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّهُم مُلَاقُواْ رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29) وَيَا قَوْمِ مَن يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (30) وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ (تَزْدَرِي أَعْيُنُكُم: ينظرون إليهم باحتقار واستصغار) لَن يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31) قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (مَا أنتُم بِمُعْجِزِينَ: بفائتين من عذاب الله بالهرب) (33) وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ (أن يُغوِيَكُم: يُضلِّكم) هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي (عَلَيَّ إجْرَامِي: عليّ عقاب ذنبي) وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35) وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ (لاَ تَبْتَئِس: لا تحزنْ) بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا (بأعيُننا: أي بحفظنا ورعايتنا) وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ (يُخزيه: يذلّه ويُهنيُه) وَيَحِلُّ عَلَيْهِ (يحُلُّ عليه: ينزِل به) عَذَابٌ مُقِيمٌ (39) حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ (فارَ التنّور: التنّور: الفرن الذي يُخبز فيه الخبز. والأقرب أن يكون المراد من التنّور وجه الأرض، ويكون المعنى نَبعَ الماء وجاش بشدّة) قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40) وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا (مجراها: وقت جريانها) وَمُرْسَاهَا (مرساها: وقت إرسائِها) إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ
*26*
تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآَوِي (ساَوي: سألتجئُ) إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ (لا عاصِم: لا مانع، لا حافظ) الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ (حالَ: أي وقف حاجزاً منعهما من التواصل) بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي (أقلعي: أمسكي عن إنزال المطرِ) وَغِيضَ الْمَاءُ (غِيض الماء: نقص وذهب في الأرض) وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ (اسْتَوَتْ: استقرّت) عَلَى الْجُودِيِّ (الجوديّ: جبل بقرب الموصل، الذي استقرّت عليه سفينة نوح بعد توقّف الطوفان) وَقِيلَ بُعْدًا (بُعداً: هلاكاً وسُحقاً) لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47) قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ (بَرَكات: خيرات) عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48) تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)
مفاتيح النصّ:
القَصَصُ القرآنيّ، السورُ المكّيّةُ وخصائصُها، قصّةُ نوح، اختلافُ المفسِّرين في الآية الخامسةِ والثلاثينَ، بلاغةُ الألفاظ.
*27*
1. ما هي العقليّةُ الذهنيّةُ الّتي انطبعَ عليها قومُ نوحٍ من خلالِ الآياتِ 27-32؟
2. اِشرحِ الآياتِ 36-44 بشكلٍ قصصيٍّ موظِّفاً من خلالِها: الحدث، الشخصيّات، الوصف، الحوار.
3. تُبيّنُ الآيتانِ الثانيةُ والأربعونَ والخامسةُ والأربعونَ أنّ محبّةَ الاَباء لأبنائهم فطرةٌ إنسانيّةٌ وغريزةٌ بشريّةٌ، لكنّ هذه الغريزةَ ينبغي ألّا تُقضيَ إلى عصيان الله. اِشرحْ.
4. لماذا قال الله تعالى عن ابن نوح إنّه (عملٌ)، ولم يقل (ولدٌ) أو (إنسانٌ) في الآية السادسةِ والأربعين؟
5. يظهر موقفُ السخريّةِ والاستهزاءِ في موضعينِ من النصّ. بيّنهما.
6. وردت في سورة هود قصصٌ أخرى للأنبياء مثل هود، صالح، شعيب، نوح، إبراهيم ولوط عليهم السلام. ما الغرضُ من الأسلوب القصصيّ في القراَن؟
7. عدّدِ الوظائفَ النحويّةَ التي تشتملُ عليها جملة: (أَنُلْزِمُكُمُوهَا) في الآية الثامنةِ والعشرينَ.
8. تتميّز الآية الرابعةُ والأربعونَ: (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي (أقلعي: أمسكي عن إنزال المطرِ) وَغِيضَ الْمَاءُ (غِيض الماء: نقص وذهب في الأرض) وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ (اسْتَوَتْ: استقرّت) عَلَى الْجُودِيِّ (الجوديّ: جبل بقرب الموصل، الذي استقرّت عليه سفينة نوح بعد توقّف الطوفان) وَقِيلَ بُعْدًا (بُعداً: هلاكاً وسُحقاً) لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)) بتعدّدِ الأساليبِ البلاغيّةِ فيها. اُذكرْ ثلاثةً مُمثّلاً لكلٍّ منها.
9. اُكتب ثلاثَ خصائِصَ للسُّوَرِ المكّيّةِ مستشهداً بقرائنَ مِن النَصّ.
*28*
*28*
الحديثُ النبويّ:
الحديثُ النبويّ أو السُنّةُ النبويّةُ عندَ أهلِ السُنّة والجماعةِ، هو ما وردَ عن النبيِّ محمّد صلّى الله عليه وسلّمَ، مِن قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ أو صِفةٍ خَلقيّة أو سيرةٍ، قبلَ البِعثة (أي بدءِ الوحي والنبوّة) أو بعدَها. والحديثُ والسنّة عند أهل السُنَّةِ والجماعةِ هما المصدرُ الثاني من مصادرِ التشريعِ الإسلاميِّ بعدَ القراَن. ومكانةُ السنّة رفيعةٌ ولها قوّةٌ تشريعيّةٌ مُلزِمةٌ، واتّباعُها واجبٌ، ذلك أنّ الحديثَ خصوصاً، والسُنَّةُ عموماً، مبيِّنان لقواعدِ الشّريعةِ وأحكامِها ونظْمِها، ومفصِّلان لما جاء مُجْمَلاً في القراَنِ، ومُضيفان لما سكتَ عنه، ومُوضِّحان لبيانِهِ ومعانيه ودلالاتِه. فالحديثُ النبويُّ هو بمثابةِ القراَن في التشريعِ من حيث كونُهُ وَحْياً أوحاهُ الله للنبيّ. والحديثُ والسُنّةُ مردفان للقراَن في الحُجّيّة ووجوبِ العملِ بهما، حيثُ يُستمدُّ منهما أصولُ العقيدةِ والأحكامُ المتعلّقةُ بالعباداتِ والمعاملاتِ، بالإِضافةِ إلى نُظُمِ الحياةِ من أخلاقٍ وآدابٍ وتربيةٍ.
ومن المصطلحاتِ المشهورةِ في علمِ الحديث:
- السَنَد: هو الطريقُ الموصِلةُ إلى المَتْنِ (نصّ الحديث)، أي: رجالُ الحديثِ، وسَمّوْه بذلك لأنّهم يستندون الحديث إلى مصدرِه.
- الإِسناد: هو رفعُ الحديثِ إلى قائِلِه.
- المتْن: هو ما انتهى إليهِ السنَد. (أي هو نصّ الحديث أو الخبر أو الأثر).
- المُخرِج: هو ذاكر رُواةِ الحديثِ. كقولِنا: أخرجَه البخاريُّ أو أخرجَه مسلمٌ.
- المُحدِّث: هو العالِمُ الّذي يشتغلُ بعلمِ الحديثِ روايةً ودرايةً، ويحيطُ بطُرقِ
*29*
الحديثِ وأسماءِ الرُواةِ والمُتون.
ومن أنواعِ الحديثِ المشهورةِ من ناحية السنَد:
- الحديثُ الصحيحً: هو ما اتّصل إسنادُه بنقلِ العدلِ الضابطِ عن مثلِه، وخلا من شذوذٍ أو عِلّةٍ قادحةٍ. والحديثُ الصحيحُ يُقسم إلى قسميْن:
1. الصحيح لذاتِه: هو الحديثُ الّذي استوفى شروطَ الصحّةِ، واشتملَ على أعلى صفاتِ القبولِ من أوّلِ الحديثِ إلى اَخرِه، وخلا من الشذوذِ والعِلّة، وصحّتُه نشأَت من ذاتِه لا من حديثٍ اَخرَ خارجٍ عنه.
2. الصحيح لغيرِه: هو الحديثُ الّذي لم تَبلُغْ شروطُه الدرجةَ العُليا بأن كانَ الضبطُ فيه غيرَ تامّ. وسُمّي (الصحيحُ لغيرِه) لأنّ صحّتَه نشأت من غيرِه، لشواهدِه ولكثرةِ طرْقِه.
- الحديثُ الحَسَن: هو ما اتَّصلَ سنَدُه بنقلِ الضابطِ ضبطاً غيرَ تامٍّ عن مثلِه، من أوّلِه إلى اَخرِه وسلِمَ من الشُذوذِ والعلّةِ، فهو ما جمعَ شروطَ الحديثِ الصحيحِ إلّا أنّ الضبطَ أخفُّ.
- الحديثُ الضعيف: وهو ما لم يجتمِع فيه صفاتُ الحديثِ الصحيح، ولا صفاتُ الحَسَن، وعلى هذا يكون الحديثُ ضعيفاً، إمّا لضعفِ بعضِ رُواتِه، أو لشُذوذٍ فيه أو علّةٍ قادحةٍ، وقد يكونُ الحديثُ ضعيفاً لأكثرَ من سببٍ في ذلك.
وقد اهتمّ العلماءُ على مرّ العصورِ بالحديثِ النبويِّ وجمعِه وتدوينِه ودراستِه وشرحِه، واستُنطت حولَه العلومُ المختلفةُ. ومن أشهرِ المصنَّفاتِ في الحديثِ النبويِّ عند أهلِ السُنّةِ والجماعةِ ما يُعرفُ ب (الكُتُب الستّة)، وهو اسمٌ أُطلق على ستّة مؤلّفاتٍ في علمِ الحديثِ لكونها أصحَّ الكتبِ المؤلّفةِ في هذا الفنّ، وهي: الصحيحان: صحيح البخاريّ، وصحيح مسلم، والسُنن الأربعة: سُنن النسائيّ، وسُنن الترمذيّ، وسُنن أبي داود، وسُنن ابن ماجة.
*30*
النبيُّ محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّمَ (52 ق.ه-11 ه)، (570-632 م)
هُوَ محمّدُ بنُ عبدِ اللّهِ بنِ عبدِ المطّلبِ، نبيّ الإِسلامِ والمسلمين، وخاتِمُ الأنبياء والمرسَلين. وُلد في مكّة في شهر ربيع الأوّل من عام الفيل. وُلد يتيمَ الأب، وفقدَ أمَّه في سنٍّ مبكّرة، فتربّى في كَنَفِ جدِّه عبد المطّلب، ثمّ مِن بعده عمِّه أبي طالب حيث ترعرع، وكان في تلك الفترةِ يعملُ بالرعي ثمّ بالتجارة. تزوّج وهو في سنِّ الخامسة والعشرين من خديجةَ بنتِ خويلد رضي اللّه عنها وأنجب منها كلّ أولاده باستثناء إبراهيم. كان قبلَ الإسلام يرفضُ عبادةَ الأوثانِ والممارساتِ الوثنيّةَ التّي كانت منتشرةً في مكّة. أنزل اللّه تعالى عليه الوحيَ وكُلّف بالرسالة وهو ذو أربعين سنة. بدأ الدعوةَ سرّاً ثمّ جهراً، وهاجر إلى المدينة المنوّرة والمسّماة (يثرب) آنذاك عام 622 م وهو في الثالثة والخمسين من عمره، بعد أن تآمر عليه ساداتُ قريشٍ ممّن عارضوا دعوته وسعوا إلى قتله. عاش في المدينة عشر سنين داعياً إلى الإسلام، وأسّس بها نواةَ الدولةِ الإسلاميّةِ، الّتي توسّعت لاحقاً وشملت مكّةَ وكلَّ المدنِ والقبائلِ العربيّةِ، حيث وحَّدَ العربَ لأوّل مرّة على ديانةٍ توحيديّةٍ ودولةٍ موحّدةٍ، ودعا لنبذِ العنصريّةِ والعصبيّةِ القبَليّةِ. قاد العديدَ من الغزواتِ، منها: غزوةُ بدر، وأُحُد، والخندقُ، وفتحُ مكّة. توفّي بالمدينة عن عمرٍ يناهز 63 عاماً. لشخصيّة النبيّ محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم تأثيرٌ كبيرٌ في التاريخ، وقد اهتمّ المسلمون قديماً وحديثاً بسيرتهِ باعتبارها المنهجَ العمليَّ للإسلام، فألّف علماءُ الإسلام مؤلّفاتٍ عديدةً وجامعةً في سيرتهِ، ودوّنوا كلّ ما يتعلّق بذلك، كما جُمعت أحاديثُه في كتبٍ عُرفت بكتبِ الحديثِ النبويّ.
*31*
*31*
عَنْ أَبِي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللّه عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسولَ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقولُ: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذلِكَ أَضْعَفُ الإِيمانِ). رَواهُ مُسْلِمٌ.
مفاتيحُ النصّ:
معنى المُنكَر، أهمّيّة (الأمرُ بالمعروفِ والنَّهْيُ عن المنكر) كَفرْض دينيّ في الإسلام، بلاغةُ التشريعِ في الحديثِ، مفهومُ الإِسناد.
مَهامّ:
1. يظهرُ في الحديثِ أنّ تغييرَ المُنكرِ يأتي وفقَ شرطيْن. بيّن ذلك.
2. يبيّن الحديثُ ثلاثَ درجاتٍ للنهي عن المُنكّر. اكتب بلغتِك ما هي.
3. ما الغرضُ من تكرارِ أسلوب الشرط في الحديث؟
4. لماذا وردت كلمةُ (منكراً) نكرةً في الحديث؟
5. ما نوعُ كُلِّ واحدةٍ منَ الفاءاتِ الخمسِ الواردةِ في الحديثِ؟
*32*
*32*
حدّثَنا بِشرُ بْنُ محمّدٍ السختيانيّ، أخبرَنا يونُسُ عنِ الزهريّ قال: أخبرَني سالمٌ عنِ ابنِ عمرَ رضيَ اللّه عنهُما قالَ: سمعتُ رسولَ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: (كُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُمْ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ).
مفاتيح النصّ:
معنى الرعايةِ، معنى الإمامةِ، الحديثُ كمصدرٍ تعليميّ وتشريعيّ لتنظيمِ علاقةِ النّاس فيما بَيْنَهُمْ.
مَهامّ:
1. ما هدفُ التفصيلِ وتَعدادِ نماذِجِ الرُّعاةِ في الحديثِ؟
2. عدّد ثلاثَ مسؤوليّاتٍ ينبغي على كلّ شخصٍ من الأشخاصِ المذكورين في الحديثِ القيام بها.
3. اُذكرْ ميزتيْن أسلوبيّتين يتميّزُ بهما الحديثُ.
*33*
*33*
هذا الحديثُ له أصلٌ ولكنَّ أساسَهُ في سُنن الترمذيّ عن حذيفةَ بْنِ اليَمانِ أنّه قالَ: قالَ رسولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَكونوا إِمّعَةً، تقولونَ إنْ أحسنَ النّاسُ أحسَنَّا، وإنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنا، وظِّنوا أنفسَكُم إنْ تُحسِنُوا، وإنْ أساؤُوا فلا تَظلِمُوا).
وهو حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ كما قالَ أبو عيسى الترمذيّ.
مفاتيح النصّ:
مفهوم الإِمّعيّة، معنى (الحديث الغريب) أو (الضعيف).
مَهامّ:
1. يتبعُ التعبيرُ (إمّعيّ) إلى ظاهرة لغويّة في اللغة العربيّة. ما هي؟ هاتِ أمثلة أخرى لها، مُستعيناً بأحَد كُتُبِ الصرفِ.
2. ما هي أسبابُ الإِمّعيّة برأيكَ؟ وما عواقبُها ومضارُّها؟
3. هاتِ أمثلةً من واقع حياتنا على الإِمّعيّة.
4. وردَ أعلاهُ أنّ الحديثَ (حسنٌ غريبٌ). ما معنى ذلك؟
*34*
*34*
عن المقدادِ بنِ مَعدِي كرِب، قالَ: قالِ رسولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (ما أكَلَ أحدٌ طَعاماً قطٌ خيراً مِن أنْ يأكُلَ مِن عَمَلِ يديْهِ، وإنّ نبيّ اللّهِ داودَ عليهِ السّلامُ كانَ يأكُلُ من عمَلِ يديْهِ). رواه البُخاريّ.
مفاتيح النصّ:
فائدةُ معنى الحديثِ على مستوى الفردِ والمجتمع، الاقتداءُ بالأنبياءِ.
مَهامّ:
1. ما هي الفوائدُ الّتي تعودُ على الفردِ من تمسُّكِه بالقيمةِ الإِسلاميّةِ الّتي تناوَلها الحديثُ الشريف؟
2. اِبحثْ في السنّة النبويّة عن حديثٍ شريفٍ آخرَ يحثُّ على السّعي والعملِ ويذكرُ فضلَهما.
3. عدِّد صفاتٍ أخرى تميّزَ النبيُّ داوُدُ عليه السّلام.
4. (العملُ واجبٌ على كلِّ إنسانٍ قادرٍ، ولكنّه حقٌ ينبغي أن يتوفّرَ للفردِ في المجتمع). اُكتبْ في ذلك فقرةً موجزةً، مُراعياً شروطَ التعبير الكتابيّ الصحيح.
*35*
*35*
حَدّثَنا سُليمانُ أبو الربيعِ قالَ: حدَّثَنا إسماعيلُ بْنُ جعفَرٍ قالَ: حدَّثَنا نافعُ بْنُ مالكِ بْن أبي عامرٍ، أبو سُهيلٍ عنْ أبيهِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صَلَى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: (آيةُ المنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وَعَدَ أخلَفَ، وإذا اؤتمِنَ خانَ).
مفاتيح النصّ:
معنى النفاق، مفهومُ الإِسناد.
مَهامّ:
1. ما هي العلاماتُ الّتي تكشفُ نفاقَ المسلمِ في كلامِه وتصرّفاتِه؟
2. برأيك، هل هناك صفاتٌ أخرى للمنافقِ؟ اذكُرها.
3. ما معنى كلمة (آية) في أوّل الحديث؟
4. هاتِ حديثاً نبويّاً آخر يدلّ على أهمّيّة حفظِ الأمانة في الإسلام.
5. من خلال دراستك لمجموعِ الأحاديثِ النبويّةِ الشريفة، سجّلْ ما هو الطابعُ الأسلوبيُّ العامُّ الّذي يميّزها؟
*36*
*36*
تعريف الخُطبة
كلامٌ منثورٌ يُخاطبُ به مُتكلِّمٌ جمعاً من الناسِ، مُشافَهَةً، وبأسلوبٍ يعتمدُ على الاستمالةِ والإقناع.
أجزاءُ الخُطبةِ: (المقدِّمة): وهي التمهيدُ لعرضِ الموضوعِ الخاصِّ في الخُطبةِ. (العرْضُ): وفيه يَعرضُ الخطيبُ أفكارَه في ترتيبٍ وترابُطٍ. (الخاتِمَة): وهي تلخيصٌ لأهمّ ما تضمّنَتْه الخُطبةُ من أفكار.
تتميّزُ الخَطابةُ بخصائصَ فنّيّةٍ أهمُّها: الإِقناعُ والإِمتاعُ، حيث يقومُ الإِقناعُ على مُخاطبةِ العقلِ بضربِ الأمثلةِ وتقديمِ الأدلّةِ والبراهين الّتي تُقتعُ السامعين بما يقولُ، كما يقتضِي اختيارَ الألفاظِ المألوفةِ والمفهومة. أمّا الإِمتاعُ فيكونُ بإِثارةِ عواطِفِ السامعين وتحريكِ مشاعرِهم، من حيثُ الأسلوبُ البليغُ والكلمةُ الحَيّةُ وجَوْدةُ الإِلقاءِ وحُسنُ الصوتِ والإِيقاعِ ولُطفُ الإِشارةِ.
وتحتلُّ الخُطبةُ في الأدبِ العربيّ مكانةً مرموقةً، لا سيّما في العصورِ القديمةِ. ففي المجتمعِ الجاهليِّ كان الخُطباءُ يقومون مقامَ الوُلاةِ الزعماءِ، لأنّ من شروطِ السِيادةِ والتفوّقِ عندهم قوّةَ البيانِ والقدرةَ على الإِيقاعِ، إذا كان الخطباءُ قادرين على الفصلِ في الخصوماتِ والمشاركةِ في المُفاخراتِ والمُنافَرات، والحُضورِ في الوِفاداتِ والمفاوضات. أمّا في العصر
*37*
الإِسلاميّ فقد كان شأنُ الخَطابةِ أعظمَ وأكبر، حيثُ اشتدّت الحاجةُ إلى التوجيهِ الدينيِّ والسياسيّ، خاصّةً أنّ الأمّيّةَ كانت متفشّيةً بين الناسِ، ووسائلُ التّواصلِ بين القادةِ بين النّاسِ كانت نادرةً باستثناءِ الخَطابة.
وتُقسَمُ الخَطابةُ إلى أنواعٍ حسب موضوعاتِها، منها:
الخَطابةُ الدينيّة: وتقومُ على الوعظِ والإِرشادِ وتحليلِ القيمِ الأخلاقيّةِ في ضوءِ العقيدةِ الدينيّة الإِسلاميّة. ومن هذا القبيلِ خُطبُ الجُمَعِ والأعيادِ مما سنّته الشريعةُ الإِسلاميّةُ في المواسِمِ والأعياد.
الخُطبُ السياسيّة: وهي الّتي تقومُ على توجيهِ الرأيِ العامّ من طرفِ زعيم سياسيٍّ أو رئيسٍ حاكمٍ، أو مُواطنٍ يدعو لفكرةٍ في قضيّةٍ وطنيّةٍ تهُمّ المصلحةَ العامّةَ للشعب والبلاد.
الخُطبة الاجتماعيّة: وهي الّتي تقوم على التوجيه الاجتماعيّ والأخلاقيّ في شؤون التعاونِ والتضامنِ بين أفراد المجتمع في مناسبةٍ من المناسبات.
الخُطبةُ الحربيّة: وتقومُ على استنفارِ الناسِ للحربِ أو الجِهادِ أو المقاومةِ عند مواجهةِ المعاركِ، أو مقاومةِ الأعداءِ أو دفعِ الضيْمِ واستردادِ الحرّيّة.
طارق بن زياد: (670-720 م)
قائدٌ عسكري ّ أُمويّ من أصولٍ غيرِ عربيّة. فتحَ الأندَلُس سنة 92 هجري 710 ميلادي، وقاد أوّلَ الجُيوشِ الإِسلاميّةِ الّتي دخلت شبه جزيرة أيبيريا. ويحملُ اسمَهُ جبلُ طارق بجنوب إسبانيا. من أبناء قبائل البربر في بلاد المغرب التي فتحها المسلمون. أسلم على يد موسى بن نُصَير أمير أفريقيا، وقد مكّنتهُ مواهبهُ العسكريّةُ من الترقّي في جيش موسى بن نصير حتّى وصل إلى أرفع المناصب، فعُيّن قائداً لجيشه، كما عُيّن والياً على مدينة طَنْجَة تقديراً لكفاءتِهِ. بعد إتمام فتح الأندلس ذهب إلى دمشق حيث مقرُّ الخلافة الأمويّة، وقدّم تقريراً عن ذلك الفتح، للخليفة الأمويّ الوليد بن عبد الملك، وأقام هناك حتّى مماته، ولم يعُد لمواصلة الفتح. كان طارقُ بنُ زيادٍ فارساً شجاعاً مقداماً، وكان غازياً شديداً، يرتبط اسمُه بفتح الأندلس وبكونه أحد الفاتحينِ العِظام في الإِسلام.
*38*
مناسبة الخُطبة:
كانت بلاد (الأندلس) يحكمُها ملكٌ ظالمٌ يُدعى (لُذَرِيق)، كرهَهُ الناسُ وفكّروا في خلعه من الحُكم، والثورة عليه، بالاستعانة بالمسلمين الذين كانوا يحكمون الشمال الإِفريقيّ. وتوسَّطَ لهم الكونت (يوليان) حاكم (سِبْتَة) القريبة من (طَنجَة) في إقناع المسلمين بمساعدتهم، واتّصل بطارق بن زياد يعرضُ عليه مساعدتَهُ في التخلّص من (لذريق) حاكم الأندلس، وقد رحّب طارق بن زياد بهذا الطلب، ووجدَ فيه فرصةً طيّبةً لمواصلة الفتحِ، ونشرِ الإِسلامِ وتعريفِ الشعوبِ بمبادئهِ السمحة، فأرسل إلى موسى بن نصير أمير المغرب يستأذنه في فتح الأندلس، الّذي أرسلَ بدورهِ إلى الخليفةِ الوليدِ بنِ عبدِ الملكِ يشرحُ لهُ حقيقةَ الأوضاعِ هناك ويستأذنهُ، فأذِنَ لهُ الخليفةُ، وطلبَ منهُ أن يسبقَ الفتحَ حملةٌ استطلاعيّةٌ يكشف بها أحوالَ الأندلس قبل أن يخوضَ أهوالَ البحر. وقد كانتِ الحملةُ عام 710 م بقيادة قائدٍ من البربرِ يدعى طريفَ ابنَ مالك. وبعد مرور أقلَّ من عامٍ من عودةِ حملةِ طريف، خرجَ طارق بن زياد في سبعة آلاف جنديٍّ معظمُهُم من البربر المسلمين، وتوجّهَ إلى الأندلس عبرَ مضيقِ البحر المتوسّط، وتجمّع المسلمون عند جبلٍ صخريٍّ عُرف فيما بعد باسم (جبل طارق). وأقام طارق بتلك المنطقة عدّةَ أيّام، وتحصّنَ بها واتّخَذها قاعدةً عسكريّةً بجوار الجبل. ثم سار بجيشه شمالاً إلى (طُليْطلة) وعَسكرت قوّاتهُ في سهلٍ واسعٍ، وفي الوقت نفسه أكمل (لذريق) استعداداتِهِ، وجمع جيشاً هائلاً بلغ مائة ألفِ مقاتلٍ مزوّدين بأقوى الأسلحة، وسار إلى الجنوب للقاء المسلمين، وهو واثقٌ كلَّ الثّقةِ من تحقيق النصر. ولما علمِ طارق بأنباء هذه الحشودِ بعثَ إلى موسى بن نصير يخبره بالأمرِ، ويطلب منه المَدَد، فبعث إليه بخمسة آلاف جنديّ، فبلغ المسلمون بذلك اثني عشر ألْفاً. ودارت بين الفريقين معركةٌ فاصلةٌ بالقرب من (شَذُونة) وكان اللقاء قويّاً استمرّ ثمانية أيّام، أبلى المسلمون خلالها بلاء حسناً، وتحقّق لهم النصرُ في المعركة. وبعد هذا النصرِ العظيمِ سار طارق بن زياد بجيشهِ يفتحُ سائرَ بلادِ الأندلس، مثل (قُرطُبة)، و (غَرناطَة) و (ماَلْقَة) وغيرها.
*39*
خطبةُ فتحِ الأندلسِ: طارق بن زياد
فلمّا بلَغَ طارقاً دُنُوُّه (أي: لُذَريق) قامَ في أصحابِهِ فحَمَدَ اللّهَ سبحانَهُ وتَعَالى، وأثنَى عليهِ بما هو أَهْلُهُ، ثمَّ حَثَّ (حثَّ: حضَّ) المُسلمينَ على الجِهادِ ورغَّبَهُم في الشهادَةِ، ثمّ قالَ: (أيُّها الناسُ، أينَ المفَرُّ؟ البَحْرُ من ورائِكُم، والعَدُوُّ أمامَكُم، وليسَ لكُم واللّهِ إلّا الصِدْقُ (الصدق: أي الصدق في القتال. والصدق: الشدّة) والصَبْرُ. واعلَمُوا أنّكُم في هذه الجزيرَةِ أَضْيَعُ (أضْيَعُ: اسم التفضيل من الضياع) مِنَ الأيْتامِ في مآدِبِ (مآدب: جمع (مآدُبة (بفتح الدالِ وضمّها)): وهي طعامٌ صُنع لدعوةٍ أو عُرسٍ) اللئَام، وقد استقبَلَكُم عَدُوُّكُم بجيْشِهِ، وأسلِحَتُهُ، وأقواتُهُ (أقوات: جمع قُوت: طعام) مَوفُورَةٌ (موْفور: تامّ غير ناقص)، وأنتُم لَا وَزَرَ (لا وَزَر: لا ملجأ) لَكُم إلّا سُيوفُكُم، ولا أقْواتَ إلّا ما تستخِلصُونَهُ من أَيْدي عَدُوِّكُم، وإن امتَّدتْ بِكُمُ الأيّامُ على افتقارِكُم، ولم تُنجِزُوا لَكُم أَمْراً، ذَهَبَتْ ريحُكُم (ذهبت ريحُكُم: انتهت قوّتُكم، كناية عن زوال القوّة والغلَبَة) وتعوّضَتِ القُلوبُ من رُعبِهَا مِنكُمُ الجرأَةَ عليْكُم، فادفَعُوا عن أنفسِكُم خِذلانَ هذه العاقبةِ (العاقبة: النهاية، آخر الشيء) من أمِركُم، بمُناجَزةِ (مُناجَزة: مبارَزَة) هذا الطاغيةِ، فقد ألْقَتْ بِكُمْ إليْكُمْ مدينتُهُ الحَصِيَنةُ، وإنَّ انتِهَازَ الفُرصَةِ فيه لَمُمْكِنٌ، إنْ سمَحْتُم لأنفسِكًم بالموْتِ. وإنّي لم أحذّرْكُمْ أمراً أنا عنهُ بِنَجْوَةٍ (نَجْوَة: ما ارتفع من الأرض. أي: بعيد عنه، سالم)، ولا حَمَلْتُكُم على خُطّةٍ، أرخَصّ مَتَاعٍ (مَتَاع: التمتَع، كلّ ما يُنتَفَع به) فيها النُفوسُ، أرْبَأُ (أربَأ بها: أحرص عليها وأحفظها) فيها بِنَفسِي، واعلَمُوا أنَّكُم إنْ صَبَرتُم على الأشقِّ قليلاً، استمتَعْتُمْ بالأرفَهِ الألَذِّ طَوِيلاً، فلا تَرغَبُوا بأنفُسِكُم عن نَفْسِي، فيما حَظُّكُم فيه أوفَرُ من حَظِّي. وقد بلَغَكُم ما أنشَأَتْ هذه الجَزيرَةُ من الحُورِ (الحُور: جمع حَوْراء: وهي ذاتُ الحَوَرِ، (الحَوَر شدّة سواد العين وبياضها) الحِسانِ من بنَاتِ اليُونانِ، الرافِلاتِ (رَفَلَت: جرّت ذيلَها وتَبخْتَرَت)
*40*
في الدُرِّ والمَرجَانِ، والحُلَلِ (حُلَل: أثواب) المَنسُوجَةِ بالعِقْيانِ (العِقيان: الذّهب)،المَقْصُوراتِ (المَقصُورات: المَخُبوءات) في قُصورِ المُلوكِ ذَوِي التيجَانِ، وقَد انتَخَبَكُمُ الوَليدُ بنُ عبدِ الملِكِ منَ الأبْطَالِ عُزْبَاناً (عُزبان: جمع أعزب وعازب وعزيب، من لا زوجة له)، ورَضِيَكُم لمُلوكِ هذه الجَزيرةِ أَصْهاراً (أصهار: جمع صِهر، وهو زوج بنت الرجل، وزوج أخته) وأَختاناً (أختان: جمع خَتَن، وهو الصهر، أو كلّ من كان من قِبَل المرأة، كالأب والأخ)، ثقةً منه بارتِيَاحِكُم للطعان، وإسماحِكُم (إسماحُكم: سماحُكم، بَذلُكُم ما يجب) بمُجالَدَةِ (مُجالدة: مُحاربة) الأبْطَالِ والفُرسَانِ، ليكونَ حظُّهُ منكُم ثوابَ اللّهِ على إعلاءِ كلِمَتِهِ، وإظهارِ دينِهِ بهذهِ الجَزيرةِ، ولِيَكونَ مَغْنَمُها خالِصًا لَكُم من دونِهِ، ومِن المؤمنين سِواكُم، واللهُ تَعَالى وَلِيُّ إِنجادِكُم (الإنجاد: الإعانَة) على ما يكونُ ذِكرًا في الداريْن (الدارين: الدنيا والآخرة).
واعلَمُوا أنّي أوّلُ مُجيبٍ إلى ما دَعَوْتُكُم إليه، وأنّي عندَ مُلتقَى الجَمْعَيْن (الجمعيْن: الفريقيْن، الجيشيْن)، حاملٌ بنفسِي على طاغِيَةِ القَوْمِ لُذَرِيق فقاتِلُهٌ إن شاءَ اللّه تَعالى، فاحْمِلُوا مَعي، فإِن هَلَكْتُ بعَدَهُ، فَقَدْ كَفَيْتُكُم أمْرهُ، ولن يَعوزَكُم بطَلٌ عاقِلٌ تُسْنِدُون أَمْرَكُم إليهِ، وإن هَلَكْتُ قبلَ وُصولِي إليهِ، فاخلِفُونِي في عَزيمَتِي (عَزيمَتي: إصراري على النصر) هذه، واحمِلُوا بأنْفُسِكُم عليهِ، واكتَفُوا المُهمَّ من فتْحِ هذِه الجَزيرةِ بقتْلِهِ، فإِنّهُم بعدَهُ يُخذلُونَ (الخَذْل والخِذلان: مصدر(خذَلَ)، أي تركَ عونَه ونُصرتَه.
*41*
مفاتيح النصّ:
خصائصُ الخطبةِ الحربيّةِ، الأهمّيّةُ التاريخيّةُ للخُطبةِ، تقسيمُ مواضيعِ الخُطبةِ، المميّزاتُ الأسلوبيّةُ.
مَهامَّ:
1. استعملَ طارقُ بن زياد في خُطبتِه أسلوبَ التهريبِ والترغيبِ. بيّنْهُ وأعطِ أمثلةً عليه.
2. يعقدُ طارقُ بْنُ زيادٍ مقارنةً بين وضعِ جنودِهِ وجنودِ العدوّ. ما هي وجوهُ هذهِ المقارنةِ؟
3. في نهاية الخطبةِ، يوجّهُ طارق بن زياد جنودَه إلى إستراتيجيّةٍ حربيّةِ تكفلُ لهم الانتصارَ في المعركة. ما هي؟
4. بيّن ملامحَ شخصيّةِ طارق بن زياد من خلالِ الخُطبة.
5. سجّلْ أهَمّ مميّزاتِ الخطابةِ الأمويّةِ من خلال النصّ.
6. قدّمْ لمعلّم او معلمة اللغة العربيّة ولأبناء صفّك برنامجًا لرحلةٍ سياحيّة في ربوع الأندلس والآثار الإسلاميّة في إسبانيا (قرطبة، غرناطة، إشبيلية، طليطلة، مالقة).
7. اِستمعْ إلى نموذجٍ مسجّلٍ لخطبةِ طارق بن زياد في موقع (يوتيوب)، وسجّلْ ملاحظاتِكَ حول مميّزاتِ الخُطبة، من حيثُ أسلوبُ الخطيب التعبيريُّ، النبرُ، اللغةُ السليمةُ، طريقةُ الإلقاء.
8. يرى بعضُ الباحثينَ أَنّ الفقرةَ (وقد بَلَغَكُمْ ما أُنشَأَتْ هذهِ الجزيرةُ منَ الحورِ الحسان، المقصوراتِ في قصور الملوكِ ذوب التيجانِ) ليسَتْ منْ أَصلٍ الخطبةِ وأنها أُضيفَتْ إليها فيما بَعْدُ.
ناقشْ هذا الرأيَ مُعِلَّلاً موقفَكَ بقرائنَ مضمونيّةٍ وأسلوبيّةٍ.
*42*
*42*
زيادُ ابنُ أبيه (1-53 ه)
قائدٌ عسكريٌّ في عهدِ الخِلافةِ الراشدةِ، وسياسيٌّ أمويٌ شهيرٌ ارتَبَطَ اسمُه بمعاويةَ بن أبي سُفيان، وساهَمَ في تثبيتِ الدولةِ الأمويّة.
وُلد في السنةِ الهجريّةِ الأولى في الطائفِ، أمُّهُ سُميّة كانت جاريةَ الطبيبِ الشهيرِ الحارثِ بن كِلدة.
عمِلَ كاتِبًا لأبي موسى الأشعريّ ونبغَ في عهدِ الخليفةِ الراشدِ عُمر بن الخطّابِ وكانَ مجهولَ الأبِ ولذلك سُمّيِ (ابنَ أبيه)، وقيل إنّ أبا سفيان بن حرب أقرّ ببنوّتِهِ، وقال لأحَدِ الطاعنينَ فيه: (ويحَكَ، أنا أبوه). كانَ من أتباعِ الإِمامِ عليّ بنِ أبي طالب رضيَ الله عنه، ثمّ أصبحَ من أتباعِ معاويةَ، عُرِفَ بحصَافةِ الرأيِ، كما عُرِفَ ببطشِهِ وشِدّتِه. توفي بالطاعونِ عام 53 ه.
مُناسبة الخُطبة
في السنةِ الخامسَةِ والأربعين للهجرةِ، اختارَ معاويةُ بنُ أبي سفيانَ زيادَ ابنَ أبيه واليًا على البصرةِ، وأضافَ إليه خُراسان وسَجِستان. وكانتِ البصرةُ معقلاً لأنصارِ الخليفةِ عليَّ ابنِ أبي طالب رضي الله عنه، والخارِجين على الخلافةِ الأمويّةِ. ولهذا، كانت منبَعًا للفِتَنِ والثورات. كما أنّ هذا الانفلاتَ السياسيَّ قد اقترنَ بانحلالٍ أخلاقيّ، مع ضعف الوُلاةِ وكثرةِ تولِّيهِم وعزلِهِم. فكانَ لا بدّ من إصلاحِها وإِخضاعِها بالشدَّةِ والعُنفِ.
فلمّا وصلَ زيادٌ إلى البصرةِ صعِدَ المنبرَ وألقى خُطبتَه الشهيرةَ بِ (البتراء). وسُمّيت بالبتراء لخلوّها من الحَمْدِ والتسبيحِ والصلاةِ على النبيّ. وفيها برّرَ إعلانَه الأحكامَ العُرفيّةَ على البصرةِ وإخضاعَها للسلطةِ الأمويّةِ وتأكيدَ الأمنِ فيها. وقد تركَت تلك الخُطبةٌ أثرًا كبيرًا
*43*
في نُفوسِ الناسِ، حيث جمعت بين الإِنذارِ والوَعظِ والتهديدِ والوعيدِ في أسلوبٍ لغويِّ بليغ.
الخُطبْةُ البتْراءُ زياد ابنُ أبيه
أمَّا بعدُ، فإنَّ الجَهَالَةَ (الجَهَالَة: فِعلُ الشيء بغير عِلم وعقل) الجَهْلاءَ والضلالَةَ (الضلالَة: عكس الهُدى والرشاد) العَمْياءَ والغِيَّ (الغَيّ: الضلال) المُوفِيَ بأَهْلِهِ على النَّار، ما فيه سُفَهَاؤُكُم، وَيَشْتَمِلُ عَلَيْهِ حُلَمَاؤُكُم (حُلَماؤُكُم: عُقلاؤُكُم) من الأُمورِ العِظامِ، يَنْبُتُ فيها الصغيرُ، وَلا يَتَحاشَى عَنْهَا الكَبيرُ. كَأَنَّكُمْ لَمْ تَقْرَأُوا كِتَابَ اللهِ، وَلَمْ تَسْمَعُوا ما أَعَدَّ الله من الثوابِ الكَريمِ لأهلِ طاعَتِهِ، والعَذابِ الأَليمِ لأهلِ مَعْصِيَتِهِ، في الزمَنِ السرْمَدِيِّ (السرْمَدِيِّ: الدائم، الطويل من الليالي) الّذي لا يَزولَ. أتَكونونَ كَمَنْ طَرَفَتْ (طَرَفَ عينَه: أصابَها بشيء فدمَعَت. طرفَ بصرَه: أطبقَ جفنيْه) عَيْنَيْهِ الدُنْيا، وسَدَّتْ مَسَامِعَهُ الشَهَواتُ، واختارَ الفانِيَةَ (الفانِيَة: الحياة الدنيا) عَلى البَاقِيَةِ (البَاقِيَة: الحياة الآخرة)، وَلا تَذكُرُون أنَّكُم أحْدَثْتُم في الإِسلامِ الحَدَثَ الّذي لَمْ تُسْبقُوا إليهِ، من تَركِكُمُ الضعيفَ يُقْهَرُ وَيُؤخَذُ مالُهُ. ما هذه المَواخيرُ (المَواخير: جمع ماخور: وهو بيت الدعارة والفساد) المَنصوبةُ؟ والضَعيفَةُ المَسْلوبةُ (الضَعيفَة المَسْلوبة: كناية عن المرأة التي يُعْتدى عليها) في النهارِ المُبْصِرِ، والعَدَدُ غَيْرُ قَليلٍ؟ أَلَمْ يكُنْ مِنْكُم نُهاةٌ يَمنعُون الغُواةَ (الغُواة: جمع غاوٍ، ضالّ) عن دَلَجِ (دَلَج: السير من أوّل الليل) الليْلِ وَغارَةِ (غارَة: الإغارة على العدوّ، الهجوم)
*44*
النهارِ؟ قَرَّبْتُمُ القَرابَةَ، وَباعَدْتُمُ الدينَ. تَعْتَذِرونَ بغيْرِ العُذْرِ، وَتُغْضُونَ (تُغْضُون: من الفعل أغضى: أطبق جفنيه على حدَقَته، سَكتَ) عَلى المُخْتَلِسِ (المُخْتَلِس: السارق، المُستلِب) كلُّ امرِئٍ مِنكُم يَذُبُّ (يذُبّ: يَدفع، يَمنع) عَن سَفيهِهِ، صَنيعَ مَن لا يَخافُ عاقِبَةً، ولا يَرْجُوا مَعَاداً. ما أنتُم بالحُلَماءَ، ولقَدِ اتَّبعتُمُ السفَهاءَ، فلم يَزَلْ بكُم ما تَروْنَ من قِيامِكُم دُونَهُم حتّى انتَهَكُوا حُرَمَ (حُرَم: جمع حُرمة، وهي ما لا يحلّ انتهاكُه) الإِسْلامِ، ثم أَطْرَقُوا وَراءَكُم كُنُوساً (كُنوس: جمع كانِس، مُستتر. ومنها قولُه تعالى عن النجوم المستترة الجارية في الفضاء الكونيّ: (الْجَوَارِ الْكُنَّسِ)) في مَكانِسِ الريَبِ (الريَب: جمع رِيبة، الشبهة، الشكّ والظنَّة. مكانِس الريَب: مكامِنها المُستترة). حَرامٌ عَلَيَّ الطعامُ والشرابُ، حتّى أُسَوِّيَها بالأرْض هَدْماً وَإحْراقاً. إنِّي رأيْتُ آخِرَ هذا الأمْرِ لا يَصْلُحُ، إلّا بِما صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهُ: لِينٌ في غيرِ ضَعْفٍ وَشِدَّةٌ في غَيْرِ عُنْفٍ، وَإِنِّي أُقْسِمُ باللهِ، لَآخُذَنَّ الوَلِيَّ (الوَليّ: السيّد) بِالَمْولَى (المَوْلى: العَبْد)، والمُقيمَ بالظاعِنِ (الظاعِن: الراحل)، والمُقْبِلَ بالمُدْبِرِ، وَالمُطيعَ بِالعاصِي، والصحيحَ بالسقيم، حتّى يَلْقَى الرجُلُ منكُم أخَاه فيقولُ: (اُنْجُ سَعْدُ فَقَدْ هَلَكَ سُعَيْدٌ)، أو تستَقيمَ قَناتُكُم (القَناة: القامَة، الّتي وقناة الظهر: موضع العمود الفقريّ من الظهر). إنَّ كِذْبَةَ الأميرِ بَلْقاءُ (بَلْقاء: الفرسُ الّتي يرتفعُ بياض قوائمها إلى فخذيْها. والفرَس البلقاء مشهورة لتميّزها عما سواها ببلقِها) مَشْهورَةٌ، فَإِذا تَعَلَّقْتُمْ عليَّ بِكِذْبَةٍ، فقد حَلَّتْ (حَلّتْ: أصبحت حَلالاً) لَكُم مَعْصِيَتِي، فإِذا سَمِعتُمُوها منّي، فاغتَمِزُوهَا (اغتمِزوها فيّ: عُدُّها من عيوبي، اغتمزه: طعن عليه) فِيَّ واعلَمُوا أنَّ عندِيَ أمثالَهَا. مَن نُقِبَ (نُقِب: أُصيب. ونَقَبَتْه النكْبةُ: أَصابته فبَلَغَتْ منه، ك (نَكَبَتْه)) مِنْكُم عَليه، فأنَا ضامِنٌ لِما ذَهَبَ مِنهُ. فَإِيّايَ وَدَلَجَ الليلِ، فإِنِّي لا أُوتَى بِمُدْلِجٍ إلّا سَفَكْتُ دَمَهُ. وَقَدْ أَجَّلْتُكُم في ذلكَ بمقدارِ ما يَأتِي الخَبَرُ الكوفَةَ ويرجِعُ إِليْكُم. وَإِيّايَ وَدَعْوى الجاهِلِيّةِ (دَعْوى الجاهِلِيّة: الدعوة إلى مُناصرة العصبيّة، وهي عادات الجاهليّة)، فإِني لا أجِدُ أحَداً دَعَا بِها إلّا قَطَعْتُ لِسانَهُ. وَقَدْ أحدثْتُم (أحدَثَ: استَحدَثَ، أتى بجديد) أحْدَاثاً لم تكُن، وقد أحْدَثْنا لكلِّ ذَنْبٍ عُقوبَةً: فَمَنْ غَرَّقَ قَوْماً أغْرَقْناه، وَمَن أحْرَقَ قَوْماً أحْرَقْناهُ،
*45*
وَمَن نَقَبَ (نَقَبَ: ثَقَبَ) بَيْتاً نَقَبْنَا عَن قَلْبِهِ، وَمَنْ نَبَشَ قَبْراً دَفَنَّاهُ فيهِ حَيَّاً. فَكُفُّوا عَنّي أَيْدِيَكُم وَأَلْسِنَتَكُم، أَكْفُفْ عَنْكُم يَدِي وَلِسانِي. وَلا تَظْهَرْ من أحَدِكُم رِيبَةٌ بِخِلافِ ما عَلَيْهِ عامَّتُكُم، إِلّا ضربْتُ عُنُقَهُ. وَقَدْ كانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَقْوامٍ إِحَنٌ (إِحَن: جمع إِحْنَة: الحِقد والضّغينة)، فَجَعَلْتُ ذلكَ دَبْرَ (دَبْرَ أذُني: خلفَ أذْني) أُذْنِي وَتَحْتَ قَدَمِي. فَمَن كانَ مِنْكُم مُحْسِناً فَلْيَزْدَدْ إِحْساناً، وَمَن كانَ مِنْكُم مُسيئاً فليَنْزِعْ عَن إِساءَتِه. إِنّي لو عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدَكُم قد قَتَلَهُ السِلُّ من بُغْضِي، لَمْ أَكْشِفْ لَهُ قِناعاً، وَلَمْ أَهْتِكْ له سِتْراً حَتّى يُبْدِيَ لي صَفْحَتَهُ (يبدي صَفْحَتَه: يجاهرُني بالعداوة)، فَإِذا فَعَلَ ذلكَ لم أُناظِرْهُ (ناظَرَه: صار نظيراً له، نِدّاً). فاستَأْنِفُوا (استأنِفوا: باشِروا، أكمِلوا) أُمورَكُم، وَأَعِينُوا عَلى أنفُسِكُم، فرُبَّ مُبْتَئِسٍ بِقُدومِنا سَيُسَرُّ، وَمَسْرورٍ بِقُدومِنا سَيَبْتَئِسُ. أَيُّها الناسُ! إنَّا أصْبَحْنَا لَكُم سَاسةً (ساسّة: (جمع سائس)، رؤساء)، وَعَنْكُم ذادَةً (ذادةً: (جمع ذائد)، وهو الحامي، الدافع): نَسُوسُكُم (نَسُوسُكم: نحكُمُكم) بِسُلطانِ اللهِ الّذي أعْطانا، وَنَذودُ عَنْكُم بِفَيءِ (الفّيء: الرجوع. ومنه قِيل للظلِّ الّذي يكون بعدَ الزوالِ فَيْءٌ لأَنه يَرْجِعُ من جانِب الغَرْب إِلى جانب الشرْق) اللهِ الّذي خَوَّلَنَا. فَلَنا عَلَيْكُم السَمْعُ وَالطاعَةُ فيما أَحْبَبْنا، وَلَكُم عَلَيْنَا العَدْلُ فيما وُلِّينَا. فاسْتَوْجِبُوا عَدْلَنا وَفَيْئَنَا بِمُناصَحَتِكُم لَنا. وَاعلَمُوا أنَي مَهْما قَصّرْتُ عَنْهُ، فَلَنْ أُقَصِّرَ عَن ثَلاثٍ: لَسْتُ مُحْتَجِباً عَن طالِبِ حَاجَةٍ مِنْكُم، وَلَو أَتانِيِ طارِقاً بِلَيْلٍ، وَلا حابِساً عَطاءً وَلا رِزْقاً عَن إِبَّانِهِ (إبَّان: وقت، موعد)، وَلا مُجَمِّراً (جَمَّر الجُندَ: جمَعَهم في أرض العدوّ وحبسهم عن العودة إلى أهاليهم) لَكُم بَعْثاً. فادْعُوا الله بالصلاحِ لِأَئِمَّتِكُم فإِنَّهُم ساسَتُكُم المُؤَدِّبون لَكُم، وَكَهْفُكُمُ الّذي إليه تَأوُونَ، وَمَتى يَصْلُحُوا تَصْلُحُوا. وَلا تُشْرِبُوا قُلوبَكُم بُغضَهُم، فَيَشْتَدَّ لذلك غَيْظُكُم، وَيَطولَ لَهُ حُزْنُكُم، وَلا تُدْرِكوا حاجَتَكُم، مَعَ أَنَّهُ لَوِ استُجِيبَ لَكُم فيهِم لَكان شَرًّا لَكُم. أَسْأَلُ الله أَن يُعين كُلّاً عَلى كُلٍّ. وإذا رَأَيْتُمُونِي أُنْفِذُ فِيكُمُ الأَمْرَ، فأنْفِذُوهُ عَلى أَذْلالِهِ (أَذلالِه: جمع ذَلّ. أي وُجوهه وطُرُقه). وَأيْمُ (أيْمُ اللّه: للقَسَم، أصله: يمينُ اللّه ويُجمع على أيمُن وحُذفت النّون) اللهِ
*46*
إنَّ لِي فيكُم لَصَرْعَى (صَرْعَى: جمع صَريع. مطروح على الأرض لا حِراك فيه) كَثِيرَةً فَلْيَحْذَرْ كُلُّ امرِئٍ مِنْكُمْ أنْ يَكونَ من صَرْعَاي.
مفاتيحُ النصّ:
خصائصُ الخُطبةِ السياسيّةِ في العصر الأمويّ، التوعُّدُ وسياسةُ العُنف، التخطيطُ السياسيُّ والعسكريُّ لزياد ابن أبيه في لَجْمِ أهلِ البصرةِ، مَحاورُ الخطبة، المميّزاتُ الأسلوبيّة.
مَهامّ:
1. ما الغرضُ برأيِك من افتتاحِ زياد ابن أبيه لخطبتِه افتتاحيّةً (بتراء)، لا بسملةَ فيها ولا حَمْدَ؟
2. ما هيَ السياسةُ الّتي سيحكُم بها زياد ابن أبيه أهلَ البصرةِ؟ بيّن ذلك.
3. في الخُطبةِ ما يُعرفُ اليومَ بِ (إعلانِ حالةِ الطوارئِ وفرضِ منعِ التَجوّل). اُذكرْ الجُملَ الّتي تُشيرُ إلى ذلك.
4. يستَحدِثُ زياد ابن أبيه عقوباتٍ جديدةً وصارمةً لم تكُن من قبلُ. ما هي هذه العُقوباتُ؟ وما تعليلُهُ لاستِحداثِها؟
5. يَعِدُ زياد ابن أبيه أهلَ البصرةِ أنّه لن يُقصّرَ معَهُم في ثلاثةِ أمور. اُذكُرْها بلغتك.
6. يُكثِرُ زياد من استخدام القَسَم. اِستخرج ثلاثةَ مواضعَ منهُ، ثمّ اذكُرِ الغرضَ من تكرارِه.
7. اِستخرِجْ ثلاثَ إشاراتٍ دينيّةِ وقرآنيّةِ من النصّ.
8. استخرِجْ من الخُطبة مثالاً على كلٍّ منَ المقابلةِ والطباقِ والسجعِ، مُبيّناً الغرضَ من استخدامِ كلٍّ منها.
*47*
9. استخرِجْ من الخُطبة مثالاً على كلٍّ منَ الاستعارةِ والتشبيهِ والكِنايةِ، مُبيّناً الغرضَ من استخدامِ كلٍّ منها.
10. ما هو المثَلُ الواردُ في الخُطبةِ؟ وما علاقتُه بمضمونِ النصّ؟
11. بيّن ملامحَ شخصيّةِ زياد ابن أبيه من خلالِ الخُطبة.
12. ما هو الجوُّ السائدُ في النصّ؟ استعِن بكلماتٍ وتعابيرَ توضّحُ ذلك.
13. سجِّلْ أهمَّ مميّزاتِ الخُطبةِ السياسيّةِ مُستشهِداً بأمثلةٍ من النصّ.
*48*
*48*
أبو العلاء المعرّيّ: (363-449 هجري)، (973-1057 م)
هو أبو العلاء أحمدُ بنُ عبداللّه التنوخيُّ، المعرّيُّ، نسبةً إلى المعرّةِ بالشامِ، فيلسوفٌ وشاعرٌ وأديبٌ ولُغويٌّ، وُلد سنة 363 هجري واندمجَ في الحياةِ، ثمّ اعتزلَ الناسَ واعتكفَ في منزِلِه للتأمّلِ والتأليفِ حتّى مات. لَقّب نفسَه بِ (رهينُ المحبسيْن)، أي العَمَى والدار.
بدأ يفرضُ الشعرَ في سنٍّ مبكّرةٍ منذُ حوالَي الحاديةَ عشرةَ من عمرِه، ثمّ انتقلَ للدراسَة في حَلَب وأنطاكيّة، وغيرِهما من مدنِ الشامِ، مُزاولاً مهنةَ الشاعرِ والفيلسوفِ والمفكّرِ الحرِّ، عادَ بعدَها إلى مسقطِ رأسِهِ في معرّة النعمان، حيثُ عاشَ بقيّةَ حياتِه، وآثرَ الزُهدَ النباتيّةَ، حتّى تُوفّي عن عمرٍ يناهزُ 86 عاماً، ودُفِن في منزلِه.
صاحبُ مؤلَّفاتٍ كثيرةٍ لكنّها فَنِيَت ولم يُكتَب لها الخلودُ جرّاء تخريبِ الصليبِيّينَ ثمّ التتارِ لِبَلْدتِهِ الْمعَرَّةَ. اتُّهِمَ أبو العلاءِ بالزندقةِ لجرأتِه في تناولِ بعضِ المسائلِ الدينيّة، كما دافعَ مناصروه عنه واستَدَلُّوا بزُهدِ الرجلِ وعُزلتِه وصدقِه مع نفسِه ومع عصرِه، حيث عُرفَ عنه تقشُّفُه وأدبُه وابتعادُه عن أبوابِ الوُلاةِ. من مؤلّفاتهِ: ديوان سَقط الزَّنْد، اللزوميّات، رسالةُ الغفران، الفصولُ والغاياتُ.
رسالة الغفران:
رسالةُ الغفران رسالةٌ أدبيّةٌ لغويّةٌ، أبدَى فيها أبو العلاء المعرّيّ رأيَه في الشعراءِ واللغويّين والرواةِ، وحاورَهم، وناقشَهم فيما كانَ يشغلُهُ ويشغَلُ عصرَه وبيئتَه من قضايا اللغةِ والشعرِ. وقد أملاها وهو في الستّين من عمرِه، ردّاً على رسالةٍ تلقّاها من الشيخِ الأديبِ ابنِ القارحِ عليّ بن منصور الحلبيّ، يستعرضُ فيها قدرتَه اللغويّةَ والأدبيّةَ وتجاربَه ورحلاتِه. وقد تضمّنَت الرسالةُ ملامحَ شخصيّةِ أبي العلاء، كما تضمّنت خلفيّاتِ ثقافتِه ومشاعِرَه وأحكامَه على الأدباءِ وعلماءِ اللغة. تُعنبرُ (رسالةُ الغفران) من أثمنِ روائعِ
*49*
الأدبِ النثريِّ العربيِّ القديم، وتكمُنُ قيمتُها في مزايا عديدةٍ منها: أنّه نَحَا منحِّى لم يُسْبَق إليه في الأدبِ الإِسلاميّ، فتعرّضَ لبعضِ المقدّساتِ الدينيّةِ بأسلوبٍ خياليٍّ سرديّ، كالجنّةِ والنارِ والصحابةِ والأنبياءِ والملائكةِ والذاتِ الإِلهيّة. تنقسمُ (رسالةُ الغفران) إلى مقاطعَ منفصلةٍ نت حيث الأحداثُ والمواقفُ، لكنّها متّصلةٌ من حيث المسارُ العامُّ لجوّ الرسالة، إضافةً إلى غناها اللغويِّ وغزارتِها الأدبيّةِ وتجديدِها الجماليّ. من هذه المقاطع: زهيرُ بنُ أبي سلمى في الجنّة، حوارُهُ مع رضوانَ خازنِ الجنّة، عبورُ الصراطِ، أهلُ النّارِ، المتنبّي ومعجزاتُه، وغيرُ ذلك من المواضيع. ويُقال إنّ الأديبَ الإِيطاليَّ دانتي استقى كتابَه الشهير (الكوميديا الإِلهيّة) من (رسالة الغفران) على إثرِ نهبِ الكتبِ من الشام.
رسالة الغفران: أبو العلاء المعرّيّ
مع زهير بن أبي سُلمى
وينظُرُ الشيخُ في رِياضِ الجنَّةِ فَيَرَى قصريْن مُنيفيْنِ (مُنيف: عالٍ، مُشْرِف)، فيقولُ في نفسِهِ: لأَبْلُغَنَّ هذيْنِ القصْريْنِ فأسألُ لِمَن هُما؟ فإذا قرُبَ إليْهمَا رأَى على أحدِهِما مَكتوباً: (هذا القصْرُ لزُهَيْرِ بنِ أبي سُلمى المُزَنيِّ (زُهيْر بن أبي سُلمى: من أصحاب المعلّقات، وهو أبو كعب وبُجَيرْ)) وعلى الآخَرِ: (هذا القصْرُ لعَبيدِ بنِ الأبْرصِ الأسَديِّ (عَبيدُ بنُ أبي الأبْرص: أحد مشاهير شعراء الجاهليّة، وهو أحد المُجَهرات، المعدودة طبقة ثانية عن المعلّقات، عُمِّر طويلاً حتى قتله المنذر بن ماء السّماء لأنه قدِم إليه في يوم بؤسِهِ!)). فيَعجَبُ من ذلكَ ويقولُ: هذانِ مَاتَا في الجاهليَّةِ، ولكنَّ رَحْمَةَ ربِّنَا وَسِعَتْ كلَّ شيْءٍ، وسوفَ ألتَمِسُ (التَمَسَ الشيء: طَلَبَه) لِقاءَ هذيْنِ الرجُليْنِ فأسأَلُهما بمَ غُفِرَ لهُما. فيبتدئُ بزهيرٍ فيجدُهُ شابّاً كالزهْرةِ
*50*
الجَنِيّةِ (الجَنِيّ: الثمر قُطف لساعتِهِ)، قد وُهِبَ لهُ قصرٌ من وَنِيَّةٍ (الونيّة والوناة: اللؤلؤة، الدرّة)، كأنَّهُ ما لبسَ جِلبابَ هَرَمٍ، ولا تأفَّفَ منَ البَرَمِ (البَرَم: العِيّ، الضجَر). وكأنَّهُ لم يقُلْ في (الميميّةِ) (الميميّة: هي معلّقة زهير، من البحر الطويل تقع في نحو ستّين بيتاً، نظمها الشاعر عندما تمّ الصلح بين عبس وذبيان عقب حرب السباق، وقد مدح فيها المصلحين، وحذّر المتصالحين من إضمار الحقد، ووصف الحرب وبيّن شرّها، وختم كلامه بمجموعة من الحِكم):
سئِمْتُ تَكالِيفَ (تَكالِيف: مَشاقَ) الحَياةِ ومَن يعِشْ ثَمانين حوْلاً (حوْل: سَنَة)، لا أَبا لكَ، يسأَمِ (البيت من معلّقته، وجملة (لا أبا لك) اعتراضيّة، تستعملها العرب عند الإِغراء والحثّ على أخذ الحقّ)
ولم يقُلْ في الأُخرى:
ألَمْ ترَنِي عُمَّرتُ تسعينَ حِجَّةً (حِجَّة: سَنَة، والجمع: حِجَج) وعشْراً تِباعاً عشتُها، وثَمانِيا؟
فيقولُ: جَيْرِ (جَيْر: حرف جواب بمعنى نَعَم) جَيْر! أأنْتَ أبو كَعْبٍ (كعب: بن زهير أبي سلمى، من الصحابة الشعراء، كان رسول صلى اللّه عليه وسلّم، وقد توعّده قبل إسلامه، حين أرسل ينهى أخاه (بُحيراً) عن الإِسلام، ثم جاء الرسولَ ملثَّماً مع أبي بكر، فبايعه وكشف اللّثام، فأمّنه واستنشده، فأنشد قصيدته المشهورةَ (بانت سعاد)، فكساه النبيّ بردتَه، ولذلك سمّيت القصيدة بِ (البُرْدة) وبُجَيْر (بُجير: بن زهير بن أبي سلمى، من الصّحابة الشّعراء، أسلم قبل أخيه كعب، وقد شهد بُجير مع الرسول فتح مكّة)؟ فيقولُ: نعم. فيقولُ: أدامَ الله عِزَّهُ بمَ غُفرَ لكَ وقد كُنتَ في زمانِ الفَتْرَةِ والناسُ هَمَلٌ (هَمَل: جمع هامل، شأنُهُم مُهمَل، مُتسكّعون)، لا يَحْسُنُ منهُمُ العمَلُ؟ فيقولُ: كانت نفسِي من الباطِلِ نَفُوراً، فصَادَفْتُ ملِكاً غَفُوراً، وكُنتُ مؤمِناً باللهِ العَظيم، ورأيتُ فيما يَرَى النائِمُ حَبْلاً نزَلَ منَ السماءِ، فَمَن تَعَلَّقَ بِهِ من سُكَّانِ الأَرْضِ سَلِمَ، فعَلِمْتُ أنَّه أمْرٌ مِن أمْرِ اللهِ، فأَوصَيْتُ بَنِيَّ وقُلتُ لهُم عندَ المَوْتِ: إنْ قامَ قائِمٌ يدعُوكُمْ إلى عِبادَةِ اللهِ فأطيعُوهُ. ولو أدركْتُ محمَّداً لكُنْتُ أوَّلَ المؤمِنينَ. وقُلْتُ في الميميّةِ، والجاهليَّةُ على السَكِنَةِ (السكِنَة: المِسكِن. يُقال: تركتُهم على سكَناتهم: أي على أحوالِهم التي كانوا عليها) والسِفَهُ ضارِبٌ بالجِرانِ (ضاربٌ بالجِران: أي ثابت ومقيم، كقولك: ضاربُ الأطناب):
فَلا تَكتُمَنَّ الله ما في نفوسِكُمْ لِيَخْفَى، ومَهما يُكْتَمِ اللهُ يَعلَمِ
*51*
يُؤَخَّرْ، فيوضَعْ في كتابٍ، فَيُدَّخَرْ (يُدَّخَر: يُوفَّر، يُحفظ) لِيَومِ الحِسابِ، أو يُعجَّلْ فيُنقَمِ
فيقولُ: أَلَسْتَ القائلَ:
وقد أَغْدُو على ثُبَةِ (ثُبَة: جماعة من القومِ، عصبة من الفرسان) كِرامٍ نَشاوَى (نَشاوى: جمع نَشوان. السكران في أوّل سُكره) واجدينَ (واجدين: جمع واجِد: مُحِبّ) لِما نَشاءُ
يجُرّونَ البُرودَ (البُرود: جمع بُردة، الثياب) وقد تَمشَّتْ حُمَيَّا (حُمَيَّا كلّ شيء: شدّته وحِدّته. والحُميَّا: الخمرُ نفسها) الكَأسِ فيهِمُ والغِناءُ
فأُطْلِقَتْ لكَ الخَمْرُ كغيرِكَ من أصْحَابِ الخُلودِ؟ أم حُرَّمَتْ عليْكَ مِثلَما حُرِّمَتْ على (أعشى قيْسٍ) (أعشى قيْس: هو ميمون بن قيس، أحد الأعلام من شعراء الجاهليّة. لُقّب بالأعشى لضعف بصره. عاش عمراً طويلاً وأدرك الإسلام ولم يُسلِم. وهو من شعراء الطبقة الأولى في الجاهليّة، كان كثير الوفود على الملوك من العرب، والفُرس، فكثرت الألفاظ الفارسيّة في شعره. كان يغنّي بشعره فلُقّب بصنّاجة العرب)؟ فيقولُ زهيرٌ: إنَّ أخا بكرٍ (المقصود به الأعشى) أدرَكَ مُحمَّداً فوجبَتْ عليْه الحُجَّةُ (الحُجَّة: البرهان)، لأنّه بُعِثَ بتَحْرِيمِ الخَمْرِ، وحَظْرِ ما قَبُحَ منْ أمرٍ، وهلكْتُ أنا والخمرُ كغيرِها من الأشيَاءِ، يشْرَبُها أتْبَاعُ الأنبياءِ، فلا حُجَّةَ عليَّ.
فيدعُوهُ الشيخُ إلى المنادَمَةِ (المنادَمَة: المُرافقة والشرب معاً)، فيجدُهُ من ظِرافِ الندَماءِ، فيسألُهُ عن أخبارِ القُدَمَاءِ. ومَعَ المِنصَفِ (المِنصَف: الخادم) باطيةٌ (باطية: إناء كبير من زجاج يوضَع فيه الشراب) من الزُمُرُّدِ، فيها منَ الرَّحيقِ المَختُومِ شيْءٌ يُمزَجُ بزَنْجَبيلٍ، والماءُ أُخِذَ من سَلسَبيلٍ. فيقولُ، زادَ الله في أنفاسِهَ أينَ هذه الباطيَةُ مِن الّتي ذكَرَهَا (السَّرَويُّ) في قولِهِ:
ولنا باطِيَةٌ مملوءَةٌ جَوْنَةٌ (جَوْنَة: دلو سوداء. والجَونة: الشمس)، يتبَعُهَا بَرْذِينُهَا (بَرْذِين: إناء يستعمل لشرب الماء)
فإِذا ما حارَدَتْ (حارَدَت: قلّت. حارَدَت الناقة: قلّ لبنُها فهي حَرود) أو بَكَأَتْ (بَكَأَت: قلّت. بكأتِ الناقةُ وبكُؤت: قلّ لبنُها) فُتَّ (فُتَّ: كُسرَ بالأصابعِ قطعاً صغيرةً) عن خاتمِ أُخرَى طينُها!
*52*
مفاتيح النصّ:
الرسالةُ كمرجعٍ أدبيّ تعليميّ، السردُ التخييليّ، القضايا الفكريّةُ والأدبيّةُ في الرسالةِ، الصور البلاغيّة.
مَهامّ:
1. لماذا سُمّيَت رسالة الغفران بهذا الاسم؟
2. ما هي الأسبابُ الّتي ذكرَها زهير بن أبي سلمى لاستحقاقِهِ الجنّةَ؟
3. بيّن المواضعَ الّتي تتجلّى فيها مظاهرُ الخَيال في رسالة الغُفران.
4. تَحفِل رسالةُ الغفران بالألفاظِ والتركيبِ الصعبةِ أو ما يُسمّى ب ِ (غريب اللغة). اِشرحْ ثلاثةً منها واذكُر سببَ استعمالِ المعرّيّ لها.
5. تحتوي الرسالةُ على عدّةٍ عناصرَ قصصيّةٍ. بين ثلاثةً منها ظاهِرة في النصّ واشرحها.
6. يذكّر المعرّيُّ بعضَ مظاهرِ الحياةِ الّتي يتمتّعُ بها أهلُ الجنّةِ. أشِر إلى مظهريْن.
7. أنطقَ أبو العلاء المعرّيّ شخصيّةَ زهير بن أبي سلمى بما يلائِمُها. كيف يظهرُ ذلك؟
8. أين ترى عناصرَ الإِثارةِ والتشويقِ في النصّ؟
9. عدّد الخصائصَ الفنّيّةَ لأسلوبِ الكاتبِ من خلال النصّ.
10. إلى أيِّ نوع أدبيٍّ تميلُ إلى نَسَبِ (رسالة الغفران)، إلى الرسالةِ أمِ القصّةِ أمِ المسرحيّةِ؟ علّل إجابتك.
11. بماذا تتشابهُ قصصُ الخيالِ العلميِّ معَ رِسالةِ الغفرانِ؟
*53*
*53*
تعريفُ المقامات:
المَقاماتُ فنٌّ قصصيٌّ في الأدبِ العربيِّ، أنشأه بديعُ الزمانِ الهمذانيِّ في القرنِ الرابعِ الهجريِّ. والمقامةُ لغةً تعني (المجلس)، ثمّ تطوّرَت دلالتُها لاحقاً فأصبحَت تعني: (الحديث الّذي يُلقى على الناس)، إمّا لِغرضِ النُّصحِ والإِرشادِ، وإمّا لِغرضِ الثقافةِ العامّةِ، أو التسوّلِ. ثمّ اكتسبت أخيراً دلالتَها الاصلاحيّةَ المعروفة. والمقامةُ الفنّيّةُ أو البديعيّةُ، كما أجمعَ النقادُ على تعريفِها، أقربُ ما يكونُ لقصّةٍ قصيرةٍ مسجوعةٍ، يقومُ الإِطارُ الفنّيُّ فيها على شخصيّتين رئيسيّتين مختلفتين هما: شخصيّةُ الراوي وشخصيّةُ البطل. فالراوي، الّذي ينتمي إلى طبقةٍ اجتماعيّةٍ متوسّطةٍ، هو الّذي يمهّدُ غالِباً لظهور البطلِ، يتابُعه حيثُما حلَّ، وهو في كلِّ هذا يُحْسِنُ طريقةَ تقديمِ البطلِ الّذي يكونُ عادةً شخصيّةً ساخرةً، ذكيّةً، فصيحةً وبليغةً، تنتمي إلى طبقةٍ اجتماعيّةٍ متدنّيةٍ، ولديه قدرةٌ عجيبةٌ على التنكّرِ. فتارةً نراه ناسِكاً واعِظاً وأخرى نديمَ كأسٍ، ومرّةً ثالثةً فقيهاً وهكذا. وهو في كلِّ هذه الأحوالِ يعتمدُ على الفصاحةِ والذكاءِ والحيلةِ والخداعِ لنيلِ هدفهِ ممن يُخدعونَ بمظهرِه. وبالرغمِ من أنّ التسوّلَ من أهمّ موضوعاتِ المقامةِ، إلّا أنّها عالَجت موضوعاتٍ أخرى شتّى، كالنقدِ الأدبيِّ والاجتماعيِّ، والتعليمِ اللغويِّ والأسلوبيِّ، والوعظِ والإِرشادِ، والحيلةِ والأدبِ والألغازِ. تعتمدُ المقامةُ في أسلوبِها على قالبِ السجعِ، والإِكثارِ من استخدامِ المحسّناتِ البديعيّةِ واللفظيّةِ بأنواعِها المختلفةِ، وعلى توظيفِ الغريبِ كما هو الحالُ في مقاماتِ الحريريِّ بصفةٍ خاصّةٍ. ظلّت مقاماتُ الهمذانيِّ الاثنتان والخمسون أُنموذَجاً يحتذيه كُتابُ المقاماتِ الّذين
*54*
جاءوا من بعدِه. وأوّلُ هؤلاء وأشهرُهُم الحريريُّ الّذي كتبَ مقاماتِهِ المشهورةَ، واعترفَ بريادةِ الهمذانيّ لهذا الفنّ. ثمّ تبَعه عددٌ كبيرٌ من الكتّابِ القُدامى والمُحْدَثينَ فكَتَبُوا في هذا الفنِّ. من أبرزِهم: الزمخشريُّ وجلالُ الدين السيوطيّ من المشارقة، والسرقسطيّ من الأندلسيّين، وأمّا المُحْدَثونَ فأهمّهم اليازجيّ والمويلحيّ. وقد حاولَ بعضُ الباحثين أن يربطوا بين المقامةِ وبعضِ الأجناسِ الأدبيّةِ مثلِ القصّة القصيرة والرواية والمسرحيّة، إلا أنّ المقامةَ، وإن شَابَهَت هذه الأجناس في بعضِ خصائِصِها، تظلُّ جنساً أدبيّاً قائماً بذاتِه.
*55*
بديع الزمان الهمدانيّ (358-395 ه) (969-1007 م)
أبو الفضلِ أحمدُ بنُ الحُسَينِ بنِ يحيى المعروفُ ببديع الزمان الهمذانيّ، كاتبٌ وأديبٌ من أسرةٍ عربيّةٍ ذاتِ مكانةٍ علميّةٍ مرموقةٍ، استوطنت (همذان) وبها وُلد بديعُ الزمان فنُسب إليها. وقد تمكّنَ بديعُ الزمان بفضلِ أصلِه وموطِنه الفارسيّ من امتلاكِ الثقافتين العربيّةِ والفارسيةِ وتضلُّعِه في آدابهما، فكانَ لغويّاً وأديبًا وشاعراً ورايةَ حديثٍ. واشتدَّت رغبتُه في الاتِّصالِ باللغويّ الذائعِ الصيتِ أبي بكرٍ الخوارزميّ، ولبّى الخوارزميُّ طلبَ بديع الزمان والتَقَيا، فلم يُحسِن الأوّلُ استقبالَ الثاني وحصلت بينهما قطيعةٌ ونَمَت بينهما عداوةٌ فاستغلّ هذا الوضعَ بعضُ الناس، وهيّأوا للأديبيْن مناظرةً، كان الفوزُ فيها لبديع الزمان بفضلِ سرعةِ خاطرهِ وقوّةِ بديهتِه. فزادت هذه الحادثةُ من ذيوعِ صيتِ بديع الزمان عند الملوكِ والرؤساءِ، وفَتحت له مجالَ الاتّصالِ بالعديدِ من أعيانِ المدينة، والتفّ حولَه الكثيرُ من طلّابِ العلمِ، فأملى عليهم بأكثر من أربعمائة مقامة (لم يبق منها سوى اثنتان وخمسون).
توفيّ بمدينة هرات ولم يكن قد بلغَ الأربعين من عمره. له مجموعةُ رسائلَ وديوانُ شِعر، غير أنّ أبرزّ ما خلّفه مقاماتُهُ الّتي نالت شهرةً واسعةً. وقد نسب الهمذانيّ رواية مقاماته إلى عيسى بن هشام، فهة الّذي يروي أخبارَها، أمّا بطل هذه المقامات فهو أبو الفتح الإِسكندريّ.
*56*
بديع الزمان الهمذانيّ
المقَامَةُ الحِرْزِيَّة (الحِرْز: هو ما تُحفظ به الأشياء من صندوق ونحوه. ثمّ استُعمل في كل ما يَمنع من ضياع وتلف. ثمّ خُصّص في اصطلاح المعوّذين بما يُكتب ويُحمل فَيَقِي حاملَه من الخطر أو يبلغه إلى وطر، أو يحفظ عليه صحّة أو يقيه من المرض، وقد نهى الإسلام عنه)
حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: لَمَّا بَلَغَتْ بِيَ الْغُرْبَةُ بَابَ الأَبْوَابِ (بَاب الأَبْوابِ: ثغر من ثغور بحر الخزر في الشمال الغربي من بلاد فارس. سُمّي (باب الأبواب) للأبواب الحديديّة التي كانت في أسواره). وَرَضِيتُ مِنَ الْغَنِيمَةِ (الغَنيمَة: المَكسَب) بِالْإِيَابِ (الإِياب: العودة، مثَل يُضرب لمن سعى إلى شيء فخاب ورضي من الغُنْم بالسلامة). وَدُونَهُ مِنَ َالْبَحْرِ وَثَّابٌ بِغَاربِهِ (الغارِب: أعلى الموج). وَمِنَ السُّفُنِ عَسَّافٌ (العسّاف: الّذي يبالغ في الاعتساف، أي على غير الطريق المطلوب) بِرَاكِبِهِ. اسْتَخَرْتُ (الاستخارة: الدعاء. استخرت اللّه: سألت اللّه أن يوفّقني خيرَ الأشياء التي أقصدها) اللهَ فِي القُفُولِ (القُفول: الرُجوع). وَقَعَدْتُ مِنَ الفُلْكِ. بِمَثَابَةِ (المَثابة: الموضع الذي يُثاب إليه، أي يُؤوى إليه) الْهُلْكِ (الهُلْك: الهلاك. أي جلستُ في مكان لا ينجو الجالس فيه). وَلَمَّا مَلَكَنَا الْبَحْرُ (مَلَكَنَا الْبَحْرُ: أي صرنا لا نستطيع الافتكاك من قبضته). وَجُنَّ (جُنّ الليل: أظلمَ) عَلَيْنَا الَّلْيلُ. غَشِيَتْنَا (غشَيتْنا: غطّتنا، أحاطت بنا) سَحابَةٌ تَمُدُّ مِنَ الأَمْطَارِ حِبَالاً. وَتَحْوذُ (تحوذُ: (من الفعل حاذَ)، تسوقُ سوْقاً) مِنَ الْغَيْمِ جِبَالاً. بِرِيحٍ تُرْسِلُ الأَمْواجَ أَزْوَاجاً. وَالْأَمْطَارَ أَفْوَاجاً (الأفواج: الجماعات). وَبَقِينَا فِي يَدِ الْحِيْنِ (الحَيْن: الموت). بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ (البحران: بحر الأرض وبحر السّماء). لاَ نَمْلِكُ عُدَّةً (العُدّة: ما يُستعان به على قهر العدوّ والنجاة من يده) غَيْرَ الدُّعاءِ. وَلاَ حِيلَةً (حيلة: قوّة) إِلاَّ الْبُكَاءَ. وَلَا عِصْمَةً (عصمة: وقاية) غَيْرَ الرَّجَاءِ. وَطَوَيْنَاهَا لَيْلةً نَابِغيَّةً (ليلة نابغيَّة: نسبة إلى النابغة، وهو الّذي أكثرَ من وصف الليل بالطول والقسوة)
*57*
وَأَصْبَحْنَا نَتَباكَى وَنَتَشاكَى وَفِينَا رَجُلٌ لا يَخْضَلُّ (لا يَخضلّ: لا يبتلّ) جَفْنُهُ. وَلَا تَبْتَلُّ عَيْنُهُ. رَخِيُّ الصَّدْرِ (رخيُّ الصدر: واسعُه. كناية عن عدم التألّم واطمئنان الخاطر وارتياح الضمير) مُنْشَرِحُهُ. نَشيطُ الْقَلْبِ فَرِحُهُ. فَعَجِبْنَا واللهِ كُلَّ الْعَجَبِ. وَقُلْنَا لَهُ: مَا الَّذِي أَمَّنَكَ (أمّنك منه: جعلك تأمن وقوعَه ولا تخشى نزولَه) مِنَ الْعَطَبِ (العطَب: التلف والهلاك)؟ فَقَالَ: حِرْزٌ لا يَغْرَقُ صَاحِبُهُ. وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَمْنَحَ كُلاًّ مِنْكُمْ حِرْزاً لَفَعْلتُ. فَكُلُّ رَغِبَ إِلَيْهِ (رغِبَ إليه: طلب منه). وَأَلَحَّ فِي الْمَسْأَلَةِ (ألحّ في المسألة: أكثر من سؤاله، كرّر من طلبه) عَليْهِ. فَقَالَ: لَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ حَتَّى يُعْطِيَنِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ دِينَاراً الآنَ وَيَعِدَنِي دِينَاراً إِذا سَلِمَ. قاَلَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَنَقَدْنَاهُ (نقدناه: أعطيناه نقداً) مَا طَلَبَ. وَوَعَدْنَاهُ مَا خَطَبَ (وعدناه ما خطبَ: أي أعطيناه وعداً أكيداً). وَآبَتْ (آبت: رجعَت) يَدُهُ إِلَى جَيْبِهِ فَأَخْرَجَ قِطْعَةَ دِيْبَاجٍ (الديباج: الحرير) فِيْهَا حُقَّةُ (الحُقّة: وعاء صغير) عَاجٍ (العاج: سنّ الفيل). قَدْ ضُمِّنَ صَدْرُها رِقَاعاً (الرقاع: جمع رقعة، وهي الأوراق المكتوبة أحرازاً). وَحَذَفَ (حذف: رمى) كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا. فَلمَّا سَلَمتِ السَّفِينَةِ. وَأَحَلَّتْنَا المَدِينَةَ (أحلّتنا المدينةَ: أي جعلتنا ننزُلها ونسكُنها) اقْتَضَى (اقتضاهم: طلب منهم) النَّاسَ ما وَعَدُوهُ. فَنَقَدُوهُ وَانْتَهَى الْأَمْرُ إِلَيَّ فَقَالَ: دَعُوهُ. فَقُلْتُ: لَكَ ذَلِكَ. بَعْدَ أَنْ تُعْلِمَنِي سِرَّ حَالِكَ. قَالَ: أَنَا مِنْ بِلادِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ. فَقُلْتُ: كَيْفَ نَصَرَكَ الصَّبْرُ وَخَذَلَنَا. فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
وَيْكَ لَوْلاَ الصَّبْرُ مَا كُنْتُ مَلأَتُ الْكِيسَ تِبْرَا
لَنْ يَنالَ الْمَجْدَ منْ ضَاقَ بِما يَغْشاهُ (ما يغشاه: ما ينزل به من الحوادث) صَـدْرَا
ثُمَّ مَا أَعْقَبَنِـي (أعقبني: أورثني) الـسَّـاعَةَ مَا أُعْطِيتُ ضَرَّا
*58*
بَلْ بِـهِ أَشْـتَـدُّ أَزْراً (الأزر: الظهر. واشتداد الأزر كناية عن قوّته) وَبِهِ أُجْبُـرُ كَـسْـرَا (جبر الكّسْر: إصلاحُ الكَسر، تقويُمه)
وَلَوَ انّي الْيَوْمَ فِي الْغَرْقَى لَمَا كُلِّفْتُ عُـذْرا
مفاتيح النصّ:
الصنعةُ اللغويّةُ في العصر العبّاسيّ، عناصر المقاوِمة، الصورُ الفنّيّةُ، البيئةُ المكانيّةُ والاجتماعيّةُ في النصّ، البعدُ النقديُّ في المقامة.
مَهامّ:
1. ما هي أهمُّ عناصرِ الحكايةِ في المقامة؟
2. لِمَ قرّرَ عيسى بن هشام العودةَ من الغُربةِ إلى ديارهِ؟
3. يظهرُ من خلالِ النصّ أنّ عيسى بن هشام كان يريدُ العودةَ إلى ديارهِ ولكنّه كانَ متردِّداً. لماذا؟
4. مت نوعُ السلوكِ الّذي تُشيرُ إليه العبارةُ: (واستَخَرْتُ اللّهِ في القُفولِ)؟
5. ما الّذي استغلّهُ أبو الفتح الإِسكندريُّ في ركّاب السّفينةِ حتّى احتالَ عليهم؟
6. تظهرُ في النصّ بعضُ سلوكيّاتٍ إيجابيّةٍ للشخصيّاتِ وأخرى سلبيّة. بيّنها مع الأمثلة.
7. ما هي فوائدُ الصبرِ حسبما يظهرُ في الأبياتِ الشعريّة؟
8. يكثُرُ استخدامُ الأفعالِ في المقامةِ الحِرزيّة. ما الأثرُ الفنّيُّ في استخدامِ الأفعالِ بهذه الصورة؟
*59*
9. اِختَرْ ثلاثَ جملٍ من النصّ تتضمّنُ كُلُّ منها صورةً فنّيّةً.
10. بيّن أهمَّ الخَصائصِ الفنّيّةِ للمقامةِ الحِرزيّة.
11. جاء البعدُ النقديُّ للمجتمعِ العبّاسيِّ في المقامةِ بأسلوبٍ فكاهيٍّ وطريفٍ. ما الغرضُ من هذا الأسلوبِ برأيِكَ؟
12. يذهب الناقدُ عبد الفتّاح كيليطو إلى أنّ (المقامة هي الإِطارُ الّذي يستوعبُ أنواعاً عديدةً، لا الأغراضَ الشعريّةَ التقليديّةَ فحسب، بل أيضاً اللُغزَ والمأدُبةَ، والمناظرةَ والموازنةَ إلخ، المقامةُ إطارٌ للشعر وللنثر في الآن ذاتهِ). اُكتبْ رأيَك في هذا الرأيِّ الأدبيِّ في فِقرة مُوجزة.
*60*
*60*
الحريريّ (446-516 ه) (1054-1112 م)
محمّد القاسمُ بنُ عليّ بن عثمانَ الحريريُّ، أديبٌ عربيٌّ كبيرٌ من أدباءِ البصرةِ، وصاحبُ (مقامات الحريريّ). كان مُفرِطاً في الذكاءِ، وآيةً في الحفظِ وسرعةِ البديهةِ. وكان له بالبصرةِ منزلٌ يقصدُه العلماءُ والأدباءُ وطالبو العِلم، يقرأون عليه ويُفيدون من علمِهِ. وقد نسبَ الحريريُّ روايةَ مقاماتِه إلى الحارثِ بن هَمَام، فهو الّذي يروي أخبارَها، أما بطلُ هذه المقامات فهو أبو زيد السروجيّ، وهو متسوّلٌ يعتمدُ على حُسنِ الكلامِ وسِحر البيانِ في جَذبِ اهتمامِ الناسِ، واستلابِ عواطفِهم، واستمالةِ عقولهِم ليمنحوه صدقاتِهم.
تجمَعُ المقاماتُ الّتي أنشأَها الحريريُّ بين متعةِ القّصِّ والحَكيِ وتحقيقِ الغايةِ البيانيّةِ البلاغيّةِ، غيرَ أنّ الصنعةَ البيانيّةَ قد غلَبَت على القصِّ والحكايةِ، وزادَ من افتتانِ الناسِ بها البراعةُ الفائقةُ والقدرةُ الفذّةُ الّتي كتبَ بها الحريريُّ هذا العملَ.
ظلَّ الحريريُّ في البصرةِ موضعَ تقديرِ أهلِ العِلمِ، وجاءَ وضعُه للمقاماتِ فارتفعَت منزلتُهُ وازدادَت مكانتُه حتّى وفاتِه. وللحريريّ، إضافةً إلى المقاماتِ، رسائلُ أدبيّةٌ وديوانُ شِعْرٍ.
*61*
المَقَامَةُ البَغْدَادِيَّة: الحَرِيرِيّ
رَوى الحارثُ بنُ همّامٍ قالَ: ندَوْتُ (ندَوْت: خرجتُ) بضَواحِي (ضَواحي الزوراء: نَواحيها) الزّوْراء (الزوْراء: اسمٌ آخر لبغداد، سُمّيت (زوراء) لازوِرَار قبلتها أي لانحرافَها). معَ مَشْيَخَةٍ منَ الشّعراءِ. لا يعْلَقُ لهُمْ مُبارٍ (مُبارٍ: مُعارِض) بغُبارٍ ولا يجْري معهُمْ مُمارٍ (مُمارٍ: مُجادِل) في مِضْمارٍ (مضمار: الموضوع الّذي تُجهّز فيه الخيل للسّباق). فأفَضْنا (أَفَضنا: اندَفَعنا) في حَديثٍ يفضَحُ الأزهارَ (حديث يفضحُ الأَزهارَ: حديث يفوقُ الأزهار في حُسنه وتفنّنه). إلى أنْ نصَفْنا النّهارَ (نَصَفْنا: بلَغْنا نصفَه). فلمّا غاضَ (غاضَ: جفَّ) دَرُّ (دَرُّ الأفكار: كلامُها) الأفْكارِ. وصبَتِ (صَبَت: مالت) النّفوسُ الى الأوْكارِ (الأوكار: البيوت). لَمَحْنا (لمْحنا: أبصرنا) عجُوزاً تُقبِلُ منَ البُعْدِ. وتُحضِرُ (تُحضِر: تعدو تجري) إحْضارَ الجُرْدِ (الجُرْد: الخيل القصيرة الشعر). وقدِ استَتْلَتْ (استَتْلتْهم: جعلتهم تِلوَها، يتبعونها) صِبيَةً أنحَفَ (أنحَف: أقلّ لحمًا) منَ المَغازِلِ (مَغازِل: جمع مِغزَل). وأضعَفَ منَ الجَوازِلِ (الجَوازِلِ: جمع جَوْزَل. فراخ الحمام). فما كذّبَتْ إذ رأتْنا. أن عرَتْنا (عرَتْنا: قصَدَتنا). حتّى إذا ما حضَرَتْنا. قالَت: حَيّا اللهُ المَعارِفَ (المَعارف: الوجوه). وإنْ لم يكُنّ معارِفَ (أي: وإن كنتُ لا أعرفهم). اعلَموا يا مآلَ (مآل: مرجع) الآمِلِ (الآمل: الراجي). وثِمالَ (ثِمال: ملجأ) الأرامِل. أنّي
*62*
منْ سرَواتِ (سرَوات: سادات جمع سَراة ومنها السريّ، وهو السيّد الكبير ذو المروءة) القَبائِلِ. وسَريّاتِ (سريّات: جمع سَريَّة، وهي السيّدة الرفيعة القدر) العقائِلِ (العقائل: كرائمُ النساء (تريد أنّ أباها وأمّها من السّادات). لمْ يزَلْ أهلِي وبعْلِي (بعْل: زوج) يحُلّونَ الصدْرَ (الصدْرَ: مقدَّم المجلس). ويَسيرونَ القلْبَ (القلْب: قلب الجيش، والجيش خمسة أقسام: مقدّمة، ساقَة، مَيمَنَة قلب، والقلب محلّ الملوك. أرادت أنّها تقرّبُ الملوك). ويُمْطونَ (يُمْطون: أمطاه: أعطاه دابّةَ يركب مطاها، أي ظهرَها) الظهْرَ (الظهْرَ: الإبل، الدابّة). ويُولُونَ اليَدَ (يولون اليَدَ: يهَبون النعمة). فلمّا أرْدَى (أرْدَى: أهلك) الدَّهرُ الأعْضادَ (الأعْضاد: جمع عَضُد، وهو من المِرفَق إلى الكَتِف). وفَجَعَ (فجعَ: أحزن) بالجَوارِحِ (الجوارِحِ: أعضاء الجسد. تريد أن الدهر إذا أهلك أهلها فكأنّه قطع جوارحها، فتعطّلت منفعتها). الأكْبادَ. وانقلَبَ ظهْراً لبَطْنٍ (انقلَبَ ظهْراً لبَطْن: تحوّل، انقلب بعد أن كان مستقيماً. كناية عن اختلاف الحال). نَبا (نَبا: ارتفع ولم يستقرّ) النّاظِرُ (الناظِر: من ينظر عليها). وجَفَا الحاجِبُ (الحاجِبُ: من يحجبها ويسترها). وذهبَتِ العَيْنُ (العين: الذهب). وفُقِدَتِ الراحَةُ (الراحة: الدِعَة والسكون، الارتياح). وصلَدَ الزَّنْدُ (صلَدَ الزَنْدُ: لم يشعلْ ناراً، أرادت انقطاع الخير عنها). ووَهَنتِ (وَهَنت: ضعُفت، استرخت) اليَمِينُ. وضاعَ اليَسارُ. وبانَتِ (بانَت: ذهبت، بعُدت) المَرافِقُ (المرافِق: كلّ ما يرتفق به الإنسان من مالٍ وغيره). ولم يبْقَ لنا ثَنِيَّةٌ (ثَنيّة: ناقة صغيرة العُمر) ولا نابٌ. فمُذُ اغْبرَّ (اغْبرّ: عَلَته غُبرَة) العَيْشُ الأخضَرُ (الأخضَر: النّاعم). وازْوَرَّ (ازْوَرّ: مالَ وانقبضَ) المحْبوبُ الأصفَرُ (الأصفَرُ: الدينار)
*63*
اسوَدّ يوْمِي الأبيضُ. وابيَضّ فَوْدِي (الفَوْد: ناحية الرأس بين الأذن والجبهة) الأسوَدُ. حتى رثَى (رثَى: بكى وأشفق) ليَ العدُوُّ الأزرَقُ (العدوّ الأزرَقُ: أرادَ الروم، وهم أعداء العرب). فحبَّذَا الموْتُ الأحمَرُ (الموتُ الأحمَر: الشديد)! وتِلْوِي (تِلْوِي: يتبعُني) مَنْ ترَوْنَ عينُهُ (عينُهُ: شخصه) فُرارُهُ (فُرارُهُ: معرفته. (من ترون عينه فرارُه، مثل يُضرب لمن يدلّ ظاهرُه على باطنِهِ). وترْجُمانُهُ (ترْجُمانُهُ: المتكلّم عنه، يريد أنّ صفرة لونه تدلُّك أنّه جائع) اصْفِرارُهُ. قُصْوَى (قُصْوى: غاية) بُغيَةِ (بُغيَة: طلب) أحدِهِمْ ثُرْدَةٌ (ثُرْدَة: الثريد، طَعَامٌ مِنْ رَغِيفٍ يُفَتَّتُ وَيُبَلَّلُ بِالْمَرَقِ). وقُصارَى أمْنِيّتِه (قُصارَى أمْنِيّتِهِ: منتهى غايته) بُردَةٌ (بُردَة: ثوب). وكنتُ آلَيتُ (آليتُ: حلفْتُ) أنْ لا أبذُلَ الحَرِّ (الحَرّ: ماء الوجه، أبذل الحَرّ أي أُهين نفسي) إلا للحُرِّ (الحُرّ: الكثير المروءة). ولوْ أنِّي مُتُّ منَ الضُرِّ. وقدْ ناجَتْني (ناجَتْني: حدّثتني) القَرونَةُ (القَرونَةُ: النّفس). بأنْ توجَدَ عندَكُمُ المَعونَةُ (المَعونَة: ما يُستعانُ به). وآذنَتْني (آذنَتْني: أعلمتني) فِراسَةُ الحوْبَاءِ (فِراسَةُ الحوْباء: حدْس النفْس). بأنّكُمْ ينابيعُ الحِباءِ (الحِباء: العَطاء). فَنَضّرَ (نَضَّرَ: جعله ناضِراً، أنضَرَه) اللهُ امرأً أبَرَّ (أبَرّ: راعى، أكرم) قَسَمِي. وصَدّقَ توسُّمِي (توسُّمي: نظري، ظنّي). ونظَرَ إليَّ بعَينٍ يُقذِيها (يُقذِيها: يجعل فيها القذى) الجُمودُ (الجُمود: الشحّ، البُخل). ويُقَذِّيها (يُقذّيها: يزيل قذاه) الجُودُ. قالَ الحارثُ بنُ هَمّامٍ: فَهِمْنا (هِمْنا: تحيّرنا) لبَراعَةِ عِبارَتِها (بَراعَة عِبارَتها: فصاحة كلامها).
*64*
ومُلَحِ (مُلَح: جمع مُلْحَة وهي الحديث اللذيذ. مُلَحِ استِعارَتِها: يريد ما استعارته من تسمية الأشخاص بأسماء الأعضاء) استِعارَتِها. وقُلْنا لهَا: قد فتَنَ كلامُكِ. فكيفَ إلحامُكِ (إلحامُك نظمك للشعر)؟ فقالَتْ: أُفَجِّرُ الصّخْرَ (أفجّرُ الصّخْرَ: أي اُخرِج من الحجر الماءَ، ومن البخيلِ العطاء). ولا فخْرَ! فقُلْنا: إنْ جَعَلْتِنا منْ رُواتِكِ. لم نبْخَلْ بمؤاساتِكِ (مواساتِك: المؤاساة: العزاء والتسلية). فقالَت: لأُرِيَنّكُمْ أوّلاً شِعاري (شِعار: اللِباس الداخليّ للإنسان. سمّي شعاراً لأنّه يلي شَعر الجسد). ثمَّ لأرَوّيَنّكُمْ أشْعارِي، فأبرَزَتْ رُدْنَ (رُدْن: كُمّ) دِرْعٍ (دِرْعٍ: قميص) دَريسٍ (دَريس: بالٍ). وبرَزَتْ (برَزَتْ: ظهرت) بِرْزةَ عجوزٍ درْدَبيسٍ (درْدبيسٍ: داهية). وأنْشأَتْ تقولُ:
أشْكُو الى اللهِ اشتِكَاءَ المَريضْ رَيْبَ (ريْب: جَوْر) الزّمَانِ المُتعَدّي (المتعدّي: المتجاوز الحدّ) البَغيضْ
يا قوْمُ إنّي مِنْ أُناسٍ غَنُوا (غَنُوا: أقاموا، عاشوا) دَهراً وجَفْنُ الدَّهْرِ عنهُمْ غَضِيضْ (غَضيض: مُنكسر)
فَخارُهُمْ ليسَ لهُ دافِعٌ وصيتُهُمْ (صيتُهُم: ذِكرُهٌم الحسَن) بينَ الوَرَى (الوَرى: الناس) مُستَفيضْ (مُستَفيض: مُنتشر، ذائِع)
كانُوا إذا ما نُجْعَةٌ (نُجعة: مرعىً خصب) أعْوَزَتْ (أعوزَتْ: فقدت) في السنَةِ الشهْباءِ (الشهباء: الّتي أجدَبت فلا مطر فيها ولا عُشب) رَوْضاً أرِيضْ (أريض: حَسَن النّبات)
تُشَبُّ (تُشَبّ: توقِد) للسارِينَ (للسارين: للماشين ليلاً) نيرانُهُمْ ويُطعِمُون الضيفَ لحْماً غَريضْ (غَريض: طريّ)
*65*
ما باتَ جارٌ لهُمُ ساغِباً (ساغِب: جائع) ولا لرَوْعٍ (الروع: الفَزَع) قالَ حالَ الجَرِيضْ (الجَريض: الغَصّ بالرّيق عند الموت. (حال الجريض) استدعاء للمثل المشهور (حال الجريض دون القريض). وأصل هذا المثل: (أنّ المنذر بن ماء السماء وقيل النعمان كان له يومان يوم بؤس ويوم نعمى، فمن لقيه في يوم بؤسه قتله ومن يوم نعماه أغناه. فليقه في يوم بؤسه الشاعر عبيد بن الأبرص، وكان من خاصّته، فقال له المنذر وددت لو لقينا غير اليوم فتمنّ ما شئت غير نفسك. فقال الشاعر لا أعزّ عليّ من نفسي. فقال المنذر لا سبيل إلى ذلك، فأنشدني في شعرك. فقال عبيد: حال الجريض دون القريض. والجريض هو الغصّة)
فغيّضَتْ (غيّضَت: أذهَبَت) منهُمْ صُروفُ (صُروفُ الردى: مصائب الدهر تصرِفكُ من حالٍ إلى حال) الرَّدَى بِحَارَ جُودٍ لمْ نخَلْهَا (لمْ نخَلْها (من الفعل: خال): لم نحسَبها) تَغِيضْ
وأُودِعَتْ (أُودِعَت: ضمنَت) منهُمْ بُطونُ الثّرَى (الثرى: التراب) أُسْدَ التّحامِي (التحامي: الحِماية والمَنِعة) وأُساةَ (أُساة: أطبّاء) المَرِيضْ
فمَحْمَلِي (محْمَلي: ما أحمل عليه أثقالي) بعْدَ المَطايَا (المطايا: الإِبل) المَطَا (المطا: الظَّهْر) وموطِني بعْدَ اليَفاعِ (اليفاعِ: العالي من الأرض) الحَضِيضْ (الحضيض: أسفل الجبل)
وأَفرُخِي ما تأتَلِي (ما تأتَلي: ما تقصّر) تشتَكي بُؤساً (بؤس: ضُرّ) لهُ في كلِّ يومٍ وَمِيضْ (وميض: لمعان)
إذا دَعَا القانِتُ (القانِت: العابد) في ليلِهِ مَوْلاهُ نادَوْهُ بدِمْعٍ يَفيضْ
يا رازِقَ النعّابِ (النعّابِ: فرخ الغراب) في عُشِّهِ وجابِرَ العظْمِ الكَسِيرِ المَهِيضْ (المَهيض: الّذي انكسر بعد الجَبْر، الواهِن الضعيف)
أتِحْ (أتْحِ: قدِّرْ) لَنا اللّهُمّ مَنْ عِرضُهُ منْ دنَسِ الذَّمِّ نقيٌّ رَحِيضْ (رحيض: مغسول)
*66*
يُطفِئُ نارَ الجُوعِ عنّا ولوْ بمَذْقَةٍ (مَذْقَة: جُرعة) منْ حازِرٍ (حازِر: لبن حامض شديد الحُموضة) أو مَخِيضْ (مَخيض: لَبَن منزوع الزبَد. المَخْض: التحريك ليخرج زبدُه، وإذا مكثَ المخيض واشتدّت حموضتُه سمّي حازِراً)
فهلْ فتًى يكشِفُ ما نابَهُمْ (نابَهُم: أصابهم، نَزَلَ بهم) ويغنَمُ الشُّكْرَ الطويلَ العَريضْ (العَريض: الواسع العَرْض)
فَوَالّذِي تعْنو (تعْنو: تذِلّ) النواصِي (النواصي: جمع ناصِية: مُقدَّم الرأس) لهُ يومَ وُجُوهُ الجَمْعِ سودٌ وبِيضْ
لولاهُمُ لمْ تَبْدُ لي صفْحَةٌ (صفحَةٌ: ناحية العُنق) ولا تَصَدَّيْتُ (تصدّيْتُ: تعرّضتُ) لنَظْمِ القَريضْ (القَريض: الشِعْر)
قالَ الرّاوِي: فوَاللهِ لقدْ صدَّعَتْ (صدّعت: شَقَّت) بأبياتِها أعْشَارَ (أعْشار: قِطع) القُلوبِ. واستخْرَجَتْ خَبايا (خَبايا: ما خُبِّئ فيها من الدراهم) الجُيوبِ. حتّى ماحَها (ماحَها: أعطاها) مَنْ دينُهُ الامْتِياحُ (الامْتِياح: طلب المعروف). وارْتاحَ لرِفدِها مَنْ لمْ نخَلْهُ يرْتاحُ. فلَمّا افْعَوْعَمَ (افْعَوْعَمَ: امتلأ) جَيْبُها تِبْراً (التِبْرُ: الذَهَبُ). وأوْلاهَا (أوْلاها: أعطاها) كلٌّ مِنّا بِرّاً (البِرّ: الإكرام). تَوَلَّتْ يتْلُوها الأَصاغِرُ (الأصاغر: الصغار). وفُوها بالشُّكْرِ فاغِرٌ (فاغرٌ: منفتح). فاشْرَأَبَّتِ (اشْرَأبّ: مدّ عنقه لينظُر، تطلّع) الجَماعَةُ بعْدَ مَمَرِّها. إلى سَبْرِها (سَبْرها: اختبارها) لتَبْلوَ (تَبْلو: تختَبِر) مواقِعَ بِرِّها. فَكَفَلْتُ (كفَلْتُ: ضمِنتُ) لهُمْ
*67*
باستِنْباطِ (استِنْباط: استخراج) السرِّ المرْمُوزِ (المَرموز: المَخفيّ). ونهضْتُ (نهضْتُ: تقدّمتُ للمشي) أقْفُو (أقْفو: أتبع) أثرَ العَجوزِ. حتّى انتهَتْ الى سوقٍ مُغتَصّةٍ (مُغتَصّة: ممتلئة) بالأَنَامِ. مُختَصَّةٍ بالزحَامِ. فانغَمَسَتْ (انغَمَسَت: غابت ودخلت) في الغُمارِ (الغُمارِ: كثرةُ الخَلق، جماعات النّاس). وأَمْلَسَتْ (امّلَسَتْ: انفلتت بسهولة) منَ الصبْيَةِ الأغْمَارِ (الأغْمار: الجُهّال). ثمّ عاجَتْ (عاجَت: مالت) بخُلُوِّ بالٍ (بخُلُوّ بال: أي خالية منفردة). إلى مَسجِدٍ خالٍ. فأماطَتِ الجِلْبابَ (أماطَت: أزالت). وَنَضَتِ (نضَت: نحَّت، جرّدت) النقَابَ (النقاب: ما يُغطّى به الوجه). وأنَا ألْمَحُها منْ خِصاصِ (خِصاص الباب: فُرَج، شقوق الباب) البابِ. وأرقُبُ ما ستُبْدِي منَ العُجَابِ. فلَمّا انسرَتْ (انسرَت: زالت) أُهبَةُ الخَفَرِ (الخفَرِ: الحياء). رأيْتُ مُحَيّا (مُحَيّا: وجه) أبي زيدٍ قد سفَرَ.
فَهَمَمْتُ أنْ أهْجُمَ عليْهِ. لأعنّفَهُ (أعنّفهُ: أقبّح فعله) على ما أَجْرَى إليْهِ. فاسْلَنْقَى (اسْلَنْقَى: صار على ظهره) اسلِنْقاءَ المتمَرِّدينَ. ثمّ رفَعَ عَقيرةَ (عَقيرة: صوت) المغرّدينَ (المغرّدين: أي المطربين بالغناء). واندفَعَ يُنشِدُ:
يا لَيتَ شِعرِي أدَهْرِي أحاطَ عِلْماً بقَدْري
وهلْ دَرَى كُنْهَ (كُنْه: حقيقة) غَوْري (غَوري: آخر أمري) في الخَدْعِ أم ليسَ يدْرِي
*68*
كمْ قدْ قمَرْتُ (قمَرْتُ: غَلبتُ، خَدعْتُ) بَنيهِ بحيلَتي وبمَكْري (مَكْري: خداعي)
وكمْ بَرزَتُ بعُرْفٍ عليهِمِ وبِنُكْرِ
أصْطادُ قوْماً بوَعْظٍ وآخرينَ بشِعْرِ
وأستفِزُّ (أستفِزُّ: أستخفّ وأخدعُ) بخَلٍّ عقْلاً وعَقْلاً بخَمْرِ (الخَلّ والخمر: الخير والشرّ. فلان ما عنده خلٌّ ولا خمرٌ أي ما عنده خير ولا شرّ)
وتارَةً أنَا صَخْرٌ (صخْر: ابن الشّريد، وأخته الخنساء. أراد أنّه مرّة رجل ومرّة أخرى امرأة) وتارَةً أُختُ صَخْرِ
ولوْ سلَكْتُ سَبيلاً (سلَكْتُ سَبيلاً: دخلتُ طريقاً) مألوفَةً طُولَ عُمرِي
لَخابَ قِدْحِي (القدِحْ: السهم، أحد سِهام الميسر) وقَدْحِي (القَدْح: الضّرب بعود الزَّند لإخراج النّار) ودامَ عُسْري (عُسْري: فَقري) وخُسْري
فقُلْ لمَنْ لامَ، هذا عُذْرِي فدونَكَ (دونَكَ: خُذ) عُذرِي
قال الحارثُ بنُ هَمّامٍ: فلمّا ظهَرْتُ على جلِيَّةِ (جليّة: ظاهرة) أَمرِهِ. وبَديعَةِ (بَديعَة: غريبة) إِمرِهِ (إِمره: دهاؤُه وعجبُه). وما زخْرَفَ (زخْرَفَ: زيّن) في شِعرِه منْ عُذرِهِ. علِمْتُ أنّ شيطانَهُ المَرِيدَ (المَريد: الخبيث، العاري من الخير) لا يسمَعُ التّفْنيدَ (التفْنيد: اللوم والتوبيخ). ولا يفعَلُ إلّا ما يُريد. فثنَيْتُ (ثنَيْتُ: عطَفْتُ) إلى أصحابِي عِناني. وأبثَثْتُهُمْ (أبثَثْتُهُم: اخبرتُهم) ما أثبَتَهُ (أثبتَهُ: حقّقه) عِيانِي. فوجَمُوا (وجَمعوا: غضِبوا) لضَيْعَةِ
*69*
الجوائِزِ (الجوائِزِ: العطايا) وتعاهَدُوا (تعاهَدوا: تحالفوا) على مَحرَمَةِ (محرَمَة: منع وحرمان) العَجائِزِ.
مفاتيح النصّ:
الأفكار المركزيّةُ في المقامِةِ، البنيةُ اللغويّةُ الخاصّةُ، البيئةُ المكانيّةُ والاجتماعيّةُ كما يصوّرُها النصّ، تنويعُ أساليبِ الخِطاب، الصنعةُ اللغويّةُ، عناصر المقامةِ
مَهامّ:
1. عيّن العناصرَ القصصيّة الظاهرةَ في المقامةِ: (المكان، الزمان، الفكرة المركزيّة، الراوي، الشخصيّات الرئيسيّة والثانويّة).
2. تفتتحُ العجوز (أبو زيد السروجيّ) حكايتها في المقامةِ بالحديثِ عن واقعيْن متضادّين. ما هما؟ بيّن وجهَ التضادِّ بينهما.
3. ما الشرطُ الّذي وضعَه الشعراءُ (القوم) لمساعدةِ العجوز؟
4. كيف كان ردُّ فعلِ الشعراءِ (القوم) تجاهَ العجوزِ في مجرَى النصّ ثمّ في نهايته؟
5. عدّد مُجمَل الحِيَل والخِدَع الّتي استخدمَتْها العجوز (أبو زيد السروجيّ) لتَستَدِرَّ عطف جماعةِ الشعراء.
6. صِف البيئتينِ المكانيّةَ والاجتماعيّةَ كما تظهرانِ من خلال النصّ.
7. ما هي الأفكارُ المركزيّةُ الّتي حملَتْها الأبياتُ الشعريّة؟ وما هي وظيفةُ الشعر في هذه المقامة؟
8. عيّن ثلاثَ جملٍ سرديّةٍ، وثلاثاً أخرى وصفيّةً، ثم بيّن وظيفَة كلِّ مجموعةٍ منهُما في النصّ.
9. بيّن أهمَّ الخصائصِ الفنّيّة للمقامةِ البغداديّة.
*70*
10. تمتازُ المقامةُ البغداديّةُ بتنويعِ أساليبِ الخِطابِ من أجلِ خدمةِ مضمونِ الحكايةِ. بيّن ذلك مع إيرادِ الأمثلة.
11. يربطُ بعضُ النقادِ والباحثين بين فنِّ المقامةِ وفنِّ المسرحيّة، في أنّ المقامةَ في أصلِها أدبٌ تمثيليٌّ، تعبّرُ عن المجتمعِ ممثَّلاً بأبطالها، وأنّها تشتملُ على مظاهرَ تجسيديّةٍ ودراميّةٍ مؤثّرةٍ. المظاهرَ الدراميّةَ المسرحيّةَ في المقامةِ.
12. يُجمِع النُقّادُ على أنَّ مقاماتِ الحريريّ (تمتازُ عن غيرِها بمبناها اللغويّ، ففيها الكثيرُ من البيانِ والبديعِ، والتعقيدِ اللغويِّ، والمُراوحةُ بين الشعرِ والنثرِ، وتصعيبِ الأداء أحياناً). اُكتبْ فِقرةً قصيرةً مُبيّناً رأيَك تجاه ما ذُكر.
*71*
الباب الثاني: الشعر القديم
*72*
*72*
عندما نتحدّثُ عن أقدمِ النصوصِ الشعريّةِ الجاهليّةِ، فإنّنا نقصدُ حقبةً تاريخيّةً لا تزيدُ بكثيرٍ عن 150 سنةً قبلَ الإِسلامِ. نشأ الشعرُ الجاهليُّ في البوادي الشماليّةِ، في نجدٍ والحجازِ، وما إليهما من شماليّ الجزيرة العربيّة، ولم يكنْ للحواضر فيه نصيبٌ كبيرٌ، بسبب انشغالها بالسياسةِ، لكنّ ملوكَها حرصوا على استقبالِ الشعراء البدو وإكرامهم. كانَ الشاعرُ الجاهليُّ منبراً لقبيلتهِ، وقتَ الحربِ، وفي أوقاتِ السّلمِ، وكانتِ القبيلةُ تحتفلُ بولادةِ شاعرٍ لها، وكان لكلِّ شاعرٍ روايةٌ يروي أشعارَهُ وينشرُها بينَ الناس، واعتقدَ العربُ أنّ لكلّ شاعر شيطاناً يوحي له بالشعرِ.
أهمُّ أغراضِ الشعرِ الجاهليّ: الوصفُ والمدحُ والرثاءُ والهجاءُ والفخرُ والغزلُ والخمرُ والوهدُ والحكمةُ.
تبرزُ قيمةُ الشعرِ الجاهليِّ بمجالين: الأوّلُ فنّيٌّ والثاني تاريخيٌّ. الناحيةُ الفنّيّةُ تنعكسُ من خلالِ الفطرةِ وعدمِ التكلّفِ والمباشرةِ، وقلّما نرى عمقاً أو ترميزاً، لكنّ اللغةَ بمفرداتِها الغربيةِ قد تصعّبُ فهْمَ المعاني، وقد عمدَ الشعراءُ إلى التخييل من خلال التشبيهاتِ والاستعاراتِ وغيرها من ألوان البيانِ، وشعرُهُم خطابيٌّ يُلقى على جمهورٍ، وقد امتاز بموسيقاهُ وتفاعيلهِ الطويلةِ على الغالبِ، وبعاطفةٍ شفيفةٍ لا تتجاوزُ السطحَ الظاهريَّ، ولغتُه فصحى تعتمدُ على الجَزْلِ والعالي من الألفاظ، وبعضِ الغريبِ أحياناً. تمتازُ القصيدةُ الجاهليُّة باستقلاليّةِ أبياتها، وعدمِ وجودِ وحدةٍ عضويّةٍ فيها، لكنّها على الغالب ذاتُ مبنىً تقليديٍّ، يبدأُ بمقدّمةٍ طلليّةٍ يستذكرُ الشاعرُ فيها ذكرى محبوبته، ثمّ يصفُ ناقَتهُ ورحلتَهُ، وينتهي بالغرض من قصيدتهِ، سواء كان مدحاً أو اعتذاراً أو فخراً أو هجاءً.
*73*
أشهرُ القصائدِ الجاهليّة هيَ المعلّقاتُ، أي القصائدُ النفسيةُ، وقدِ اشتهرَ منها سبعٌ وعشرٌ، وجُمعتْ وشُرحتْ في تصانيفَ متعدّدةٍ، كالمعلّقات السبعِ للزوزنيّ والمعلّقات العشر للتبريزيّ.
أمّا الناحيةُ التاريخيّةُ فتنعكسُ في أن الشعرَ ديوانُ العربِ، فهو يوثّقُ لأيّامهِ وحروبهِ وجغرافيّتهِ وقبائلهِ وممالكهِ وأنسابهِ وعاداتِه ومآثرهِ وعباداتهِ وتجارتهِ وصناعتهِ، وغيرِها من مناحي الحياة.
*74*
*74*
عنترةُ بنُ شدّادٍ (؟؟-22 ق. ه)، (؟؟-600 م)
عنترةُ بنُ شدّادٍ العبسيُّ فارسٌ جاهليٌّ معروفٌ، وشاعرٌ من أصحابِ المعلّقات، وبطلٌ شعبيٌّ كُتبتْ عنه سيرةٌ شعبيّةٌ تحكي بطولاتِهِ وقصّةَ حبّهِ لِعبةَ ابنةِ عمّهِ مالكِ بْنِ قُرادٍ. أمّهُ زبيبةُ أَمَةٌ حبشيّةٌ سرى إليهِ السوادُ منها. نالَ حرّيّتَهُ بعدَ أن دافعَ عن قبيلتِهِ عبسٍ دفاعاً مشرّفاً أثناءَ غيابِ فرسانها عنها. اشتُهرَ بشجاعتِهِ وحِلمهِ ومروءتِهِ، وعُرِفَ عنهُ إنصافُ أعدائِهِ في شعرهِ. يمتازُ شعرهِ. يمتازُ شعرهُ بالرقّةِ والعذوبةِ والنَفَسِ الملحميِّ.
عاصرَ امرأَ القيسِ الشاعرَ والتقى بهِ، وشاركَ في حربِ داحسٍ والغبراءِ التي جرت وقائعُها بين قبيلتِهِ عبسٍ، وقبيلةِ ذَبيانَ.
قتلَهُ الأسدُ الرهيصُ أو جبّارُ بنُ عمرو الطائيُّ كما تروي سيرتُهُ الشعبيّةُ. تُرجمت هذهِ السيرةُ إلى الألمانيّةِ والفرنسيّةِ، وللمستشرقِ الألمانيِّ (توربكي) كتابٌ عنهُ طُبعَ في هايدلبرج (1868).
*75*
1. هل غادَرَ الشُعراءُ مِن مُتردَّمِ (مُتَرَدّم: موضع الرقعة من الثوبٌ مرقّع، ويقصد أن الشعراءَ لم يَتركوا شيئاً إلّا وقالوه) أَمْ هَل عَرَفْتَ الدارَ بَعد توَهُّمِ
2. يا دارَ عَبْلَةَ بالجِواءِ (الجِواءُ: جواءُ عَدنَةَ وهو اسم مكان في نجد) تَكَلَّمي وعِمي صَباحاً دارَ عَبلَة واسْلَمي
3. أَثْني عليِّ بما عَلِمْتِ فإنّني سَمْحٌ مُخالَطَتي إذا لم أُظْلَم
4. فإِذا ظُلِمتُ فإِنَّ ظُلمِي باسِلٌ (باسل: كريه المنظر) مُرٌّ مَذَاقَتُهُ كطَعْم العَلْقَمِ
5. هَلّا سَأَلتِ الخيلَ يا ابنةَ مالكٍ إِنْ كنتِ جاهلةً بما لم تَعلمي
6. يُخْبِرْكِ مَنْ شَهِدَ الوَقيعةَ أَنّني أَغْشَى الوَغَى (الوغى: صوت الحرب) وأَعِفُّ (أعفّ عند المغنم: لا أشتهي الغنيمة) عِنْد المَغْنَمِ
7. ومُدَجَّجٍ (مدجّج: متوارٍ بالسلاح) كَرِهَ الكُماةُ (الكماة: جمع كميّ، الشجاع أو لابس السلاح) نِزالَهُ لا مُمْعِنٍ هَرَباً ولا مُسْتَسْلِمِ
8. جادَتْ يدايَ لَهُ بعاجلِ طعْنَةٍ بمثَقَّفٍ (مثقّف: مقوّم، يقصد الرمح المستقيم) صَدْقِ (صَدْقِ: صُلبِ) الكُعوبِ (الكُعوب: عُقَد الأنابيب التي بين قصب الرّمح وقناته) مُقَوَّمِ
9. فشكَكْتُ بالرمح الأصمِّ ثيابَهُ لَيسَ الكريمُ على القَنا (القنا: جمع القناة، عصا الرمح. يقصد أنه لا يمنعه كرمه من الموت بالرمح) بمحرَّمِ
10. لَمّا رأيتُ القومَ أَقْبلَ جَمعُهمْ يَتَذامَرونَ (يتذامرون: يحرّضُ بعضُهم بعضاً) كرَرتُ غيرَ مذمَّمِ (مُذَمَّم: مذموم جدّاً)
*76*
11. يَدْعُونَ عَنتَرَ والرماحُ كأَنَّها أَشطانُ (أشطان: حبال) بِئْرٍ في لَبَانِ (اللبان: موضع اللَّبب وهو ما يُشدُّ على صدر الدابّة) الأَدهَمِ (الأدهم: الأسْود، حصان عنترة)
12. ما زِلْتُ أَرميهِمْ بِغُرَّةِ وجهِهِ ولَبانِهِ حَتَّى تَسَرْبَلَ بالدَمِ
13. فَازْوَرَّ (ازورّ: تمايلَ وانحرفَ) مِنْ وَقْع القَنا بلَبانِهِ وشَكَا إِليَّ بَعبرةٍ وتحَمحُمِ
14. لو كانَ يَدْري ما المحاوَرةُ اشتكى أو كانَ لو عَلِمَ الكلامَ مُكلِّمي
15. ولقد شَفَى نَفسي وأَبرأَ سُقْمَها قِيلُ الفَوارِسِ ويْكَ (ويكَ: اسم فعل مضارع بمعنى أتعجّب) عَنترُ أَقدِمِ
16. ذُلُلٌ رِكابي (الركاب: الإِبل. وهي ذلولة له حيث شاء السفر) حَيثُ شِئتُ مُشايِعي لُبِّي (لُبّي: عقلي. أي عقلي يشايعني لا يبتعدُ عني) وَأَحفِزُهُ (أحفزهُ: أدفعه) بِأَمرٍ مُبرَمِ (مبرم: الثوب المتين الغَزْل، يقصد القوّة)
مفاتيح النصّ:
مواضيع الشِعر، الوقوفُ على الأطلالِ، الغزلُ، المحبوبةُ، الفخرُ، البُعدُ الملحميُّ، الفروسيّةُ، وصفُ المعركةِ، القصائدُ المُنْصِفَةُ، البطولةُ، وصفُ الحصانِ، مشاعرُ الحصانِ.
مَهامّ:
1. ما هي العلاقةُ بينَ صدرِ البيتِ الأوّلِ وعَجُزهِ.
2. هل يمكنُ استبدالُ مكانِ البيتِ الأوّلِ بالثاني؟ علّلْ موقفَكِ.
3. اُكتبْ مجموعةً منَ الكلماتِ التي تعبّرُ عن مجالِ الحربِ وردتْ في النصّ.
4. صفْ مشهداً من مشاهدِ البطولةِ يرويهِ عنترةُ في القصيدةِ.
*77*
5. بماذا يستفيدُ القارئُ من ذكرِ أسماء الشّخصيّاتِ؟ ما غرضُ عنترةَ من ذلك؟
6. كيفَ تنعكسُ صورةُ عبلةَ كمحبوبةٍ لعنترةَ في سياقِ النصّ؟
7. في النصّ صورٌ شعريّةٌ يمكنُ رسمُها. اِخترْ واحدةً وتحدّثْ عنِ التصويرِ فيها.
8. يصفُ عنترةُ الرمحَ. اُكتبْ فِقرةً تصفُ فيها الرمحَ بلغتِكَ، مستخدماً مفرداتِ النصّ.
9. يفخرُ عنترةُ بمجموعةٍ من صفاتٍ لهُ على امتدادِ القصيدةِ. اُذكرها.
10. صفِ العلاقةَ الشعريّةَ بينَ عنترةَ والحصانِ. ما رأيُك بهذهِ العلاقةِ؟
11. اِستخرجْ أسلوبينِ بلاغيّينِ استُخدِما في النصّ مبيّناً الغرضَ منِ استخدامِها.
12. هنالك من يعتبرُ شعرَ عنترةَ نموذجاً للشعر الملحميّ. ما موقفُكَ من ذلكَ؟
13. كيف ينعكسُ أسلوبُ المُنْصِفَةِ في وصف عنترةَ لخصمهِ المُدجَّجِ؟
*78*
*78*
زيادُ بْنُ معاويةَ الذبيانيُّ، شاعرٌ جاهليٌّ من الطبقةِ الأولى، ومن أصحابِ المعلّقاتِ العشرِ. لُقّبَ بالنابغةِ لنبوغِهِ في الشعرِ وهو كبيرٌ. لا حشوَ في شعرِهِ ولا تكلّفَ، وقد فضّلهُ أبو عمرو بْنُ العلاء على سائِرِ الشعراءِ. كان النابغةُ يعتبرُ مرجعاً نقديّاً للشعراءِ في زمانِهِ، وممّا يُروى أنّهُ كانت تُقامُ لهُ قبّةٌ من جلدٍ أحمرَ في سوقِ عكاظٍ، فيقصدُهُ الشعراءُ عارضينَ عليهِ أشعارَهم، ومنهمُ الأعشى وحسّانُ والخنساءُ.
اشتُهر باعتذاريّاتهِ، وهي قصائدُ اعتذارٍ للنعمانِ بْنِ المنذرِ نظمَها استعطافاً له، بعدَ أن اختلفَ معهُ في شأنٍ خاصٍّ وقصدَ الغساسنةَ، أعداءَ النعمانِ في الشامِ، فمدحَهم زمناً طويلاً.
اشتركَ النابغةُ في حربِ داحسٍ والغبراءِ التي جرت وقائعُها بين قبيلتِهِ ذبيانَ وقبيلةِ عبسٍ، وكانَ لحضورهِ الشعريّ دورٌ في سجالِ الشعراءِ في تلكَ الحربِ.
*79*
(نظم النابغة هذه القصيدة حين هرب إلى الشام ونزل فيه، مادحاً بها ملك الغساسنة عمرو بن الحارث بن أبي شمرّ)
1. كِلِينيِ (كِليني: دعيني) لِـهَمٍّ، يـا أُمَيْمـَةُ، نَاصِـبِ (ناصب: مُتعِب)، وَلَيْلٍ أُقاسِيهِ، بَطِيءِ الكَـواكـِبِ (بطيء الكواكب: لا تغور كواكبه)
2. عليَّ لِعَمْـرٍو نِـعْمَةٌ، بـعدَ نِـعْمَةٍ لوالِدِه، ليسـت بـذاتِ عَقـارِبِ (ليست بذات عقارب: كناية أنّ النعمة لم يلحقها منُّ ولا أذىً)
3. وَثِقْتُ له بالنصْرِ، إذ قيـلَ قد غَزَتْ كَتَائِبُ مِنْ غَسَّانَ، غـيرُ أشَـائِبِ (الأشائب: الأخلاط من الناس. يريد أنّه غزا بغسّان ولم يحتج أن يستعين بسواها)
4. إذا ما غَزَوْا بالجيشِ، حَلَّقَ فَـوْقَهُمْ عَصائبُ طَيْرٍ، تَهتَدي بِعَصـائِـبِ (عصائب الطير من النسور والصقور تهتدي إلى فرائسها من القتلى بعصائب الجيش)
5. جَوانِحَ (جوانح: مائلات للوقوع)، قد أيْقَنَّ أنّ قَبيلهُ، إذا ما التَقى الجَمعانِ، أوّلُ غالبِ
6. لهُنَّ عَليـهِم عـادةٌ قـد عَـَرَفْنَها، إذا عُرِّضَ الخَطِّيُّ (الخطّيّ: الرماح المنسوبة إلى الخطّ وهو بلد في البحرين اشتهر بصناعة الرماح) فَـوْقَ الكواثبِ (الكواثب: مقدّمة السرج)
7. ولا عَيْبَ فيهِم غيرَ أنَّ سُيـُوفَـهُمْ، بِهِنّ فُلُولٌ (فلول: كسور في الحدّ) مِـْن قـِراعِ الكَتـائِبِ (الكتائب: الجيوش)
8. تُوُرِّثْنَ مِنْ أزْمـانِ يَـوْمِ حَليمَةٍ (يوم حليمة من أيّام العرب المشهورة في الجاهليّة، بين الغساسنة والمناذرة، حليمة ابنة الحارث بن جبلّة الغسانيّ، وكان لها دور في المعركة، وقد كان النصر للغساسنة، وقتل فيه النعمان بن المنذر)، إلى اليَوْمِ قد جُرِّبـْنَ كلَّ التجارِبِ
9. تَقُدُّ السلُوقيَّ (السلوقيّ: درع تنسب إلى سلوق، مدينة الروم) المُضَاعَفَ نَسْـجُهُ، وتُوقِدُ بالصُـفَّاحِ (الصُفّاح: (بضمّ الصاد وتشديد الفاء): حجارة عريضة، كناية عن خوذة الرأس وحديد الساعد) نارَ الحُباحِـبِ (الحُباحب: حشرة لها شعاع في الليل)
10. لهم شيمةٌ، لم يُعـْطِهـا الله غَيْرَهُمْ، منَ الجودِ، والأحلامُ (الأحلام: العقول) غيرُ عَوازِبِ (عوازب: جمع عازب، غائب)
*80*
11. مَحَلّتُهُمْ (محلّتهم: مسكنهم) ذاتُ الإِلَهِ (ذات الإِله: بيت المقدس وجهة الشام وهي منازل الأنبياء)، ودينُهُم (دينهم: كان الغساسنة يدينون بالنصرانيّة) قويمٌ، فما يَرْجُونَ غيرَ العَواقِبِ
12. يَصُونُونَ أَجْسَاداً، قَدِيْمـاً نَعِيْمُـهَا، بِخالِصَةِ (الخالصة: الشديدة البياض) الأرْدَانِ (الأردان: جمع ردن، مقدّم كمّ القميص)، خُضْرِ الـمناكِبِ (مناكب: جمع منكب، ملتقى الكتف والعضد. يريد أن ثيابهم بيضاء ومناكبها خضراء وهو لباس ملوكهم)
13. حَبَوْتُ (حبوتُ: دنوتُ) بِهَا غَسَّانَ إذْ كنتُ لاحِقاً بِقَوْمي، وَإذْ أَعيَتْ عَليَّ مـذاهِبي (أعيت مذاهبي: ضاقت وسُدّت السبل في وجهي)
مفاتيح النصّ:
مدحُ ملكِ الغساسنة، القصيدة كمادّةٍ تاريخيّة، أيّامُ العرب، يومُ حليمةَ، صفاتُ الممدوح، وصفُ المعاركِ، قُدسيّةُ بلاد الشام، الكتابُ المقدّسُ، لباسُ الملوك، المدحُ بما يشبهُ الذمَّ.
مَهامّ:
1. مَنْ هوَ الممدوحُ؟ ما الغايةُ مِن مدحِهِ؟
2. اِستخرجْ منَ النصِّ مفرداتٍ تدلّ على المادّةِ التاريخيّةِ.
3. اِستخرجْ منَ الإِنترنت أو كتبِ أيّامِ العربِ مادّةً عَنْ يومِ حليمةَ. ما هو دورُ حليمةَ في القصّةِ؟
4. ما هي الصفاتُ التي يَمدحُ بها النابغةُ الغساسنةَ؟
5. كيفَ تنعكسُ نظرةُ الجاهليّين للغساسنةِ منَ الناحيةِ الدينيّةِ بالاعتمادِ على البيتِ الحاديَ عَشَرَ؟
*81*
6. ما هو لباسُ ملوكِ الغساسنةِ بالاعتمادِ على البيتِ الثانيَ عَشَرَ؟
7. اُنثرْ بكلماتِكَ الصورةَ الشعريّةَ في عجُزِ البيتِ السادسِ. علامَ تشيرُ هذه الصورةُ؟
8. في البيتِ السابعِ مدحٌ بما يُشبهُ الذمَّ. ذلكَ اِشرحْ ذلكَ من خلالِ البيتِ.
9. اِطرحْ سؤالاً لم يُسألْ عن مبنى القصيدةِ.
10. ما هو الجانبُ المشتركُ بين الأبياتِ (1، 2، 3، 13)؟
*82*
*82*
السموألُ بنُ عادياءَ (؟؟-65 ق. ه)، (؟؟-560 م)
السموألُ بْنُ غريضِ بْنُ عادياءَ الأزديُّ، شاعرٌ جاهليٌّ يهوديٌّ (שמואל) من سكّانِ خيبرَ، حكيمٌ وفيٌّ ضُربَ بوفائِهِ المثلُ، فقيل: (أوفى مِنَ السموألِ)، بعد أن ضحّى بولدهِ في المحافظةِ على دروعٍ ائتمنها لديهِ امرؤُ القيسِ الشاعرُ، وفيه قالَ:
وفيتُ بأدرعِ الكِنْدِيَّ إنّي إذا ما خانَ أقوامٌ وفيْتُ
سكنَ خيبرَ وتنقّلَ بينها وبينَ تيماءَ حيث بنى جدّهُ عادياءُ حصناً سمّاهُ الأبلقَ.
لهُ ديوانُ شعرٍ صغيرٌ مطبوعٌ في بيروت (1996)، وأشهرُ ما فيهِ لاميّتُهُ التي مطلِعُها:
إذا المرءُ لم يدنسْ منَ اللؤْمِ عِرضُهُ فكلُّ رداءٍ يرتديهِ جميلُ
لكنّ بعضَ علماءِ الأدبِ ينسونَ هذهِ القصيدةَ لعبدِ الملكِ بْنُ عبدِ الرحيمِ الحارثيِّ.
*83*
1. إِذا المَرْءُ لَمْ يَدْنَسْ مِنَ اللُؤْمِ عِرضُهُ (العِرضُ: الحسبُ، شرفُ الآباء والأجداد) فَكُلُّ رِداءٍ يَرْتَدِيهِ جَميلُ
2. وَإِنْ هُوَ لَمْ يَحْمِلْ عَلى النَفْسِ ضَيْمَها (الضيم: الظلم. يقصد إن لم يصبر على مكارهها) فَلَـيْـسَ إِلى حنِ الثَناءِ سَبيلُ
3. وقائلةٍ ما بالُ أُسْرَةِ عادَيا تبارى (تبارى من المباراة: أي تصنع ما يصنع غيرها. ويقصد أنّه لا يحقّ لهم ذلك وهم قلّة) وفيهم قِلَّةُ وخمولُ
4. تُعَـيِّرُنا أَنا قَـيلٌ عَدِيدُا فَقُلْتُ لَها: إِنَّ الكِرامَ قَـليلُ
5. وَما ضَرَّنا أَنّا قَليلٌ وَجارُنا عَزيزٌ وَجارُ الأَكْثَرينَ ذَليلُ
6. وَما قَلَّ مَنْ كانَتْ بَقاياهُ مِثْلَنا شَبابٌ تَـسامى لِلعُلى وَكُهُولُ
7. لَنا جَبَـلٌ يَحْتَلُّهُ مَنْ نُجيـرُهُ مَنيفٌ (مُنيفٌ: مُشْرفٌ على كلّ شيء) يَرُدُّ الـطَرْفَ (الطرْف: النظر والعين) وَهُـوَ كَليلُ (كليل: لا تصلُ عينُ الناظرِ نهايَتَهُ لارتفاعِهِ)
8. رَسا أَصلُهُ تَحْتَ الثَرى وَسَما بِه إِلى النجْم فَرعٌ لا يُرام طَويلُ
9. هُوَ الأَبْلَـقُ (الأبلق: اسم حصن السموأل) الفَردُ الَّذي سارَ ذِكرُهُ يَعِزُّ عَـلى مَنْ رامَهُ وَيَطولُ
10. وَنَحْنُ أُناسٌ لا نرى القَتْلَ سُبَّةً (يقصد أننا نصبرُ على القتال ولا نهرب، وإنّما السبّة في الفرار) إذا ما رأتْهُ عامِرٌ وسَلولُ (عامر وسلول: اسمان لقبيلتين)
11. يُقَرِّبُ حُبُّ المَوتِ آجالَنا لَنا وَتَكرَهُهُ آجالُهُم فَتَطولُ
*84*
12. تَسيلُ عَلى حَدِّ الظُباتِ (الظُبات: جمع ظُبة وهي طرف حدّ السيف) نُفوسُـنـا (نفوسُنا: يقصد دماءَنا مجازاً) وَلَيْسَتْ عَلـى شَيْءٍ سِواهُ تَسيلُ
13. وَما ماتَ مِنّا مَيِّتٌ في فراشِهِ ولا طُلَّ (طُلَّ: هُدِرَ دَمُهُ، يقصد أنّهم يثأرون ولا يقبلون الديّة) مِنَّا حَيْثُ كانَ قَتيلُ
مفاتيح النصّ:
أهمّيّةُ الحسبِ، الصبرُ على المكارهِ، التعبيرُ بقلّةِ العددِ، الفخرُ بالكيفِ لا الكمِّ، حُسْنُ الجوارِ، إجارةُ المستجيرِ، التحصّنُ بالحصنِ، حبُّ الموتِ والقتالِ، الثأْرُ. الأساليبُ البلاغيّةُ.
1. بماذا يشبّهُ السموألُ نقاءَ العِرضِ؟
2. ما هيَ الصفاتُ الحميدةُ التي يفخرُ بها السموألُ؟
3. كيف كانَ ردُّ الشاعرِ على من عيّرتْهُ بقلّةِ العددِ؟
4. ما رأيُكَ بالمفاهيمِ الكمّيّةِ التي كان يُؤخذُ بها في العصرِ الجاهليّ؟
5. لماذا يركّزُ الشاعرُ على ذكرِ الحصنِ الأبلقِ في قصيدتِهِ؟
6. يرى الشّاعرُ أنَّ عدمَ الأخذِ بالثأرِ تعبيرٌ عنِ الضعفِ. ما موقفُك من ذلكِ؟
7. اِشرحْ ظاهرةَ التصديرِ في البيتين الرابعِ والثاني عشرِ، مبيّناً الغرضَ منَ استخدامهِ.
8. كيف ينعكسُ مفهومُ الموتِ عندَ الشاعرِ حسبَ ما جاءَ في النصِّ؟
9. هاتِ مثالينِ على الطباقِ ومثالاً على المجازِ في القصيدةِ، مبيّناً الغرضَ منَ استخدامهِما.
*85*
*85*
عبدُ منافٍ بنُ عبدِ المطّلب بنِ هاشمِ بنِ عبدِ منافِ بنِ قصيّ بن كلاب، يُكنّى أبا طالب، هو عمُّ النبيّ محمّد (صلّى اللّه عليه وسلّم)، وأمّهُ هي فاطمةُ بنتُ عمرٍو من بني مخزومِ. خلف أبو طالب أباه عبدَ المطّلب الذي كان أحدَ سادةِ قريشٍ في المكانة والوجاهة، ولكنَّ ضيقَ حالتهِ الماليّةِ، جعله يَكِلُ إلى أخيه العبّاس شأنَ السّقايةِ وأعباءَها، نظرًا لما كان له من ثراء واسع. وكان أبو طالب أوّلَ من طيّبَ غار حراء بذكر الله، فإِذا استهلّ رمضانُ صعد حِراءَ وأطعم المساكينَ، ورفعَ من مائدته إلى الطير والوحوش في رؤوس الجبال. ممّا يُؤثَر عن حكمته وحسن تقديره أنّه كان أوّلَ من سنّ القَسامة (القَسامة: حلف اليمين خمسين مرّة لإِثبات الحقّ في دم المقتول، عند وجود بيّنة ضعيفة، فإِذا حلف أصحاب القتيل، استحقّوا الديّة من القاتل) في العرب قبل الإِسلام، وذلك في دمِ عمرِو بْنِ علقمةَ، ثمّ جاء الإِسلامُ وأقرّها.
كان أبو طالب الأخَ الشقيقَ الوحيدَ (لعبد الله) والد النبيّ (محمّد (صلّى اللّه عليه وسلّم))، وقد عهدَ إليه والدُه (عبدُ المطّلب) بكفالة (محمّد (صلّى اللّه عليه وسلّم)). توفّي أبو طالب نتيجةَ المرضِ والمعاناةِ في شِعْبِ أبي طالب، مدافعاً ومحامياً عن رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) وكان ذلك قبلَ الهجرةِ بثلاثِ سنواتٍ، فحزن الرسولُ لفقدهِ حزناً شديداً، حيث فقدَ بفقدِه المحاميَ المخلصَ والعمَّ الناصحَ، فجعل عامَ وفاتهِ عامَ حدادٍ وحزن، فسمّي عامُ وفاتهِ عامَ الحزنِ، وأمرَ ابنَهُ عليَّ بنَ أبي طالب بتجهيزه ودُفنَ بالحجون بمكّة المكرّمة.
*86*
1. أنتَ النبيُّ محمّدُ قَرْمٌ (القَرْمُ: السيّد المُكرَم) أَغَرُّ (الأغرُّ: الأبيضُ من كلّ شيء، الكريمُ الأفعالِ واضحُها) مُسَوَّدُ (مُسوّدٌ: سيّدٌ)
2. لمسوَّدين أكارمٍ طابوا وطابَ المَوْلدُ
3. نِعْمَ الأَرومَةُ (الأرومةُ: الأصلُ) أصْلُها عَمْرُو (هو هاشم بن مناف والد عبد المطّلب جدّ الرسول (صلّى اللّه عليه وسلّم) الخِضمُّ (الخضمّ: السيّد الجواد المعطاء) الأَوحَدُ
4. هشَمَ (هشمَ: قسمَ وكسرَ إلى قطع، ومنه لقّب عمرو بن عبد مناف بهاشم، لأنّه أوّل من هشم الثريد وهو طعام فيه لحم وخبز ولبن) الرَّبيكَة َ (الربيكة: طعام من لبن وتمر وسمن) في الجفانِ (م) وَعَيْشُ مكَّة َ أنكَدُ
5. فَجَرَتْ بذلك سُنَّة ً فيها الخبيزة ُ تُثْردُ (تُثرد: تُفتَّت وتُبلّلُ بالمرق)
6. ولنا السِقاية ُ للحَجيــجِ (م) بها يُماثُ (يُماثُ: يُنقع في الماء) العُنجُدُ (العُنجًد: الزبيب: حبّ العنب)
7. والمأزِمانِ (المأزِمانِ: مضيقانِ في المسجد الحرام بمكّة) وما حَوتْ عَرَفاتُها والمَسْجِدُ
8. أنَّى تُضامُ (تُضام: تُظلمُ) ولم أَمُتْ وأنا الشُجاعُ (الشُجاع: ذَكَرُ الأفعى، وهو العِربدُ أَيضاً) العِرْبِدُ
9. وبِطاحُ مكّة لا يُرى فيها نَجيعٌ (النجيع: الدم الأسود. يقصد أنّهُم لا يتركونه يسوَدُّ ويهبّون في طلب الثأر) أسْوَدُ
10. وبنو أبيكَ كأنَّهُمْ أُسْدُ العرينِ تَوَقَّدُ
11. ولقد عَهدتُك صادقاً في القَوْلِ لا تَتَزَيَّدُ
12. ما زلتَ تنطقُ بالصوابِ وأنتَ طفلٌ أمْرَدُ (أمرد: لم ينبت شعر لحيته بعد)
*87*
مدح النبيّ (صلّى اللّه عليه وسلّم)، آل بيت النبيّ، هاشمٌ والثريدُ، مأكولاتٌ جاهليّةٌ، سقايةُ الحجيجِ، الفخرُ بالحسبِ، صفاتُ النبيّ، القيمةُ الحضاريّةُ للنصّ، المدائح النبويّةُ كلونٍ أدبيّ.
1. بماذا يمدحُ أبو طالبٍ النبيَّ محمّداً؟
2. وردت في النصّ مأكولاتٌ ومشروباتٌ جاهليّةٌ. ما هيَ؟
3. النصُّ غنيٌّ بالمعالمِ الجغرافيّةِ المكّيّةِ. وضّحْ ذلكَ.
4. لماذا لُقَبَ عمرُو بنُ عبدِ منافٍ بهاشمٍ حسبَ النصِّ؟
5. في القصيدةِ إشارةٌ إلى طفولةِ النبيِّ. ما هيَ؟
6. دافعَ أبو طالب كثيراً عن النبيِّ ولم يتخلَّ عنهُ. أين يظهرُ تلميحٌ إلى ذلكَ؟
7. ما علاقةُ البيتِ التاسعِ بالثأرِ؟
8. اِشرحِ التشبيهَ الواردَ في البيتِ العاشرِ، مبيّناً الغرضَ منَ استخدامِهِ.
9. كيف تنعكسُ صورةُ آل بيتِ النبيِّ في القصيدةِ؟
10. في البيت الحادي عشرَ إيحاءٌ وتلميحٌ لنبوّةِ النبيِّ محمّدٍ (صلّى اللّه عليه وسلّم). وضّحْ ذلكَ.
11. ما هي القيمةُ الحضاريّةُ للقصيدة؟
12. تلت هذهِ القصيدةَ فيما بعد قصيدةُ كعبِ بْنِ زهيرٍ في مدحِ الرسول والمسّماة بِ (البُردَةِ).
اُكْتب مَطْلَعَها، وَاكتب أسماءَ قصائدَ أخرى، قديمةٍ وحديثةٍ، في مدح الرسول (صلّى اللّه عليه وسلّم).
*88*
*88*
كان للإسلام تأثيرٌ واضحٌ على الشعرِ، فقد أصبحَ الشعرُ في خدمةِ الدين، بعد أن كانَ في خدمةِ القبيلةِ. وكان حسّانُ بْنُ ثابتٍ وكعبُ بْنُ زهيرٍ من أوائل الشعراء الذين انبروا للدفاع عن العقيدةِ الجديدةِ، والترويج لأفكارها، والردِّ على شعراءِ قريشٍ، وهجائِهم إذا اقتضت الضرورةُ.
كما انتقلَ الشعرُ من البادية إلى الحواضرِ في الحجازِ والشامِ والعراقِ. في الفترةِ الأمويّةِ أصبحَ الشعرُ في خدمة التيّاراتِ الحزبيّةِ والسياسيّةِ، والنعراتِ القبليّة، فكان للشيعة شعراءُ يدافعونَ عنهُم، واستطاعَ الخوارجُ والأمويّونَ أن يستقطبوا شعراءَ يروّجون لأفكارِهم، ويمدحون أصحابَ الحقوقِ فيهم.
وفي الحواضر أصبح الشعرُ في خدمة اللهوِ والغناءِ. وبرعت أصواتٌ في الطربِ والغناءِ، فكان هنالك اهتمامٌ بالأوزانِ والإيقاعِ، وما يرافقهما من عزفٍ وغناءٍ، وكان الغزلُ صاحبَ النصيبِ الأكبرِ في هذا الاتّجاه، ممّا اقتضى أن يصبح غرضاً مستقلاً، بنوعيه العذريِّ والحضوريِّ، بعد أن كان ضمنَ القصيدةِ المتعدّدة الأغراضِ، وقد برز في النوع الأول قيسُ ابنُ الملوّح وجميلُ بثينةَ، وفي الثاني عمرُ بنُ أبي ربيعةَ.
حافظَ الشعرُ على أغراضهِ، لكنّ الشعرَ السياسيَّ كان غرضاً جديداً، وقد استقطبت نقائضُ الأخطلِ والفرزدقِ وجريرٍ جانباً منه، فاصطبغَ بنزعةٍ ذاتيّةٍ، انعكست من خلال الهجاءِ الذي أخذ منحىً من الإِقذاعِ والتطرّفِ، عند عددٍ من الشعراء.
اصطبغت لغةُ الشعرِ في هذه الحقبة بكلماتٍ ومعانٍ إسلاميّة، تعكسُ روحَ الدين الجديد، وأخذت المفرداتُ الأساليبُ طابعَ السلاسةِ والموسيقى بتأثيرِ الغناء، وازدادت دلالاتُ الشعرِ عمقاً، وأخذت الحكمةُ والأمثالُ تظهرُ فيها، بتأثير القرآن الكريم، واتّسع الخيالُ
*89*
بتأثير الحضاراتِ التي كان لا بدّ من مثاقفتها، بعدَ الفتوحاتِ، وأخذت العاطفةُ تتّسعُ لتعبّرَ عن العزّة والسيادة والنصرِ، تعبيراً عن الواقع الجديد.
كما أنّ القيمةَ التاريخيّةَ ازدادت أهمّيّةُ، فالشعرُ مرآةٌ في تلك الفترةِ للانقلاب الدينيّ السياسيِّ، وأثرهِ الحضاريِّ على العربِ والشعوبِ التي دخلت ضمنَ دائرةِ تعاملاتهِمْ وعلاقاتهِمْ.
*90*
*90*
حسّانُ بنُ ثابتِ الخزرجيُّ الأنصاريُّ، شاعرٌ مخضرمٌ عاشَ ستّينَ سنةً قبلَ الإِسلامِ وستّينَ بعدَها. كانَ من الشعراءِ الذينَ كانوا يفِدون في الجاهليّةِ على الغساسنةِ في الشام.
شاعرُ الرسولِ، ومنبرٌ للدعوةِ الإسلاميّةِ ولسانٌ دافعَ عن الإِسلام، وقد كانَ لهُ دورٌ مركزيٌّ في هجاءِ الكفّارِ ومعارضتِهم، وكانت كلمتُهُ الشعريّةُ سلاحاً حادّاً نالَ من أعدائِهِ. كما مدحَ الإِسلامَ والمسلمينَ ورثا شهداءَهم. لم يشتركْ حسّانُ مع النبيّ في غزواتِهِ لعلّةٍ أصابتْهُ، وقد أُصيبَ بالعمى في آخرِ أيّامِهِ.
رُويَ أنّ النبيَّ أهداهُ سيرينَ القبطيّةَ أختَ ماريّا القبطيّة التي أهداها لهُ المقوقسُ، فتزوّجَها حسّانُ فأنجبت منهُ عبدَ الرحمنِ بنَ حسّانَ الصحابيَّ الشاعرَ.
توفيّ حسّانُ في المدينةِ المنوّرةِ في عليِّ بْنِ أبي طالبٍ.
*91*
1. عَدِمْنا خَيْلَنَا إنْ لَمْ تَرَوْهَا تُثِيرُ النقْعَ (النقع: الغبار) مَوعِدُها كَداءُ (كداء: الثنيّة العليا بمكّة ممّا يلي المقابر)
2. تَظَلُّ جِيادُنَا مُتَمَطِّراتٍ (متمطّرات: مسرعات يسابق بعضها بعضاً) تُلَطِّمُهنَّ بالخُمرِ (الخُمُر: جمع خِمار وهو غطاء رأس المرأة) النساءُ
3. فَإمَّا تُعْرِضُوا عنَّا اعْتَمَرْنَا (اعتمرنا: قمنا بالعٌمرى وهي زيارة الأماكن المقدّسة في غير موسم الحجّ) وَكانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطاءُ
4. وَإِلّا فَاصْبِرُوا لِجِلَادِ يَوْمٍ ُيعِزُّ اللهُ فِيه مَنْ يَشاءُ
5. وَجِبْرِيلٌ رَسُولُ اللهِ فِينَا وَرُوحُ الْقُدْسِ لَيْسَ لَهُ كِفاءُ
6. وَقَالَ الله قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْداً يَقُولُ الْحَقَّ إنْ نَفَعَ الْبَلاءُ
7. شَهِدْتُ بِهِ فَقُومُوا صَدِّقُوهُ فَقُلْتُمْ لا نَقومُ ولا نَشاءُ
8. وَقَالَ الله قَدْ يَسَّرْتُ جُنْداً هُمُ الأنصارُ (الأنصار: أهل يثرب مدينة الرسول (صلّى اللّه عليه وسلّم) عُرْضَتُهَا (عُرضتُها: همّتُها وعادتُها) اللقاءُ
9. لَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ (مَعَدٍّ: معدّ بن عدنان من أجداد العرب، ويقصد قريشاً لأنّهم عدنانيّون) سِبَابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجاءُ
10. فَنُحْكِمُ بِالْقَوَافي مَنْ هَجانا وَنَضْرِبُ حِينَ تَخْتَلِطُ الدِّماءُ
11. أَلا أَبْلِغْ أَبا سُفْيانَ عَنِّي فأَنْتَ مُجَوَّفٌ نَخِبٌ (نَخِبٌ: مُجوّفٌ: خالي الجوف من القلب، أي جبان) هَواءُ
12. بِأَنَّ سُيُوفَنا تَرَكَتْكَ عَبْداً وَعَبْدَ الدارِ (عبد الدّار: بطن من قريش منهم عبد شمس قوم أبي سفيان) سَادَتْها الإِماءُ
*92*
الخيلُ وعدّى الحربِ، رسالةٌ عسكريّةٌ لقريشٍ، الرسالةُ المحمّديّةُ، الرسالةُ الشعريّةُ، هجاءُ أبي سفيانَ، مميّزاتُ الشعرِ الإِسلاميِّ.
1. في النصّ ثلاثةُ أصنافٍ من الرّسائلِ: عسكريّةٌ، محمّديّةٌ، وشعريّةٌ. صنّفْ أبياتَ القصيدةِ حسبَ كلِّ صنفٍ.
2. ما هيَ أهمّيّةُ الخيولِ في الرسالةِ العسكريّةِ؟
3. ماذا تتضمّنُ الرسالةُ العسكريّةُ الموجَهةُ لقريشٍ؟
4. في النصِّ حديثٌ عن جبريلَ ورسالةِ الرسولِ محمّدٍ. وضّحْ ذلكَ.
5. يتحدّثُ حسّانُ بنُ ثابتٍ عن رسالتهِ كشاعرٍ في المعركةِ. ما هو دورُ هذهِ الرسالةِ؟
6. لماذا يهجو حسّانُ أبا سفيانَ وبماذا يهجوه؟
7. ما رأيُكَ بأسلوبِ الهجاءِ؟ وهل يتّفقُ ذلكَ مع طبيعةِ الدعوةِ الإِسلاميّةِ؟
8. تظهرُ في النصّ ملامحُ لغةِ القرآنِ وتعاليمُ الدينِ الجديدِ. وضّحْ ذلكَ.
9. كيف تنعكسُ صورةُ المرأةِ من خلال البيتينِ الثاني والأخير؟
10. ما هي وظيفةُ الحوارِ في القصيدةِ؟
*93*
*93*
الكميتُ بنُ زيدٍ الأسديُّ شاعرٌ أمويٌّ من أهلِ الكوفةِ، قُتلَ في السنةِ الأولى لخلافة مروانَ بنِ محمّدٍ، آخرِ الخلفاءِ الأمويّينَ، ولم يدركِ الدولةَ العباسيّةَ. عُرفَ عنهُ تشيّعُهُ لآلِ البيتِ، فهو شاعرُ الهاشميّين، وأشهرُ ما قالَهُ قصائدُ تسمّى الهاشميّات، ترجمت إلى الألمانيّة، كانت في مدحِهِم والانتصارِ لعقيدتِهم.
كانَ الكميتُ كاتباً حسنَ الخطِّ، خطيباً، فقيهاً، عالماً باللغة وأيّامِ العرب وأنسابِها، حافظاً للقرآنِ. وهو أوّلُ من أدخلَ الجدلَ المنطقيَّ في شعرهِ، ممّا جعلَهُ مذهبيّاً عقليّاً تقلُّ فيهِ العاطفةُ.
عُرفَ عن الكُميتِ أيضاً شجاعتُهُ وفروسيّتُهُ، وقد كانَ رامياً لم يكن في قومِهِ من هو أرمى منهُ.
*94*
1. طرِبتُ وما شَوقاً إلى البِيضِ أَطربُ ولا لَعِبَاً منِّي وذُو الشيبِ يلعبُ
2. ولم يُلهِنِي دارٌ ولا رَسمُ مَنْزلٍ ولم يتطرَّبْني (يتطرّبُ: يفرحُ ويُطربُ) بنانٌ مُخضَّبُ (مخضّب: مُحنّى بالحنّاء. والبنان المخضّب كناية عن النساء)
3. ولا السانحاتُ (السانحات: ما يُزجر من الطير فيكون من جهة اليمين وهو ميمون) البارِحاتُ (البارحات: ما يُزجر من الطّير فيكون من جهة اليسار وهو مشؤوم، وقد قالوا: من لي بالسانح قبل البارح) عشيّةً أمرَّ سَلِيمُ القَرْنِ أَمْ مَرَّ أَعضَبُ (أعضب: مكسور القرن. وهو ما يُتشاءم منه في التطيّر)
4. ولكنْ إِلى أهلِ الفضائلِ والنهَى وخيرِ بني حَوَّاءَ والخيرُ يُطلبُ
5. بَنِي هَاشِمٍ رَهْطِ النبِيِّ فإنَّنِي بِهِم ولَهُمْ أَرضَى مِرَاراً وأغضبُ
6. خَفَضتُ لَهُم مِنّي الجناحَ (خفضتُ الجناح: ذللتُ نفسي لهم) مَوَدَّةً على كَنَفٍ (كنف: حضن) عِطْفَاهُ (العِطفانِ: جانبا الرجل من اليمين واليسار) أهلٌ وَمَرْحَبُ
7. وما لِيَ إلاّ آلُ أحمدَ شيعةٌ وما لِيَ إلاَّ مذهبُ الحَقِّ مذهبُ
8. بِأيِّ كِتَابٍ أَمْ بِأيَّةِ سُنَّةٍ يُرَى حُبُّهُم عَاراً عَلَيَّ وتَحسَبُ؟
مفاتيح النصّ:
الزهدُ بالطربِ والنساءِ، التطيّرُ، التشيّعُ، آلُ البيتِ، الشعرُ السياسيُّ، الشعْرُ الدينيُّ.
*95*
1. يزهدُ الشاعرُ في البِيضِ والبنانِ المخضّبِ. منِ المقصودُ بذلكَ؟
2. من هيَ الفئةُ التي يتشيّعُ لها الشاعرَ؟
3. ماذا تتوقّعُ أن يكونَ موقفُ الأمويّينَ تجاهَ هذا الشعرِ؟
4. ما هو زجرُ الطيرِ؟ وما وهوَ موقفُ الشاعرِ من هذِهِ العادةِ؟
5. يستخدمُ الشاعرُ التعليلاتِ المنطقيّةَ في شعرهِ. وضّحْ ذلكَ.
6. بماذا يمدحُ الشّاعرُ آلَ بيتِ النبيّ (صلّى اللّه عليه وسلّم)؟
7. جدِ العلاقةَ بين البيتِ السادسِ والآية الرابعةِ والعشرينَ من سورةِ الإسراءِ.
8. هل يمكنُ اعتبارُ النصِّ نموذجاً للشعرِ السياسيِّ الدينيِّ. علّل.
9. تظهرُ في النصّ ملامحُ لشعر الزهدِ. وضّح ذلكَ من خلالِ كلماتٍ مفتاحيّة.
10. ما الغايةُ من السؤال البلاغيّ الذي تنتهي بهِ القصيدةُ؟
*96*
*96*
جريرُ بْنُ عطيّةَ الخطفيُّ، كنيتُهُ أبو حرزةَ، من قبيلةِ كلبٍ اليربوعيّةِ من بني تميمٍ. وُلِدَ وماتَ في اليمامةِ. أشهرُ شعراءِ العصرِ الأمويِّ، وعاشَ حياتَهُ هجّاءً يساجلُ شعراءَ عصرهِ كالأخطلِ والفرزدقِ، من خلال فنّ شعريٍّ سُمّيَ بالنقائضِ.
كانَ جريرٌ بارعاً في المدحِ والغزلِ، وفي شعرهِ رقّةٌ وعذوبةٌ، وهو من أغزلِ الشعراءِ، وقد قيلَ عنهُ: جريرٌ يغرفُ من بحرٍ والفرزدقُ ينحتُ في صخرٍ.
مدحَ عبدَ الملك بنَ مروانَ وابنَهُ يزيدَ، ونالَ لديهما الخطوةَ، ومدحَ عمرَ بنَ عبدِ العزيزِ، فلم يصلَهُ، إذ كانَ يقرّبُ الفقراءَ ويباعدُ الشعراءَ.
اُخْتُلِفَ في وفاةِ جرير، لكنّها على الغالب بعد وفاة الفرزدقِ بأربعينَ يوماً، سنة 110 هجريّ.
*97*
جرير
1. لَوْ تَعْلَمِينَ الذي نَلْقَى أوَيْتِ (أويت: رققتِ) لَنَا، أوْ تَسْمَعِينَ إلى ذي العرْشِ شكوَانَا
2. كَصاحِبِ المِوْجِ إذْ مالَتْ سَفينَتُهُ يَدْعُو إلى اللهِ إسْرَاراً وَإعْلانا
3. يا لَيتَ ذا القَلبَ لاقَى مَنْ يُعَلّلُهُ (يعلّلهُ: يُشغلهُ)، أو سَاقِياً فَسَقَاهُ اليَوْمَ سُلْوانا (السلوان: شراب يسقى للمهموم فينسى همّه)
4. ما كُنتُ أوّلَ مُشتاقٍ أخَا طَرَبٍ، هَاجَتْ لَهُ غَدَوَاتُ البَينِ أحْزَانَا
5. لَقَدْ كَتَمتُ الهَوى حتّى تهَيّمَني (تهيّمني: زادني شوقاً وحنيناً)، لا أسْتطِيعُ لِهَذا الحُبَّ كِتْمانا
6. لا بَارَكَ الله في الدنْيَا إذا انقَطَعَتْ أسْبابُ دُنْياكِ مِنْ أسبابِ دُنْيانا
7. كيفَ التلاقي وَلا بالقَيظِ مَحضَرُكُم مِنّا قَرِيبٌ، وَلا مَبْداكِ مَبْدَانَا؟
8. أَبُدِّلَ الليلُ، لا تَسرِي كَوَاكبُهُ، أمْ طالَ حتَّى حَسِبتُ النجمَ حَيرانا (الحيران: المقيم الذي لا يبرح)
9. إنّ العُيونَ التي في طَرْفِها حَوَرٌ (الحور: شدّة سواد العين على شدّة البياض) قَتَلْنَنا، ثمَّ لَمْ يُحْيِينَ قَتْلانا
10. يَصْرَعنَ ذا اللبّ حتّى لا حَراكَ بِهِ، وَهُنَّ أضعَفُ خَلْقِ اللهِ أرْكانا
11. يا حَبّذا جَبَلُ الريّانِ (الريّان: جبل لبني عامر بن صعصعة) مِنْ جَبَلٍ! وَحَبّذا ساكِنُ الريّانِ مَنْ كَانَا
12. وَحَبّذا نَفَحَاتٌ مِنْ يَمَانِيَة ٍ تَأتِيكَ مِنْ قِبَلِ (قِبَل: الريح اليمانيّة الجنوبيّة) الريّانِ أحْيانا
13. أزْمانَ يَدعُونَني الشيطانَ من غزَلي، وَكُنَّ يَهْوَينَني إذْ كنْتُ شَيطانا
*98*
الغزلُ، شكوى العاشقِ، معاناةُ المحبِّ، الشوقُ، النسيانُ، الكتمانُ، صعوبةُ اللقاءِ، طولُ الليلِ، سحرُ العيونِ، جبلُ الريّانِ، مسكنُ المحبوبةُ، نسماتٌ جبليّةٌ، ذكرياتٌ شقيّةٌ الأساليبُ البلاغيّةُ.
1. ما هو الموضوعُ العامُّ للأبياتِ؟
2. كيف ترتسمُ صورةُ المحبوبةِ في خيالِ الشاعرِ؟
3. هل هذا الشعرُ عفيفٌ أم إِباحيٌّ؟ علّلْ رأيّك.
4. صفْ إحساسَ الشاعرِ العاشقِ بمرورِ الزمنِ.
5. ما هي دلالةُ المكانِ في النصّ؟
6. صفْ بكلماتِكَ سحرَ عيونِ المحبوبةِ من خلالِ البيتينِ التاسعِ والعاشرِ.
7. ما المقصودُ بالشيطانِ في البيتِ الأخيرِ في كلِّ منَ الصدرِ والعجزِ؟
8. اُذكرْ أركانَ التشبيهِ في البيتِ الثاني.
9. هاتِ مثالاً على الطباقِ مِنَ النصّ، مبيّناً الغرضَ من استخدامِهِ.
10. اِشرح المجازَ في البيتِ التاسعِ، مبيّناً الغرض من استخدامِهِ.
11. ما هي دلالةُ التكرارِ في البيتِ الحادي عشَرَ؟
*99*
*99*
وصفُ الذئبِ (خرجَ الفرزدقُ في نفرٍ من الكوفةِ يريدُ يزيدَ بْنُ المهلّب، فلمّا نَزَلوا آخر الليل عند مكانٍ يسمّى الغربين، وعلى بعير لهم ذبيحةٌ مسلوخةٌ كان قد نحرها، فجاء الذئب فحرّكها، وهي مربوطة على البعير، فذعرت الإِبل، وجفلت الركاب منه وثار الفرزدق، فأبصر الذئبَ ينهشها، فقطع رجل الشاة ورمى بها للذئب، فأخذها وتنحّى، ثم عاد فقطع اليد فرمى بها إليه، فلما أصبح القوم خبّرهم الفرزدق بما كان، وأنشد هذه القصيدة من 47 بيتاً).
الفرزدقُ (؟؟-110 ه)، (؟؟-728 م)
همّامُ بْنُ غالبِ بْنُ صعصعةَ التيميميُّ، من أهلِ البصرةِ، شاعرٌ أمويٌّ معروفٌ، اشتهرَ بنقائضِهِ مع جريرٍ والأخطلِ. لُقّبَ بالفرزدقِ وهو الرغيفُ (فارسيّة) لضخامةِ وجهِهِ وغلظِهِ. كانّ سيّداً نبيلاً، وكانَ جدُّهُ صعصعةُ محيي الموءوداتِ في الجاهليّةِ. كان الفرزدقُ يتنقّلُ بين الولاةِ والأمراءِ يمدحُهم ثمّ يهجوهم ثمّ يمدحُهم. ولم يمدحِ الخلفاءَ لأنّهُ كانَ متشيّعاً مجاهراً لآل البيتِ، وقصّتهُ معروفةٌ مع هشامِ بنِ الملكِ حينَ تنكّرَ لزينِ العابدينَ عليِّ بنِ الحسينِ في موسمِ الحجِّ، فقالَ في مدحِ الأخيرِ قصيدتَهُ المشهورةَ (هذا الذي تعرفُ البطحاءُ وطأَتَهُ) مُعرِّضاً بهشامٍ وتنكّرِهِ.
تبادلَ الهجاءَ مع جريرٍ ما يقاربُ نصفَ قرنٍ، ولكنّهما كانا صديقينِ يمشيانِ معاً في الأسواقِ، ولكلِّ منهما أسلوبُهُ في عداوةِ الآخرِ وصداقتِهِ.
كانَ الفرزدقُ عظيمَ الأثرِ في اللغةِ، وقد قيلَ: (لولا شعِرُ الفرزدقِ لذهبَ ثلثُ لغةِ العربِ، ولولا شِعرُهُ لذهبَ نصفُ أخبارِ الناس).
عُرفَ عن الفرزدقِ أنّهُ كانَ زيرَ نساءٍ، لكنْ يُعرفْ لهُ بيتٌ واحدٌ في النسيب.
توفّيَ عن عمرٍ جاوز المئةَ.
*100*
1. وَأطْلَسَ (الأطلس: الذئب الأمعط، في لونه غبرة إلى السواد) عَسّالٍ (عسّال: مضطرب المشي)، وَما كانَ صَاحِباً، دَعَـوْتُ بِنَارِي مَوْهِناً (موهناً: منتصف الليل أو بعده بساعة) فَـأتَاني
2. فَلَمّا دَنَا قُلتُ: ادْنُ دونَكَ، إنّني وَإيّاكَ في زَادِي لمُـشْـتَرِكَانِ
3. فَـبِتُّ أُسَوّي الزّادَ بَيْني وبَيْنَهُ، عـَلى ضَوْءِ نَارٍ، مَرّةً، وَدُخَانِ
4. فَـقُلْتُ لَهُ لمّا تَكَـشّرَ ضَاحِكاً، وَقَائِمُ سَيْفي مِنْ يَدِي بمَكَانِ
5. تَـعَـشَّ فَإنْ وَاثَقْتَني لا تَخُونُني، نَكُنْ مثلَ مَنْ يا ذئبُ يَصْطَحبانِ
6. وَأنتَ امرُؤٌ، يا ذِئبُ، وَالغَدْرُ كُنتُما أُخَيَّيْن، كَانَا أُرْضِعَا بِلِبَانِ
7. وَلَوْ غَيْرَنا نَبّهَت تَلتَمِسُ القِرَى أتَاكَ بِسَهْمٍ أوْ شَبَاةِ (شباة: طرف السيف وحدّه) سِنَانِ
8. وَكُلُّ رَفيقَيْ كلِّ رَحْلٍ، وَإن هُما تعاطَى القَنَا قَوْاهُما، أخَوَانِ
9. وَإنّا لَتَرْعَى الوَحْشُ آمِنَةً بِنَا، وَيَرْهَبُنَا، أنْ نَغضَبَ، الثّقَلانِ (الثقلان: الإِنسُ والجنُّ)
10. فَضَلْنَا بِثِنْتَينِ المَعَاشِرَ كُلَّهُمْ: بِأعْظَمِ أحْلامٍ لَنَا وَجِفَانِ
11. لَعَمرِي لِنعم القَوْمُ قُوْمي، إذا دَعا أخُوُهمْ عَلى ُجلٍّ مِنَ الحَدَثَانِ
*101*
مناسبةُ القصيدةِ، علاقةُ الواقعِ بالأدبِ، الذئبُ والإنسانُ، الرفقُ بالحيوانِ، شهامةُ الفرزدقِ وكرمُهُ، الحذرُ، الغدرُ، صداقةُ الحيوانِ، البيئةُ العربيّةُ، الصياغةُ اللغويّةُ.
1. ما هي العناصرُ الحقيقيّةُ والعناصرُ التخييليّةُ في القصّةِ؟
2. علامَ يدلُّ قولُ الفرزدقِ للذئبِ (إنّني وَإيّاكَ في زَادِي لمشْتَرِكَانِ)؟
3. هل توافقُ الفرزدقُ على مشاركةِ الذئبِ في الطعامِ؟ علّلْ.
4. هاتِ دليلاً منَ النصّ على حذرِ الشاعرِ من الذئبِ.
5. بماذا يفخرُ الفرزدقُ في البيتِ العاشرِ؟
6. ما وجهُ المبالغةِ في البيتِ التاسعِ؟
7. ماذا يطلبُ الفرزدقُ منَ الذئبِ؟ وهل هذا الطلبُ ممكنٌ؟
8. ما هو تعليقكَ على التركيبِ اللغويِّ في صياغةِ البيتِ الثامنِ؟
9. هات مثالاً على الاستعارةِ في القصيدةِ، مبيّناً الهدفَ من استخدامِها.
10. هل كانَ الفرزدقُ سيُعتبرُ نصيراً لشعارِ (الرفق بالحيوانِ) لو عاشَ في زمانِنا؟ عَلّلْ.
11. بماذا تتشابهُ قصّة الفرزدقِ مع مجيرِ (أمّ عامر) الضبع؟ وبماذا تختلفُ؟
*102*
*102*
عمرُ بنُ عبدِ اللّه بنِ أبي ربيعةَ المخزوميُّ القرشيُّ، كنيتُهُ أبو الخطّابِ، وقد وُلدَ يومَ توفّيَ عمرُ بنُ الخطّابِ فسمّيَ على اسمِهِ. شاعرٌ أمويٌّ صاحبُ المذهبِ الحضريِّ (الإباحيِّ) في التغزّلِ، وقد جعلَ من الغزلِ فَنَّا مستقلاً، فلم يقلْ في مدحِ الخلفاء شيئاً، واختصَّ بمدحِ النساءِ والتغزّلِ بهنّ، وسردِ قصصِهِ وغراميّاتِهِ معهنّ، واختصَ بالطبقةِ الأرستقراطيّةِ منهنّ.
عُرفَ عنهُ الترفُ واللهوُ والمجونُ، والتعرّضُ للنساءِ في موسمِ الحجّ، وقد نفاهُ الخليفةُ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ إلى أرخبيلِ دهلكَ (جزرٌ في البحر الأحمر)، فأقامَ فيها، ثمّ غزا في البحرِ يوماً، فاحترقتِ السفينةُ بمن فيها، وماتَ عمرُ غرقاً.
يمتازُ شعرُهُ بالرقّةِ وسهولةِ اللفظِ والطابعِ الموسيقيِّ، وقد أكثرَ فيهِ من العناصرِ القصصيّة والحوار.
*103*
1. قالَ لي صاحِبي، لِيَعلَمَ ما بي: أَتُحِبُّ القَتولَ (القتول: اسم امرأة ومعناه القاتلة) أُختَ الرَبابِ؟
2. قُلتُ: وَجْدي بِها كَوَجْدِكَ بِالماءِ، إِذا ما مُنِعْتَ بَرْدَ الشَرابِ
3. مَن رَسولي إِلى الثُرَيّا (الثريّا: الثريّا بنت عليّ إحدى الشريفات. من ربّات الحسن والجمال، كانت تصنيف بالطائف. وكان عمر بن أبي ربيعة يَفِدُ عليها كلّ غداة إذا كانت بالطائف على فرسه ويشبّب بها. ولما تزوجّها سهل بن عبد الرحمن بن عوف الزهديّ ونقلها إلى مصر قال عمر لن أبي ربيعة:
أيها المنكح الثريّا سُهيلاً عَمْركَ اللّه كيف يلتقيانِ
هي شاميّةٌ إذا ما استلّقت وسهيل إذا استقلَّ يماني) بِأَنّي ضِقْتُ ذَرْعاً بِهَجرِها وَالكِتابِ (والكتاب: أقسمُ بالقرآن)
4. أَزْهَقَتْ أُمُّ نَوْفَلٍ إِذْ دَعَتْها مُهْجَتي (أزهقت مهجتي: أهلكت روحي)، ما لِقاتِلي مِنْ مَتابِ
5. حينَ قالَت لَها: أَجيبي، فَقالَت: مَنْ دَعاني؟ قالَتْ: أَبو الخَطّابِ
6. أَبرَزوها مِثلَ المَهاةِ (المهاة: البقرة الوحشيّة) تَهادى (تهادى: تتهادى: تتمايل في مشيتها)، بَينَ خَمسٍ كَواعِبٍ (الكاعب: الفتاة الناهدة (بارزة النهد)) أَترابِ (أتراب: متماثلات في السنّ)
7. فَأَجابَتْ عِندَ الدُعاءِ كَما لَبّى رِجالٌ يَرجونَ حُسْنَ الثَوابِ (يقصد الحجيج)
8. وَهيَ مَكنونَةٌ (مكنونة: مستورة مَصونة) تَحَيَّرَ (تحيّر الماء: اجتمع ودارَ) مِنها، في أَديمِ الخَدَّينِ، ماءُ الشَبابِ
9. دُميَةٌ عِندَ راهِبٍ ذي اِجتِهادٍ، صَوَّروها في جانِبِ المِحرابِ
10. وَتَكَنَّفْنَها كَواعِبُ بيضٌ، واضِحاتُ الخُدودِ، وَالأَقرابِ (أقراب: خواصر، مفردها قُرْبٌ)
11. ثُمَّ قالوا: تُحِبُّها؟ قُلتُ: بَهراً (بهراً: كثيراً، عجباً)، عَدَدَ النَجمِ وَالحَصى وَالتُرابِ!
*104*
12. حينَ شَبَّ القَتولَ (القتول: يقصد العيون القاتلة) وَالجيدَ مِنها حُسنُ لَونٍ (شبّها حسنُ لونٍ: زادها جمالاً) يَرِفُّ كَالزِريابِ (الزرياب: الذهب، وطائر أسود حسن الصوت)
13. أَذْكَرَتْني مِن بَهجَةِ الشَمسِ، لَمّا طَلَعَتْ مِن دُجُنَّةٍ (دُجنّة: مطبق الغيم) وَسَحابِ
14. فَارجَحَنَّتْ (ارجحنّت: اهتزّت ومالت) في حُسْنِ خَلقٍ عَميمٍ، تَتَهادى في مَشيِها كَالحُبابِ (الحُباب: الثعبان)
15. قَلَّدوها، مِنَ القَرَنفُلِ وَالدُرّ، سِخاباً، واهاً لَهُ مِنْ سِخابِ (سخاب: عقد من قرنفل ودرر)
مفاتيح النصّ:
الغزلُ الحضريّ، تعدّدُ المعشوقاتِ، جمالُ المحبوبةِ، حوريّاتُ الجنّةِ، حبُّ الأطفالِ، الأسلوبُ القصصيُّ، الحوارُ.
مَهامّ:
1. عدّدِ النساءَ اللواتي ذُكرتْ أسماؤهنَّ في القصيدةِ.
2. من هي الشخصيّةُ النسائيّةُ التي تستأثرُ بالقسمِ الأكبرِ من القصيدةِ؟
3. صفْ جمالَ الثريّا من خلال النصّ.
4. تحدّثْ عن دورِ (أم نوفل) في التواصلِ بين الشاعرِ والثريّا.
5. تظهرُ طفولةُ الشاعرِ من خلالِ إجابتهِ كمْ يحبُّ الثريّا. ما هو موقفُك من ذلكَ؟
6. ما العلاقةُ بين البيتِ السادسِ والآية الثالثةِ والثلاثينَ من سورة (النبأ)؟
*105*
7. أيُّ الأبياتِ ينعكسُ المقولةَ (الثريّا لوحةٌ فنيّةٌ للتأملِ الباطنيّ)؟
8. وضّحْ جماليّةَ التصويرِ الحسّيِّ في البيتين الأخيرينِ.
9. هاتِ مثالينِ على التّشبيهِ في النصِّ، مُبيّناً الغرضَ من استخدامهِ.
10. ما هو دورُ الحوارِ في القصّة الشعريّة؟
*106*
*106*
تُماضرُ بنتُ عمرِو بنِ الشريدِ السلميّةُ، شاعرةٌ مخضرمةٌ من أشهرِ شاعراتِ العرب وأجودهنّ شعراً. أدركت الإِسلامَ فوفدت مع قومها بني سُلَيمٍ على الرسول صلّى اللّه عليهِ وسلّم، فأسلموا جميعاً، وقد استنشدها شعراً، فأنشدت، فكانَ الرسولُ يقولُ: هيه يا خنساءُ، تعبيراً عن إعجابِهِ بشعرِها.
أبدعتِ الخنساءُ منذ الجاهليّةِ في فنّ الرثاءِ، وكان مقتلُ أخويها صخرٍ ومعاويةَ الموضوعَ الرئيسيَّ في مراثيها، فرثتهما وبكتهما حتى عميت، وفي رثائِها عاطفةٌ صادقةٌ وعبارةٌ ليّنةٌ، ومبالغةٌ ظاهرةٌ.
اشتركَ أبناؤها الأربعةُ في معركةِ القادسيّةِ فاستشهدوا جميعاً، ولمّا تأكّدت أنّ الإِصابةَ في صدورهِم، قالت: (الحمدُ لله الذي شرّفني بقتلِهم، وأرجو من اللّه أن يجمعَني بهم في مستقَرِّ رحمتِهِ).
*107*
الخنساء
1. قَذىً بِعَينِكِ أَمْ بِالعَينِ عُوّارُ (العوّار: وجع في العين) أَمْ ذَرَفَتْ (ذرّفت: قطرت قطراً متتابعاً) إِذْ خَلَتْ مِن أَهلِها الدارُ
2. كَـأَنَّ عَـيني لِذِكراهُ إِذا خَطَرَتْ فَـيضٌ يَسيلُ عَلى الخَدَّينِ مِدرارُ
3. تَبكي لِصَخرٍ هِيَ العَبْرَى (العبرى: الدامعة) وَقَدْ وَلِهَتْ (ولهت: حزنت) وَدونَهُ مِن جَديدِ التُرْبِ أَستارُ
4. تَبكي خُناسٌ فَما تَنفَكُّ ما عَمَرَتْ لَها عَلَيهِ رَنينٌ وَهيَ مِفْتارُ (مفتار: منكسرة ضعيفة، فهي مقصّرة في إيفائه حقّه)
5. تَـبكي خُناسٌ عَلى صَخرٍ وَحُقَّ لَها إِذ رابَـها (رابها: أصابها) الدَهرُ، إِنَّ الدَهرَ ضَرّارُ
6. وَما عَجولٌ (العجول: الثكلى الوالهة الفاقدة لولدها) عَلى بَوٍّ (البوّ: الحوار، ولد الناقة الذي يموت، فيؤخذ جلده ويحشى ويدنى من أمّه ولدها، فترأمه. يفعلون ذلك لتبقى تذرّ اللبن) تُطيفُ بِهِ (أطاف بالشيء: أحاط به ودار حوله) لَها حَنينانِ: إِعْلانٌ وَإِسْرارُ
7. يَوْماً بِأَوْجَدَ مِنّي يَوْمَ فارَقَني صَخْرٌ وَلِلدَهرِ إِحلاءٌ وَإِمرارُ
8. وَإِنَّ صَخـراً لَوالِينا وَسَيِّدُنا وَإِنَّ صَخْراً إِذا نَشْتو لَنَحّارُ
9. وَإِنَّ صَخراً لَمِقْدامٌ إِذا رَكِبوا وَإِنَّ صَخْراً إِذا جاعوا لَعَقّارُ (عقّار: كثير الذبح)
10. جَلْدٌ جَميلُ المُحَيّا كامِلٌ وَرِعٌ وَلِلحُروبِ غَـداةَ الرَوعِ مِسعارُ (مسعار: موقد الحرب)
*108*
رثاءُ أخٍ، الحزنُ، البكاءُ، الذكرياتُ، الندْبُ (البكاءُ وتعدادُ مناقبِ الموتى)، مصابُ الدهرِ، صِيغُ المبالغةِ، الأنافورا، صيغ التأكيد.
1. اِستخرجِ الكلماتِ التي لها علاقةٌ بالبكاءِ منَ النصِّ.
2. منِ المخاطبُ في البيتِ الأوّلِ؟ ماذا نسمّي هذا الأسلوبَ؟ وما الهدفُ من استخدامِهِ؟
3. اِشرح التصريعَ في مطلعِ القصيدة، مُبيّناً الغرضَ من استخدامِهِ.
4. في الأبياتِ (3، 4، 5) أنافورا (تكرار الصدارة أو قافيةٌ استهلاليّةٌ). اُكتبْها ووضّحِ الهدفَ منها.
5. كيف تنعكسُ صورةُ الدهرِ في القصيدةِ؟
6. ما هي الصفاتُ التي تندبُ بها الخنساءُ أخاها؟
7. اِشرحْ مبنى البيتين الثامنِ والتاسعِ من حيثُ التركيبُ اللغويُّ ومبنى الجملةِ.
8. يخلو صدرُ البيتِ الأخيرِ من حروف العطفِ. ما الهدفُ من ذلكَ؟
9. اِشرحْ وجهَ الشبهِ في المقارنةِ التي يتضمّنُها البيتانِ السادسُ والسابعُ.
10. استخرجْ ثلاثَ صيغِ مبالغةٍ في النصّ شارحاً الهدفَ من إيرادها.
*109*
*109*
أخذتِ الحواضرُ في العصرِ العبّاسيِّ مركزيّةَ البيئةِ الشعريّةِ، بدلَ البوادي، كبغدادَ والكوفةِ والبصرةِ والشامِ، وضعُفَ الشعرُ السياسيُّ والحماسيُّ، باستثناءِ ما كانَ بين الشيعةِ والعبّاسيّينَ، وبين العربِ والشعوبيّةِ، كما استغنت مظاهرُ الفسادِ والمجونِ عن الشعرِ العذريّ، وحاولَ أبو نُواسٍ التجديدَ بأشكالِ الشعْرِ من خلالِ المقدّمةِ الخمريّةِ بديلاً للمقدّمةِ الطلليّةِ، وظهرَ الشعرُ الفلسفيُّ بنظرتهِ التحليليّةِ، والشعرُ الصوفيُّ الذي رقى بالروحِ والغزلِ بعيداً عن المادّيّاتِ، واستدعتْ نهضةُ العلومِ والمعارفِ إلى نشوء الشعرِ التعليميِّ، وظهرتْ أساليبُ التهكّمِ والهزلِ شعراً، وإلى التراسلِ بواسطة الشعرِ، واستقلّت الزهديّاتُ والخمريّاتُ، وظهرتِ الطرديّاتُ.
كما قويَ غَرضَا المدحِ والرثاءِ، لارتباطهِما بالخلفاءِ والأعيانِ، وكذلك اتُّخذَ الهجاءُ وسيلةً للتكسّبِ، فمال إلى الإِقذاعِ. وبرز شعرُ الحكمةِ تعبيراً عن تجربةِ الحياةِ والحاجةِ إليها في ظلّ الفسادِ واختلالِ القيمِ، وتأثراً بالحكمةِ الفارسيّةِ والهنديّةِ، ونتيجةً لهذا الاختلالِ القيميّ، تغيّرَ شكلُ الغزلِ، وأصبحَ أكثرَ إباحيّةً وبذاءةً، بسببِ كثرةِ القيانِ والغلمانِ، وظهرَ التغزّلُ بالمذكّرِ من غلمانِ التركِ والروم والدَيْلَمَ.
أمّا الوصفُ فقد مالَ إلى رصدِ مظاهرِ العمرانِ والقصورِ والحدائقِ والبركِ والأطعمةِ، وغيرِها من مظاهر الترف.
حافظتِ القصيدةُ العربيّةُ في العصرِ العبّاسيِّ على شكلِها، من قافيةٍ ورويٍّ ووزنٍ، باستثناءِ بعضِ المحاولات التي قام بها أبو العتاهية في إعمالِ بعض الأوزانِ المهملة، كما حافظتْ على مبناها التقليديِّ في ترتيبِ أغراضِها، ابتداءً بالغزلِ ووصفِ الرحلةِ وانتهاءً بالغرضِ المركزيِّ.
*110*
حرصتِ القصيدةُ على التناسبِ والترابطِ، واستخدامِ الأوزانِ الخفيفةِ، وهجرِ الغريبِ من اللغةِ، واعتمادِ العذوبةِ والوضوحِ، والتزامِ البديعِ والبيانِ، فغلبتِ الصنعةُ على الشعرِ. لقد ابتدأ العصرُ العبّاسيُّ بحركةٍ تجديديّةٍ، كخمريّاتِ أبي نُواس وطرديّاتِهِ، ومجونيّاتِ بشّارِ بنِ برد، وزهديّاتِ أبي العتاهيّة وأوزانهِ، لكنْ سرعانَ ما عاد الاتجاهُ إلى التقليدِ والأصالةِ، في فترة أبي تمّام وابنِ الروميّ والبحتريِّ، وفيما بعدَهُ ابتدأتْ مرحلةُ الاستقرارِ في فترة المتنبّي وأبي العلاءِ وأبي فراسٍ الحمدانيّ، ثمّ تبعتها مرحلةُ التدرّجِ نحوَ الزخرفِ إلى حدّ الإِغراقِ في الصنعةِ، وهي مرحلةٌ امتدّتْ حتّى نهايةِ العصرِ العبّاسيِّ وتجاوزتْهُ إلى فترةِ عصرِ الانحطاطِ.
*111*
*111*
حبيبُ بْنُ أوسٍ الطائيُّ، شاعرٌ عباسيٌّ وناقدٌ ومصنِّفٌ أدبيٌّ. وُلدَ في جاسم، في حوران السوريّةِ، ونالَ الإِجازةَ على شعراءِ عصرهِ في أيّامِ المعتصمِ العبّاسيِّ، وماتَ مبكّراً، بعد ولايتِهِ بريدَ الموصلِ بسنتينِ.
ذهبَ مرجليوت أنّ والدَ أبي تمّام نصرانيٌّ كان يُسمّى (ثادوس) أو (ثيودوس)، اعتنقَ الإِسلامَ فغيّرَ اسمهُ إلى أوس، ووصلَ نسبَهُ بقبيلةِ طيء.
تنقّلَ أبو تمّام بين حمص، حيثُ تتلمذَ على ديكِ الجنّ، ومصرَ والعراقِ.
كانَ أبو تمّام فصيحاً عالماً بالنقدِ والأدب، يحفظُ أربعةَ عشرَ ألفَ أرجوزةٍ، إضافةً إلى القصائدِ والمقطوعاتِ الشعريّةِ، وكان يصحبُ روايةً لهُ يلقي عنهُ القصائدَ على مسامعِ الخلفاءِ والأمراء، بسبب صوتهِ الأجشّ، وتميمةٍ يسيرةٍ في لسانِهِ.
شعرهُ جزلٌ متماسكٌ غنيٌّ بالثقافةِ والمعاني المبتكرة، متعدّدُ الأغراضِ من مديحٍ ووصفٍ للطبيعةِ والمعاركِ ورثاءٍ وفخرٍ وزهدٍ.
له ديوانٌ كبيرٌ ومصنّفاتٌ منها: ديوانُ الحماسةِ، فحولُ الشعراءِ، مختارُ أشعارِ القبائلِ، نقائضُ جريرٍ والأخطلِ، والوحشيّاتُ.
*112*
أبو تمّام
1. اَلسَيْفُ أَصْدَقُ أَنْباءً مِنَ الكُتُبِ في حَدِّهِ الحَدُّ بَيْنَ الجِدِّ وَاللَعِبِ
2. بِيضُ الصَفائِحِ (بيض الصفائح: السيوف) لا سُودُ الصَحائِفِ (سود الصحائف: كناية عن أقوال المنجّمين) في مُتونِهِنَّ جِلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ
3. وَالعِلْمُ في شُهُبِ الأَرْماحِ لامِعَةً بَيْنَ الخَميسَيْنِ (الخميس: الجيش) لا في السَبْعَةِ الشُهُبِ (السبعة الشهب: الكواكب السبعة)
4. أَيْنَ الرِوايَةُ بَلْ أَيْنَ النُجومُ وَما صَاغُوهُ مِنْ زُخْرُفٍ فيها وَمِنْ كَذِبِ
5. وَخَوَّفُوا الناسَ مِنْ دَهْيَاءَ (دهياء: الداهية من شدائد الدهر) مُظْلِمَةٍ إِذَا بَدَا الكَوْكَبُ الْغَرْبِيُّ ذُو الذَنَبِ
6. وَصَيَّروا الأَبْرُجَ العُلْيا مُرَتَّبَةً مَا كانَ مُنْقَلِباً أَو غَيْرَ مُنْقَلِبِ
7. يا يَوْمَ وَقْعَةِ عَمُّورِيَّةَ اِنْصَرَفَتْ مِنْكَ المُنَى حُفَّلاً مَعْسُولَةَ الحَلَبِ
8. لَقَدْ تَرَكْتَ أَمِيرَ المُؤْمِنينَ بِها لِلنارِ يَوْماً ذَلِيلَ الصَخْرِ وَالخَشَبِ
9. غادَرْتَ فيها بَهيمَ اللَيْلِ وَهْوَ ضُحىً يَشُلُّهُ وَسْطَها صُبْحٌ مِنَ اللَهَبِ
10 حَتّى كَأَنَّ جَلابِيبَ الدجَى رَغِبَتْ عَنْ لَوْنِها وَكَأَنَّ الشَمْسَ لَمْ تَغِبِ
11. ضَوْءٌ مِنَ النارِ وَالظَلْمَاءُ عاكِفَةٌ وَظُلْمَةٌ مِنْ دُخَانٍ في ضُحىً شَحِبِ
12. تَدْبيرُ مُعْتَصِمٍ بِاللَّهِ مُنْتَقِمِ للهِ مرتْقبٍ في اللهِ مُرْتغِبِ
13. لوْ لمْ يَقُدْ جَحْفَلاً (الجحفل: الجيش الكثير العدد) يَوْمَ الْوَغَى لَغَدَا مِنْ نَفْسِهِ وَحْدَهَا في جَحْفَلٍ لَجَبِ (لجب: الجيش الكثير العدد)
14. رَمَى بِكَ اللهُ بُرْجَيْها فَهَدَّمَها ولَوْ رَمَى بِكَ غَيْرُ اللهِ لَمْ تُصِبِ
15. تِسْعُونَ أَلْفاً كَآسَادِ الشَّرَى (الشرى: منطقة تكثر فيها الأسود) نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ قَبْلَ نُضْجِ التينِ والعِنَبِ
*113*
16. بَصُرْتَ بالرَّاحَة ِ الكُبْرَى فَلَمْ تَرَها تُنَالُ إِلاَّ على جِسْرٍ مِنَ التَّعبِ
17. إِن كان بَيْنَ صُرُوفِ (صروف: أحداث) الدَّهْرِ مِن رَحِمٍ مَوْصُولَة ٍ أَوْ ذِمَامٍ (الذمام: الحُرمة والعهد) غَيْرِ مُنْقَضِبِ (منقضب: مقطوع)
18. فبَيْنَ أيَّامِكَ اللاَّتي نُصِرْتَ بِهَا وبَيْنَ أيَّامِ بَدْرٍ أَقْرَبُ النَّسَبِ
الحربُ ضدَّ الرومِ، السيفُ الحاسمُ، كَذَبَ المنجّمونَ ولو صدقوا، المعتصمُ العبّاسيُّ، وقعةُ عمّوريّةَ، وصفُ المعركةِ، مدحُ المعتصمِ، نتيجةُ المعركةِ، قدسيّةُ المعركةِ، تمجيدُ القوّةِ العسكريّةِ، الصورُ البيانيّةُ، الأساليبُ الفنّيّةُ.
1. ما هو الموضوعُ العامُّ الذي يتحدّثُ عنه النصُّ؟
2. ما هو موقفُ أبي تمّامٍ منَ المنجّمينَ؟
3. وضّحْ أهمّيّةَ مضمونِ مطلعِ القصيدةِ بالنسبةِ لباقي الأبياتِ.
4. كيف تنعكسُ صورةُ المعتصمِ العبّاسيِّ في النصِّ؟
5. ما هي أهمّيّةُ التشبيهِ المُستخدمِ في البيتِ الأخيرِ؟
6. صفْ معركةَ عموريّةَ بكلماتِكَ اعتماداً على مشاهد النصّ.
7. ما هو موقفُكَ من الذينَ يتعاطَوْنَ بالتنجيمِ في أيّامنا؟
8. تكثرُ في النصِّ العناصرُ الإِيقاعيّةُ الموسيقيّةُ والتقفيات الداخليّة. هاتِ مثالينِ على ذلكَ.
*114*
9. اِشرحِ التشبيهيِن المُستخدَميْنِ في البيتينِ العاشرِ والخامسَ عشرَ، مبيّناً الهدفَ من استخدامهما.
10. ما هي الأهمّيّةُ التاريخيّةُ للقصيدةِ؟
11. هات مثالاً على الطباقِ وآخرَ على التجانسِ الصوتيِّ في النصِّ، مبيّناً الهدفَ من استخدامِ كلٍّ منهما.
12. ما هيَ العلاقةُ الدلاليّة بينَ لفظةِ (الخميس) ومعناها؟
13. اِشرحِ الجريانَ الذي في البيتين السابع عشر والثامن عشر، مبيّناً الهدفَ من استخدامِه.
14. اِشرح تعريضَ الشاعِرِ بالمنجّمين من خلالِ الكنايَةِ في البيت الخامس عشر.
15. اِستخرج مثالينِ على المبالغة في النصّ وبيّنْ أهمّيّتها.
*115*
*115*
الوليدُ بنُ عُبيدٍ الطائيُّ البُحتريُّ، شاعرٌ عبّاسيٌّ معروفٌ، وُلدَ في منبجَ بين حلبَ والفراتِ، تتلمذَ على أبي تمّامٍ وأخذَ عنهُ جزالةَ الشعرِ واختيارَ الألفاظِ وطريقتَهُ في استخدامِ البديعِ.
حَظِيَ البحتريُّ لدى الخليفةِ المتوكّل ووزيرهِ الفتحِ بنِ خاقانَ، فلمّا قُتلا لم يلبث أن عادَ إلى مسقطِ رأسِهِ، وبقي فيها حتّى ماتَ.
شِعرُهُ بدويُّ النزعةِ بعيدٌ عن مظاهرِ الحضارةِ، وألفاظُ لغتِهِ عاليةٌ، وقد أُطلقَ على شِعرِهِ سلاسلُ الذهبِ، أمّا أغراضُهُ فمتنوّعةٌ من مدحٍ وعتابٍ ورثاءٍ ووصفٍ. وقد برعَ في الوصفِ لمظاهرِ الطبيعةِ والعمرانِ، مستخدماً التصويرَ والتقاطَ التفاصيلِ الطريفةِ المحسوسةِ، لتأليفِ لوحاتٍ متناسقةٍ، تفيضُ بالحركةِ والحياةِ، وتنضحُ بصورٍ شعريّةٍ يمكنُ رسمُها، وتعجُّ بالعناصرِ الموسيقيّةِ.
اختُلفَ في مكانةِ البحتريِّ بين المتنبّي وأبي تمّام، فقال المعرّيّ (حينما سُئلَ: أيُّ الثلاثةِ أشعرُ؟): المتنبّي وأبو تمّامٍ حكيمانِ، وإنّما الشاعرُ البُحتريُّ.
لهُ ديوانُ شعرٍ، وكتابُ الحماسةِ على مثالِ حماسةِ أبي تمّام.
*116*
البحتري
1. صُنْتُ نَفْسِي عَمّا يُدَنِّسُ نَفْسي وَتَرَفّعتُ عن جَدا (جدا: عطاء) كلِّ جِبْسِ (جِبس: جبان)
2. حَضَرَتْ رَحْليَ الْهُمُومُ فَوَجّهْــتُ (م) إلى (أَبْيَضِ المَدائنِ) (أبيض المدائن: قصر كسرى في المدائن) عَنْسِي (العنس: الناقة القويّة)
3. أَتَسَلَّى عَنِ الحُظُوظِ، وَآسَى (آسى: أتعزّى) لِمَحَلٍّ مِنْ (آلِ ساسانَ) دَرْسِ (درسٍ: ما امّحت آثاره)
4. أَذْكَرَتْنِيهِمُ الخُطُوبُ (الخطوب: مصائب الدهر الكبيرة) التّوَالي وَلَقَدْ تُذْكِرُ الخُطُوبُ وَتُنْسِي
5. وَهُمُ خافِضُونَ في ظِلِّ عَالٍ مُشْرِفٍ يُحْسِرُ (يُحسر: يتعب البصر) العُيونَ وَيُخْسِي (يُخسي: مخفّفة من يخسئ: يُتْعب)
6. لَوْ تَرَاهُ عَلِمْتَ أنَّ اللّيَالِي جَعَلَتْ فِيهِ مأْتَماً بَعْدَ عُرْسِ
7. وَهْوَ يُنْبِيكَ عَنْ عَجائِبِ قَوْمٍ لا يُشَابُ الْبَيانُ فِيهمْ بِلَبْسِ
8. وإِذا ما رَأيْتَ صُورَةَ (أنْطَاكيَّةَ) (م) ارْتَعْتَ بَيْنَ (رُومٍ) وَ (فُرْسِ)
9. والمَنَايَا مَوَاثِلٌ، وَ (أَنُوشَرْوانُ) (م) يُزْجي (يُزجي: يسوقُ بلطف) الصُفوفَ تَحْتَ الدِّرَفْسِ (الدرفس: العَلَم الكبير)
10. وَعِرَاكُ الرِّجَالِ بَيْنَ يَدَيْهِ في خُفوتٍ مِنْهُمْ وإِغماضِ جَرْسِ (الجرْس: الصوت الحفيّ)
11. مِنْ مُشيحٍ (المُشيح: المُجِدّ المُسرع) يَهْوي بِعامِلِ رُمْحٍ (عامل الرمح: صدره دون السِنان)، وَمُليحٍ (مُليح: مُلوّح ومُحرّك) مِنَ السِنانِ بتُرْسِ
*117*
12. تَصِفُ الْعَيْنُ أَنَّهُمْ جِدُّ أحْيَاءَ (م) لَهُمْ بَينَهُمْ إشارَةُ خُرْسِ
13. يَغْتَلي فِيهِمُ ارْتِيابيَ حَتَّى تَتقرّاهُمُ (تتقرّى: تتبّع) يَدايَ بلَمْسِ
14. وَكَأنَّ (الإِيوَانَ) مِنْ عَجَبِ الصّنْــعَةِ (م) جَوْبٌ (جَوب: تُرس) في جَنْبِ أرْعَنَ (الأرعن: الأنف العظيم في الجبل) جَلْسِ (الجَلس: الجبل)
15. لَيسَ يُدْرَى أَصُنْعُ إنْسٍ لِجِنٍّ سَكَنوهُ، أمْ صُنْعُ جِنٍّ لإِنْسِ؟
16. عُمِّرَتْ للسّرُورِ دَهْراً، فصَارَتْ للتَعَزّي رِبَاعُهُمْ، وَالتأَسّي
مفاتيح النصّ:
الوصفُ كغرضٍ شعريّ، المعالمُ الأثريّةُ، قصرُ كسرى، الأثرُ الخالدُ، بدائعُ العمرانِ، الحضارةُ الفارسيّةُ، تجسيدُ التاريخِ، براعةُ التصويرِ، تكرار حرف السينِ.
1. ما الهدفُ من زيارةِ الشاعرِ لإِيوانِ كسرى؟
2. صفْ مظاهرَ الحزنِ المعلّقةَ بالإِيوانِ.
3. كيفَ يتجلّى فنُّ النّحتِ ومحاكاتُهُ للواقعِ من خلالِ النصِّ؟
4. يصوّرُ البحتريّ جماليّةَ الفنِّ المعماريِّ الفارسيِّ. وضّحْ ذلكَ.
5. هلْ كانَ البحتريُّ محايداً في مشاعرِهِ تجاهَ الفُرسِ؟ علّلْ رأيَكَ.
6. ما هيَ أهمّيّةُ إيوانِ كسرى منَ الناحيةِ التاريخيّةِ؟
7. صفْ لغةَ البحتريّ، مفرداتِهِ وتعابيرَهُ. ما موقفُكَ منها؟
8. هاتِ مثالينِ على الطباقِ في القصيدةِ، مبيّناً الهدفَ مِنَ استخدامِه.
*118*
9. اِشرحِ التشبيهَ المستخدمَ في البيت الرابع عشرَ، مبيّناً الهدفَ مِنَ استخدامِه.
10. ما الذي يُضيفهِ اختيارُ حرفِ السينِ رويّاً للقصيدةِ برأيكَ؟
11. اِشرحْ جماليّةَ النظمِ في البيتِ ما قبلَ الأخير.
*119*
*119*
أحمدُ بنُ الحسينِ الكِنْديِّ، أبو الطيّبِ المتنبّي، شاعرٌ عبّاسيٌّ معروفٌ من أعلامِ الشعرِ في القرنِ الهجريِّ الرابعِ. وُلدَ في محلّةِ كِنْدةَ في الكوفةِ، ونشأَ في الشام والباديةِ يطلبُ الفصاحةَ وعلمَ العربيّةِ. ادّعى النبوّةَ وهوَ صبيٌّ وسُجنَ حتّى تابَ عن دعواهُ.
مدحَ سيفَ الدولةِ الحمدانيَّ وحظي عندهُ، ثمّ انتقلَ إلى مصرَ فمدحَ ابنَ العميدِ في فارسَ، وكانت معهُ مساجلاتٌ، ثمّ عَضُدَ الدولةِ البويهيَّ في شيرازَ. عادَ إلى بغداد، وفي الطريقِ تعرّضَ لهُ فاتكُ بنُ جهلٍ الأسديُّ مع جماعةٍ، فاقتتلَ الطرفانِ وقُتلَ المتنبّي وابنهُ وغلامُه، بسبب قصيدةٍ هجا فيها المتنبّي ضبّةَ ابنَ يزيدَ الأسديَّ، وهو ابنُ أختِ فاتكٍ هذا.
يمتازُ شعرُ المتنبّي بالحكمةِ والجزالةِ وتعدّدِ الأغراضِ، ويعبّرُ عن شخصيّةٍ يحرّكُها الطموحُ والكبرياءُ والفكرُ القوميُّ، وعن فلسفةٍ خلاصتُها تجربةٌ في الحياةِ.
اعتُبر المتنبّي ظاهرةً شعريّةً مميّزةً أثارتِ النقّادَ حولَ شاعريّتِها، فكانَ له خصومٌ ومؤيّدونَ، وشُرحَ ديوانهُ شروحاتٍ عديدةً، وتُعتبرُ شخصيّتُهُ سبباً من أسبابِ انتشارِ شعرِهِ وشهرتِهِ.
*120*
المتنبّي
1. بِمَ التَعَلُّلُ (التعلّلُ: تطيّبُ النّفس بالأمل والراحة) لا أَهلٌ وَلا وَطَنُ وَلا نَديمٌ وَلا كَأسٌ وَلا سَكَنُ
2. أُريدُ مِن زَمَني ذا أَنْ يُبَلِّغَني مَا لَيسَ يَبْلُغُهُ مِن نَفسِهِ الزَمَنُ
3. لا تَلْقَ دَهرَكَ إِلّا غَيرَ مُكتَرِثٍ مَا دامَ يَصْحَبُ فيهِ رُوحَكَ البَدَنُ
4. فَما يُدومُ سُرورٌ مَا سُرِرْتَ بِهِ وَلا يَرُدُّ عَلَيكَ الفائِتَ (الفائت: الماضي) الحَزَنُ
5. ممّا أَضَرَّ بِأَهْلِ العِشْقِ أَنَّهُمُ هَوُوا وَمَا عَرَفوا الدُنيا وَما فَطِنوا
6. يَا مَنْ نُعيتُ عَلى بُعْدٍ بِمَجْلِسِهِ كُلٌّ بِما زَعَمَ الناعُونَ مُرْتَهَنُ (مرتهن: موقوف عليه)
7. كَمْ قَد قُتِلتُ وَكَمْ قَدْ مُتُّ عِندَكُمُ ثُمَّ اِنتَفَضْتُ فَزَالَ القَبرُ وَالكَفَنُ
8. قَد كانَ شَاهَدَ دَفني قَبلَ قَوْلِهِمِ جَماعَةٌ ثُمَّ ماتوا قَبلَ مَن دَفَنوا
9. مَا كُلُّ ما يَتَمَنَّى المَرءُ يُدْرِكُهُ تَجِري الرِّياحُ بِمَا لا تَشتَهي السُفُنُ
10. رَأَيتُكُم لا يَصُونُ العِرْضَ جارُكُمُ وَلا يَدِرُّ عَلى مَرْعَاكُمُ اللَبَنُ
11. جَزَاءُ كُلِّ قَرِيبٍ مِنكُمُ مَلَلٌ وَحَظُّ كُلِّ مُحِبٍّ مِنكُمُ ضَغَنُ (ضعن: كراهيّة، حقد)
12. وَتَغضَبونَ عَلى مَنْ نَالَ رِفدَكُمُ حَتّى يُعَاقِبَهُ التَنْغِيصُ وَالمِنَنُ
13. إِنّي أُصَاحِبُ حِلمي وَهْوَ بي كَرَمٌ وَلا أُصَاحِبُ حِلمي وَهْوَ بي جُبُنُ
14. وَلا أُقيمُ عَلى مالٍ أَذِلُّ بِهِ وَلا أَلَذُّ بِما عِرْضي بِهِ دَرِنُ (دَرِنٌ: وَسِخٌ)
*121*
شكوى الزمنِ، الطموحُ إلى العُلى، الوشاةُ والحاسدونَ، نعيُ المتنبّي كذباً، عتابٌ لسيفِ الدولةِ، التعريضُ بسيفِ الدولةِ، الفخرُ بالنفسِ، الحكمَةُ، التصديرُ، الأساليبُ البلاغيّةُ.
1. صفْ حالةَ المتنبّي النفسيّةَ من خلال المطلعِ.
2. حلّلْ شخصيّةَ المتنبّي منَ الداخلِ، بالاعتمادِ على الأبياتِ (2، 13، 14).
3. كيفَ يردُّ المتنبّي على مَنْ نَعَوْهُ حيّاً في مجلسِ سيفِ الدولةِ؟
4. يعاتبُ المتنبّي سيفَ الدولةِ على موقفِهِ. وضّحْ ذلكَ من خلالِ النصّ.
5. كيفَ يقيّمُ المتنبّي تجربتَهُ الشخصيّةَ في بلاطِ سيفِ الدولةِ؟
6. انتقلَ المتنبّي بعدَ هذهِ القصيدةِ إلى مصرَ مادحاً كافوراً الإِخشيديّ. هل توافقُهُ على ما فعلَ؟ علّلْ.
7. اِشرحِ الحكمةَ الواردةَ في البيتِ التاسعِ وعلاقتَها بالقصيدةِ.
8. قارن بين البيت التاسع وبيت أبي العتاهية:
ما كلّ ما يتمنّى المرءُ يدركهُ رُبّ امرئٍ حتفُهُ فيما تمنّاهُ.
9. في القصيدةِ أبياتٌ أخرى تعبّرُ عن حكمةٍ. ما هيَ هذهِ الأبياتُ؟
10. هات مثالاً على الطباقِ في القصيدةِ، مبيّناً الهدفَ مِنَ استخدامهِ.
11. حلّلْ مبنى البيتِ الأوّل لغويّاً وإيقاعيّاً.
12. اِشرحِ التصديرَ في البيتِ الثامنِ، مُبيّناً الغرضَ مِنَ استخدامهِ.
13. يُتّهمُ المتنبّي بنرجسيّةٍ عاليةٍ وكبرياءٍ. ما رأيُكَ بهذهِ التهمةِ اعتماداً على هذهِ القصيدةِ؟
*122*
*122*
1. لكلّ امرِئٍ مِنْ دَهْرِهِ ما تَعَوّدَا وعادَةُ سيْفِ الدّوْلةِ الطعنُ في العِدى
2. هُوَ البَحْرُ غُصْ فيهِ إذا كانَ ساكناً على الدُّرِّ وَاحذَرْهُ إذا كان مُزْبِدَا
3. تَظَلّ مُلُوكُ الأرْض خاشعَةً لَهُ تُفارِقُهُ هَلْكَى وَتَلْقاهُ سُجّدَا
4. وَتُحْيي لَهُ المَالَ الصوارِمُ (الصوارم: السيوف، ويقصد بالمال غنائم الحرب) وَالقَنَا وَيَقْتُلُ ما تحيي التّبَسّمُ وَالجَدَا (الجدا: العطاء)
5. وَما قَتَلَ الأحرارَ كالعَفوِ (كالعفو: الكاف اسم بمعنى مثل، وهو فاعل قَتَلَ) عَنهُمُ وَمَنْ لكَ بالحُرِّ الذي يحفَظُ اليَدَا
6. إذا أنْتَ أكْرَمتَ الكَريمَ مَلَكْتَهُ وَإنْ أنْتَ أكْرَمتَ اللّئيمَ تَمَرّدَا
7. وَوَضْعُ الندى في موْضعِ السّيفِ بالعُلى مُضِرٌّ كوَضْع السيفِ في موْضعِ الندى
8. أزِلْ حَسَدَ الحُسّادِ عَنّي بكَبْتِهمْ فأنتَ الذي صَيّرْتَهُمْ ليَ حُسّدَا
9. وَمَا أنَا إلاّ سَمْهَرِيٌّ (السمهريّ: نوع من الرماح) حَمَلْتَهُ فزَيّنَ مَعْرُوضاً وَرَاعَ مُسَدَّدَا
10. وَمَا الدّهْرُ إلاّ مِنْ رُواةِ قَصائِدِي إذا قُلتُ شِعراً أصْبَحَ الدّهرُ مُنشِدَا
11. أجِزْني إذا أُنْشِدْتَ شِعراً فإنّمَا بشِعري أتَاكَ المادِحونَ مُرَدَّدَا
12. وَدَعْ كلّ صَوْتٍ غَيرَ صَوْتي فإنّني أنَا الطّائِرُ المَحْكِيُّ وَالآخَرُ الصّدَى
13. تَرَكْتُ السُّرَى (السرى: سير الليل) خَلفي لمَنْ قَلّ مالُه وَأنعَلْتُ أفرَاسي بنُعْماكَ عَسجَدَا (العسجد: الذهب)
14. وَقَيّدْتُ نَفْسِي في ذَرَاكَ مَحَبّةً وَمَنْ وَجَدَ الإحْسانَ قَيْداً تَقَيّدَا
15.إذا سَألَ الإنْسَانُ أيّامَهُ الغِنى وَكنتَ على بُعْدٍ جَعَلْنَكَ موْعِدَا
*123*
مدحُ سيفِ الدولةِ، صفاتُ الممدوحِ، الشجاعةُ، الكرمُ، الحاسدونَ، رؤيةُ الشاعرِ لنفسهِ، الفخرُ الولاءُ للممدوحِ، التصديرُ، الأساليبُ البلاغيّةُ، الحكمةُ.
1. ما هيَ الصفاتُ التي يمدحُ بها المتنبّي سيفَ الدولةِ؟
2. ما الذي يَغيظُ المتنبّي من سيفِ الدولةِ بالنسبةِ لحسّادهِ؟
3. كيفَ ينعكسُ الشاعرُ في مرآةِ نفسهِ في النصّ؟
4. صفْ ولاءَ المتنبّي لسيفِ الدولةِ من خلالِ النصِّ.
5. لِشرحِ الحكمةَ في البيتينِ الخامس والسادسِ.
6. ما المميّزُ في مبنى البيتِ السابعِ؟
7. تغلبُ حاسّةُ السمعِ في الأبياتِ (10، 11، 12). وضّح ذلك.
8. اِشرحِ التصديرَ في البيتِ الرابعَ عشرَ، مبيّناً الهدف من استخدامهِ.
9. هاتِ مثالينِ على ألفِ الإِطلاقِ في النصّ. ما الهدفُ منها؟
10. ما هيَ قافيةُ القصيدةِ وحرفُ الرويِّ فيها؟
*124*
*124*
الحارثُ بنُ سعيدِ بنِ حمدانَ التغلبيُّ، أبو فِراسٍ الحمْدانيُّ، شاعرٌ عبّاسيٌّ وفارسٌ وأميرٌ، ابنُ عمِّ سيفِ الدولةِ. وُلدَ في الموصلِ لأبٍ عربيٍّ وأمٍ روميّةٍ. قُتلَ أبوهُ وهو طفلٌ، فتربى في كنفِ سيفِ الدولةِ، يغرفُ من البيئةِ الثقافيّةِ والحياةِ الأرستقراطيّةِ، ويتربّى تربيةً عسكريّةً.
ولّاهُ سيفُ الدولةِ منبجَ، وخاربَ معهُ ضدّ الرومِ في مواقعَ عديدةٍ، فأسروهُ مرّتينِ، وافتداهُ سيفُ الدولةِ في الأخيرةِ بأموالٍ طائلةٍ.
اشتُهرَ بروميّاتِهِ، وهي قصائدُهُ في فترةِ الأسرِ. وقد جمعَ ابن خالويهِ ديوانَهُ بعدَ وفاتِهِ، وأوردَ الثعالبيُّ قسماً من قصائدِهِ، خاصّةً الروميّاتِ، في (يتيمةِ الدهر).
ماتَ أبو فِراسٍ بأيدي رجالِ خالِهِ سعدِ الدولةِ، في محاولتِهِ امتلاكَ حلبَ، وكان بينهما تنافسٌ.
*125*
أبو فراس الحمدانيّ
1. أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ، أما لِلْهوَى نَهْيٌّ عَلَيْكَ وَلا أمْرُ؟
2. بَلى، أنا مُشتاقٌ، وَعِنديَ لَوْعَة ٌ، وَلَكِنَّ مِثْلي لا يُذاعُ لهُ سِرُّ!
3. إذا الليلُ أضْواني (أضواني: أضعفني، ضمّني إليه) بَسَطتُ يدَ الهَوى وَأذْلَلْتُ دَمْعاً مِنْ خَلائقهِ الكِبْرُ
4. مُعَلّلَتي (علّل بالشيء: ألهى بهِ) بالوَصْلِ، وَالمَوْتُ دُونَهُ، إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَلَ القَطْرُ!
5. وَفَيتُ، وَفي بَعضِ الوَفاءِ مَذَلّةٌ، لآنِسَة ٍ في الحَيِّ شِيمَتُها (شيمة: صفة) الغَدْرُ
6. تُسَائِلُني: مَنْ أنتَ؟ وَهي عَليمَة ٌ، وَهَلْ بِفَتىً مِثْلي عَلى حَالِهِ نُكرُ؟
7. فقلتُ كمَا شاءتْ وَشَاءَ لهَا الهَوى: قَتِيلُكِ! قالَتْ: أيّهُمْ؟ فهُمُ كُثْرُ
8. فَقُلتُ لَها: لَوْ شِئتِ لَمْ تَتَعَنّتي (تعنّت: سأل شيئاً فيه اللبْس والمشقّة)، وَلمْ تَسألي عَنّي وَعِنْدَكِ بي خُبرُ!
9. فَقالَتْ: لَقد أزْرَى بكَ الدهرُ بَعدنا، فَقُلتُ: مَعاذَ اللهِ بَلْ أنتِ لاِ الدهرُ
10. أُسِرْتُ ومَا صَحبي بعُزْلٍ لدى الوَغى، وَلا فَرَسِي مُهْرٌ، وَلا رَبُّهُ غَمْرُ (غمر: كثير العَدْو)
11. وَلَكِنْ إذا حُمَّ القَضاءُ على أمرِئٍ فَلَيْسَ لَهُ بَرٌّ يَقِيهِ، وَلا بَحْرُ
12. وقالَ أُصَيْحابي: الفِرارُ أوِ الردى؟ فقُلتُ: هُمَا أمْرَانِ، أحلاهُما مُرّ
13. وَلَكِنّني أمْضِي لِمَا لا يَعِيبُني، وَحَسْبُكَ من أمرَينِ خَيرُهما الأسْرُ
14. يَقولونَ لي: بِعتَ السلامَة َ بالردى، فَقُلْتُ: أمَا وَاللهِ، مَا نَالَني خُسْرُ
15. سَيَذْكُرُني قَوْمي إذا جَدّ جِدُّهُمْ (جدّ جِدّهم: سعوا جادّينَ)، وَفي الليلَة ِ الظلمَاءِ يُفتَقَدُ البَدْرُ
16. وَنَحْنُ أُنَاسٌ، لا تَوَسُّطَ عِنْدَنَا، لَنَا الصّدرُ دُونَ العالَمينَ أو القَبرُ
*126*
17. تَهُونُ عَلَيْنَا في المَعَالي نُفُوسُنَا، وَمَنْ خَطَبَ الحَسناءَ لمْ يُغْلِها (لم يُغلها: لم يكن غالياً عليها) المَهرُ
العاشقُ الأسيرُ، تذكّرُ المحبوبةِ والأوطانِ، الوفاءُ في الحبِّ، وصالُ المحبِّ، أسرُ الشاعرِ، الخياراتُ الصعبةُ، قضاءُ اللّهِ، الاستعدادُ للتضحيةِ، الحوارُ التصريعُ والتجريدُ، الأساليبُ البلاغيّةُ)
1. العلاقةُ بين البيتينِ الأوّلِ والثاني علاقةُ سؤالٍ بجوابٍ. وضّحْ ذلك.
2. كيفَ تنعكسُ صورةُ المحبوبةِ في القصيدةِ؟
3. صفِ الحالةَ النفسيّةَ للشاعرِ وهو يعاني محنةَ الحبّ
4. اِشرحْ ظروفَ أسرِ الشاعرِ والبديلَ الذي يقدّنهُ حلّاً لمشكلتهِ.
5. كيفَ تتصرّفُ لو كنتَ مكانَ الشاعرِ؟ علّلْ موقفَكَ.
6. أيُّ الأبياتِ فيهِ تلميحٌ إلى إمكانيّةِ الخلاصِ منَ الأسرِ؟
7. ما هيَ الصفاتُ التي يفخرُ فيها أبو فراسٍ الحمدانيّ بنفسهِ؟
8. بماذا يستفيدُ القارئُ من أسلوبِ الحوارِ المستخدمِ في القصيدةِ؟
9. هاتِ مثالاً على الطباقِ في النصِّ، مبيّناً الهدفَ من استخدامِهِ.
10. حلّلِ المطلعَ مِن حيثُ التصريعُ والتجريدُ.
11. ما هي الصيغةُ الصرفيّةُ في كلمة (أُصَيْحاب)، وكيف تكون الصيغةُ نفسُها في المفرد؟
*127*
*127*
محمّدُ بنُ الحسينِ بنِ موسى الرضيُّ العلويُّ. شاعرٌ عبّاسيٌّ شيعيٌّ، نالَ درجةَ الأشرافِ. وُلدَ في بغدادَ وماتَ ودُفنَ فيها، لكنّ رفاتهُ نُقلَ إلى كربلاءِ ودُفنَ بجوار الحسينِ بنِ عليٍّ.
مدحَ الخليفةَ الطائعَ والقادرَ والأمراءَ، ورثى الأصدقاءَ والحسينَ بنَ عليٍّ والملوكَ والعظماءَ، ونظمَ في الغزلِ قصائدَ تزخرُ باللوعةِ والرقّةِ والابتكارِ.
له ديوانُ شعرٍ، ونهجُ البلاغةِ (كتابٌ جمعَ فيهِ الرضيُّ خطبَ الأِمام عليِّ بنِ أبي طالبٍ وأقوالَهُ ووصاياهُ وعهودَهُ)، الحسنُ في شعرِ الحسينِ (وهو مختارانٌ من شعرِ ابنِ الحجّاج)، المجازاتُ النبويّةُ، مجازُ القرآنِ، مختارُ شعرِ الصابئِ، مجموعةُ ما دارَ بينَهُ أبي إسحاقَ الصابئِ مِن رسائلَ.
*128*
الشريف الرضيّ
1. يا ظَبيَةَ البانِ (البان: شجر طيّب الرائحة يمتاز بأغصانه الرّفيعة التي تشبّه بها القدود) تَرْعَى في خَمائِلِهِ (الخميلة: الأرض اللّينة الملتفّة الشجر)، لِيَهنَكِ (ليهنك: تجفيف ليهنئك) اليَوْمَ أَنَّ القَلبَ مَرْعاكِ
2. الماءُ عِنْدَكِ مَبْذُولٌ لِشارِبِهِ، وَلَيسَ يُرْويكِ إِلّا مَدمَعي الباكي
3. هَبَّت لَنا مِنْ رِياحِ الغَورِ (رياح الغور: الرياح القادمة من بلاد تهامة وهي منطقة الساحل الغربيّ من شبه جزيرة العرب) رائِحَةٌ بَعْدَ الرُقادِ عَرَفْناها بِرَيّاكِ
4. ثُمَّ اِنثَنَينا، إِذا ما هَزَّنا طَرَبٌ عَلى الرِحالِ، تَعَلَّلْنا بِذِكْراكِ
5. وَعدٌ لعَينَيكِ عِندِي ما وَفَيتِ بِهِ، يا قُرْبَ مَا كَذَبَتْ عَينيَّ عَينَاكِ
6. حكَتْ لِحَاظُكِ ما في الرّيمِ من مُلَحٍ يَوْمَ اللقاءِ فكانَ الفَضْلُ للحاكي
7. أنتِ النّعيمُ لقَلبي وَالعَذابُ لَهُ، فَمَا أمَرَّكِ في قَلْبي وَأحْلاكِ
8. عِندي رَسائِلُ شَوْقٍ لَستُ أذكرُها، لَوْلا الرقيبُ لَقَدْ بَلّغتُها فاكِ
9. هامَتْ بكِ العَينُ لم تَتبَعْ سِواكِ هوىً مَنْ عَلّمَ البَينَ أنّ القَلبَ يَهوَاكِ
10. يا حَبّذا نَفحَةٌ (النفحة: فوحُ الطيب) مَرّتْ بفيكِ لَنا، وَنَطْفَةٌ (النطفة: القليل من الماء) غُمِسَتْ فيها ثَناياكِ (ثنايا: جمع ثنيّة وهي الأسنان الأربع التي في مقدّمة الفم، سِنّانِ من أعلى وسِنّانِ من أسفل)
11. وَحَبّذا وَقفَةٌ، وَالرّكْبُ مُغتَفِلٌ عَلى ثَرًى وَخَدَتْ (وخَدَتْ: أسرعت المطيّة في سيرها) فيهِ مَطَاياكِ
12. لوْ كانَتِ اللِّمَةُ (اللِمّة: شعر الرأس) السّوْداءُ من عُدَدي يوَمَ الغَميمِ (يوم الغميم: من أيّام العرب. ويقصد لو كان شابّاً في هذا اليوم لما أفلتت من شِباكِهِ)، لَما أَفْلَتِّ أشراكي
*129*
اَلتغزّلُ، البكاءُ، رائحةُ المحبوبةِ، اَلذكرياتُ، اَلمشاعرُ المختلطةُ، رسائلُ الشوقِ، اَلقُبْلَةُ، اَلتعلّقُ، آثار المحبوبةِ، أَزمةُ العمرِ، الأساليبُ البلاغيّةُ.
1. يوظّفُ الشريفُ الرضيّ الغزالَ في تعابيرهِ الغزليّة. وضّحْ ذلكَ.
2. ينتقلُ الشاعر من ضميرِ المفردِ إلى الجمعِ في أكثرَ من موضعٍ. وضّحْ دلالةَ هذا الانتقالِ.
3. ما هيَ المشاعرُ المختلطةُ التي تظهرُ عندَ الشاعرِ؟ وما هيَ أسبابُ ظهورِها؟
4. هلْ تُعتبرُ القصيدةُ نموذجاً للحبِّ العذريِّ؟ علّلْ موقفَكَ.
5. ما هيَ أعضاءُ الجسمِ التي يورِدُها الشاعرُ في التعبيرِ عن حبّهِ؟ وأيّها أَجملُ تعبيراً؟ علّلْ.
6. ما هوَ تأثيرُ عملاِ الشاعرِ على علاقتهِ بمحبوبتِهِ؟
7. أيُّ الحواسِّ أكثرُ حضوراً داخلَ القصيدةِ؟ بيّنْ كيفيّةَ استدلالِكَ.
8. كيفَ تنعكسُ آثارُ المحبوبةِ على الراوي؟
9. هاتِ مثالاً على الاستعارةِ في النصِّ واشرَح الغَرَض من استخدامها.
10. اِشرحِ الدلالةَ المجازيّةَ للماء في البيتِ الثاني.
*130*
*130*
تطوّرَ الشعرُ الأندلسيُّ كما تطوّرَ الشعرُ العبّاسيُّ، نتيجةً لظروفٍ متشابهةٍ، كالدولةِ الجديدةِ، والبيئةِ الجغرافيّةِ الجديدةِ لقد حافظَ العربُ الفاتحون للأندلسِ على تقليدهِمْ وولائهِمْ لتراثهِم الشرقيِّ، واعتبروا أنفسَهُم في البدايةِ غُرباءَ في بيئتهِم الجديدةِ، فكان هنالك حنينٌ للشرقِ، وحرصٌ على التقليدِ، وظهرَ ذلكَ عندَ ابنِ عبدِ ربّه وابنِ هانئ وابنِ شُهَيدٍ.
بدأت حركةُ التحرّرِ في القرنِ الحادي عشر (الخامس للهجرة)، فأصبحَ الشعراءُ يمثّلون بيئتَهُم الجديدةَ، وفي الوقتِ نفسهِ يستفيدونَ من التغيّرِ الذي طرأ في الشرقِ بعد سقوطِ الأمويّينَ ونشوءِ الدولةِ العبّاسيّةِ، لكنَّ وتيرةَ التحرّرِ كانت بطيئةً، وقد راعى شعراءُ هذه المرحلةِ مبدأَ التقليدِ أيضاً، ومنهُم ابنُ زيدونَ وابنُ عمّارٍ والمعتمدُ بنُ عبّاد.
ظهرَ شعرُ التجديدِ في القرن الثاني عشر، حينما عشقَ الشعراءُ بيئتَهُم الجديدةَ وفضّلوها على الشرقِ، وانبَروْا يصفونَ جمالَها وتضاريسَها الجغرافيّةَ، مأسورينَ بطبيعتها الساحرةِ، ومنهُم ابنُ حمديسَ وابنُ عبدونَ وابنُ خفاجةَ ولسانُ الدين بنِ الخطيب.
تشابهتْ أغراضُ الأندلسيّينَ معَ الشرقيّينَ، لكنَّ الوصفَ أخذ دوراً أكبرَ، ونشأت أغراضٌ جديدةٌ مثلُ رثاءِ الممالكِ البائدةِ، والشكوى والاستنجادِ، وتطوّرت أغراضُ الغزلِ والمجونِ والخمرِ ووصفِ الطبيعةِ والعمرانِ.
تُعتبرُ معاني الأندلسيّينَ أقلَّ عمقاً من معاني المشارقةِ، ولغتهُم أقلَّ متانةً، لكنّها أكثر سهولةً وخيالاً، وأشعارُهُم أكثرُ موسيقيّةً، وقد جدّدوا في هذا البابِ ما يسمّى بالموشّحاتِ، وهي أشعارٌ خولفت فيها الأوزانُ والقوافي المتّبعةُ، واعتمدت على مبنى خاصٍّ، وكثر فيها التكلّفُ في الصنعةِ.
*131*
*131*
أحمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ زيدونَ المخزوميُّ، شاعرٌ وكاتبٌ ووزيرٌ أندلسيٌّ اشتهرَ بحبّهِ لولّادةَ بنتِ المستكفي، ولقّبَهُ بعضُ الكُتّابِ بحتريَّ الغربِ.
وُلدَ في قرطبةَ لأشرةٍ نبيلةٍ، ونالَ قسطاً من العلمِ والثقافةِ. حظيَ بلقبِ ذي الوزارتينِ لدى ابن جَهْوَر، الذي أقامَ دولةً على أنقاضِ الدولةِ الأمويّةِ. أحبَّ ولادةَ بنتَ الخليفةِ الأمويِّ المستكفي، وكانت أميرةً شاعرةً تخالطُ الشعراءَ والأدباءَ. نازعَهُ ابنُ عبدوسَ على حبّها، وأوغرَ صدرَ ابن جهور بأنّ ابن زيدونَ يسعى لإِعادةِ حكمَ الأمويّينَ، فحبسّهُ طويلاً، ولم تسعف رسائلُ ابنِ زيدونَ في استعطافهِ، فهربَ من السجنِ وقصدَ إشبيليةَ، حيثُ ولّاهُ المعتضدُ بنُ عبّادِ وزارتَهُ، وبقيَ في منصبِهِ زمنَ ابنِهِ المعتمد.
لابن زيدونَ ديوانُ بشعرٍ، تهكّميّةٌ كتبها في الوزيرِ ابنِ عبدوس على لسانِ ولّادةَ بنتِ المستكفي.
*132*
اِبن زيدون
1. أَضْحَى التَّنَائِي بَدِيْـلاً مِـنْ تَدانِيْنـا، وَنَابَ عَـنْ طِيْـبِ لُقْيَانَـا تَجَافِيْنَـا
2. غِيظَ العِدى مِنْ تَساقينا الهَوى فَدَعَوْا بـأَنْ نَغُـصَّ (نغضّ: نَشرَقُ عند الشرب)، فَقـالَ الدهْـرُ آمينـا
3. وَقَدْ نَكُونُ، وَمَا يُخْشَى تَفَرّقُنا، فَاليَوْمَ نحنُ ومَا يُرْجى تَلاقينَا
4. لَمْ نَعْتَقِدْ بَعْدَكُمْ إِلَّا الْوَفاءَ لَكُمْ رَأْياً، وَلَمْ نَتَقلَّدْ غَيْرَهُ دِينَا
5. بِنْتُم وَبِنّا (بانَ: بَعُدَ)، فَما ابْتَلّتْ جَوَانِحُنَا شَوْقاً إِلَيْكُمْ وَلا جَفَّتْ مآقِينَا (المآقي: مفردها المُؤْقي. وهو طرف العين من جهة الأنف وهو مسيل المع)
6. نَكادُ حِينَ تُنَاجِيكُمْ ضَمائرُنا يَقضي علَيْنا الأسَى لَوْلا تأسّينَا (التأسّي: الصبر)
7. حَالَتْ لِفقدِكُمُ أيّامُنا، فغَدَتْ سُوداً، وكانتْ بِكُمْ بِيضاً لَيَالِينَا
8. إذْ جانِبُ العَيْشِ طَلْقٌ، من تألُّفِنا، وَمَرْبَعُ اللّهْوِ صَافٍ، مِنْ تَصَافِينَا
9. وَإذْ هَصَرْنَا (هصرَ: ثنى الغصنَ وأماله) فُنُونَ (فنون: ضُروب) الْوَصْلِ دانية ً قِطَافُها، فَجَنَيْنَا مِنْهُ ما شِينَا
10. ليُسقَ عَهْدُكُمُ، عَهْدُ السّرُورِ، فَما كُنْتُمْ لأرْوَاحِنَا إلاّ رَياحينَا
11. لا تَحْسَبُوا نَأيَكُمْ عَنّا يغيّرُنا، إِنْ طالَما غَيَّرَ النّأْيُ الْمُحِبّينَا
*133*
الحبُّ بين الشاعر وولّادة، التجافي، الحسّادُ، لوعةُ الحبِّ، ذكرياتُ الوصلِ، دعاءٌ بالسعادةِ، التأْنيسُ، الطباقُ.
1. صفْ حالةَ التجافي بين الشاغر وولّادة كما يظهر في البيتينِ الأوّلِ والثالثِ.
2. ما هوَ دورُ الحسّادِ في التفريقِ بينَ العاشقَينِ؟
3. كيفَ كانتْ معاناةُ الشاعرِ في مرحلةِ التجافي؟
4. كيفَ تنعكسُ ذكرياتُ الوصلِ بينَ العاشقَينِ في نفسِ الشاعرِ؟
5. هاتِ دليلينِ من النصّ يثبتانِ بقاءَ الشاعرِ على حبّهِ وإخلاصِهِ.
6. كيفَ ينعكسُ مفهومُ الزمنِ من خلالِ تجربةِ الشاعرِ في العشقِ؟
7. هاتِ مثالينِ على الطباقِ واشرحْ دورَهُ في توضيحِ المعنى.
8. هاتِ مثالاً على التأنيسِ في النصّ، مبيّناً الغرضَ من استخدامهِ.
9. اِطرحْ سؤالاً لم يُسألْ حولَ العلاقةِ بينَ العاشقينِ.
10. اِبحثْ في شبكةِ الإِنترنتْ عن ولّادة بنتِ المستكفي وعلاقتِها بابنِ زيدونَ.
11. يُضْرَبُ ابنُ زيدونَ مثلاً للعاشقِ الصادقِ. ما رأيُكَ بهذا الموقفِ النبيلِ في الحبَ؟
*134*
*134*
أبو الحسن عليُّ بنُ زُريقٍ البغداديُّ، شاعرٌ عبّاسيٌّ مجهولٌ يروي كتبُ الأدبِ قصّةَ قصيدةٍ يتيمةٍ قالَها (لا تعذليهِ)، فاشتُهرَ بها.
اِرتحلَ ابنُ زُريقٍ عن موطنِهِ الأصليِّ بغداد، متوجّهاً إلى الأندلسِ، طمعاً في طلبِ الرزقِ، وسعةِ العيشِ، تاركاً زوجتَهُ في بغداد تنتظرُهُ، على أشدِّ ما يكونُ عليهِ الحبُّ والإِخلاصُ.
تروي الرواياتُ أنّ ابنَ زُريقٍ لم يُوفّقْ في مسعاهُ على أعتابِ الخلفاءِ والأمراءِ، وأنّ المرضَ ألمَّ بهِ واشتدَّ عليهِ، حتّى أودى بهِ في غربةٍ وفقرٍ وسقامٍ وُجدت تحت مخدّتِهِ أوراقٌ كُتبت عليها قصيدتُهُ اليتيمةُ، يضمّمُها مشاعرَ اشتياقِهِ وحبّهِ لزوجتِهِ، ورحلتَهُ في طلبِ الرزقِ.
لابنِ زُريقٍ قصيدةٌ يتيمةٌ لا غيرَ.
*135*
ابِن زُرَيْقٍ
1. لا تَعذِلِيهِ (عذلَ: لامَ) فَإِنَّ العَذْلَ يُولِعُهُ (يولعُهُ: يزيدُ عذابَهُ) قَد قَلْتِ حَقّاً وَلَكِنْ لَيسَ يَسمَعُهُ
2. جاوَزتِ فِي نصحِهِ حَداً أَضَرَّبِهِ مِن حَيثَ قَدَّرتِ أَنَّ النصحَ يَنفَعُهُ
3. فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاً مِن عَنفِهِ فَهوَ مُضْنى القَلبِ مُوجَعُهُ
4. قَد كانَ مُضطَلَعاً بِالخَطْبِ يَحمِلُهُ فَضُيَّقَتْ بِخُطُوبِ البَينِ أَضلُعُهُ
5. يَكفِيهِ مِن لَوعَةِ التَشتِيتِ أَنَّ لَهُ مِنَ النَوى كُلَّ يَومٍ ما يُرَوِّعُهُ
6. ما آبَ مِن سَفَرٍ إِلّا وَأَزعَجَهُ رَأيٌ إِلى سَفَرٍ بِالعَزمِ يُجمَعُهُ
7. كَأَنَّما هُوَ مِن حِلٍّ (حِلٌّ: إقامةٌ) وَمُرتحلٍ مُوَكَّلٍ بِفَضاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ
8. إِذا الزَمانُ أَراهُ في الرَحِيلِ غِنىً وَلَو إِلى السِنْدِ (السنْد: بلاد مجاورة للهند) أَضحى وَهُوَ يُزمِعُهُ
9. تأبى المطامعُ إِلّا أن تُجَشّمهُ (تُجشّم: تُكلّفُ) للرِزقِ كدّاً، وكم ممَّن يُوَدّعُهُ
10. وَما مُجاهَدَةُ الإِنسانِ تَوصِلُهُ رزقَاً، وَلادَعَةُ (دعة: راحة وسكينة) الإِنسانِ تَقطَعُهُ
11. واللهُ قسَّمَ بينَ الخَلقِ رِزقَهُمُ لم يَخلُقِ اللهُ مِن خَلْقٍ يُضِّعُهُ
12. لَكِنَّهُم مُلِئوا حِرصاً فلَستَ تَرى مُستَرزِقاً، وَسِوى الغاياتِ تُقنُعُهُ
*136*
مخاطبةُ النفس، عتابٌ قاسٍ، المعاناةُ المُضاعَفةُ: طلبُ الرزقِ والنوى، السفرُ والترحالُ، تقسيمُ الأرزاقِ، الحرصُ والقناعةُ، الطباقُ، التكرارُ.
1. مَنِ المتكلّمُ ومَنِ المخاطَبُ في القصيدةِ؟
2. ما هوَ الدافعُ لسَفَرِ الشاعر؟
3. صفْ معاناةَ الشاعر وهمومَهُ العاطفيّةَ والعائليّةَ.
4. في النصِّ حكمةٌ وخلاصةُ تجربةٍ. وضّحْ ذلكَ من خلالِ مثالٍ.
5. تُعتبرُ القصيدةُ يتيمةً للشاعرِ (لم يقلْ غيرَها)، لكنّها نالت شهرةً كبيرةً. لماذا في رأيِكَ؟
6. كيفَ تُقيّمُ الشاعر من خلالِ مسؤوليّاتِهِ؟
7. في البيتِ الثالثِ رؤيّةٌ تربويّةٌ معاصرةٌ لأساليبِ التعاملِ. وضّحْ ذلكَ.
8. هاتِ مثالاً على الطباقِ وآخر على التكرار، مبيّناً الهدفَ من استخدامهِما.
9. لماذا يتكلّم الشاعر عن نفسهِ بضمير الغائب؟
10. تخيّلِ ابنَ زريقٍ وافقاً على أعتابِ أحدِ الأمراء الأندلسيّينَ مُسْتجدياً. ماذا تتوقّعُ أن يقولَ لينالَ عطاءَهُ؟
*137*
*137*
الإِخبار أو الجملة الخبريّة هو الكلام الذي يحتمل التصديق أو التكذيب لذاته، كقول عنترة:
جادَتْ يَدايَ لَهُ بِعاجِلِ طَعْنَةٍ بِمُثَقّفٍ صّدْقِ الكُعوبِ مُقَوَّمِ
فيمكننا أن نصدّق ما قاله أو نكذّبه.
الإِنشاء أو الجملة الإِنشائيّة هو الكلام الذي لا يحتمل التصديق أو التكذيب لذاته. وهو نوعان: إنشاء طلبيّ كالأمر والنهي والاستفهام والتمنّي والنداء، وغير طلبيّ كالتعجّب والمدح والذمّ والقسم والرجاء.
من الأمثلة على الإِنشاء الطلبيّ قول جرير:
أَبُدِّلَ اللَيْل، لا تَسْري كَواكِبُهُ أَمْ طالَ حَتى حَسِبْتُ النَجْمَ حيرانا؟ (استفهام)
ومن الإِنشاء غبر الطلبيّ قول النابغة:
لَهُمْ شيمَةٌ لَمْ يُعْطِها اللهُ غَيْرَهُمْ مِنَ الْجودِ، وَالْأَحلامُ غَيْرُ عَوازِبِ (مدح)
الأدب (الأدب العربيّ):
هو الكلام البليغ المؤثّر في عواطف المتلقّينَ، ويُعنى بالآثارِ المكتوبة، شعراً ونثراً، ويقابله الأدب الشفهيّ وهو ما تتناقله الأجيال من حكايات وأشعار مع تقاليد الشعب. يهدف الأدب إلى الإِمتاع، ويلتزم قسم منه بقضايا الشعب، ويتأثّر بالتيّارات الفكريّة والسياسيّة والاجتماعيّة على مرّ العصور. قُسّم الأدب العربيّ إلى عصور أدبيّة، منها: الجاهليّ، الراشديّ، الأمويّ، العبّاسيّ، الفترة الأندلسيّة، أدب عصر الانحطاط، أدب النهضة، الأدب الحديث.
أدب الرحلات:
لون أدبيّ يتناول فيه المؤلف الرّحّالة ما يراهُ في رحلاته من عادات وسلوك وأخلاق وأحداث، مستخدماً السرد والوصف والتوثيق وكتابة الانطباعات. ويُعتبر أدب الرحلة، إلى جانب قيمته الأدبيّة والترفيهيّة، مصدراً هاماً للدراسات التاريخيّة والجغرافيّة والاجتماعيّة المقارنة. اشتُهر العرب بأدب الرحلة، ومن أهمّها (رحلة ابن بطّوطة) (770 ه)
*138*
يُعنى هذا الأدب بعقد مقارنة بين آداب الشعوب والأمم، سواء كان ذلك نتيجة تأثير مباشر، أو ثمرة نموّ تلقائيّ مستقلّ، وتكون المقارنة من حيث التشابه في الموضوعات، الأساليب الفنّيّة والتيّارات، دور الشخصيّات البارزة، الأسباب الداخليّة والخارجيّة لظهور ألوان أدبيّة جديدة، أو تفرّعاتها. يعاني الأدب المقارن من نظرة استعلائيّة للأجب الغربيّ الآداب الأخرى، بحيث يعتبر نفسه مركزيّاً ومثالاً يحتذى للآداب الأخرى. من موضوعات الأدب المقارن: تأثير الحداثة على الأدب الغربيّ من جهة، وعلى الأدب العربيّ من جهة أخرى، ظروف نشأة الرواية الغربيّة، مقابل ظروف نشأتها في الأدب العربيّ.
تناقض ظاهريّ بين لفظتين من مجالين مختلفين أو متناقضين، ينطوي على حقيقة عميقة بقصد إظهارها، أو تعبيراً عن الدهشة والإعجاب.
مثال: صديقانِ لدودان، جنّة الرماد، صوت الصمت.
هي الأساليب التي تندرج تحت علوم البلاغة الثلاثة: البديع، البيان والمعاني. تهدف هذه الأساليب إلى تحسين صيغ الكلام وتجميله، ونقل دلالاته من مستوى الحرفيّ إلى المستوى المجازيّ، وتقديم المعنى والفكرة بالتركيب اللغويّ المناسب للموقف.
من هذه الأساليب: الجناس، الطباق، التشبيه، الكناية، الأنشاء والإِخبار.
هو الخروج عن الأحداث ومسارها الأفقيّ، إلى أحداث جانبيّة تشكّل هوامش للحكاية المركزيّة، لأغراض مختلفة، قد تطول وتقصر، وقد تكون ذات صلة مباشرة بالأحداث المركزيّة وقد لا تكون، ومنها ما يكون ممتعاً أو مملّاً، ومبرّراً أو غير مبرّر.
من الأمثلة على الاستطراد، الحديث عن طموحات العميد بنيل جائزة نوبل والشهرة العلميّة في قصّة (حالة تلبّس)، إذ ليس هذا الانحراف النصّيّ جزءاً من الحدث المركزيّ.
*139*
هي استخدام وحدة لغويّة في غير استعمالها الأصليّ الذي وُضعت له، من خلال تشبيه بليغ حُذفَ أحدُ طرفيهِ (المُشبّه أو المشبّه به) ويكون ذلك لأهداف منها: التوضيح، التأكيد، التجميل، الإِنجاز. وتُعتبر الاستعارة من أهمّ أدوات رسم الصورة الشعريّة، وأشهر أنواعها المكنيّة والتصريحيّة.
من الأمثلة على الاستعارة المكنيّة قول الفرزدق في (وصف الذئب):
فَقُلْتُ لَهُ لَمّا تَكَشـرَ ضاحِكاً وَقَـائِمُ سَيْفي مِنْ يَدِي بمَكَانِ
حيث استعارَ ضاحكاً منَ الإِنسانِ وحذفَ المشبّه به. ومن الأمثلة على الاستعارة التصريحيّة قول سميح القاسم في (ليلاً على باب فدريكو): ترتجفُ على فمِكَ فراشهْ.
حيث استعار فراشة للدلالة على المشبّه المحذوف وهو الكلمة.
هو الاستفهام عن شيء بسؤال لا يحتاج إلى إِجابة، وذلك لأهداف منها: التقرير، التعجّب، التعظيم، التحقير، التوبيخ، الإِنكار، العتاب، التهويل.
من الأمثلة على الاستفهام البلاغيّ قول الخنساء وقول المتنبّي:
قذىً بعينِكِ أَمْ بِالعينِ عُوَّارُ أَمْ ذَرَّفَتْ إذْ خَلَتْ مِنْ أهلِهَا الدَّارُ (للتهويل)
بِمَ التَعَلُّلُ لا أَهلٌ وَلا وَطَنُ وَلا نَديمٌ وَلا كَأْسٌ وَلا سَكَنُ (للإِنكار والتحسّر)
هو الجزء الأوّل من الكلام، خاصّة الخطبة، الذي تتمّ الإِشارة به إلى الموضوع وطريقة العرض، ويهدف إلى تركيز أنظار المتلّقين وأسماعهم. ومن براعة الاستهلاك في القرآن الكريم:
(هل أتاكَ حديثُ موسى) (النازعات: 15)، حيث فيه إشارة للموضوع، والنيّة على القصّ، والتنبيه له من خلال السؤال.
هي سرد قصصيّ ابتدعته المخيّلة الشعبيّة لتفسير أسرار لم يفهمها الإِنسان، كعلاقته بقوى الطبيعة، أو معتقداته الدينيّة، أو سلوكيّات ما حوله، ومن ضمنها تجارب البشر وظواهر الكون. يغلب
*140*
على الأساطير ظهور قوى خارقة وشخصيّات خياليّة. استُخدِمت الأسطورة في الشعر العربيّ لغايات تفسيريّة رمزيّة ونفسيّة، ترتبط بتصوّرات الشاعر وتجاربه ورؤيته الشعريّة.
من الأساطير المستخدمة في الشعر أسطورة تمّوز عند السيّاب، وأسطورة طائر الفينيق عند أدونيس.
هو الطريقة الخاصّة في استعمال اللغة، التي تميّز كاتباً عن آخر، أو مدرسة أدبيّة عن أخرى، أو فترة زمنيّة، أو نوعاً أدبيّاً، أو مجالاً، فنقول: أسلوب الجاحظ، الأسلوب الرومانسيّ، الأسلوب العبّاسيّ، الأسلوب القصصيّ، الأسلوب العلميّ والأسلوب الصحافيّ.
هو زيادة اللفظ على المعنى لفائدة، فغِن خلا منها عُدّ تطويلاً وحشواً. من أهدافه التخصيص والتعميم والتوضيح والتكرار والاعتراض، ومثال ذلك في القرآن الكريم:
(وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤلاءِ مَقْطوعٌ مُصْبِحينَ) (الحجر: 66). والغرض منه توضيح ذلك الأمر.
هو عجز الخلق، فرادى ومجتمعين، عن أن يأتوا بشيء من مثله. ودليل ذلك قوله تعالى: (قُل لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) (الإِسراء: 88). ومن وجوه الإِعجاز: حسن النظم، أساليب البلاغة، تَضَمُّنُهُ الغيبيّات والحقائق التي لم يصل إليها علم البشر، الإِعجاز الرياضيّ.
هو صياغة مركّبات الواقع بطريقة غير مأنوسة أو مألوفة، ممّا يخاق حالة من الدهشة عند القارئ، تنعكس من خلال فجوة بينه وبين النصّ، تعميق عملية الاستيعاب، الأمر الذي يعني أنّ الإِغراب يُحْمَل محمل الرمز. من الأمثلة على الإِغراب قصّة (المرتبة المقعّرة) ليوسف إِدريس، حيث ينام الرجل
*141*
عشرات السنين ويغوص في المرتبة (السرير)، ثمّ يُلقى من النافذة والزوجة تقف قرب النافذةِ تنتظرُ استيقاظه ثمَّ تشاهد سقوطهُ دونَ أنْ تحرّكَ ساكناً.
تضمين الكاتب كلاماً منسوباً لغيره في نصّه، وفي البديع العربيّ تضمين الشعر أو النثر بآية أو حديث شريف. والاقتباس الاستهلاليّ اقتباس يرد في صدر الكتاب وله علاقة بالموضوع، ومن أمثلته ما ورد عن ابن عربيّ في مستهلّ قصّة (النخلة المائلة) لمحمّد على طه.
هو انتقال جهة الكلام من أسلوب إلى آخر، كان ينتقل المتكلّم من ضمير الغائب إلى المُخاطب، أو من الإِخبار إلى النداء.
يهدف الالتفاف إلى لفت انتباه المستمع أو القارئ إلى أسلوب الكلام، وإلى التنويع في طرائق العرض، وكسر الرتابة.
من ذلك قول أبي تمّام، وفيه انتقال من الغائب إلى المخاطب:
لَوْ لَمْ يَقُدْ جَحْفَلاً يَوْمَ الوَغَى لَغدا مِنْ نَفْسِهِ وَحْدَها في جَحْفَلٍ لَجِبِ
رَمى بِكَ اللهُ بُرْجَيْها فَهَدَّمَها وَلَوْ رَمى بِكَ غَبْرَ اللهِ لَمْ تُصِبِ
هو السرقة الأدبيّة، وتعني أخذ كلام مؤلّف آخر، أو معانيه وأفكاره، أو محاكاة أسلوب خاصّ به، وتقديمه على أنّه إبداعه، دون إشارة إلى صاحب الكلام.
نزعة أدبيّة أو نقديّة في الكتابة، لا تركّز على الجوهر والواقع وفق منهجيّة موضوعيّة، وإنّما تستعرض رسم ملامح المكان والشخصيّات والأحداث بأسلوب شخصيّ، وتتعمّد الانتقائيّة والمزاجيّة والنزعة الذاتيّة.
*142*
محاكاة الصوت للمعنى، وهو كل لفظ حُكي به صوت، أو صُوّت به لزجر، أو دعاء، أو تعجّب، أو توجّع، أو تحسّر:
مثال ذلك: صهيل، نقيق، أزيز، قعقعة. ومن الشواهد الشعريّة قول البحتريّ في وصف الذئب:
يُقَضْقِضُ عُصلاً في أسِرَّتِها الردى كَقَضْقَضَةِ المَقْرورِ أَرْعَدَهُ البَرْدُ
معتقدات وأفكار ومبادئ تنتمي إلى فئة أو طبقة أو تيّار أو نظام سياسيّ. ترفض النظريّة الأدبيّة الأيديولوجيا فرض تجريدات مثاليّة على التجربة الحيّة، وترى فيها تغليباً للسياسيّ والتأطير على الأدبيّ، المتحرّر والتلقائيّ. هنالك من يعتقد بوجود أيديولوجيا مضمرة في كل عمل أدبيّ، لأنّ الأفكار لا تأتي من فراغ، ولا بدّ أن تتقاطع مع الرؤية العامّة المرتبطة بالوضع البشريّ والطبيعة البشريّة.
انتقال شعور أو فكرة يبثّها العمل الفنّيّ إلى المتلقّي بطريقة خفّيّة، حول دلالته والجوّ السائد فيه، ممّا يولّد في ذهنه ونفسه ذائقة مرهفة لمتعة والاستيعاب تختلف حسب ثقافة هذا المتلقّي وحسّه.
هو جمع المعاني الكثيرة بكلمات قليلة، وهو نوعان: إِيجاز قِصَر ويكون بدون حذف، وإِيجاز حذف ويكون بحذف كلمة أو أكثر مع إِبقاء قرينة تدلّ على المحذوف. يكثر الإِيجاز في القرآن الكريم والحديث الشريف والأمثال والحكم والتوقيعات. ومن أمثلته في القرآن الكريم:
(قُلْنا احْمِلْ مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ) (هود: 40) ففي هذه الآية إيجاز يجمع كلّ من نجا في السفينة من مخلوقات بشريّة وغير بشريّة.
ومن الأمثال: (جزاءَ سنمّار)، حيث يختزلُ المثل قصّة كاملة من جزاء الإِحسان بالإِساءة.
*143*
مجموعة من العناصر والأساليب التي توظّف جَرْس الألفاظ وتناغم العبارات في توليد بيئة موسيقيّة داخل العمل الأدبيّ، ويبرز منها في الشعر الوزن والقافية والتكرار والتصدير والتصريع والترصيع. تكثر العناصر الإِيقاعيّة في القصص والروايات الحداثيّة للتدليل على شعريّة اللغة فيها.
هو وزن الذي يُنظم عليه الشعر العربيّ، وهو مؤلّف من أقسام تسمّى تفعيلات (مقاطع قصيرة وطويلة)، يتساوى عددها باستثناء حالات من الزَّحاف (تغييرات طفيفة في مبنى التفعيلة). تطوّرت بحور الشعر، بتأثير الحداثة، في الخمسينيّات من القرن العشرين، فنشأ شعر التفعيلة المعتمد على تكرار تفعيلة واحدة عدداً غير متساوٍ من المرّات داخل السطور الشعريّة. بحور الشعر ستّة عشر وأشهرها: الطويل، البسيط، الكامل، الوافر، المتقارب، الرمل.
هو مخاطبة الشاعر لنفسه، فكأنّما يجرّد من نفسه ذاتاً اخرى فيخاطبها. قد يخلق التجريد حالة من سوء الفهم بين الشاعر والمتلقّي السامع، فلا يفهم الأخير أنّ المقصود هو الشاعر، ويظنّ نفسه مقصوداً بالخطاب، كما حدث مع عبد الملك بن مروان، حينما غصبَ من جرير بسبب البيت:
أَتَصْحو أَمْ فُؤادُكَ غَيْرُ صاحٍ عَشِيَّةَ هَمَّ صَحْبُكَ بالرواحِ
ومن الأمثلة على التجريد قول أبي فراس الحمدانيّ:
أَراكَ عَصِيَّ الدمْعِ شيمَتُكَ الصبْرُ أَما لِلْهوى نَهْيٌ عَلَيْكَ وَلا أَمْرُ
تخريج الأحاديث النبويّة في الشرع يعني توثيقها من مصادرها المختلفة، ومعرفة الصحيح منها والضعيف، ومَنْ هم رُواتها، وما هي درجة صدقهم.
*144*
هو جلالة عدد من الكلمات المختلفة على معنى واحد، وهو توسيع للغة وإثراء لدلالاتها.
أسماء الأسد: (ليث، سبع، ضرغام، قَسْوَرة، ورد).
مرادفات الرحمة: (الرقّة، الشفقة، الحُنوّ، الحنان، العطف، الرأفة).
هو حذف آخر الكلمة تخصيصاً، كقول عنترة:
يَدْعونَ عَنْتَرَ وَالرِماحُ كَأنَّها أَشْطانُ بِئْرٍ في لَبانَ الْأَدْهَمِ
وترخيم فاطمة: فاطمَ، ومروانُ: مروُ.
تكرار لفظتين في البيت باختلاف الصلة المرتبطة بكلّ لفظة، عن التكرار بارتباط الأخير للصلة ذاتها. وللترديد وظائف مختلفة أبرزها الإِيقاعيّة والشعريّة والدلاليّة. ومن الأمثلة على الترديد قول المتنبّي:
إِذا أَنْتَ أَكْرَمْتَ الَكَريمَ مَلَكْتَهُ وَإِنْ أَنْتَ أَكْرَمْتَ اللئِيمَ تَمَرَّدا
تكرار (أكرمْتَ) لم يكن لغزاً زائداً لأنّ الصلة (الكريم أو اللئيم) اختلفت.
هو أن تتّفق جملتان أو أكثر في عدد الكلمات، مع اتّفاق كلّ كلمة مع ما يقابلها في الحرف الأخير.
مثال ذلك في النثر:
إنْ بعد المطر صحواً، وإنّ بعد الكدرِ صفواً
ومثال ذلك في الشعر قول إبراهيم طوقان:
مُتَدَفِّقٌ بِدِمائِهِ مُتَقَلِّبٌ مُتَعَلِّقٌ بِذِمائِهِ مُتَوَثّبُ
*145*
هو عقد مقارنة بين طرفين، في صفة أو أكثر، بهدف إبرازها. للتشبيه أربعة أركان هي: المشبّه، المشبّه به، وجه الشبه، وأداة التشبيه.
يمكن حذف وجه الشبه أو أداة التشبيه أو كليهما، ويسمّى التشبيه الذي يضمّ الركنين الأساسيّين فقط تشبيهاً بليغاً، والذي يضمّ العناصر كلّها تشبيهاً تامّاً.
مِن الأمثلة على التشبيه التامّ قول الخنساء:
كَأَنَّ عَيْني لِذِكْراهُ إِذا خَطَرَتْ فَيْضٌ يَسيلُ عَلى الْخَدَّيْنِ مِدْرارُ
مظهر من مظاهر الاستعارة، وهو خلع صفات الكائنات الحيّة على غير الإِنسان.
مثال ذلك قول محمود درويش في قصيدة (أنا يوسف يا أبي):
حينَ مَرَّ النَّسيمُ وَلاعَبَ شَعْري غارُوا وثاروا.
مظهر من مظاهر الاستعارة، وهو إعطاء صفة الإنسان فقط وأعماله لغير الإِنسان، سواء كان من الحيوان أو النبات أو الجماد أو غيره. يُعتبرُ التأنيس تشخيصاً، في حينِ لا يعتبر كلّ تشخيص تأنيساً.
مثال ذلك قول أبي سلمى في (ابنة بلادي):
في النَّهْرِ الضاحِكِ بَيْنَ الرُّبى تَحْسُدُهُ عَلى الهوى الْأَنْهُرُ
قيام الشاعر بالتصريع الداخليّ في كلّ من الصدر والعَجُز.
من ذلك قول أبي تمّام في فتح عمّوريّة:
تَدْبيرُ مُعْتَصِمٍ بِاللهِ مُنْتَقِمٍ للهِ مُرْتَقِبٍ في اللهِ مُرْتَغِبِ
*146*
كلمةٌ يكتبُها المؤلّف في أوّل كتابهِ يعبّر عن ملاحظات شخصيّة، كوجّهة إلى قارئ الكتاب، وتنتهي عادةً بفقرة فيها الشكر للأشخاص والهيئات التي ساعدت المؤلّف في بحثِه. وقد جرت العادة أن يُكتب تصدير جديد لكلّ طبعة جديدة لمُؤلَّف يُشار فيه إلى ما في الطبعة الجديدة من اختلاف عن الطبعة أو الطبعات السابقة عليها.
والفرق بين التصدير والمقدّمة أن التصدير لا يتعّدى الصفحتين أو الثلاث، في حين أنّ المقدّمة قد تبلغ فصلين من فصول الكتاب.
والتصدير في الشعر ردّ الصدر على العجُز (Epanalepsis): أن يُجعل أحد اللفظينِ المكرّرينِ أو المتجانسينِ (لفظاً دون معنىً) أو المشتقّين من الجذر نفسهِ في صدر البيت، ويُجعل اللفظ الآخر في عجُزِهِ.
مثال ذلك قول السموأل في لاميّته:
تسيلُ على حدِّ الظُّباتِ نفوسُنا وليستْ على غيرِ الظُّباتِ تسيلُ
هو اتّفاق صدر البيت وعَجُزُهُ في التقفية. يكثر وروده في المطالع، وهو فيها مستحسن، ولكنّه غير ضروريّ. يعتبر التصريع من العناصر الإِيقاعيّة، وأسلوباً لافتاً للسمع.
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْ دَهْرِهِ ما تَعَوّدَا وَعادَةُ سَيْفِ الدَّوْلَةِ الطَعْنُ في العِدى
التصوير الأدبيّ:
هو إبراز الانفعالات الداخليّة والخارجيّة بشكل معبّر. يتمّ ذلك من خلال الوصف النقليّ أو التحليل، والتشابيه والاستعارات والرموز. يُسمّى هذا الوصف في الشعر صورة شعريّة، يمكن رسمها، وهي لا تقتصر على نقل الواقع الخارجيّ، وإنّما يمكنها التعبير عن الواقع الداخليّ النفسيّ للشخصيّة.
*147*
هو عدم إتمام المعنى في بيت واحد، وقد اعتبر عيباً في الشعر العموديّ، بينما يعتبر مقبولاً في الشعر الحديث، لأهمّيّة الوحدة العضويّة في القصيدة. يخدم التضمين أو الجريان انسياب القصيدة وترابطها.
مثال ذلك قول أبي القاسم الشابيّ في (نشيد الجبّار):
وَأَقولُ لِلْقَدَرِ الّذي لا يَنْثَني عَنْ حَرْبِ آمالي بِكُلِّ بَلاءِ
لا يُطْفِئُ اللَهَبَ المُؤَجَّجَ في دَمي مَوْجُ الْأسى وَعَواصفُ الْأَرْزاءِ
توضيح معانيه، وبيان وجوه البلاغة والإِعجاز فيه، وشرح ما انطوت عليه آياته من أسباب نزول، وعقائد، وحكم وأحكام. أشهر مناهج التفسير التفسيرُ بالنقل والتفسيرُ بالعقل. يعتمد التفسير على علوم اللغة من نحو وصرف وبلاغة، وعلى علوم القرآن من قراءات وناسخ ومنسوخ، وعلى علوم الحديث. ومن أشهر التفاسير السنّيّة الطبريّ والقرطبيّ، والشيعيّة تفسير الطبرسيّ والقمّيّ، والمعتزلة تفسير الزمخشريّ.
هو مقطع من الخطبة تُناقشُ فيه حجج ويُثبتُ بطلانها، من خلال الكشف عن صعفها، وتقديم تعليلات مضادّة لها، يجري اعتمادها وإثبات صحّتها بأدلّة عقليّة ومنطقيّة، وبالاستشهاد بشواهد من القرآن الكريم والحديث الشريف والشعر والأمثال والحكم.
هو الإِيجاز والتركيز والاقتصاد في المعطيات القصصيّة أو الشعريّة، بهدف تفعيل القارئ في تأويل النصّ. يضمّ التكثيف جملة من الأدوات التي تسهم في تشكيله، منها: الرمز، التناصّ، الانزياح، الاستعارة، المفارقة، تسريع الحدث واختزاله.
التكثيف نوعان: بنائيّ ودلاليّ. التكثيف البنائيّ هو العمل على الحذف والإِضمار والإِيجاز والاختزال والترقيم، إلى أن تصبح كل علامة لها دور في النصّ. والتكثيف الدلاليّ هو العمل على الإِيحاء والتلميح والرمز والخيال والسخرية واللغة الشعريّة.
*148*
هو ورود وحدة كلاميّة (كلمة أو أكثر) بنفس اللفظ والمعنى والصلة مرَّتين أو أكثر، لغرض بلاغيّ، مثل التأكيد، التهويل، التحبّب، التوبيخ، الإِيقاع الشعريّ وما إلى ذلك. يقع التكرار في الشعر والنثر، ويكون على مستوى الجملة والكلمة، وهنالك ما هو على صعيد المعنى (تكرار معنويّ). مثال ذلك قول توفيق زيّاد في القصيدة (نيران المجوس): على مهلي أو على مهلي أو أشدُّ الضوءَ.
تكرار الصدارة أو القافية الاستهلاليّة (أنافورا)، كلمة أو جملة تتكرّر في بداية السطر الشعريّ أو البيت، وتهدف إلى التأكيد وإثراء الخنساء في (قذى بعينك):
تَـبكْي خُناسٌ فَما تَنفَكُّ ما عَمَرَتْ لَـها عَـلَيْهِ رَنـينٌ وَهْـيَ مِفْتارُ
تَـبْكي خُناسٌ عَلى صَخْرٍ وَحُقَّ لَها إِذْ رابَـها الـدَهْرُ إِنَّ الدَهْرَ ضَرّارُ
هو المبالغة في استعمال الأساليب البديعيّة، والإِسراف في استخدام الألفاظ المزخرفة، ممّا يؤدي إلى الابتعاد عن المألوف والطبيعيّ في أساليب التعبير، وتصبح اللغة غاية وليست وسيلة للتواصل والتعبير. من الأمثلة على التكلّف مقامات الحريريّ.
هي ذكر لفظ ذي معنيين، الأوّل فريب غير مقصود، والدلالة عليه واضحة، والثاني بعيد وهو المقصود، والدلالة عبيه خفيّة.
مثال ذلك قول لسان الدين بن الخطيب في موشّح (جادك الغيث):
وَرَوى النُعْمانُ عَنْ ماءِ السَما كَيْفَ يَرْوي مالِكٌ عَنْ أَنَسِ
فالقارئ يتوهّم أن النعمان بن ماء السماء هو المقصود، بدلالة ذكر شخصيّة مالك بن أنس، لكنّ المقصود بالنعمان هو شقائق النعمان، والمقصود بماء السماء هو المطر.
*149*
هو اللون الأدبيّ أو الجانر، صنف أو فئة من الإِنتاج الفنّيّ، له شكل وضوابط وتقنيّات ولغة، كالقصّة والشعر والمسرحيّة والمقالة والمقامة والرسالة. هنالك تداخل بين الاجناس الأدبيّة في أيّامنا، ولم تعد فكرة نقاء اللون أو بقائه على حاله قائمة، وإنّما هنالك توجّهات لكتابات عبر نوعيّة، وتمييع الحدود الفاصلة بينها، ومزجها مع بعضها، وإطلاق التسمية (نصوص) للتملّص من أسمائها المؤطِّرة والمحدّدة.
مبدأ مثاليّ يبحث في المقاييس التي تشكّل معايير الذائقة الأدبيّة للعمل الأدبيّ، كاللغة، مستويات الترميز، درجة الانزياح، نشاط القارئ، وغيرها. يعتبر مبدأ الفنّ للفنّ أساساً فلسفيّاً للمقاييس الجماليّة، لأنّ الهدف هو وصول البعد الجماليّ إلى إحساس القارئ.
هو تشابه تامّ أو كلّيّ بين لفظين أو اكثر، يختلفان في المعنى. أشهر أنواعه التامّ وغير التامّ. الجناس التامّ ما أتّفق اللفظان في نوع الحروف وشكلها وعددها وترتيبها، أمّا غير التامّ فهو اختلف فيه اللفظان في واحد من الأمور الأربعة السابقة، أو أكثر.
مثال الجناس التامّ قوله تعالى:
(وَيَوْمَ تَقوم الساعَةُ يُقْسِمُ المُجْرِمونَ ما لَبِثوا غَيْرَ ساعَةٍ) (الساعة: يوم القيامة، وساعة: وحدة زمنيّة).
ومثال الجناس غير التامّ قول أبي تمّام:
بيضُ الصفائِحِ لا سودُ الصحائِفِ في مُتونِهِنَّ جلاءُ الشكُّ والرِّيَبِ
(الصفائح: السيوف، والصحائف: الكتب)
هو أن ينكر الشاعر صراحةً أو ضمناً علّة الشيء المعروفة، ويأتي بعلّة أدبيّة طريفة تناسب الغرض المقصود، كأن يعلّل بقايا النار في الموقد ببقيّة الروح التي تعاني سكرات الموت. مثال ذلك قول علي
*150*
محمود طه في قصيدته (غرفة الشاعر):
غيرَ هذا السراجِ، في ضوئِهِ الشاحبِ، يهفو عليكَ مِنْ إشفاقِ
وبقايا النيران، في الموقدِ الذابلِ، تبكي الحياةَ في الأرماقِ؟
سرد قصصيّ يروي تفصيلات حدث واقعيّ أو متخيّل، يمتاز بالبساطة والحبكة المتراخية، أشهر نماذجه حكايات ألف ليلة وليلة. من أنواعه: الحكاية الشعبيّة والحكاية الخرافيّة، وتمتازان بالمؤلّف المجهول والتناقل بالرواية الشفهيّة، والإِنتاج الجمعيّ التراكميّ عبر الزمن، إِلّا أنّ الحكاية الخرافيّة تفوق الحكاية الشعبيّة اقتراباً من الخوارق والخيال والأساطير.
مقول موجزة تختزل معنى مفيداً وتجربة ناجحة في الحياة أو موقفاً من الواقع. لغتها بسيطة، وأحياناً تكون رمزيّة أو مجازيّة. مثال ذلك ما جاء في وصيّة أكثم بن صيفيّ:
(نفاذُ الرأيِ في الحربِ، أجدى من الطعنِ والضربِ).
هو تبادل الكلام بين اثنين أو أكثر، ومن خلاله يمكن معرفة نوايا الشخصيّات وأفكارها وما سيحدث من أحداث وردود أفعال. تعتمد المسرحيّة على الحوارِ، بينما تتناوب الرواية والقصّة على السرد والحوار، مع تغليب السرد.
الحوار نوعان: أحاديّ (مونولوج)، وثنائي (ديالوج).
المونولوج حوار داخليّ يخاطب فيه المرء نفسه، ويتمّ من خلاله استبطان العالم الذاتيّ للشخصيّة، وهو إرسال يخلو من التلقّي، بينما الديالوج أو الحوار الخارجيّ يكون بين طرفين أو أكثر، وهو إرسال وتلقٍّ، ومن خلاله تنطلق الأحداث وتتشابك الحبكة.
*151*
قصّة خياليّة على لسان شخصيّات غير بشريّة، خاصّة الحيوانات، تمثّل الإِنسان والقيم الأخلاقيّة والتعليميّة. أشهر نماذجها قصص كليلة ودمنة، وتستخدم التسمية أيضاً للتعبير عن قصص شخصيّاتها غيبيّة وأسطوريّة، وعن قصص خارقة للطبيعة.
هي مجموعة الظروف والأحداث الاجتماعيّة والفكريّة والسياسيّة والتاريخيّة للظاهرة الأدبيّة، أو العمل الأدبيّ. وتدلّ على الرصيد الثقافيّ والخبرة الموجودة لدى الكاتب والقارئ على حدّ سواء.
هو القدرة على تشكيل صور الأشياء والكائنات من خلال العقل. يتطلّب ذلك التنسيقَ والترتيب وتصوير المدركات المحسوسة، بشكل يتجاوز أشكالها الحقيقيّة المألوفة، إلى عالم من الخلق والإِبداع الذاتيّ.
لون أدبيّ يعتمد على الخيال، حيث يخلق الكاتب عالماً خياليّاً متعالقاً مع الواقع، أحداثه قد تكون في الماضي أو المستقبل، ومكانه قد يكون الأرض أو الكواكب أخرى، وشخصيّاته قد تكون بشرية وأخرى خياليّة، وقد تكون بشريّة تلتقي من أزمنة مختلفة. تعتمد أحداث قصص الخيال العلميّ على الحقائق ونظريات علميّة يتمّ توظيفها بشكل أساسيّ، وبهذا تختلف قصص هذا اللون الأدبيّ عن الفانتازيا.
هناك من يرى في بعض الأعمال الأدبيّة التراثيّة نواة لقصص الخيال العلميّ، مثل قصص ألف ليلة وليلة ورسالة الغفران.
*152*
أحد الفنون الشعريّة السبعة في الأدب العربيّ (الموّاليا، الكان وكان، القوما، الدوبيت، السلسلة، الموشّح، الزجل). يمتاز جميعها بالعاميّة وتنوّع القافية. أصله فارسيّ، ويتكوّن من كلمتين: (دو) بمعنى اثنين، و(بيت)، وكلّ بيتين في القصيدة متّفقان في الوزن والقافية ويكوّنان وحدة مستقلّة.
مثال ذلك بيت واحد من الدوبيت جاء في (نخلة على الجدول) للطيّب صالح:
الزول إن أباك خليّ واقنع منه وكم لله من دفن الجنى وفات منه
خطاب مُرسل بين طرفين، له هدف مقصود. وهو الأدب العربيّ على أنواع، منها:
الرسالة الديوانيّة: وتختصّ بتصريف شؤون الدولة والمكاتبات الإِداريّة، ويحتاج صاحبها إلى إتقان للغة والفقه. والرسالة الإِخوانيّة: وتختصّ بتبادل المساعر وأحوال الصداقة، شعراً ونثراً، بين الشعراء والكتّاب، ومن أغراضها المدح والهجاء والرثاء والاعتذار والعتاب والسخريّة، ومثالها في الأدب العربيّ رسالة ابن زيدون في ابن عبدوس. والرسالة الأدبيّة وتختصّ بخصال النفس البشريّة وأهوائها وطباعها، وهي عامّة لا تختصّ بشخصيّة، كصديق أو خصيم، ومنها رسالة الغفران وهي في الشعراء والأدباء.
أحد أحرف القافية الذي تُبنى عليه القصيدة، ويتكرّر بتكرار أبياتها، وهو لازم في كلّ بيت في القصيدة العموديّة. عُرفت بعض القصائد قديماً برويّها كلاميّة العرب للشنفرى، ولاميّة العجم للطغرائيّ، وسينيّة البحتريّ.
مثال ذلك حرف الميم المكسور في معلّقة عنترة، واللام المكسورة في معلّقة امرئ القيس.
هو توافق الحرف الأخير في الكلمات التي تنتهي بها الجمل أو العبارات المتتالية في السياق النثريّ، مع تعادل تامّ أو جزئيّ في الوزن. الغرض من السجع تعزيز الناحية الموسيقيّة، وإظهار موضع الوقف
*153*
من الكلام، وإبراز التوافق اللفظيّ، والفصل بين الجمل، ولفت انتباه القارئ أو المستمع.
وسجع الكُهّان لون أدبيّ معروف في الجاهليّة، وفي الشعر يسمّى السجع تقفية، وفي القرآن الكريم فواصل.
مثال السجع في النثر قول زهير بن جناب في وصيّته:
(إيّاكُمْ والخَوَرَ عندَ المصائبِ، والتواكُلَ عندَ النوائبِ)
نوع من الاستهزاء، يكون من خلال الدمج ما بين التعبير باللغة والأسلوب الموحي، وتعتمد أحياناً القصد بعكس ما يقال، كقولك للبخيل: ما أكرمكَ!
تُستخدم السخريّة بغرض الفكاهة في الأعمال المسرحيّة، وتختلف عن الساتيرا بأنّ الأخيرة تدمج بين السخريّة والنقد الهادف. تتجسّد السخريّة والساتيرا من خلال اللغة والمواقف، وللتلاعب اللغويّ استخدام بارز في هذين الأسلوبين. مثال السخريّة في القصّة (انهيار) لأحمد حسين:
(كيفَ تكونُ حيفا إذن أكبرَ منَ العالَمِ وهي قريةٌ صغيرةٌ فيهِ، مثلُ هذهِ الغرفةِ التي أنتَ فيها الآنَ أيّها الفأرُ الصغيرُ؟).
بناء نصّيّ كامل من فقرات مترابطة، له علاقة بما يسبقه وما يتبعه من فقرات وأجزاء. للكلمة في السياق معنى سياقيّ يميّزها عن المعنى المعجميّ، وللسياق العامّ للفقرة أو النصّ دور في التأويل والفهم. هنالك أيضاً السياق التاريخيّ أو السياق الاجتماعيّ الذي يُكتب فيه النصّ أو يُقرأ، وهذا يؤثّر بدوره على فهم النصّ.
يعتبر اقتطاع الجمل والاستشهادات خارج السياق الذي كانت فيه آفة نقديّة خطيرة، لأنّها تتّخذ أحياناً معنىً مضلِّلاً وقد يكون مخالفاً لمعناه داخل السياق.
مثال ذلك الاقتطاع خارج السياق الآية الكريمة (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعزيزُ الْكَريمُ) (الدخان: 49)، فقد نظنّها في المدح، وهي في الحقيقة في السخريّة من الكافر عند دخوله النار.
*154*
أحد الأفراد الخياليّين أو الواقعيّين الّذين تدور حولهم أحداث القّة أو المسرحيّة. ومنذ منتصف القرن التاسع عشر ميلاديّ، ومع تيّار الواقعيّة، ركّزت الأعمال الإِبداعيّة على الشخصيّة، باعتبارها فاعلاً في الحكاية، وأصبحت الشخصيّة حصيلة معطيات كثيرة، وعلاقات متشابكة في النصّ. وبذلك يمكن الإِشارة إلى أنّ مفهوم الشخصيّة (بوصفها صيغة وجود معيّنة لشخص ما) تَبَلْوَرَ من خلال الأعمال الإِبداعيّة، قبل الدراسات التنظيريّة.
الشخصيّة الّتي تقود الفعل وتدفعه إلى الأمام في الدراما والرواية أو أيّ أعمال أدبيّة أخرى. وليس من الضروريّ أن تكون هذه الشخصيّة بطلة العمل دائماً، ولكنّها الشخصيّة التي تستقطب أكبر كمّ من أحداث النصّ ولها حضور فاعل على امتداد الحبكة القصصيّة، وبدلك تُعرف وتميّز عن الشخصيّة الثانويّة.
على سبيل المثال ليلى هي الشخصيّة الرئيسيّة في قصّة (ليلى والذئب) لإِميلي نصر الله، ومفيد الوحش هو الشخصيّة الرئيسيّة في رواية (نهاية رجل شجاع) لحنّا مينة، والشيخ محجوب هو الشخصيّة الرئيسيّة في قصّة (نخلة على الجدول) للطيّب صالح.
شخصيّة مركّبة من مجموعة من السمات الّتي تبدو غير منسجمة، ولا تستقرّ هذه الشخصيّة على حال واحدة، ويصعب التّنبؤ بمصيرها، وهي قادرة على أن تدهش القارئ بما لم تتوقّعه إدهاشاً مقنعاً مرّات عدّة، ثمّ إنّها مع هذا الإِدهاش تقنعه بواقعيّة ما تفعل، ولها تأثير على الأحداث والشخصيّات الأخرى بسبب تطوّرها الدائم. من نماذج الشخصيّة المدوّرة، شخصيّة الراوي الطفل في قصّة (أخي رفيق) لسعيد حورانيّة.
شخص يظهر في العمل الأدبيّ ولا يزيد عن كونه اسماً، أو لا تعرضه أمامنا إلا سمة مفردة. ومن ميزات الشخصيّة المسطّحة أنّها لا تتطوّر ولا تكتمل، وتفتقد التركيب وتتمتّع بنفس الصفات، ولا
*155*
تدهش القارئ بما تقوله أو تفعله. ويمكن الإِشارة إليها كنمط ثابت أو كاريكاتير، يتذكّرها القارئ بسهولة، ولا تحتاج من المؤلّف إلى إعادة تقديم، لكونها لا تتطوّر عمّا كانت عليه. مثال على ذلك شخصيّة أمّ تحسين في قصّة (أخي رفيق) لسعيد حورانيّة.
هي الشخصيّة الّتي تمثّل شريحة معيّنة من شرائح المجتمع، فتطهر فيها صفات مجموعة من الناس، متماثلين في السمات دائماً، من أجل تمثيل دور معيّن يناسبهم ويُعرفون به، مثل فئة الفلّاحين، أو البخلاء، أو المرأة الشرقيّة. مثال على الشخصيّة النمطية شخصيّة فطمة في قصّة (موت الشعر الأسود) لزكريّا تامر.
هو عمل أدبيّ يقع في شكل موزون أو في لغة ذات نسق منتظم. وقد عرّف النقّاد القدماء الشعرَ على أنّه الكلام الموزون والمُقَفّى، غير أنّ هذا التعريف قد اختلف اليوم، لأنّنا نتوفّر على أشكال شعريّة حديثة مختلفة. إذ لم تعد القصيدة الكلاسيكيّة هي النموذج الوحيد للشعر، وإنّما تشكّلت أشكال جديدة، كشعر التفعيلة، وقصيدة النّثر. والشّعر فنّ إنشائيّ ولغويّ وإيقاعيّ، يهدف إلى تحقيق متعة خاصّة من خلال المعاني الّتي توظّف الخيال وتعبّر عن الإحساس والشعور.
عرف العرب الشعر منذ العصر الجاهليّ، ونظموا أشعارهم حسب بحور معروفة، واتّخذوا لهم أسواقاً للتجارة وإلقاء الشعر، وكان الشعر ديوانهم ومنبر قبائلهم، وكان للشاعر رواية يروي أشعاره وينشرها بين الناس.
هو طريقة الأديب في التعبير عن فكرته، والصيغة الّتي يصوغ فيها هذه الفكرة. فالشكل الشعريّ، مثلاً، ينطبق على تنظيم وحدات إيقاعيّة في بيت من الشعر، والشكل الروائيّ ينطبق على ترتيب الوقائع والأحداث في تقسيمات أوسع. تدخل اللغة والأساليب الفنّيّة ضمن الشكل، لكنّها تتعالق مع المضمون ولا يمكن الفصل بينهما وكلاهما وحدة واحدة من الفكر والخيال.
*156*
هي ما يقوم به الكاتب أو الشاعر من جهد فنّيّ في كتابة الأثر الأدبيّ. وتتجلّى الصنعة اللغويّة في العناء المبذول في صياغة العبارات، وتوشية الكلام بالمحسِّنات البديعيّة والأنواع الباغيّة الأخرى، وإخراج الأثر الأدبيّ بعد صقلِه وزخرفتِه، وشحنه بالمعاني والأخيلة المُبتكرة. وقد اشترط بعض النقّاد أن يكون الجهد المبذول في الصنعة اللغويّة خفيّاً، بحيث لا يشعر القارئ بالجهد العسير الذي رافق ولادة الأثر الفنّيّ.
من الأساليب القرآنيّة المعهودة، والّتي تعمل على تقريب المعنى من خلال ضرب الأمثلة المعروفة.
والغرض من ضرب الأمثال في القرآن: التذكير، الوعظ، الحثّ، الزجر، الاعتبار، التقرير، تقريب المُراد للعقل وتصويره في صورة المحسوس. وتأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر، والمدح، والذمّ، والثواب وتعظيم الأمر أو تحقيره وعلى تحقيق أمر أو إبطاله.
مثال ذلك: ضَرَبَ الله تعالى مثلاً لمن عَبَدَ مع الله غيرَه، كيف يكون مآلُ أعمالهم، فيقول تعالى:
(مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ) (إبراهيم: 18).
هو الجمع بين كلمتين متضادّتين في نصّ من الشعر أو النثر، سواءٌ كان المتضادّان بلفظ الحقيقة أو بلفظ المجاز، وسواء كانا من قسم واحد من أقسام الكلام أو من قسمين مختلفين. والغرض من الطباق النظر إلى الأمر وضدّه معاً، لأنّ كلّ واحد من المتضادّين يُبْرز الآخر، إذ من المعروف أنّ الأشياء كثيراً ما توضَّح بما يضادّها. وبالإضافة إلى ذلك فإنّ الطباق كثيراً ما يكشف عن التكامل الكامن بين المتضادّين ممّا يجعل المعنى المقصود أكثر شمولاً ووضوحاً.
أشهر أنواع الطباق: طباق الإيجاب وطباق السلب. والأوّل أن يكون التضادّ بلفظتين مختلفتين، والثاني أن يكون التضادّ بالإِثبات والنفي للكلمة نفسها. مثال الطباق بنوعيه قول أبي تمّام:
ضَوْءٌ (تحتها خط) مِنَ النارِ والظَلْماءُ عاكِفَةٌ وَظُلْمَةٌ (تحتها خط) مِنْ دُخانٍ في ضُحىً شَحِبِ (طباق أيجاب)
وَصَيَّروا الْأَبْرُجَ الْعُلْيا مُرَتِّبَةً ما كانَ مُنْقَلَباً (تحتها خط) أَوْ غَيْرَ مُنْقَلَبٍ (تحتهما خط) (طباق سلب)
*157*
هي الحالة الوجدانيّة الّتي تتميّز بالاستقرار والدوام، وبعدم العنف والثورة الّلذين يمّيزانها عن الانفعال.
ويترتّب على وجود العاطفة الميل إلى الشيء أو الانصراف عنه. ويترتّب على ذلك تأثّر القارئ ومشاركته الوجدانيّة لهذه العاطفة.
مرحلة زمنيّة من تاريخ تطوّر أدب ما، تتميّز بسمات خاصّة بتغليب مذهب من مذاهب الأدب على غيره، كأن نقول: (عصر النّهضة). ويشيع استعمال كلمة العصر في الكلام عن المدارس، والمذاهب الأدبيّة والفنّيّة. وتندرج في مدلولها عناصر، منها: العوامل السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة المكوّنة للنظام والمؤثّرة في طبقات الشعب، والمعطيات الثقافيّة من علم وفلسفة وأدب، والشخصيّات البارزة في شتّى الاختصاصات. وقد اتّفق مؤرّخو الأدب العربيّ على تقسيمه إلى العصور، هي: العصر الجاهليّ، عصر صدر الإِسلام، العصر الأمويّ، العصر العبّاسيّ، الحقبة الأندلسيّة، عصر الانحطاط، عصر النهضة، محاولين ربط التطوّرات الّتي حدثت فيها العوامل الّتي كيّفت العصور سياسيّاً واجتماعيّاً وثقافيّاً.
علمٌ يبحث في أوزان الشعر العربيّ، وهو قائم على التقطيع، وتقطيع الشعر يعني مقابلة ألفاظ الشعر بالألفاظ الّتي تؤلّف الميزان. وهذه الألفاظ تسمّى التفاعيل مثل: فعولن، مفاعلين، مفاعلتن، فاعلن، فاعلاتن، متفاعلن، مستفعلن مفعولات. وحروف هذه الألفاظ تقابل في الوزن حروف كلمات بيت الشعر: فالمتحرّك يقابل متحرّكاُ والساكن يقابل ساكناً. والتفاعيل هي لَبِنات البحر.
اختلف النقّاد في تحديد المفهوم من قولهم عمود الشعر، فرأى فيه بعضهم التقيّد بالقواعد الخليليّة، في المحافظة على شكل القصيدة، من التمسّك ببحر واحد فيها، ومراعاة شروط القافية، والمحافظة على البيت ذي الشطرين. وهذا هو المعنى الشّائع لعمود الشعر. ورأى البعض الآخر أَنَّ عمود الشعر هو في
*158*
توخّي المعنى الشريف، وجزالة اللفظ، والإِصابة في الوصف، والمقارنة في التشبيه، ومشاكلة اللفظ للمعنى واقتضائهما للقافية. وهذا القول ينسجم مع الطريق الّتي سنّها الخليل بن أحمد، وفي احترام التقاليد المتوارَثَة عن المدرسة القديمة.
هو نصّ فوقيّ يمثّل النصّ التحتيّ أو الأصليّ أو النصّ الأمّ بعلاقة تمثيل، ليس بالضرورة أن تكون تمثيلاً تامّاً. قد يحمل العنوان الفكرة المركزيّة، أو الحدث، أو الشخصيّة، أو الزمان، أو المكان. وقد يكون محايداً لا يعكس وجهة نظر الكاتب، وقد تأويليّاً تنعكس فيه قصديّة الكاتب. من وظائف العنوان الإِيحاء والإِغراء والوصف والتسميّة والاختزال والمفارقة والتضليل والاستفهام.
تعتبر العنونة مفهوماً نقديّاً حديثاً، وقد كانت النصوص القديمة تسمّى بطرقٍ مختلفة، مثلاً تسمّى القصائد بمطالعها أو بحرف رويّها، وكان القرآن الكريم سبّاقاً إلى تنظيم مفهوم العنونة من خلال تسمية سور القرآن، وأحياناً طرح أكثر من تسمية للسورة نفسها.
هو ما يرمي إليه المؤلّف من تأليفه للأثر الأدبيّ. وقد يصعب التمييز أحياناً في الأثر الأدبيّ بين الأدلّة الكامنة في النصّ، وبين الظاهرة فيه بالنسبة لغرض المؤلّف. والغرض في الشعر هو الهدف الرئيسيّ لكتابة القصيدة، كالمدح والوصف والفخر والرثاء. كثيراً ما نقصد بالأغراض الشعريّة: المواضيع الشعريّة.
الفنّ الأدبيّ هو الإِطار المحدود الّذي يُعالَج الموضوع ضمنّه، من حيث الأصول والأغراض والخصائص المميّزة له. والاتّفاق على وجود الفنون الأدبيّة هو وسيلة لتصنيف الموضوعات، وطرائق التعبير عنها. ومن أنواع فنون الأدب في النثر: الخطابة، التاريخ، المسرح، الرواية، الرحلة، السيرة، الرسالة، المقالة، الدراسة وغيره. وفي الشعر: الفنّ الغنائيّ، الفنّ الملحميّ، الفنّ المسرحيّ، الفنّ التعليميّ غيره. وقد تشمل الفنون الأدبيّة الأغراض والأشكال الأدبيّة مثل: الوصف، والرثاء، والغزل، والفخر، والمديح، والمقامة، والموشّح وغيره.
*159*
الفواصل، جمع فاصلة، والفاصلة في القرآن هي آخر كلمة في الآية، وهي بمثابة السجعة في النثر، وبمنزلة القافية في الشعر، وسمّيت فاصلة لأنّها فصلت بين الآيتين. والفواصل في القرآن الكريم أنواع، منها:
الفواصل المتماثلة: كقوله تعالى في سورة الفجر: (وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ).
الفواصل المتوازية: وهي أن تتّفق الكلمتان في الوزن وحروف السجع، كقوله تعالى في سورة الغاشية: (فيها سُرْرٌ مَرْفوعَةٌ، وَأَكْوابٌ مَوْضوعَةٌ).
الفواصل المتوازنة: وهي أن يُراعى في مقاطع الكلام الوزن فقك، كقوله تعالى:
(وَنَمارِقُ مَصْفوفَةٌ وَزَرابِيُّ مَبْثوثَةٌ).
عادات شعب وتقاليده الراسخة وحكاياته وأقواله المأثورة المحفوظة المتناقَلَة شفهيّاً في معظمها.
والكلمة لا تنطبق الآن على التناقل الشفاهيّ فحسب، بل تنطبق أيضاً على السجلّات المكتوبة للتقاليد والأدب والحذق اليدويّ والعادات الشعبيّة والطقوس والملابس والأدوات والمأكولات. ونجد الكثير من الفولكلور في الأشعار القصصيّة، وملاحم الحيوان، وقصص الجان والامثال، والحِكَم، والأساطير، والحكايات، والألغاز.
هي المقاطع الصوتيّة الّتي تكون في أواخر أبيات القصيدة، أي المقاطع الّتي يلزم تكرار نوعها في كلّ بيت. وهي، عُرف العروضيّين، من آخِر البيت إلى أوّل ساكن يليه، مع المتحرّك الّذي قبل الساكن. مثال ذلك قول حافظ إِبراهيم:
لِمِصْرَ أم لرُبوعِ الشَّام تَنْتَسِبُ هُنا العُلا وَهُناكَ المَجْدُ وَالحَسَبُ
أُمُّ اللُّغاتِ غَداةَ الفَجْرِ أُمُّهُما وإن سَأَلْتَ عَن الآباءِ فالعَرَبُ
والقافية أكبر من الرويّ، لأنّ الرويّ هو الحرف الأساسيّ الّذي ترتكز عليه القافية. (انظر: تعريف الرويّ).
*160*
تُطلق اللفظة على المرحلة العربيّة المُراوِحَة بين ظهور الأدب الجاهليّ ونهاية القرن الرابع الهجريّ (العاشر الميلاديّ). وشملت الأدباء، من شعراء وكتّاب، وباحثين ساروا على نهج متشابه، وتميّز خطّهم ببلاغة الأسلوب، ومعالجة موضوعات محدودة ضمن أطر مرسومة وعُمّمت اللفظة على مدرسة الإحياء الّتي ظهرت في أعقاب النهضة، كما سمّيت أيضاً (النيوكلاسيكيّة)، وحاول أتباعها السير على خُطى القدامى من حيث اختيار الألفاظ والتعابير والصور والموضوعات، حتّى قيس نبوغ الواحد منهم بمقدار اقترابه من إنتاج أديب عاش في المرحلة الكلاسيكيّة الأولى.
هي لفظ أُريدَ به معنىً غير معناه الأصليّ مع إمكانيّة إيراد هذا المعنى. والغرض من الكناية هو الابتعاد عن المباشرة، واستعمال التلميح بدل التصريح، وترك المجال للمتلقّي لكي يفكّر ويستنتج، مما يمنحه متعة أكبر في عمليّة التلقّي. من الأمثلة على الكناية قول الباروديّ:
فإِنْ يَكُنْ عودي بَعْدَ نَضْرَتِهِ فَالدَّهْرٌ مَصْدَرُ إِدْبارٍ وَإِقْبالٍ
(جفّ عودي) كناية عن الضعف. وفي قول البيّتي كناية أخرى: (مُدُن بلا فجر يغطّيها الجليد). المقصود أنّ هذه المدن باردة لا حياة فيها.
عبارة أو بيت من مجموعة أبيات تتكرّر في آخر كلّ مقطع أو دَوْر شعريّ من القصيدة. وقد كانت اللازمة سِمَة للشعر البِدائيّ تُساعد على إِنشائه وتذكّره. واللازمة من العناصر الّتي تميّز الشعر الغنائي عامّة، ولا يُشترط في اللازمة أن تكون دائماً عبارة مُكرَّرَة بنصِّها. فقد تعتريها تغييرات طفيفة في كلّ دَوْر، لا تثير الملل، أو حتّى يجد القارئ لِذّة في تغيير مُفاجئ غير متوقّع. مثال ذلك القصيدة المشهورة (الطلاسم) لإِيليّا أبو ماضي.
من أشهر معانيه أن يلتزم الشاعر حرفاً أو مقطعاً غير ضروريّ قبل الرويّ في جميع أبيات القصيدة،
*161*
كأبي العلاء المعريّ الذي كتبَ اللزوميّات، فالتزمَ بهذا الأسلوب لإِظهار براعتِهِ الشعريّة:
لم يقدرِ الله تهذيباً لعالمنا فلا ترو منّ للأقوامِ تهذيبا
ولا تصدّقْ بما البرهان يبطلُهُ فتستفيدَ من التصديق تكذيبا
فالتزام الذال لا لزوم له.
هي الإِسراف والغلوّ والتضخيم في التعبير بقصد التّأثير في القارئ، وفي تعريف آخر: هي مزايدة على الواقع بالإِشارة إلى أبعاده الشاعريّة لتحقيق البلاغة في النصّ. وللمبالغة صيغ صرفيّة معروفة كمفعال، وفعّال، وفعول وفعيل.
مثال المبالغة قوله تعالى:
(وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) (قسم من آية 40 في سورة الأعراف)
وقول الخنساء في رثاء أخيها صخر:
وإِنّ صخراً لمقدامٌ إِذا ركبوا وإِنّ صخراً إِذا جاعوا لعقّارُ
جملة مفيدة موجزة متوارَثة شَفاهةً من جيلٍ إلى جيل. وهو جملةٌ محكَمة البناء بليغة العبارة، شائعة الاستعمال عند مختلف طبقات الناس. وإذا يلخصّ المثل قصّة سابقة وخبرة غابرة فقد حظي عند النّاس بثقة تامة، وصدّقوه لأنه يهتدي في حلِّ مشكلة قائمة على خبرة مكتسَبَةٍ من مشكلة قديمة فيها عبرة لا تُنسى. وقد قيلت هذه العبرة في جملة موجَزَةٍ قد تُغني عن رواية ما جرى. والأمثال كتابٌ ضخم يتصفّح فيه القارئ أخلاق الأمّة وعبقريّتها وفطنتها وروحها، وللأمثال فضل عظيم في حفظ تراث الأمم.
هو صرف اللفظ عن معناه الظاهر الحرفيّ إلى معنى له علاقة غير مباشرة بالمعنى الحرفيّ. والمجاز من الوسائل البلاغيّة الّتي تكثر في كلام الناس، البلغاء منهم وغيرهم، وهي تصنَّف مع علم البيان.
*162*
مجاز عقليّ: وهو استعمال اللّفظ أو الفعل بأن يُسند إلى غير من هو له، بسبب علاقة ما، نحو: (شفى الطّبيبُ المريضَ)، فإِنّ الشّفاء من الله تعالى، وإِسناد الشّفاء إلى الطّبيب مجاز، بسبب وجود علاقة بين الطبيب والشفاء وإن لم يّشْفِ بنفسه.
ومجاز لغويّ: وهو لفظٌ استُخدمَ لغير معناه الحقيقيّ معيّنة، ومثاله قول الشريف الرضيّ:
الماء عندكِ مبذولٌ لشاربِهِ وليسَ يُرويكِ إلّا مدمعي الباكي
والماء يقصد به ريق محبوبته مجازاً.
وهي نوعان محسّنات لفظيّة، ومحسّنات معنويّة.
وجوه تحسين الكلام من ناحية اللفظ، كالجناس والسجْع، أو من ناحية المعنى، كالمُطابقة والتورية، ولزوم ما لا يلزم، والاقتباس، والتصدير.
قصائد جاهليّة طويلة بلغ عددها السبع ويقال العشر، برزت فيها خصائص الشعر الجاهليّ بوضوح، واعُتبرت أفضل ما بلغنا عن الجاهليّين من آثار أدبيّة. سُميّت بالمعلّقات لاشتقاقها من (العِلق) وهو الشيء النفيس، لا لإِنّها عُلّقت على الجدران الكعبة (كما قيل). اصحابها: اُمرؤ القيس، طرفة ابن العبد، زهير بن أبي سلمى، لبيد، عنترة، عمرو بن كلثوم، الحارث بن حاّزة، النابغة الذبيانيّ، الأعشى، عبيد بن الأبرص. وقد عاش جميعهم في النصف الأخير من القرن السادس للميلاد. وعُمِّر بعضهم إلى أن أدرك الإِسلام في القرن السابع.
المعنى المعجميّ: هو المعنى العامّ للكلمة، والّذي نجده في المعاجم والقواميس. والمعنى المعجميّ غير مرتبط بالسياق، وهو مجال ثابت إلى حدّ كبير. ومعرفة المعنى المعجميّ أمر سهل وقريب المنال، وذلك بالعودة إلى أيّ معجم أو قاموس متعارف عليه.
*163*
المعنى السياقيّ: هو معنى خاصّ مرتبط بسياق معيّن وله مناسبة محدّدة. في المعنى السياقيّ يكتسب المعنى المعجميّ معنىً جديداً أو أكثر. وتعتبر معرفة المعنى السياقيّ أمراً ليس هيّناً، كونه يقتضي الإِلمام بكلّ الاستعمالات الحقيقيّة والمجازيّة للكلمة، وهذه الاستعمالات قد تكون غير قابلة للحصر. مثال: الفعل (قَطَعَ) في معناه المعجميّ محدود وثابت. بينما في معناه السياقيّ متعدّد وكثير، مثل:
قَطَعَ العدّاء المسافة بعشر دقائق: اجتاز.
قَطَعَ سامر رأس الأفعى بفأس: بتر.
هي تناظر بين جملتين أو عبارتين، في الشعر أو النثر، فإِمّا أن تكونا مختلفتيْن أو متوافقتيْن في المعنى. وتضم المقابلة فرعيْن: مقابلة مُضادَّة: التي تأتي على سبيل الاختلاف، ومقابلة موافَقَة: وهي الّتي تأتي على سبيل التوافق. والأجود في المقابلة بفرعيْها أن يُراعى التوازن والتناظر التامّ بين الألفاظ في الجملتين أو العبارتين: كلّ كلمة وما يناظرها بالترتيب نفسه.
من الأمثلة على المقابلة المضادّة: (ليس له صديق في السرّ، ولا عدوّ في العلانية).
وقوله تعالى: (فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً) (التّوبة: 82)، حيث قابل بين الفعلين المشتقّين من الضّحك والبكاء، ثم بين الصّفتين قليلاً وكثيراً، مع مراعاة التناظر التامّ بين الألفاظ: الفعل أوّلاً ثمّ الصفة. ومن الأمثلة على مقابلة الموافقة قولنا: الحرُّ إِذا وَعَدَ وفَى وإِذا أنجزَ كَفى. حيث قابلْنا بين الأفعال (وعد، أنجز، وفى، كفى) مع مراعاة التناظر التامّ.
فِقرة من النثر أو الشعر، تشكّل عدداً من الأسطر أو الأبيات الّتي ترتبط بمعانٍ متقاربة، منطلقة من فكرة أساسيّة. والمقطع في الشعر جزء من قصيدة، أو أبيات قليلة لا يتعدّى عددها سبعة أو تسعة أبيات.
هي قصائد طوال، تدور حول قصص أبطال ومعارك ضخمة في فترة محدّدة من تاريخ الأمّة، وتهدف
*164*
إلى تمجيد مُثُل جماعيّة عظيمة، سواء كانت دينيّة أو إِنسانيّة أو وطنيّة، وذلك بسرد مآثر بطل حقيقيّ أو أسطوريّ تتجسّد فيه هذه المُثُل. وتعتمد الملحمة على مخيّلة إغرابيّة بخلقها عالما أكبر وأوسع من العالم المعروف. وتستند إلى سرد أحداث تمتزج فيها الأوصاف والشخصيّات، والحوارات والخطب والنصائح، وتندرج كلّها في حكاية تلفّها في وحدة واضحة. وتتميّز الملحمة بقوّة إِيحائيّة كبيرة بحيث تُخرِج السامع أو القارئ من عالم واقعيّ إلى عالم خياليّ جديد، كما تتميّز بلغتها المُغرِقة في التشابيه والاستعارات. وتدور الملحمة حول بطل، فتضخِّم مآثره وتخرجه من نطاق البشر العاديّين وتحوّله إلى رمز ممثّل لفكرة قوميّة أو إِنسانيّة. ولذلك امتزجت حياة الأبطالِ بحياة الآلهة في الملحمة الإِغريقيّة. ومن أشهر الملاحم:
(لإِلياذة) و(الأوذيسّة) الإِغريقيّتان، (المهاباراتا) الهنديّة، (الشاهنامة) الفارسيّة، وقد تُرجمت جميعها إلى العربيّة.
أمّا بالنسبةِ للأدب العربيّ، فلم يكن هذا اللّون شائعاً قديماً، وقد ظهرت بعض ملامح الشعر الملحميّ في الشعر العربيّ القديمِ، في قصائد الحماسة الّتي تصف المعارك، وتصوّر اقتحام الأبطال في ميادين القتال، وأشعار المعارك الحربيّة التي جرت بين العرب والفرس، أو بين العرب والروم، وكذلك في الحروب الصليبيّة. وهنالك من يعتبر قصيدة (فتح عمّوريّة) شعراً ملحميّاً، وهي القصيدة التي نظمها أبو تمّام في مدح الخليفة المعتصم عند انتصاره على البيزنطيّين وفتحه لعمّوريّةَ، بعد أن نصحَه المنجّمون بعدم الدخول في هذه الحرب.
وهنالك السِّيَر الشّعبيّة التي تعتمد على نقل الشفهيّ والتكرار، وقد أطلق عليها اسم ملاحم مجازاً، ومنها سيرة الزير سالم، وعنترة، وسيف بن ذي يزن، والأميرة ذات الهمّة، وسيرة بني هلال.
هو المعنى الّذي تستدعيه كلمة ما في ذهن الإِنسان غير معناها الأصليّ، نتيجة تجربة فرديّة أو جماعيّة مرّ بها. فكلمة (الأمّ) مثلاً، تثير في ذهن الفرد عادةً فكرة الحنان والعطف، أي مفهوم الحنان والعطف.
هي تبادل الكلام والآراء المتعارضة في موضوع ما يثير الجدل، كبعض الموضوعات السياسيّة أو الأدبيّة، بحيث يدلي كلّ طرف بحججه ومنطقة كي يثبت رأيه. عرف العرب الكثير من المناظرات في النحو والدين، وأشهر المناظرات النحويّة ما جرى بين سيبويه والكسائيّ حول المسألة (الزنباريّة).
*165*
هي دراسة يتمّ من خلالِها المقارنة بين فكرتين أو أثرين أو مدرستين أو عصرين تاريخيّين أو شخصين، بقصد الإِيضاح والترجيح. وقد كانت الموازنة أساساً، ومنذ الجاهليّة، للمفاضلةِ، وكانت مدرسة الحطيئة وكعب بن زهير مقابِلة لمدرسة الشمّاخ وأخيه مزرد. وفي صدر الإِسلام قامت الموازنة بين القرآن الكريم وكلام العرب، وكانت بين شعراء الرسول وخطبائه من ناحية، وشعراء الوفود العربيّة وخطبائهم من ناحية أخرى. وكان العصر الأمويّ زاخراً بالموازنة بين الفحول والغزليّين والسياسيّين من الشعراء، وبين الخطباء والأدباء جميعاً، فخلّف لنا ثروة نقديّة قيّمة على الرغم تأثّرها بالعصبيّات والأهواء والأمزجة. أمّا في العصر العبّاسيّ فقد بدأ هذا الفنّ النقديّ نشيطاً بين بشّار بن برد ومروان بن أبي حفصة، وبين أبي تمّام والبحتريّ، وبين المتنبّي وخصومة. وقد انسحبت الموازنة على النثر أيضاً، فكانت بين الخطباء والكتّاب وبين اللّفظ والمعنى، وفي كلِّ ما هو صالح لهذا الضرب.
مثال الموازنة في الأدب العربيّ كتاب (الموازنة بين أبي تمّام والبحتريّ) لأبي القاسم الحسن بن بشر الآمديّ. ومن المعاصرين كتاب زكي مبارك (الموازنةُ بين الشعراء).
أمّا الموازنة في البديع العربيّ فهي أن تكون الفاصلتان متساويتين في الوزن لا في التقفية، كقولِه تعالى: (ونمارقُ مصفوفة، وزرابيٌّ مبثوثة) (سورة الغاشية: 15، 16). فإِنّ (مصفوفة) و(مبثوثة) متّفقتان في الوزن الصرفيّ دون التقفيةِ. أو هي أن تكون أوزان الألفاظ متعادلة وأجزاؤها متوالية، كقول امرئ القيس: (أفادَ، وسادَ، وقادَ، وزادَ، وشادَ، وجادَ، وزادَ).
هي لقب لقصائد جاهليّة قيلت في وصف العدوّ، وقد أنْصَفَتْهُ، وتعاملت معه بموضوعيّة، كأن تتحدّث عن شجاعته ومروءته وبلائه في القتالِ، وتتحدّث عنه كمنتصر، ويقرّ بالمقابل قائلها بالهزيمة، كما اشتهر عن عمرو بن معدي كرب الزبيديّ، في إِنصافه لأعدائه، بعد هزيمة قومه من المعركة. هنالك شعراء تحدّثوا عن نصرهم على أعدائهم، كعنترة بن شدّاد، لكنّهم لم يبخسوا أعدائهم حقّهم من الصّبر والجلاد والفروسيّة.
هو اللفظ الواحد الّذي يدلّ على أكثر من معنى واحد. مثل طلمة (العين) فإِنّها تطلق علة عضو البَصَر، وعلى الجارية، كما تُطلق مجازاً على الجاسوس.
*166*
مجموعة المعاني والخواطر والأفكار الّتي يُرمَز لها بالألفاظ والصيغ الأدبيّة في النصّ الأدبيّ.
العبرة أو الدرس الأخلاقيّ الّذي يمكن استخدامه من أثر أدبيّ، سواء أراده مؤلّفه صراحةً أو جاء عن طريق الاستنباط. والمغزى موجود في أغلب القصص، وحكايات الحيوان، وحتّى الأساطير والخرافات الّتي تعتمد على تجسيد المعاني في حبكة رمزيّة.
اسلوب بلاغيّ يقوم بشكل أساسي على التضادّ بين المعنييْن الظاهريّ والباطنيّ. والمقصود أنّنا نسوق معنىً ما، في حين يُقصد منه معنىً آخر، غالباً ما يكون محالِفاُ للمعنى السطحيّ الظاهر.
وكلّما اشتدّ التضادّ بينهما، ازدادت حدّة المفارقة في النصّ. وقد نمت هذه الظاهرة في الشعر الحديث وفي المسرحيّة على مستوى اللفظ والموقف.
والمفارقة نوعان رئيسيّان، هما: المفارقة اللفظيّة ومفارقة الموقف أو السياق.
مثال مفارقة الموقف قول إبراهيم طوقان في (الحبشيّ الذبيح):
قالوا حلاوةُ روحِهِ رَقَصَتْ بِهِ فَأَجَبْتُهُمْ ما كلُّ رَقْصٍ يُطْرِبُ
وقول نزار قبّاني في قارئه الفنجان:
(مقدورْكَ أنْ تمشي أبداً في الحُبِّ على حدّ الخنجرْ)
ومثال المفارقة اللفظيّة قول يوسف إدريس: ورائحةَ ربيعٍ مُقبلٍ مُخيفٍ.
كلمة يونانيّة معناها معالجة الأساطير، أو هي علم الخرافات وأخبار الآلهة. والأبطال في جاهليّة التاريخ وكلّ ما له صلة بالوثنيّة وطقوسها وأسرارها ورموزها ومظاهرها.
*167*
هو التشديد على مقطع خاصّ من الكلمة لجعله بارزاً وأكثر وضوحاً في السمع من غيره من مقاطع الكلمة، أو هو رفع الصوت في كلمة أو عبارة لإِبراز أهمّيّتهما. ولا يكون نُطق اللغة صحيحاً إلّا إذا رُوعِيَ فيه موضوع النبر. وتختلف اللّغات عادةً في موضع النبر في الكلمات. ويبرز النبر في اللغة العربيّة في الخطابة، وفي تجويد القرآن الكريم.
هو النثر الّذي يخضع لقوانين معيّنة كأن يحتوي أفكاراً منظّمة تنظيماً حسناً، ومعروضة في أسلوب جّذاب، حسن الصّياغة، جيّد السّبك، جارياً على قواعد النّحو والصرف. وقد يأتي انتر في صورة خَطابة أو رسالة أو قصّة أو مناظرة أو تاريخ أدبيّ.
هو النثر الّذي تتضمّن موضوعاته التعريفات، والتعميم، وتوضيح الأفكار والمبادئ، بقصد تقديم المعاني في أسلوب سهل الإِدراك وغير عاطفيّ، يشيع ذلك في النصوص الوظيفيّة لا الأدبيّة.
كلامٌ خالٍ من التزام السجع في أواخر عبارته. وهو النثر الّذي كُتبت به التاريخ والفلسفة والفقه والأصول والتفسير والعلوم، وغيرها ممّا أبدعه العقل العربيّ والإِسلاميّ. حيث يجد الناثر من فسحة القول، وحريّة التعبير، والتصرّف ما قد لا يجده الشاعر أحياناً، نتيجة الالتزام بقيود الشّعر وضوابطه، من وزن، وقافية، وخصائص شعريّة ترهقه، وتضيق بها حرّيّته في التعبير.
نوع من النثر شاع في العصر الجاهليّ، خاصّةً ما عُرف بسجع الكُهّان. وهو نثر إِيقاعيّ دو فواصل مسجّعة. وفي تعريف ابن رشيق، هو: (لون فنّيّ يعمد إلى ترديد قطع نثريّة قصيرة، مُسَجَّعَة ومتتالية، تعتمد في تكوينها على الوزن الإِيقاعيّ أو اللفظيّ، وقوّة المعنى). ومن ميّزاته أنّه يأتي:
*168*
مُحكَم البناء، جزل الأسلوب، شديد الأسر، ضخم المظهر، ذا روعة في الأداء، وقوّة في البيان، ونضارة في البلاغة. لغته تمتاز بشديد التّعقيد، وكثرة الزخارف في الأصوات والإِيقاعات.
النحت اقتطاع كلمة واحدة من كلمات مشتركة أو من عبارة. أو: هي الطريقة الّتي يتمّ فيها جمع كلمتين أو عبارة باختيار أجزاء مناسبة من عدّة كلمات مختلفة، لتعطي كلمة واحدة في النهاية.
مثال على نحت من كلمتين: (كّفْرساوي): الشّخص الّذي يسكن في كفر ياسيف.
مثال على النحت من عبارة: (البسملة) من عبارة: بسم الله الرّحمن الرّحيم.
يعتبر النحت أسلوباً شائعاً في العربيّة. والغرض منه اختصار الكلام، والتمكّن من تسمية الأشياء بطريقة أسهل، ولتسهيل نقل المصطلحات العلميّة من اللغات الأوروبيّة الّتي تمتلك الآن زمام العلوم والمخترعات، ولتوسيع قواميس اللغة واشتقاقات الألفاظ. ومن أمثلة النحت: الحتلنة، التشاؤل، سلسبيل، ماهيّة، كهرومغناطيسيّ، برمائيّ وغيره.
هي حالة من يعشق نفسه، خاصّة جماله. اشتُقّت اللفظة من (نرسيس) أو (نرجس)، وهو شخصيّة أسطوريّة ورد ذكرها في الميثولوجيا اليونانيّة الني أشارت إلى أن نرسيس كان بارع الجمال، وتقول إِنّه وصل يوماً إلى يُنبوع، فرأى في الماء صورة وجهه فأُعجَب بها، واستغرق في نشوة داخليّة تائقاً في غيبوبته إلى التملّي من ذاته الأخرى، غير أنّه عجز عن تحقيق رغبته فانضنى ألماً حتّى مات. وتحوّل نرسيس إلى زهرة من نرجس، ورمز إلى الموت الباكر، وفق أقوال القُدامى. وقد عمد كثير من الأدباء العالميّين إلى هذه الشخصيّة وأفادوا منها في شعرهم وقصصهم. وانتقلت إلى الأدب العربيّ فابتعثها توفيق الحكيم في مسرحيّته (بيجماليون). ومن اسم هذه الشخصيّة اشتُقّت لفظة النرجسيّة. تتجلّى النرجسيّة في كثير من الآثار الفنّيّة، لا سيّما في الشعر، فنرى الشاعر يتّخذ من نفسه، من جماله وفنّه وقوّته، محوراً يدير حوله كلّ طاقاته الإِبداعيّة. وقد تصدر النرجسيّة عن مغالاة في الثقة بالنفس، أو عن تربية أرستقراطيّة متعالية. ويميل النقد الأدبيّ إلى اعتبار المتنبّي شاعراً نرجسيّاً من شعراء العصر القديم، ونزار قبّاني شاعراً نرجسيّاً من شعراء العصر الحديث.
*169*
هو فنّ تحليل الآثار الأدبيّة والتّعرّف على العناصر المكوّنة لها، والانتهاء إلى إصدار حكم يتعلّق بمبلغها من الإِجادة. وهو يصفها أيضاً وصفاً كاملاً، معنىً ومبنىً، ويتوقّف عند المنابع البعيدة والمباشرة، والفكرة الرئيسيّة، والعلاقة بين الأقسام، ومميّزات الأسلوب من حيث الشكل والمفردات والتركيب، وكلّ مركّبات الأثر الأدبيّ. والنقد أنواع: منه النقد الانطباعيّ والتفسيريّ والموضوعيّ والنقد البينيويّ وغيره.
يعني المصطلح أنّ العمل الأدبيّ ينبغي أن يكون له مبدأ التنظيم، بحيث يعمل على أن ترتبط الأجزاء معاً بطريقة تؤدّي إلى تشكيل كلّيّ عضويّ. وعلى الرّغم من أنّ النصّ الأدبيّ يمتلك علاقات واضحة منطقيّة بين الجزء والآخر، يختلف مصدر الوحدة من عمل إلى آخر، فقد تكون الحبكة، أو التشخيص، أو الفكرة الرئيسيّة، أو الجوّ النفسيّ، هي القوّة الدّافعة لتلك الوحدة.
نقصد بالوحدة العضويّة في القصيدة وحدة الموضوع، ووحدة المشاعر الّتي يثيرها الموضوع، وما يستلزم ذلك في ترتيب الصور والأفكار ترتيباً تتقدّم به القصيدة شيئاً فشيئاً، حتّى تنتهي إلى الخاتمة. والمقصود بوحدة الموضوع: هو أن يكون للقصيدة موضوع واحد من أوّلها إلى آخرها، وأن تتكامل أفكارها، وتكون مرتّبة ترتيباً منطقيّاً، بحيث تُسَلَّم كل فكرة إلى الّتي تليها، وترتبط بما قبلها ارتباطاً وثيقاً. أمّا المقصود بوحدة المشاعر، فهو أن تنسجم مشاعر الشاعر مع الموضوع الّذي يعبّر عنه، وأن تكون هذه المشاعر والعواطف هي المهيمنة على موضوع القصيدة.
والوحدة العضويّة هي أن تكون القصيدة كالكائن الحيّ، يكتمل بأجزائه كما يكتمل الجسد بأعضائه، فالقصيدة بهذا المعنى تصبح بناءً متماسكاً يهيمن عليه إحساس واحد، وأفكارها شديدة التلاحم، وكلّ فكرة تمهّد للأخرى، بحيث لا يمكن أن تُقدَّم أو تُؤخَّر فكرة عن أخرى، وإلّا اختلّ البناء الفنّيّ واضطرب بناء القصيدة.
*170*
هو التفعيلات ونظامها وتقطيعها في البيت الشعريّ المَصوغ حسب القواعد الّتي وصفها الخليل بن أحمد. والوزن في الشعر العربيّ قائم على أساس ظاهر من النغم، لأنّ الأذن الرّهيفة تهتدي وحدها إلى الخطأ، وإن كان صاحبها غير مثقّف ثقافة عروضيّة كافية. وللوزن أثر بليغ في تأدية المعنى، ولكلّ نوع منه خاصّ به يوافق لوناً من ألوان العواطف والمعاني الّتي يريد الشاعر الإِبانة عنها.
نهاية الكتابة